ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
بضاعة النظام السوري
التي لا تجد من يشتريها ... خيرالله خيرالله الرأي العام 14-5-2011 في ضوء ما تشهده سورية من أحداث ذات طابع
تاريخي، يبدو البلد وكأنه دخل مرحلة
جديدة لا علاقة لها بالماضي. تغيّر شيء
ما في سورية، بقي الرئيس بشّار الأسد
في السلطة أم اضطر إلى التخلي عن
الرئاسة، لا فارق. يتبين كل يوم أن
النظام القائم لا يمتلك مشروعاً
سياسياً أو اقتصادياً أو حضارياً
واضحاً يقدمه للناس. ولذلك، من الخطأ
الكلام عن إصلاحات وما شابه ذلك. كل ما
في الأمر أن النظام، الذي لا يمكن
إصلاحه، يمرّ في أزمة عميقة عمرها
أعوام مديدة كان لا بدّ من أن تتكشف
يوماً. وها أنها تكشفت. مارس النظام
لعبة التذاكي طويلاً. هذه لعبة مفيدة،
إذا وجد من يتقنها شرط توافر ظروف
معينة. تستطيع هذه اللعبة أن تخدم أي
نظام لفترة ما. ولكن في نهاية الأمر،
هناك استحقاقات لا يمكن الهرب منها.
الأهم من ذلك كلّه، أنه لا يمكن لدولة
ذات مؤسسات متخلفة على كل الصعد
واقتصاد هزيل تغطية عجزها عن طريق
اتباع سياسة تقوم على بيع الأمن
للآخرين. ستجد هذه الدولة أن هناك من هو
على استعداد لشراء هذه السلعة مرة
ومرتين وثلاث وربما مئة مرة... إلى أن
تكتشف أن توفير الأمن للآخرين بضاعة
كاسدة وأن هذه التجارة ستعود في المدى
الطويل بالخسارة على من يمارسها، بل
سترتد عليه عاجلاً أم آجلاً. وهذا ما
حصل بالفعل مع النظام السوري. تكمن مشكلة النظام السوري في العام 2011 في
أنه لم يعد يجد من يشتري منه بضاعته.
نسي أن المنطقة كلها تغيّرت منذ
الاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003.
سقط النظام السوري عملياً مع سقوط
النظام العائلي- «البعثي» الذي أقامه
صدّام حسين. كان عليه أن يغيّر نوع
البضاعة التي يبيعها. لم يستطع ذلك. بقي
أسير الشعارات التي رفعها والمفاهيم
الخاطئة التي اعتمدها، على رأسها
الاعتقاد أن لبنان بلد «هش» وأن في
الإمكان التحكم به انطلاقاً من دمشق.
إلى الآن، لم يستوعب النظام السوري
معنى خروجه عسكرياً من لبنان في العام
2005 واضطراره إلى الاعتماد على ميليشيا
إيرانية اسمها «حزب الله» لتأكيد أنه
لا يزال يسيطر على الوطن الصغير ذي
الصيغة الفريدة من نوعها بحسناتها
الكثيرة وسيئاتها التي قد تكون أكثر من
حسناتها. لكنها في النهاية صيغة صلبة
مكنت البلد من الصمود والتماسك طوال ما
يزيد على أربعين عاماً، منذ توقيع
اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969. لم
يكن من هدف لذلك الاتفاق الذي ضغطت
سورية مع آخرين من أجل فرضه على لبنان
سوى تفتيت الجمهورية اللبنانية
والقضاء عليها عن طريق إغراق أراضيها
بالسلاح غير الشرعي بدءا بإقامة ما
يسمّى جزيرة أمنية اسمها «فتح لاند» في
جنوب لبنان. في السبعينات والثمانينات من القرن
الماضي، وجد النظام السوري دوراً
مهماً له يتمثل في إيجاد توازن بين
البعثين السوري والعراقي. لقي دعماً
دولياً وعربياً، خصوصاً أنه كان
مطلوباً وقتذاك إيجاد من يضع حداً
لتهور صدّام حسين الذي تفوق عليه
الرئيس الراحل حافظ الأسد في استيعاب
المعادلات الإقليمية والدولية
وموازينها الدقيقة. أكثر من ذلك، أكد
الاسد الأب بالملموس بعدما أغلق جبهة
الجولان منذ العام 1974 أنه يحترم أي
اتفاق يتوصل إليه مع أي طرف دولي أو
إقليمي عندما يتعلق الأمر بسورية. وعرف
خصوصاً تسويق وجوده العسكري في لبنان،
بالتفاهم مع الإدارة الأميركية، من
منطلق قدرته على السيطرة على مسلحي «منظمة
التحرير الفلسطينية»، حتى العام 1982،
ومنع «حزب الله» الذي حل مكان «منظمة
التحرير الفلسطينية» ابتداء من العام
1983 من التمادي في خطف الأجانب وتدمير
ما بقي من مؤسسات الدولة اللبنانية. هل
صدفة أن خطف الأجانب توقف مع عودة
الجيش السوري تدريجاً إلى بيروت في
أواخر العام 1986 وبداية العام 1987 بضوء
أخضر أميركي؟ استطاع حافظ الأسد تجاوز مرحلة ما بعد
انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع
التسعينات من القرن الماضي عن طريق
الانضمام إلى التحالف الدولي الذي
شارك في تحرير الكويت. استفاد في الوقت
ذاته من غباء شخص اسمه ميشال عون، لا
يعرف شيئاً من ألف باء السياسة
والعسكرية، ليسيطر على قصر بعبدا، أي
قصر الرئاسة في لبنان. فرض إلياس
الهراوي رئيساً للجمهورية بعد التخلص
من رينيه معوض، الرئيس الشهيد الذي رفض
أن يكون مجرد أداة طيعة للنظام السوري.
فرض في 1998 على اللبنانيين شخصاً اسمه
اميل لحود بعدما تحول بشّار الأسد
ابتداء من مرحلة معينة إلى شريك في صنع
السياسة العليا لسورية. لم يدرك اميل
لحّود يوماً أن السياسة شيء والحقد على
مشروع الانماء والإعمار الذي كان يقف
خلفه الرئيس الشهيد رفيق الحريري شيء
آخر. في العام 2011، لم يستوعب بشّار الأسد أنه
كان عليه أن يتغيّر منذ العام 2003 وأن
قواعد اللعبة الإقليمية صارت مختلفة
كلياً منذ سقوط النظام العائلي- «البعثي»
الآخر في العراق. لم يستوعب أن الشعب
السوري ليس بالغباء الذي يعتقده وأنه
دخل مرحلة لم تعد لديه بضاعة يبيعها لا
للعرب ولا لغير العرب بدليل أنه اضطر
إلى الانسحاب عسكرياً من لبنان نتيجة
اغتيال رفيق الحريري وأنه لم يجد
أخيراً من يشتري منه ورقة تشكيل أكثرية
نيابة جديدة في لبنان أسقطت حكومة سعد
الحريري معتمدة على السلاح الإيراني
الذي في يد «حزب الله» وهو سلاح مذهبي
أوّلاً وأخيراً. في العام 2011، لا يستطيع النظام السوري
تجاوز أزمته مع السوريين قبل أي شيء
آخر. أنها العودة إلى المربع الأوّل.
هناك شعب يؤمن بثقافة الحياة وليس
بثقافة المقاومة أو الممانعة التي
ليست سوى تعبير آخر عن ثقافة الموت.
أثبت السوريون، على الرغم من كل الظلم
والقهر اللذين تعرضوا لهما، انهم
متعلقون بسورية وبالحرية والكرامة
وأنهم يفرقون بين النظام من جهة ووطنهم
الغالي من جهة أخرى وأنهم لا يصدقون
اولئك المتملقين اللبنانيين الذين
يخلطون الآن بين سورية وبين النظام. كل ما فعله هؤلاء اللبنانيون، الذين
يكسبون لقمة عيشهم من لعب دور الأداة،
حتى لا نقول من عرق ركابهم، هو خداع
النظام السوري بأن هناك أكثرية في
لبنان تقف معه. انها كذبة كبيرة لا
تشبهها سوى كذبة أن هناك في سورية،
باستثناء قلة قليلة من المرتزقة
والمنتفعين، أكثرية ساحقة تقف مع
النظام وتؤيده... هل يمكن أن يعبد
المواطن السوري جلاده ومن لا همّ له
سوى استعباده وقهره وتفقيره وتجهيله...
أو استغبائه، في أحسن الأحوال؟ كاتب لبناني مقيم في لندن =============== صورة الأسد والصدمة
السورية المطلوبة؟ سامي كليب السفير 14-5-2011 إذا استمرت الأوضاع في سوريا على ما هي
عليه حالياً، فان الرئيس الأميركي
باراك أوباما ومعه قادة أوروبيون
سيرفعون مستوى العقوبات على النظام
السوري ويستهدفون في عقوباتهم هذه
لاحقاً الرئيس بشار الأسد، ولذلك فإن
القيادة السورية بحاجة إلى اجتراح «صدمة
نفسية ايجابية كبيرة» عبر الإصلاحات
أو غيرها، شرط أن تأتي هذه الصدمة في
خلال فترة قريبة جداً. الحركة في الكونغرس الأميركي حثيثة ضد
سوريا، ويقودها عدد من المعروفين
بتأييدهم الكبير لإسرائيل على غرار
رئيسة لجنة العلاقات الخارجية اليانا
روس - ليتنين التي طالبت مراراً أوباما
بوقف الضغط على إسرائيل بشأن
المستوطنات، والنائب أليوت انغل احد
واضعي قانون محاسبة سوريا عام 2003 والذي
«ناضل» طويلاً لاحتلال العراق،
والسناتور المستقل جو ليبرمان المعروف
بدعمه المطلق لإسرائيل، والسناتور
الجمهوري ماركو روبيو المشهور
بعباراته المؤيدة للحكومة
الإسرائيلية ومنها مثلا «إن الحفاظ
على الحلفاء يبدأ أولاً وأخيراً
بالحفاظ على العلاقة الخاصة مع
إسرائيل وتعزيزها لأن إسرائيل صديقتنا
المفضلة والأكثر جدارة بين أصدقائنا
في الشرق الأوسط». ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس
الشيوخ الأميركي جون كيري، الذي كان قد
التقى الأسد 6 مرات سابقاً لتحسين
العلاقات بين البلدين ولدفع دمشق
للتفاوض مع إسرائيل، انضم إلى قافلة
الشاجبين للنظام السوري. وقال لمجلة «فورين
بوليسي» إن «الأسد لم يعد إصلاحياً
وانه راغب فقط بتخليد نظامه وان فرصته
ضاعت وانتهى الأمر». وثمة مشاريع أو مسودات مشاريع في
الكونغرس الأميركي وغيره يجري العمل
على تمريرها بغية رفع مستوى الضغوط على
الرئيس السوري واعتباره لاحقاً فاقداً
للشرعية. وهناك من يتحدث عن خطوات أخرى
بغية تشكيل مجلس موحد للمعارضة
السورية في الخارج أو حتى حكومة منفى،
ويقال إن «المرشح الجمهوري السابق جون
ماكين ليس بعيداً عن هذه الأجواء». نادرا ما استطاع رئيس أميركي القفز فوق
ضغوط اللوبي المقرب من إسرائيل في
الكونغرس، خصوصاً حين يتعلق الأمر
بالشرق الأوسط، وهناك ضغوط كبيرة
تمارس الآن على باراك أوباما للإدلاء
ببيان رئاسي للضغط على الأسد، لكن ثمة
رأياً آخر في الإدارة الأميركية لا
يزال يؤكد ضرورة عدم التسرع، لأن حشر
النظام السوري قد يأتي بنتائج معاكسة
تماماً في الداخل السوري وفي الملفات
الساخنة في المنطقة . من غير المستبعَد أن تكون زيارة رئيس
الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
إلى أميركا بعد أيام حيث يلقي خطابه
أمام الكونغرس الأميركي بشأن العلاقة
مع الفلسطينيين، مناسبة لبحث عميق بين
أميركا وإسرائيل بشأن المستقبل
السوري، خصوصا ان البلدين لا يزالان
يطرحان كثيراً من الأسئلة حول هذا
المستقبل المقلق لهما في كل أحواله. والسؤال المطروح حالياً يدور حول مستوى «تناغم»
طروحات شيوخ الكونغرس الأميركي
المقربين من إسرائيل مع الإستراتيجية
الإسرائيلية الحالية بشأن سوريا
والمنطقة. فإذا كان الهدف المشترك هو
إرهاق النظام السوري، فهذا أمر، وإذا
كان يصل إلى حد العمل الجاد على إطاحة
هذا النظام فهذا أمر آخر وأكثر خطورة
وينبغي الإعداد له جيداً، لان النظام
السوري سيستخدم حينها كل أوراقه
السياسية والأمنية والعسكرية مع
حليفيه إيران و«حزب الله». صحيح أن اللغة الرسمية الأميركية
والأوروبية لم تصل بعد إلى حد المطالبة
برحيل الأسد أو رفع الشرعية عنه، الا
ان آلة الضغط على سوريا آخذة بالازدياد
مع دخول الاحداث في سوريا اسبوعها
الثامن، وهي على الأرجح ستتواصل بحدة
أكبر في الايام المقبلة. ولا يمكن فصل هذه الضغوط عن تلك التي
تمارسها تركيا بشدة هذه الايام على
دمشق. ويكفي أن يقرأ المرء تعليقات
الصحف السورية خلال اليومين الماضيين،
ليفهم ان العلاقات التركية السورية
تمر في فترة عصيبة جداً، وسط استمرار
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان
في تحميل مجمل المسؤولية تقريباً
للنظام السوري وتكذيبه للطروحات
السورية بشأن عدد القتلى والمخربين
والسلفيين وغيرهم. ولو عرّج التحليل على دول الخليج، فثمة من
يتحدث عن 3 خطوات لافتة، أولها تكثيف
الضغوط الخليجية على إيران، وثانيها
دعوة المغرب للانضمام إلى مجلس
التعاون الخليجي وقبول طلب الأردن
للانضمام أيضاً لهذا المجلس، وثالثها
ترشيح الكويت بدلاً من سوريا لاحتلال
مقعد في مجلس حقوق الإنسان في الأمم
المتحدة. لا يتردد بعض المحللين بوصف خطوة مجلس
التعاون الخليجي صوب المملكة المغربية
والأردن بأنها ترسم أولى معالم
المرحلة العالمية المقبلة في المنطقة،
خصوصاً أن دول المجلس مع الأردن
والمغرب تشكل دعائم ثقة لاؤلئك
الراغبين في إعادة رسم خريطة المنطقة
بناء على المصالح الجديدة للدول
الغربية بعد الثورات العربية. ثمة من
رأى في الأمر ما يشبه سايكس بيكو سياسي
واقتصادي وأمني جديد، وثمة من استعاد
وهم حلف بغداد وغيره. والقائلون بهذه الاحتمالات، تساءلوا
مثلا عن دور مصر في المنظومة الجديدة
وعن موقف دول الخليج من الإدارة
المصرية الجديدة، فهل القاهرة بدأت
تدفع سريعاً ثمن تصريحاتها حيال
اسرائيل وبشأن أسعار الغاز المصري الى
تل ابيب، وثمن احتكارها مصالحة حماس
وفتح، وثمن انفتاحها ولو الخجول على
إيران، ناهيك عن الدور المتعاظم
للإخوان المسلمين في الخريطة السياسية
المقبلة لمصر؟ ووسط الأسئلة الكثيرة حول مغازي الضغوط
الخليجية المتزايدة على إيران وسوريا،
سجلت منطقة الخليج زيارتين هامتين،
فوزير خارجية إيران علي اكبر صالحي
أجرى محادثات «دقيقة وحساسة» في دولة
الإمارات بعد زيارتين قام بهما إلى قطر
وسلطنة عمان، وزعيم التيار الصدري
مقتدى الصدر أجرى محادثات لافتة ومهمة
في الدوحة، وهو الذي كان قبل فترة
قصيرة هدّد بمعاودة العمل العسكري في
العراق لو تم إرجاء انسحاب الأميركيين
من الأراضي العراقية إلى ما بعد نهاية
العام الحالي. وجاءت الزيارتان في أعقاب زيارات عديدة
قام بها مسؤولون أميركيون إلى الخليج
بغية الدفع صوب رفع مستوى الضغوط على
إيران، ذلك أن الملف الإيراني يبقى
الهدف الأهم لكل من أميركا وإسرائيل في
المرحلة الحالية. وجاءت الزيارتان
أيضاً بعد الأسئلة الكثيرة المطروحة
من قبل سوريا و«حزب الله» وإيران حول
الدور القطري الجديد في المنطقة. ماذا يعني كل ذلك؟ يعني أن الاشتباك السوري الإيراني مع
الغرب يتجه إلى مزيد من التعقيد، وان
صورة الرئيس الأسد قد أصيبت بطلقات
كثيرة بسبب استمرار العملية العسكرية
في مناطق سورية مختلفة وسط حديث عن عدد
كبير من القتلى والجرحى والمعتقلين (إذا
ما اعتمدنا إحصاءات اردوغان)، ولعل
طلقة أخرى جاءت هذه المرة من حديث رامي
مخلوف (غير المفهوم بمضمونه وتوقيته)
لصحيفة «نيويورك تايمز» (وحسناً فعلت
دمشق بالقول انه لا يمثل وجهة النظر
الرسمية). وبما أن الاشتباك السوري الإيراني مع
الغرب يتفاقم، وان الأسد لم يبد حتى
الآن أية رغبة في التخفيف من متانة
الحلف الإيراني السوري، فإن النظام
السوري بات وربما أكثر من أي وقت مضى
بحاجة إلى مبادرة سياسية كبيرة تشكل
صدمة نفسية ايجابية في سياق تطبيق
الإصلاحات. صحيح أن الضغوط الدولية قد لا تؤذي النظام
السوري في مستقبل قريب، وان روسيا
والصين مستمرتان في رفضهما أي تخطٍ
دولي للخطوط الحمراء مع سوريا، ولكن
الصحيح أيضاً أن الوقت قد حان لكي
يبرهن الرئيس الأسد لشعبه أولاً
وللخارج ثانياً، بان الآلة الأمنية
التي حرّكها في الداخل هي موقتة فرضتها
ظروف أمنية داخلية، وان رغبته
بالإصلاح حقيقية ولا عودة عنها، وانه
راغب بالانفتاح على المعارضة وتوسيع
قاعدة المشاركة في السلطة. ولا شك في أن
الوقت لا يلعب كثيراً لمصلحة صورة
الرئيس، ولا بد من خطة سياسية وإعلامية
عاجلة توضح أن خطوات الإصلاح التي تم
الإعلان عنها تتجه نحو التطبيق الفعلي. =============== ميشيل كيلو السفير 14-5-2011 لن أتحدث عن حال الإعلام السوري هذه
الأيام، فهو ليس موضوعي في هذه المقالة.
سأكتفي بمثال منه هو مقالة نشرت في
الصحيفة الخاصة الدمشقية، تأخذ على
المعارضة عدم تحديد موقفها من
الأحداث، رغم أن السلطة مدت خيوطا إلى
أشخاص وأحزاب فيها، بقصد تلمس ممكنات
حوار وطني عام، كما يقول كاتب المقالة. ربما كان كاتب المقالة لا يملك معلومات
كافية عن الطريقة التي تعامل المتصلون
الرسميون من خلالها مع المعارضين
الذين التقوا بهم، سواء كأفراد أم في
التجمع الوطني الديموقراطي، لذلك أود
إعلامه بشيء منها، فهي لم تتجه إلى
المعارضة باعتبارها جهة واحدة، بل
عملت على التمييز بين مكوناتها، فهذا
شخصية وذاك تنظيم، وحاولت الدخول عبر
قنوات متنوعة متعددة إلى العلاقة
معهم، وأخفت ما قيل هنا، عن الذين تم
اللقاء معهم هناك، كما لم يتم إعلام
أحد من الذين تم الاتصال بهم بوجود
اتصالات مع غيره، ولولا لقاءات شخصية
بين المعارضين لبقيت الاتصالات مع
بعضهم مجهولة من بعضهم الآخر. بما أن
هذا دليل عدم جدية، فإن أول مطلب
لممثلي المعارضة كان «توحيد قناة
السلطة» التي تتصل بهم، والنظر إليهم
باعتبارهم «جهة واحدة» وليسوا جهات
مختلفة، وإن تباينت أسماء تنظيماتهم
أو كانوا من المستقلين، وإلا فإنهم
سيوقفون الاتصالات، ولن يستجيبوا لها
من جديد. حدث هذا، رغم أن ما سمعه
مندوبو السلطة كان واحدا، سواء من حيث
التحليل أو النظرة أو فيما يتعلق
بالبيئة التفاوضية الضرورية لنجاح
حوار وطني شامل. في هذه الأثناء،
تصاعدت الضغوط على المعارضين، وتم على
سبيل المثال اعتقال الأستاذ فايز
سارة، أحد أبرز المستقلين، بعد ساعتين
من طلب رقم هاتفه الجوال لإبلاغه
بالرغبة في التواصل والحوار معه، كما
اعتقل الأستاذ حسن عبد العظيم، أمين
حزب الاتحاد الاشتراكي الديموقراطي
والناطق باسم التجمع الوطني
الديموقراطي واحد أبرز قادة المعارضة
السورية، بعد ثلاثة اتصالات معه،
بتكليف من الجهات العليا، علما بأنه في
الثمانين من عمره، وبأن مرسوما رئاسيا
صدر قبل فترة يمنع إبقاء من بلغ عمرهم
سبعين عاما في السجن. المهم: نشر أحد الكتاب مقالة يعيب فيها
على المعارضة السورية عدم تحديد
موقفها، دون أن يورد أدلة تؤكد صحة ما
يقول. أنا من جهتي، لن أطيل في سرد
مواقف المعارضة منذ عام 2000 إلى اليوم،
وإن كنت أود تذكيره بأن من بيته من زجاج
لا يرجم الناس بالحجارة. لن أتوقف كذلك
طويلا أمام الأزمة الراهنة وسبل
معالجتها، وكيف تتناقض الأقوال مع
الأفعال حيالها، وكم وقع في الفترة
لأخيرة من تخبط في كل شأن وأمر. بدأت المعارضة نهجها الراهن عام 1976، فلم
تحد عنه قيد أنملة منذ ذلك التاريخ إلى
اليوم، رغم ما تعرضت له من صعوبات
ومطاردات وسجون. هذا النهج كان يقول
تكتيكيا بأولوية إسقاط النظام سبيلا
إلى حل مشكلات البلاد، لكنه عدّل بعد
عام 2000 وصار يقول بأولوية حلها
بالتعاون بين جميع أطياف السياسة
السورية، بما في ذلك السلطة والمعارضة
الديموقراطية، من أجل إخراج سوريا من
الأوضاع التي ترتبت على سياسات
النظام، على أن يتم ذلك في إطار توافقي
مختلف عن إطار الجبهة الوطنية
التقدمية، تحدد بمعونته المشكلات التي
يجب أن تحل، وسبل حلها، وآلياته، ومدته
الزمنية، في كل حالة، ضمن شراكة عمل
يقوم خلالها كل طرف بما يقدر عليه من
دور ومهام، على أن تحل مشكلة السلطة
تدريجيا، وفق مخطط إصلاحي انتقالي
متدرج وآمن، يقلص الانقسام القائم بين
الموالاة والمعارضة، ويمهد لعمل
السوريين كوطنيين يضعون أيديهم في
أيدي بعضهم لحماية وطنهم وإنجاز
التحول المنشود بأقل قدر من الخسائر...
