ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 08/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

سوريا من النموذج الصينى إلى سقوط النظام

الجمعة، 6 مايو 2011 - 20:01

عادل السيد

اليوم السابع

أعجبت نظرية "أنصاف الرجال"، التى أطلقها شبل أسد سوريا على حكام العرب خلال معركة غزة عام 2006، الكثير منا، فأصبح له عليها شعبية لا بأس بها بين صفوف المحبطين فى الأرض والناقمين على نظمهم، ولا شك أنه كان يقصد بها، وهذا ما خمناه وقتها، كل الحكام العرب من ملوك وسلاطين ورؤساء، من حسنى مبارك وزين العابدين بن على ومعمر القذافى وعلى عبد الله صالح إلى الملك عبد الله.

وكانت نتيجتها وقتها أن تدهورت العلاقات العربية العربية حتى وصلت إلى أدنى مستوى وصلت إليه منذ أن تأسست جامعة الدول العربية التعيسة والمتعوسة منذ نشأتها بعد الحرب العالمية الثانية بشهور قليلة، لتصل تلك العلاقات إلى درجة تحاشى اللقاءات مع شبل الأسد، ليس فقط فى كافة العواصم العربية، بل حتى تحاشى لقائه فى المحافل الدولية بإعطاء الملوك والرؤساء الملوك المذكورين ظهورهم له فيها، عدا على عبد الله صالح، ليبدو شبل الأسد وقتها وحتى وقت قريب جدًا معزولاً عربيًا وبالقصد، مما حدا بالبعض منا إلى التشبث به يائسًا والتمسك به رمزًا لمقاومةٍ غير موجودة أصلاً، علاوة على اعتباره – ظلمًا - رمزًا لعصرٍ تقدمى تحنُّ إليه الأفئدة يأسًا مما هو موجود واقعًا وعل الساحة.

إلى أن جاءت لحظة الحقيقة، حين وضع شبل الأسد موضع الاختبار، وكان الأول له ولعهده الذى طال ليصل إلى فترة ماثلت مدة حكم الرئيس السادات لمصرنا العربية (11 سنة كاملة) ليرسب الشبل فيه عن جدارة، برغم محاولاته المستميتة لاستجداء عطف المختبرين له من أهالى سورية الحبيبة وشعبها البطل، علاوة أيضًا على عطف المحبطين إياهم، والذين كانت قد حانت لهم الفرصة ليخطفوا حريتهم من فم أنصاف الرجال أو فى طريقهم إليها بعد بذل النفس والنفيس فى سبيل ذلك، ليبقى الأسد وحيدًا فى عرينه يفكر فى كيفية الخروج من مأزقه، مأزق الدم – دم الشعب - الذى لطخ به نفسه وذات نظامه، ليصبح هذا الدم هو العقبة التى ما بعدها عقبة، أصبح عليها نداء الشعب بإسقاط النظام لا إصلاحه هو قول الساعة.. نعم، قول الساعة!

الشعب فى سوريا صبر أكثر من شعوب المنطقة جمعاء على مطلب الحرية بعد أن هدد مرة وندد مرات وصبر وصابر طويلاً مع التمسك بمقولات الصبر المعهود كمفتاح لكل فرج الذى لم يأت ولن يأتى بمشيئة فوقية تمثلت فى حاكم حتى ولو كان أسدًا أو شبلاً لأسد مثل بشار.. قيل لشعب سوريا فى البداية وحتى تمر الخيبة عليهم وبإرادتهم أيضًا، إن هذا الرجل هو رجل الإصلاح، فغيروا له القوانيين والدساتير ليرث أباه فى نظام يفترض فيه أن يكون جمهوريا برلمانيا علمانيا تقدميا اشتراكيا مفروضا فيه أن يوفر الخبز لأهله جميعًا، فلم يحدث منه، ليباع الخبز فى السوق السوداء على طريق أوتوستراد المزة من أطفال فى عمر الزهور كانت القلوب تدمى لرؤيتهم، وهم واقفون وما زالوا فى كل وقت وتحت كل الظروف الجوية يضعون الخبز فى أكياس بلاستيكية على الرصيف فى انتظار إشارة من قادة السيارات لا عابرى الطريق مشيًا كالمفلسين، فى بلد صدَّر القمح متفاخرًا وهاداه أحيانًا أكثر تفاخرًا بينما الجموع التعيسة الفقيرة تكد عليه ولا تجده.

حدث هذا من نظام كان يفترض فيه - لما يحويه من عنوانين ثورية كثيرة براقة - ألا يفرق فى فرص الجموع الكادحة تفريقًا، كما حدث منه، ومفروض منه أن يفرض العدالة الاجتماعية فرضًا، كما لم يحدث منه، فقام النظام الشبل بعد وراثة أبيه بتطبيق النموذج الصينى بفتح باب الاقتصاد وبطريقة مخجلة وقفل السياسة بطريقة اعتبرت أكثر إحكامًا عما كانت عليه فى عهد الأب، لتصير المهزلة مهزلتين، ففتح الاقتصاد بهذه الطريقة أنعش طبقة رأيناها فى بلد مثل كوبا حين جفت كل مواردها من منح إلى قطاعات منتجة كانت تعتمد على دول صديقة فلم يتبق لها غير قطاع أوجده لها الأوربيون، وهو السياحة، ليتم بها إفساد كل ما حققه النظام الكوبى من منجزات فى قطاعات التعليم والصحة والرياضة ولتتحول كوبا الثائرة إلى ماخور والشعب إلى شحاذ رسمى يلهث وراء العملة الصعبة فى جيوب السياح لتستمر المأساة إلى مؤتمر الحزب الشيوعى السادس بفتح الاقتصاد رسميًا وعلنيًا وعلى المنوال الصينى إياه، عل ذلك يرأب الصدع الذى حدث فى المجتمع ويعجل كحقيقة بنهاية النظام بأسره.

أما فى سوريا فكان النموذج الصينى المتمثل فى مواربة باب الاقتصاد، خاصة قطاعات التجارة والسياحة - لا فتحه بالكامل - يصب فى صالح طبقة رسمية مفترض فيها ولها أولاً وأخيرًا الولاء للنظام والطاعة لولى الأمر، صاحب النعم، ولا يفترض فيها ولا بها تلك الكفاءة المتوفرة فى الطبقات الكادحة لا الانتهازية المعهودة، لتقف قريبًا جدًا من النظام، مثلما عرفنا ذلك فى مثلها فى مصرنا وعائلتها الأولى السابقة وفى تونس بن على والعائلة الأولى السابقة أيضًا، فالتوكيلات الأجنبية فى سوريا من قطاع الاتصالات الرائج وقطاع استيراد السيارات والأدوات الترفيهية الخائبة، كانت توزع بالطبع على الأحباب من رواد فرح البعث وكل بعث، ضاربين بالفكرة النموذجية للقومية العربية عرض الحائط، ليقوم الباطل على باطل بمهزلة مكملة هى إحكام قفل السياسة فحتى زحزحة المادة الثامنة من الدستور التى تنص على أن "حزب البعث العربى الاشتراكى هو الحزب القائد فى المجتمع والدولة"، أى ليس فقط فى الدولة بل المجتمع بأسره، ليصبح عليها ما كان مسموحًا به فى عهد مباركنا من "اشتم ولا تطالب"، ترفًا ما بعده ترف فى ظل بوقى النظام من "تشرين" و"الثورة"، تمامًا كما جعل رئيس مجلس إدارة الأهرام إياه من مؤسسته الأهرام فيما يخص عدم المساس بمبارك وأولاده، لتصبح فى سوريا نقدة واحدة تقابل بعقوبة الخطف من البيوتات أو ترميل العامة والخاصة فى سجون تعتبر مقارنتها بجوانتنامو نكتة سخيفة، عدا عن السحل المعهود والمنظم حتى لا يترهل النظام ولا يفقد حيويته التعذيبية كأداة تخويف لكل الشعب، ومن هنا كان الخروج الشعبى عن الطاعة، طاعة النظام، التى لم تفلح فى تكبيل الشعب بقضية تؤمن بها كل الشعوب العربية والصديقة أيضًا، وهى قضية فلسطين، التى نجح "الحزب القائد الوحيد والملهم الأوحد للدولة والمجتمع" فى استخدامها لعقود طويلة كغطاء ثقيل حامٍ له لا خوفًا على القضية بل على باطل ولتقييد الشعب على أن لا يتنفس أو أن يطالب بقضايا أخرى حياتية ويومية ضرورية وملحة يفترض لها أن تجاب منذ سطوا على السلطة ليصبحوا مزمنيين لنا وعلينا مع الاحتفاظ بالغطاء من تلك القضية البائسة بهم إلى قضايا حماس وحزب الله وإيران، والتى سماها النظام "قضايا الكرامة"، بينما الشعب يجوع بشدة ويعطش بكرامة ويثور بالدم أخيرًا من أجل لقمة خبز وحرية وعدالة اجتماعية.

هذا لن تفيده ترقيعات النظام ولا تبديلات الأشخاص، فاقضية أصبحت قضية دم بين نظام وشعب لا يتفقان ولا يتماثلان ولا يتوافقان.. إنه وقت سقوط النظام، لا الشعب!

* محاضر بجامعة ونسبروك بالنمسا

===================

الجوار التركي المضطرب

Henri Barkey - Los Angeles Times

الجريدة

7-5-2011

«ربيع العرب» خرّب مشاريع أنقرة... فقد تأخر القادة الأتراك، الذين يعتبرون أنفسهم أبطال الديمقراطية وحقوق الإنسان وفق أسلوبهم الخاص، في انتقاد الحملات الوحشية التي قادها معمر القذافي في ليبيا والأسد في سورية الآن، فلم تكن أنقرة واثقة بصمود القذافي، لذا عمدت إلى تعديل موقفها لاحقاً، فأقدم أردوغان أخيراً على دعوة القذافي إلى التنحي يوم الثلاثاء.

يواجه الرئيس السوري بشار الأسد مأزقاً كبيراً... لم تنجح خطته المبنية على استعمال القوة الوحشية ضد مواطنيه- مما أسفر عن مقتل المئات بحسب التقارير- في سحق الحركة المتنامية ضد نظامه، إذ تشير الصور التي تُنشَر عن الوضع في سورية إلى قصص صادمة عن قناصة وعناصر من قوى الأمن يطلقون النار على المتظاهرين غير المسلحين، وكذلك، استقال 200 عضو من حزب البعث الذي ينتمي إليه الرئيس تزامناً مع الاحتجاجات.

غير أن مشكلات الأسد تنذر أيضاً بنشوء مشاكل عدة في وجه تركيا المجاورة، فقد سبق أن أبدى رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، دعمه لسورية ورئيسها الذي يفتقر إلى الخبرة، فقد تتمكن تركيا من مساعدة نفسها ومساعدة دمشق، لكنها ستحتاج حتماً إلى التعاون مع واشنطن عن كثب، وربما بدأت بذلك أصلاً.

انطلاقاً من مبادرة أردوغان، ألغت سورية وتركيا تأشيرات السفر للمواطنين عند التنقل بين البلدين، في عام 2009، وعقدتا اجتماعات حكومية مشتركة وقادتا تدريبات عسكرية محدودة النطاق.

على صعيد آخر، تشهد الصادرات التركية إلى سورية ازدهاراً ملحوظاً، فقد شكل هذا النوع من التكامل بين الطرفين حجر الزاوية لسياسة الجوار التركية التي تخلو من المشاكل.

غير أن 'ربيع العرب' خرّب مشاريع أنقرة، فقد تأخر القادة الأتراك، الذين يعتبرون أنفسهم أبطال الديمقراطية وحقوق الإنسان وفق أسلوبهم الخاص، في انتقاد الحملات الوحشية التي قادها معمر القذافي في ليبيا والأسد في سورية الآن، ولم تكن أنقرة واثقة من صمود القذافي، لذا عمدت إلى تعديل موقفها لاحقاً، فأقدم أردوغان أخيراً على دعوة القذافي إلى التنحي يوم الثلاثاء.

لكن سورية تحتل مكانة خاصة بالنسبة إلى أردوغان، فهو يكنّ تعاطفاً حقيقياً تجاه الأسد، وقد جعل من سورية دولة صديقة بعد أن أوشكت تركيا على خوض حرب ضدها في عام 1998، بالتالي، قد يؤدي سقوط نظام الأسد إلى إضعاف تلك المكاسب، فضلاً عن ذلك، لن يكون تفكك سورية أمراً عادياً بأي شكل، إذ يُعتبر هذا البلد طائفياً بامتياز، وتسيطر فيه الأقلية على جميع مقاليد السلطة – كالجيش، والاستخبارات، والأجهزة الأمنية، والحزب السياسي الوحيد في البلاد (أي حزب البعث)، ومعظم الجهات الاقتصادية. ستكون المشاكل التي يجب حلها كثيرة، فنظراً إلى غياب إجراءات تأشيرات السفر بين البلدين، قد يصل عشرات آلاف السوريين إلى عتبة أنقرة في حال تصعيد الصراع أو خروج الوضع عن السيطرة. تؤدي جميع هذه المعطيات إلى تصعيب الاستمرار باتباع السياسة التركية الراهنة.

قد تكون هذه السياسة مبررة كونها تخدم المصالح الاقتصادية في المنطقة، لكن يجازف أردوغان وتركيا بخسارة مصداقيتهما، فتعود شعبية تركيا بين الدول المجاورة لها إلى حدة الانتقادات التي وجهتها أنقرة لإسرائيل، لكن إقدام أنقرة الآن على التزام الصمت مقابل المجازر الحاصلة في مدينتي مصراتة الليبية وحمص السورية دفع الكثيرين إلى إدراك واقع الأمور، فظهرت تركيا بصورة الدولة الانتهازية. كذلك، صُدم الأتراك العاديون لدى رؤية حشود من الليبيين وهم يتجمعون في بنغازي للاحتجاج أمام القنصلية التركية، ويحرقون العلم التركي، ويتهمون أنقرة بالتآمر مع القذافي.

في الغرب، لم تكتسب تركيا أصدقاء كثر بسبب موقفها الأخير، ففي الشأن الليبي، تصادم الفرنسيون والأتراك علناً، فكثرت الاتهامات المتبادلة في الاتجاهين، وفي الولايات المتحدة- وتحديداً في الكونغرس الأميركي إذ تنامت الشكوك بمسار السياسة الخارجية التركية- شكّل صمت أنقرة إثباتاً جديداً على نفاق أردوغان وانحيازه الفاضح.

على الرغم من هذه الشوائب كلها، تشكل تركيا الديمقراطية النموذج النقيض لسورية، وكان يمكن أن تتخذ أنقرة بكل سهولة موقفاً يعبّر عن مبادئها، قال أردوغان إنه حث الأسد على التساهل مع الحركات الاحتجاجية، ثم أرسل رئيس الاستخبارات ووزير الخارجية التركي إلى دمشق، لكن من دون جدوى، ومع ذلك، يحتاج أردوغان إلى بذل الكثير بعد.

ربما سيشعر أردوغان بالأسف لدى رؤية 'شقيقه بشار' يغادر منصبه، لكن عليه أن يدرك أيضاً أن الوضع بلغ نقطة اللاعودة حين أقدمت الدبابات السورية على غزو الأحياء المدنية، ومن مصلحة تركيا والولايات المتحدة أن تبدأ قريباً مرحلة انتقالية منظمة تمهيداً لحقبة ما بعد الأسد، فتشير تصريحات البيت الأبيض المدروسة حول أحداث سورية إلى أن إدارة أوباما تشعر بالقلق من وقوع حمام دم بعد الانهيار المفاجئ للنظام.

في هذا المجال، يمكن أن تلعب تركيا دوراً مهماً عبر التعاون عن كثب مع الغرب، وتحديداً مع الولايات المتحدة، فليس مصادفة على الأرجح أن يصدر أول انتقاد يدلي به أردوغان بحق الأسد بعد مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس أوباما.

قلةٌ من الأطراف في المنطقة يمكنها أن تقدم الضمانات التي تمنحها أنقرة إلى الأسد الذي لا يريد تكرار ما حصل مع حسني مبارك في مصر، فهو يحتاج إلى استراتيجية تضمن رحيله بطريقة تحفظ كرامته وتضمن راحة أسرته والقادة العلويين، وستستلزم هذه التدابير بعض الوقت، إذ ستتعاون أنقرة مع الولايات المتحدة وأوروبا للتوصل إلى صيغة مرضية من أجل تنظيم الوضع بحذر، لأن المتطرفين في سورية قد ينقلبون ضد الأسد إذا شعروا بوجود خلل معين.

كذلك، تملك تركيا ورقة مهمة للتعامل مع الأسد، ففي حال انقلب أردوغان على الرئيس السوري، فسيكون الأثر النفسي والمادي على النظام كارثياً، فقد ساهمت علاقة تركيا بسورية في منح دمشق المعزولة فسحة إضافية وخياراً بديلاً عن الاتكال الحصري السابق على حليفتها التقليدية إيران... باختصار، أمام تركيا الآن فرصة مهمة كي تثبت أن نفوذها الإقليمي المستجد حقيقي وأنها تستطيع استعماله خدمةً للمصلحة العامة.

