ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 07/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

مقدمات التغيير

الجمعة, 06 مايو 2011

حسام عيتاني

الحياة

يوم آخر من أيام الأزمة السورية. كل المقدمات تقول أن البلاد تغرق في «الحل الأمني» وأن وفرة القمع لن تعوض ندرة السياسة.

المقدمات عينها تعلمنا أن النظام لن يخرج سالماً من الأزمة هذه. ازدياد العزلة الدولية والتلويح الغربي بزيادة العقوبات رداً على القتل وعلى الاعتقالات الكثيفة، والتحذيرات التركية القاسية التي وجهها رجب طيب أردوغان، والمصالحة الفلسطينية، عناصر تشي بتراجع قيمة الموقع الاستراتيجي والتوازنات الإقليمية التي يعوّل الحكم عليها للبقاء، في أعين من كان يعلي من أهمية الموقع والتوازنات.

وما انفلات أصوات «أنصار سورية» في لبنان في حملة شتائم واتهامات فاقت كل الحدود، سوى الوجه الآخر للفشل السياسي والإعلامي في الداخل السوري، وانتقام لتعرض الحكم للنبذ الدولي، جراء تسليط أجهزة النظام الأمنية ومسلحيه على الفئات المعارضة. وغني عن البيان أن التراجع السياسي وهزال الأداء الإعلامي السوري لا يُعوضان بالاستعانة ببذاءة بعض السياسيين والصحافيين اللبنانيين.

بيد أن كل هذا يبقى على السطح والقشور. في الطبقة الأعمق قليلاً من جلد الحكم، نلمس الفراغ. فراغ يعبر عنه حلول «المصادر العسكرية» و «الجهات المعنية» الغامضة، مكان المتحدثين والمستشارين الذين ظنوا في الأيام الأولى أن فصاحتهم هي الإصلاحات التي يطلبها السوريون، ليكتشفوا بعد زمن لم يطل، أن ظهورهم التلفزيوني شأنه شأن إرسال الدبابات لاقتحام درعا وبانياس وحمص وغيرها، لم يوقف الحركة الشعبية المعارضة.

لم يفقد الحكم كل أوراقه الداخلية بعد. لم يخسر كل مؤيديه. لم يفقد قدرته على الترهيب والترغيب. لم يلقِ أوراقه الخارجية حتى اللحظة. لكن هذا وغيره لا يكفي لتشغيل «ماكينة» الدولة السورية. لقد رفض الحكم الدعوة الى حوار وطني. وعجز عن تصور مواطنيه غير جموع تنتظر ما يمن به عليهم من منح وكرامات. والموقفان هذان لا يمتّان الى السياسة كما تُمارس في القرن الحادي والعشرين بصلة.

عليه، حصل انهيار وسّع الهوة الهائلة الاتساع أصلاً، بين الناس والنظام وعمّقها. لقد انتهى الحكم في أعين فئات واسعة من الشعب وخصوصاً من فئات الشباب والفقراء والعاطلين من العمل وأهالي المدن المتوسطة والصغيرة والريف عموماً. وثمة من يقول أن السلطة تعيش الآن على رصيد آخذ في التضاؤل وليس في التراكم. الشرائح الاجتماعية التي ما زالت تساند الحكم، تقترب من لحظة الحقيقة: إما مع المستقبل أو مع الماضي. الحاضر عابر وغير قابل للحياة.

لذا، على السوريين وعلينا جميعاً كلبنانيين وعرب، التفكير في المرحلة المقبلة. لن تتفكك الصين إذا تغير النظام في سورية، على ما تنبأ سياسي لبناني مؤيد لدمشق، في مقابلة تلفزيونية. ولن تُحجب الشمس، على ما كان يحذر الخلفاء العباسيون من تراوده أفكار الانقلاب عليهم. سيرحل نظام ويأتي آخر. هذا كل ما في الأمر. لكن بأي ثمن؟

الحرب الأهلية خطر ماثل. الهروب نحو تصعيد في داخل لبنان أو جنوبه، ممكن أيضاً، سواء بمبادرة من النظام أو عبر محاولات أطراف أخرى استغلال المرحلة الانتقالية لتعزيز مواقعها. أما محاولة كسر الحركة المعارضة باقتحام القرى وترويع سكانها وإذلالهم، وإخفاء الرأس في رمال يتضح أنها متحركة، فليست غير محاولة لكسب وقت انتهى، حقيقة، منذ زمن.

===================

كيف تصبح نظاما غير فاشل؟

أمير طاهري

الشرق الاوسط

6-5-2011

منذ توليهم السلطة في دمشق عام 1963، أمر البعثيون السوريين بالتخلي عن حريات أساسية وقبول صعوبات مادية حتى يستطيع الجيش السوري تحقيق النصر على «العدو الصهيوني».

لكن ما حدث هو شيء مختلف تماما، حيث عانت سوريا من نكسات كبيرة، واحتلت إسرائيل أرضا سورية. وبدلا من محاربة إسرائيل، حاولت سوريا ضم لبنان لمصلحة الزمرة الحاكمة. وكان تكلفة الانتصار البعيد المنال الذي وعد به البعثيون كبيرة للغاية، فمنذ الستينات من القرن الماضي، يتم تخصيص نحو 25 في المائة من الميزانية السورية السنوية للجيش، وهو ما يصل إلى 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف ما تنفقه الولايات المتحدة، وستة أضعاف متوسط ما تنفقه دول الاتحاد الأوروبي على الدفاع. ومن حيث القيمة الحقيقية، يعادل إنفاق سوريا على المجال العسكري أربعة أضعاف ما تنفقه على الصحة أو التعليم.

وربما يتساءل السوريون عن مصارف كل هذه النفقات، وجاءت إحدى الإجابات عن هذه التساؤلات عام 1982، عندما تم إرسال الجيش إلى مدينة حماة لعدة أيام للقيام بالمجزرة التي راح ضحيتها الكثيرون (تتراوح التقديرات من 10.000 إلى 40.000 سوري).

ويعد النظام السوري نموذجا للأنظمة العسكرية والأمنية التي كانت موجودة في أوروبا خلال القرن الماضي، مثل نظام موسوليني في إيطاليا وهتلر في ألمانيا، وإلى حد ما في وقت لاحق، فرانكو في إسبانيا. وفي الثلاثينات من القرن الماضي، عاشت رومانيا والمجر تحت وطأة أنظمة من هذه النوعية.

وفي الأربعينات، انتقل هذا النموذج إلى أميركا اللاتينية، وكان أفضل مثال على ذلك هو نظام خوان بيرون في الأرجنتين.

وشهدت الخمسينيات انتشار هذا النموذج العسكري والأمني، مع بعض التعديلات الطفيفة، في الكثير من بلدان «العالم النامي». ومع ازدياد حدة الحرب الباردة، وصف استراتيجيون أميركيون هذا النموذج ب«القوة الثالثة»، وهو نظام بين الرأسمالية والشيوعية، وقاموا بتصديره إلى آسيا وأفريقيا كجزء من خططهم للحد من النفوذ السوفياتي والصيني. ونظم الرئيس جون كنيدي انقلابا عسكريا في فيتنام الجنوبية ليكون بمثابة أول تدخل من قبل الولايات المتحدة في الدول الأخرى.

وتم فرض هذا النموذج العسكري والأمني في مصر من قبل «الضباط الأحرار» في عام 1952، ثم انتقل بعد ذلك إلى المحيط العربي. وعلى مر السنين، سارت السودان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال على الدرب نفسه. ورأت الولايات المتحدة في جمال عبد الناصر الزعيم القادر على سحق اليسار وكبح جماح الجماعات الدينية.

ومع ذلك، أثبت النموذج العسكري والأمني فشلا ذريعا في جميع الحالات، فبدد نظام عبد الناصر موارد البلاد الشحيحة على الأسلحة غير المجدية في نهاية المطاف، وقاد البلاد إلى حروب كارثية مع إسرائيل.

وفي السودان، أثارت الأنظمة العسكرية والأمنية المتعاقبة حروبا أهلية استمرت حتى يومنا هذا، كما هو الحال في دارفور، واليوم، يجري تقسيم السودان إلى دولتين.

ولا يختلف الحال في العراق عن سابقيه، حيث عانى من أربعة عقود من الحروب الأهلية والخارجية والقمع الوحشي، انتهاء بالاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة والفوضى التي أعقبت ذلك. وفي اليمن، أدى هذا النموذج إلى حرب أهلية بدأت بالظلم والقمع وانتهت بالفوضى الحالية. وتم تقسيم ليبيا إلى طائفتين متناحرتين، في حين يستخدم «المرشد الأعلى» ما تبقى من جيشه لقتل شعبه. وأصبحت الصومال دولة فاشلة بعد سنوات الحكم العسكري والأمني تحت قيادة سياد بري. وأظهرت التجربة التونسية أن النجاح الاقتصادي النسبي لا يمكنه ضمان بقاء الأنظمة العسكرية والأمنية إلى الأبد.

وإذا ما نظرنا سريعا إلى ما يسمى اليوم ب«البلدان النامية» سيتضح لنا أن عهد الأنظمة العسكرية والأمنية قد ولى. وباستثناء الدول الشيوعية الأربع المتبقية - الصين وكوريا الشمالية وفيتنام وكوبا - نجد أن من بين أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 198 لا تزال ست دول فقط تعيش في ظل الأنظمة العسكرية والأمنية الكلاسيكية، منها أربع دول عربية وهي ليبيا والسودان وسوريا واليمن، بالإضافة إلى إريتريا، التي تعد دولة عربية من الناحية النظرية، وبورما.

والسؤال الآن هو: كيف ستنتهي الأنظمة العسكرية والأمنية؟!.. وليس هل ستنتهي هذه الأنظمة أم لا؟

في عدد من الحالات، يسمح هذا النوع من الأنظمة لنفسه بأن يتحول تدريجيا إلى نظام تعددي مع خضوع الأجهزة العسكرية والأمنية للسلطة المدنية، وهذا هو ما حدث في كوريا الجنوبية وتايوان واليونان والبرتغال وإسبانيا وتشيلي والأرجنتين وباراغواي والبرازيل وغيرها، ومن بين الدول الإسلامية كانت بنغلاديش وإندونيسيا أهم مثالين على هذا النموذج.

ويبدو أن تونس قد اختارت هذه الاستراتيجية، حيث سمحت النخبة العسكرية والأمنية للنظام بأن يتحول إلى نظام تعددي على النمط الغربي.

وفي حالات أخرى، احتفظت الأجهزة العسكرية والأمنية بدور رئيسي من دون الإصرار على التحكم في مقاليد الأمور بشكل حصري، وتعد كمبوديا وباكستان وتركيا أفضل مثال على ذلك. والآن، تضع النخبة العسكرية والأمنية في مصر جذور هذا الخيار.

وفي حالات قليلة للغاية، اختار النظام العسكري والأمني خيار «شمشون»، من خلال السعي لتدمير البلد على أمل يائس لتجنب زواله هو، ويظل نظام صدام حسين في العراق المثال الأكثر مأساوية على ذلك، في حين أن نظام عيدي أمين في أوغندا هو الأكثر هزلية. ومن الأمثلة الأخرى أنظمة الخمير الحمر في كمبوديا، وغالتيري في الأرجنتين.

اختار نظام القذافي الأبتر خيار «شمشون» الانتحاري، ويتضح ذلك من خلال تصريحاته التي تقشعر لها الأبدان عندما قال «من دوني لن تكون هناك ليبيا». وفي اليمن، غازل علي عبد الله صالح هذه الفكرة في البداية. ومع ذلك، لا يزال صالح الذي يعد أكثر ذكاء وربما أقل تشاؤما من القذافي، لديه فرصة للخروج بشكل منظم، وإن لم يكن بشكل كريم.

وفي السودان، يحاول جزء من النظام أن يجد مخرجا، ربما من خلال التخلص من الرئيس السوداني عمر البشير الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

ودائما ما يكون خيار «شمشون» جذابا للطغاة، وكان شعار «أنا والطوفان من بعدي» شعار كثير منهم. لكن ماذا عن سوريا التي تعد الموضوع الرئيسي لهذا المقال؟ الإجابة هي أنه قد تم احتلال درعا بدلا من تحرير الجولان، وهو الشيء الذي لا يمكن أن يكون مبعث فخر للنظام السوري.

وعلى الرغم من المذابح الحالية، فإن الجماعة الحاكمة لا تبدو متحدة إلى حد كبير لدعم سياسة الانتحار في نهاية المطاف، وقد يكون جزء من النظام (ربما مدعوما من قبل قطاعات من الجيش) مهتما بتجارب البلدان التي تمكنت من الانتقال المنظم إلى نظام قائم على حكم القانون. لكن ليس كل السوريين متحمسون لتقليد عيدي أمين وصدام حسين ومعمر القذافي.

===================

ثورة سوريا: ليس أمام عيونكم إلا أن تكسر المخرز

ماهر العيسى

الجمعة, 06 مايو 2011

الشبكة العربية العالمية

ياشباب سورية فات أوان التوقف أو التراجع. فالمشكلة الأساس في تعقيدات المشهد السوري الحالي وما يمكن أن يتطور إليه تكمن أولاً، في طبيعة فهم أهم أركان السلطة الفاعلة وأجهزتها لدورهم وعلاقتهم بالمجتمع الذي يديرون،

ف - حالة السيادة - على جميع مكونات "غنيمة الحرب" سورية التي فازوا بها بعد صراع ، مُشرّعة لديهم بما يشابه بل يطابق مفاهيم القذافي التي أطلقها في خطابه الشهير (نحن أحق بليبيا من هؤلاء الجرذان) !.

المسألة لدى أهل السلطة أنكم وأرضكم وثرواتكم وحقوقكم وأحلامكم وتاريخكم ومستقبلكم "حق مكتسب " تم بوضع اليد، والوقائع الحالية بتتاليها تثبت أن المقولة الشهيرة لما كان يسمى " بالقائد الدكتور " رفعت الأسد ما زالت تجد على الأرض أصداءاً وتطبيقات ( أخذناها بالبارودة فمن يريدها فليحاول أخذها بالبارودة) وهم يعرفون أنكم جميعاً لاتريدون لغة البارودة ويعرفون أنكم لن تعطوهم هذه الفرصة، وهاهم يستأسدون لحشركم بين خيارين لا يريدون احتمال غيرهما، إما البارودة أو أن تستمروا جزءاً من ملكيتهم. فهم يرون أنهم أكبر بكثير من مجرد سلطة، وأكبر بكثير من أن يهتف أحداً في وجوههم " حرية.. حرية " !! واكبر بكثير من أن يرضخوا أو حتى أن يستجيبوا استجابة مناسبة لتظاهر سلمي أو حتى عصيان مدني.

هنا لابد في هذا السياق من التوقف كدلالة لافتة عند استبدال السلطة لاسمها الطبيعي ومدلولات هذا الاسم، كجزء من حركة مستمرة قاموا بها لتغيير المفاهيم ومدلولاتها فنرى ابتداءاً من أعلى الهرم السلطوي نزولاً من يطلق على السلطة تسمية (الدولة) وهذا ماكرره مراراً بشار الأسد وبالأخص في خطابه البائس الأخير، فكأن اللاوعي لدى جميع أركان هذه السلطة بمختلف مستوياتهم يريد أن يشير إلى أنهم هم فقط قادرون على استكمال كل مكونات الدولة (الشعب ، والأرض، والسلطة) بل هم السلطة ومالكي الأرض والشعب.

وفي هذا السياق أيضاً يمكن فهم هذا العنف المسعور وهذه الهستريا المذهلة التي تظهرها أجهزة الأمن وباقي أجهزة حماية أهل السلطة، فإلى جانب أن هذا السعار يشكل المهمة الطبيعية التي هيؤوا لها نجد سبباً ذاتياً إضافياً رئيساً هو عدم رغبتهم في تصديق أن هناك من يتحدى سلطانهم وسطوتهم، وينازعهم فيما ليس قابلاً للنزاع؟! فكيف إن أتى هذا نفرٌ من الشباب لا ترى فيهم هذه الأجهزة إلا من اعتادوا الاستجابة والإنصياع وليّ الأعناق لمجرد حضور رجل أمن، أو ممثل للسلطة. وربما كان خير مشهد يمثل هذه الحالة ذاك المتظاهر في درعا الذي يناديهم من بعيد ويذكرهم بأنه ومن معه من أخوتهم ويتسأل (حدا بيقتل شعبه) فيردون عليه بالرصاص الحي!