في طريقهم إلى نظام حريات تعددي يحفظ
حقوق الجميع، ويطوي صفحة الماضي. هذا هو اليوم أيضا خط المعارضة، لمن يريد
أن يعرفه، علما بأنه تكرر الحديث عنه
آلاف المرات في السنوات العشر
الماضية، لكن بعض «خبراء السياسة
السورية لم يجدوا كما يبدو الوقت
الكافي لمتابعته أو لأخذ العلم
بوجوده، رغم استمراره إلى اليوم، ورغم
أن جميع من تحدثوا مؤخرا مع ممثلي
السلطة عبروا عنه وتبنوه، ولم يحيدوا
قيد أنملة عنه، لاقتناعهم أن الأحداث
أكدت صحته، وأن فيه علاجا لأوضاع
البلد، وأن السلطة يجب أن تقبله، إن
كانت تريد بالفعل تحولا آمنا ومتدرجا
إلى نظام جديد فيه خير الوطن والمواطن،
يقوم على المواطنة وحقوق الإنسان
والدولة المدنية وحكم القانون
والعدالة الاجتماعية والمساواة بين
المواطنين، ويرفض أي استبعاد من أي نوع
يطاول أي مكون من مكونات الجماعة
الوطنية السورية، وأي تمييز بين
المواطنين على أساس الدين أو المذهب أو
العرق أو المنبت الطبقي، ويرى في
الإنسان ذاتا حرة وجديرة بالحرية بغض
النظر عن تعييناتها، ويعتبر كل مواطن
إنسانا يتعرف بحريته دون غيرها، فمن
واجب الدولة حمايتها وتنميتها وجعلها
هدف نشاطها الرئيس، في جميع الظروف
والأحوال. أليس هذا الموقف مجددا ؟ إنه أكثر المواقف
تحديدا، بين المواقف التي عرفتها أية
معارضة عربية في العقد المنصرم، وهو
أكثر المواقف انفتاحا على الحوار
والنزعة السياسية السلمية، وأكثرها
قدرة على مساعدة السلطة على إحداث نقلة
حقيقية في أبنيتها السياسية
وممارساتها، إن صدقت نيتها وأقلعت عن
رؤية مجتمعها من خلال موازين قوى تقوم
على القوة، وفهمت أن العقد الاجتماعي
هو بالأصل والنتيجة عقد سياسي / مدني،
يستهدف إدارة تناقضات الدولة والمجتمع
بوسائل غير عنيفة، وإلا تحطمت الدولة
وتصدع المجتمع، وغدا العنف شريعة من لا
يجوز أن يكون شريعتهم، بالنظر إلى أن
مهمة الدولة تنمية حرية المواطن لا
القضاء عليها. بهذا الفهم، قالت
المعارضة خلال لقاءاتها مع بعض
المسؤولين إن السلام، والتعاطي السلمي
مع الشعب، ووقف الحل الأمني بالتالي،
هو بيئة أي حوار مطلوب، فهل هذا موقف
غير محدد بدوره ؟ أم أن العنف يجب أن
يقبل كوسيلة يتم بواسطتها التخلص من
مطالب وصفها المسؤولون بالمحقة، كي
يعتبر موقف المعارضة محددا ؟ ليس موقف المعارضة غير محدد. إنه محدد إلى
درجة جعلت منه نقطة فارقة في تاريخ
سورية الحديث، الذي تجاهل في الماضي
المسألة الديموقراطية، ثم بدأ يتركز
منذ نهاية السبعينيات حولها بفضل
المعارضة الحالية، التي قامت بانقلاب
طاول الفكر والسياسة في بلادنا
والعالم العربي، استبق ولاقى تيار
النهوض العام الحالي في وطننا العربي،
الذي حمله الشعب، وتشير الدلائل إلى
أنه ذاهب إلى انتصار مؤكد، ما دامت
شعوب أمتنا العربية تجتاز بتصميم
واقتدار عصر الاستبداد إلى عصر حرية
ومدنية بدأته في ثورة تونس، وخطت خطوة
هائلة على الطريق إليه في ثورة مصر،
وها هي تواصل سيرها نحوه كهدف تاريخي
جديد تنشده في بقية البلدان العربية :
بقدر عظيم من الألم والتضحية، ولكن
أيضا بإصرار وثبات لا سابق لهما في
ماضينا وحاضرنا كله! حددت المعارضة موقفها منذ زمن طويل. بقي
أن يحسم النظام أمره ويقتنع بأن بلادنا
بحاجة إلى تغيير عميق، وأن تقادمه صار
خطرا عليها. هل نأمل أن يتناول الكاتب
هذا الموضوع، الذي يهم معظم السوريين
دون شك، ولا بد أن يكون المسألة
المركزية لأي حوار وطني جاد، في هذا
الزمن المخيف. =============== علي حماده النهار 14-5-2011 حتى الخامس عشر من آذار 2011 كان الرئيس
الراحل حافظ الاسد لا يزال يحكم سوريا
من قبره. فالنظام الذي بناه على مدى
عقود طويلة من الحكم الامني والقبضة
الفولاذية استمر بعد وفاته مع ابنه
الرئيس الاسد. ورغم تبدل بعض الاسماء
البارزة او القديمة بأخرى شابة
وجديدة، فإن طبيعة النظام بقيت قائمة
من الناحية العملية، واضيفت اليها
طبقة من رجال الاعمال أمثال رامي مخلوف
وغيره من الذين زاوجوا بين السلطة
والمال الى أبعد الحدود. قبل الخامس عشر من آذار 2011 كان مضى على
وراثة الاسد الابن رئاسة سوريا عن
والده اكثر من أحد عشر عاما، ولم تتبدل
طبيعة النظام في أساسها: فلا الحكم
الامني البالغ القسوة تغير، ولا تراجع
عدد الاجهزة او تغيرت طبيعة عملها
لتخرج من حياة المواطن العادي. استمر
حكم السوريين بالخوف، وبتمنين الناس ب"إيجابية"
الاستقرار المجتزأة و الخارجة عن سياق
حياة وطنية طبيعية. لم ترفع حالة
الطوارئ، ولم تجر تعديلات حقيقية على
الصعيد الدستوري لتعديل بنود عفا
عليها الزمن وتعود الى حقبة
الستالينية مثل المادة الثامنة التي
تنص على ان حزب البعث هو الحزب القائد
للدولة والمجتمع. والحال ان الرئيس
الاسد اكتفى بأخذ الجانب الفولكلوري
والاعمالي من الحداثة التي أراد أن
يعكسها من خلال صغره في السن، بحيث انه
قدم نفسه رئيسا شابا وترك قضية الاصلاح
التي تحدث فيها مرارا على مدى العقد
الماضي مجرد كلام، ووصل به الامر في
مطلع السنة الحالية وفي معرض مقابلة
شهيرة في ال"وول ستريت جورنال"
الاميركية ان اعتبر ان بلاده تمثل
استثناء ولن تبلغها رياح الثورات
العربية، وان الاصلاح يحتاج الى أجيال
ليتحقق. والحق ان الاسد الابن قال هذا
الكلام ويقينه ان الامن أقوى من رياح
الثورات العربية، وأن حاجز الخوف لا
يمكن اسقاطه. ولكن الامور تبدلت بدءا
من الخامس عشر من آذار. واليوم مضت ثمانية أسابيع متتالية على
بدء حركة الاحتجاجات، وقد تحولت الى ما
يشبه الانتفاضة الشعبية السلمية، بل
انها بدأت تتخذ معالم الثورة على
النظام. فالقمع وقتل المئات في كل
المدن والقرى، والاعتقالات الجماعية
التي تذكرنا بحقبات الاسد الاب في
الثمانينات لم توهن عزائم السوريين، و
لم تضعف الحالة الاحتجاجية. ولو ان
الحرية أعطيت للناس كي يتظاهروا لنزل
الملايين. حتى 15 آذار كان حافظ الاسد لا يزال يحكم
سوريا من قبره. و منذ ذلك اليوم
والسوريون يقومون بأداء مراسم الدفن
النهائية كي يستريح الأب حيث هو،
ويستريح السوريون من مرحلة يقلبون
صفحتها مرة أخيرة. فالعودة الى الوراء
مستحيلة. وبشار الاسد، الذي اختار نهج
أبيه في التعامل مع أبناء شعبه، يسير
بخطى ثابتة نحو بوابة الخروج المؤلم من
السلطة، وسوف تكسر أبواب السجن السوري
الكبير بالحكمة والصبر والتصميم، مع
بشار الاسد أو بدونه. =============== سالم قواطي لقدس العربي 14-5-2011 نتابع جميعاً مجريات الأحداث في الوطن
العربي، من مظاهرات واعتصامات
وتصادمات بين المواطنين وقوى الشرطة
والأمن، على امتداد الوطن العربي من
المحيط الى الخليج، ونرى بأم أعيننا،
المواجهات، بين مواطنين عزل وقوات أمن
مدججة بالسلاح، حيث يقف المواطن
العربي، في مواجهة هراوات لا ترحم،
ورصاص مطاطي وحي، وقنابل مسيلة
للدموع، وسيارات مصفحة، يُضرب ويُسحل
ويُجر ويُركل، ويقتل في الشوارع، على
مرآى من العالم عبر الفضائيات، ويساق
المواطنون بالمئات والالاف الى حيث لا
يراهم أحد، وحيث تمارس ضدهم كل وسائل
التعذيب بوحشية وسادية. وذنب هذا
المواطن العربي، أنه يتمرد على جلاديه
ويحتج على الفساد، ويطالب بحقه في
العيش الكريم والحرية والتعبير عن
الرأي، إنه يعلن للعالم كله، أنه لم
يعد يحتمل كل ما هو فيه من مهانة وقهر
وإذلال، ويحمل الأنظمة السياسية
مسؤولية ما هو فيه من جوع وفقر وبطالة
ومرض وتخلف ومهانة. نحن نرى هذا كله، ونقف باستهجان وألم،
أمام مشهد يتكرر باستمرار، وفي جميع
هذه المظاهرات والاحتجاجات، وهو
المواطن العربي الأعزل من أي سلاح سوى
الارادة وما تبقى لديه من كرامة... يقف
في مواجهة رجل أمن يضع خوذته السوداء
ودرعه ويحمل هراوته وسلاحه الأبيض
والأسود، وينظر بقسوة وصرامة، وبدون
أي رحمة، لهذا المواطن الذي تجرأ على
الخروج الى الشارع، ورفع صوته مطالباً
بحقه، وكأنه ارتكب جريمة لا تغتفر. ويقف ذاك الشرطي وكأنه يواجه مجرماً
خطيراً، وعدواً لدوداً، أربك الحياة
الامنة والمرفهة، لأسياده، الذين
وضعوه في مواجهة أهله ومجتمعه، لكي
يحفظ وجودهم ويحمي مصالحهم ويبقى
حارساً أمينا لهم في مواجهة كل من تسول
له نفسه الاقتراب من جنات أسياده
ونعيمهم وقصورهم وعزبهم، والتي هي
أصلا منهوبة ومسروقة من ثروات البلاد
وأرزاق العباد. تساءلت وأنا أرى هذا المشهد - مواطنا أعزل
في مواجهة شرطي مدجج بالسلاح - من هو
السيد؟ ومن هو صاحب الحق؟ وما هي وظيفة
الشرطي؟ أليست هي في جميع القوانين
حماية المواطن والدفاع عن أمنه
وحقوقه؟ هل يحق للشرطي ان يحول بالقوة والسلاح دون
استعمال المواطن الأعزل لحقه الطبيعي
والمشروع في التظاهر والتعبير عن رأيه
والمطالبة بحقوقه التي كفلتها جميع
الشرائع والمواثيق الدولية والقوانين
والدساتير الوطنية؟ ويأتي الرد بالطبع من النظام الرسمي
العربي، بأن الأمن والنظام وسيادة
القانون، تعطي الحق للشرطي ورجل الأمن
في أن يمنع المواطن من التظاهر، وان
يضربه ويسحله ويسجنه وحتى ربما يقتله
إذا لزم الأمر، لماذا؟ لأن النظام
الرسمي العربي يعتقد أنه سيد نفسه، وأن
لا مرجعية شرعية او قانونية او دستورية
لديه، سوى قوته وهيمنته واستبداده. ورغم أن جميع دساتير الدول العربية، تؤكد
ان السيادة للشعب، وأنه مصدر السلطات،
وأن القوانين تصدر باسمه، إلا أن عقودا
طويلة من الاستبداد، أنست النظام
الرسمي العربي، ان هناك سيدا أصيلا،
وهو صاحب المرجعية والقرار، وهو الشعب
وأن الشعب، طبقاً لجميع الشرائع
والدساتير والمواثيق الدولية
والوطنية، هو صاحب السيادة، وهو من
يصدر القوانين وينشئ السلطات،
ويراقبها ويحاسبها ويقيلها حيثما
وكيفما شاء. وباعتبار أن الشعب هو السيد، كان منطق
الأمور يقول ان الشرطة في خدمة الشعب،
وبالتالي يجب أن يقف الشرطي أمام سيده
المواطن، مصدر السلطات وصاحب الشرعية
والقرار، باحترام وتقدير، لا أن يقف
المواطن أمام الشرطي بخضوع وإذلال
وخوف. ويضيف المنطق المقلوب الذي ترسخ على مر
السنين، أن الحاكم العربي هو السيد
المطاع، الذي بيده الأمر كله، دقيقهِ
وجله، يعطي ويمنع، يخفض ويرفع، يحيي
ويميت، ولا يُسأل عما يفعل، ولكنه
والحمد لله، لا يستطيع أن يأتي بالشمس
من المغرب. ولترسيخ هذه الأوضاع المذلة المهينة،
التي تترك الأمة في آخر ركب الحضارة
المعاصرة، إن لم يكن خارجها، يخوف
النظام الرسمي العربي، شعوب الأمة من
الفوضى وفقدان الأمن كبديل له، مروجاً
أن الانتفاضات والمظاهرات والثورات،