* باحث في 'مؤسسة كارنيغي' وأستاذ في جامعة ليهاي.

===================

تركيا والثورات العربية: حرص على المجتمع وصوغ علاقات للمستقبل

السبت, 07 مايو 2011

الحياة

محمد زاهد جول *

لعل بعض المعلقين على «الموقف التركي من الثورات العربية» وبالأخص الذين وقعوا في أخطاء فهم هذا الموقف لم يستذكروا ما ينبغي تذكره في هذا المجال، وأول ما ينبغي تذكره هو القواسم المشتركة بين الشعبين من الناحية الدينية الروحية والتاريخية والثقافة الشعبية، كما ينبغي تذكر من يمثل الحكومة التركية في الوقت الحاضر ودوره المعاصر في إعادة صوغ العلاقات التركية العربية على أسس جديدة في السنوات القليلة الماضية، والأخير مما ينبغي تذكره وليس آخر المستقبل المشترك للشعبين التركي والعربي بما لا يرتبط بالشروط السياسية الظرفية والآنية للحكومات القائمة ولا بأطماع النظام الدولي المعاصر.

لقد ولدت تركيا الحديثة والدول العربية الحديثة إثر انهيار «الدولة العلية» العثمانية في الربع الأول من القرن الماضي، والتي كانت تجمعهما في دولة واحدة لقرون عدة في علاقة أخوة ومواطنة واحدة، ولكن ظروف دولية أوجبت على كل من الشعبين شق طريقه الخاص والتباعد بينهما لغير سبب واضح ولا مقنع لكلا الشعبين، ولكن هذا التباعد الإجباري وإن دام لأكثر من ثمانية عقود، إلا أنه ثبت فشله أمام أول محاولة جادة جاء بها الشعب التركي ممثلاً بحزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان ورفاقه، بعد فوزه الشعبي والوصول إلى السلطة السياسية وتشكيل الحكومة التركية في عام 2002، وقد قابل الشعب العربي ذلك بالرضا والقبول والارتياح والفرحة، قبل زعماء الدول العربية وقادتها السياسيين. بل إن بعض رؤساء الدول العربية اضطروا لمجاملة شعوبهم والتعامل مع القيادة التركية الجديدة على مضض، لعدم رضاهم عن تزعم حزب العدالة والتنمية للحياة السياسية التركية، وقد اعتبرته بعض القوى الغربية والإسرائيلية ذا جذور إسلامية أو عثمانية أو شرقية أو غيرها. وكانت الحكومة المصرية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك من أكثر الدول العربية حساسية من حكومة حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان بسبب النجاحات الكبيرة التي حققها في الداخل والخارج. وازداد التباعد بينهما أكثر إبان حرب غزة، إذ وجدت الشعوب العربية شجاعة وتأييداً كبيراً من الأتراك حكومة وشعباً، قل نظيره حتى من العديد من الدول العربية، ما أحرج مبارك وحزبه، إضافة للمخاوف من تأثيرات ظهور قيادة تركية شابة تستند إلى إرادة شعبها وتحقق له الكرامة والنجاح.

لقد كانت التجربة التركية المعاصرة الصاعدة والناجحة على المستوى الداخلي والخارجي اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، والتي يقودها حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان محرجة للعديد من الدول العربية المستبدة بالسلطة والثروة، وكانت هذه الأنظمة العربية تتخوف من محاولات استلهام التجربة التركية من الحركات الإسلامية أو الحركات القومية العلمانية ذات المرجعية الإسلامية أو من الأحزاب المدنية الوسطية والليبرالية، والتي تجمع على مطالب الحرية والانتقال السلمي للسلطة واقتصاد الدولة وليس اقتصاد الأسرة ولا الحزب الحاكم، ولكن تخوَّف هذه الأنظمة وقع فعلاً، فقد تساءل الشباب العربي عن مشروعهم الإسلامي أو مشروعهم القومي أو مشروعهم الوطني منذ عقود، ولكنهم حرموا منه، ومنعوا عنه بكل سلطة وسطوة وعنوة، ما أوصلهم إلى أن لا يعلقوا الآمال على الأنظمة السياسية القائمة، ولا على الحكومات المعينة من الأنظمة غير المنتخبة، ما أفقد الشعب العربي مشروعاً عربياً يعتز به مثل باقي الشعوب، أو وطناً يوفر له شروط العيش الكريم، أو دولة تدافع عن حقوقه أو تحميه مما يشن عليه من حروب إجرامية إسرائيلية أو عالمية.

وعند قيام إسرائيل بحرب غزة وجد المواطن العربي نفسه في حضيض الذل والمهانة وأمام تهاوي الموقف العربي وخذلانه أمام المشروع الصهيوني الإسرائيلي، الذي أخذ يفرض موقفه على العالمين العربي والغربي معاً، وبصورة مذلة ومشينة، ولم يجد المواطن العربي معارضاً للإجرام الإسرائيلي والاستكبار العالمي إلا الشعب التركي. لقد وجد المواطن العربي بصيص الأمل مرة أخرى في تركيا وقيادتها الشجاعة في دافوس وفي أسطول الحرية وفي المواقف السياسية الصادقة التي تسمع المحافل الدولية صوت الحق بعد أن سكت أهله، فكيف لا يخرج المواطن العربي إلى الشوارع والميادين مندداً بالذل والذليلين، بالظلم والظالمين، بالفساد والفاسدين، ومندداً بالاستبداد والمستبدين، بالتآمر والمتآمرين، بالهزائم والمهزومين، بالإرهاب والإرهابيين.

لقد خرج الشباب العربي منادياً بالحرية والكرامة والعدالة والتنمية والشجاعة، ومطالباً بإسقاط النظام الذي فرض عليه الذل والمهانة والظلم والفساد والاستبداد، فخرج الشعب العربي رافعاً شعار: لا خوف بعد اليوم، وكان في طليعة المحتجين والمتظاهرين جيل الشباب، وهكذا كانت الثورات العربية المعاصرة ثورات شباب، وترفع شعاراً مجمعاً عليه في كل الثورات العربية وهو: الشعب يريد إسقاط النظام، أي إسقاط النظام السياسي العربي الذي فرض الظلم والذل، ورضي بالمهانة والاستحقار، وتراجع أمام أعدائه وتخاذل عن نصرة المستضعفين في فلسطين.

هذه الصورة العربية القاتمة في خذلانها الرسمي قبل الثورات العربية، وفي نصاعتها في ثوراتها الشبابية الشجاعة اليوم يتفهمها الشعب التركي جيداً، وتتفهمها الحكومة التركية الحالية وتدركها، لأنها سارت على هذا الدرب في الحرية والكرامة من قبل، والتحرر من الاستبداد والديكتاتورية العسكرية، والسير في طريق الديموقراطية، والانفتاح الاجتماعي، وحرية تشكيل الأحزاب، وحرية عملها السياسي المدني، والشعب التركي والحكومة التركية حريصان على سلوك الشعوب العربية في ثوراتها الطرق السلمية والديموقراطية، وهي مع مطالب الشعب العربي وثورات شبابه بكل مضامينها الإنسانية الراقية، ومطالبها الديموقراطية العادلة، ومطالبها الاقتصادية في التنمية وزوال الاستئثار بالثروة والسلطة بأيدي حفنة من العصابات أو الأسر المستبدة.

لقد سارت تركيا في هذا الطريق من التحرر والديموقراطية، وهي لا تملك أن تفرض هذه القيم على الشعب العربي في سعيها لتحسين علاقاتها مع الشعوب العربية قبل الحكومات العربية، فهي ليست دولة عثمانية بقيمها التاريخية، ولا دولة استعمارية بقيمها الغربية، وهي تعلم أن مجرد تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الأتراك والعرب سيفرض حضوره وتأثيره واستلهاماته، لأن تركيا ليست دولة أوروبية غربية استعمارية، بل هي تخاطب العرب بأحاسيسها وعقلها في بيروت ودمشق والقاهرة وطرابلس وقطر والخرطوم وبغداد وغيرها من المدن العربية، وتقول إننا أخوة وأمة واحدة وتاريخ مشترك وجغرافية واحدة وواعدة، فلماذا لا نصنع بأيدينا الحاضر الذي نريده نحن، ولماذا لا نصنع المستقبل الذي نخطط له نحن، ليس لأنفسنا فقط وإنما لأجيالنا القادمة، لأبناء الشعب التركي ولأبناء الشعب العربي معاً، بغض النظر عن هياكله السياسية أو أنظمته الحاكمة، سواء أكانت ديموقراطية أم غيرها، فأمر الأنظمة مما تختاره الشعوب بنفسها ولا يفرض عليها من الخارج، فإذا ما اختار الشعب العربي الحرية والديموقراطية والكرامة وحق تقرير المصير بنفسه ومن طريق برلمانات منتخبة بحرية وصدقية ونزاهة، فإن هذا ما يسر الشعب التركي الذي يسير على هذا الدرب، وهذا ما يتوافق مع مصالح الشعب التركي وحكوماته الحالية والقادمة أيضاً.

من هنا نذكّر كل من يحلل الموقف التركي من الثورات العربية بأن لا يتجاهل التاريخ الواحد للشعبين في القرون السالفة أولاً، ولا أن يتجاهل الرؤية المشتركة بين الشعبين في السنوات القليلة الماضية ثانياً، بغض النظر عن موقف الحكومات منها، فمواقف الحكومات ينبغي أن تكون معبرة عن إرادة شعوبها وليس العكس، والشعب التركي لا يتمنى للشعب العربي إلا التقدم والنجاح والسعادة، وأخذ مقاليد أموره بنفسه، وبالطرق السلمية التي تكفل الانتقال السلمي للسلطة وحفظ دماء الشعب الواحد، ومواقف الحكومة التركية الحالية برئاسة حزب العدالة والتنمية لا تملك إلا أن تكون معبرة عن مواقف الشعب التركي نحو الشعب العربي وثوراته المجيدة، وما الاختلاف في التعبير عن مواقف خاصة من هذه الثورة أو تلك سواء كانت في مصر أم في ليبيا أم في سورية أم غيرها إلا بحكم ظروفها الموضوعية فقط، من دون أن يتعارض ذلك مع مصلحة كلا الشعبين معاً، فرؤية الشعب التركي للثورات العربية تكاد تكون هي رؤية الشعوب العربية نفسها لهذه الثورات، واختلاف نظرتها لهذه الثورات لا يختلف عن تعدد رؤية الشعوب العربية نفسها لها، وبهذا المفهوم يمكن أن نفهم رؤية الشعب التركي لهذه الثورة أو تلك، ضمن قراءة إستراتيجية تبحث عن مصالح الشعوب وليس مجرد التعبير عن مواقف جزئية لهذا الحدث أو ذاك.

وقد لا يكون غريباً أن يخطئ هذا الموقف محلل أجنبي أو صحافي أوروبي أو أميركي أو روسي، فيظن أن موقف تركيا من الثورة الليبية يختلف عنه في الثورة السورية أو المصرية، اعتبارات شخصية أو اقتصادية فقط، لأن المواقف الرسمية التركية لا تعبر عن موقف شخص واحد فقط ولو كان رئيس الوزراء أو وزير خارجيته أو رئيس الجمهورية أو غيرهم، وإنما تعبر عن موقف استراتيجي لتاريخ العلاقات التركية العربية وحاضرها ومستقبلها، فالسياسة التركية لا تقيس الدماء العربية بمعيار النفط ولا الدولار، وهي تناشد دائماً القادة العرب أن يصغوا لمطالب شعوبهم، وأن يتفهموا العصر ومتغيراته ومطالب الشباب الذين يصنعون المستقبل.

لا مراهنة لتركيا على حظوظها السياسية في المنطقة، لأنها لم تكن تخطط لحظوظها الخاصة فقط، بل كانت تساوي بنفسها أصغر الدول العربية وتجري معها المفاوضات الندية، وتوقع معها الاتفاقيات التي توافق عليها تلك الدول، وسعيها لتحسين حضورها مع الدول العربية والإسلامية ليس لمصالح تركيا الخاصة فقط، وإنما لخلق واقع إقليمي ودولي جديد تستحقه شعوب هذه المنطقة وجدير بها.

إن ما يجرى في ليبيا وسورية لا يرضي الشعب التركي ولا الحكومة التركية، ولا يعني بحال من الأحوال موافقة الشعب التركي ولا الحكومة التركية لتلك الدول في إراقة دماء شعوبها، وإذا كانت الحكومات الغربية تسارع أو تتلكأ في التنديد بهذه الحكومة أو تلك أو هذا الزعيم أو ذاك، فهذا بحكم مصالحها فقط، وليس بالضرورة أن تكون مواقف الحكومة التركية تابعة لهذه الدولة الغربية أو تلك، ولا هذا الزعيم الدولي أو ذاك، وإنما تأتي ضمن تحليل للمواقف التي تخدم شعوب تلك الدول، قبل أن تخدم الشعب التركي نفسه، فضلاً عن أن تكون خدمة لرئيس تلك الدولة أو حكومتها.

لا شك في أن تركيا تفاجأت بالثورات العربية كما تفاجأت الحكومات العربية والغربية أيضاً، ولكن المفاجأة لم تدفعها إلى ردود أفعال خاطئة، بل قامت بحركات مدروسة في مقدمتها وقف إراقة الدماء بين أبناء الوطن والملة الواحدة، والعمل على تحقيق مطالب المحتجين والمتظاهرين بالطرق السلمية والتفاوض، وفي مقدمتها الخضوع لمطالب الشعب، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية. ولا خلاف على أن من واجب تركيا العمل بكل ما بوسعها لحقن الدماء ووقف إطلاق النار على المدنيين، وتقديم كل رعاية صحية ممكنة للقتلى والجرحى وذويهم، وهو ما تقوم به الحكومة التركية الآن، وإذا كان مجرد التنديد بهذا الزعيم أو ذاك يوقف إراقة الدماء وينهي الأزمة فإن أول من سيفعل ذلك الحكومة التركية، ولكن الأهم هو التحقق من نجاعة الإعلان وقدرته على تقديم العون اللازم للمتظاهرين والمعترضين والثوار، من دون أن يكون ذلك من باب المزايدة وتسجيل المواقف الكلامية فقط.

* كاتب تركي

===================

الديموقراطية لا تولد من الشمولية

السبت, 07 مايو 2011

فوزي زيدان *

الحياة

عندما قامت ثورتا تونس ومصر، بادر حكام دمشق إلى القول إن الأوضاع في سورية تختلف عنها في البلدين المذكورين، نتيجة تلاحم الشعب والحكم في دعم الدولة المقاومة للعدو الإسرائيلي، والممانعة للمشروع الأميركي في المنطقة.

وما أن أطاحت الثورتان التونسية والمصرية نظامي البلدين، حتى انطلقت الاحتجاجات في اليمن وليبيا مطالِبة بإسقاط النظامين ومحاسبة المسؤولين فيهما، كما انطلقت التظاهرات في الأردن والمغرب والجزائر رافعة الشعارات المطالِبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي. وعمّت البحرين الاحتجاجات الشعبية المطالِبة بالمساواة والعدالة بين جميع مكونات المجتمع. وعندما أعلن الحكم استعداده لإجراء تعديلات أساسية على النظام السياسي، كفيلة بتحقيق معظم مطالب المحتجين، تدخلت إيران وأججت المشاعر المناهضة له، ومنعت المعارضة من التحاور معه، ودفعتها إلى رفع مطالبها بإسقاط النظام، الأمر الذي أدى إلى طلب المنامة دخول قوات من «درع الجزيرة»، حماية لاستقرار البحرين ومنعاً لامتداد الاضطرابات والفتنة، ما يهدد أمن المنطقة واستقرارها.

ولم تصدق تنبؤات حكام دمشق، إذ اندلعت الاحتجاجات الشعبية، وخاب ظنهم باعتقادهم أن الاحتجاجات التي بدأت في مدينة درعا فورة ظرفية قصيرة، تعود بعدها الحياة إلى طبيعتها في المدينة، بعدما تكون الجماهير قد فرّجت عن كبتها، خصوصاً أن مطالب المحتجين كانت محصورة في مناشدة الرئيس السوري بشار الأسد إقالة محافظ درعا لفساده، ورئيس جهاز الأمن السياسي فيها لجبروته وظلمه، وتطبيق بعض الإصلاحات السياسية. لكن الحكم تعامل مع الاحتجاجات السلمية بعنف، سقط بنتيجته عشرات القتلى والجرحى، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة الاحتجاجات وحجم المشاركة فيها، إذ شهدت معظم المدن السورية تظاهرات شعبية صاخبة منددة بالقمع الذي مارسته الأجهزة الأمنية ضد درعا، ومطالبة بحقوقها الوطنية».