للنظام السوري فرادة تتشكل من منظومات ثلاث هي : منظومة الطوارئ، ومنظومة الاستبداد، ومنظومة الفساد، وبمجموعها تشكل أركان بنيانه الأساسية لتحل محل النماذج المتفق عليها للدولة الطبيعية التي يتحدث علم الاجتماع السياسي ونظرياته عنها، وهي أيضاً بمجموعها شكلت آلة إنتاج الجحيم الذي استعر فيه السوريون على مدى أكثر من أربعين عاماً.

لا بد أن نتسأل:

1- ماذا لو أخذ من أهل النظام "منظومة الطوارئ" وما أنتجته من مراسيم وقوانين معيبة ومحاكم استثنائية وهزلية، وعلى رأس هذه المنتجات القانون الخاص بإعفاء أجهزة الأمن من المسآلة الجزائية عما تقترفه جراء دفاعها عن الوطن ومكتسبات الثورة!!، والقانون القراقوشي رقم 49 !! وغيرها من مراسيم وقوانين وتعليمات وأوامر مسوغاتها ما أنزل الله بها من سلطان أدارت دولة جمهورية من المفترض أن يكون فيها أقله برلمان وممثلين عن شعب، يراجعون هذه الحالة الطارئة كل ستة أشهر، وأقله يبحثون في اختراع لمسوغات استمرارها، التي ذابت واضمحلت حتى اختصرت هذه المسوغات في ملاحظتين ظريفتين تقولان أن سورية الدولة الوحيدة في العالم التي تسوغ استمرار فرض حالة الطوارئ لأن السلطة فيها تفاوض عدواً " بشكل غير مباشر" وهذه حالة حرب دبلوماسية؟!. أو أن السلطة في سورية استمرت في فرض حالة الطوارئ كل هذه السنوات تنبأً منها في أن القحط سيصيب أراض الجزيرة السورية وهذه كارثة طبيعية.

منظومة الطوارئ تشكل بالنسبة لأهل السلطة منظومة وظيفية وحيوية. ومن الطبيعي أن يحاولوا إن تنازلوا عنها لحماية أنفسهم بإنتاج قانون كقانون الإرهاب الذي يراهن الجميع على أنه سيكون بمقاييس ومواصفات أهل الحرب على الإرهاب الدوليين.

2- ماذا إن أخذ من أهل السلطة مقومات الاستبداد والاستئثار بالسلطة والثروة وعلى رأسها المادة الثامنة من دستور عام 1973 ، وما يليها من مواد ساندة لها في الدستور إياه، والقوانين التي تلته. هنا من المفيد التردد قليلاً عند وصف حزب البعث بالحزب الحاكم في سورية، لربما كان الوصف الدقيق لحاله أنه " مخزن " يتكدس ويتصارع ويتنافس فيه المتسلقون وأصحاب الحاجات، وحملة المباخر ! ولا تفتح لهم الأبواب إلا عند الحاجة والمناسبات وأهمهما الاستخدامات الأمنية لكوادر هذا الحزب، فبالتأكيد ومنذ زمن بعيد فقد هذا الكيان فعاليته كحزب يتكون من جَمعٍ منتج للأفكار والسياسات والخطط والبرامج شأنه شأن كل القوى السياسية الأخرى المتحالفة معه، بل وغالبية قوى المعارضة وإن كان عجزها لأسباب أخرى.

3- ماذا إن هدمت منظومة الفساد والإفساد بمكوناتها الهرمية التي يرعاها أركان النظام أساساً وبدورها ترعى مصالحهم. والتي امتدت إلى تحل محل جميع القوانين والتنظيمات والتعليمات والأوامر الإدارية ..... إلى أن حلت آخر ماحلت في عقولنا وساهمت مع باقي المنظومات في إعادة إنتاجنا كرعية أقل من مواطنين وحلت كشكل طبيعي لإدارة شؤون دنيانا؟ وها نحن نجد أنفسنا أمام استحقاق إعادة بناء الدولة ومؤسساتها والعلاقات فيها، وبيننا وبينها، وبيننا وبيننا، بل وحتى إعادة بناء ضمائرنا كأفراد.

الحد الأدنى بعد أن سفكت دمائنا في الحارات والشوارع هو إسقاط وإعادة بناء كل ذلك، وعند ذاك سيأتي سؤال وجيه جداً :

بلا حالة طوارئ ، وبلا استبداد واستئثار بالسلطة ، وبلا فساد ..

ماذا سيتبقى من النظام؟

وهل سيقبل أن يطلق النار في صدغه؟.

الواضح والأكيد أن النظام يريد بأقل قدر ممكن من الإنحناء للعاصفة إعادة ترتيب الأوراق وإعادة إنتاج نفس المنظومات بأدوات جديدة دون المرور بفترة المساءلة، وهي القضية التي تؤرق جميع أركانه وتقض مضاجعهم بعد أن شهدوا ما شهدوا في مصر على الأقل. فها نحن نجد أعلام النظام يصف الثورة المصرية بالفوضى والخراب بعد أن هلل لها واعتبرها انتصاراً له ولخطه "الممانع".

ياشباب سورية.. لا تنتظروا منه شيئاً ولم يعد هناك مكان للتراجع أو وقت للتوقف. ولا تختاروا خياراتهم.. وليس أمام أعينكم إلا تبقى مفتوحةً غاضبةً في وجوههم..

عندها ستكسر المخرز.

===================

سوريا.. بين الحسم العسكري واستمرار التظاهرات

 محمد الشيخ

إسلام أون لاين – الدوحة

6-5-2011

معركة كسر العظم التي تخوضها السلطات السورية ضد معارضيها الذين يزداد إصرارهم على مواصلة التحدي لا يبدو أنها في الطريق إلى النهاية قريبا، فقد تعهد اليوم الأربعاء 4-5-2011 ناشطون سوريون معارضون للنظام بمواصلة "ثورتهم" عبر تنظيم مظاهرات في جميع أنحاء البلاد.

 في حين رد الرئيس الأسد بالتأكيد على أن وحدات الجيش التي دخلت مدينة درعا المضطربة يوم 25 أبريل الماضي ستنهي مهمتها قريباً جدا، وهي إشارة إلى قرب حسم المعركة لصالحه، وبين صراع السلطة والمعارضة تزداد الضغوط الدولية على النظام السوري كلما استمر القمع للتظاهرات ، فقد حثت فرنسا رعاياها على مغادرة سوريا وطالبت الاتحاد الأوروبي بتبني عقوبات ضد الرئيس بشار الأسد.

صراع إرادات

في هذه الأثناء استمر الجيش في محاصرة مراكز عدة لحركة الاحتجاج، ونقلت وكالة "رويترز" عن شاهد عيان قوله إن طابورا من 30 دبابة تابعة للحرس الجمهوري السوري، وما يصل الى 70 شاحنة محملة بالجنود شوهدت على الطريق الدائري السريع المحيط بدمشق اليوم الأربعاء ، وأضاف الشاهد وهو عضو سابق في الجيش السوري إن "كل شاحنة تحمل من 20 الى 30 جنديا. القافلة كانت متجهة إما الى الشمال باتجاه حمص أو الى الجنوب باتجاه درعا".

وقال سكان إن دبابات وناقلات جند مدرعة، تنتشر عند المشارف الشمالية لمدينة الرستن على بعد 20 كيلومترا شمالي حمص و15 كيلومترا من مدخلها الجنوبي منذ صباح اليوم الأربعاء. وكان الرئيس السوري بشار الأسد أعلن أن وحدات الجيش التي دخلت مدينة درعا المضطربة يوم 25 أبريل الماضي ستنهي مهمتها قريباً جدا.

وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة "الوطن" السورية قول الرئيس الأسد يوم الثلاثاء 3 مايو، أمام وفد يمثل الفعاليات الأهلية في مدن دير الزور والبوكمال والميادين "إن كل بلد في العالم من الممكن أن يتعرض للأحداث التي تعرضت لها درعا".

وجاء لقاء يوم الثلاثاء ضمن سلسلة لقاءات يعقدها الأسد مع وفود تمثل مختلف محافظات سورية للإطلاع منهم مباشرة على أوضاعهم المعيشية والاستماع إلى مطالبهم.

في مقابل هذا الإصرار الحكومي على الحل العسكري للأزمة يواصل المعارضون تحديهم لتلك الإجراءات فقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن بيان أصدرته لجان تنسيق المظاهرات في مدن سورية عدة قوله "مستمرون في ثورتنا وفي مظاهراتنا السلمية في كافة أرجاء سوريا حتى تحقيق مطالبنا بالحرية".

ودان الناشطون قمع النظام والاعتقالات الواسعة في صفوف المعارضين مؤكدين أن النظام "عمد خلال الأيام الأخيرة إلى تكثيف عمليات الاعتقال بشكل فاق كل حد، بحيث أصبح متوسط عدد الاعتقالات يوميا لا يقل عن 500 شخص".

كما تحدث الناشطون عن "حملات مداهمة مكثفة تستهدف كل يوم مناطق بعينها"، كما أكدوا أن السلطات "تستخدم أبشع الأساليب في عمليات الاعتقال التعسفي تلك حيث تقوم عشرات العناصر الأمنية المسلحة باقتحام المنازل والتعرض لأهلها بالإهانة والترهيب".

احتواء التداعيات

وفي معطى جديد قد يؤثر على سير العمليات الميدانية بين الحكومة ومعارضيها تواردت أنباء خلال الأيام القليلة الماضية عن انشقاق في صفوف الجيش السوري في مدينة الرستن قرب حمص، ووردت صور نشرتها قناة "العربية" عبر الإنترنت تظهر التحاق بعض العسكريين بالمتظاهرين.

وفي أول تحرك من نوعه منذ اندلاع الاحتجاجات، شهدت المدينة الجامعية في مدينة حلب، ثاني أكبر المدن في البلاد، تظاهرة طلابية طالبت بالحرية وبفك الحصار عن مدينة درعا في الجنوب.

وعلى صعيد التأثير السلبي لاستمرار الاضطرابات على الاقتصاد السوري قال حاكم مصرف سوريا المركزي في تصريحات نشرت اليوم الأربعاء، إن البنك المركزي قرر رفع أسعار الفائدة نقطتين مئويتين وخفض الاحتياطي الإلزامي، والسماح بالادخار بالعملات الأجنبية، وذلك في إطار محاولة لاحتواء التداعيات الاقتصادية للاحتجاجات المناهضة للرئيس بشار الأسد.

وقال أديب ميالة في مقابلة مع جريدة الثورة السورية إن البنك قرر رفع الفائدة على شهادات الاستثمار بمقدار نقطتين مئويتين ليصبح سبعة بالمائة بدلا من خمسة بالمائة ورفع أسعار الفائدة التي تدفعها المصارف على ودائعها بالليرة السورية بنفس المقدار.

الفن يدخل المعركة

 وفي بادرة ستعطي زخما جديدا للتظاهرات المطالبة بإسقاط النظام السوري أو إصلاحه جذريا شارك عشرات السينمائيين الدوليين في التوقيع مع سينمائيين سوريين على إعلان يشجب حملة القمع التي تتسم بالعنف ضد متظاهرين مطالبين بالديمقراطية في سوريا. ونشر الإعلان هذا الأسبوع على موقع فيسبوك الاجتماعي على الإنترنت وجاء فيه "يقتل المواطنون السوريون العزل السلميون وتغتال أحلامهم في التغيير لمجرد مطالبتهم السلمية بمواطنتهم.

"إن الاستبداد والفساد الأمني الذي اعتقل السوريين وعذبهم وابتلع أحلامهم وأموالهم وعيشهم يقتل اليوم أجسادهم وأرواحهم بالرصاص." واستطرد الإعلان "ننادي كل سينمائيي البلدان العربية وفي العالم للمساهمة في وقف القتل بكشفه وشجبه وبإعلان التضامن مع شعب سوريا ومع حلمه بالعدالة والحرية والمساواة."

ووقع الإعلان المخرج اليوناني كوستا جافراس والمخرج الفرنسي السويسري جان لوك جودار والكاتب الأمريكي هاوارد رودمان والممثلتان الفرنسيتان كاثرين دونوف وجولييت بينوشيه من بين مئات آخرين من أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط.

وكان من بين السوريين الذين وقعوا الإعلان محمد ملص وأسامة محمد اللذان ساعدا المخرج السوري عمر أميرلاي في إخراج أفلام عن المشاكل الاجتماعية والسياسية تحت حكم حزب البعث السوري. كما وقع الإعلان أيضا المخرج نبيل المالح الذي تناولت أفلامه أيضا قضية والتهميش الاقتصادي والاجتماعي.

وكثيرا ما تعرض الفنانون السوريون للانتقادات خلال الأسابيع الماضية بسبب اصطفافهم مع صف النظام وهو ماجعل البعض يؤسس قوائم سوداء لوضع الفنانين المناصرين للنظام فيها في مقابل قوائم شرف تشيد بمن وقفوا مع الثورة ، وهو أسلوب ابتعته الثورة المصرية وتسبب في إحراج فنانين كبار وقفوا مع مبارك قبل سقوط حكمه ليجدوا أنفسهم في عزلة من جمهورهم ونقد لاذع .

وفي ظل استمرار المواجهات على هذا النحو وتهديد المتظاهرين بمزيد من التظاهر وسعي النظام لقمع الاحتجاجات ووقفها بأي شكل، يبقى المشهد السوري مفتوحا على كل الاحتمالات، وهو أمر يزيد من ضبابية المشهد العربي المليء بالمفاجآت.

 وتبقى للقوى العظمى والمجتمع الدولي كلمة الفصل في الضغط على النظام السوري لجهة البحث عن حل وسط بتوسيع الديمقراطية وفك قبضة حزب البعث الحاكم ، أو دعم المتظاهرين بشكل يمكنهم من تحريك المشهد بشكل يجعله أكثر قربا من المشهدين اليمني أو الليبي هذا إذا لم يختر النظام السوري اللحاق بنماذج أخرى انهت الصراع واختار أصحابها تجنيب بلادهم ويلات الحروب كما حدث في مصر وتونس رغم الفوارق الكبيرة بين النظام السوري وهذه الأنظمة .

===================

هل يلطخ أردوغان سمعته بدماء السوريين؟

مجلة العصر

02-5-2011

إسماعيل ياشا

كاتب متخصص في الشؤون التركية

اليوم الذي صرخ فيه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في وجه شمعون بيريز بمنتدى دافوس، قائلا: "أنتم تجيدون قتل الأطفال.. عندما يأتي الحديث عن القتل فأنتم أعلم الناس بالقتل"، صفق له الشعب السوري طويلا مع بقية الشعوب العربية الأخرى. واليوم الذي سقط فيه تسعة شهداء أتراك على متن سفينة "مرمرة الزرقاء" في عرض البحر، ازداد حبه لحكومة تركيا وشعبها.

إلا أنه اليوم في حيرة من أمره أمام موقف حكومة أردوغان من أحداث سوريا وتأييدها للنظام السوري.. وينتظر من رئيس الوزراء التركي أن يعترض على من يقتل كل يوم عشرات من المدنيين العزل في شوارع سوريا "دقيقة واحدة"، كما قال للرئيس الإسرائيلي.. ولكن بلا جدوى.. ويتساءل: "ترى، هل يلطخ أردوغان سمعته بدماء السوريين؟".. بعد أن اهتزت في ليبيا..

الحكومة التركية ما زالت تدعم بشار الأسد، وتظن أنه قادر على الإصلاح في سوريا، وبالتالي تعطي الأولوية حاليا لإنقاذ نظام بشار الأسد بأي طريقة كانت، وترسل إلى دمشق وفودا لتقدم للنظام السوري استشارات سخية حول كيفية الخروج من الأزمة، لأنها وضعت كل رهاناتها على مشروع "تطبيع النظام في سوريا بقيادة بشار الأسد"، ولكن الثورات العربية  غير المتوقعة  قلبت كل الحسابات.