تكبد الاقتصاد الوطني والقومي خسائر
فادحة، وكأن هناك اقتصادا وطنيا او
قوميا لم يدمر بعد؟ ونسى النظام الرسمي
العربي أو تناسى، حقيقة أن الفوضى
وفقدان الأمن، كانت من سماته وأدواته
في الهيمنة والاستبداد، وأن الاقتصاد
الوطني والقومي العربي، لم يدخل مرحلة
التنمية الحقيقية حتى الان، وان خسارة
الاقتصاد العربي المفترضة، بسبب هذه
الانتفاضات والثورات، تقل كثيرا عما
يسرق وينهب ويبدد من ثروات في ايام او
فترات مماثلة، عادية وهادئة بلا ثورات
او انتفاضات. ولو قام خبراء المال والاقتصاد والتنمية
في العالم العربي، بعملية حصر وجرد
للعائد القومي العربي على امتداد اخر
خمسين عاماً على الأقل، ، لوجدوا أن ما
لا يقل عن تسعين في المائة من الناتج
القومي، قد ضاع وسرق وتبدد، وان
التنمية على امتداد هذه السنين، لم تنل
منه شيء يذكر، وأن المواطن العربي
ازداد فقراً وتخلفاً وجهلاً. لقد خرج العالم الغربي، من القرون
الوسطى، بعد معاناة ومخاض طويل، فكانت
الثورة الفرنسية، التي أنارت بمبادئها
معالم الطريق نحو الحرية والتقدم،
وجاءت الدساتير والقوانين الغربية،
بعد ذلك، باسم الشعب تحمي وتصون حقوق
الانسان، تقدس الحرية والكرامة
الانسانية، خاصة حرية الرأي والتعبير،
فبنت دول ديمقراطية حرة ومستقرة، تقوم
على فصل السلطات، واحترام حقوق
الانسان، وان السيادة للشعب وحده، ولا
سلطة لسواه، وكانت النتيجة السريعة
والمذهلة، هي التقدم الحضاري والتقني
والازدهار الاقتصادي والامن
الاجتماعي. أما في عالمنا العربي، فقد
أضعنا حقوق الانسان التي قامت عليها
حضارة إسلامية لمئات السنين، وأصبحت
هذه الحضارة اليوم، تاريخاً مجيداً
نتذكره بألم وحسرة ومرارة. عندما قامت الثورة الفرنسية، لم نأخذ
منها كعرب شيئاً، فكأنما كانت الثورة
الفرنسية، بمبادئها وأهدافها درساً
تلقته أوروبا واستوعبته، بعد مرحلة
طويلة من المعاناة والنضج، أما العالم
العربي، وفي تلك المرحلة من عصور
الانحطاط العربي، لم يكن مؤهلاً
معاناة ونضجاً، لتلقي مبادئ الثورة
الفرنسية وأفكارها، التي هي أصلاً
مبادئ وأفكار قامت عليها حضارة
إسلامية عم نورها العالم قروناً طويلة. وعندما انطلقت الثورة العربية من تونس
الخضراء، كان العالم العربي، قد أصبح
مؤهلاً معاناة ونضجاً، لصنع هذه
الثورة واستقبالها واستيعاب ما تنادي
به من مبادئ وأفكار، ثم ترعرعت هذه
الثورة واشتد ساعدها في مصرنا الكبرى،
وبلغت اوجها صلابة وإصراراً في اليمن
الذي كان يفترض أن يكون سعيدا. أما في ليبيا، فقد واجه الثوار أعتى وأشرس
حرب في التاريخ يشنها طاغية ضد شعبه،
مستعملاً بوحشية وبلا حدود، كل ما في
ترسانته من أسلحة القتل والدمار. وفي
سورية ما زالت الثورة تقدم الشهداء،
وتواجه وحشية وقسوة نظام يصر على تكميم
الأفواه وخنق الأنفاس، من أجل معركة
وهمية صوتها مازال يجلجل في وسائل
إعلامه. لقد أعادت الثورات العربية
بشبابها شباب هذه الأمة، وعزتها
وكرامتها، ونفضت عنها تراكمات قرون
وعقود طويلة من المهانة والخضوع
والتبعية. لقد أعلن المواطن العربي، أن الشعب هو
السيد ولا سيد سواه، وأن النظام الرسمي
العربي، في أغلب أقطاره، ليس سوى
مجموعة من تنظيمات غير شرعية وغير
دستورية، فرضت نفسها بالقوة، وجثمت
على صدور الشعوب العربية عقوداً
طويلة، صادرت إرادتها، ونهبت ثرواتها،
وانتهكت حقوقها، وسرقت أرزاقها، وباعت
أوطانها ومزقت كياناتها. لقد ارتكب النظام الرسمي العربي، خطأ
فادحاًً ومميتاً، عندما ركن إلى
قناعاته واعتقاده، متوهماً أن وضع
اليد واغتصاب سلطة الشعب، وسلب حقوقه
وسيادته، لعقود طويلة، يمثل تقادماً
قانونياً، يعطيه الحق ويمنحه الشرعية،
ويحميه من المساءلة ويفلته من العقاب. إن الحديث اليوم عن الشرعية والدستور
والقانون، في مواجهة الشعوب، هو حديث
مراوغ، ليس له أي سند او أساس، لأن
الشعب أصلاً هو صاحب الشرعية، وهو من
يضع الدساتير ويعدلها ويلغيها، وهو من
يسن القوانين ويراقب تنفيذها مباشرة،
ومن خلال من يختارهم بتفويض محددٍ،
اختصاصاً ومكاناً وزماناً، وهو من
يعين ممثليه ومفوضيه، من أعلى الهرم
إلى أدناه، ويقيلهم ويعزلهم متى شاء
وكيفما شاء. ولا يستطيع أي كان، فرداً
او تنظيماً او مؤسسة او مجلساً، أن
يواجه الشعب او يعترض مطالبه او يطعن
بها باسم الشرعية او الدستور، لأنه ليس
هناك من يملك الشرعية ويضع او يلغي
الدستور سوى الشعب، والشعب وحده.- ' محام وسفير الجامعة العربية
سابقاً في المانيا =============== الحلّ الأمنيّ وإعادة
إنتاج الأزمة السبت, 14 مايو 2011 عمر قدور * الحياة سقطت المراهنة على قمع الانتفاضتين
التونسيّة والمصريّة بواسطة الجيش،
بعد عجز أجهزة المخابرات عن القيام
بدورها، وهذا لا يعني تلقائيّاً فشل
أجهزة الأمن في دول أخرى أو دوراً
مماثلاً للجيش، لذا يبقى الخيار
الأمنيّ للقضاء على الانتفاضات فيها
ماثلاً ولا يفتقر إلى فرص النجاح
بالمعنى المباشر للكلمة، بخاصّة عندما
لا تبلغ الانتفاضة حدّ العصيان
الشعبيّ العامّ. وفي الواقع، أدّت
الاحتياطات التي اتّخذتها الأنظمة إثر
سقوط النظامين التونسيّ والمصريّ إلى
زيادة ملحوظة في عدد الضحايا،
وأحياناً بما لا يتناسب أبداً مع حجم
الاحتجاجات، أي أنّ الأنظمة الأمنيّة
الباقية أخذت العبرة وباتت أكثر
تصميماً من سابقاتها على سحق
الاحتجاجات في المهد. قد تنجح أنظمة عربيّة في ما فشلت فيه
أنظمة أخرى، لكنّ هذا الاحتمال بدوره
لا يخلو من المخاطر الحالية أو
المستقبليّة، فاعتماد الحلّ الأمنيّ
خلّف حتّى الآن عدداً باهظاً من
الضحايا، وإذا أجادت الأجهزة الأمنيّة
قمع التحركّات الشعبيّة وإخمادها
تماماً، فهي لن تقدر على قمع النقمة
المتزايدة باستمرار، وقد تعود
الاحتجاجات على نحو جذريّ وحاسم يُفقد
النظام أيّ فرصة للمساومة، آخذين في
الحسبان أنّ الأنظمة التي سقطت أهدرت
أيضاً كل فرص التسوية، ولم تلجأ إليها
أصلاً إلا بعد فوات الأوان. ومن
المستبعد تماماً أن تنجح الأنظمة في
سحق الاحتجاجات ميدانيّاً، ثمّ تباشر
بإصلاحات حقيقيّة في مجال الحريّات
الديموقراطيّة، وإلا لما كانت لجأت
إلى الحسم الأمنيّ. أمّا الحديث عن عدم
اتّخاذ الأنظمة إجراءات إصلاحيّة تحت
الضغط الشعبيّ، وأنّ نظاماً قويّاً هو
الأقدر على فرض الإصلاحات، فذلك يدخل
في باب المخاتلة السياسيّة المبتذلة
ليس إلا. من جهة الأنظمة العربيّة، كان الحلّ
الأمنيّ هو الحلّ الأسهل مقارنة
بتجرّع مخاطر التغيير، ونكاد لا نجد
سلطة عربيّة لم تختبر هذا الحلّ خلال
عقود من وجودها، وكان لنجاعته تجاه
التنظيمات المعارضة دور في تكريسه
كنهج دائم، لكنّه لم يكن بلا تكلفة
عالية على المجتمع والسلطة معاً. فقد
اعتُمد الحسم الأمنيّ على نطاق واسع
بدءاً من سبعينات القرن الماضي،
وحيثما استُخدم هذا الحلّ، فإنّه أدّى
إلى تضخّم الأجهزة الأمنيّة، وازدياد
تدخّلها في مناحي الحياة كافّة،
ونزوعها المطّرد إلى الإمساك بمفاصل
السلطة والمشاركة في اقتسام مغانمها.
وهكذا لم يتوقّف الحضور الأمنيّ عند
الحالات الطارئة التي ألمّت بالنظام،
بل تعدّاها إلى خلق حالة طوارئ مستمرّة
تعوق العودة إلى حالة ما قبل الأزمة. إثر كلّ تهديد ألمّ بنظام عربيّ ضعف
المستوى السياسيّ في السلطة لحساب
المستوى الأمنيّ، وشاعت ظاهرة مراكز
القوى الموزعة بين المخابرات والجيش،
بحيث صار المستوى السياسيّ أكثر
ارتهاناً ل «ذراعه الضاربة». ومن
المنطقيّ ألا يكتفي أمراء الحروب
الداخليّة المنتصرون بمكانتهم
السابقة وحسب، فنراهم يسعون إلى إضعاف
المستوى السياسيّ ما أمكنهم ذلك، وفي
كثير من الحالات نجا المستوى السياسيّ
للسلطة من خطر المعارضة ليقع تحت
التهديد الخفيّ للأجهزة الأمنيّة التي
صنعت له النصر، وكأنّ التنازلات التي
أبى الحكم تقديمها للمعارضة لا بدّ من
«افتدائها» بتنازلات من نوع آخر. ولا
تقتصر مطامع الأجهزة على المشاركة في
القرار السياسيّ، فمن الملاحظ في هذه
الحالات استشراء الفساد العامّ
وتعويمه، لأنّه هو الذي يسمح لها
بمكافأة نفسها خلافاً لأي قانون. في وسعنا استحضار المثال السوريّ في
ثمانينات القرن الماضي كنموذج لما
سبق، فقد تآزرت الأجهزة الأمنيّة
والقوّات الخاصّة للجيش في القضاء على
حركة الإخوان المسلمين آنذاك، لكنّ
هذه المعركة أفرزت شخصيّات أمنيّة
وعسكريّة باتت عبئاً على الدولة
والحكم بما جسّدته من سطوة فجّة وفساد
فاضح. لقد استدعى ذلك من رجل دولة محنّك
كالرئيس الراحل حافظ الأسد حوالى عقد
من الزمن كي يتخلّص من تلك الشخصيّات
بالتدريج، مستفيداً حينها من تنافس
الطامعين وعداواتهم البينيّة ومن إرثه
الشخصيّ كرئيس قدم من المؤسّسة
العسكريّة. ومع أنّ الأمر استتبّ
للقرار الرئاسيّ، إلا أنّ آثار الأزمة
لم تتلاشَ بالسرعة نفسها، فعانت
البلاد من ترهّل الأجهزة الأمنيّة
واعتيادها على كونها فوق القانون مع ما
يتبع ذلك من إفساد ما لم يفسد بعد. وإذا
كانت الأجهزة الأمنيّة وسيلة الحكم
للحسم آنذاك، فإنّها تحوّلت إلى مصدر
لأزمة مستدامة، وليس من المغالاة
القول إنّ جزءاً أساسيّاً من الأزمة
الحالية يرجع إلى بقاء النظام الأمنيّ
حتّى مع انتفاء الحاجة الواقعيّة اليه. لا شكّ في أنّ الأزمة الحالية التي تعصف
بالأنظمة العربيّة مختلفة عن
مواجهاتها السابقة لتنظيمات محدّدة
ومحدودة، إذ تنأى الانتفاضة الحاليّة
عن المفهوم المتداول للخصومة
السياسيّة لتضع الحكم في مواجهة
الشعب، وهذا ما دفع بالأنظمة الأمنيّة
إلى إطلاق اتّهامات بائسة في خصوص وجود
قوى معيّنة وراءها لتتخلّص من القيمة
المعنويّة والأخلاقيّة التي يجسّدها
الشعب. ربّما ينجح بعض الأنظمة،
بالاستخدام المفرط للقوّة، بإعادة
الشعب إلى بيت الطاعة موقّتاً، مع أنّ
هذا الاحتمال لا تثبته مجريات
الأحداث، وإن حدث ذلك تبقى العبرة في
ما بعد إعادة الناس إلى بيوتهم، لأنّ
النظام الذي سيتجاوز الأزمة سيكون هذه
المرّة فاقداً للشرعيّة، لذا سيتضاءل
المستوى السياسيّ في الحكم إلى حدّ غير
مسبوق، وسيواجه معضلة جوهريّة من حيث
أنّه سقط فعلاً على رغم استمراره في
السلطة. * كاتب سوري =============== نديم قطيش الشرق الاوسط 14-5-2011 لعل من مفارقات سوريا اللافتة اليوم أن
تخرج العبارة الأكثر صدقا عن لسان
الشخص الأقرب إلى نظام الرئيس بشار
الأسد. فالسيد رامي مخلوف، ابن خالة
وريث حافظ الأسد، ليس أقل من المعادل
البشري لاقتصاد سوريا في العقد الأخير.