ويعتقد كثيرون أن الحكم في سورية لن يوافق على إصلاحات سياسية أساسية، تشمل إطلاق الحريات العامة، وإقرار قانون انتخاب يؤمّن حرية الترشح والانتخاب ينتج عنه تمثيل نيابي حقيقي، واعتماد قانون للأحزاب يسمح بإنشاء أحزاب حقيقية تعتمد مبادئ اقتصادية واجتماعية مختلفة، وتحرير الإعلام من سيطرة الدولة، ما يفسح في المجال للجميع بإبداء آرائهم والتعبير عن معتقداتهم بحرية، واستقلالية القضاء، لأنها تؤدي إلى قيام الدولة المدنية الديموقراطية. ودولة بهذه المواصفات تؤدي إلى انتقال السلطة من الحكم الحالي إلى المؤسّسات الدستورية المنتخبة بطريقة حرة ونزيهة.

حاول الحكم استمالة الشارع المنتفض وتهدئة غضبه، برفع حالة الطوارئ التي عُمل بها حوالى خمسة عقود، وإلغاء محكمة أمن الدولة، والسماح بالتظاهرات المقيدة بموافقة الحكومة التي يسيطر عليها «حزب البعث». وبدلاً من أن تنجح هذه القرارات في إيقاف التظاهرات أو الحد منها، زادت من اتساعها وحدّتها، وسقط بنتيجتها في يوم «الجمعة العظيمة» مئات القتلى والجرحى، وذلك لانعدام ثقة الشعب بالحكم، نتيجة إخلاله بتنفيذ الوعود الإصلاحية.

وحاول الحكم أيضاً تغطية فشله في إيقاف التظاهرات المناوئة، على رغم اللجوء إلى نغمة «المؤامرة الخارجية»، تارة من قبل نائب في «تيار المستقبل» اللبناني، وتارة أخرى من «سلفيين» مرتبطين بدول في الخليج العربي، وطوراً من عملاء تابعين لأجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، علماً أن إسرائيل تكرر عبر صحافتها رضاها عن حكم يمنع أي عملية ضدها منذ سقوط الجولان. ولما وجد الحكم أن الأمور ستفلت من بين يديه، لجأ إلى الحل الأمني، فاقتحمت الدبابات والمدرعات ومئات الجنود مدينة درعا التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة، فأرعبت سكانها وقطعت عنهم الكهرباء والمياه والاتصالات، وأوقعت عشرات القتلى والجرحى، واعتقلت المئات.

كيف باستطاعة الأهالي العزل إقامة إمارة في درعا كما يدعي الإعلام الرسمي السوري، وماذا عن المحتجين في باقي المدن السورية؟ هل هم «سلفيون» أيضاً؟

وعلى رغم التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوري في انتفاضته، لا يرى المتابعون أملاً في المدى المنظور، على رغم تعرض النظام لضربات قاسية، نتيجة التردد الأميركي والأوروبي والدعم الروسي والإيراني والانحياز الرسمي العربي. ولكن يبقى الأمر في النهاية منوطاً بمدى قدرة السوريين على متابعة احتجاجاتهم السلمية في ظروف أمنية قاسية، ومدى جدية الحكم في عملية التغيير الديموقراطي. وفي اعتقاد كثيرين، أن الحكم غير جاد في وعوده الإصلاحية، وهو يراوغ من أجل كسب الوقت لإعادة الإمساك بالوضع الداخلي، وتعتبر المراهنة عليه لعبور سورية إلى الديموقراطية في غير محلها، لأن الديموقراطية لا تولد من رحم الأنظمة الشمولية الاستبدادية.

* كاتب لبناني

===================

ثورة ربيع سورية تحدي للأسد ونظامه …!!!

السبت, 7 أيار, 2011

بقلم د.خالد ممدوح العزي

حزب لبنانيون الجدد

يتعبر خروج المظاهرات السورية في “جمعة التحدي” والتي خرجت إلى الشوارع بعد ظهر يوم الجمعة في 6 أيار2011م. لتقول للنظام السوري بأنه فشل بكل معالجته الأمنية والعسكرية للمشكلة السورية ،والشعب مصر على المواجه إلى النهاية من خلال التظاهر السلمي الشوارع مهما ارتفع عدد القتلى، ومهما مارس النظام أبشع الممارسات وتفنن في التنكيل والاعتقال ، فأنهم عازمون على التحرك لا نجاح ثورة ربيع سوريا .

مما لا شك فيه بان النظام السوري لا يزال صامت أمام روعة الأحداث التي تعصف بسورية،الصمت الكامل و الغياب المتعمد عن المشهد السياسي ،هم السمات الأبرز التي تسيطر على النظام السوري ،مشهد الخوف والإرباك في هذا الوقت قد يفسرها عما قريب إطلالة ثالثة للرئيس بشار الأسد يشرح للأمة ماذا يريد إن يفعل بشعبه …

الصمت سد الموقف في متابعة سير الإصلاحات التي وعد بتنفيذها الرئيس ،وغياب الحديث عنها من قبل الرئيس والنظام ، والتي وعد بها في بداية الانتفاضة الشعبية الاحتجاجات التي لا تزال تعم كافة المناطق السورية،لقد حاولوا استباق الأمور من خلال الإعلان عن بعض إصلاحات تجميلية، ضننا منهم بأنهم يستطيعوا مص نقمة الشعب الثائر الغاضب المطالب بتغير جذري في الدولة الهرمة والعفنة .

الرئيس رأس الهرم :

بالطبع بان النظام السوري فقد مصداقيته وشرعيته ،من خلال كذبه العلني في عدم تنفيذ وعود الرئيس بشار الأسد التي قطعها على نفسه إمام العالم وأمام شعبه في الاتجاه الفعلي نحو التغير الجذري، وإعلانه رزمة إصلاحات حقيقية ،طال أمدها منذ إحدى عشرة سنة ،عندما اعتلى الرئيس سدة الحكم و ألقى خطاب القسم الذي وعد فيه الشعب بالتغير وبإلاصلاح .

إصلاحات كرتونية ، لم تنفذ ولم يكتب لها النجاح بظل وجود مستفيدين من رأس النظام وقابضين على عنقه ،فالرئيس لم يعمد إلى الظهور ومخاطبة جماهير شعبه المحتج والثائر الغاضب على عدم تنفيذ الوعود ، الرئيس لم يعزي الناس بشهدائها الذين سقطوا ويسقطون ، كل نهار جمعة برصاص رجال الأمن والمرتزقة السورية .

هاج الشارع السوري، تحدى كل أساليب القمع والترهيب والتخويف المفروضة عليه منذ 48 عاما.الشعب السوري لم يجد من الوعود المرتقبة أي شيء، سوى الاعتقالات السياسية لأصحاب الفكر والرأي، مزيد من تفشي الفساد والبيروقراطية، التعتيم الإعلامي والفكري، تضخم ثروات المسئولين والمقربين من النظام .

حرب النظام في قمع ثورة ربيع سوريا :

النظام السوري يشن حاربه اليومية على المحتجين والمتظاهرين بكل وسائل القمع والبطش الذي يمتلكها والذي كان أخرها استخدام الجيش والأسلحة الثقيلة لقمع الشعب السوري وإذلاله ،،،النظام يحارب على جبهتين في معركة خاسرة ضد المنتفضين والمحتجين :

1-الإرهاب والتطرف : اخترع النظام السوري فزاعة التطرف والإرهاب السلفي، والتكفير، الإرهاب الذي نمى بسرعة الفطر في سورية بعد موجة الاحتجاجات الشعبية، فالنظام الذي حاول إقناع العالم كله ،وخاصة أمريكا، التي تشن جبهة عريضة على الإرهاب العالمي المتمثل بالقاعدة وأخواتها، هذا النظام السوري هو شريك فعلي وأساسي وقوي في ضرب الإرهاب المتمدد إلى نواحي القطر السوري.

الإرهاب إذا بنظر النظام السوري هو” الجمهور”، الجمهور المحتج الغاضب الممثل بالأكثرية السنية، هذه الأكثرية الناقمة من ترهل النظام وعجزه عن تقديم أية إصلاحات جديدة وفقا لمتغيرات الحياة الحديثة، فالطائفة السنية في سورية هي الأكثرية العددية الفعلية التي تواجه البعث نظام البعث وزمره .

2- الحرب الطائفية :أمام هذا الغضب السني العارم الذي يسيطر على البلاد المحتجة والهادرة ،يقوم النظام السوري بتجنيد حماة للنظام وتزويدهم بكافة الأسلحة “زمر، عصابات،شبيحة ، مستفيدين من وضع النظام الحالي من اجل قمع الأكثرية الشعبية، التي شاء القدر بان تكون من الطائفة السنية ، لذا يعمد النظام على تجنيد الطائفة العلوية الفقيرة التي تمثل جزاء صغيرا من سكان الشعب العربي السوري .

النظام يضع الفقراء بوجه الأكثرية من اجل حماية نظامه والدفاع عن وجوده ومصالحه الشخصية. ووفقا لهذه المعادلة يعمل النظام من خلال ذلك على تحضير الأجواء لصدامات طائفية من خلال ترهيب الأقليات والطوائف الصغيرة من غضب وعنف الأكثرية السنية الثائرة، وللسيطرة على النظام الذي يؤمن وجوده حماية للجميع.

يعمل النظام السوري إلى تأجيج الصراع المذهبي، لكي يتسنى له الإمساك بفزاعة أخرى يستخدمها في الداخل السوري والخارج العربي والدولي .

العسكر والدبابات:

يعمل النظام السوري على إخماد الحركات الاحتجاجية في المدن السورية من خلال سيطرة الجيش واحتلال المدن الصغيرة وقصفها بالأسلحة الثقيلة ،ومحاصراتها،”وقطع الخبز والكهرباء والحليب والماء”، من اجل لجم السكان، وتخويفهم في عدم تلبية إي نداء يدعوهم للخروج إلى التظاهر.

لقد عمد الجيش إلى القتل والترويع من اجل فرض هيبته المفقودة على الشعب من ناحية، وإخافة باقي المناطق من خلال البطش والقوة التي مارسها الجيش في عملية تنظيف للمدن السورية الصغيرة وقمع المحتجين فيها ،وفقا للتالي :

1-لم يكن استعمال الجيش في درعا وحصارها وليدة الصدفة ، إنما أتى عن سابق إسرار وترصد ،من قبل القيادة السياسية التي تلتزم الصمت،كي لا يتكرر إي سيناريو في سورية يكون الجيش له الضفة الغالبة لذا جز بالجيش وتم توريطه ،من اجل فقد الثقة بينه وبين الشعب ،ولكي يكون المدافع عن النظام .

2-بهذه القوة الذي يعمد النظام إلى استخدامها في عملية البطش ،ليعلن نفسه حالة موجودة غير قدر احد على تجاهلها، ويجب التعامل معها والقبول بها،والسكوت على كل الأحداث والجرائم التي تم ارتكابها بحق الشعب المسالم الاعزل “القتل التنكيل السجن والظلم …لان حقد النظام وجماعته على الشعب السوري تساعد العصابات والمافيات على القمع الوحشي.

التعتيم الإعلامي:

عجز النظام السوري من أتاحت الفرصة لوسائل الإعلام العربية والعالمية من التغطية الإعلامية من ساحة الحدث ،”تغطية التظاهرات والاحتجاجات التي يقوم بها الشعب السوري ،كذلك منع صوت المعارضة من التحدث للإعلام ،لكونه اعتبر إن التعتيم الإعلامي سوف يحد من قدرة الاحتجاجات من التعبير ،وعدم نقل الصورة الحقيقية سوف يعطي فرصة ثمينة لإعلامه من “فبركة الأحداث”، و”تقزيم الإخبار”، كما تريد لكي تحد من قوة الخبر والحدث ،فالسماح لوسائل الإعلام من التحرك بشكل علني تعطي مصدقيه لنظام الأسد وإصلاحاته الكرتونية أكثر في الساحة المحلية والدولية .

لقد عمد النظام الأمني إلى منع بث الإخبار الحقيقية في محاولة لترهيب الشارع المحلي من خلال “خبريات تافه”، لا تمت بصلة لما يحدث في الحالة السورية، لقد نسى النظام السوري بأننا نعيش بعصر السرعة والتطور التكنولوجي الذي يسمح بسرعة التواصل الاجتماعي في نقل الخبر وبث الصور السريعة من خلال خدمة ،”الانترنيت والهاتف الجوال والكاميرا ت الرقمية “وخدمات التواصل الاجتماعية الفيسبوك والتويتر”التي هي بدورها تقوم بتسويق الخدمات الإعلامية والصحافية .

لقد كان التعتيم خطة إستراتيجية من قبل النظام الأمني لمنع وصول الصورة الحقيقية إلى العالم، من خلال ماهية الجرائم الإنسانية التي يرتكبها النظام السوري والتي يعاقب عليها القانون الدولي كونها جريمة ترتكب بحق الإنسانية .

إعلام النظام:

لقد روج الإعلام السوري للإصلاحات الحكومية الناقصة والمطعون بشرعيتها من خلال “الفبركات” والأكاذيب،التي بدأت بشنها قنوات النظام وصحفه في تبسيط الأمور،من خلال النظر للذي يجري بكونها مؤامرة تشن وتحاك ضد النظام الممانع، ونعت شعبه بالخونة والمخربين ،والتكفيريين ،والإخوان ،من خلال أفلام تلفزيونية تعمل القنوات السورية على ترويجها وبث في الوسط السوري والعالمي ،”اعترافات لبعض المجمعات التي تم اعتقالها ، أفلام فيديو مركبة لمجمعات تطلق النار على الجيش “ورش الرز والورود على الجيش ودباباته المهاجمة لمنطق ومدن سورية .

أبواق النظام الإعلامية:

يستخدم النظام السوري في حربه ، ضد الشعب كل الوسائل الإعلامية والإعلانية المتاحة له والناطقة باسمه وتدافع عنه وهي :

1- ألصحافه اليومية الناطقة باسم النظام: كل من جرائد “الثورة ،تشرين ،البعث،الوطن السورية “.

2-مواقع الكترونية ناطقة باسم النظام ،كالشام برس ،والشام نيوز…الخ “.

3-محطات التلفزيون الأرضية والفضائية “الإخبارية السورية ودنيا الشام ،والتلفزيون السوري ..الخ”.

4- إضافة إلى تلفزيون وصحف أصدقاه في كل من لبنان وإيران والعراق.

5-حتى لا نسى أبدا دور “المعلقين والمحللين السياسيين، الخبراء الاستراتجيين ضيوف الفضائيات العربية والعالمية”، الذين سمح لهم من قبل الأجهزة الأمنية بان يدافعوا عن النظام ورجاله ، ليكون الجنود المجهولين في الدفاع عن النظام وليس عن سورية الشعب والأرض.

الإعلام الأخر:

لقد اعتبر النظام السوري وأجهزته الأمنية كل الوسائل التي تقم بتغطية حثيه للمظاهرات، والاحتجاجات فهي معادية للنظام،لان والوسائل الإعلامية الأخرى تعتمد الدقة والموضوعية في نقل الخبر،هذا لم يتعود عليه النظام السوري في تعمله مع الحدث ونقله للجمهور المشاهد ،لقد تعود الإعلام السوري على التضخيم والتهويل والتبجيل والتصفيق في نقل الحدث، في إعلام ينقل الحقيقية المغيبة هو كاذب ويعمل على نشر الفوضى في سورية ،لان نظرية المؤامرة هي التي تقوم عليها إستراتيجية النظام السوري بشكل عام ،لم يكن جاهز أصلا النظام للتعامل مع الإعلام الفضائي في بث الخبر بشكل سريع وإرساله للعالم ،من هنا أتى غضب النظام على وسائل الإعلام الأخرى التي وجد فيها مفهوم المؤامرة على النظام “،لقد منعت الفضائيات من متابعة الحدث بالطرق الرسمية من خلال التضييق على مراسليها بالتجول والتحرك لتغطية الإحداث ،مما أدى بالفضائيات بالاستغناء عن خدمة المراسلين الميدانين كي لا تسبب لهم بشكل مع الأجهزة ،عمد النظام إلى اعتقال للمراسلين والصحافيين، أغلق اعتماد العديد من الوكالات والمراسلين في القطر السوري .

الجزيرة الفضائية:

اعتبر النظام السوري بان الجزيرة الفضائية هي المكلفة رسميا بملف الدولة السورية من خلال التغطية الإخبارية بشكل كبير للإحداث في سوريا ،مما دفع النظام بشن هجوم شنيع على الجزيرة، ومشيخة قطر، فالجزيرة التي اعتمدت التغطية الإخبارية والتفصيلية لكل الثورات العربية والتي كانت صورتها صدى لصوت الجماهير الثائرة في كافة الأوطان العربية لم تستثني سورية منها،لقد وقفة الجزيرة مع المعارضة الشعبية المحتجة على أنظمتها ،وقفت مع الشعب لان الشعب اقوي واعلي من الأنظمة ،لان الشعب باق والأنظمة إلى زوال .

1-عمل النظام السوري بكل وسائله القمعية على إقفال مكتب الجزيرة في سورية،كان لهم ما أرادوا .