بينما يقول القادة الأتراك: "اتصلنا بالرئيس السوري بشار الأسد"، و"أرسلنا إليه الوفد"، و"طالبناه بعدم استخدام القوة المفرطة في قمع الاحتجاجات"، "ونصحناه بالإسراع في إجراء الإصلاحات"، وما إلى ذلك من إطلاق التصريحات التي لا تحمل أي تنديد أو استنكار واضح لإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين المطالبون بالحرية والكرامة، ولا تطالب مثلا بفك الحصار عن مدينة درعا، ويُستشهد يوميا العشرات من الشبان وحتى الأطفال والنساء وتقصف البيوت والمساجد ويُطلق على المشيعين لجثامين الشهداء وابل من النيران وتسيل الدماء في الشوارع وتتراكم الجثث في ثلاجات الخضار.. الحكومة التركية تطالب بإعطاء المزيد من الفرصة لنظام بشار الأسد، ولكن مسلسل الإجرام والمجازر يتواصل دو توقف وحملة الاعتقالات والتعذيب على قدم وساق..

تقول حكومة أردوغان إنها نصحت بشار الأسد بعدم قمع المتظاهرين، ولكن تلك النصائح – على ما يبدو – اصطدمت بصخرة صماء. فهل يقبل أردوغان أن يتحمل مسؤولية الدماء التي تسفك والأرواح التي تزهق في المدن السورية خلال الفترة الممنوحة لبشار الأسد لإجراء الإصلاحات؟ وكم عدد القتلى "المفترض" حتى تسحب الحكومة التركية دعمها لبشار الأسد وتقول له "كفى"؟

مشكلة حكومة أردوغان في التعاطي مع الثورة السورية، ليست العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية مع سوريا ولا الحدود ولا التوازنات وحدها، وإنما معضلتها الأساسية، بالإضافة إلى كل ذلك، أن أردوغان بالغ وتمادى في علاقاته الشخصية مع بشار الأسد، حتى أصبحت عائلتا أردوغان والأسد وكأنهما مرتبطتان بصلات نسب وقرابة، ما يجعل تخلي أردوغان عن "أخيه" بشار أمرا يصعب على رئيس الوزراء التركي تقبله.

الحكومة التركية تدعي بأنها تؤيد مطالب الشعب السوري، وأنها ليست بعيدة عن المعارضة السورية، ولكن هناك عوامل تعمق الشكوك حول مصداقية حكومة أردوغان. فمثلا تابعت مساء السبت برنامج "من إسطنبول" على الفضائية التركية التي أطلقها أردوغان، وتحدث مقدم البرنامج الصحفي السوري حسني محلي (الذي وصفه أحد الكتاب الأتراك ب"صوت إذاعة دمشق"، في إشارة إلى قيامه بترويج سياسة النظام السوري في تركيا) طوال البرنامج عن أن هناك مؤامرة كبيرة ضد سوريا، وأن المندسين هم الذين يقومون بأعمال العنف ويستهدفون رجال الأمن، وأنه من حق أي دولة أن تقمع المتمردين، وما إلى ذلك حتى وصلت به الوقاحة إلى أن يسوي بين عناصر حزب العمال الكردستاني والشعب السوري الثائر على الظلم والطغيان.

إن كانت الحكومة التركية صادقة في دعواها بتأييد مطالب الشعب السوري، فلماذا إذن تسمح لأبواق النظام السوري باستخدام القنوات التركية الرسمية ووسائل الإعلام المقربة من الحكومة للتحريض ضد الشعب السوري الثائر ومحاولة تشويه الثورة السورية؟ ولو قام سكان درعا بمظاهرة احتجاجية على موقف الحكومة التركية كما فعل سكان بنغازي، فعلى نلوم؟ سكان درعا المحاصرين أم الحكومة التركية التي تفتح أمام حسني محلي وأمثاله جميع القنوات ليحرضوا الرأي العام التركي على الثورة السورية وعلى سكان درعا؟

من المؤسف جدا أن تتحول القناة التركية الناطقة بالعربية إلى منبر للمحور السوري الإيراني، ويعود الفضل في ذلك إلى المنسق العام السابق للقناة، "سفر طوران"، وإلى مدير مكتب الجزيرة السابق في بيروت غسان بن جدو، الذي قالت الإعلامية اللبنانية سحر ضاهر في تصريح لها لمجلة الشراع اللبنانية، إنه مدير القناة التركية من تحت الطاولة.

"سفر طوران"، معروف في تركيا بانتمائه للتيار المتأثر بفكر الثورة الخمينية ومقرب من حزب الله اللبناني، كافأه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بتعيينه مستشارا له في المرحلة القادمة. وأما الصحفي التونسي غسان بن جدو، فمعروف جدا لدى القارئ العربي ولا حاجة لمزيد تفصيل.

ولعل السؤال الصحيح الذي علينا أن نطرحه بعد كل هذه التساؤلات عن الموقف التركي الرسمي من الثورة السورية، هو "هل يمكن القول إن أردوغان لطخ سمعته بدماء السوريين؟".

======================

سوريا: الدروس العشرة التي لم يفهمها بشار

علي الصراف

الشبكة العربية العالمية

الأربعاء, 04 مايو 2011

الشبكة العربية العالمية - الشلل الذي تظهره السلطات السورية حيال مطالب الناس، ينم عما هو أخطر. فالنظام عاجز ومشلول؛ عاجز عن الإصلاح عجزه عن الفهم. وهو ما يدفع به الى المزيد من ممارسة العنف، وبالتالي الى المزيد من الشلل. والشلل جزء من الفشل.

الخشية الكبرى هي ان تسير سورية في طريق تخسر فيه الاستقرار وتتحول السلطة فيها الى سلطة جلاوزة يحكمون بالحديد والنار. وفي النهاية فان النتيجة ستكون واحدة.

وثمة فوق الفشل في السياسة، فشل في الذهن، وفشل في الفهم.

العالم الذي نعيش فيه لم يعد يستوعب الطغيان. هذا درس أول لم يستوعبه أركان النظام في دمشق.

وهو عالم لم يعد قادرا على التعايش مع اعمال الانتهاكات. فالأبواب التي تستر الفضيحة لم تعد قابلة للإغلاق، وبدلا من الباب الواحد، صار لها ألف باب. هذا درس ثان.

والسلطة لم يعد بوسعها ان تتحكم بالإعلام. هناك اليوم اعلام اجتماعي واسع النطاق يوفر بدائل للمعلومات. وبدلا من الحزب السياسي المغلق، صارت وسائل التواصل مفتوحة لكل الناس، والضمير الجمعي هو ما يبني الصلات بينهم. هذا درس ثالث.

مصالح العالم إذا كانت مترابطة، فان هذا الترابط يجلب معه مسؤوليات حيال ما يرتكب ضد الناس. هذا درس رابع.

إذا كان من مصلحة الغرب، في السابق، أن يحمي ويسند دكتاتوريات الفساد، فان المعادلة انقلبت عندما بدأ الناس يفرضون إرادتهم. وصار الغرب مضطرا لركوب الموجة، لكي لا يخسر مصالحه التي سيقررها الناس. هذا درس خامس.

وعندما ينهار جدار الخوف، فان كل الخيارات الأمنية تكون قد سقطت وأصبحت خارج التاريخ. وهو ما يعني ان الدبابة سقطت حتى قبل أن تخرج من الثكنات. وهذا درس سادس.

والقهر عندما يبلغ حدا، فانه يوحد الناس، ووسائل الفرقة والتمزيق لا تعود تفعل فعلها. هذا درس سابع.

والفساد قد يمكنه شراء بعض الناس، إلا انه، بسبب طبيعته بالذات، لا يمكنه شراء كل الناس. وهذا درس ثامن.

وتستطيع أن تقتل وتعتقل لتخيف. ولكن عندما يفشل القتل والاعتقال في تحقيق الهدف منه، فانه ينقلب وبالا على سلطته. وهذا درس تاسع.

والعاشر، إن الذين يعيشون بوسائل القمع قد يلجأون الى السلاح، ولكن ليس لأنهم أقوياء، بل لأنهم ضعفاء. ويعانون من الخواء. ولا يملكون لستر عارهم إلا نشر البلاء.

فاذا كنت واحدا ممن لم يفهموا هذه الدروس العشرة، فليس كثيرا عليك ان تتهم بالغباء. وسياستك إذ تورث الناس المرارة والشقاء، فانها لن تمنعهم من مواجهة الظلم بالشهداء. وقيادتك المظفرة التي سارت بالبلاد من الوراء الى الوراء، قد تغريك البطش وتزيل من جبينك الحياء، ولكنها لن تسدد النقص الفادح في كالسيوم الذكاء.

فإذا كنت لم تفهم إن فضيحة سلطتك باتت في العراء،

======================

ثورات العرب... لا شيء جامد أو مضمون!

Andre Glucksmann - City Journal

5-5-2011

الجريدة

امتدت الحماسة التونسية لتهزّ القلعة المصرية سريعاً، وما لبثت أن انعكست تلك الأحداث على معظم أنحاء الشرق الأوسط، آخرها سورية، فالأمر أشبه بقنبلة ذرية رمزية تهز أشكال القمع القديمة التي تبدو الآن طوعية؛ مما يمهّد بالتالي إلى حصول دمار تلقائي.

لقد غيرت العولمة مسار العالم خلال ثلاثين سنة الماضية، لكن نقطة قوتها لا تقتصر على الناحية الاقتصادية، لقد انتشرت موجة من الحرية من دون أي قيود! فأحياناً، تنجح هذه التحركات في تحقيق أهدافها (مثل الثورة المخملية). وفي أحيان أخرى، تسير الثورات ضد الآليات السياسية والعسكرية القائمة، سواء كان النظام علمانياً (تيانانمين 'ميدان السلام السماوي'، عام 1989) أو دينياً (إيران، عام 2009). لا أهمية لذلك فعلاً! لن تصمت بعد الآن هتافات الأجيال الشابة في عصر العولمة (عبر المواقع الإلكترونية بشكل أساسي): 'تراجع!'، 'ارحل من طريقنا!'، 'أفسح لنا المجال!'... امتدت الحماسة التونسية لتهز القلعة المصرية سريعاً، وما لبثت أن انعكست تلك الأحداث على معظم أنحاء الشرق الأوسط، آخرها سورية، فالأمر أشبه بقنبلة ذرية رمزية تهز أشكال القمع القديمة التي تبدو الآن طوعية؛ مما يمهد بالتالي إلى حصول دمار تلقائي.

بغض النظر عن إعجابنا بالحشود التي تغلبت على مخاوفها، لا بد من التعليق على عنصر المفاجأة الذي أدى إلى خسارة القوى القائمة، فلنحلل فكرتين قديمتين تعودان إلى نهاية الحرب الباردة: أولاً، فكرة أن الشرخ بين الشرق والغرب استُبدل بصراع بين 'الحضارات'، وثانياً الاعتقاد السائد بأن الحرب الباردة سيتبعها سلام بفعل العقلانية الاقتصادية. يشير تفجر الوضع العربي- الذي يكشف عن مدى تفكك كيانات معروفة مثل 'العالم العربي' و'الحضارة الإسلامية'- إلى عدم صوابية هذه الأحكام المسبقة، فكم مرة سمعنا أن الحرية والديمقراطية لا تعنيان شيئاً بالنسبة إلى الشارع العربي مادام بقي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عالقاً؟ لقد كان الناس يرفضون تقبل الوضع ويناقشون القضايا في الجامعات وفي أوساط المفكرين، وكانوا يصنفون الآخرين بحسب نمط تفكيرهم الأوروبي أو الصهيوني أو المدافع عن حقوق الإنسان، ولم تعد هذه النزعة الحتمية تنطبق على المغرب العربي أو الشرق الأوسط.

بغض النظر عما سيحصل، يجب أن نرحب بالانتفاضة العربية بكل تعاطف وبشيء من الحماس، كما قال 'كانت' عن الثورة الفرنسية، مع أنه رفض عدداً من التحركات التي طبعتها، فلا سبب يدعو إلى البكاء على أطلال حاكم استبدادي. أريد رؤية نهاية الحكام الشيوعيين في أوروبا وفي الشرق، فضلاً عن سقوط سالازار وفرانكو وصدام حسين، فلماذا نندب رحيل بن علي ومبارك إذن؟

لكن لا أحد يستطيع توقع ما سيحصل في المرحلة المقبلة، فالحرية تتمتع بقوة قلب الموازين، وحسب تحليلات فريديريتش شيلينغ، قد توصلنا الحرية إلى أعمق هاوية أو قد ترفعنا إلى أعلى المستويات. يبين لنا مسار أوروبا التاريخي أن الثورة قد تؤدي إلى جميع أنواع النتائج، فهي قد تضمن خير الجمهورية أو تعزز الإرهاب فيها، أو أنها قد تقود إلى الهزيمة والحرب. في الوقت الذي كان فيه مبارك يتنحى في القاهرة، كانت طهران تحتفل بالذكرى 32 لثورتها الإسلامية، وقد أقامت مهرجاناً يضم مشاهد إعدام وجثثاً معذبة، لكن مصر لا تشبه مطلقاً إيران برئاسة الخميني، ولا تشبه روسيا في عهد لينين، ولا ألمانيا في عهد الاشتراكية الوطنية.

ستصبح مصر نتاجاً لجميع مكوناتها، من شبابها الذي يتوق إلى تنفس الحرية، و'الإخوان المسلمين'، والجيش المتردد والمتفكك، والأثرياء والفقراء الذين تفصل بينهم مسافات شاسعة.

يعيش 40% من المصريين في الفقر، علماً أن 30% منهم أميون، فوفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجراه معهد 'بيو' في عام 2010، يرغب 82% من المصريين المسلمين في تطبيق أحكام الشريعة ورجم من يرتكب الزنى، ولا يجد 77% منهم أي مشكلة في قطع أذرع اللصوص، ويفضل 84% عقاب الإعدام بحق المرتدّين. هذه النتائج كافية لنسف أي توقعات إيجابية بشأن المستقبل.

على صعيد آخر، احتاجت فرنسا إلى قرنين للانتقال من زمن الثورات المتكررة إلى جمهورية ديمقراطية وعلمانية، وقد يحتاج الروس والصينيون إلى الفترة نفسها إذا أرادوا إتمام هذه المساعي حتى النهاية، وحتى الولايات المتحدة، التي تعتبر أحياناً أنها بلغت مرحلة الرضا السياسي التام خلال 10 سنوات، ناضلت لفترة أطول بكثير، فواجهت حرباً أهلية رهيبة وصراعاً طويلاً في سبيل إرساء الحقوق المدنية، وقد قضت قرنين كاملين وهي تحاول كبح بذور الغضب.

الثورة والحرية لا تعنيان دوماً الديمقراطية، واحترام الأقليات، والمساواة بين الجنسين، وإقامة علاقات حسنة مع الدول المجاورة. لا يمكن اكتساب هذه الامتيازات إلا عبر نضال مستمرّ، فيجب أن نرحب بالثورات العربية كونها تقضي على الأوهام السابقة، لكن في الوقت نفسه، يجب ألا نبالغ في مدحها وألا نوهم أنفسنا بأمور لا تمتّ للواقع بِصلة: تنتظرنا مخاطر كبرى وتهديدات أسوأ بكثير. انطلاقاً من تاريخنا الخاص، نحن ندرك جيداً أن المستقبل لا يحمل أي ضمانات!

======================

إيهودا باراك والتغيير السوري!

ميرفت سيوفي

5-5-2011

خلال أحداث الثورة المصرية اعتبر ايهودا باراك وزير الحرب الإسرائيلي أنّها أحدثت زلزالا في المنطقة، حينها أشار التلفزيون الإسرائيلي أن واشنطن «تبذل جهودا هائلة من أجل ضمان التزام مصر باتفاقية كامب ديفيد» وكان السفير الأميركي السابق في مصر «دانيال كيرتز» قد عبر عن هذا الموقف لمجلة «الفورن بولسي» الأميركية «ان أكثر ما يقلق أميركا مصير اتفاقية كامب ديفيد»، لم تلبث إسرائيل أن حصلت على تطمين مباشر، جاء عبر البيان الرابع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي شدد البيان على التزامه بكافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية والإقليمية التي وقعتها مصر.