وعليه، فإن ما ينطق به مخلوف يكتسب
مصداقيته من هذا الموقع تحديدا. شخص مثله لا تسمح له، في اللحظات الحاسمة،
ضخامة المصالح التجارية والمالية التي
يعبر عنها ويمثلها بمراوغات لفظية
وخطابية، على جري عادة الرطانة
البعثية الغابرة. وهو حين يقول، في
مقابلة مطولة مع صحيفة «نيويورك تايمز»،
إن «استقرار إسرائيل من استقرار سوريا»
فإنه يخرج إلى السطح واحدا من أعمق
وأخطر التوصيفات للعلاقة السورية
الإسرائيلية. بل ويهدم مخلوف بعبارته -
من حيث لا يريد - بنيان خطاب الممانعة
الذي تقوم عليه هيبة الحكم الاستئثاري
في هذا البلد. بطبيعة الحال لا يقصد مخلوف أن التعرض
لسوريا، من خلال المضي قدما في التآمر
مع شعبها ضد النظام، يعني أن سوريا
سترد وستزعج المتآمرين المفترضين
عليها بقدر انزعاجها منهم. هذا تفسير
لعبارة مخلوف ينبغي، احتراما للعقل
قبل أي شيء، أن يبقى خارج النقاش.
فتاريخ عدم رد النظام على الاعتداءات
الموصوفة ضده يقول إنه لن يرد على
اعتداءات افتراضية راهنة عليه، لم
ينجح في تقديم حجة واحدة مقنعة
لإثباتها. لم يرد النظام حين حلقت «طائرات العدو
الغاشم» فوق القصر الرئاسي السوري. ولم
يرد حين قصفت الطائرات نفسها موقع عين
الصاحب قرب دمشق عام 2003. ولا ردت سوريا
حين دمر الطيران الإسرائيلي ما تقول تل
أبيب إنه كان منشأة نووية في دير الزور
عام 2007. ولا هي تدخلت دفاعا عن لبنان
عام 1982 إلا حين خرقت إسرائيل قواعد
الاجتياح المتفاهم عليه بين تل أبيب
ودمشق، منتهية إلى شر هزيمة. ولا هي
تدخلت، أيضا وأيضا، بموجب مندرجات
معاهدة الدفاع المشترك بين لبنان
وسوريا، في التصدي لعدوان تموز 2006 الذي
هجّر مليونا ونيفا من أبناء جمهور
الممانعة والصمود والتصدي. لندع إذن هذا التفسير جانبا. ما يقصده
مخلوف هو تماما ما عبر عنه بلغة بسيطة
مباشرة لا تحتمل تذاكيا أو تحذلقا. هو
ابن هذه المعادلة. ازدهاره الشخصي هو
النتيجة المباشرة لها. فسوريا ليست في
الواقع دولة ممانعة بقدر كونها دولة «خدمات
ممانعة» محسوبة ومدروسة، والأهم غير
مكلفة، أو هي كانت كذلك إلى حين اندلاع
الانتفاضة الشعبية وافتضاح أمر هذه
الممانعة المزعومة. سوريا دولة عاشت وتعيش على قاعدة إدامة
أطول صراع لفظي مع إسرائيل، من دون أن
تكون قادرة على حرب أو راغبة في سلام. رامي مخلوف يكشف تماهيه، وتماهي النظام
تاليا، مع موقف إسرائيلي لطالما عبر عن
ارتياحه لنظام الأسد الذي أمن
لإسرائيل أهدأ جبهاتها مع دول الطوق.
ويعطي، بعبارته، تفسيرا سوريا لماذا
كانت إسرائيل، ولا تزال، بين الدول
الأكثر قلقا حيال مصير انتفاضة الحرية
والكرامة في سوريا ومستقبل النظام.
صحافتها ومسؤولوها لا يخفون هذا
القلق، وها هم أبناء النظام في دمشق لا
يخفونه أيضا. معادلة رامي مخلوف، الصحيحة، تطرح على
قوى المقاومة المعادلة الأصعب. فإذا
كان استقرار إسرائيل من استقرار سوريا
كما قال الرجل، صادقا، فينبغي، إذن، أن
يكون مشروع المقاومة متمحورا حول هز
استقرار سوريا، قدر الإمكان، في سبيل
هز استقرار إسرائيل. البساطة في التعبير عن الأمور الخطيرة
ليست، في نهاية الأمر، مسألة بسيطة. * إعلامي لبناني =============== طارق الحميد الشرق الاوسط 14-5-2011 خرج الرئيس اليمني علي عبد الله صالح،
أمس، قائلا لمعارضيه: إن من يرِد الحكم
فعليه أن يذهب إلى صناديق الاقتراع،
وليس من خلال الشارع. لكن السؤال هو:
أين مصداقية صناديق الاقتراع، سواء في
اليمن، أو مصر، أو تونس، أو سوريا، أو
غيرها من الجمهوريات العربية؟ الإشكالية التي تواجهها الأنظمة
الجمهورية في العالم العربي اليوم
ليست لأن الشعوب تريد التغيير وحسب، أو
تطالب بالإصلاح، بل إن الإشكالية تكمن
في انعدام الثقة والمصداقية بين
الحاكم والمحكوم، وهو أمر رأيناه،
تحديدا، في الدول التي تتعرض لزلزال
المنطقة السياسي.. ففي مصر، بلغ حد
التزوير في الانتخابات الأخيرة مبلغا
قلب قواعد اللعبة كلها، و«على عينك يا
تاجر»، ناهيك عن الإصرار على التوريث.
وعلى الرغم من كل ما قاله مبارك إبان
ثورة مصر، فإنه لم يكن له أي مصداقية في
الشارع، بل إن المرة الوحيدة التي نجح
فيها مبارك بالوصول إلى مشاعر شريحة
عريضة من شعبه في أحد خطاباته التي
تعهد فيها بتحقيق مطالب الشعب، صدم
الناس في اليوم التالي ب«موقعة الجمل». وفي اليمن، هاهو الرئيس يحكم فوق العقود
الثلاثة، ثم يخرج قائلا: إن من يُرِد
الحكم فعليه أن يذهب إلى صناديق
الاقتراع! وفي سوريا يخرج الرئيس، وأعضاء حكومته،
متحدثين عن المطالب المشروعة لشعبهم،
ثم فجأة يتحول حديث الإعلام الرسمي عن
أن ما يحدث في سوريا مؤامرة خارجية،
ويقوم الأمن بقتل 850 من السوريين،
واعتقال ما لا يقل عن 9 آلاف من الشعب،
ثم يعود النظام للقول، قبل أول من أمس:
إنه، بناء على تعليمات الرئيس، فقد
صدرت تعليمات حازمة وجازمة للأمن بعدم
إطلاق النار، إلا أنه تم إطلاق النار،
وقُتل متظاهرون! والأمر نفسه كان في تونس بن علي؛ حيث لم
تفد كلمة «فهمت عليكم»؛ لأن الثقة كانت
مفقودة تماما. أما في ليبيا فالمصداقية
لم تكن موجودة أساسا بين الحاكم
والمحكوم حتى تُفقد، ويكفي هنا تذكر
مقولة القذافي يوم خرجت الثورة
الليبية؛ حيث قال إنه سبق أن عرض على
الليبيين أن يتولوا شأن النفط
بأنفسهم، لكن الشعب رفض.. ولا نعلم تحت
أي تصنيف يمكن إدراج هذا الحديث، هل هو
طرفة، أم...؟! الشاهد أن الأزمة هي أزمة مصداقية؛
فالوعود عمرها عقود. فلا حاربت بعض تلك
الأنظمة عدوا، ولا بنت أوطانا، بل قمعت
شعوبها، ولو تم احترام صناديق
الاقتراع وكرامة الناس، لما وصل حال
منطقتنا إلى هذا الحد. والأدهى أنه في
عالمنا العربي خرجت جمهورياتنا
بمعادلة عجيبة، وهي لبنانية بالطبع؛
حيث «لا غالب ولا مغلوب». فمن يخسر
الانتخابات يستمر في الحكم وتحت تهديد
السلاح، مثل حزب الله، أو بضغط من
إيران مثل حكومة نوري المالكي في
العراق. أزمة جل الجمهوريات العربية مع مواطنيها
تلخصها المقولة الشهيرة: «لا يحزنني
أنك تكذب عليَّ، ما يحزنني أنني لم أعد
أصدقك»، وهذا لسان حال تلك الشعوب؛ لذا
فإن وضع منطقتنا محزن ومخيف؛ لأن من
يكذب لا يهمه القتل والتعذيب؛ فالكذب
يهدم القيم كلها، أيا ما كانت. =============== مخلوف يكشف حقيقة حلف
المخادعة لا الممانعة..؟؟ حسان القطب المصدر: موقع بيروت أوبزرفر 13/5/2011 خلال عقد التسعينات من القرن الماضي نشرت
إحدى المؤسسات الإعلامية الدولية
تقريراً قالت ما معناه، أن النظام
السوري والذي كان يحكمه الأسد الأب
حينذاك، لن يتخلى عن قانون الطوارئ،
وبالتالي لن يوقّع اتفاقية سلام مع
إسرائيل، لأن من مصلحته إبقاء حالة
اللاحرب واللاسلم بين سوريا وإسرائيل،
وذلك بهدف أبقاء البلاد تحت السلطة
العسكرية التي يقودها الأسد الأب
مستنداً لدعم طائفته العلوية،
المسيطرة على المراكز العليا في
الهيكلية الإدارية للدولة والقيادية
في الجيش السوري، وبذلك تبقى الطائفة
السنية الأكبر في سوريا ضمن السيطرة
السياسية والأمنية، ويبقى لها أن تلعب
دوراً اقتصاديا واجتماعياً فقط، تحت
إشراف الأقلية العلوية ورعايتها
وسيطرتها، وبالتالي فإن الحديث عن حرب
سورية – إسرائيلية، محتملة لتحرير
الجولان وفلسطين والأمة العربية، هو
محض خيال، وسيناريو غير واقعي، بل هو
غير منطقي.. ومرت الأيام واستلم الأسد
الابن، فحافظ على هذا الواقع دون تغيير
يذكر، فتبنى شعارات المقاومة
والممانعة لكن دون ممارسة حقيقية ودون
تقديم تضحيات على الإطلاق، وتابع ربط
نفسه بتحالفات مع حزب الله وإيران
وحركة حماس وبعض القوى الفلسطينية
الضعيفة، لتعطيه حضوراً سياسياً أمام
المجتمع الدولي، وتبرزه لاعباً
إقليمياً في محيطه وقادر على ضبط أداء
هذه المجموعات في حال طلب منه ذلك،
وقدم نفسه أنه بإمكانه أن يكون وسيط
مقبول لدى إيران وبطلب من الغرب في حال
طلب منه ذلك..وفي تقديره أن هذا الدور
يساعده في أن يتجاوز مشاكله الداخلية
السياسية والاجتماعية والاقتصادية،
تحت عنوان مقاومة الاحتلال وتحرير
الأرض ودعم حركات المقاومة، والتذرع
أمام شعبه بما يسببه ذلك من تعرض
للعقوبات ومواجهة التحديات والضغوطات.