2-عمد النظام إلى الضغط العلني على الموظفين السوريين العاملين في الجزيرة وفي مكتبها الأساسي في الدوحة من اجل الاستقالة.

3- خروج إعلاميين من الجزيرة حلفاء للنظام السوري عن طريق استقالات علنية،مهرجانية تقدموا بها إلى الرأي العام من اجل إحراج الجزيرة في سياستها الإعلامية ،”كغسان بن جدو مدير مكتب لبنان، والمراسل عباس ناصر ،والمقدم فيصل القاسم الذين أصبحوا أصلا عبء على الجزيرة من خلال برامجهم الخلافية،وتغطيتهم الإعلامية الغير موضوعية والمنحازة لفريق ضد آخر،فكان التخلص منه حتى بالاستقالة الشكلية .

4- استخدام العاملين سابقا في قناة الجزيرة وتم تسريحهم لأسباب غير سياسية خاصة بالقناة ،من اجل للتشويش على الجزيرة ودورها،السياسي المشبوه ، كما كانت المقابلة مع المذيعة السورية “لونا الشبل” المطرودة من الجزيرة في برنامج سياسي على قناة الدنيا السورية.

بالرغم من كل شيء ،لا يزال النظام السوري بكل قواها يمارس الضغوط الكبيرة على وسائل الإعلام وفي القلب منها قناة الجزيرة الفضائية.

مع هذه الصورة الدرامية الهزلية التي ينتهجها النظام السوري مع الإعلام العام ،مع ذلك تسرب الصور إلى العالم،وتثب على الانترنيت ، وتنتشر الإخبار بسرعة، من شهود العيان والناشطون الحقوقيون الذين أصبحوا اليوم ا قوى أكثر، وصدى صوتهم أعلى في التعبير عن ممارسة النظام السوري .

الهتافات الشعبية:

تشكل الهتافات المحرك الرئيسي للشارع المحتج والمتظاهر،هناك العديد من الشعارات التي تردد هي اقتباس من ثورات عربية سابقة ،وهناك شعارات سورية خاصة بالشعب السوري. إما الشعارات والهتافات الأخرى تكمن في”الحرية والوحدة،سورية حرة ، الشعب يد واحدة ،إعلام السوري كاذب سلمية سلمية ،سلمية شهداء بالملين الشعب السوري واحد ،كرد وعرب ،إسلام ، ومسيحية “،هو الرد الفعلي على أقاويل النظام ،فالهتاف الواحد والأوحد في كل المسيرات التظاهرية “الشعبية الشعب يرد إسقاط النظام” هذا الشعار التي أصبحت تدور حوله كل المظاهرات والاحتجاجات السورية بعدما رفع الشعب سقف مطالبه التي تجاهلها النظام ،وكان هدف الشعب أصبح هدفه النهائي هو النظام .

مما لا شك فيه ابد فان رأس النظام هو المسئول الأساسي عن كل ما يحدث في سورية لكونه هو الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة والباقي ما هو إلا تقاسم ادوار لشخصيات سياسية سورية .

طبعا من يراقب سير المظاهرات السورية أصبحنا إمام مسيرات شعبية منظمة في السير والهتافات والشعارات،مما يدل إننا اصحنا إمام حالة شعبية منظمة مركزة تتحكم بالشارع من خلال تلبية للنداءات التي تطلقها قيادة المظاهرات،إلى الخروج بيافطات كبيرة مجهزة سابقا بشعارات موحدة في مدن القطر ،إلى هتافات شعبية تتردد في كافة المظاهرات التي تسير وكأننا إمام مظاهرة واحدة.

حكم الشارع :

بالرغم من القتل والبطش والبلطجة الذي يقوم بها النظام السوري بحق شعبه عن طريق المرتزقة الرسمية “الأجهزة الأمنية والعسكرية الممولة من النظام،بالرغم من جز الجيش العربي السوري في حرب ضد الشعب من خلال حصار المدن واحتلالها عسكريا وامنيا ،فالمظاهرات تخرج من في كافة المدن السورية لنصرة المدن المحاصرة وتردد الهتافات الجمعية بإسقاط النظام.

الشارع السوري قال كلمته في “جمعة التحدي” من خلال الخروج إلى الشارع متحديا كل الأجهزة الأمنية والقمعية والنظام بذاته،لأنه رفع الشعار النهائي الشعب يريد إسقاط النظام . بالرغم من كون النظام السوري يرد الإطباق على كل المدن السورية عسكريا “كدرعا، والتلبيسة ،والرستن ،وازرع ،وداريا ،وتلكلخ “،يريد النظام إخماد صوتها المنادي بالحرية والوحدة ،لكي يمنع شرارة تمددها إلى المدن الكبرى كحلب ودمشق ذات الثقل السكاني والشعبي . لان النظام يخف من اقتراب الموعد المنادي بالرحيل .

لننتظر جميعا تطور الإحداث القادمة في الفلك السوري على مدار هذه الجمعة،وكيف سيكون رد وقمع النظام للمحتجين الذين كسروا القيد والخوف في جمعة التحدي .

كاتب صحافي ومحلل سياسي

===================

سورية . . . درس من دروس الحرية العربية

07.05.2011

اذربيجان ، باكو وكالة ترند،

بقلم : أحمد عبده طرابيك

مع وصول ربيع الحرية العربي إلي سورية ، وهبوب رياح التغيير عليها ، كان البعض يظن أن الأمر مختلف في تلك البلاد عن غيرها من الدول العربية التي سبقتها إلي ربيع الحرية ، سوف تكون المعاملة بين الشعب المطالب بالحرية وبين السلطة مختلف عما جري في تونس ومصر ، ويجري حاليا في ليبيا واليمن والبحرين وغيرها ، كان البعض يتصور أن الظروف في هذه الدول تختلف عن الظروف التي تعيشها سورية ، فلماذا كان هذا الاعتقاد ؟

بني أصحاب هذا الاعتقاد رأيهم علي أساس أن سورية التي يقبع علي رأس السلطة بها حاكم ينتمي إلي طبقة الشباب ، من المفترض أن يكون تفكيره قريبا من فكر الشباب ، وأن تكون استجابته لمطالب الشباب أكثر سرعة وتجاوبا ، وأن تعامله معهم أكثر تحضراً وتماشيا مع متطلبات العصر الحديث الذي أصبحت فيه الشعوب أكثر وعيا ، بفضل ثورة المعلومات التي ربطت بين أفكار الشباب في مختلف أنحاء العالم ، لكن يبدو أن الميراث الذي ورثه ذلك الشاب لم يشمل حكم البلاد وحسب ، بل ورث أيضاً أسلوب ونمط الحكم ، ورث الطباع والخصال لأنه ورث نظام متكامل ، وإلا فلماذا قبل بالميراث وهو يعلم أن ذلك الميراث ليس من حقه منذ البداية .

ما زالت تجارب الذين سبقوه في تونس ومصر ماثلة للعيان ، ولكن للأسف لم يتعلم منها أي شئ ، لم يتعلم أن استخدام أسلوب القمع والقتل والترويع لم يعد ذات جدوي ، مع شعوب عانت من آلام الكبت والظلم والاستبداد ، فأصبح الموت أهون لديها من تلك الحياة المهينة ، لم يتعلم أن المعالجة الأمنية لا تزيد الشعوب إلا إصراراً علي المضي في طريق الحرية واستعادة الكرامة مهما كلفه ذلك من تضحيات غالية ، بهذا الأسلوب القمعي ، فقد النظام السوري كثيرا من شرعيته ، وبات عليه استعادة هذه الثقة مرة أخري ، والتي لن تأتي إلا بأحد أمرين :

الأمر الأول : هو ترك السلطة والرحيل عن حكم البلاد ، وترك الشعب السوري ليقرر مصيره بنفسه ، حتي يظل التاريخ يتذكر أن حاكم هذه البلاد ترك السلطة بها " طواعية " عندما أراد الشعب ذلك ، وإن كان هذا الأمر له الكثير من المخاطر علي أمن واستقرار البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية ، نظراً لعدم وجود بنية سياسية ودستورية تتيح انتقال السلطة بشكل آمن وسلس ، ودون نشوب أي صراعات علي السلطة بين الجبهات المختلفة ، وحدوث فراغ سياسي ، وفوضي أمنية تهدد استقرار البلاد سياسيا واقتصاديا .

الأمر الثاني : البدء في تحقيق إجراءات وإصلاحات جذرية وفورية في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد ، والتي هي أساس المشكلة التي تعانيها سورية في الوقت الراهن ، وليس مجرد قرارات نظرية ، أو تحقيق مطالب لا ترتقي إلي تلبية الحد الأدني لمطالب الشعب السوري ، ويجب تلبية هذه المطالب - والتي أصبحت تشكل ضروريات لا رجعة عنها ، أو تأجيل بعضها أو تجزأتها ، فقد كانت التجارب السابقة مع والده قاسية ومريرة ، لذلك فإن الثقة تظل مفقودة بين الشعب والنظام الحاكم إلي أن يثبت النظام عكس ذلك بالإجراءات العملية علي أرض الواقع .

لقد أضاع الرئيس بشار الأسد فرصة كبيرة لإثبات قدرته علي التغيير ، وذلك عندما تولي السلطة قبل أحد عشر عاما ، فقد كان لزاما عليه أن يثبت للشعب الثوري أنه يختلف عن والده ، الذي يتذكر له الأجيال أنه ارتكب أبشع المجازر في حق الشعب السوري في فبراير 1982 عندما قتل ما قُدر بنحو عشرون ألف قتيل في مدينة حماه ، مستخدما الدبابات والطيران الحربي في دك المدينة ، هذا بالإضافة إلي آلاف المختطفين والمعتقلين الذي لقوا أبشع أنواع العذاب في السجون السورية .

لقد كان علي الرئيس الشاب أن يبدأ مع الشعب السوري صفحة جديدة ، محاولا محو الصورة المحفورة في ذاكرتهم رغم مرور ثلاثون عاما عليها ، لكن يبدو أن هذا الشبل من ذاك " الأسد " وما شابه أباه ما ظلم ، فالرئيس بشار الأسد يحاول تكرار المأساة في درعا ، وكأن قدر المدن السورية أن يكون لكل منها ذكري أليمة ، وفاجعة إنسانية علي يد حكامه تظل محفورة في ذاكرة الأجيال .

ليت الرئيس السوري يحاول إنقاذ ما تبقي من روابط بينه وبين شعبه ، قبل أن تتقطع كل الروابط والصلات بينهما ، ويحقن دماء الشعب السوري ، ويكتفي بما سال من دماء الشهداء الأبرياء ، الذين لم يرتكبوا أي ذنب إلا أنهم خرجوا مسالمين للمطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية ، شأنهم في ذلك شأن أي إنسان يريد العيش في عزة وكرامة .

أمام الشعب السوري معارك أكبر مع العدو الصهيوني الذي يحتل جزءا عزيزا من الأراضي العربية السورية ، وكان من الأجدر علي القيادة السورية تحقيق المناخ الملائم أمام الشعب السوري ، لتحرير أرضه المحتلة ، وتسخير طاقاته لمحاربة العدو الخارجي الذي يتربص بالوطن السوري والأمة العربية ، بدلا من تلك المعارك التي يخوضها مع نظامه الحاكم ، والتي أهميتها لا تقل أهمية عن معركة العدو المحتل ، لأنه لا تطهير للأرض قبل تطهير النفس ، ولا تحرير للأرض قبل صيانة الكرامة الإنسانية التي ستخوض معارك التحرير ضد أعداء الخارج .

الرئيس بشار الأسد الشاب يجب أن يكون أقرب لأبناء جيله ، يفهم كيف يفكرون ، وماذا يريدون ، وخاصة بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة ، الأفكار فيها تتلاقي بسرعة البرق ، ولن يكون بمقدور هؤلاء الثوار التراجع عما وصلوا إليه في طريق الحرية ، وخاصة بعد ما نزيف الدماء الكبير الذي وري الأراضي السورية الطاهرة ، وفي نفس الوقت ليس عيبا ، أو تقليل من مكانة الحاكم النزول عند رغبة شعبه ، علي العكس تماما تزداد مكانة الحاكم الذي يتراجع عن أفكاره ومعتقداته تلبية لرغبات وتطلعات وطموحات شعبه التي يصبوا إليها ، والتي تمثل أحد أهم أولويات الحياة في هذا العصر في كل دول العالم ، ألا وهي الحرية والحياة الكريمة ، خاصة بعد اجتياز الشعب السوري كغيره من الشعوب العربية حاجز الخوف والرهبة من الأنظمة الأمنية ، وأصبحت لديهم القدرة والرغبة علي مواجهة طلقات نيران المدافع والدبابات بصدورهم العارية .

ويبقي علي أصدقاء النظام السوري في الدول العربية والإسلامية إقناع الرئيس السوري بالكف عن أعمال القتل والترهيب بحق الشعب السوري ، والاستجابة لمطالب شعبه المشروعة إما بتحقيق مطالب الحرية السياسية ، وإتاحة الفرصة أمام جميع القوي السياسية بالمشاركة الديمقراطية في حكم والمساهمة في بناء وتقدم الوطن السوري ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، وتكافؤ الفرص للجميع ، أو إذا لم يستطيع الرئيس السوري تحقيق ذلك لشعبه فعليه الرحيل ، وترك مقاليد الأمور للشعب ليقرر مصيره ، ويبني مؤسساته بما يحقق العدالة والحرية والديمقراطية .

===================

جذور التحالف السياسي السوري

تاريخ النشر: السبت 07 مايو 2011

د. عبدالله جمعة الحاج

الاتحاد

تمر سوريا بمرحلة عصيبة تشهد من خلالها قلاقل تنبئ بتفجر أوضاع خطيرة قد تدخل البلاد في دوامة عنف على شاكلة ما هو حاصل في العراق وليبيا والسودان.

لكن هذه الأوضاع لم تأت من فراغ، بل نتيجة تراكمات تاريخية نشأت منذ أن انهارت الوحدة بين سوريا ومصر وتشكلت خلالها لُحمة النظام القائم حالياً. ملامح النظام الحالي بدأت تتبلور في الفترة من 1963 إلى 1968، وفي ذلك الوقت كان النظام يرتكز بشكل أكثر وضوحاً من الآن على قاعدة عريضة تشكل تحالفاً غير معلن بصراحة. ففي القعر ارتكز النظام على تحالف في داخل الجيش بين مجموعات عدة تشاركت في جذورها الريفية. إن التحالف الذي نشير إليه يتكون من العلويين المتحدرين من مناطقهم وضياعهم في جبل العلويين والدروز المتحدرين من جبل العرب، وبعض السنة المتحدرين من جبال حوران ومنطقة دير الزور ومناطق صغيرة أخرى في شتى أرجاء سوريا.

وعندما استتبت الأمور للنظام في بادئ الأمر، قام بالمناداة بشكل غير مدروس بدقة لما كان يطرح بمقولات اشتراكية، كان الكثير منها فضفاضاً، وعمل على تطبيق سياسات اشتراكية على صعد الاقتصاد والسياسة، أصبحت مع مرور الوقت تعكس هوية مستعارة للمجموعات المنضوية تحت لواء التحالف الذي نتحدث عنه بالإضافة إلى التغلغل السريع إلى المناصب البيروقراطية العليا من قبل العناصر الريفية الموالية للنظام، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تدمير مصالح كبار رجال التجارة والصناعة وملاك رؤوس الأموال بالإضافة إلى تدمير مصالح الطبقات العريضة من سكان المدن وصغار التجار وموظفي الدولة الوسطاء بين الدولة والجماهير والعديد من أفراد المهن والحرف الصغيرة.

وفي المجمل، ومن خلال ما عكسه واقع الحال في السنوات المنصرمة، نظرت الطبقات الحضرية الوسطى إلى نمط الاشتراكية الذي طرح على أنه سلاح تستخدمه الشرائح الأكثر وعياً وإدراكاً المتحدرة من أوساط الريفيين الذين وصلوا إلى سدة الحكم للانتقام من سكان المدن على الإهمال والتهميش الذي عانت منه الأرياف لمدة طويلة، ونتج عن ذلك أن أخذ الصراع السياسي شكلاً يتمحور حول صراع بين الريف والحضر انقسمت فيه العناصر السُنية على نفسها وفقاً لخطوط واضحة من الانتماء للأرياف أو المدن.