وفي 24 نيسان الماضي تحدّثت صحيفتيْ يديعوت احرونوت ومعاريف عن اعتقادهما بأن إسرائيل والولايات المتحدة في غاية القلق من الوضع في سورية بعد الأسد، وذهبت «معاريف» إلى أن احتجاجات الجمعة العظيمة في سورية أكدت أن الرئيس بشار الأسد اقترب من نهايته المحتومة، ووصفت الصحيفة حال إسرائيل بأنّها «في معضلة شديدة بين غضبها على الأسد بسبب تحالفه مع إيران وحزب الله ومساعدته لحركة «حماس»، ومن جهة أخرى استفادتها من كونه حرص على مدى السنين أن تكون هضبة الجولان هادئة من دون إطلاق رصاصة واحدة»!! أمّا «يديعوت أحرونوت» فلخصّت موقف الإسرائيليين تجاه الرئيس السوري في أنهم «يخشون أن يسقط، يخافون أن ينجو»، ثمّ لخص بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا الموقف عندما سئل عن مصلحة إسرائيل في رؤية سقوط النظام في سورية، فكان رده «أي جواب أقدمه لن يكون جيدا»!!

شيء ما طرأ على الموقف الإسرائيلي وجاء متزامناً مع المواقف المتتالية تركياً وفرنسياً وأميركياً وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي، التغيير في الموقف بدا جلياً مع حديث وزير الحرب الإسرائيلي إيهودا باراك وكلامه المفاجئ من الأحداث في سورية، وهو موقف مغاير تماماً للمواقف الإسرائيليّة السابقة، وإن كان في إسرائيل موقفين من النظام السوري إلا أنّ الغالب بينهما كان دائماً ضرورة المحافظة عليه!! ما الذي تغيّر حتى تبعث إسرائيل بهذه الرسالة لدمشق وعلى لسان باراك نفسه الذي صرّح: «بأن إسرائيل يجب ألا تخشى التغيير في دمشق»!!

هي المرة الأولى التي تتحدث فيها إسرائيل من دون قفازات ومن دون قلق عن النظام السوري، وفي توقيت حمل إشارات كثيرة على التفكير والبحث التركي  الأميركي الجدي والاستعداد لأسوأ الاحتمالات، والبدائل الممكنة!! ففي حديث باراك للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي قال بوضوح: «يجب ألا تجزع إسرائيل من إمكانية تغيير الأسد، والعملية الجارية في الشرق الأوسط تنطوي على وعود وتطلعات كبيرة على المدى الطويل من أجل أطفالنا وأحفادنا»!! ولكن ماذا عن أطفالنا وأحفادنا نحن في المنطقة؟!

ونظّر إيهود باراك للموقف في سورية، لم نعد نعرف ما إذا كان الأمر «قبّة باط» أم أكثر خصوصاً عندما يصل كلام مسؤول إسرائيلي حدّ القول: «أعتقد أن الأسد يقترب من لحظة يفقد فيها السلطة، والوحشية المتصاعدة تضعه في مأزق كلما زاد عدد القتلى تراجعت فرصه في الخروج من هذا الموقف».

شيء ما يتغيّر في المواقف الدوليّة من النظام السوري كان أعنفها على الإطلاق يوم أمس وهو موقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي أدخل لبنان في متاهة «كنفشة» رئاسية أرادها لنفسه، وها هو يربّح اللبنانيين «جميل» أنها أوقفت «العنف» في لبنان، إن كان ساركوزي يعني أن سورية هي وراء كلّ أحداث العنف التي شهده لبنان فعار عليه أن يتباهى بأنه مدّ يده على حساب الشعب اللبناني ليدّعي لنفسه دوراً في المنطقة، ولو كان أكثر صدقاً لقال: «أن ثمن مدّ اليد هذا وإدارة الظهر للبنان كان صفقة الطائرات مع قطر»، التي يشتم الإعلام السوري أميرها ليلاً نهاراً هذه الأيام!!

علينا أن نتخيّل حراجة الموقف العربي من أحداث سورية، خصوصاً مع الأخبار التي تصدّرت الشاشات بالأمس عن «دبابات الحرس الجمهوري» التي وصلت إلى مشارف حمص ودرعا وسواها استعداداً ربما ل»جمعة التحدي» يوم غد أو تمهيداً لتطويقها منذ اليوم، وتتأتّى حراجة الموقف العربي في صمته وتركه الكلام لتحدّث أصحاب التاريخ الإجرامي في قتل الآخرين من أجل شعبهم، فتنطلق ألسنتهم تحسراً على الشعوب العربية التي يُنكّل ويُفعل بها ما لم تفعله إسرائيل نفسها خلال حروبها عليهم، أليست مفارقة أن يكون باراك لا أي مسؤول عربي آخر هو الذي يقول: «إن لجوء الرئيس السوري بشار الأسد لاستخدام القوة ضد شعبه يعجل بسقوط حكمه (...) أعتقد أن الأسد يقترب من لحظة يفقد فيها السلطة، والوحشية المتصاعدة تضعه في مأزق كلما زاد عدد القتلى تراجعت فرصه في الخروج من هذا الموقف»، ألا يُفترض أن يكون هناك نصائح عربيّة ومواقف تلجم هذا العنف بدلاً من هذا الصمت المخزي!!

شيء ما يتغيّر في المواقف من أحداث العنف في سورية، ولم يعد هناك في الأفق ما يشير إلى إمكانيّة العودة إلى الوراء بين الطرفين الشعب والنظام، كلاهما يدافع عن بقائه على قيد الحياة، وفي التاريخ عبرة بأنّ الشعوب تبقى والأنظمة هي التي تسقط، ولكن للأسف لا تعتبر بغيرها ولا حتى بنفسها!!

=======================

سوريا: التحرّر من إرث الأب؟

علي حماده

النهار

5-5-2011

في الوقت الذي يُقتل المحتجون في شوارع المدن والقرى السورية، ويختطف مئات المواطنين الاحرار من منازلهم في سعي لإسكات صوت الشعب الثائر، تدور الدائرة على النظام الذي اختار القتل سبيلاً لحل أزمته العميقة. فالموقف الدولي السلبي بدأ يرتسم في الأفق مع توالي تصريحات المسؤولين الكبار في أوروبا وأميركا المنددة بما يقترفه النظام من جرائم بحق مواطنيه. حتى إن وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه يتحدث عن ان الحكومة التي تطلق النار على مواطنيها تفقد شرعيتها. انه تحذير على جانب كبير من الاهمية، وخصوصا انه يترافق مع مساع فرنسية اوروبية لفرض عقوبات على النظام السوري تطاول الرئيس بشار الاسد نفسه. فالعالم لا يمكنه السكوت الى ما لا نهاية عن اعمال دموية. والمظلة التي يتمتع بها الاسد الابن تتلاشى يوما بعد يوم. فلا الحرص الاسرائيلي على بقاء النظام، ولا الخوف مما سيأتي بعد نظام الاسد يكفيان لمنع المجتمع الدولي من اتخاذ تدابير جدية وقاسية بحق من يقتلون الناس العُزّل. ولا يفوتنا ان نتنبه الى الموقف التركي المؤيد أساساً لبقاء النظام وحمايته من السقوط عندما يحذر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من ان مجزرة جديدة على شاكلة مجزرة حماه التي اقترفها الرئيس الراحل حافظ الاسد لن تكون مقبولة ولن تمر مرور الكرام، وان اعتماد خيار القتل سيؤدي في النهاية الى تصلب الموقف الدولي حيال النظام السوري وتركيا ستكون جزءا منه. ومن المهم جداً النظر الى مضمون كلام رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في باريس قبل يومين وهو لا يستبعد تدخلا دوليا إذا ما فشل الحل السوري الداخلي!

في الاثناء، يتعين على الرئيس السوري وصحبه ان يتمعنوا جيدا في الحدث الآتي من نيويورك، والمتعلق بتقديم المدعي العام لمحكمة الجزاء الدولية لويس أكامبو تقريره الاول أمام مجلس الامن حول الجرائم ضد الانسانية التي اقترفها نظام العقيد معمر القذافي، وقوله ان مذكرات توقيف دولية ستصدر في الاسابيع المقبلة لمحاسبة الاشخاص الذين يقفون خلف الجرائم في ليبيا. وهنا اشارة بالغة الاهمية الى ان عصر قتل الانظمة لشعوبها انتهى، وسيلاحق مرتكبو الجرائم. والرئيس الاسد مسؤول عما يحصل في بلاده، ولا يمكنه الادعاء انه لم يكن يعلم بما يجري على الارض. وعليه يجدر بالمسؤولين السوريين ان يقرأوا الموقف الدولي جيدا ولا يخطئوا الحساب، لأن الاخطاء تتراكم يوما بعد يوم، واذا ما استمروا في ارتكاب أخطاء فادحة كتلك التي تحصل اليوم، فلن يعود بالامكان حماية النظام ككل، بعدما أحرق الرئيس السوري وصحبه كل الاوراق العربية والدولية.

نبأ آخر لن يسر النظام اطلاقا: المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية في القاهرة. والغائب الاكبر دمشق التي كانت على مدى سنين طويلة عقبة أساسية مع طهران في وجه المصالحة. وعندما يحصل ذلك فمعناه ان العامل الفلسطيني تخطى حاجز النظام السوري بشكل كبير.

ان العزلة العربية والدولية والثورة الداخلية التي تقابل بالقتل هي سمات المرحلة الراهنة للنظام في سوريا. وقد حان الوقت ليتخلص بشار الاسد من ارث حافظ الاسد.

======================

ثمن الحرية للشعب السوري

د. محمد سعيد حوى

الدستور

5-5-2011

رسالة سريعة

أيها الشعب السوري العظيم:

أنتم أمل الأمة من المحيط إلى المحيط؛ وقد بدأتم كفاحكم السلمي المبارك برغم كل القهر والإرهاب، وبرغم كل التضحيات والتكتم الإعلامي والمؤامرات لإجهاض جهادكم المقدس السلمي، برغم أنكم تعرفون تماما أن ثمن حريتكم مرتفع جدا جدا وأنكم تواجهون آلة قمعية دموية، ما أروعك أيها الشعب، وهذا ما عهدناه فيك؛ أنك لن ترضى يوما بذلة ولا عار ولا اضطهاد، وكنت أول شعب تحرر من الاستعمار، وأول شعب عربي عرف الحياة السياسية البرلمانية، كنا متأكدين دائما أنك يوما ما ستنتفض في وجه كل ألوان الظلم والطغيان، ولقد حاول الكثير من المفكرين والساسة، ومن باب معذرة إلى ربكم، أو من باب لئلا يكون للناس عليكم حجة،وأنه لابد من استنفاد محاولات الإصلاح؛ لأجل ذلك حاول هؤلاء الساسة والمفكرون أن يقدموا مبادرات إصلاحية فدعوا إلى الحوار وإلى المصالحة بين أطياف المعارضة والنظام، مؤكدين أن الذي يدفعهم لهذه الطروحات ما يعلن عنه النظام -بغض النظر عن مصداقية ذلك- من دعم للمقاومة واحتضان لها، ورغبة في أن نكون إلى جانب الشعب في كل تضحياته وجهاده الوطني السلمي في بناء الوطن والأمة، ورغبة في أن لا نسمح يوما لأحد أن يضعف سوريا أو أن يستغل وضعها الداخلي، ولنكون يدا واحدة في وجه المشروع الصهيوني، لكن النظام كان دائما يقابل ذلك بمزيد من الإعراض والإمعان في القبضة الأمنية، وطالما حذر المفكرون والساسة المخلصون الوطنيون من آثار ذلك الخطيرة على الأمة ككل، والآن وقد اتخذ الشعب قراره ومضى في طريقه ولا يمكن للشعب إذا ما اتخذ قراره إلا أن يمضي إلى النهاية. ولا شك أن النظام هو الذي يتحمل مسؤولية كل ما يحدث فإن الدماء التي سفكت وتسفك، وإن أنّات الثكالى والأرامل وصرخات المضطهدين ودعاء المظلومين؛ كل ذلك لن يذهب هدرا ولا سدى دون أن يستجيب الله لهم، وأن يقوم الشعب يوما بالثورة على هذا الظلم والطغيان؛ إذ لم ينتفع النظام بكل نداءات الإصلاح والمصالحة ولم يحفل بها، فإلى الأمام أيها الشعب السوري العظيم، راجين أن نكون معكم وإلى جانبكم قريبا إن شاء الله، والنصر حليف أصحاب الحق بإذن الله "والله معكم ولن يتركم أعمالكم".

الحاجة الملحة للتغيير الجذري.. حقائق عن سوريانقول هذا ونحن وجميع العالم يستشعر الحاجة الملحة جدا للتغيير الجذري الكلي الشامل؛ فإن سوريا تحكم بقبضة أمنية، وقد خطفت منذ 1963، ولا يحكمها قانون إلا أن يكون قانون الإعدام لمن يحمل فكرة الإخوان المسلمون، وأمثاله من القوانين، حتى بعد إلغاء قانون الطوارئ ارتقى في اليوم التالي أكثر من مائة شهيد في يوم الجمعة العظيمة، وكلهم سلميون عزل، وفي اليوم التالي عشرات الشهداء في جنائز الشهداء، فهل يمكن الإصلاح؟! وإن أهوال مذابح حماة وسائر مدن سورية ومذابح سجن تدمر وصدنايا لا تخفى على أحد، وكيف لا نكون بحاجة ملحة للتغيير وسوريا تحكم من خلال المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن حزب البعث هو قائد المجتمع والدولة، فكان أن اختزلت السلطة والأمة في حزب، ثم اختصر ذلك في فئة، ثم اختزل ذلك كله في أسرة ثم في شخص، مع ما رافق ذلك كله من فساد ونهب للثروات وقمع لكل تحرك سلمي.

إن الحاجة للتغيير الجذري ملحة ونحن نلاحظ: أن سوريا في المرتبة 150 في مؤشر الشفافية العالمية لعام 2009 من أصل 180 دولة في العالم.

جامعة دمشق التي كانت في الماضي تنافس أرقى الجامعات العربية؛ نجد أنها اليوم تحتل المرتبة 73 عربياً، والمرتبة 5900 عالميا.

احتلت سوريا المرتبة 165 في مؤشر حرية الصحافة من بين 175 دولة في الدراسة.

احتلت سوريا المرتبة 140 عالميا من أصل 180 على مؤشر الحرية الاقتصادية.

احتلت سوريا المرتبة 152 في مؤشر الديمقراطية من أصل 167 دولة.

سوريا في المرتبة 128 عالميا من أصل 215 دولة شملها تقرير جلوبال فايننس عن عدد مستخدمي الانترنت.

احتلت سوريا المرتبة 115 عالميا في الدول الآمنة حسب تقرير جلوبال فايننس.

وإذا كان لا بد من إصلاح جذري -كما قد يطرح البعض- فلا بد من:

-حل مؤسسات القمع الأمنية.

-إلغاء جميع القوانين الاستثنائية وقانون الطوارئ من غير التفاف على ذلك بقوانين ما يسمى بمكافحة الإرهاب، لأن قوانين العقوبات المدنية كافية لمعالجة ذلك.

-إلغاء المادة الثامنة من الدستور.

-عودة جميع المهجرين قسرا عودة كريمة حرة.

-حرية الصحافة والإعلام.

-حرية التظاهر والاعتصامات.

-حل مجلس الشعب.

-تشكيل حكومة مؤقتة من أطياف الشعب.

- تشكيل هيئة شعبية حرة تأسيسية من جميع أطياف الشعب تؤسس لقانون انتخابي وقانون أحزاب حر والإعداد لدستور جديد يؤسس لعهد جديد.

أساسيات التحرك الشعبي

أيها الشعب السوري العظيم:

أما وقد بدأتم التحرك الشعبي العظيم، بدأتموه بقرار منكم ، ودون وصاية من أحد.

فنحب أن نؤكد دائما على أساسيات ومنطلقات الحركة هذه الأيام، ومنكم تعلمناها:

1-سلمية التحرك فلا نستجر إلى السلاح أبدا أبدا أبدا.

2-أن يكون التحرك وطنيا عاما شاملا لا يسمح بأي تفرقة بين أبناء الشعب السوري الواحد.

3-شعاراتنا لا تتعلق فقط بالاحتياجات المعيشية، بل هي إصلاح جذري شامل أولها الحرية الكاملة، وليس نهايتها الكرامة والعزة.

4-نقاء تحرك شعبنا وصفاؤه واستقلاله فلا نسمح بأي تدخل خارجي.

5-الشعب هو الذي يفرز قياداته الشعبية من داخله وليس لأحد أن يملي على الشعب ما عليه أن يفعل.

تحية ومناشدة وفي هذا الصدد نتقدم بتحية الإجلال والإكرام وخالص الدعاء بالرحمة لشهدائنا الأبرار، وأخلص الدعاء للجرحى بالشفاء والدعاء للمعتقلين بالفرج وتحية الإعزاز والإكبار لهذا الشعب الكبير العظيم الذي صبر طويلا ينشد الإصلاح فلم يجد أمامه إلا أن يخرج إلى الشارع مع ما سيحمله ذلك من تضحيات كبيرة. وأمام هذه التضحيات الهائلة فإننا نناشد علماء الشرع الإسلامي الحنيف أن يقفوا مع الشعب ومع الحق بلا مواربة ولا مجاملة، ونناشد جميع إخواننا وأهلنا أن يكونوا متآزرين متعاونين يساند بعضهم بعضا، فإنهم إذا تكاتفوا جميعا لا يمكن أن يكسروا، وعذرا ثم عذرا ثم عذرا أننا في الخارج في هجرة قسرية عاجزين عن أن نكون إلى جانبكم وعن نصرتكم على الوجه الذي يجب أن يكون.

وبعد:

أيها الشعب السوري العظيم:

ما أروعك وأنت تواجه الرصاص بصدرك.

ما أروعك وأنت تنادي بصوت واحد "حرية وبس".

ما أروعك وأنت تهتف واحد واحد الشعب السوري واحد.

ما أروعك وأنت تهتف ما في خوف بعد اليوم.. الشعب السوري ما بينذل.

التاريخ : 05-05-2011

=======================

الديكتاتورية لم تعد حلاً في الشرق الأوسط..!

حسان القطب

الجمعة 6 أيار 2011

المصدر: موقع بيروت أوبزرفر

التطورات والمتغيرات التي تحدث في العالم العربي اليوم ونعيش أحداثها ووقائعها وآلامها، هي نتيجة المعاناة الطويلة التي عاشتها هذه الشعوب، فأفرزت هذا التحرك الشعبي الواسع والشامل، العفوي في أدائه، والسلمي في تحركه، والمبرر في جوهره وأسبابه، والمحق في أهدافه وتطلعاته، كل هذه الأمور والوقائع، تجعلنا نتضامن ونتعاطف ونؤيد هذه التحركات والانتفاضات والثورات لما تحمله في طياتها من مقدمات تمهد لتحول سلمي لمجتمعاتنا العربية نحو الديمقراطية، أو على الأقل بداية التحول من حال الأنظمة الديكتاتورية المتمكنة من رقاب شعوبها على مدى عقود من الزمن، والتي كان ولا يزال ينظر إليها على أنها جمهوريات في الشكل فقط، ولكنها في حقيقة الأمر أنظمة ملكية في مضمونها، وانتخاباتها التشريعية التي تجري كل حين هي استعراضية، لأنها أنظمة استبدادية سلطوية في جوهرها، ووراثية في تركيبتها، حتى أن القوانين فيها تسّن وتوضع لتكون على قياس تمكين الحاكم الملهم، وحماية وتسهيل إجراءات استلام الخلف،.. حتى أن بعض هذه الأحزاب لم تعد قادرة على إنتاج قيادات وشخصيات جديدة تعمل على تسويق أفكار ومفاهيم ورؤى واستراتيجيات الحزب الحاكم، فأصبح الوريث وحده الذي يفهم المبادئ والأسس دون سواه، وهو رجل المرحلة مستنداً إلى ماضي والده الحاكم السابق، ليعزز سلطته وهيمنته في الوقت الحاضر، وليؤسس كذلك لمستقبل ولده وخليفته إذا استطاع أن يؤمن له انتقالاً هادئاً للسلطة، ولكن للأمانة كل هذا يجري ويتحقق ويتم تحت سقف القانون وبموجب التعديلات التي تطال النظام الداخلي للحزب إذا كان هناك من حزب، وكذلك القوانين الدستورية التي يجري تعديلها تحت قبة البرلمان وبأصوات نواب الشعب وممثليه وبإرادتهم الحرة..؟؟؟.. هذا فيما يتعلق بالقوانين والإجراءات القانونية والدستورية، أما فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، فتحرير فلسطين هو العنوان والهدف والغاية ولا شيء سواه، ولا صوت يعلو على صوت المعركة، حتى لو كان هذا الأمر هو الاستيلاء على الأملاك العامة... وكل صراع داخلي حتى لو كان لتحقيق وتنفيذ أمور حياتية وخدماتية فإنه يرفض ويوضع تحت هذا الباب تمهيداً لرفضه، ويقمع الشعب بل ويتهم بخدمة أهداف أجنبية تسعى لتأخير تحرير فلسطين وبناء الدولة وتقويض سلطة الزعيم والحاكم..

 

ولكن مؤخراً برز لدينا بعض المدافعين عن هذه الأنظمة وعلى رأسها النظام السوري، تحت عنوان حماية الأقليات في منطقة الشرق، من الأصوليات القادمة، وهذا الأمر خطير جداً، لأنه ينقل الصراع مع السلطات الحاكمة في هذه الدول، وخاصةً في سوريا، من دائرة النضال الشعبي السلمي لتحقيق الحد الأدنى من العدالة والحريات العامة وإصلاح البنية الإدارية للسلطة الحاكمة ووقف الفساد وهدر المال العام، وإلغاء نظام التوريث السياسي، وتطوير البنية الاقتصادية للدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية وزيادة فرص العمل ووقف الهجرة، إلى أجواء الصراع الديني سواء على مستوى طائفي أو مذهبي.. وهذا غير صحيح على الإطلاق، ولا يتمنى أي عاقل حدوثه أو مجرد التفكير فيه، ولكن لا يمكن تجاهل أن حالة من هذا النوع قد تكون طموح هذه الأنظمة لتبرير استمرارها.

 

فالعدالة الاجتماعية هي مطلب جميع المواطنين ومن كافة الطوائف والمذاهب دون استثناء، لأن سياسة الفساد المالي والاقتصادي، يستفيد منها فريق بعينه مرتبط بحاشية الرئيس ومجموعته وعشيرته.. ومبدأ تداول السلطة بطريقة ديمقراطية يشكل مخرجاً موضوعياً للوطن العربي وكافة دوله، من دائرة التوريث السياسي للسلطة السائد اليوم في معظم الجمهوريات الملكية..مع ما يحمله هذا الأمر من ممارسات قمعية وسلطوية وأفكار شمولية تؤسس لاستقرار العائلة الحاكمة على رأس معظم مؤسسات الدولة وإداراتها.. والفوضى المسلحة التي يحذر منها البعض تحت أسماء ومسميات متعددة، ممكنة الحدوث، وليست مستحيلة الوقوع، ولكن في حال امتنعت هذه القوى الحاكمة عن الاستجابة لمطالب جمهورها وشعبها وأمعنت فيه قتلاً وتنكيلاً وتعذيباً، واستباحت لنفسها أن ترتكب كل ما تراه مناسباً لتعزيز هيمنتها على مقدرات الوطن ورسم مستقبله ومصيره.. حينها من الممكن أن يحدث ما يخشاه البعض من فوضى مسلحة وبروز مجموعات وأحزاب مستعدة للمواجهة، وهذا ما رأيناه في ليبيا حين أعطى القذافي لنفسه حق قتل المواطنين بكل ما يملك من أسلحة فحصلت المواجهة ولا زالت...!!

 

القاسم المشترك بين كافة هذه الأنظمة المتشابهة والتي اتفق أنها متحالفة هو التحذير من الأصوليات وخطرها، رغم أن بعضهم كان يرعاها...النظام الليبي حذر الغرب من استلام القاعدة للسلطة في حال سقوطه وكذلك فعل النظام اليمني، والنظام السوري، ومنذ الأيام الأولى لانتفاضة شعبه على الظلم والقهر، بدأ عملية البحث ودون هوادة عن متهمين محتملين من الممكن اتهامهم، وترهيب المواطنين في الداخل المجتمع العربي والدولي في الخارج من خطورة التغيير وتداعياته في حال وقوعه، ولتبرير عمليات القمع والتنكيل التي يقوم بها لتثبيت النظام وتأمين استمراره واستقراره، والعمل على حشد المؤيدين من حوله لا بإقناعهم بصلاحية هذا النظام وضرورة استمراره، ولكن عبر زرع الخوف والقلق في نفوسهم لدفعهم لحمايته والدفاع عنه.. من هنا برزت مقولة اتهام بعض المجموعات السلفية المجهولة الاسم والعنوان، واتهام حركة الإخوان المسلمين في سوريا بالتحريض وكأنها من خارج النسيج الوطني السوري ومكوناته، وكان أن اتهم هذا النظام سابقاً قوى لبنانية علمانية (تيار المستقبل) بالتدخل ودعم المنتفضين بهدف نزع الصفة الوطنية عن المتظاهرين وإعطاء طابع مذهبي معين على التحرك الشعبي في سوريا، وتناغم معه فريق لبناني استمد قدرته العسكرية وحضوره السياسي على الرعاية التي أعطاها له هذا النظام..فأمعن في توزيع الاتهامات وصولاً لحصول بعض التوقيفات والاعتقالات من قبل بعض الأجهزة الرسمية لمتعاطفين مع التحرك الشعبي السوري على أنها جريمة يعاقب عليها القانون، وهذا غير صحيح على الإطلاق..والدليل على ذلك هو عدم تحرك هذه الأجهزة لوقف تحركات مشابهة لدعم انتفاضات أخرى لنفس الأسباب وتحت العناوين عينها. ولكنه ترابط المصالح المحلية والإقليمية..والضغوطات من قبل بعض الزعامات والقيادات المرتبطة والتي أعلنت تضامنها وترابطها مع هذا النظام على حساب مصالح وتطلعات وطموحات الشعب السوري والشعب اللبناني أيضاً..

 

لذا يمكن القول أن التهويل بأن وضع الأقليات في منطقة الشرق في خطر وبالتحديد في سوريا ولبنان في حال سقط النظام السوري كلام غير صحيح على الإطلاق، والهدف منه زرع الرعب والخوف والشك والتشكيك في نفوس أبناء الوطن الواحد وتفتيت النسيج الوطني وضرب مكوناته، فلا مصلحة للبنان واللبنانيين من التدخل في الشأن السوري الداخلي، كما لا مصلحة لنا نحن اللبنانيين أيضاً من أن نكون رافضين ومعرقلين لطموحات الشعب السوري ورغبته في إصلاح نظامه وتطوير دولته، وعدم احترام شهدائه وتقدير تضحياته، تماماً كما نحن نرغب ونتمنى أن لا تتدخل سوريا أو أي بلد أخر في شؤوننا الداخلية، مع التأكيد على أن تعاطفنا واحترامنا لتضحيات هذه الشعوب وعلى رأسها الشعب السوري في مسيرتها لتحقيق التغيير السلمي لأنظمتها نحو الديمقراطية لا يمكننا إلا أن نعبر عنه بكافة الطرق الديمقراطية التي يجيزها القانون ويحترمها الدستور.. لأن المستقبل لن يكون إلا لطموحات هذه الشعوب في تحقيق مستقبل عادل وزاهر، ولا خوف على أقلية أو أكثرية، إلا من هذه الأنظمة الديكتاتورية والشمولية التي تسعى لتبرير استمرارها بزرع الخوف والرعب في نفوسها وبين أبناء الوطن الواحد والشعب الواحد، ليبقى حكم العائلة والحزب فوق سلطة القانون وخارج المساءلة والمحاسبة، ولكن هذه الأنظمة الديكتاتورية ستطيح بها ثورات شعوبها لأن الشرق الأوسط الذي عانى طويلاً من هذه النماذج من السلطة، لم يعد فيه مكان لديكتاتورية الأكثرية أو الأقلية، بعد أن أدركت هذه الشعوب أن أوان التغيير قد حان ..

======================

أروغان إذ يحذر من «حماة» أخرى في سوريا

ياسر الزعاترة

 الدستور

5-5-2011

من المؤكد أننا إزاء تصعيد غير مسبوق في اللهجة التركية حيال ما يجري في سوريا، وقد جاء التصعيد على لسان رئيس الوزراء أردوغان الذي قال إنه لا يريد أن يرى مذبحة حماة (وقعت عام 82 وراح ضحيتها عشرات الآلاف) جديدة في سوريا، وأن حدوث ذلك سيجبر المجتمع الدولي على اتخاذ موقف من سوريا، وأن تركيا ستتخذ في هذه الحالة نفس الموقف.

كان لأردوغان أيضا موقف جديد من ليبيا، حيث طالب القذافي بالرحيل عن السلطة فورا، وفي الحالتين (السورية والليبية) يبدو الموقف نتاج الانتقادات التي تعرضت لها حكومة العدالة والتنمية من رموز عربية وإسلامية، وعنوانها أن الموقف التركي السابق من القضيتين إنما قدم المصالح على المبادئ، الأمر الذي سيأكل من رصيد أردوغان في الوعي العربي والإسلامي. ولا نعرف إن كان لانتقادات داخلية تركية بعض الأثر أيضا، إلى جانب مجاملة الشارع التركي المنحاز لقضايا الشعوب على مرمى أسابيع من الانتخابات البرلمانية.

نرحب من دون شك بهذا التطور في الخطاب التركي، ونتمنى أن يدرك أردوغان وسواه بأن الشعوب في هذه المنطقة هي الأبقى، وأن أكثر هذه الأنظمة مهما بلغت من القوة والجبروت زائلة ما لم تنسجم مع أشواق شعوبها في الحرية والعيش الكريم.

ما يعنينا أكثر في الخطاب التركي الجديد هو ما يعكسه من تصاعد مستوى القلق حيال ردود النظام السوري على الاحتجاجات الشعبية، والتي تتلخص في الاستخدام المفرط للقوة والقمع، مع حديث خجول عن إصلاحات لا يحسّ أحد بترجمة لها على أرض الواقع.

نعلم جميعا أن الحكومة التركية ذات العلاقة الوطيدة مع بشار الأسد قد قدمت له نصائح كثيرة عنوانها ضرورة إصلاح الوضع. حدث ذلك قبل اندلاع الاحتجاجات، ثم تكرر مرارا بعد اندلاعها، لكن الرجل لم يستمع للنصائح، وقد عبر المسؤولون الأتراك عن خيبة أملهم في النظام السوري بطرق مختلفة، كانت تصريحات أردوغان ذروة تجلياتها، هي التي ذهبت بعيدا في تصوير المشهد على نحو درامي، إذ ندرك أن بشار الأسد لن يكون بوسعه تكرار مذبحة حماة، اللهم إلا إذا أراد مصيرا مثل مصير «ميلوسيفيتش»، فالزمان الذي نفذت فيه المذبحة يختلف جوهريا عن زمننا هذا، والعالم لن يحتمل صور المجازر التي كان بالإمكان إخفاؤها في عام 82، بينما سيكون ذلك مستحيلا في زمن الهواتف المحمولة ذات الكاميرات واليوتيوب والفضائيات. ولا تسأل عن الأبعاد السياسية العربية والدولية المختلفة بين الزمنين.

على أن السلوك الأمني السوري في التعاطي مع الاحتجاجات لم يدع لأردوغان مجالا غير هذا التصعيد في اللهجة، بل إن كثيرين لم يعودوا يستبعدون فكرة المذابح، ولو على نحو محدود بعد الذي فعله النظام في درعا، وبعد الهجمة البشعة على مدينة بانياس، والتي ترجمت خلال الأيام الماضية على نحو مخيف تمثل في قيام النظام بتسليح الأقلية العلوية في المدينة من أجل المساهمة في كبح جماح الاحتجاجات فيها.

هنا تدخل اللعبة منحنىً بالغ الإثارة والخطورة، ذلك أن الاحتجاجات الشعبية لم تتورط إلى الآن في الخطاب الطائفي، ولا يجب أن تتورط برأينا، لكن موافقة بعض العلويين على هذه اللعبة سيكون بالغ الخطورة، وقد ينذر بحرب أهلية لا تحمد عقباها.

الأمل بالطبع أن تصرّ حركة الاحتجاج على وحدة الجماهير حتى لو ذهب النظام في الاتجاه الآخر على أمل تجييش فئة برمتها لصالحه، الأمر الذي يستبعد أن يحدث، وإذا حدث فيتسبب في تصعيد الاحتجاجات أكثر فأكثر، وسيدفع الناس نحو مزيد من الإصرار على مطالبهم، لأن نظاما يشق الناس ويتلاعب بوحدتهم على هذا النحو لا يمكن أن يكون مقبولا بأي حال.

يخطئ النظام إذا اعتقد أنه بمثل هذه الأساليب، ومن ضمنها السعي لعسكرة الانتفاضة وترويج الادعاء بأنها مسلحة سيتمكن من إجهاضها، كما يخطئ أيضا إذا اعتقد أن القتل واعتقال النشطاء ومحاكمتهم بتهم سخيفة (توهين نفسية الأمة!!) سيطفئ لهيب الثورة. وعموما فقد تجاوزت الأحداث فكرة الإصلاح، وصار المطلب الوحيد للمحتجين هو اسقاط النظام، ولا شيء غير اسقاط النظام.

التاريخ : 05-05-2011

====================

النظام السوري.. بين الثورة والحلف الصهيوأمريكي

د. عبد الله هلال

5-5-2011

القدس العربي

 الطاغية لا يرى إلا نفسه، حتى إن كان طبيب عيون.. ومن الطبيعي أن يحيط الطاغية نفسه بحاشية فاسدة، لا تهمها مصلحة الوطن ولا حتى مصلحة سيدها وولي نعمتها، فيعزلونه عن المجتمع وعن الناس وعن الدنيا كلها حتى يصاب بالعمى والصمم فلا يميز شيئا مما يدور حوله، فيكرر أخطاء أقرانه من الطغاة، ولا يستفيد من عبرة التاريخ. ومع تواتر الثورات العربية، المتشابهة تقريبا في كل شيء، ظن المتابعون للشأن العربي أن كل طاغية سوف يعمل على الاستفادة من تجارب سابقيه، ولن يكرر أخطاءهم.. ولكن ويا للعجب؛ فكل واحد منهم يسير على الخطى نفسها من دون أخذ العظة أو العبرة. تشتعل الثورة، وتبدأ هادئة بمطالب بسيطة، فيركب الطاغية رأسه وتوسوس له الحاشية؛ فيسيطر عليه العناد والمكابرة ويرفض الاستجابة لمن يرى أنهم رعاع.. ويرتفع سقف المطالب بالطبع، فتأخذه العزة بالإثم ويبدأ في الترويع والقتل لإرهاب الشعب، ظنا منه وممن يدفعونه إلى نهايته أن القتل سوف يخيف الشعب الثائر.

وقد رأى الطغاة في كل الثورات العربية وغيرها أن سفك الدماء يأتي بنتائج عكسية، فالدماء تستدعي الدماء وتُسقط الخوف.. ولذلك، وكما نرى يوميا، كلما زاد عدد الشهداء تزايد عدد الثائرين وتضاعف ليصل إلى الملايين... والطغاة لا يفهمون. ولا ندري كم يبلغ مهر الحرية من الشهداء عند كل طاغية؟

وتعتبر الثورة السورية أكثر ما يثير العجب.. فقد كان أمام (الدكتور) بشار الأسد الوقت الكافي لتحكيم العقل وأخذ العبرة واستباق الثورة الشعبية بإصلاحات حقيقية ملموسة؛ إصلاحات لا تقل عن تلك التي جاءت بها الثورات في تونس ومصر وغيرهما، ولكنه خضع لتضليل الحاشية - التي تسعى لحماية نفسها- وأضاع الفرصة للمرة الثانية. في المرة الأولى، عندما ورث الحكم بسهولة.. كان أمامه ألا يُحمّل نفسه أوزار نظام أبيه، وأن يتخلص بذكاء من الحاشية الفاسدة مستعينا بالشعب السوري الذي يتوق إلى الحرية، ولكنه دخل طائعا مختارا إلى شرنقة هذا النظام المستبد، حابسا نفسه داخلها، وممهدا الطريق للثورة الحالية، التي كان الجميع يتوقعون أن تسبق الثورات العربية الأخرى. وعندما بدأت نذر الثورة، لم تصل إليه الرسالة إلا متأخرا جدا، فأخذ بأسلوب الترقيع البطيء، غير معتبر بمن سبقوه.

وعندما غير الحكومة لم يغير شيئا سوى تغيير وجوه غير مرغوبة بوجوه غير مرغوبة، وأجلسهم كالتلاميذ- وكلهم أكبر منه عمرا- وأخذ يلقي عليهم 'الواجبات المدرسية' وكأنه الوحيد في سورية الذي يفهم في كل شيء؛ وهم مجرد تلاميذ تحت التمرين، فجاء التغيير بنتيجة عكسية، وزاد الثورة اشتعالا.

لم يفهم النظام السوري أن الدنيا تغيرت، وأن التعتيم الإعلامي لم يعد ممكنا، وأن أسلوب القتل من وراء ستار وإلقاء التهم على الآخرين لن يجدي نفعا، وأن الخوف سقط من قلوب الشعوب العربية إلى غير رجعة.. فورط نفسه ونظامه في مذابح لا داعي لها، ولن تفيده في شيء لأن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء.

إن ما دفعني للكتابة عن سورية بصفة خاصة، هو الخوف على هذا البلد المستهدف، وليس على النظام الحاكم بالطبع.. فسورية ليست كاليمن أو ليبيا، والحلف الصهيوني الأمريكي الذي يتآمر على العرب أجمعين تهمه سورية أكثر من غيرها، سعيا لتأمين العدو الصهيوني من احتمالات أي تغيير للوضع الراهن، حيث لا سلم ولا حرب. فهذا الحلف الذي يدعم الطغيان في اليمن من أجل مصالحه، هو ذاته الذي أسرع إلى التدخل الفوري في ليبيا لأسباب لا تخفى على أحد، ولكنه في الوقت نفسه يحافظ على القذافي ويخطط لإطالة أمد الصراع، من دون التفات لآلاف الضحايا والمشردين. ولا شك أن العدو الصهيوني لا يرغب في وصول الحرية إلى الشعب السوري، خوفا من وجود نظام شورِي متقدم يمكن أن يستجيب للمطالب الشعبية بتحرير الجولان، ويفتح الباب لصراع يقلب كيان العدو، الذي لم يفق بعد من صدمة الثورة المصرية والخوف من توابعها.. ولكن رغم ذلك فالحلف الصهيوني الأمريكي يتمنى أن تتاح له الفرصة لتكرار التجربة الليبية في سورية، فيقصفون المطارات وقواعد الصواريخ ويدمرون كل الأسلحة والبنية الأساسية، لضمان إخراج سورية من احتمالات الصراع مع العدو لعقود قادمة؛ يتقوى خلالها العدو ويفرض الأمر الواقع. وينبغي أن يكون واضحا أن مسألة احتضان المقاومة لا تقتصر على النظام السوري، فالشعب هو الذي يحتضنها.. ولولا هذه السياسة الداعمة للمقاومة لاشتعلت الثورة السورية قبل ذلك بكثير، وعندما تنتصر الثورة لن يتغير الوضع إلا إلى الأفضل بالنسبة للمقاومة.

فهل تصل النصيحة إلى النظام السوري، فيأخذ بها وينقذ وطنه من مصير مجهول.. بالاستجابة للمطالب الشعبية؛ إما بإصلاح حقيقي شامل يطهر الوطن من المفسدين والمتسلقين، وإما بالرحيل وتفويت الفرصة على الأعداء.. نتمنى ذلك. ونحن ندرك بالطبع أن الحاشية - من أركان النظام السوري - لا يمكن أن تسمح بأية إصلاحات تطيح بها وتكشف فسادها، خصوصا بعدما رأوا ما يحدث في مصر.. بل ويمكن أن تنقلب على بشار الأسد، ولكن اللجوء المخلص إلى الشعب هو الذي يمكن أن يفوت عليهم الفرصة. ويجب أن يعلم الطغاة وأعوانهم أن الشرفاء فقط هم الذين لا يخافون من ذلك اليوم الذي يغادرون فيه مقاعد السلطة.. الشرفاء فقط.

' كاتب مصري

======================

التاريخ لا يعيد نفسه ومصير 'خيار حماة' الفشل

د. بشير موسى نافع

2011-05-04

القدس العربي

 ما يمكن قراءته من رد فعل النظام السوري على الحركة الشعبية أنه لجأ مرة أخرى إلى ما بات يعرف ب 'خيار حماة. ' وكان هذا بالتأكيد ما دفع رئيس الوزراء التركي، الطيب رجب إردوغان، الحليف الإقليمي الرئيسي لنظام الرئيس الأسد، يوم الأثنين 2 نيسان/إبريل، إلى التحذير من عواقب سياسة القمع بالقوة التي ينتهجها النظام، ومن عواقب تكرار مأساة حماة. ولكن النظام السوري، وكل من يدعم سياسته في مواجهة مطالب الشعب، يخطىء خطأ فادحاً إن اعتقد أن النهج الذي اتبعه ضد حماة قبل ثلاثين عاماً يمكن أن ينجح اليوم، وأن يعيد الأمور في سورية إلى ما كانت عليه قبل اندلاع رياح الثورة العربية. هذه ليست 'حماة'، ومن يظن أن التاريخ يعيد نفسه، سينتهي نهاية وخيمة.

ولدت مأساة حماة من رحم موجة العمل الإسلامي المسلح التي بدأت في اجتياح المجال العربي منذ منتصف السبعينات، وقادتها مجموعات إسلامية صغيرة، جمعت بين تفسيرات راديكالية لنصوص سيد قطب وابن تيمية ومفاهيم الجهاد الإسلامية التقليدية، في سياق عربي - إسلامي حديث. أغلب تلك المجموعات في الحقيقة تأثرت باليسار الغيفاري المسلح، ونظرت بإعجاب إلى إنجازات حركات المقاومة الوطنية الفلسطينية. وفي المقابل، كانت الأنظمة العربية التي هزمت في 1967 وفقدت الكثير من مؤهلات سيطرتها على الشعب والمجتمع قد بدأت تستفيق من حقبة التراجع أمام الصعود الشعبي، وأخذت في إعادة بناء وسائل السيطرة والتحكم في صورة أكثر بشاعة. وكان طبيعياً أن لا يمضي وقت طويل قبل أن يصطدم الطرفان: مجموعات الشبان التي اعتقدت أن ليس ثمة وسيلة للقضاء على أنظمة جسدت القمع والهزيمة وتراجع عالم الإسلام وشعوبه، وأنظمة تسعى إلى حسم معركتها مع مجتمعاتها بإحكام قبضتها على الدولة والمجتمع.

وبالرغم من أن معركة حماة في شباط/فبراير 1982 ربطت دائماً بالصراع بين نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين في سورية، فالحقيقة أن مروان حديد وصحبه، الذين بدأوا العمل المسلح ضد حكم الأسد الأب، لم يكونوا إخواناً، أو أنهم بالأحرى كانوا إخواناً غاضبين، تركوا صفوف جماعتهم قبل سنوات من تعهدهم نهج العمل المسلح في النصف الثاني من السبعينات. ولكن ذلك لا يعني أن الإخوان لم يجروا في النهاية إلى حمى الصراع؛ ولعل العامل الرئيسي في تحويل الإخوان إلى طرف كان إصدار النظام للقانون 49 في تموز/يوليو 1980، الذي ينص على معاقبة كل من ينتمي لجماعة الإخوان بالإعدام؛ بمعنى استباحة دم العناصر السورية الإخوانية باسم القانون. بذلك، وجد الإخوان أنهم مستهدفون على كل الإحوال، ولم يعد من الممكن لقطاع واسع منهم تجنب الانخراط في المعركة التي دارت في العديد من المدن السورية واستمرت لعدة أعوام.

بيد أن عنف السبعينات ومطلع الثمانينات لم يستند إلى فرضيات ومسوغات إسلامية خاطئة وحسب، بل وتجلى في سلسلة من الأخطاء الفادحة. مثل نهج المعارضة المسلحة تجاوزاً على مفاهيم الإسلام الأولية في الاجتماع السياسي، وقد رفع السلاح في وجه النظام في وقت كانت سورية لم تزل فعلياً في حالة حرب مع الدولة العبرية وفي خضم أزمة متفاقمة في لبنان. كما رفع السلاح بدون محاولة استنهاض الشعب السوري، أو ربما بعد الشعور بالعجز عن استنهاض الشعب في حركة جماهيرية واسعة، شبيهة بتلك التي أطاحت بنظام الشاه في إيران في شباط/فبراير 1979. وفي حربهم ضد النظام، عبر المسلحون الإسلاميون عن أنفسهم بطريقة طائفية لا تخفى، كما حدث في الهجوم على مدرسة المدفعية بمدينة حلب في حزيران/يونيو 1979. ولأن كل المعارضات الداخلية المسلحة تصبح في النهاية أكثر تعقيداً من قدرة أطرافها على التحكم، فسرعان ما تحول الصراع بين المسلحين الإسلاميين والنظام إلى حرب إقليمية، لم تخل دائماً من امتدادات دولية.

من جهة أخرى، لم يكن النظام أكثر حكمة أو شعوراً بالمسؤولية. كان حافظ الأسد حاكماً براغماتياً، والمؤكد أنه لم يكن يريد للصراع مع المجموعات الإسلامية المسلحة التفاقم إلى حرب أهلية. ولكن هذا في الحقيقة ما حدث، ربما لأن سطوة النظام وبشاعته كانت أكبر حتى من إرادة الرئيس. لم يلجأ النظام إلى التجريم الأقصى ضد الإخوان المسلمين وحسب، بل وانطلقت مجموعات حزب البعث وقوى الأمن للتهجم على كل مظهر إسلامي في شوارع دمشق والمدن السورية الأخرى. نزع حجاب النساء في الشوارع، واقتحمت الأحياء الدمشقية القديمة بقوة السلاح، وقتل المئات في أنحاء البلاد بلا محاكمة؛ أما المعتقلون، سواء من قتل منهم في المعتقل، أو ترك لعقود في السجون، فلا أحد يعرف عددهم على وجه اليقين. وعندما استشعر النظام أنه بصدد فقدان السيطرة على مدينة حماة، التي كانت أصبحت بؤرة رئيسية للمعارضة الإسلامية، قاد اللواء رفعت الأسد، شقيق الرئيس، قوات سرايا الدفاع، وهاجم المدينة مدعوماً بالدبابات والمدفعية الثقيلة. دمرت أحياء بأكملها في حماة، وبعد زهاء أسبوعين من القتال، تضاربت الأرقام حول عدد الضحايا بين عشرة وعشرين ألفاً من السكان. أما الجنود والضباط الذين رفضوا المشاركة في الهجوم على مواطنيهم، فقد أعدموا في مواقعهم.

لا تكاد توجد صورة واحدة لمعركة حماة والدمار والموت الذي أوقعته سرايا الدفاع بالمدينة وأهلها. وقد ساعد النظام على الخروج من الأزمة بدون مساءلة تذكر أن الزمن كان زمن الحرب الباردة، وسورية في تحالف وثيق مع الاتحاد السوفييتي والكتلة الشيوعية. ولم تكن مجازر الأنظمة ضد شعوبها أمراً استثنائياً على أية حال، ليس فقط كما حدث في المجر وتشيكوسلوفاكيا من دول الكتلة الشيوعية، بل أيضاً في العديد من دول أمريكا اللاتينية التي وظف فيها أصدقاء الولايات المتحدة من الحكام العسكريين وسائل قمع شاملة لفرض السيطرة ومواجهة الثورات اليسارية، المسلحة وغير المسلحة. ولكن ذلك لم يكن السبب الوحيد لصمت العالم عن تدمير حماة؛ فبالرغم من أن الغرب كان في مزاج جر الإسلاميين إلى معارك نفوذه في هذه المنطقة أو تلك من العالم، فقد مثلت سورية شأناً آخر مختلفاً تماماً. موقع سورية في خط المواجهة مع الدولة العبرية، والتزام الأسد الأب بالاتفاقات التي عقدها مع واشنطن في لبنان وعلى صعيد الحلول المرحلية للصراع العربي - الإسرائيلي، جعل الوقوف إلى جانب الإسلاميين المسلحين أمراً محفوفاً بالمخاطر. إضافة إلى هذا كله، لم يكن الرأي العام العربي مطمئناً لما يحدث في سورية؛ وبالرغم من التعاطف العربي مع حماة وأهلها كان ثمة شك عربي عميق تجاه حركة التمرد المسلحة التي لم يكن من مؤشر على وجود دعم شعبي سوري واسع لها.

اليوم، تختلف الصورة إلى حد كبير. ما تشهده سورية ليس تمرداً مسلحاً تقوده مجموعات مغامرة. هذه ثورة شعبية واسعة النطاق، لا تكاد توجد مدينة سورية واحدة إلا وانخرطت في غمارها، بالرغم من أن سورية تحكم من قبل نظام أمني شمولي، بات أكثر سيطرة وتحكماً حتى مما كان عليه في مطلع الثمانينات من القرن الماضي. وهذه ثورة سورية وطنية، يشارك في مجرياتها كافة السوريين، من مسلمين وغير مسلمين، من عرب وغير عرب، ومن سنة وعلويين ودروز، ومن ليبراليين وقوميين وإسلاميين. النظام هو الذي يسعى إلى تكرار حماة، وليس الشعب السوري، هو من يريد أن يضفي على الحركة الجماهيرية الواسعة سمة طائفية، أو إخوانية، أو سلفية، إما لأنه لا يستطيع رؤية الأوضاع على حقيقتها، أو لأنه يعرف أن تقسيم الشعب السوري يخدم مصالحه وسياساته. والزمن ليس زمن الحرب الباردة؛ وبالرغم من أن أحداً لا يجب أن يغفل عن حسابات المصالح لدى القوى الغربية، وأن هذه القوى لن تتردد في مقايضة موقفها من الثورة الشعبية بصفقة ما مع النظام تتعلق بتحالفاته الإقليمية وعلاقاته بقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية، فإن الرأي العام العالمي لا يمكنه الصمت طويلاً عن أساليب القمع الدموية التي نشرت ضد الشعب السوري وتظاهراته السلمية. الأهم من ذلك كله، أن الثورة الشعبية السورية ليست شأناً معزولاً، بل تأتي في سياق ثورة عربية شعبية شاملة، تطال كل أنحاء المجال العربي؛ وفي هذه المرة، ليس ثمة جدل حول تعاطف العرب مع أشقائهم في سورية، بل هناك وعي عميق بأن ما تشهده سورية يرتبط عضوياً بتحول عربي واسع ويسهم إسهاماً مركزياً في تحديد مصير العرب ومستقبلهم.

سورية اليوم ليست سورية 1982، ودرعا، مهما بلغ مستوى وحجم العنف الذي يوظف لإخضاعها، لن تفيد في تكرار سياسة 'حماة'. إن كان هناك من مخطط لتلقين الشعب السوري درساً مثل درس حماة، فدرعا لن تكفي، وعلى النظام تدمير كافة المدن السورية الثائرة الأخرى. والذين لا يرون دلالات الثورة التي انطلقت في كافة أنحاء المجال العربي، الذين يحسبون أن إخضاع درعا سيضع حداً لحركة الشعب السوري ونضاله من أجل حياة حرة وكريمة ودولة عاقلة وعادلة، سينتهون إلى الفشل. هذه المرة ستتغير سورية، مرة وإلى الأبد، لأن سورية لابد أن تتغير.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

======================

أوباما والسيكوباتية السياسية: سورية نموذجاً

الخميس, 05 مايو 2011

محمد حسين أبو العلا *

الحياة

بين الأصفار لا توجد فروق، ولن توجد مهما بلغت محاولات الاستقصاء ودعاوى التمني، لكن بين الأرقام تتعدد المعاني والدلالات رحابة وضيقاً، ولقد دأب الحكام العرب طيلة أمد على خوض معركة الرهانات الخاسرة، التى تبرز عمق الحماقة السياسية على اختلاف أنماطها وصورها، تلك الحماقة التى مثلت أفدح ثمن يمكن أن تدفعه الشعوب من دمائها وكرامتها وتاريخها وشرفها القومي.

والمتأمل في تنويعات البانوراما السياسية العربية، إنما تتلاشى أمامه أي صيغة متفردة للحكم الرشيد، أو أي منهج إستراتيجي أو فلسفة سياسية ذات بنية مُحْكَمَة تستطيع القفز على التحديات مستهدِفة المصالح العليا في الصميم، وهو ما يعبِّر عن نمطية الفكر وتقليديته وتجاهل معطيات الواقع في تحولاته الصادمة لذلك المحيط العربي الذي تتقاذفه الأخطار وتكتنفه الخلافات الحادة الموشكة أن تجعله أثراً بعد عين. ولقد عبثت الإدارة الأميركية عبث الكبار بذلك المد الثوري في أرجاء ذلك المحيط العربي، فلم تُبْدِ سلوكاً رائداً أو تقوم بدور متميز، وإنما قدمت طرحاً باهتاً حتى لذلك الذي حفزت الشعوب العربية نحوه، من تكريس ميثاق عتيد لحقوق الإنسان وسيادة المنظومة الديموقراطية وشيوع مبادئ العدالة والمساواة، وحين هبت هذه الشعوب وأفاقت من غفوتها، لم تجد أميركا نصيراً أو حليفاً لها أو حتى عوناً لذاتها، باعتبارها ممثلة للضمير السياسي والحضاري المعاصر، فلم يختلف موقف أوباما عمن قبله،وإنما ترنح طويلاً في دوائر الفراغ واللامعنى، فها هو مجدداً يندد بالعنف الحادث في سورية، واصفاً أعمال القمع والقهر بأنها مشينة، ذلك رغم أن النظام السوري هو أكثر الأنظمة خصومة وعناداً سافراً في الشرق الأوسط، بل هو أقرب حلفاء إيران والداعم لسلاح حزب الله في لبنان ولحماس في غزة في مواجهة إسرائيل.

لكن هل يمثل ذلك الوجهَ الحقيقي للسياسة الأميركية؟ كلا، لأن الموقف الفعلي إنما انطوى على مهادنة النظام السوري ضد المتظاهرين والمحتجين الذين لا تتجاوز مطالبهم سوى إرساء نظام ديموقراطي وإطلاق عنان الحريات السياسية ووقف أعمال القتل والتعذيب، فبدلاً من إطاحة نظام ديكتاتوري واتخاذ خطوات حاسمة لإضعافه وتقويضه، نرى أوباما يجأر أو يهذي بأن حكومة النظام إنما تسعى لتنفيذ إصلاحات معقولة! ذلك أنها جعلت التعامل مع سورية جزءاً محورياً من سياستها الخرقاء في الشرق الأوسط، والمتشدقة بمعتقداتها الخاطئة المتمثلة في أن الأسد الهصور ربما يكون أهم محاور عملية السلام في الشرق الأوسط، بل إنها لن تقايض الأسد بمستقبل مجهول! لكن خجلاً من أطياف المجتمع الدولي، فرض أوباما عقوبات على الاستخبارات السورية وعقوبات أخرى على بعض أقارب الرئيس السوري، رداً على حملات الإبادة التى يمارسها النظام، لكن من دون أن تطال هذه العقوبات رأس النظام.

ولعل ذلك الموقف الأميركي الذى يتصدره أوباما، إنما يعلن وبشكل فاضح عن تلك السيكوباتية، أو الشخصية المضادة لحركة المجتمعات، والتي تميل سلوكياتها إلى تلك الغرابة ولا تعبأ بالأعراف والقوانين السائدة، فضلاً عن احترامها وتوقيرها، وتكون أقرب إلى انتهاك حقوق الآخرين وتفتقد القدرة على الحكم الصحيح، من ثم فإنها تعايش المشاكل نفسها التي سبق أن تورطت فيها، وهو ما يكشف بالضرورة عن حالات الخلل واللامعيارية.

ومن ذلك، فعلامَ تستند الإدارة الأميركية في مهادنتها النظام السوري، الذي حشد مِن قَبلُ آلاف الجهاديين من مختلف أنحاء العالم لتسفير بعضهم إلى العراق لمهاجمة الجنود الأميركيين؟ بل كيف لها أن تهادنه وهو الذى سعى بقوة لبناء مفاعل نووي سري بدعم من كوريا الشمالية، فضلاً عن احتضانه ورعايته سلسلة من الاغتيالات لخلخلة الحكومة اللبنانية الموالية للغرب؟ وكيف لأميركا أن تشيد بذاتها باعتبارها القوة الأولى في العالم بينما يشير الخطاب السياسي داخلها إلى قيود استعمال قوة واشنطن التي تزداد كل يوم مع تغير موازين القوى لمصلحة أطراف أخرى؟ وكيف لأميركا أيضاً أن تشير إلى ضرورة التركيز بقوة على ديبلوماسية الشعوب أو ضرورة تفهم شعور شعوب الشرق الأوسط تحديداً؟ وكيف لأميركا أن تتجاهل نصائح القطب الإستراتيجي كيسنجر بشأن التعامل مع الثورات العربية، والتي تستوجب إدارة الأزمات يوماً بيوم وبطرق مختلفة مع كل دولة وكل انتفاضة؟ من ثم، لماذا لم تنفلت أميركا من خيوط المنطق الأحادي المعمول به مع الدول، رغم اختلاف خصوصياتها وعلاقاتها وطبيعة شعوبها؟ وكيف لم يحفل أوباما بجماعة كتاب «واشنطن بوست» التى تطرح سخريتها المريرة من الالتزام الأميركي بحقوق الإنسان والتعهد مراراً بدعم التطلعات العربية نحو الحرية بينما تترك الشعب السوري نهباً للدكتاتورية الدموية؟ وما هي القيمة الفعلية لقرارات مجلس حقوق الإنسان بإدانة الإنظمة باستخدام العنف ضد المتظاهرين في سورية أو غيرها؟ وكيف للنظام السوري أن يستعيد المجد الديكتاتوري البائد في قمع المطالبين بالإصلاح الديموقراطي بالأدوات والوسائل والطرق نفسها رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود؟ ألم يستوعب النظام السوري تجربة الثورات العربية في مقدماتها ونتائجها؟ والى أي مدى ستظل ممارساته القمعية مستمرة على هذا النحو أو ذاك، ظناً أن الشعوب هي أرخص قربان أمام زهوة الاحتفاظ بالعروش والتيجان؟

إن الأنظمة العربية المتآكلة، التى تعلي دائماً في لحظات التأزم شعار «أنا أو الفوضى»، حين تنهشها وتفضحها تلك الثورات الجامحة المنطلقة من فضاءات الكبت والإحباط، والتي هي دائماً تُؤْثِر الفوضى على الزعامات الهشة، وتؤثر الفوضى كذلك على الخواء السياسي والفكري، ذلك أن تلك الفوضى وفي أقصى درجات تطرفها يمكن أن يرتجي من ورائها شرور أقل، بل أقل بكثير من الاستمرارية البغيضة لأنظمة باتت فاقدة للشرعية لأنها كانت في المبتدأ فاقدة الأهلية السياسية.

* كاتب مصري

=======================

سورية: معركة استعادة الديموقراطية و... الجمهورية

الخميس, 05 مايو 2011

رضوان زيادة *

الحياة

في حوار شهير للرئيس السوري بشار الأسد مع صحيفة «وول ستريت جورنال» في 31 كانون الثاني (يناير) الفائت، اعتبر أن سورية محصنة وبعيدة ممّا شهدته دول أخرى في المنطقة مثل تونس ومصر «بسبب قرب الحكومة السورية من الشعب ومصالحه» على حد تعبيره.

في الحقيقة، إن الكثير من الأنظمة العربية حاججت بعدم وصول الاحتجاجات إليها بسبب اختلاف الظروف أو ما تسميه الخصوصية، كما ادعى وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط قبل بدء الثورة المصرية، على رغم أن المشترك بين هذه الأنظمة هو أكثر بكثير مما تختلف فيه، فهي تشترك في هيكل النظام التسلطي، كما تشترك في إهانة الكرامة الإنسانية لمواطنيها عبر التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والقانون.

عندما بدأت المنظمة النقابية البولندية «تضامن» في كانون الأول (ديسمبر) 1988 في تنظيم الاحتجاجات السلمية بهدف إجبار الحزب الشيوعي الحاكم في حينه على احترام حقوق الإنسان وفتح المجال للحريات السياسية وعلى رأسها حق التعبير والتجمع، لم يكن أحد يتوقع انها ستستطيع بقيادة ليش فاليسا إجبار الحزب الحاكم على الاعتراف بها في شباط (فبراير) 1989.

كان تشاوشيسكو في رومانيا يقول ايضاً إن بلده رومانيا لن تتأثر بموجة الاحتجاجات تلك، فبولندا وتشيكوسلوفاكيا مختلفتان تماماً عن رومانيا، فبولندا كاثوليكية أما رومانيا فكنيستها أرثوذكسية، وكان البابا يوحنا بولس الثاني يضغط حينها بقوة من أجل حرية التدين في بلده بولندا الذي حظي بتركيز كبير أكثر من غيره من دول أوروبا الشرقية، كما كان تشاوشيسكو يزيد أن رومانيا هي البلد الوحيد الذي ليست فيه قوات سوفياتية من دول الكتلة الاشتراكية، فضلاً عن أنه كان يفاخر بقدرة الأجهزة الاستخبارية الرومانية على قمع أي بوادر انشقاق أو معارضة. لقد تأخر التحول في الوصول إلى رومانيا حتى كانون الاول 1989، لكنه أتى في النهاية على شكل «ثورة» كما يحب الرومانيون تسميتها، وأتى أكثر دموية حتى انتهى بإعدام تشاوشيسكو وزوجته.

صحيح أن الأجهزة الأمنية السورية هي الأشد مقارنة بمصر أو تونس أو اليمن، لكن ذلك يعد عاملاً محرضاً إضافياً للاحتجاجات. وفي سورية يجتمع الفشل السياسي مع إخفاق اقتصادي، فهي لم تحقق، لا الخبز ولا الحرية على حد تعبير الصحافي البريطاني آلان جورج، وفوق ذلك هناك قصص الفساد التي توجه فيها الاتهامات الى رجال اعمال يتحالفون مع الأجهزة الأمنية من أجل بناء ثرواتهم التي تظهر حجم الهوة بين طبقة تزداد ثراءً ومجتمع يزداد فقراً، فهناك 30 في المئة من السوريين تحت خط الفقر وفق الاحصاءات الرسمية، ما يجعل العوامل التي تدفع الى الغضب في سورية شبيهة تماماً بما جرى في تونس.

ما يؤخر ذلك في سورية هو الخوف في شكل رئيس. لكن نجاح الشباب في مدينة درعا الجنوبية في كسر حاجز الخوف والخروج بالعشرات في تظاهرات تطالب بالحرية، كما أن استمرارها وتمددها إلى مدن أخرى كبانياس ودير الزور وحمص، ثم خروج تظاهرات صغيرة لكن ذات دلالة في العاصمة دمشق وقمعها داخل المسجد الأموي، أمور تدل على أن تصميم الشباب السوري على استكمال ثورته يتصف بالصمود، ولا يمكن قمع هذا الأمل على رغم توسع الاعتقالات في أكثر من مدينة وسقوط شهداء في مدينة درعا بينهم أطفال بسبب الاستخدام المفرط للعنف في تفريق المتظاهرين واستخدام الرصاص الحي، كما أثبتت أكثر من منظمة حقوقية. وكما بدا واضحاً في ثورات مصر وتونس واليمن، فإن القتل لا يردع بقدر ما يؤجج ويحرّض الآخرين على كسر جدار الخوف والصمت عندما يرون أن آخرين ضحوا بأرواحهم من أجل حريتهم.

وغالباً ما يؤجج رد فعل السلطات الأمنية الاحتجاجات، فهي اعتادت على التعامل مع هذه المطالب والتظاهرات وفق السياسة الأمنية ذاتها، واتهام من قاموا بها بأنهم «مندسون» كما هو التعبير الرسمي السوري، مما يزيد من الغضب لدى الشباب الثائر على السلطة.

وإذا قمنا بتحليل الشعارات التي استخدمت في التظاهرات السورية وفي أكثر من مدينة، نجد قدرةً فائقة من الشباب السوري على إدراك طبيعة السلطة الحاكمة وإبطال تأثير مفعولها السياسي والإعلامي، فالنظام السوري يستخدم لغة التخوين ضد كل معارضيه أو المنشقين عنه عبر وصفهم بالعمالة لإسرائيل أو الولايات المتحدة وما إلى ذلك، فكان رد الشباب السوري عبر شعار «الخاين يللي بيقتل شعبو» باللهجة المحلية. كما أن الإعلام الرسمي وصف من قاموا بالتظاهرات في دمشق ودرعا وبانياس وغيرها من المدن السورية بأنهم «مندسون» فأطلق الشباب السوري مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي («الفايسبوك» و «التويتر» تقول «أنا مندس/ة»)، وبالتأكيد فإن مثل هذه التكتيكات من شأنها أن تبطل التأثير الإعلامي والسياسي الرسمي.

ولا بد من أن نشير إلى أن بداية الاحتجاجات الشعبية من درعا، هذه المحافظة الجنوبية، تحمل أكثر من دلالة، وتعطي مؤشراً على صمود الشباب الثائر حتى تتحقق كل مطالبه، فدرعا محافظة تعرضت كغيرها من المحافظات الحدودية إلى تهميش وإهمال كامل للبنى التحتية كما يعاني أبناؤها من تدني مستوى الرعاية الصحية والتعليمية، ولذلك يمتلك شبابها كل المقومات التي تدفعهم إلى عدم الرضوخ حتى تحقيق كل أهدافهم، كما أن المجتمع العشائري في المدينة يولد مزيداً من التضامن بين أبنائها.

إن الشعارات التي رفعت منذ اليوم الأول تدل على أن هذه الثورة هي ثورة الكرامة وعلى رأسها الحرية، وما يعزز فرضية تصاعد الاحتجاجات هو عدم إمكانية عزل محافظة درعا أمنياً وسياسياً، فلو ابتدأت الاحتجاجات في محافظات القامشلي أو الحسكة (وهي محافظات الوجود الكردي الكثيف)، لكان سهلاً على النظام السوري عزلها أمنياً وسياسياً، عبر اتهام الأكراد بأنهم يريدون الانفصال، ولو ابتدأت في حماة لكان سهلاً عزلها أيضاً عبر القول إن «الإخوان المسلمين» (الذين يحكم بالإعدام على كل منتسب اليهم وفقاً للقانون 49 الصادر عام 1980) هم وراءها، كما أن من الصعب أيضاً للاحتجاجات والتظاهرات أن تبدأ من دمشق أو حلب بسبب الوجود الأمني الكثيف فيها، وبالتالي أبتدأت الثورة في المكان المثالي الذي كان يمكن أن تبدأ منه.

أما السبب الأخير الذي سيمنع النظام السوري من ممارسة العنف الشديد أو القمع العنيف للتظاهرات في درعا هو أن الكثير من قادة فرق الجيش هم من حوران، فتقريباً هناك ثلاثة من قادة فرق الجيش السوري العشرة من محافظة حوران، ولما كان العامل العشائري هنا قوياً، فإن ممارسة العنف الشديد ستولّد انشطاراً في الجيش السوري يدرك النظام عواقبه الخطيرة، كما يجب ألا ننسى أننا اليوم في عالم يلعب فيه الإعلام دوراً محورياً في التواصل وكشف المعلومات، كما أثبت رد الفعل الدولي في ليبيا الذي كان درساً حاسماً لأي نظام يعتبر أنه محلّل له ارتكاب الفظائع والجرائم بحق شعبه.

إن الشباب السوري اليوم يخوض معركة مزدوجة، فمن جهة عليه العمل لاستعادة الجمهورية، بعد التوريث الذي ميّز عملية انتقال السلطة، ومن جهة أخرى العمل لاستعادة الديموقراطية. وفي الحالتين، فإن السوريين بكل أطيافهم وانتماءاتهم العرقية والدينية والاثنية لا يختلفون أبداً على أولوية النجاح، فسورية أرض حضارات عريقة متعاقبة، منها انطلق فجر الحضارة الاسلامية، واستمرت على مر التاريخ منارةً للأفكار الخلاّقة والمبدعة، وكان للسوريين الدور الأبقى في نشر الفكر العروبي على امتداد العالم العربي. والآن عليهم قيادة معركة الحريات ونشرها في العالم العربي، فدمقرطة الأنظمة العربية هي السبيل الوحيد لوضع أولويات ومصالح الشعوب على حساب مصالح الأنظمة، وهو ما يفتح المجال لبناء فضاء جيوسياسي واقتصادي عربي قادر على تحقيق الرفاهية لشعوب المنطقة كافة.

إن الثورة السورية اليوم تهدف إلى تحقيق إصلاح سياسي جذري يبدأ من تغيير الدستور وكتابة دستور ديموقراطي جديد يضمن الحقوق الأساسية للمواطنين، ويؤكد الفصل التام بين السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، ويشمل أيضاً إصلاحاً جذرياً للجهاز القضائي الذي فقد المواطنون الثقة الضرورية فيه، وبالطبع رفع حالة الطوارئ وإلغاء كل المحاكم الاستثنائية والميدانية وعلى رأسها محكمة أمن الدولة وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإصدار قانون عصري للأحزاب السياسية بما يكفل مشاركة كل السوريين من دون استثناء، وتحرير قانون الإعلام بما يضمن حرية الإعلام وإصدار قانون جديد للانتخابات، وتشكيل هيئة وطنية للحقيقة والمصالحة من أجل الكشف عن المفقودين السوريين والتعويض عن المعتقلين السياسيين، وفوق ذلك كله بالطبع يأتي إعطاء كل الحقوق الأساسية للكرد، وعلى رأسها منح الجنسية لما بات يقارب ربع مليون مواطن كردي حرموا منها نتيجة إحصاءٍ استثنائيّ خاصّ بمحافظة الحسكة عام 1962 وكذلك إلغاء التمييز الثقافي واللغوي بحق اللغة الكردية والنشاطات الثقافية والاجتماعية والفنية والاعتراف بحق التعلّم باللغة الأم، وإلغاء التمييز المنهجي الواقع عليهم وإعطاء المنطقة الشرقية الأولوية في ما يتعلق بمشاريع التنمية والبنى التحتية.

ان للجيش في سورية مكانة مميزة، فالسوريون يرددون كل صباح «حماة الديار عليكم سلام»، أي أنهم يبدأون نشيدهم الوطني بتحية الجيش وحده من دون غيره من المؤسسات الوطنية أو الشعب كما هي حال الأناشيد الوطنية في البلدان الأخرى، لما كان له من دور في الاستقلال والحفاظ على الوحدة الوطنية بين أبناء سورية جميعاً، وفوق ذلك، فإن أهميته تكمن في أن جزءاً من الأراضي السورية لا يزال تحت الاحتلال الاسرائيلي بما يعنيه ذلك من مهام الجيش في التحرير وضمان وحدة أراضي الجمهورية وسلامتها.

* باحث زائر في جامعة جورج واشنطن – الولايات المتحدة

========================

البعث.. نهاية حزب انتهى منذ 40 عاما!

الشرق الاوسط

صالح القلاب

5-5-2011

لم تثر استقالات عدد من أعضاء حزب البعث الحاكم في سوريا أي اهتمام على الصعيد الداخلي، ولم تؤثر هذه الاستقالات على نظام الرئيس بشار الأسد، والمسألة ليست أكثر من مجرد فقاعة إعلامية فقط، فهذا الحزب تحول مع الوقت إلى وسيلة للتوظيف والوصول إلى المواقع، وهو لم يواجه أي امتحان جدي منذ تسلمه الحكم في 8 مارس (آذار) عام 1963 ولا مرة واحدة، كما أنه بقي خلال ال30 سنة الأخيرة على الهامش من حيث التأثير والفاعلية.

أصبح هذا الحزب هو ثمرة اندماج بين حزب البعث العربي بقيادة مؤسسيه ميشيل عفلق وصلاح البيطار، وكلاهما درس في فرنسا وتأثر بأفكار رواد القومية الأوروبية، وكلاهما تأثر أيضا بأفكار المناضل «اللوائي»، نسبة إلى لواء الإسكندرون، زكي الأرسوزي، وأخذ فكرة «البعث» منه والحزب الاشتراكي الذي أسسه أكرم الحوراني وغلبت عليه النزعة اليسارية المتطرفة.

يومها كان العرب قد انتقلوا توا من الحكم العثماني المتخلف، الذي جثم فوق صدورهم لنحو 4 قرون متتالية، وكان حلم استقلالهم في دولة واحدة، تمتد من تطوان في الغرب وحتى رأس الخيمة في الشرق، ومن جبال الأناضول في الشمال وحتى عدن وباب المندب في الجنوب، قد تبخر عندما وجدوا أنفسهم بعد الحرب العالمية الأولى عددا من الدول المستعمرة ونهبا للدول الغربية التي انتصرت في هذه الحرب، وفي مقدمتها فرنسا والمملكة البريطانية المتحدة.

لهذا فقد اتفق المؤسسون على أن يكون شعار هذا الحزب: «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة»، وأن تكون منطلقاته: «وحدة - حرية - اشتراكية» وأن يتضمن دستوره بندا ينص على أنه حزب انقلابي، ولقد فسر هذا البند لاحقا على أن الانقلاب المقصود هو على الفساد والظلم والطغيان، وحقيقة أن أول انقلاب نفذه «البعث»، وهو انقلاب 8 فبراير (شباط) عام 1963 في العراق، كان انقلابا عسكريا دمويا رد فيه البعثيون (الحرس القومي) بعنف أكثر من العنف الهمجي الذي مورس عليهم بعد انقلاب عبد الكريم قاسم عام 1958 الذي أطاح بالنظام الملكي، والذي إن لم يشارك فيه الشيوعيون العراقيون فعليا فإنهم ركبوا موجته لاحقا واعتبروا نظامه نظامهم.

أخذ المؤسسان الأولان لهذا الحزب، ميشيل عفلق وصلاح البيطار، كلمة «البعث» من زكي الأرسوزي اللوائي، الذي لجأ إلى سوريا بعد سلخ لواء الإسكندرون وإلحاقه بدولة مصطفى كمال أتاتورك، التي أنشأها على أنقاض دولة الخلافة العثمانية، والمقصود بهذه الكلمة هو بعث الأمة العربية التي وصلت إلى ذروة تألقها من خلال الرسالة الإسلامية العظيمة التي أُرسل بها محمد، صلوات الله عليه، ومن خلال فتوحات مرحلة الخلفاء الراشدين والخلافتين العباسية والأموية، وحيث احتلت خلال نحو قرنين من الزمن مكانة طليعية بين أمم الأرض.

لهذا، وفي ظلال هذه الشعارات الجميلة «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة»، فقد انتشر حزب البعث، بالإضافة إلى سوريا، في كل بلاد الشام، انتشار النار في الهشيم، وبخاصة في الأردن ولبنان، ثم انتقل، خلال سنوات قليلة، من خلال طلبة الجامعات، وطلبة الجامعة الأميركية على وجه التحديد، إلى العراق واليمن بشماله وجنوبه، وإلى ليبيا وتونس والسودان، ولعل ما تجدر الإشارة إليه هنا أن بعض الرواد الأوائل من مؤسسي هذا الحزب أرادوه، على غرار حزب المؤتمر الهندي، حزبا اجتماعيا ثقافيا، ووفقا لأفكار زكي الأرسوزي، لكن هذا التوجه ما لبث أن انهار وتلاشى عندما تغلبت التطلعات الانقلابية على هذه النزعات الثقافية وعندما اندفع نحوه الضباط الشباب من الرتب الصغيرة، وبخاصة ضباط الطائفة العلوية أملا في أن يكون طريقهم إلى الحكم والسلطة.

لم يكن حزب البعث قد وصل إلى الحكم بعدُ عندما ذهب إلى الوحدة بين مصر وسوريا واعتبر شريكا للرئيس جمال عبد الناصر في هذه الوحدة، لكنه من خلال ضباطه وتنظيمه العسكري في الجيش السوري كان القوة الرئيسية الفاعلة والمؤثرة، وكان هو الذي دفع الرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي دفعا إلى هذه الوحدة التي لم تعِش طويلا، والتي كان قد اضطر إلى حل نفسه من أجلها والاندماج في الاتحاد القومي «تحت ضغط هذا الرئيس المصري الأسبق» الذي كان معاديا للأحزاب والحزبية.

بعد الانفصال بنحو عام واحد استطاع فرع هذا الحزب في العراق القيام بأول انقلاباته العسكرية؛ حيث أطاح بنظام عبد الكريم قاسم وتسلم الحكم في 8 فبراير عام 1963 ثم بعد شهر واحد قام فرع سوريا بانقلاب مماثل وتسلم الحكم في 8 مارس من العام نفسه، لكن عبد السلام عارف، الذي كان شريكا في الانقلاب الأول، ما لبث أن انقلب على البعثيين العراقيين بعد أن دبت الخلافات بينهم وتحولوا إلى تيارات متصارعة أسست لخلافات سياسية وعقائدية لاحقة أدت إلى انشقاق تنظيمي بعد حركة 23 فبراير عام 1966، فأصبح هناك بعثان: بعث عراقي وبعث سوري، بقيادتين قوميتين وتنظيمين مستقلين دخلا في صراع مرير أدى إلى اللجوء إلى حرب الاغتيالات والتفجيرات المتبادلة.

بعد هذه التطورات المتلاحقة كلها، من الوحدة إلى الانفصال إلى انقلاب فبراير في العراق، الذي خسره البعثيون بعد شهور قليلة، إلى انقلاب مارس الذي بلور كتلة عسكرية مقابل كتلة مدنية في هذا الحزب على مستوى القيادة والقاعدة، جاءت حركة 3 فبراير عام 1966 بمثابة الضربة القاصمة للظهر، فالذين نفذوا أول انقلاب عسكري يقوم به «البعث» على نفسه، ومن بينهم الرئيس السابق حافظ الأسد، ألغوا القيادة القومية السابقة واستبدلوا بها قيادة جديدة، فأصبح الحزب حزبين، أحدهما غدا عراقيا بعد انقلاب عام 1968 في العراق، والآخر سوريا، ولعل ما كان بمثابة الطامة الكبرى أن البعث السوري قد أصدر حكما بالإعدام على «القائد المؤسس» ميشيل عفلق بتهمة الخيانة العظمى لانحيازه إلى البعث العراقي وانتقاله من المنافي في الخارج ليعيش في بغداد، وأن مخابرات نظامه في عهد الحركة التصحيحية هي التي قامت باغتيال صلاح البيطار في باريس في نهايات سبعينات القرن الماضي.

إن هذه هي الضربة الفعلية الأولى التي مزقت هذا الحزب، أما الضربة الثانية التي أنهته عمليا فهي ما يسمى «الحركة التصحيحية»؛ حيث نفذ حافظ الأسد انقلابه العسكري الذي استفرد بعده بالسلطة ل30 عاما على رفاقه خلال انعقاد المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي الذي لم يؤيده منهم سوى ثلاثة فقط من أصل 83 عضوا، هم، بالإضافة إليه: مصطفى طلاس، الذي غدا وزيرا للدفاع، وعبد الحليم خدام، الذي أصبح لاحقا نائبا لرئيس الجمهورية، أما الرابع فهو المحامي الأردني أحمد النجداوي الذي ما لبث أن انشق والتحق ب«البعث العراقي».

إن هذه هي مسيرة حزب البعث العسيرة، وهي مسيرة تلخص مرحلة امتدت من عام 1947 وحتى انقلاب فبراير في العراق وانقلاب مارس في سوريا، ثم انقلاب 23 فبراير وانقلاب الحركة التصحيحية الذي قاده حافظ الأسد عام 1970، الذي كان هو نهاية هذا الحزب الذي بقي لاعبا رئيسيا في هذه المنطقة الشرق أوسطية لأكثر من نصف قرن، وبخاصة بعد انقلابه الثاني في العراق عام 1968، الذي باسمه انقلب صدام حسين على رفاقه عام 1979 وأعدم منهم نحو 50 قائدا في «وجبة» واحدة، والآن فإن زوال حكم بشار الأسد سيكون زوالا لاسم حزب كان مؤسسوه يعتقدون أنه سيكون حزب الدولة العربية الواحدة التي حلم بها العرب بعد زوال الإمبراطورية العثمانية، والحقيقة أن زوال هذا الحزب الذي زال فعليا منذ أكثر من 40 عاما بات مؤكدا، أُسقط هذا النظام أو لم يسقط، والمعروف أن الحزب الشيوعي الذي كان عدد أعضائه قرابة 18 مليون عضو لم يستطع أن يفعل شيئا عندما انهار الاتحاد السوفياتي، وذلك لأنه كان مجرد تورم سرطاني مستنزف للدولة بالامتيازات والفساد.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