لكنه في حقيقة الأمر كان يستثمر هذه
العلاقات في الداخل لضبط الواقع
السياسي والاجتماعي وليبرر سيطرة
عائلته وجمهوره وطائفته على السلطة في
سوريا.. مع إتباع سياسة ترهيب الأقليات
من حضور الأكثرية السنية لتبقى إلى
جانبه من خلال المشهد العراقي الخطير
والمتفجر والفوضوي، ومع العلم أن
المسؤول عن هذا الواقع إلى جانب
الإدارة الأميركية، هو النظام
الإيراني الذي كان ولا يزال يدعم
الميليشيات المتطرفة..(ميليشيا بدر
وجيش المهدي) التي تبطش بأهل السنة
والمسيحيين في العراق، والقوى
المتطرفة التي انطلقت من سوريا
وبرعايتها، لتنفذ عمليات عسكرية ضد
الأميركيين ولكنها طالت أيضاً معظم
شرائح المجتمع العراقي، ودون تمييز..هذا
المشهد الدامي والفوضوي المستمر في
العراق استثمر النظام السوري نتائجه
وتداعياته على الساحة السورية
واللبنانية وغيرهما أيضاً، في محاولةٍ
منه لترهيب كما لطمأنة الأقليات في
منطقة الشرق ولإقناعها بأنه هو أي
النظام السوري ضمانة استمرارها بأمان
وعلة بقائها بخير، وان مصيرها مرتبط
بمصيره ووجودها مرهون بسيطرته على
السلطة في سوريا..لذا رأينا أن ما قاله
رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام: (
إن أحداث سوريا شكلت الهمّ الأول في
اللقاء حيث وجود أكبر أبرشيات السريان
في العالم على أرضها، ولاحتضان
عاصمتها دمشق مقر البطريركية، مؤكداً
أن أمن واستقرار سوريا أولوية مطلقة،
أما توق الشعب السوري إلى تغييرات تصب
في انفتاح سياسي وثقافي وإعلامي وحزبي
وحريات، فهذا ما نتمناه للدولة
الشقيقة في حركتها)•.. هذا الكلام يصب
في مصلحة النظام الحاكم في سوريا ولكنه
في الوقت عينه يؤجج مشاعر الغضب لدى
شريحة واسعة من أبناء الشعب السوري..؟؟
لأن الأمن والحرية كانت ولا زالت
مفقودة في سوريا بحضور هذا النظام في
السلطة منذ 50 عاماً، ولا يمكن أن يكون
هذا النظام الآن ضمانة الاستقرار وهو
من يبني سلطته على تطبيق سياسة القمع
والقتل والاعتقال ومنع الحريات..؟؟
وتحريض المجموعات والدينية ضد بعضها
البعض..!! ولو كان هذا النظام حريصاً على
الأقليات ومصالحها ورعاية شؤونها،
فلماذا لم يعط الأقلية الكردية حق
الجنسية إلا بعد التحرك الشعبي الأخير
في شهر آذار/مارس..؟؟ ولماذا اضطهد
المسيحيين في لبنان منذ العام 1975..
وموقف حبيب افرام هذا قابله موقف أخر
من وليد جنبلاط زعيم الطائفة الدرزية
في لبنان حين قال: (في مقابلة مع موقع <الانتقاد>
الالكتروني القريب من <حزب الله>
مؤكداً: (في الوقت الذي تمر فيه سوريا
بأزمة، لا بدّ من تحصين الخاصرة
السورية في لبنان بتشكيل سريع
للحكومة، مشدداً على أن سوريا مفصل
أساسي للاستقرار في المنطقة، فهي باب
السلم والحرب)... أي حرب أو سلمٍ يتحدث
عنهما وليد جنبلاط وهو كان قد اتهم
نظام سوريا بالكثير الكثير..؟؟؟ إذاً سياسة التهويل والتخويف والترهيب هي
هادفة يسعى من خلالها النظام لحماية
حضوره بجمع الخائفين والمترددين من
حوله ليبطش بشعبه ويستمر في سلطته..والكلام
الذي كان يطلق منذ عقود عن أن إسرائيل
تريد أن تحمي كيانها بزرع كيانات
طائفية ومذهبية من حولها أكده ما قاله
ابن خال الرئيس السوري رامي مخلوف
بالأمس في حوار استمر لأكثر من ثلاث
ساعات، حيث قال مخلوف: («لن يكون هناك
استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك
استقرار في سوريا. لا يوجد مخرج ولا أحد
يضمن ما سيحدث بعد حدوث أي شيء لهذا
النظام، لا قدر الله. وفي رده على سؤال
عما إذا كان هذا تحذيرا أم تهديدا،
أضاف مخلوف: «أنا لم أقل حربا. ما أقوله
هو: لا تدعونا نعاني، لا تضعوا المزيد
من الضغوط على الرئيس، لا تدفعوا سوريا
للقيام بأي شيء لا تريد القيام به...
وأضاف مخلوف من مقره الفخم في دمشق: «بالنسبة
لنا، لن نخرج، أما أنتم فاتركوا
السفينة واذهبوا للعب القمار. أنتم
تفهمون ما أعنيه. سوف نظل هنا في
المعركة حتى الرمق الأخير»، وأضاف بعد
ذلك: «يجب أن يعلموا أننا حين نعاني لن
نعاني وحدنا»). (تجسد هذه الكلمات فكرة
تسعى الحكومة لترسيخها - نحن أو الفوضى
- وتلقي الضوء على تكتيكات تتبناها
النخبة الحاكمة التي استغلت تقلبات
المنطقة من أجل الحفاظ على هدفها
الأساسي وهو استمرارها).. إذاً النظام
السوري ليس مصدر قلق لإسرائيل والغرب
بل هو يقدم نفسه على انه ضمانة استقرار
إسرائيل ومفتاح الحل لخوف بعض
المجموعات الدينية والعرقية في
المنطقة من أزمات يفتعلها النظام
السوري لضمان استقراره وهذا ما استشفه
وقرأه من قام بمقابلة مخلوف ليجري معه
المقابلة كما ذكر أعلاه.. لا يمكن أن يكون الظلم والقهر والاعتقال
والاتهام والتخوين ضمانة الاستقرار
لأي نظام وأية مجموعة وأي طائفة أو حزب..
العدالة والحرية والنمو الاقتصادي
والاجتماعي والتحول نحو الديمقراطية
هو الحل الوحيد لسوريا وكافة دول الشرق
الأوسط، واللعب على الوتر المذهبي
والطائفي لحماية أي نظام هو عمل خطير
للغاية ونتائجه ستكون كارثية، وكل من
يسعى لوضع الأقليات في مواجهة
الأكثرية إنما يسعى لإشعال فتيل فتنة
خطيرة، والمراهنون على دور سوريا
الأسد في التحرير والمقاومة وتحقيق
العدالة والحرية وحماية الأقليات
ورعاية الأكثرية ما عليهم سوى إعادة
قراءة ما قاله مخلوف الذي فضح حقيقة
تحالف الممانعة والمقاومة وأهدافه
السياسية الحقيقة، فهو حلف الخداع
والتزوير وحماية حدود إسرائيل وليس
تحرير الجولان المحتل، وهذا الكلام
برسم من لا يزال يمجد نظام الأسد
ودوره، ومهما حاول هذا النظام زرع
الفتنة والخوف بين مكونات المجتمع
العربي في بلادنا فإنه لن ينجح وسوف
يستمر العيش المشترك راسخاً معززاً
بين كافة مكونات بلادنا المشرقية كما
استمرت لمئات السنين مهما تعرض لنكسات
ومؤامرات ودسائس.. ================== الفتنة الأهلية أو
استراتيجية إجهاض الثورة
الديمقراطية برهان غليون الوسط البحرينية 14-5-2011 فتحت الثورة المدنية والديمقراطية
للشعوب العربية آفاقا كانت
الاستراتيجيات القديمة التي
استخدمتها بعض حركات المعارضة
السياسية قد أغلقتها عليها تماما، إن
لم تساهم في تعزيز سطوة النظم
الاستبدادية من خلال ما أحدثته من شروخ
ومخاوف وعداوات داخل المجتمعات. بل إن
هذه الثورة المدنية التي تنادي
بالكرامة، بما تعنيه من احترام للفرد
الانساني بوصفه كذلك، وبصرف النظر عن
أصله ودينه ووضعه الاجتماعي، كما
تنادي بالحرية التي تؤسس لسياسات
مشاركة جميع الأفراد بصورة متساوية في
الشأن العام، أي تنشد باختصار تحقيق
المواطنية للجميع، ما كان من المقدر
لها أن تنطلق وتتقدم وتنتصر في بعض
الأقطار العربية إلا لأنها نجحت في أن
تتجاوز ثقافة العصبية وتقاليد
الانقسام الحزبوية وتضع نفسها على
السكة ذاتها التي تحرك جميع المجتمعات
اليوم وتدفعها إلى الارتقاء بوعيها
وثقافتها ونظم سياستها وإدارتها إلى
مستوى المبادئ والقيم والممارسات
الإنسانية. ونقصد بهذا المستوى الوصول
إلى رؤية الانسان كإنسان، خارج كل
مواصفاته الخارجية، وجعل غاية أي حياة
سياسية ومدنية منظمة، تحسين شروط حياة
هذا الانسان الفرد، من الناحية
المعنوية والثقافية والمادية. هذا هو المضمون العميق للأجندة التحررية
التي تحرك اليوم المجتمعات العربية من
المحيط إلى الخليج بالفعل، وتسمح
لأولئك الذين كانوا قد هجروا الحياة
السياسية، وهم الغالبية الساحقة،
بالعودة من جديد إلى ساحة العمل الوطني
والاجتماعي، ومن وراء ذلك استعادة
ثقتهم بأنفسهم، وأكثر من ذلك بأقرانهم
الذين بقوا لفترة طويلة غرباء عنهم
بسبب الانقسامات الداخلية. وفي
تعبيرها عن التطلعات الجديدة والعميقة
لهجر الأفراد معازلهم الطائفية
والعشائرية التي فرضتها ظروف الشح
السياسي على الجميع في الماضي، تعلن
هذه العودة إلى ساحة العمل العام،
والاستعداد للتضحية من أجلها، بما في
ذلك التضحية بالأرواح، الولادة
الجديدة للوطنية العربية او بالأحرى
الشوق الملتهب إلى الخروج من ذل وضعية
الزبائنية والمحسوبية، إلى وضعية
المواطنة وما تعنيه من كرامة شخصية
وممارسة للحرية والسيادة الذاتية. من هنا ما كان من الممكن لإرادة الانعتاق
التي تحملها المطالب المواطنية إلا أن
تصطدم في كل مكان برزت فيه بأنماط من
الحكم والإدارة البيرقراطية أو
الاستبدادية التي لا يمكن أن تستمر إلا
بتحييد الشعوب، ووسيلته الرئيسية
تقسيمها والتعامل معها بالقطعة،
كقبائل أو عشائر أو طوائف أو جهويات
ومحليات، وتعزيز خصوصياتها الأهلية
وإبرازها على حساب عموميتها السياسية،
أي مواطنيتها. فالمواطنية لا تستقيم من
دون الحرية والكرامة والمساواة بين
الأفراد وتقديس الحياة القانونية،
وبالتالي من دون تكون الشعب كقوة
مستقلة عن العشيرة والقبيلة والعائلة
والعصبية المحلية، وتدخله المباشر
والدائم في تسيير شئون الدولة واختيار
ممثليه بحرية. وما شهدناه في الأشهر الماضية من مواجهات
بين النخب الحاكمة التي عملت ولاتزال
المستحيل من أجل إبراز الانقسامات
الأهلية داخل مجتمعاتها، وتفجيرها إذا
امكن، والشعوب الناهضة لتوها من
حطامها، والطامحة إلى أن توحد نفسها
وتفرض إرادتها، يعكس بشكل واضح هذا
الصراع على تحديد وضعية الفرد ومكانته
في بلادنا العربية: وضعية الزبون
التابع لزعامة عشيرته أو طائفته أو
حزبه أو رئيس دولته، والملتزم من دون
تفكير بكل ما يفرضه منطق المحسوبية من
ولاء والتصاق والتحام أعمى، او من
عصبية، أو بالعكس وضعية المواطن الحر
الذي يعرف أن شرط ممارسته لهذه الحرية
واحتفاظه بها وتعزيزها والارتقاء
بمستوياتها ومعانيها هو احترام حرية
الآخر، وتعميم المشاركة على الجميع
لتحويلهم إلى رجال أحرار، فاعلين
ومسئولين، أي واعين لمعنى الحرية
المدنية والسياسية. وكما يتطلب الحفاظ على الأوضاع وأنماط
الحكم الرعوية والأبوية والاستبدادية
الراهنة، القائمة على إخراج الشعوب من
معادلة السياسة والقوة، تكسير هذه
الشعوب وتقسيمها وإجهاض روح الكرامة
والحرية في كل فرد منها، وهذا ما تتكفل
به العصا الأمنية الغليظة، يتطلب
تحقيق المواطنية التي تجتاح بروحها
اليوم الوعي العربي، الانتقال إلى نمط
جديد من الحكم، وتنظيم السلطة
السياسية، والعلاقة بين الحاكمين
والمحكومين، يكون فيها للأفراد
السيادة على من يحكمونهم وليس العكس.