وخلال السنوات الممتدة بين حكم "البعث"، لم تشهد سوريا إصلاحات كثيرة على أنماط الاقتصاد والسياسة، وبقيت الأوضاع تمشي برتابة رغم الشعارات الثورية المطروحة التي تنادي بالاشتراكية والقومية، وذلك رغم انتقال السلطة إلى دماء شابة جديدة. فبعد انتقال السلطة أطلقت العديد من الوعود بالإصلاح السياسي والاقتصادي وإدخال الديمقراطية وحرية الصحافة، لكن القليل من ذلك تحقق إلى الوقت الذي اندلعت فيه الأحداث الجارية حالياً. وهذا يثير تساؤلات كثيرة حول المستقبل الذي تسير إليه سوريا، وهي تعاني من أوضاع اقتصادية مؤلمة، وقلاقل داخلية وأعداء خارجيين متربصين، خاصة إسرائيل، وخلافات مع العديد من الأنظمة العربية واستقطابات اجتماعية يتم تغذيتها من الخارج، تقسم المجتمع السوري إلى طوائف ومذاهب عدة. وخاتمة القول هي إنه طالما بقيت القاعدة التي يستند إليها النظام تُغيب عناصر عدة من مكونات المجتمع، خاصة تلك التي تشكل أغلبية المجتمع، فإن الأوضاع لن تهدأ بسهولة، ولن يحل معضلتها استخدام العنف المفرط.

===================

مؤامرة خارجية... أم ثورة وطنية؟

تاريخ النشر: السبت 07 مايو 2011

حسن حنفي

الاتحاد

ظهر نمط واحد لدى بعض النظم العربية قبل أن تتهاوى في تونس ومصر، أو في طريق التهاوي في ليبيا واليمن، أو التي بدأت في الدفاع عن نفسها ضد التحركات الشعبية بالآلاف في سوريا والعراق وغيرهما، نمط واحد لتفسير ما يحدث لديها من غضب شعبي، وتحرك جماهيري يتصاعد يوماً بعد يوم كلما واجهت بعض هذه النظم الجماهير بالسلاح، ودفعتها من المطالبة بالإصلاح إلى المطالبة بتغيير النظام.

وهذا التفسير الذي سئمه الناس، وتعودت عليه الجماهير، وانتشر في الإعلام الحكومي ليس وصفاً لما يحدث، وفهماً لمسار التاريخ، بل هو دفاع عن النظام، وتبرير للبقاء في الحكم، حرصاً على السلطة والمال. لا يصدقه أحد. وأصبح أضحوكة في الرأي العام الوطني والعربي والعالمي للتندر به. يزيد الاحتجاج اشتعالاً، والتظاهر شدة، والشعب انتفاضة.

هو تفسير ما يحدث بالتآمر، من عقلية تآمرية، تآمرت هي على الناس، وظلت في الحكم عقوداً من الزمان دون مشاركة أو تداول للسلطة، ودون رقابة شعبية، واعتماد على الحزب الحاكم الواحد أو حزب الأغلبية وبعض المجالس النيابية المزيفة. السياسة تآمر، وما يعارضها تآمر.

والمؤامرة نوعان: خارجية وداخلية. خارجية من أميركا وإسرائيل وداخلية من الأصوليين والفوضويين. تتآمر أميركا ضد الحكم الوطني. فقد أصبحت ممثل الاستعمار الجديد باسم العولمة. وما زال الحكم الوطني استمراراً للنضال الوطني في الخمسينيات والستينيات. لم ينقلب على نفسه مثل غيره منذ السبعينيات وحتى الآن. ما زال باقيّاً على العهد، روح عبدالناصر الذي جسد حركة التحرر الوطني ومطلبها في الحرية والاستقلال. مع أن مصلحة أميركا مع النظام القائم أداة الأمن والاستقرار في المنطقة. يناضل ضدها قولًا، ويتحالف معها عملًا، في الاقتصاد والسياسة، في النفط والسلاح. الخطاب الوطني للاستهلاك المحلي. والخطاب المهادن للغرب لاسترضاء أميركا. وبالتالي يكسب النظام تأييد الداخل وتأييد الخارج.

وهي أيضاً مؤامرة خارجية من إسرائيل التي تريد أن تقضي على ما تبقى من نظم وطنية ما زالت متشبثة بحقوق شعب فلسطين. تؤيد المقاومة، وترفض عقد معاهدة صلح معها طبقاً لشعار مؤتمر الخرطوم في 1967 "لا مفاوضة ولا صلح ولا اعتراف" بإسرائيل. والواقع أنها تقاوم قولًا وتستسلم فعلًا.

لا تحرك ساكناً ضد إسرائيل. والأرض ما زالت محتلة في فلسطين والجولان ولبنان. تعقد معاهدة علنية معها، وتطبِّع العلاقات وتصدر الغاز، وتتآمر على غزة، وتغلق معبر رفح، وتقيم الجدار الفولاذي. وربما تقيم علاقات سرية معها، وتفتح إسرائيل مكاتب تجارية لديها أو لرعاية شؤون اليهود العرب الذين هجرتهم إسرائيل في 1948، اليهود الشرقيين، غالبية سكان إسرائيل. وتمنع المقاومة على أرضها بينما تؤيد المقاومة على أرض الآخرين. والسنوات تمر. والاحتلال يترسخ، والمستوطنات تتكاثر، والشعوب تهود مصالحها مع إسرائيل وليس مع الوطن الأم.

وقد يزعم أنها "مؤامرة" خارجية من الجيران العرب، الذين يودون إثارة القلاقل لدى دول "الممانعة" من أجل تصفية القضية الفلسطينية بتصفية النظم "الوطنية" أولاً! لذلك تغلق الحدود بين الجيران العرب، وتفتش العربات خشية تصدير السلاح، وتدمر الأنفاق التي تعبر الحدود من أسفل بدعوى النزاعات الحدودية والدفاع عن التراب الوطني. ويصبح العدو الداخلي أخطر من العدو الخارجي. فقط "أنا وأخويا على ابن عمي" وليس "أنا وابن عمي على الغريب".

وقد تكون المؤامرة داخلية، من الأصوليين على كافة فصائلهم، من "القاعدة" إلى "السلفيين الجهاديين" إلى "الإخوان". يريدون تحويل الوطن إلى "إمارة إسلامية". وهو ما لا يقبله العلمانيون في الداخل ولا الغرب في الخارج. وهم معادون بأيديولوجيتهم لأميركا وإسرائيل. "يجاهدون" ضد الغرب الملحد. ويتحالفون مع "حماس" و"حزب الله" من أجل القضاء على إسرائيل.

وقد تكون المؤامرة من عصابات مسلحة، ملثمين للنهب والسلب وإشاعة الفوضى في البلاد. يتدخل الجيش بناء على طلب الشعب للقضاء عليهم بعد أن تعجز الشرطة. يبادرون بقتل المدنيين ثم الشرطة. لا يختلفون عن الإرهابيين في استعمال العنف، وزعزعة الأمن والاستقرار. والقضاء عليهم واجب وطني، حماية للآمنين، وتطبيقاً للقانون.

المؤامرة الخارجية والداخلية هي تفسير النظام السياسي للتحركات الشعبية، وتشويه الاحتجاجات الجماهيرية، وتبرير لمواجهتها بالسلاح. وهي ثورات وطنية تلقائية. فجّرتها شرارة تونس، وشجعها بركان مصر. وحمّسها زلزال اليمن وليبيا، ودفعتها هزات سوريا والعراق والأردن، وامتدت إليها ارتجاجات الجزائر. فالوطن العربي واحد في نظمه السياسية التي تقوم على التسلط، وفي ثوراته الشعبية التي تطالب بالحرية والكرامة للمواطن، وبالديمقراطية للمواطنين، دفاعاً عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب.

وهي ثورات سلمية تواجهها بعض نظم الحكم بالسلاح. تهتف بالشعارات وتواجهها الشرطة ورجال الأمن بالقوة. فإن عجزت ينزل الجيش بمصفحاته ودباباته إلى الشوارع لإطلاق النار على المتظاهرين ومحاصرة المدن، ومنع الماء والكهرباء والمواد الغذائية عنها. نظام يقتل شعبه كي يحكمه بالحديد والنار. لا فرق بين شاب وطفل ومسن وامرأة، بين غاز مسيل للدموع، ورصاص مطاطي، ورصاص حي في الهواء للتخويف أو في القلب والرأس والصدر للقتل.

ويسقط الشهداء بالمئات. ويعتقل المتظاهرون بالآلاف. وتلقى الوعود بالإصلاح. وتصدر مراسيم بإلغاء قانون الطوارئ والإفراج عن عشرات المعتقلين من ضمن آلاف في السجون منذ عشرات السنين. وفي الوقت نفسه يعتقل آلاف غيرهم. ولماذا تأخر الإصلاح على مدى أربعين عاماً، ولا يبدأ إلا بعد التحركات الشعبية؟ ويتحرك الغرب، وتصدر قرارات مجلس الأمن هذه المرة دفاعاً عن الشعوب العربية من العدو الداخلي، النظم العربية، وليس من العدو الخارجي، المحتل الإسرائيلي. وفي كلتا الحالتين، الشعب العربي هو الضحية.

وتختلف مواقف الجيوش العربية، بين الجيوش الوطنية في دول المؤسسات مثل تونس ومصر التي تنضم إلى الثورة، وترفض إطلاق النار على الجماهير. فالجيش ابن الشعب وحاميه، والجيوش التي انقسمت على نفسها، نصف مع الثوار، ونصف مع نظام الحكم. وأصبح يسمى كتائب باسمه، جيش مرتزق يأتمر بأوامر الزعيم. يطلق النار على الجماهير وكأنها عدو له، ويترك العدو المحتل آمناً سالماً. ويستقيل المدنيون قضاة ووزراء ونواباً ومحافظين ورجال إفتاء.

ويعتمد التفسير بالتآمر الداخلي على ثقافة تقوم على إعطاء الأولوية للفاعل الخارجي على الفعل الذاتي، بصرف النظر عن تسميته: السلطة، القدر، المكتوب، القسمة والنصيب، الحظ، الزمن، المصير. فكيف تستطيع الثورات الوطنية أن تغير من هذه الثقافة الشعبية إلى ثقافة أخرى تعتمد على التفسير الذاتي، والعوامل الداخلية، وحرية المواطن، وعزة الشعوب؟

===================

العلاقات السورية التركية... الماضي والحاضر

حسين العودات

التاريخ: 07 مايو 2011

البيان

لم تستقر العلاقات السورية التركية خلال التسعين عاماً الماضية سوى في السنتين أو الثلاث الأخيرة، فقد كانت هذه العلاقات دائماً متوترة وصل توترها أحياناً إلى حشد القوات العسكرية التركية على الحدود السورية، وحدث هذا بشكل واضح وكثيف مرتين: المرة الأولى عام 1957 بعد تأسيس حلف بغداد وانضمام سورية إلى مصر في شجب هذا الحلف وإدانة سياساته، واتباع سياسة تقدمية كانت معادية للنفوذ الأميركي المتنامي في المنطقة بعد تراجع النفوذين الفرنسي والبريطاني، مما زاد التحالف السياسي المصري  السوري قوة، ويرى البعض أن هذه التهديدات سارعت في قيام الوحدة السورية المصرية تفادياً لأي غزو محتمل لسورية. أما التحشدات الثانية فحصلت عام1998 وكان هدفها إلزام الحكومة السورية بطرد عبد الله أوجلان وإغلاق مقراته العسكرية وهذا ما فعلته السلطات السورية.

بعد أن انهارت السلطنة العثمانية عام 1918 ودخل الحلفاء بلاد الشام وطبقوا اتفاقية سايكس بيكو، ثم اتبعوا فيما بعد سياسة ممالئة لتركيا، بقيت أمور عديدة معلقة بين البلدين كانت سبباً للتوتر، ولم تحل الإشكالات الناتجة عنها طوال القرن الماضي، مثل قضية ضم لواء اسكندرون السوري إلى تركيا، وقضايا الأملاك الزراعية السورية داخل الحدود التركية، فضلاً عن مشكلة تقسيم المياه بين البلدين، وتحكم تركيا في هذه المياه، ورفضها اعتبار نهر الفرات نهراً دولياً. وزاد الأمور تعقيداً دخول تركيا حلف شمال الأطلسي وتنفيذها سياسة هذا الحلف المعادية لسورية والحركة التحررية العربية طوال القرن الماضي، واعترافها بإسرائيل وتحالفها معها إلى حد ما، وقد كان العسكر الأتراك معادين لسورية بأشد درجات العداء طوال عدة عقود.

منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا وربما قبل سنوات قليلة من ذلك، بدأت العلاقات بين البلدين تتحسن، وتنحو إلى أن تكون علاقات طبيعية ثم علاقات تعاون استراتيجي شأن العلاقات بين أي بلدين جارين، وقد رغبت حكومة حزب العدالة والتنمية تطوير هذه العلاقات دون أن تضع لها سقفاً، واستجابت الحكومة السورية لذلك بل شجعت عليه، وتنازلت عن مصالح سورية حيوية عديدة من أجل تحسين العلاقات، خاصة أن السياسة التركية الجديدة تزامنت مع الضغوط الأوروبية والأميركية على سورية، ووجد فيها النظام السوري وسيلة لمواجهة هذه الضغوط، ولذلك دعمها بدون تحفظ، فوقّع مع تركيا (55) اتفاقية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاستثمار والمياه والبنوك.. وغيرها. وكان أهم هذه الاتفاقيات بناء سد مشترك على نهر العاصي الذي يصب في اسكندرون، مما يعني تخلي سورية عن هذه المحافظة واعتبارها أرضاً تركية، والعاصي نهراً دولياً، مع أنه ينبع ويصب في الأراضي السورية. في الوقت الذي لم تعترف فيه تركيا بالمقابل بأن نهر الفرات نهر دولي، ولم يتم الاتفاق على توزيع المياه فيه على هذا الأساس، كما قبلت سورية أن تتولى مساعدة تركيا في حربها ضد حزب أوجلان إلى أبعد الحدود، وعندما قيل لأحد المسؤولين السوريين بأن هذه الاتفاقيات تجعلكم تخسرون اسكندرون أجاب إن خسرنا اسكندرون فقد ربحنا تركيا.

في ضوء هذه العلاقات المستجدة بين البلدين قامت تركيا بمحاولات تفعيل المفاوضات غير المباشرة السورية الإسرائيلية، كما استفادت من العلاقة مع سورية لفتح أبواب دخولها للمنطقة العربية ولاستعادة مجالها الحيوي، وصرح كل من الطرفين أن العلاقات تطورت إلى علاقات استراتيجية شاملة لا جدال فيها.

إلا أن الظروف الطارئة وخاصة في هذا العام واعني بها تظاهر الشعب السوري ومطالبته بالحرية والديمقراطية والمساواة، أثرت تأثيراً سلبياً على هذه العلاقات واتخذت الحكومة التركية كما صرح رئيس وزرائها أكثر من مرة مواقف لم تكن منسجمة مع مواقف النظام السوري، فقد صرح رجب طيب أردوغان منذ بدء الاحتجاجات بأنه نصح الرئيس الأسد بإجراء تغيير ديموقراطي لكنه لم ينصت إليه، وتحدث عن مصالح تركيا في سورية وحدودها الطويلة معها، بما يؤكد حقها بإبداء مثل هذه النصائح، وأخيراً صرح أردوغان في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي أن بلاده لا ترغب في أي انفصال أو تقسيم لسورية، وحذر من عواقب الاستمرار في قتل المدنيين

===================

ما يمكن أن تتعلمه سورية من الأنموذج التركي

د. عبدالله تركماني

2011-05-06

القدس العربي

كان منبر اسطنبول للحوار السياسي، الذي عقد فعاليات 'لقاء اسطنبول من أجل سورية' في 26 نيسان/ابريل الماضي، بمشاركة مفكرين وباحثين وخبراء وناشطي المجتمع المدني في كل من سورية وتركيا، محقاً عندما أعلن أنّ سورية تقف على مفترق طريقين: إما أن تسلك طريق الحرية والديمقراطية والازدهار أو تبقى عنواناً للظلم والقهر والاستبداد.

وهكذا تستطيع تركيا، بمجتمعيها المدني والسياسي، أن تكون مرشحاً محتملاً للتدخل وتقديم حلول نافعة للوضع البالغ التعقيد في سورية. فقد نجحت في تحييد جيشها، الذي كان ميالاً إلى تدبير الانقلابات، والكف عن التدخل في الشؤون المدنية التركية. كما استطاعت تحقيق توازن نسبي بين كل مكوناتها الفكرية والسياسية والإثنية، من خلال مؤسساتها الديمقراطية وتقاليد الدولة العميقة واقتصاد السوق الحرة، والانفتاح المتزايد على محيطها الإقليمي والعالم.

إنّ أهم درس يقدمه الأنموذج التركي يكمن في أنّ القوة الداخلية هي الشرط الأهم لأية سياسة ناجحة، فلعل أهم ما يميز دور تركيا المتزايد في الشرق الأوسط هو استناده إلى مقوّمات داخلية، تؤهلها لأن تكون أنموذجاً يثير الإلهام. فقد وفرت السياسة التركية، خاصة منذ وصول حزب 'العدالة والتنمية' إلى السلطة في العام 2002، أسساً داخلية مهمة لدور إقليمي من خلال المضي في طريق الديمقراطية عبر نظام انتخابي تمثيلي، وكسر حدة التطرف، سواء من جانب ذوي النزعة الطورانية أو من جانب جماعات الإسلام السياسي المتطرف. كما عملت باتجاه إيجاد أسس لمعالجة مشاكل الأقليات القومية، خاصة المسألتين الكردية والأرمنية، بعد أن أرهقتا الداخل التركي على مدار أكثر من عقدين. إضافة إلى تحريك الواقع الاجتماعي في الداخل، بما يعطي فرصة أفضل لتعبير الجماعات التركية عن نفسها وتطوير أوضاعها نحو الارتقاء والتقدم.

وفي الواقع لم تتوقف تركيا عن التغيير منذ عقود تكوينها الأولى، فقد كانت القناعة التي أخذت في التبلور، منذ أيام مصطفى كمال أتاتورك الأخيرة، في أنّ الدولة قد أصبحت عبئاً ثقيلاً على المجتمع، وأنّ إطلاق قوى النهوض لدى الأتراك يتطلب التخفيف من قبضتها على الحياة العامة وأنماط الاجتماع والعقائد. وعلى الرغم من التدخلات العسكرية المستمرة ومن ثلاثة انقلابات سافرة خلال نصف قرن، فقد حافظت تركيا على مسار ديمقراطي تعددي، على هذا النحو أو ذاك.

كما أنّ تركيا الجديدة تتسم بحيوية اقتصادية هائلة، وبمراجعة العديد من القوانين المقيدة للحريات، وتعيش مناخاً من الإبداع لم تعرفه منذ قيام الجمهورية. وقد استطاعت حكومة حزب 'العدالة والتنمية'، بعد مواجهة عقبات ملموسة كادت تطيح بالحياة السياسية المدنية، تقليم أجنحة المؤسسة العسكرية وإعادة التوازن السياسي في البلاد للمرة الأولى منذ انقلاب 1960، لصالح دمقرطة الحياة السياسية التركية وإرادة الشعب التركي. ففي علاقتهم بالحكم المدني أصبح الضباط أكثر تواضعاً واهتماماً بمجال عملهم الخاص بالدفاع عن البلاد وحماية أمنها.

إنّ السياسة التركية المستقلة أصبحت واضحة، بعد أن استطاعت السلطة، بشفافية ومنهجية علمية، أن تبني جسراً من الثقة والتواصل بين جميع الأطياف في المجتمع التركي الكبير، لتصبح القاعدة في تركيا أنّ المصلحة العامة ليست شعاراً لفظياً تتقاذفه الأحزاب لغايات سياسية، بل هو حقيقة واقعية تعمل الحكومة التركية على ترسيخها فعلاً، فتكون العوائد للجميع، والمنفعة عامة.

إنّ تركيا بلد ديمقراطي، فيه مؤسسات فاعلة ومجتمع مدني متكامل: أحزاب، ونقابات، وصحف مستقلة من جهة، ومهيأة للاختراق من مؤسسات المجتمع المدني التركي من جهة أخرى. ففي تركيا يسمح النظام التركي للمجتمع المدني أن يقوم بأنشطته المختلفة في ظل القانون الميسَّر، مثل حرية تأسيس المنتديات والجمعيات، وهذه الجمعيات تلعب دوراً مباشراً وغير مباشر في الحياة السياسية.

أما المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية فإنّ الأرقام في تركيا تتحدث عن تقلص أرقام البطالة بشكل كبير، وزيادة في الناتج القومي، والصادرات التركية المبنية على صناعات تركية ذات جودة عالية أصبحت تنافس في السوق العالمية بجدارة. فبعد أن كانت الأوضاع الاقتصادية في تركيا لا توصف إلا ب'الأزمة والانهيار والزلزال' لعقود طويلة، غدا الاقتصاد التركي اليوم في تمام عافيته وصعوده، وهو يعتبر واحداً من الاقتصاديات العشرة الصاعدة في العالم، إلى جانب الصين والبرازيل وروسيا والهند والمكسيك والأرجنتين واندونيسيا. وقد أصبح السابع عشر في العالم وسادس أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.

وهكذا، فإنّ تركيا هي البلد الوحيد في الشرق الأوسط برمته الذي اندمج بالحداثة، إذ تحوز الآن نظاما سياسيا ديمقراطيا فعّالا، واقتصادا مُنتجا، كما أنها اكتشفت توازنات ناجعة بين الدين والعلمانية، وبين الإيمان والعلم، والهوية الفردية والجماعية، والقومية وحكم القانون... إلخ. وعليه فإنّ ما تتمتع به من مقدرة فائقة على لعب دورٍ إقليمي متميز، لم يأتِ في غفلة من الزمن ولا من جيرانها. فبمقدار ما كانت تتقدم نحو استقرار حياتها السياسية الداخلية، كانت دول الجوار تنحدر إلى مزيد من الفساد والتآكل والحروب الأهلية.

وبالنسبة إلى سورية لعل الحلم التركي، الذي راهن على قدرة الرئيس بشار الأسد في تحقيق الإصلاح والتغيير بدعم تركي، بات اليوم على المحك، مع تصاعد الحراك الشعبي السوري المطالب بالحرية والكرامة، وبعد سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى على أيدي قوات الأمن السورية وشبّيحتها، إذ أنّ حزب 'العدالة والتنمية' الحاكم، الذي بنى سمعته وشعبيته على ترسيخ الديمقراطية ودعم مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي، لا يمكنه أن يستمر في علاقة مميزة مع النظام السوري إن فشل الرئيس الأسد في تحقيق الإصلاحات السياسية المطلوبة بسرعة ومصداقية، أو غلّب الهاجس الأمني على حساب الحريات والإصلاح. وفي الوقت نفسه فإنّ تركيا قلقة من تداعيات الأزمة السورية على حدودها الجنوبية، وهو ما يبرر هذا المشهد الذي تبدو فيه وكأنها تتدخل في الشأن الداخلي السوري بصورة صديق يقدم النصيحة أحياناً وبصورة أخ أكبر يبدي قلقه وخشيته، لكنه لا يخفي انتقاده ورفضه لما يراه من سلوك، أحياناً أخرى.

ومن ملامح هذا التدخل أنّ وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو انفرد بالرئيس الأسد ساعات عديدة خلال زيارات متعددة، قدم له فيها التجربة التركية في عملية الانتقال من نظام الحزب الواحد إلى نظام التعددية الحزبية منذ عام 1950، وكذلك مسيرة الإصلاحات التي قام بها حزب 'العدالة والتنمية' من أجل إنهاء سيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الدولة، وبعض مواد الدستور والقانون التركيين من أجل الاستفادة منهما في ما يتعلق بقانون الإعلام والتعددية الحزبية، وكذلك التعليم الديني.

وفي الحقيقة لم تكن تلك المجالسات، التي امتدت ساعات وتجاوزت في أريحيتها وصراحتها حدود البروتوكولات الرسمية لاجتماع بين رئيس دولة ووزير خارجية دولة أخرى، درساً في التاريخ السياسي، وإنما كانت محاولة لإيصال رسالة واحدة هي أنّ الرئيس الذي ينضم إلى مطالب شعبه ويستقوي به على ذوي النزعة الأمنية ينجح في تخطّي أصعب الامتحانات. ولكن، يبدو أنّ النصيحة التركية لم تؤخذ في الاعتبار، حيث تصاعد الحل الأمني على حساب الحل السياسي للأزمة السورية، مما دفع الإعلام التركي إلى زيادة جرعة الانتقادات للرئيس السوري. وهكذا فإنّ الآمال التركية كلها بدأت تتبخر سريعاً وتصطدم بالرصاص الذي انهمر كالمطر من بنادق قوات الأمن السورية على المتظاهرين، ولا شك في أنّ الرئيس بشار الأسد، الصديق المقرب للمسؤولين الأتراك، لم يستجب للنصائح التركية، بل التحم بأصحاب الرؤوس الحامية من الحرس القديم، وأنّ أية محاولة للفصل بينهما شبه مستحيلة، فهما وجهان لعملة واحدة: إما أن يبقيا معاً أو يرحلا معاً.

وعليه، فقد صعّدت تركيا من لهجتها تجاه النظام السوري، حيث تضمّن بيان وزارة الخارجية التركية يوم 23 نيسان/ابريل ما وصفته صحف تركية ب'تحذير من خمسة بنود': المطالبة بالامتناع عن الاستخدام المفرط للقوة تجاه التحركات الشعبية، والاستمرار بخطوات أسرع في مشروع الإصلاح، والتحرك بما يتناسب مع جوهر الإصلاحات نصاً وروحاً، وإعادة تأسيس السلم الاجتماعي والامتناع عن أية خطوات تصعيدية، والتصرف بصبر وحكمة لعدم تصاعد العنف.

وفي المقابل، فإنّ الحراك الشعبي السوري المطالب بالكرامة والحرية ما فتئ يتصاعد وتتوسع قاعدته الاجتماعية في كافة المحافظات، مستنداً إلى مرتكزين أساسيين: سلمية الحراك 'سلمية سلمية .. بدنا بدنا حرية'، والوحدة الوطنية 'واحد .. واحد .. واحد .. الشعب السوري واحد'.

' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

===================

جمعة التحدي في سورية

عبد الباري عطوان

2011-05-06

القدس العربي

 نزول عشرات الآلاف من المتظاهرين الى شوارع وميادين معظم المدن السورية في 'جمعة التحدي' يوم امس، وسقوط اكثر من عشرين شهيداً برصاص قوات الامن في حمص وحماة يؤكد ان قطاعاً عريضاً من الشعب السوري لا يخاف الموت، وان انزال الدبابات لمحاصرة المدن لم ينجح في قتل، او اخماد، الانتفاضة السورية.

الانتفاضة في سورية ما زالت سلمية، ترفض كل استفزازات رصاص رجال الامن لتحويلها الى تمرد عسكري رغم الاغراءات وعمليات التحريض الكبيرة القادمة من خارج الحدود، لان درجة الوعي السياسي والاخلاقي عالية جداً في صفوف ابناء الشعب السوري، فهم يدركون مخاطر اندلاع شرارة الحرب الاهلية، وانفجار الفتنة الطائفية، مثلما يدركون ايضاً ان المعركة لن تكون متكافئة مع نظام يملك ترسانة قوية تطفح بأحدث الاسلحة وجيش لن يتردد في استخدامها لسحق اي تمرد اهلي مسلح.

من المؤكد ان الدبابات اقوى من المتظاهرين العزل، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وهو حول قدرة هذه الدبابات على قتل اكثر من عشرين مليون سوري تخلصوا من عقدة الخوف، ولم يعد يرهبهم الموت، وباتوا يتطلعون، او اعداد كبيرة منهم الى الشهادة.

يخطئ صقور النظام في سورية اذا اعتقدوا انهم يستطيعون سحق الانتفاضة من خلال التغول في القتل، واتباع الحلول الامنية، فها هي الاحتجاجات تدخل اسبوعها السابع تقريباً دون ان تظهر اي علامات وهن او خوف لدى المشاركين فيها، بل ما حدث ويحدث هو ازديادها قوة واتساعاً، بدليل انزال الجيش للدبابات الى الشوارع لحصار المدن والتصدي للمتظاهرين.

صحيح ان الانتفاضة لم تنجح في فرض الاصلاحات الديمقراطية التي تطالب بها منذ اليوم الاول، او تغيير النظام، ولكن الصحيح ايضاً ان الاجهزة الامنية والعسكرية التي تتصدى لها، رغم قوتها وجبروتها لم تنتصر، ولم تحقق هدفها الاساسي في اخماد الاحتجاجات.

المتشددون في النظام السوري، الذين يملكون اليد العليا حتى الآن، يعتقدون ان تقديم تنازلات حقيقية تتجاوب مع مطالب المنتفضين ربما يفسر على انه يعكس ضعف النظام، ولذلك يزيدون من جرعة القمع في التصدي للاحتجاجات، والاستمرار في اعطاء الاوامر بالقتل بالرصاص الحي، وهذا اسلوب انتحاري يفتقد الى الرؤية الواعية التي تستند الى الاستفادة من دروس الاخرين الذين ساروا على النهج نفسه وانتهوا نهاية بائسة.

' ' '

من المفارقة انه بينما كان الرئيس بشار الاسد يقوم يوم امس بوضع اكليل من الزهور على قبر شهداء سوريين سقطوا في مواجهات مع الجيش التركي قبل مئة عام، عندما اطلق النار اي الجيش العثماني، على المتظاهرين الذين كانوا يطالبون بانهاء الاحتلال التركي، كانت قوات الامن والجيش السوري تطلق النار على المحتجين في حمص وحماة. ولا نعرف ما اذا كان الرئيس بشار قد استخلص العبرة من هذه المفارقة، وكيف ان الاحتلال التركي انتهى، وامبراطوريته انهارت، بينما بقي الشعب السوري، وبقيت سورية؟

اجهزة الاعلام السورية تشكك بوطنية المحتجين، وتركز على وجود مؤامرة تستهدف سورية متورطة فيها دول خارجية، وربما يكون الحديث عن المؤامرة ينطوي على بعض الصحة، فسورية مستهدفة دائماً، ولكن الرد على المؤامرة يتأتى من خلال اصلاح البيت الداخلي، وتعزيز الوحدة الوطنية، واطلاق مسيرة الاصلاح الحقيقي.

المعارضة السورية، الداخلية منها او الخارجية، على درجة عالية من الوطنية، واذا كانت هناك جماعات مرتبطة بمشاريع خارجية، وامريكية بالذات، فهي جماعات معزولة كلياً ومنبوذة من كل اطياف الشعب السوري، والشيء نفسه يقال عن وسائلها الاعلامية وقياداتها الممولة من جهات مشبوهة.

الشعب السوري نزل الى الشوارع وواجه الرصاص الحي، لانه لم يعط الفرصة للمشاركة الحقيقية في العملية السياسية، وبالتالي في دوائر وآليات صنع القرار التي تقرر مصيره، وتدير شؤونه، فهذا الشعب الذي يحمل في دمائه جينات العظمة الامبراطورية والحضارية لا يمكن بل لا يجب التعاطي معه وكأنه شعب قاصر.

مازالت هناك فرصة للانقاذ، ولكن عبر الحوار وليس الحلول الامنية وانزال الدبابات لحصار المدن واطلاق النار على المحتجين، ومن المؤلم اننا لا نرى اي مؤشر يطمئننا بان النظام يريد مثل هذا الحوار لان الجناح المتشدد فيه لا يؤمن به، ويراه احد علامات الضعف والوهن، وهو مفهوم خاطئ يعكس رؤية تفتقر الى قراءة صحيحة للمتغيرات العالمية الحديثة التي ابرز عناوينها ثورة المعلومات، واتساع نفوذ وسائل الاتصال الحديثة.

الهجوم على الفضائيات العربية التي تبث وقائع المظاهرات الاحتجاجية، وتعرض صور الشهداء والجرحى التي نراها بين الفينة والاخرى على شاشات التلفزة السورية الرسمية ليس هو الرد الامثل، والشيء نفسه نقوله عن استضافة فنانين كبار لانتقاد هذه الفضائيات وبعض العاملين فيها، فالرد الامثل في رأينا يأتي من خلال فتح البلاد امام الفضائيات والصحف الحرة المستقلة لنقل الوقائع من الميدان، والتعرف على جميع وجهات النظر دون رقابة او ضغوط.

' ' '

الفنانون السوريون قدموا اعمالاً درامية اثرت في الوعي العربي والاجيال الجديدة لمهنيتها الاحترافية العالية، والمواضيع التاريخية والوطنية التي تناولتها وابرزت قيم العدالة والمساواة والثورة على الظلم في العهود المظلمة من تاريخ الامة العربية، بل لا نبالغ اذا قلنا ان هذه الاعمال الدرامية السورية هي التي ساهمت، بل عجلت، باندلاع الانتفاضات العربية في مواجهة الانظمة القمعية والديكتاتورية العربية. ولذلك نتمنى ان تحافظ هذه الدراما ونجومها على صورتها الناصعة في اذهاننا وعشرات الملايين من امثالنا على طول العالم العربي وعرضه.

لا نريد الدمار لسورية، ولا نريد انزلاقها الى هاوية حرب اهلية وفتنة طائفية، تهز استقرارها، وتمزق وحدتها الوطنية، ولا نشك مطلقاً بان الشعب السوري بمختلف قطع فسيفسائه المذهبية، والعرقية والدينية يشاطرنا الحرص نفسه، ولكن القوى التي تدفع نحو الدمار والقتل والحرب الاهلية تزداد قوة ونقولها بكل حسرة والم.

فعندما تفرض قوى غربية عقوبات على بعض الشخصيات السورية داخل النظام وحوله، وتستثني الرئيس بشار الاسد، فهذا يؤكد لنا ما قلناه دائماً، ان العلة تكمن في حرس قديم مازال يفكر بعقلية مرحلة مجازر حماة، ويستخدم ادواتها، ويرفض الحوار، ويعتبر من يطالب بالاصلاح عدواً يجب قتله، ولهذا يستمر حصار درعا ويتواصل سقوط الشهداء في حمص وحماة ومدن اخرى.

بالأمس كانت جمعة التحدي، وقبلها كانت جمعة الغضب، ولا نعرف ماذا سيكون اسم الجمعة المقبلة، وكل ما نعرفه ان الانتفاضة مستمرة ولن تتوقف طالما يرفض اهل الحكم في دمشق الحوار والاصلاح والاستماع الى انين ابناء شعبهم.

===================

سوريا.. هل صدر البيان رقم واحد؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

7-5-2011

للأسبوع السابع على التوالي تتواصل انتفاضة الشعب السوري ضد النظام، بلا توقف، أو وهن، بل هناك ثبات وإصرار، وتنوع في المناطق الجغرافية، مما يعكس صلابة التحرك الداخلي في سوريا، وعمق أزمة النظام الذي يبدو وكأنه يغرق في الرمل.

هذه الجمعة، أو «جمعة التحدي»، شهدت تصعيدا جديدا، فيه امتداد لظواهر سابقة، ولكن بشكل أكبر، فهذه الجمعة يلاحظ أن جل «اليافطات» المحمولة فيها من قبل المتظاهرين تندد بالرئيس السوري نفسه، وليس بالقمع، أو الحزب. وهذا يعني أن خط العودة قد قطع بين النظام والسوريين المنتفضين، ولا يمكن النظر للمتظاهرين على أنهم أقلية، أو طائفة، بل إن حركة التظاهر قد طالت جل المدن السورية، بما فيها دمشق، وحمص، وحلب، وحماة، وفي مناطق الأكراد، وغيرها من المدن والمناطق، وحتى من قبل علويين، وغيرهم.

فما الذي سيفعله النظام الآن؟ هل يحكم الشعب ويؤمن المدن بالدبابات، ويستمر نظاما مشروخا، ضعيفا، على خطى نظام البشير في السودان، الذي قسم البلد مقابل البقاء على كرسي الحكم؟ أم أنه سيكون هناك انقلاب على النظام من داخله لتدارك ما يمكن تداركه؟ أم أن «جمعة التحدي» تستمر وتصمد لينقسم الجيش، وخصوصا أن معلومات تتردد عن اشتباكات بين الجيش والأمن في حمص، ومناطق أخرى، وبالتالي تكون سوريا الأسد تسير على خطى ليبيا القذافي؟ كلها أسئلة مستحقة. فالواضح أن النظام لم يستوعب ما يدور حوله، بل غير مصدق أن شعبه انتفض، شبيها بطريقة القذافي يوم أن قال في كلمته الشهيرة (خطاب زنقة - زنقة) لليبيين: «ما الذي جرا لكم؟!.. وش فيكم؟!». فيبدو أن النظام السوري لم يستوعب أن قواعد اللعبة اختلفت، وأنه لا يمكن حكم الناس بالخوف، مثل ما فعل صدام حسين، الوجه الآخر ل«البعث» الذي يعتبر في المشهد الأخير من مشاهد النهاية.

وتغير قواعد اللعبة في سوريا بات واضحا.. فاليوم خرجت حمص وحلب ودمشق، وطال القمع حتى رجال الدين، مما ينبئ بانقسامات أكبر بين صفوفهم.. فبعد خروج حلب، مدينة التجار، وكذلك العاصمة، اعتقل النظام السوري إماما بارزا في دمشق، فإذا خرجت مدينة التجار، والريف، والعاصمة، وسجلت حالات تمرد في الجيش، فما الذي تبقى للنظام؟

لذا، فإن خروج كل تلك المدن السورية، وللأسبوع السابع على التوالي، وهناك حديث اليوم عن اختفاء شخصيات سورية مؤثرة، ناهيك بصمت آخرين، وخصوصا أن جل ما نسمعه اليوم منسوب إلى مصدر عسكري، أو مصدر أمني، أو بيان لوزارة الداخلية السورية، وهو على عكس الأسلوب السوري، الذي كان أبرز المتحدثين فيه إما الرئيس نفسه، وإما المستشارة الإعلامية بثينة شعبان؛ كل هذا بات يطرح أسئلة حقيقية عن مدى الشرخ الذي أصاب النظام السوري اليوم، حيث صار المتابع يشعر وكأن البيان رقم واحد قد صدر في سوريا من دون إعلان، أو دون أن ننتبه.. فوجوه اختفت، وحل بدلا منها أشباح «مصادر» وبيانات، وهذا يطرح أسئلة أكثر مما يقدم إجابات، وهو دليل على أن ألد أعداء النظام هو النظام نفسه الذي لا يريد أن يصدق الحقائق!

========================

النظام السوري.. عوامل الانهيار ورهانات البقاء .. الحكم الشمولي يحمل في بنيته عوامل سقوطه

بقلم د. بشير زين العابدين

مداد القلم نقلا عن موقع أون إسلام

ثمة تشابه كبير بين سرعة تولي بشار الأسد الحكم عام 2000، وبين فقدانه جميع مقومات الاستمرار في الرئاسة عام 2011، فقد كان بإمكان بشار الشاب أن يمثل نموذجاً لحاكم شعبي يدعم الإصلاح ويحارب الفساد، إلا أنه اختار الصورة البائسة للدكتاتور المستبد الذي يقمع المعارضة ويستند إلى أجهزة الأمن، ويوزع مقاليد السلطة وثروات الوطن بين أفراد عائلته ومقربيه.

إلا أنه ليس من الإنصاف اختزال تردي وضع النظام السوري في شخص بشار، الذي ورث حكماً عائلياً غير قابل للإصلاح أو التطوير، خاصة وأن المحافظة على بنية الحكم الشمولي تتطلب السيطرة على مقدرات الدولة وتوزيعها في إطار دائرة مغلقة، ويُعتبر قانون الطوارئ وحكم الحزب الواحد الدعامتان الأساسيتان لاستمرار هذا النمط من الحكم الاستبدادي.

لقد ظهرت علامات تصدع النظام جلية في إعراض الرئيس عن الاستجابة لمطالب الشعب، واتهامهم بالتآمر، واتخاذ إجراءات شكلية تمنع التغيير الحتمي، ومن ثم ارتكاب قوى الأمن جريمة قتل جماعي للمرة السابعة في أقل من ثلاثة أسابيع.

وفي هذه الأثناء كانت السمة البارزة للنظام هي الارتباك المتمثل في: تضارب تصريحات المسئولين، ومخالفة أجهزة الأمن لتعليمات القصر الجمهوري، وتبني سياسة القمع والاعتقال الجماعي، واختزال مشاريع الإصلاح الكبير في نقل بعثي معتّق من منصب وزير الزراعة إلى رئيس للوزراء.

وإذا كان النظام السوري قد اتخذ التدابير الكفيلة بسقوطه في وقت قياسي، فإنه يتعين استعراض أبرز العوامل الداخلية والخارجية المفضية إلى ذلك السقوط، والتي يمكن إيجازها فيما يأتي:

 

أولاً: العوامل الداخلية

1- العناصر الجديدة في المعادلة السياسية:

تركزت جهود أجهزة الأمن في العقد الماضي على تفكيك المعارضة الداخلية، وعزل الأحزاب السورية في الخارج عن المجتمع، وأسهمت حالة الخلاف المزمن بين أحزاب المعارضة، وفشلها في تشكيل موقف موحد ضد النظام في تعميق عزلتها، مما أقنع بشاراً باستحالة قيام أي حركة شعبية ضده.

ولكن الأحداث الأخيرة أدخلت على المعادلة السياسية عنصراً جديداً لم يحسب له النظام السوري أي حساب، إذ اقتحم الشباب السوري المحايد ساحة العمل السياسي بدافع الرغبة في التغيير السلمي، وليس بدافع الانتماء الحزبي أو الإيديولوجي.

وفي مقابل الارتباك الأمني وتطرف المواقف الرسمية؛ فإن المحتجين قد اتسموا بالنضج من خلال التأكيد على الوحدة الوطنية، والمحافظة على الحراك السلمي، وعدم الانجرار في مواجهات غير محسوبة مع المجموعات التي يدفع بها النظام لنشر الفوضى وارتكاب جرائم القتل.

وكان الشباب السوري قد استلهم التجربة التونسية والمصرية التي أمدتهم بثقة كبيرة في القدرة على الأخذ بزمام المبادرة، فتسببت حركتهم الواعية، ومطالبهم المشروعة، واحتجاجاتهم العفوية في إرباك النظام.

ويذكر أن 77 بالمائة من المجتمع السوري هم دون سن 35، في حين تقدر بعض المصادر أن نسبة الشباب السوري بين سن 15 و35 عاماً تقدر بحوالي 66 بالمائة من أبناء المجتمع. وعلى الرغم من أن أبناء هذه الفئة الشباب قد ترعرعوا في ظل هيمنة البعث وحكم قانون الطوارئ، إلا أنهم استفادوا من ثورة المعلومات، وتوفر وسائل الاتصال، وانتشار القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت، مما أتاح لهم معرفة حقائق مؤلمة منها: أن بلدهم يصنف في المركز 97 عالمياً من حيث جودة الحياة، والمركز 111 لتقدير الناتج المحلي الإجمالي للفرد، والمركز 154 من حيث احترام حقوق الإنسان، وربما أتيح لهم قراءة تقرير منظمة العفو الدولية الذي ذكر أن عدد المعتقلين والمعتقلات في السجون السورية يتجاوز 17 ألف معتقل.

ومن المثير للاهتمام أن تشمل حركة الاحتجاجات معظم أنحاء القطر السوري، بحيث لم يعد من الممكن تصنفيها وفق أي تقسيم عرقي أو عشائري، فالاضطرابات غير المتوقعة في الساحل السوري مثلت خطورة كبيرة على حركة الاستيراد والتصدير، وكان لامتداد حركة الاحتجاج بين الأكراد في المدن الشمالية دلائل خطيرة بالنسبة للنظام الذي فشل في احتوائهم من خلال تقديم الوعود.

ونظراً للتخوف من امتداد حركة الاحتجاجات إلى مدينة حلب التي تعتبر مركز الثقل الاقتصادي؛ فقد سارع النظام إلى شن حملة اعتقالات كبيرة في صفوف المواطنين، واتخذ إجراءات تهدف إلى عزل المدينة من خلال تكثيف التواجد الأمني فيها، وإرسال تعزيزات عسكرية ترابط في تخومها، وقطع خدمة الإنترنت لفترة طويلة عن المدينة وضواحيها.

وتمثل فئة الشباب عنصر التغيير الأكثر حيوية وامتداداً، إذ إنها تنبع من صميم المجتمع السوري، ولا يمكن للقمع أن يوقف هذا الحراك المجتمعي، خاصة وأن بنية المؤسسات الأمنية تعود في تكوينها وطريقة عملها إلى ستينيات القرن المنصرم، ولن ينجح النظام السوري في مواجهة قوى الإصلاح بهذه الأجهزة التي لا تعرف سوى سراديب الاعتقال وأدوات التعذيب.

 

2- المتغيرات التي طرأت على المؤسسة العسكرية:

إن لجوء النظام إلى استخدام القوة المفرطة مع المحتجين قد جلب إلى الذاكرة أحداث الثمانينيات من القرن الماضي عندما قامت بعض فرق الجيش بارتكاب أعمال قتل جماعي في كل من: جسر الشغور (مارس 1980)، وتدمر (يونيو 1980)، وحلب (يوليو-أغسطس 1980)، ودمشق (أغسطس 1980)، وأخيراً مدينة حماة في شهر فبراير 1982، والتي واجهت حملة عسكرية شاملة أسفرت عن مقتل حوالي 30 ألف نسمة أغلبهم من المدنيين.

وهناك تشابه كبير بين المتهم الرئيس في تلك الأحداث: رفعت الأسد، وبين ابن أخيه ماهر الأسد، فقد كانت معالجة ماهر لأحداث درعا شبيهة بمعالجة رفعت لأحداث مدينة حماة، وقد انتقد الباحث في شؤون الأمن القومي في الكلية الحربية التابعة للجيش الأمريكي أندرو تريل اعتماد بشار على أخيه ماهر الذي وصفه بأنه: "متقلب المزاج ومفرط في العنف".

وعلى الرغم من التشابه الكبير بين ماهر وعمه؛ إلا أنه من الصعب تكرار تجربة الثمانينيات، فقد نقلت المصادر عن أحد ضباط الجيش السوري قوله: "تختلف الأوضاع في سوريا عام 2011 عما كانت عليه عام 1982، فهناك مئات الآلاف من الجنود الذين لم يشهدوا سوى الفساد، واستغلال المناصب من قبل قادتهم، وسيكون من الخطورة لبشار أن يمارس اللعبة نفسها"، وذلك في إشارة إلى المتغيرات الكبيرة التي طرأت على بنية الجيش السوري منذ عام 2004، ومن أبرزها ضعف النزعة العشائرية في ضباط الصف الثاني من قادة الفرق والألوية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة السنة بين قادة الكتائب من 35 بالمائة إلى 65 بالمائة في غضون خمسة أعوام، وارتفاع نسبتهم في التشكيلات القيادية التابعة للقيادة العامة من 38 بالمائة إلى 54 بالمائة في الفترة نفسها، ويُعزى ذلك التغير إلى تحسن أحوال أبناء طائفة الرئيس وعزوفهم عن الالتحاق بالكليات العسكرية من جهة، ونتيجة للتوسع الأفقي للجيش وزيادة عدد التشكيلات العسكرية الوسطى على مستوى لواء وكتيبة بنسبة 150 بالمائة من جهة أخرى.

وقد تنبهت مصادر الاستخبارات الإسرائيلية إلى خطورة هذه التغييرات على توازن النظام السوري، حيث نبهت تقاريرهم الأمنية الصادرة منذ أيام قلائل إلى ضرورة إقصاء فرق الجيش النظامي عن بؤر التوتر لأنه لا يمكن ضمان ولائها للنظام في حالة المواجهة مع الشعب، ففي الوقت الذي يمكن المحافظة على ولاء فرق النخبة المرابطة في درعا، إلا أنه ليس من الحكمة توريط الفرق الأخرى في عمليات قمع واسعة النطاق في كل من حماة وحمص ومدن الساحل السوري، وإدراكاً لذلك فإن النظام قد قام بتعزيز تواجد فرق النخبة (الحرس الجمهوري، الفرقة المدرعة الثالثة، الفرقة المدرعة الرابعة، سرايا الصراع، القوات الخاصة) في مدينة دمشق وضواحيها، بينما لم تشهد المدن الشمالية تدخلاً فعلياً للجيش في قمع الاحتجاجات كما حصل في درعا وريف دمشق، وقد أكد خبير عسكري غربي أن: "الجيش السوري سينقسم إذا جرت محاولة تكرار مذبحة حماة"، وسربت إحدى الصحف العربية في الأيام الماضية معلومات عن وجود: "ضباط مستعدين للمساهمة بدور فاعل في الإطاحة بنظام الأسد متى طُلب منهم ذلك".

 

ثانياً: العوامل الخارجية

هناك مشكلة كبيرة بين النظام السوري ومصطلح "الخارج"، الذي يأتي في الغالب مترادفاً مع مصطلح "المؤامرة"، ويمثل كابوساً لرئيس الجمهورية ونوابه ومستشاريه وأعضاء حكومته.

ونتيجة لذلك الخوف؛ فإن نظام الحكم قد دأب على تسخير إمكاناته للحد من تواصل الشعب مع الخارج، عبر تقييد حركة السفر، ومراقبة وسائل الاتصال، وتوجيه النقد لوسائل الإعلام الخارجية التي تقدم طرحاً مغايراً للإعلام الرسمي.

وعلى الصعيد نفسه فإن أي مبادرة سياسية معارضة لا بد وأن توسم بالتواطؤ مع الخارج، ومنها حركة ما سمي: "ربيع دمشق" (2001)، التي تعرضت لهجوم رئيس الجمهورية، ووزيري الدفاع والإعلام آنذاك، الذين وسموا القائمين على الحركة من فنانين ومثقفين بالعمالة وتلقي الأموال من جهات خارجية.

والحقيقة هي أن الدول العربية والغربية لا تمثل تهديداً فعلياً للنظام السوري في الوقت الحالي، فقد أشارت صحيفة "لوموند" إلى أن الأسد لا يخاف من الضغوط الخارجية، فالمجتمع الدولي مشغول بالحملة العسكرية على ليبيا، وتدهور الأوضاع في اليمن، في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة الإسرائيلية عن رغبتها في استمرار حكم بشار الأسد لأنه لا يشكل أي خطر عليها، كما أن موقف الإدارة الأمريكية لا يزال مقتصراً على التنديد الشفهي بقمع المحتجين.

 

ويأتي التهديد الحقيقي للنظام السوري من الخارج عبر مصدرين أساسيين هما:

1- أخطاء السياسة الخارجية:

تبلغ حساسية النظام تجاه "الخارج" إلى درجة توجيه أجهزة الأمن لمراقبة المعارضين في الخارج وتصفيتهم، فإدارة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية تنقسم إلى ثلاثة أقسام، يختص واحد منها بالأمن الداخلي، وقسمان للاستخبارات الخارجية وفرع فلسطين، وعلى الصعيد نفسه تتولى شعبة المخابرات العسكرية مهمة مراقبة المعارضين في الخارج، وتنسيق عمليات الاستخبارات خارج القطر السوري، في حين تُعتبر إدارة المخابرات الجوية اليد الضاربة لأجهزة الأمن خارج البلاد، إذ يتواجد عناصرها في السفارات السورية وفي مكاتب خطوط الطيران السوري.

وقد وُجهت أصابع الاتهام إلى أجهزة الأمن السورية في تصفية عدد من المعارضين في الخارج، منهم على سبيل المثال لا الحصر: اللواء محمد عمران (أبريل 1972)، وكمال جنبلاط (مارس 1977)، وصلاح الدين البيطار (يوليو 1980)، ورياض طه (يوليو 1980)، وسليم اللوزي (مارس 1980)، وموسى شعيب (يوليو 1980)، والزعيم البعثي علي الزين (يوليو 1980)، وعبد الوهاب البكري في عمان (يوليو 1980)، والسيدة بنان الطنطاوي التي قتلت في محاولة اغتيال زوجها عصام العطار في ألمانيا (مارس 1981)، ونزار الصباغ في الذي اغتيل في إسبانيا (نوفمبر 1981)، والعميد سعد صايل في البقاع (سبتمبر 1982)، كما اختطف المحامي السوري في قبرص نعمان قواف واقتيد إلى دمشق في فبراير 1982، وتعرض مبنى مجلة الوطن العربي للتفجير في باريس في شهر أبريل 1982. واغتيل الصحفي ميشيل النمري في أثينا في سبتمبر 1985، وقتل مفتي لبنان الشيخ حسن خالد عام 1989، كما توجهت أصابع الاتهام إلى أجهزة الأمن في سلسلة اغتيالات التي أودت بحياة مجموعة من المعارضين للنظام السوري في لبنان عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005.

وبالإضافة إلى خشية النظام من ردود الأفعال تجاه جرائم أجهزته الأمنية في أوروبا والدول العربية، فإن عنصر التوتر يتضاعف بسبب النكسات التي تعرضت لها السياسة الخارجية السورية في الفترة: (2000-2011)، إذ إن بشاراً لم يوفق في إدارة الملفات الخارجية التي كان يديرها والده بدهاء، ابتداء من فقدان السيطرة على القضية الفلسطينية عقب اتفاق أوسلو، ونشاط المعارضة الكردية بعد تسليم أوجلان، والتوتر مع الحدود العراقية إثر الغزو الأمريكي، وإرغام القوات السورية على مغادرة لبنان بعد مقتل الحريري، وتعميق عزلة سوريا عن محيطها العربي نتيجة الإمعان في دعم مشروع التوسع الفارسي.

وانعكس سوء إدارة بشار للملفات الخارجية على بنية نظامه، إذ إنها تسببت في انشقاق نائبه عبد الخليم خدام، ومقتل وزير داخليته اللواء غازي كنعان، واغتيال مجموعة من ضباط الأمن بدمشق، وفي هذه الأثناء كان أهالي المفقودين اللبنانيين في سوريا (يقدر عددهم بحوالي 730 مفقوداً) يعتصمون أمام مقر الأمم المتحدة ببيروت، ويشنون حملة إعلامية تطالب بلجنة تحقيق دولية للكشف عن مصير ذويهم، وعلى شاكلتهم قرر أهالي المعتقلين الأردنيين في سوريا (يقدر عددهم بأكثر من 230 معتقلاً) عام 2008 رفع دعوة قضائية ضد النظام السوري أمام المحكمة الجنائية في بلجيكا، كما أدى اعتقال السلطات السورية للصحفي الفلسطيني مهيب النواتي في 18 يناير 2011، إلى إعادة فتح ملف المفقودين الفلسطينيين في السجون السورية، حيث طالب رئيس جهاز الاستخبارات الفلسطينية الأسبق اللواء توفيق طيراوي بالكشف عن مصير نحو ألفي فلسطيني مفقود في السجون السورية.

ويبدو أن ساعة الحساب قد أزفت بالنسبة للنظام السوري الذي يواجه مجموعة قضايا تتعلق بجرائم ضد الإنسانية، من أبرزها نية المعارضة الليبية مقاضاة النظام السوري في المحاكم الدولية بسبب دعمه للنظام الليبي، ففي 15 مارس 2011 اقتحمت مجموعة من المعارضين الليبين مقر السفارة السورية بباريس، مطالبين السلطات السورية بوقف: "دعم إبادة الشعب الليبي وتحميل دمشق كافة المسؤوليات والتبعات القانونية الدولية الناجمة عن ذلك". ولا شك بأن أعمال القتل الجماعي الموثقة في درعا وفي سائر المدن السورية، سيكون لها تبعات قضائية على أقطاب النظام حتى بعد خروجهم من السلطة.

 

2- توتر علاقة النظام مع المغتربين السوريين:

لا تتوقف مشكلة النظام مع "الخارج" عند جرائم أجهزته الأمنية وأخطاء سياسته الخارجية، بل تمثل زيادة أعداد المغتربين السوريين وتضاعف فرص تأثيرهم على الوضع الداخلي الخطر الأكبر بالنسبة للحكم؛ ففي الوقت الذي يبلغ فيه عدد سكان سوريا 22.5 مليون نسمة، قدرت بثينة شعبان عام 2007 (وكانت وزيرة شؤون المغتربين آنذاك) عدد المغتربين السوريين بأكثر من 15 مليون نسمة، في حين ترفع بعض المصادر تقديراتهم إلى أكثر من 18 مليون مغترب، ينتشرون في أمريكا اللاتينية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا (500 ألف)، وفي أستراليا (300 ألف)، وفي أوروبا ودول الخليج العربي حيث لا تتوفر أرقام دقيقة لأعدادهم، إلا أن السفارة السورية في أبو ظبي أكدت وجود 140 ألف سوري في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وتكمن المشكلة في أن هذا العدد الضخم من المواطنين قد استنشقوا هواء الحرية، وأنفوا حياة الانغلاق والكبت، وهم يمثلون نخبة المجتمع السوري من أطباء وتجار وأكاديميين ومثقفين لم يتمكنوا من تحقيق الحياة الكريمة في وطنهم فلجأوا إلى "الخارج"، وبناء على ذلك فإن النظام يتعامل معهم بخوف وارتياب، حيث يوظف أجهزة الاستخبارات لمراقبتهم وكتابة التقارير الدورية عن أنشطتهم، وتستخدم السفارات السورية خدماتها القنصلية كوسيلة للضغط عليهم، حيث تمتنع عن إجراء معاملاتهم دون موافقات أمنية، وترفض منح المعارضين منهم جوازات السفر.

ونتيجة لهذا التعامل العدائي غير المبرر، فقد أصبح تغيير النظام أولوية عند ملايين المغتربين السوريين الذين حُرموا من أوطانهم عقوداً بسبب التضييق الأمني والاقتصادي، ولا يمكن تجاهل الإمكانات المتوفرة للمغتربين السوريين في دعم جهود تغيير النظام بالوسائل السلمية غير المتاحة لمواطنيهم في الداخل.

 

رهانات النظام السوري

تنخر عوامل التعرية (الداخلية والخارجية) في بينة النظام السوري، ولكنها لا تزال غير كفيلة بإسقاطه في المنظور القريب، إذ يراهن القصر الجمهوري على ماتبقى لديه من أوراق قليلة تساعده على الاستمرار في السلطة، ومن أبرزها:

1- اللجوء إلى أسلوب القمع، والعقاب الجماعي، وهو الأسلوب الذي اتبعه الأخوان: حافظ ورفعت الأسد ضد المدن السورية المتمردة في ثمانينيات القرن العشرين، إذ تؤكد المصادر المقربة من حافظ أنه أراد أن يجعل من مدينة حماة عبرة لأي فئة تفكر في معارضته، ويبدو أن الأخوان: بشار وماهر قد قررا أن يجعلا من درعا عبرة للمدن السورية الأخرى، حيث تتعرض المدينة ومحيطها لعملية قمع منظم، وتعجز المنظمات الحقوقية وأجهزة الإعلام عن إحصاء عدد القتلى والجرحى والمعتقلين.

2- تقديم حزمة إصلاحات شكلية تضمن بقاء النظام والمؤسسات الأمنية، ومن ذلك تعيين وزير الزراعة البعثي في منصب رئيس الوزراء مما يرسخ حكم الحزب الواحد، وإنهاء حالة الطوارئ مقابل استحداث قانون الإرهاب، وتشكيل اللجان التي تخفف الضغط الإعلامي، وتوفر الغطاء اللازم لإنجاز الخطة الأمنية والقضاء على المحتجين.

3- إثارة الفتن بين أبناء المجتمع، وذلك عبر اللجوء إلى قتل المواطنين العزل، واستهداف بعض أفراد الجيش والشرطة، ودعم العصابات الأمنية التي تهاجم السكان بلباس مدني، ومن ثم اتهام المحتجين باستهداف أمن الوطن تمهيداً لتجريمهم وتبرير عملية القضاء عليهم، وقد سبق للنظام السوري اتباع هذه الأساليب في مواجهة معارضيه.

4- استخدام ورقة التأزيم الإقليمي عبر تحريك الفصائل الموالية في الخارج لتأجيج الأوضاع في كل من لبنان والأراضي الفلسطينية، وتوتير الأوضاع الأمنية في المناطق الحدودية مع العراق، وذلك لصرف الرأي العام عن أعمال القمع المحلي من جهة، والتذكير بأهمية دور النظام في المنطقة وامتلاكه أوراق التصعيد والتهدئة من جهة أخرى. ربما يصمد النظام أمام هذه العوامل، وقد تنجح حيله في تجنب السقوط لبعض الوقت. إلا أنه لا بد من التذكير بأن الحكم الشمولي يحمل في بنيته عوامل سقوطه، فالنظام الفردي يقوم على الحزب الواحد والمرشح الأوحد للرئاسة، ولا يقبل الثنائية ولا التعددية، ونتيجة لذلك فإن أكبر تهديد واجهه حافظ الأسد خلال فترة حكمه تمثل في محاولة انقلاب شقيقه رفعت عليه عام 1984، ويبدو أن التجربة نفسها ستتكرر اليوم؛ إذ يصر بشار على الإمساك بأزمة السلطة لكنه يعجز عن إدارتها، مما يفتح مجال تعددية الأقطاب، وهو أمر لا يحتمله النظام.

يرى ابن خلدون أن أعمار الدول تتحدد في لحظة التأسيس، ويمكن قياسها بقوة الدفعة الأولى، ووفقاً لهذه النظرية فإن النظام الجمهوري-الوراثي الذي ولد في غضون نصف ساعة بمجلس الشعب عام 2000، يجمع في طياته مجموعة تناقضات لا تسمح له بالاستمرار.

والحقيقة هي أن مؤسسات الدولة آنذاك قد أنتجت سقطاً لا روح فيه، لأن فترة حكم العقد الماضي من عهد بشار كانت تسير بقوة دفع نظام والده الذي قام بالدرجة الأولى على الخوف.

============================

عن أي انقسام في سورية يتحدث أردوغان؟!

نوال السباعي – مدريد

الشرق القطرية 4/5/2011

تمضي ثورة الجماهير في المنطقة العربية لاسترداد كرامتها وحريتها من أيدي عصابات القتلة والسرّاق الذين اختطفوا حياة الناس فحرموهم حقوق المواطنة ، وسلخوا منهم الشعور بإنسانيتهم ، عصابات أسرية نشأت بمساعدة ودعم الغرب ، الذي تواطأ معها ، ورفدها بدعمه وصمته عنها ، وجاء اليوم يريد القفز إلى قطار الثورة الذي سيغير في المنطقة الكثير من الأشياء ، ولأول مرة ، دون إذن من هذا الغرب!.

ثلاثة مكتسبات مصيرية حققها الغرب من خلال هذه الأنظمة ، أولها الاستئثار بالمليارات المنهوبة ، كُدِست في مصارفه يستثمرها كيفما شاء ، بينما تركت الشعوب جائعة إلى أبسط احتياجاتها الإنسانية ، تتسول المنح والعطايا بشروط تقصم ظهور الأمم!، وثانيها ضمان تركيع هذه الشعوب وإخراجها من ساحات الفعل العالمية ، بإلغاء إرادتها وصوتها ، واعتبارها قطعانا من العبيد ، على مثال مقاطعات أوربة المتوحشة في القرون الوسطى! ، وثالثها استثمار صيغة التقسيم السايكس بيكوتية ، التي ضمنت بوجود هذه الأنظمة ، استمرار "إسرائيل" حائط الصدّ الغربي الرئيسي لانتفاض المارد الإنساني في هذه المنطقة الحيوية.

حديث أردوغان عن سورية ، وعن أن بلاده لن تقبل بتقسيم سورية ، قد يبدو في غير محله ، لولا أن القضية على درجة من الخطورة التي يجب أن تؤخذ على محمل الجدّ القاطع ، لكن أردوغان لايتحدث عن تقسيم سورية بين طوائف ، إحداها تشكل 85% من التركيبة السكانية المعقدة لجغرافية سورية الإنسانية ، ولكن الحديث يشمل تركيا نفسها ، التي يشكل فيها الأكراد مايقارب ال33% ، والعلويون 10% ، من سكانها الذين يفوق تعدادهم ال80 مليون نسمة! .

تحذير أردوغان للحكومة السورية، يعني به التحذير من مغبة دفع الحكومة السورية باتجاه الفتن ، والتنبيه إلى مخاطر إعادة تقسيم المنطقة كلها على أسس الانتمآت الدينية والعرقية ، وهو قضية مصيرية لاتحدث إلا بعد حروب عالمية مزلزلة! ، الأمر الذي أخذه الشعب السوري مأخذ الجدّ منذ البداية ، وهو يقوم بانتفاضته هذه في وجه القمع الوحشي الذي مافتيء يعانيه السوريون منذ أربعين عاما.

شعارات الثورة -وقد وصلت سورية -، ركزت على أن الشعب السوري واحد، بما في ذلك أبناء القومية الكردية ، الذين كان لهم موقف تاريخي مشرف من هذه الانتفاضة ، لاطائفية ، ولاقومية ، شعارات تُنْبيء بحسٍ وطنيٍ متقدم جداً ، و وعي دقيق بملابسات الوضع السوري بخصوصيته الجغرافية ، وليس الطائفية.

 لم يعرف التاريخ ولا السياسة اعتباراً للأغلبية الساحقة على أنها طائفة !!، وليس من المنطق أن تطالب الأقليات بالسيطرة الكاملة على البلاد أو بالانفصال ، وإلا لوجد العالم نفسه أمام سلسلة من الانشطارات الفسيفسائية التي تعود بالعالم الحديث إلى العصر القبلي! .

كتب الشاعر السوري "أدونيس" يقول : الخلاص في سورية يكون بإنهاء سلطة الحزب الواحد! ، لعل أدونيس "المطلع" ، يعرف قطعاً أن "حزب البعث" لم يكن إلا مطية في كل من العراق وسورية لفرض النظرات القومية والطائفية بقوة البطش، على كلا الشعبين العراقي والسوري ، في العراق مُزِقَ الشيعة والأكراد ، وسُحلوا وتمت معالجتهم بالمواد الكيميائية المحرمة باسم القومية العربية والأكثرية السنية ، وقد اختَطف باسمهما مجرمٌ وعائلته العراق وشعبه لمصالحهم الشخصية ، وانتهوا في سلة قمامة التاريخ ، وفي سورية تمت واحدة من أكبر عمليات تغييب الشعوب التي شهدها العالم ، باسم الاشتراكية والقومية العربية والقضية الفلسطينية ، والتي باسمها ارتُكبت الفظائع في سورية..ومازالت .. ولم يتعلم "شبيحة" سورية كل الدروس التي تلقنها الشعوب في الجوار لشبيحتها!.

تركيا تفهم تماما أبعاد السلوك الهمجي لقوى الأمن السورية ، الرامية لإثارة الفتن الطائفية والقومية ، التي تتهدد التركيبة الجغرافية- السياسية لمنطقة الشرق الأوسط ، وقد خرج أحد أبواق النظام يهدد في الفضائيات بإشعال المنطقة من الجولان إلى البحرين!! ، لكن الشعب السوري بكل انتماآته ، وبإصراره على السلوك السلمي الحضاري الاستثنائي ، أسقط بيد جلاديه ، فافتُضِحوا أمام الرأي العام العربي والعالمي، وبيَدِ الشعب السوري اليوم ، تقرير مصير مايسمى منطقة الشرق الأوسط ، سياسيا وإنسانيا وجغرافيا .

 بين عموم مطالب الثورة الإنسانية في المنطقة ، وخصوصية الحالة السورية في فسيفسائها العرقية والدينية، يبقى القرار بيد الشعب ، حيث ماكان لهذا القرار أن يخرج من يده أبدا.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