وهذا يعني أولاً انقلابا أخلاقيا،
يشير إلى تغير نظرة الفرد إلى نفسه
ورفضه أن يعامل، وبالتالي أن يتعامل مع
غيره، كمولى وتابع وزبون ومحسوب لا
إرادة خاصة له ولا استقلال ذاتي،
وثانيا انقلابا فكريا يدفع بالأفراد
إلى الخروج عن عصبوياتهم وانغلاقاتهم
التقليدية في حجر العشيرة أو القبيلة
أو الطائفة نحو فضاءات أرحب يلتقي فيها
مع أقرانه في المواطنية، ومن ورائهم،
مع أبناء الإنسانية، وثالثا ثورة
سياسية تقودهم إلى التحرر من جميع
الوصايات الأبوية، المدنية أو
الطائفية، والاندماج في مغامرة تكوين
رابطة الأمة السياسية التي هي التعبير
الأوضح عن الانخراط في التاريخية
الحضارية، وأخيرا ثورة اجتماعية تفتح
الباب أمام انفتاح الجماعات الأهلية
والفئات الاجتماعية والجهوية بعضها
على البعض الآخر، من دون أحكام مسبقة
وحسابات ماضية أو راهنة، وتقود إلى
نشوء روح جماعية جديدة، تتجدد عبرها
الجماعة ذاتها وتتحول إلى جماعة وطنية. وفي هذا الصراع، ليس لنظم الحكم الأبوية
والاستبدادية القائمة، وللمصالح
الاجتماعية المرتبطة بها، أمل في
البقاء من دون إجهاض دينامية التحرر
المواطني الراهن هذا، الذي جسده شعار
ثوار سورية: (واحد واحد واحد، شعب واحد)،
ومن دون إحياء ذاكرة النزاعات
المأساوية القديمة، وشحن العواطف
البدائية، وتخويف الكل من الكل، ووضع
الناس في مواجهات طائفية أو عشائرية
إجبارية تفرض على كل فرد الالتحاق
بعصبيته ليضمن لنفسه الحماية التي
حرمته منها الدولة. والهدف من ذلك هو
إجهاض الوليد في المهد، أي الشعب
المواطني الحديث الحر والمتساوي،
وإكراه الجميع على الانطواء ضمن
عشائرهم وطوائفهم من جديد، حتى يمكن
التلاعب بانقساماتهم وفرض الوصاية
الأبدية عليهم. وليس من قبيل الصدفة أن الرئيس السوري،
عندما زادت عليه الضغوط الداخلية
والخارجية، وأدرك أنه لا يكفي الرهان
على الرصاص وقنابل الغاز الخانق لكسر
إرادة الثورة الشعبية، اختار أن يفتح
حواره مع زعماء العشائر الكردية في
الجزيرة السورية ومع رجال الدين
ووجهاء المجتمع وأعيانه في عموم المدن
الأخرى، وأشار إلى ضباط المخابرات
لفتح ما سموه حوارا مع الناشطين
والمثقفين. يعني هذا أن النظام لايزال
يصر على إنكار الحقوق السياسية التي
تعني جميع أفراد الشعب، وبالتالي على
الحوار مع من يمثل هذه السمة الجمعية،
من شباب الانتفاضة أو المعارضات
السياسية، بل ومحاولة الالتفاف على
القوى الوطنية من خلال رشوة الزعامات
الدينية والقبلية، وتكثيف ضغط
المخابرات على القوى السياسية الحاملة
وحدها لمطالب موحدة او توحيدية، أي
وطنية شاملة. ويعني الإصرار على إدارة الأزمة عبر
تلبية المطالب الجزئية لكل فئة أو
عشيرة أو طائفة أو أقوامية خاصة،
التصميم على رفض الاعتراف بالشعب
كحقيقة سياسية، والاستمرار في
استراتيجية التقسيم والتفتيت التي
تهدف إلى قطع الطريق على تكون الشعب
واتحاده كهوية سياسية جامعة ومشتركة،
وهي الهوية التي لا يمكن قيامها إلا
على أسس سياسية ومبادئ وقيم إنسانية.
فاستراتيجية إجهاض الثورة
الديمقراطية، من حيث هي أيضا ثورة تكون
الشعوب كقوة مستقلة ومصدر شرعية
السلطة والحقوق المدنية والسياسية،
تقوم على عدم الاعتراف داخل المجتمع
سوى بما يعزز الانقسامات والتمايزات
القبلية والطائفية، وعلى عدم
الاستجابة إلا للأمور المطلبية الخاصة
بكل قبيلة أو طائفة. وذلك من أجل تجنب
الاستجابة للمطالب الديمقراطية التي
تعني الجميع وتتعامل معهم كمواطنين
متساوين وتتوجه إليهم كأفراد لا أبناء
عشائر وقبائل وطوائف. وبالعكس، تستدعي الاستجابة للمطالب
الديمقراطية، التي تتلخص في الاعتراف
بسيادة الشعب لا بالوصاية عليه،
وبالمواطنة المتساوية للجميع، تجاوز
التمثيل الطائفي والعشائري والجهوي،
والتوجه مباشرة للمواطن كفرد، وإقرار
الحقوق الأساسية للشعب ككل، أي أولا
بحق الشعب في أن يقرر وحده من يحكمه،
وثانيا في الحوار مع ممثليه
السياسيين، أو رجال السياسة والقانون
والثقافة، من أجل وضع التشريعات
وتحقيق التعديلات الدستورية وتحديد
الأجندة الزمنية اللازمة لترجمة مبادئ
الديمقراطية في الواقع العملي. هذا النمط من الاصلاح الرامي قبل أي شيء
آخر إلى تقسيم الشعب ومنعه من التكون
كقوة مستقلة ومصدر للشرعية والسيادة،
كما تعبر عنها النظم الديمقراطية، هو
ما سعى إليه أيضا من قبل نظام مبارك
عندما دفع بوزير داخليته إلى تفجير
كنيسة القديسين في الاسكندرية لتبعث
الفتنة الطائفية بين المسلمين
والأقباط، حتى يبرهن على أن الفوضى هي
النتيجة الطبيعية للحرية، ويبرر
استمرار نظام القمع وضرورة تجديد
البيعة للسلطة الاستبدادية الأبوية.
وهذا ما فعله النظام اليمني وما يفعله
النظام الليبي عندما هددا بالفتنة بين
القبائل، معتقدين أن الولاءات القبلية
ينبغي أن تكون أسبق من الولاءات
السياسية الجديدة الطامحة إلى بناء
فضاءات المواطنة الرحبة والمنفتحة. لم يعد لهذه الأنظمة جميعا إلا رسالة
واحدة، هي تفجير مجتمعاتهم من أجل
الاستمرار في إخضاعها وسلب إرادتها
وحرياتها ومواردها، وفرض الإذعان
عليها، وشدها نحو عصور الظلام الكئيبة.
وعلى رغم انني على ثقة من أن الشعوب لن
تضحي بحرياتها المنشودة وحلمها بحياة
جديدة حرة وكريمة في سبيل سفاسف
وحساسات وحسابات قديمة وانتقامات لا
أخلاقية وتافهة، لا تفيد إلا الطغاة
وأعداء العرب أجمعين، إلا أننا لا
ينبغي أن نستهين بما يمكن أن تفعله طغم
فقدت صوابها، ولم يكن لديها يوما شعور
بالمسئولية تجاه بلدانها، وما يمكن أن
تنصبه للشعوب من أفخاخ تكلفها ضحايا
كثيرة، وربما تؤخر يقظتها وولادتها
الجديدة لسنوات طويلة قادمة. وما فعله
القذافي وأفراد عائلته الذين ورطوا
شعبهم في حرب جرت عليه الدمار وكرست
التدخل الدولي في شئونه، لايزال ماثلا
أمامنا. باسم هذه الشعوب المقهورة
وحقها في أن تعيش بسلام وتحرز تحررها
أدعو جميع المثقفين العرب والوطنيين
إلى ان يرفعوا عاليا، وفي كل مكان من
الأرض العربية، راية المقاومة العنيدة
لاستراتيجيات الفتنة الطائفية هذه وأن
يدينوا بصوت مرتفع أصحابها من النظم
العقيمة والمعقمة التي تفضل تدمير
بلدانها على فتح باب المشاركة في
السلطة لشعوبها ============== أذربيجان ، باكو وكالة ترند
13 أيار، 2011 بقلم
روفيز حافظ اوغلو رئيس قلم التحرير
للشرق الاوسط لدى وكالة ترند للأنباء
الدولية ولا فرق من حيث الماهية بين ما يجري في
سوريا بين حكومة بشار الاسد ومعارضي
النظام من الاصطدامات الدموية وبين ما
قد حدث في الدول العربية الاخرى من
الثورات . وعلى الرغم من حساب كثير من المحللين
السياسيين بدء انهيار النظام السوري
ببداية العصيان في البلد فان امتداد
الاحداث ابدى كون نظام الاسد غير ضعيف
كما كان يحتمل . وبهدف الحيلولة دون اعمال شغب مستمرة غير
هادئة وعد الرئيس الاسد للشعب باجراء
اصلاحات موسعة بعد الغاء الاحوال
الطارئة المستمرة في البلد منذ 1963
وأقال الحكومة في 29 نيسان . وكان من المتوقع ترسخ الاستقرار في البلد
من خلال الغاء الاحوال الطارئة واقالة
الحكومة غير أن الشعب لم يتفق على "تنازلات"
الحكومة هذه وعلى اصلاحات متأخرة وطفق
يطلب استقالة الاسد ، مما قاد إلى
انتشار اصطدامات جارية بين الشعب
والحكومة على عدد من المدن الكبرى
للبلد . ونشر مركز الدراسات
الاستراتيجية العربية الشرقية مقره في
لندن كمية للضحايا بلغت 827 مع أن
المصادر الرسمية تشير إلى سقوط 170 ضحية
منهم 100 جندي . وأدى جريان الحوادث دراماتيكيا وازدياد
عدد ضحايا سقوطا من المسالمين إلى
اتخاذ المنظمات الدولية تدابير ضد
سوريا وذلك أن الاتحاد الاوربي تبنى
رزمة من العقوبات تحظر على توريد
الاسلحة والمعدات الحربية إلى البلد
وكذلك على دخول 13 مسؤولا سوريا يعدون
مسؤولين عن مقتل مسالمين خلال اعمال
الشغب المذكورة فضاء الاتحاد الاوربي . ومن جهة اخرى ، لم نشهد من فعالية لانقرة
وطهران ازاء سوريا المتميزة من نوعها
وما يجري فيها من الاحداث مثلما نشطتا
ضد زعماء تونس ومصر وليبيا من تصريحات
منتقدة في احداث كانت تجري في تلك
البلاد . وجاء من الطريف ابداء طهران موقفها من
احداث سورية ، اذ أسمت العاصمة
الايرانية ما يجري في اراضي حليفتها من
الاحداث فتنةً وخططا للدول العدوة . وفي الاصل ، أن تغير السلطات في سوريا لا
يصلح لا لطهران ولا لانقرة ، لأن انقرة
كلما تهتم بدمقرطة المنطقة فان غياب
بديل خطير من حكومة الاسد في البلد
يجبر تركيا على تحرك حذر في هذه القضية
. كما هناك كثير من المحللين السياسيين
يعدون أن ما يجري في سوريا من اعمال
الشغب تقف وراءها منظمة اخوان
المسلمين وانها هي التي ستتولى
السلطات بعد تنحي الاسد ، بيد أنه اذا
نرصد الاحداث بدقة نر عدم امتلاك
المنظمة قوة سياسية قوية إلى حد في
سوريا خلافا من مصر . ولأن حكومة حافظ الاسد لم تتأخر عن الرد
في وقته على اعتراضات اخوان المسلمين
بمدينة حماة السورية في شباط 1982 مما
قاد إلى قتل ما يقارب 20 الف اسلامي في
المدينة خلال اصطدامات جرت عدة أيام ،
الامر الذي اسفر عن ضياع اخوان
المسلمين قوتها لدى سوريا . ولو استبدلت حكومة الاسد بمثلها لاخوان
المسلمين فانه لن يخدم لصوالح الحكومة
الاسلامية الحرة التركية ، لأن وجود
سلطة ضعيفة في سوريا الغنية عرقيا
ودينيا امرٌ يعرض تركيا للخطر . ومن عوامل تتحذر منها انقرة عامل كردي في
سوريا لان تركيا تتخوف من احتمال امكان
تسرب اعضاء حزب العمال الكردستاني
الارهابي إلى تركيا بصفة لاجئين بخروج
الاوضاع من تحت المراقبة في سوريا . وطبعا ، تجتنب تركيا من الادلاء بتصريحات
حادة ازاء سوريا آخذا كل هذا بعين
الاعتبار إلا أنه متوقفا من جريان
الاحداث يتضطر تركيا عاجلا أم آجلا إلى
تجديد سياستها من دمشق في ظلال ما يجري
في سوريا المجاورة . وفيما يخص دعم طهران لحكومة الاسد فيمكن
القول إن هذا يجرى تحت حذر من ضياع معقل
مثل سوريا . وفي الاصل ، تدرك طهران جيدا أن عصيان
سوريا ليس فقط ارادة الشعب بل في الوقت
ذاته مدعوم دعما مخططا له من جانب
الدول الاخرى للخليج لأن سوريا مهما تك
بلدا عربيا فان نخبتها السياسية تتألف
من علويين مقربين من الشيعة وخلافا من
الدول الاخرى لها علاقات اوثق مع ايران
. واما هدف الدول العربية فهو خفض تاثير
ايران الملقي رعبا في قلوب الدول
العربية للمنطقة . وملخصا ما سردنا اعلاه فيسعنا القول بناء
على المسرود أنه مهما تدعا الثورات
العربية انقلابات شعبية فان الدول
للمنطقة تثير وتفضل كثيرا ما مصالحها
السياسية على ارادة الشعب . =============== الموقف التركيّ من
الأزمة السوريّة: التداعيات
والتوقعات بقلم: سمير صالحة الامان 14-5-2011 خرجت حكومة حزب العدالة والتنمية من
موجتي التغيير في تونس ومصر بأقل
الخسائر والأضرار، بعدما كشفت عن
موقفها منذ البداية في رفض بقاء
الرئيسين المصري والتونسي في السلطة،
لكنها تعثرت في الطريق الليبي ولم
تسترد أنفاسها إلا قبل أيام بعدما نطقت
بالعبارة التي تجنبت قولها لأسابيع
كاملة «حان وقت رحيل القذافي». فحكومة رجب طيب أردوغان تستعد لمواجهة
امتحان «المأزق السوري» الذي ما زال في
بدايته، وقد يعرض كل ما شيّدته أنقرة
من علاقات ومشاريع تعاون ثنائي
وإقليمي للخطر حتى ولو اختارت منذ
البداية كفة المعارضة وتبنت مواقفها
وضرورة الإصغاء إلى ما تقول. فأنقرة فوجئت بسرعة وصول موجة التغيير
إلى سوريا، بعدما كان الرئيس السوري
يطمئنها إلى أن البلاد محصنة وأن
الداخل السوري لا يشبه تونس ومصر
واليمن، وكانت تثق بقدرة الرئيس الأسد
على الإسراع في دفع عجلة الإصلاح التي
تحدّث أكثر من مرة بشأنها أمام
المسؤولين الأتراك، واكتشفت باكراً أن
رهانها الوحيد على النظام لن يكون
الحل، وأن الثقة المطلقة بالرئيس
الأسد تتعارض مع أسلوب وطريقة معالجة
الأزمة بعد الذي أظهرته القيادة
السورية في طريقة تعاملها مع مطالب
المعارضة «العادلة والمحقة»، كما
وصفتها قيادات العدالة والتنمية أكثر
من مرة. الإجراءات التركية والأزمة السورية نظرة خاطفة على الإجراءات التركية
الأخيرة حيال ما يجري في سوريا وطريقة
تعامل النظام السوري مع أزمته، تؤكد أن
مسار العلاقات بين دمشق وأنقرة خرج من
فترة شهر العسل، وأن حجم المخاطر
المحدقة بمستقبل العلاقات بين البلدين
كبيرة إلى درجة قد تطيح كل ما تم تشييده
في السنوات الأخيرة. أبرز هذه
الإجراءات: - مجلس الأمن القومي التركي يناقش لساعات
طويلة موضوع الأزمة السورية على ضوء
التقرير الذي أعده رئيس جهاز
المخابرات التركية هاقان فيدان بعد
أكثر من لقاء سري وعلني بالرئيس بشار
الأسد. - جرى أكثر من اتصال هاتفي مباشر بين رجب
طيب أردوغان والرئيس السوري لتقويم
الأحداث في المدن السورية. - تدابير أمنية ولوجستية تركية عاجلة في
مناطق الحدود المشتركة، وقرار
بالاستعداد لموجات نزوح من المدن
السورية الشمالية باتجاه الداخل
التركي. - فتح الأبواب أمام المعارضة السورية
بكافة فصائلها وأطيافها لعقد اجتماعات
لها في تركيا تحت شعار «لقاء اسطنبول
من أجل سوريا» وتوجيه رسائل عبرها إلى
القيادة السورية، وهي تعرف مسبقاً أن
ذلك يغضب دمشق ويقلقها. - إعلان الثلاثي التركي (عبد الله غل ورجب
طيب أردوغان وداود أوغلو) أن أبواب
تركيا ستكون مشرعة أمام السوريين
الذين لا يشعرون بالأمان. والتصريحات الأخيرة للزعماء الثلاثة حول
ما يجري في سوريا وحول سبل المواجهة
والمعالجة، إضافة إلى ما سبق، كلها
تطرح أكثر من سؤال ومن علامة استفهام
تنتظر الإجابة عنها: - هل انتهى ربيع العلاقات التركية السورية
أمام ولادة ربيع الثورات العربية؟ - هل يقود تراجع العلاقات إلى تدهورها
والعودة بها إلى ما قبل عام 2000 حيث كانت
في ذروة التراجع والخطورة؟ ما هي التداعيات والتوقعات وكيف ستكون
نهاية المطاف والخيارات البديلة
بالنسبة إلى البلدين؟ الملفات المشتركة والمدركات المتبادلة تعرف تركيا أنها دخلت أكثر من منطقة وملف
وقضية بدعم وغطاء سوري مباشر، سواء كان
ذلك في ملف الأزمة اللبنانية أو في
العلاقة التي بنيت وترسخت مع حزب الله
وحركة حماس والكثير من المنظمات
الفلسطينية. وتدرك أن تقاربها مع دمشق كان عاملاً
أساسياً في انفتاحها المتزايد على
إيران وتوسيع رقعة التعاون الثلاثي
بين هذه البلدان حيال أكثر من أزمة
إقليمية. وهي تعرف أيضاً أن توسيع رقعة
انتشارها وتمددها التجاري والاقتصادي
باتجاه الأردن كان لا بدّ أن يمر عبر
سوريا ومباركتها ومشاركتها. وبالمقابل إن سوريا على دراية تامة بأن
تركيا وفرت لها الغطاء اللازم للخروج
من أكثر من ورطة إقليمية ودولية، وأن
أردوغان لعب دور العراب للتقريب بين
دمشق وأكثر من عاصمة غربية وحتى عربية. ولا أحد ينكر أن تركيا في السنوات الثماني
الأخيرة جعلت من سوريا مركز الثقل في
سياستها الإقليمية، وأعطتها الأولوية
والأفضلية في الكثير من حملات
الانفتاح والتوسع الاقتصادي
والسياسي، ما أخرجها من عزلتها
الدولية أولاً، ثم جعلها شريكاً
مباشراً لأنقرة في أكثر من اتفاقية
تجارية وإنمائية عربية وإقليمية. أما اليوم، ومع انطلاق قطار الثورات
العربية وتوقفه في محطتي تونس ومصر،
فقد سارعت القيادة التركية بقلق كبير
باتجاه الحليف السوري لتحذيره من «الانعكاسات
السلبية» إذا لم يجر التعامل مع الحالة
القائمة والمرحلة المقبلة بواقعية
وعملية وسرعة. وكان رجب طيب أردوغان أول من افتعل سبباً
لزيارة دمشق في مطلع شباط المنصرم، ثم
تبعه وزير خارجيته أحمد داود أوغلو،
لنكتشف لاحقاً أن رئيس جهاز المخابرات
التركية هاقان فيدان قصد دمشق هو الآخر
أكثر من مرة، وأن الرسائل والمطالب
كانت واحدة: - محاولة إقناع الرئيس السوري بتبني فكرة
الإصلاح والتغيير بأسرع ما يمكن،
والتعامل بجدية مع النصائح والمطالب
التركية، وأخذ خريطة الطريق المطروحة
من قبل أنقرة بعين الاعتبار إذا كانت
القيادة السورية تريد الخروج من
مأزقها بأقل الخسائر والأضرار. والجدير بالذكر أن أنقرة وضعت أمام
الرئيس الأسد عدداً من الاقتراحات
والمطالب التي تركزت على: إعلان حكومة سورية جديدة تجمع كافة
الأحزاب والميول السياسية
والاجتماعية الفاعلة، وقف العنف ضد
المدنيين والتراجع عن خيار الحسم
العسكري، العمل على تسريع عجلة
الإصلاحات الدستورية والسياسية
والاجتماعية، والتعامل بجدية وعملية
مع مطالب مئات الآلاف من الأكراد في
سوريا. لكن الرياح التركية لم تدفع السفن
السورية إلى حيث تريد، فصورة الوضع
القائم اليوم هي أن القيادة السورية
متمسكة بتحذير حكومة العدالة والتنمية
من «السقوط في فخ تضخيم» ما يجري، وأن
تساعدها على مواجهة مخطط «الفتنة
والمؤامرة» ضد سوريا. بينما تصر تركيا على الإسراع في إطلاق
إجراءات الانتقال بسوريا من دولة
الحزب الواحد إلى دولة ديمقراطية
تعددية تتبنى شعار القانون وتوسيع
رقعة الحريات، رافضة ما تروّجه دائرة
الصقور المحيطة بالرئيس السوري، التي
تقيد حرية تحركه وتعارض أي تغيير أو
ليونة في التعامل مع المعارضة. جدل سوري تركي حاولت بعض الأقلام والتحليلات السورية أو
المقربة منها أن تذكّر الأتراك بأن
التغيير في العالم العربي يتعارض مع
مصالح تركيا في الشرق الأوسط، وأن
أنقرة التي كانت تشغل فراغاً عربياً
سياسياً ودبلوماسياً ستجد نفسها
تتراجع نفوذاً وتمددا على الأرض عند
اكتمال الثورات العربية، ما يقودها
إلى تعديل سياساتها واستراتيجياتها
وتحالفاتها الإقليمية والدولية،
الأمر الذي ردت عليه كتابات وتحليلات
لإعلاميين وسياسيين مقربين من العدالة
والتنمية، يذكرون أن حكومة العدالة
والتنمية كانت دائماً السباقة في رفع
شعار التغيير والإصلاح في الشرق
الأوسط، وهي التي كررت مطلبها هذا في
أكثر من محفل عربي وإسلامي، لأن وجود
بلدان عربية وإسلامية منفتحة تتماسك
فيها العلاقات بين القيادات السياسية
والقواعد الشعبية وترفع شعار «المزيد
من الحريات والديمقراطية والعدالة»
بين شرائح المجتمع، ستكون مقدمة
لتغيير إقليمي حقيقي وفرصة لتعاون
إستراتيجي يقود نحو بروز تحالفات
كفيلة بإنجاز مطالب الأمن والاستقرار
والتعاون بين دول المنطقة. فالرئيس التركي عبد الله غل أكد أن تركيا
تستعد لأسوأ الاحتمالات في الموضوع
السوري، ورغم أنه لم يكشف عما يقصده
بكلامه هذا، إلا أنه سهل لنا قراءة
الموقف التركي في المرحلة المقبلة
وطريقة تفكير قيادة العدالة والتنمية
إذا ما سار ملف الأزمة السورية، بعكس
ما تشتهي وتريد الرياح التركية. وما يردده فريق عمل حزب العدالة والتنمية
ابتداء من إبراهيم كالين أقرب
المقربين إلى داود أوغلو وأردوغان،
مروراً ب «أرشاد هرموزلو» كبير
مستشاري الرئيس عبد الله غل في قضايا
الشرق الأوسط والعالم العربي، وانتهاء
بما يقوله عمر تشليك ومراد مرجان أهم
العقول المخططة للسياسة الخارجية في
الحزب، لا يحتاج إلى نقاش وتحليل مطوّل: المطلوب عاجلاً عدم إهدار الفرص
المتوافرة أمام النظام السوري،
والواجب استغلالها بأسرع ما يكون على
طريق الإصلاح وتوفير الاستقرار. ما قد تقوم به القيادة السورية اليوم هو
الفرصة الأخيرة لوقف أي تدخل خارجي في
الملف السوري، وعلمتنا التجربة
الليبية أن الرهان على الصين وروسيا لن
يستمر طويلاً. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |