ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 16/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

عندما تهاوت تماثيل حافظ الأسد

أمجد ناصر

الجزيرة

15-5-2011

قد يكون صدور الترجمة العربية لكتاب "السيطرة الغامضة" للكاتبة والأكاديمية الأميركية ليزا وادين في هذه الأوقات التي تمرُّ بها سوريا مجرد مصادفة. فهذا الكتاب، الصادر حديثاً عن دار رياض الريس للنشر يتناول حقبة الرئيس السوري حافظ الأسد من خلال قراءته للخطاب السياسي السوري الرسمي والرموز والاستعراضات التي عمدت إليها أجهزة السلطة الحاكمة لخلق ظاهرة "تقديس الحاكم"، القائد الذي سيظل على رأس شعبه إلى الأبد.

إن صدور كتاب ليزا وادين -الذي وضع في الأصل كأطروحة جامعية- متزامناً مع الانتفاضة الشعبية السورية مجرد مصادفة على الأغلب، ولكنها المصادفة التي يقال إنها خير من ألف ميعاد، فهو كتاب بحثي رصين قضت مؤلفته سنين عديدة في جمع مادته الأرشيفية ومحاورة سوريين وسوريات من مختلف التيارات السياسية والمذاهب الطائفية أثناء إقامتها في سوريا، وشخَّصت فيه ببراعة المكوّنات التي قام عليها نظام حافظ الأسد، واستمرت في العمل من دون تعديل جوهري في عهد ابنه.

نقرأ الكتاب -الذي نقله إلى العربية نجيب الغضبان- فنقع على تواصل مثير للدهشة لحكم الابن (بشار) كأنه امتداد لا شغور فيه، تقريباً، لحكم الأب (حافظ)، ومن دون تغير كبير في أحوال البلاد التي أُخضعت لحكم مزَجَ، بمكرٍ، مرةً، وقسوةٍ، مرةً أخرى، بين شعارات الأيديولوجيا القومية (البعث) والقبضة البوليسية الصارمة والاستئثار العائلي بمراكز القرار والتقديس المطرد لشخص الحاكم.

شرعية الانقلاب

أخرج من كتاب ليزا وادين قليلاً كي أستعرض وصول مقاليد حكم سوريا إلى يد بشار الأسد. نتذكر أن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد كان أحد أركان انقلاب 23 فبراير/شباط عام 1966 الذي قاده صلاح جديد، رجل البعث القوي في تلك الفترة، ضد حكم بعثيّ، أيضاً، مثَّله زعيم الحزب ميشيل عفلق في "القيادة القومية" وأمين الحافظ في رئاسة الجمهورية.

لم يكن حافظ الأسد في الصدارة، تلك المنزلة احتلها صلاح جديد، وإن توارى وراء الرئاسة شبه الفخرية للدكتور نور الدين الأتاسي، وتشير الأدبيات التي أرَّخت لحزب البعث في سوريا إلى أن خلافات حادة اندلعت بين صلاح جديد وحافظ الأسد على خلفية تعميق المحتوى اليساري لحزب البعث الذي أخذ يقترب في ظل قيادة صلاح جديد، من مفاهيم الماركسية اللينينية، وهو توجّه ناهضه على ما تقول تلك الأدبيات، حافظ الأسد ذو الميول السياسية المحافظة والمتطلّع إلى انفتاح أكبر على العالم الغربي.

غير أن انفجار الموقف بين الرجلين لم يحدث إلا في عام 1970، عندما قاد الأسد انقلاباً على رفيقه صلاح جديد وأركان النظام القائم الذي شغل فيه الأسد حتى تلك اللحظة منصب وزير الدفاع وقائد القوات الجوية. اعتقل صلاح جديد وسائر أركان قيادته وأطلق حافظ الأسد على انقلابه اسم "الحركة التصحيحية"، أي الحركة التي ستصحح المسار "المنحرف" لحزب البعث بقيادة صلاح جديد.

ومن المعروف بالطبع أن صلاح جديد توفي في السجن بعد نحو ثلاثة وعشرين عاماً من الاعتقال، فيما أُطلِق سراح الرئيس نور الدين الأتاسي كي يموت خارج السجن.

كان انقلاب حافظ الأسد على رفيقه صلاح جديد آخر انقلاب عسكري تعرفه سوريا، حيث دخلت البلاد حالة من "الاستقرار" القائم على قبضة أمنية صارمة لم تعرفها سوريا من قبل، أخمدت كل صوت معارض للنظام وأمَّنت لحافظ الأسد فترة طويلة من الحكم استمرت نحو ثلاثين سنة، ومكَّنته بالتالي من توريث الحكم الجمهوري، في أول سابقة عربية من نوعها إلى ابنه.

كان حافظ الأسد كما هو معروف، يعد ابنه الأكبر باسل الذي تلقى تربية عسكرية لخلافته غير أن حادث سير على طريق مطار دمشق أودى بحياته فانتقلت عملية "التأهيل"، حثيثاً إلى الابن الثاني بشار الأسد، طبيب العيون الذي لم يكن قد بلغ السنَّ القانونية التي ينص عليها الدستور السوري لرئاسة الجمهورية عندما توفي والده عام 2000، فجرى تغيير تلك المادة الدستورية سريعاً كي تناسب عمر بشار الذي كان في الخامسة والثلاثين من العمر، بينما كانت المادة المعدَّلة من الدستور تنصُّ على أن يكون عمر رئيس الجمهورية أربعين عاماً.

الأخ الأكبر

أعود إلى كتاب "السيطرة الغامضة" لليزا وادين الذي أقتصر مقاربتي له من زاوية "صناعة الدكتاتور" أو " تقديس الزعيم"، يبدو حافظ الأسد، كما تقرأ وادين فترة حكمه، شبيها بالأخ الأكبر في رواية "1984" لجورج أرويل. إنه "حاضر في كل مكان وهو عالم بكل شيء"، هذا ما دأب الخطاب السياسي السوري الرسمي على تقديمه للسوريين.

لم يكن الأمر كذلك في بداية حكمه ولكنَّ صورة "القائد الخالد" راحت تظهر شيئاً فشيئاً إلى أن أصبحت "أيقونة" الحياة السورية العامة، لم يعد هناك مكان ليس فيه صورة أو تمثال لحافظ الأسد، ففيما كان زعماء البعث السابقون يتوارون وراء شعارات الحزب، ليس لهم صور ضخمة في الشوارع وبالكاد يطلون مباشرة على "الجماهير"، عمد أركان حكم حافظ الأسد بتشجيع منه إلى تحويل "المجرد" (القائد) إلى ملموس.

لم يعد "الرفيق المناضل" شبحاً في مقر "القيادة القطرية"، ولا مجرد عسكريٍّ ببزةٍ كتانيةٍ في وزارة الدفاع، إنه حاضر في حياة السوريين اليومية، صوره وتماثيله في كل مكان، تراه في كل عدد من الصحف اليومية وفي مقدمات نشرات الأخبار التلفزيونية، وعلى واجهات المباني العامة بصور تبلغ أربع أو خمس مرات الحجم الطبيعي.

صانع الصورة

إذا كانت صور حافظ الأسد قد بدأت في الظهور بُعيد حركته "التصحيحية" فإنها لم تبلغ حديَّ التعظيم والتقديس سوى في فترة لاحقة, وليست هناك بداية محددة لظهور محاولات التعظيم. تقول الكاتبة إن مصادرها في دمشق أخبرتها أن حافظ الأسد هو الذي شجَّع هذا الاتجاه في الوقت الذي رأى فيه وزير إعلامه جورج صدقني (1973 1974) أن وضع صور الرئيس على أغلفة الكتب المدرسية "يثير حساسيات دينية".

ويبدو أن الفضل في النقلة التي عرفتها حملة تعظيم الأسد وترقيتها إلى مستوى التقديس تنسب إلى وزير إعلامه الشهير أحمد إسكندر أحمد (كما يشير إلى ذلك باترك سيل في كتابه عن حافظ الأسد)، الذي أدار الإعلام السوري بدءاً من عام 1974 وحتى وفاته عام 1983.

توضح ليزا وادين أن أحمد إسكندر أراد من خلال العمل على تعظيم رئيسه وصولاً إلى حد القداسة أن يواجه توترات الحياة السورية العامة أثناء المواجهات العنيفة مع الإخوان المسلمين التي توّجت بمجزرة وقعت في حماة راح ضحيتها نحو عشرين ألف مواطن سوري عام 1982.

ما يبدو مهما في حملة تعظيم شخصية حافظ الأسد أنها استطاعت أن تحوّل الاهتمام من الحزب والسلطة إلى شخص الرئيس نفسه، فلا صورة تعلو على صورته، وحتى الشعارات والأفكار والمفاهيم التي سبقته، ولم يكن له فيها يد، بدت من صنعه ومن لدنه.

في ما مضى كان الحزب هو السلطة العليا في سوريا، الحزب هو قائد الدولة والمجتمع، فصار حافظ الأسد بُعيد سنوات قليلة من استيلائه على الحكم، هو الحزب وهو القائد وأصبح الحزب مجرد لافتة، أو ورقة توت تستر عري نظام فردي لا مرجع له سوى الرئيس القائد.

اختراع سوري بحت

اقتبس حزب البعث، ونظامه في سوريا، الكثير من المفاهيم النظرية والتطبيقات العملية من الأنظمة الاشتراكية الأوروبية الشرقية لكن "تقديس القائد" كانت إضافة سورية خالصة، قد تشاطرها فيه دولة اشتراكية واحدة هي كوريا الشمالية، عدا ذلك لم يكن للأمين العام للحزب أو رئيس الجمهورية في "المنظومة الاشتراكية" السابقة هذا الحضور الكليّ الضاغط الذي بدا فيه حافظ الأسد.

تقول ليزا وادين في كتابها "يصور حافظ الأسد في الخطاب السياسي السوري المعاصر، عموما، على أنه حاضر في كل مكان وأنه عالم بكل شيء، ويظهر الأسد من خلال الصورة المنشورة في الصحف بصورة "الأب" و"المناضل" و"المعلم الأول" و"منقذ لبنان" و"القائد إلى الأبد" و"الفارس الشهم" (في إشارة إلى أنه صلاح الدين الأيوبي المعاصر) اقتفاء لأثر صلاح الدين الأصلي الذي استعاد القدس من سيطرة الأعداء الصليبيين (...).

وتشهد الأيقونات ذات الصبغة الدينية والشعارات التي تزين الأبنية ونوافذ السيارات وأبواب المطاعم، بخلوده، وتشكل هذه الحالة إحدى العلامات المميزة للنظام الأسدي".

لكن هذه الصورة المفروضة على السوريين لم تخلق، برأي ليزا وادين، قناعة عميقة بجوهرها، فالاصطناع فيها واضح، والسوريون يستهلكونها على مضض، فلم تكن تلك الصورة هي التي ركَّعت السوريين وكتمت أصوات معارضتهم للنظام بل آلة قمعه الرهيبة.

وفي هذا السياق تلاحظ الكاتبة أن الحماسة التي كان يبديها الجمهور العريض لأي ظهور لجمال عبد الناصر مثلاً، في مناسبة عامة لم تكن هي نفسها التي يبديها الجمهور السوري(ناهيك عن العربي) لحضور حافظ الأسد مناسبات مماثلة، حتى وإن كان عدد "الخارجين" لتحيته مماثلا، فثمة شيء مصطنع في الحالة الثانية، ثمة شيء ممسرح فيها، ثمة إعداد مسبق من المطبخ الداخلي لصانعي صورته لابراز "حضوره" الجماهيري.

فالسوريون -كما تقول ليزا وادين- قد أجبروا في وقت من الأوقات على "تطويع مواهبهم" لخدمة الدعاية الرسمية، ف"الشباب طالما دعوا للمشاركة في المسيرات التي تنظم من قبل (المنظمات الشعبية)، والشعراء وأساتذة الجامعات والفنانون والكتاب المسرحيون مطالبون، بشكل دوري، بالمساعدة في ترتيب الاستعراضات الشعبية وأن يسهموا في الحفاظ على مظاهر تعظيم الأسد، كما يطلب من اتحادات العمال والفلاحين وأعضاء المنظمات المهنية أن يحيوا الشعارات والمظاهر التي تمجد الحزب والرئيس".

 ******

وبصرف النظر عن ما إذا كانت محاولات صنع أسطورة الأسد وتقديس شخصه قد نجحت في "تطويع" السوريين أم لا، فإن مواهب حافظ الأسد الشخصية غير الكارزمية في طبيعتها وجوهرها تكمن في مكان آخر، إنها في إنتاجه نظاماً أمنياً متاهياً بامتياز، في ذلك العدد من أجهزة الأمن التي لا تكتفي بمراقبة المواطنين وإحصاء أنفاسهم، بل ربما في مراقبة بعضها بعضا.

بالإمكان، هنا، إضافة "السياسة الخارجية" إلى مواهب الأسد الأب، فقد تمكَّن الرئيس الراحل من صنع سياسة خارجية قائمة على الجملة القومية وفكرة مقاومة المحتل والأطماع الغربية في المنطقة للتغطية على سياسته الداخلية المرتكزة إلى تركيع المواطنين عبر أجهزته الأمنية المتعددة. كما استخدم حافظ الأسد في براعة أيضاً، الموقع الجيوبوليتيكي السوري لإدامة نظامه ومدّه بشرايين حياة وأطواق نجاة كلما ضاقت عليه السبل.

هذه النقطة، تحديداً، هي الإرث "الذهبي" الذي يستند إليه نظام ابنه بشار الأسد ويمنحه شيئاً من الشرعية في أعين سوريين وعرب رأوا في "دعمه" حزب الله وحركة حماس مثالاً على البعد القومي للسياسة الخارجية السورية.

 لكن "سياسة المقاومة" السورية اكتفت، غالباً، بالإنشاء السياسي والبلاغي ولم تتعد -في قضية الجولان المحتل مثلاً- حدود الكلام، إذ لم تشهد جبهة تشرف على حدودها قوات دولية الهدوء المطلق الذي شهدته الجبهة السورية مع إسرائيل. إنها الجبهة التي يسترخي على حدوده فيها جنود "القبعات الزرق" تحت سماء لا تعكّر صفوها طلعة طيران سورية واحدة، أو تخرق هدوءها رصاصة واحدة من الجانب السوري.

وبين نظامي الأب والابن تغيرت شعارات "المقاومة" ولم يتغير محتواها، ففي عهد حافظ الأسد كانت هناك شعارات "الصمود والتصدي" و"التوازن الإستراتيجي" مع إسرائيل، الذي لم يتحقق قط، فيما تميز عهد ابنه بشار في شعار "الممانعة". ورغم فراغ محتوى هذه الشعارات إلا أنها أمنت للنظام موقعاً خاصاً بين الدول العربية التي عقدت صلحاً منفرداً مع إسرائيل أو تلك التي تسعى لإقامة علاقات معها من تحت الطاولة.

بقاء سوريا في منتصف المسافة بين الحرب والسلم هو إستراتيجية مدروسة ورثها الابن من عهد أبيه وسار عليها، ونجحت في بقاء النظام كل هذا الوقت من دون "مغامرة" عسكرية أو سياسية تنال من بريق "مقاومته" و"ممانعته".

تحطيم الرموز

وأخيراً لم تكن مجرد مصادفة أن تبدأ الانتفاضة السورية ضد النظام الأسدي بتحطيم "الأيقونات"، من درعا إلى الرستن مروراً بكل مدينة وبلدة وصلتها الانتفاضة، كانت تماثيل حافظ الأسد وابنه باسل والصور العملاقة لبشار الأسد هدف المنتفضين الأول. أدرك شباب الانتفاضة أنَّ تحطيم النظام مادياً يبدأ بتحطيمه رمزياً، كسر جدار الخوف يبدأ من الأنصاب التي تمثل رمزاً للخوف والتركيع والقهر.

كما أن ليس من الصدفة في شيء أن المدن والبلدات السورية التي تجرأت على تحطيم رموز "التطويع" هي التي تعرَّضت إلى تنكيل أكبر من غيرها، ومهما كان مآل الانتفاضة السورية الراهنة، سواء وصلت إلى حدّ إسقاط النظام أم لا فإنها قد أسقطته رمزياً، أفقدته شرعيته"، حطَّمت أيقوناته وأزاحت، جانباً، هالات الخوف والقداسة التي أحيطت بها.

يقال إن النظام السوري براغماتي ونفعي وكاظم للغيظ وإنه قليلاً ما يستشعر الإهانة التي توصف عادة بأنها أمرُّ شعور يخالج العربي، ولكني أزعم أنَّ هذا الشعور بالإهانة قد أحسَّت به الحلقة العائلية الحاكمة في سوريا وهي ترى "أيقوناتها" تتهاوى واحدة بعد الأخرى، كل تمثال عائلي سقط، كل صورة عملاقة للأب والابن والأخ هوت على الأرض كانت تهزُّ الحكم من أعماقه

===================

سقط النظام العربي القديم... لكنه ما زال يعمل في لبنان

الأحد, 15 مايو 2011

حازم الأمين

الحياة

لن يُصاب خطاب الممانعة والمقاومة بأي اضطراب جراء تصريح السيد رامي مخلوف الى صحيفة «نيويورك تايمز»، والتي قال فيها ان أمن سورية من أمن اسرائيل. فلهذا التصريح قوة لطالما طوعت مشاعر مستقبليه، ممن يقولون، من دون ان يصدقوا، ان قوة سورية تكمن في خيار المواجهة، وأن استهدافها مصدره خيارها هذا... وعلينا نحن أيضاً ان نقول ان قوة النظام في سورية تكمن في تكرار حاملي خطاب المواجهة ما لا يقبله عقلهم، وإصرارهم على طرد ما تراه أعينهم.

والحق ان مساجلة خطاب الممانعة في هذه اللحظة، وإن بدت مغرية بسبب تعرضه الى امتحان عسير، لا تبدو مجدية حتى لمن يعتقدون انها اللحظة المناسبة للانقضاض عليه، ذلك انه لم يكن يوماً في موقع أفضل، خصوصاً اذا ما تم اختبار ذلك في منطقة الذروة فيه، أي على طول «خط المواجهة» بين لبنان وسورية، فهو ابتذل الى حد يهين ذكاء من يُعد نفسه لنقاشه. فقد كرر نواب لبنانيون حلفاء لسورية ما قاله مخلوف في اليوم الثاني من دون ان يشعروا للحظة ان في تكرارهم ما قاله إضعافاً لخطاب لطالما دأبوا على مقارعة خصومهم به. وهم على كل حال محقون بذلك، فهم يتوجهون الى عقول ليست من النوع الذي يعيد الخطاب الى متن والى جوهر، انما عقول شديدة الراهنية تقيس اللحظة والخطبة وفق حسابات ربح وخسارة لا قيمة فيها للمعنى وللمبنى، وهذا شيء يجب ان يبنى عليه.

فماذا مثلاً لو اقترح أحد تحويل الانقسام في لبنان، والذي أعطي بعداً جوهرياً يتمثل في خياري المواجهة والمخانعة، الى انقسام يستبطن هذه الدرجة من الوضوح التي كشفها تصريح مخلوف، وكشفتها أيضاً تصريحات نواب لبنانيين ممانعين. أي بمعنى آخر الانتقال بالنقاش الى الجوهر الفعلي للانقسام اللبناني، والإقلاع عن تغليفه بالمعاني الأخرى. الآن يمكن اللبنانيين ان يفعلوا ذلك، فالأوهام الأخرى استقدمت من الخارج، وهذا الخارج يعيش اليوم لحظة ضعف يمكن استثمارها من دون ان تنقض جماعة على أخرى.

فقبل أكثر من سنة أصيبت «14 آذار» بالوهن جراء تصدع المنظومة الاقليمية والدولية من حولها، واليوم بدأت بوادر حالة مشابهة تصيب «8 آذار». في الحالة الأولى استثمرت «8 آذار» اللحظة للانقضاض على «14 آذار» فأطاحتها من الحكومة، واليوم تكابد الاولى ما كابدته الثانية قبل نحو سنة. والظروف في الحالين ليست لبنانية على الاطلاق.

وفي لحظة من هذا النوع يحلو للسياسيين اللبنانيين القول ان حال الوهن الاقليمي تجعل لبنان مكشوف الظهر، ويثيرون الهلع في نفوس مواطنيهم. لكن ماذا لو اعتبرنا ان لحظة الوهن الاقليمي على طرفي الخاصرة اللبنانية هي فرصة للبحث في المعضلة الداخلية بعيداً عن الطموحات الاقليمية، وبعيداً عن الرغبة في الانقضاض. الفلسطينيون فعلوا ذلك في لحظة من هذا النوع، فما إن تغيرت الأوضاع في مصر واهتزت سورية، حتى التقطوا الاشارة وبادروا للمصالحة.

في لبنان الوضع أسهل، فلا حاجة للمصالحة، فقط نحتاج الى كشف للنيات. ثمة انقسام طائفي عميق ومغلف بخطاب الممانعة والمخانعة، ونحتاج الى مكاشفة واضحة والى وضع النيات على الطاولة.

الطائفية أسهل من تغليف المأزق بصدع «جوهري». انها قشرة خارجية لحياة فعلية يمكن الانتصار عليها عبر اتاحة المجال لحياة عادية يمكن فيها تصريف الحاجات وتوظيف الطموحات في قنوات لا تتغذى من مآزق خارجية.

اللحظة مناسبة بسبب الضعف الذي تكابده القوى الاقليمية المؤثرة في المعادلة اللبنانية، ولكنها ليست مناسبة بسبب اندراج القوى اللبنانية في منظومة ما قبل حركة التغيير في العالم العربي.

لن يجدي نفعاً الاستعداد للانقضاض على خطاب المواجهة في لحظة وهن يعتقد البعض انه يمر فيها، ذلك ان قوته لم يسبق ان استُمدت من انسجام او متانة، وهو كان على الدوام جزءاً من فوضى اللغة وفوضى المعاني وفوضى الاحوال التي كابدتها مجتمعات المنطقة. وفي لبنان تحديداً سبق ان تعرض هذا الخطاب لاختبارات مشابهة لم تهزه، فكيف يمكن ان ننسى واقعة قريبة تمثلت في تمرير «حزب الله» مسألة تعامل حلفاء له مع اسرائيل من دون ان يشعر باهتزاز في انسجام خطابه. واذا كان من جديد في ما كشفته وثائق «ويكيليكس»، فليس طلب وليد جنبلاط من الاميركيين المساعدة العسكرية، انما في ما نقلته هذه الوثائق عن حلفاء الحزب (كل الحلفاء) من كلام واضح ولا يقبل اللبس حول رأيهم الفعلي بالحزب. وعلى رغم ذلك لم يهتز خطاب الممانعة والمواجهة، وبقي عائماً على سطح الحياة السياسية.

قد يرد بعضهم صمت «حزب الله» على كلام حلفائه الى ضرورات المرحلة، لكن ذلك ليس دقيقاً على الاطلاق، فالحزب يعرف وقبل ان تُخبره وثائق «ويكيليكس»، حقيقة مشاعر حلفائه تجاهه، لكنه يعرف أيضاً ان المسألة لا تتمثل في اخلاص حلفائه ل «قيم الممانعة»، فهو وهم جزء من منظومة اقليمية في مواجهة منظومة اقليمية ثانية، وإسرائيل خارج هذا الانقسام تماماً.

اليوم اهتزت منظومتا الممانعة والمخانعة... ويرى السياسيون في لبنان ان بلدهم انكشف بفعل ذلك أمام الرياح الاقليمية. والسياسيون الذين يعتقدون ذلك انما يستمدون قناعتهم من وجودهم في نظام قديم، اذ ان خيالهم لا يمكن ان يساعدهم على تصور بلدهم من دون طموحات اقليمية فيه، واذا حانت لحظة من هذا النوع يرتعدون ويخافون.

هنا يمكن تحديد موضوع الثورة في لبنان، الثورة على النظام القديم، وليس على الطائفية بصفتها معطى داخلياً. فإذا أراد اللبنانيون الانضمام الى قطار حركات التغيير في العالم العربي عليهم ان يبدأوا بالقوى السياسية التي شكلت امتداداً للنظام العربي القديم، وهي هنا كل القوى السياسية، وليست فقط تلك القريبة من النظام في سورية.

هذا الأمر ممكن، والقول ان الطائفية أقوى من كل شيء ينفيه الكثير من الوقائع العربية. في اليمن مثلاً يُشارك الحوثيون الشيعة الى جانب الإخوان المسلمين السنّة في التظاهرات ضد النظام.

ما أجمل ان يحصل ذلك في لبنان... لكن ما أبعده.

===================

المعضلة السوريّة المزمنة: غياب «الميدان العام»

الأحد, 15 مايو 2011

بدرخان علي

الحياة

قبيل اندلاع الاحتجاجات الشعبيّة في سورية، كان كاتب هذه السطور من غير المتفائلين بحصول انتفاضة فيها، مثلما حصل في تونس ثمَّ في مصر، لأسباب مختلفة تماماً عن تلك التي طرحها إعلام السلطة، والرئيس السوري بنفسه في مقابلته المعروفة مع «وول ستريت جورنال»، وكذلك «أصدقاء» سورية اللبنانيّون، والعرب، حيث الرضا الشعبيّ الواسع عن سياسة الحكم والنظام بسبب «الموقف الوطنيّ والقوميّ» للقيادة السورية الممانِعة والداعمة لحركات «المقاومة» في المنطقة.

صدر التشاؤم آنذاك، ولم يزل بعد، عن فرضية أساسيّة تتعلّق باختلاف الحالة السوريّة عن نظيرتها التونسيّة والمصريّة لجهة علاقة الدولة - السلطة بالمجتمع وإمكانية القيام أصلاً بفعل احتجاجيّ كبير قد يرتقي إلى انتفاضة جماهيرية واسعة، وكذلك حجم التضحيات الهائلة المترتبة التي قد لا تفضي إلى النتيجة المتوخّاة، في المحصلة. وهذا رغم أنّ المؤشرات الاقتصاديّة والتنمويّة في سورية دالّة على إمكان التكهن، نظريّاً، باحتجاجات شعبية على الأوضاع المعاشيّة المتدهورة لقطاعات كبيرة من المواطنين، وذلك أكثر من تونس مثلاً، وإن لم تنحدر سورية الى سوية الفقر المدقع لفئات واسعة من السكّان في مصر، حيث الكثافة السكانية أعلى بكثير واللبرلة الاقتصادية المنفلتة من الضوابط أسبق هناك.

لكن في مصر، كما في تونس، كان ثمّة نظام تسلطيّ وفاسد لكن غير مملوك لشخص أو اثنين في النهاية. كان بالإمكان الحديث عن برلمانات هناك (غير فاعلة بالطبع) وعن مؤسسة عسكريّة حافظت على بعض تقاليدها وعن مجتمع مدنيّ متفاوت الحضور وعن أحزاب سياسية ونقابات وصحف. في المقابل كان هناك تراكم تدريجيّ للفعل الاحتجاجيّ منذ سنوات على الأرض، وصلت لشبه ثورة في تونس قبل اندلاع ثورتها الأخيرة بكثير. في مصر أيضاً كانت هناك معارضة ملموسة في الشارع ضدّ النظام، تجلّى ذلك في حراك يوميّ مناهض ومنافسة سياسيّة حتّى في انتخابات الرئاسة (بصرف النظر عن النتائج الآنية). في سورية لا شيء يذكر من هذا القبيل ولو بأدنى الدرجات. ليس من حادثة واحدة موجّهة ضدّ الوضعيّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ولا نتكلّم عن الأوضاع السياسية والحقوقية التي لن تستأثر باهتمام الناس الذين أُسكِتوا عن أوضاعهم اليوميّة. ثمّة أصوات معارضة تصدّرها المثقفون والنشطاء الحقوقيّون خلال العقود الماضية (لم تلق أيّ تجاوب جماهيريّ يذكر) بعد تفريغ المجتمع، على نحو شبه نهائيّ، من المنظمات النقابيّة والأحزاب السياسيّة والحلقات الثقافيّة المستقلّة واستتباع الجامعات بدرجة لم تبلغ إليها التسلّطية المصريّة أو التونسيّة. لكن النداءات والأنشطة الاحتجاجية، المتواضعة، مع ما رافقها من قمع وانتهاكات، كما التضحيات النبيلة، لم تفلح في خرق الحصار المحكم على السياسة ولا ولّدت ديناميّة جماهيرية مؤثّرة. كان من شأن التضامن الأهلي مع المعتقلين السياسيين ونشطاء الرأي (عددهم بلغ الألوف) مثلاً أن يكون وحده مدخلاً لإعادة السياسة إلى المجتمع وخلق حراك معارض يتجاوز النخب السياسيّة والحقوقيّة. لكن السلطة، الكليّة الحضور والقدرة، كانت بالمرصاد أبداً.

وليس في الأمر أيّة شبهات حول جبن أو تخاذل الشعب السوريّ حيال مستبدّيه كما يستسهل البعض إطلاق الأوصاف التعميميّة عن بعض الشعوب والمجتمعات. لكن الاحتجاجات السورية (المبعثرة) الرّاهنة لم تدحض بالمرّة الفرضيّة المتشائمة أعلاه (أي عسر قيام انتفاضة شعبية كبيرة). لقد جادلتُ، بحذر، بأن مجتمع الفقراء النازحين من الجزيرة السورية، كرداً وعرباً، إلى أطراف العاصمة، هو بؤرة مؤرّقة للسلطة نظراً للمعاناة اليومية التي يكابدونها من جرّاء شروط عيشهم اللاإنسانية، إضافة إلى الاضطهاد الثقافيّ والسياسيّ الإثني للأكراد. فعلاً ما الذي يمنع هؤلاء من الانتفاض في وجه مستغلّيهم وقامعيهم؟ هل سيخسرون سوى أغلالهم؟. نعم. قد يخسرون حياتهم أو يكسبون أغلالاً جديدة.

على أية حال لا تسير الوقائع على إيقاع التحليلات، وحركيّة الواقع ليست مطابقة لمنطق الأفكار بالضرورة، ولا لمنطق الرغبات بالتأكيد. سيما إزاء أوضاع متداخلة وعسيرة على الفهم والتحليل.

وقد أصاب باحث سوريّ (بسام حداد) حين تنبّأ، قبل بدء الاحتجاجات، بأن هناك عوامل تحول دون اندلاع ثورة في سورية، إلا إذا وقع حدث استثنائي مثل لجوء النظام إلى العنف المفرط في رده على تظاهرة أو حادثة ما. وبالفعل انطلقت الهبّة السورية بعد الاعتداء على أطفال صغار في درعا واعتقالهم إثر اتهامهم بكتابة شعارات مناهضة للنظام في بعض الشوارع، وإهانة ذويهم عندما طالبوا بالإفراج عن هؤلاء الصغار (الواقعة هذه أبلغ من إهانة فرد واحد - البوعزيزي في تونس - التي كانت شرارة ثورة شعبية هناك). قبل تلك الحادثة بقليل أمكن للسلطات أن تفضّ بعنف تجمّعاً سلميّاً لنشطاء حقوقييّن وسياسييّن تضامنوا مع ذوي المعتقلين أمام وزارة الداخلية بدمشق. لن يكون لتلك الحادثة التي تواترت مراراً وقعها المفترض على المواطنين.

نعللّ الوضعيّة السوريّة الخاصّة هذه، ضمن نسق النظم اللاديموقراطيّة، بالتغييب الكلّي ل «الميدان العام» بما هو ميدان لإنتاج السياسة وفضاء للتواصل الاجتماعيّ الخلاق، وهذا مكان سياسيّ واجتماعيّ أوسع من الفضاء الالكترونيّ الجديد من «فايسبوك» وما شابه، وإبراز الآراء المتباينة وممارسة حقّ الاعتراض والمنافسة بصورة علنيّة ومسؤولة خارج الأطر الرسمية التي حبست فيها السياسة. الميدان العام هو اختراع ونتيجة، في آن، لوجود الشعب السياسيّ، أي المواطنين الأحرار. نضيف على الفور أننا لا نشكو من غياب هذا الميدان وحسب. فحتّى الأطر الرسميّة التي من المفترض أن تمارس فيها السياسة، من خلال النخب على الأقل، غائبة ومشلولة، بل معادية لفكرة السياسة.

نستدلّ على غياب «الميدان العام» كمثال بصمت كبريات المدن السورية، دمشق وحلب، إزاء ما يجري في البلاد من قتل وسفك للدماء. وهو موقف أبعد من الصمت. فنخب المدينتين الاقتصادية والاجتماعية التي تكيّفت مع شروط السلطة حاضرة في حلبة الرقص، فيما جلّ النّخب الثقافيّة والفنيّة تمعن في الصَّغار والتباهي بالوقوف وراء «سيّد الوطن» ضدّ «المؤامرة والفتنة». مع كلّ ذلك يمكن القول إنّ السورييّن، أو فئة منهم، قاموا باجتراح ما سماه برهان غليون «معجزة سوريّة».

«تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة» عبارة شهيرة لغرامشي. هل ستنتصر إرادة الكرامة والحرّيّة على العقل الوضعيّ البارد، إن كان لما قلناه نصيبٌ من العقل؟ في الأساس لا شيء عقلانيّاً في واقعنا. فلتكن الحظوة هذه المرّة أيضاً للإرادة، إنّما إرادة الكرامة والخلاص من العبوديّة القسريّة.

===================

السقوط المدوّي لورقة المقاومة في سورية

د. وائل مرزا

القدس

15-5-2011

«إذا لم يكن هناك استقرار في سورية، فلن يكون هناك استقرار في إسرائيل. لا يمكن لأحد أن يضمن ماذا يمكن أن يحدث، لا سمح الله، إن حدث أي شيء للنظام».

تقرأ تصريح (المواطن السوري) رامي مخلوف بالعبارة السابقة، فتذكر الحديث الذي يحذّر المؤمن من أن يقول كلمةً قد تهوي به أربعين خريفاً في نار جهنم.لكنك تترك الآخرة وأمر الناس فيها لله وتتعجب: هل يمكن لإنسانٍ أن يصيب القضية التي يدافع عنها في مقتل بطريقةٍ أكثر سوءاً مما فعله المواطن المذكور؟

ثمّة مواقفُ تاريخية لايوجد أي تفسير منطقي أو علمي لحدوثها، ولايمكن إلا أن ترى كيف تدفع يدُ الإرادة السماوية البعضَ لاتخاذها لحكمةٍ ستظهر للناس عاجلاً أو آجلاً.

ولو أن سورياً صرّح إلى ماقبل أسابيع قليلة بالعبارة المذكورة أعلاه، ولصحيفة النيويورك تايمز الأمريكية، لكان هذا أقصر طريق لمحاكمته بالخيانة العظمى.فالمفروض وفق منطق المقاومة والممانعة أن وجود الاستقرار في سورية، بمعانيه ومقتضياته الحقيقية، هو الذي يجب أن يكون مدعاةً لغيابه في إسرائيل.وحين تربطُ بهذا الشكل الواضح، وفي مثل المقام الذي تمّت فيه المقابلة الصحفية، بين أمن النظام في سورية وأمن إسرائيل، فإنك تتّهمُ ذلك النظام بكل وضوحٍ وصراحة. لأنك تؤكد بتصريحك أن استقراره هو الضامن الحقيقي والوحيد لاستمرار الاستقرار في إسرائيل. وهذا اتهامٌ في غاية الخطورة لانعلم كيف يمكن أن يمرّ داخل سورية نفسها مرور الكرام دون مساءلةٍ إن لم نقل محاكمة، بغضّ النظر عن كل مايجري في سورية هذه الأيام.

لن يكون غريباً أن يشعر عشرات الملايين من العرب والمسلمين بالغثيان بعد سماعهم بالتصريح المذكور. ويتفهّم المرء أن تبقى تلك المشاعر حبيسة النفوس ومجالس الكلام اليومية لأن الطريق مسدود بين هؤلاء وبين وسائل الإعلام. أما مالايمكن أن يُفهم من قريب أو بعيد فإنه يتمثل في غياب صوت كل من صنّف نفسه يوماً من الأيام في خانة دعم المقاومة بأي طريقة.

ماذا يقول العشرات من الفنانين والمثقفين والكتاب السوريين واللبنانيين والعرب ممن كانوا يؤكدون أن سورية تتعرض لما تتعرض له لأنها تحديداً بلد المقاومة والممانعة في وجه إسرائيل؟ ماهو موقف الحركات والأحزاب والتنظيمات التي وقفت وتقف مع سورية لأنها ذلك البلد المقاوم والممانع؟

هذه لحظة الحقيقة بالنسبة لهؤلاء جميعاً. فإما أن يسمع الرأي العام العربي والإسلامي صوتهم ويعرف موقفهم، أو يكفر بهم وبكل بياناتهم وتصريحاتهم إلى يوم الدين.

وإذا كنا نرى في السكوت عن التصريحات المذكورة داخل سورية سقوطاً مدوياً ونهائياً لورقة المقاومة فيها، فإن السكوت عنها في الخارج يمكن أن يكون سبيلاً لسقوط المقاومة نفسها، وكل من يمثلها أو يقول بأنه يقف في صفّها.

قد ينسى بعض الناس، وقد يتناسى بعضهم الآخر، لكن التاريخ لاينسى.

ربما يجدر هنا التذكير ببعض مواقف (المقاومة) و(الممانعة) التي لازالت جراحها تنزّ في الذاكرة الفلسطينية والعربية.

يقول كمال جنبلاط في كتابه ( هذه وصيتي ) في الصفحة (105): «نقل عن ياسر عرفات قوله للأسد عند اجتماعه به في 27/3/1976م) إن قلب المقاومة ومستقبلها موجود في لبنان، وإن إرهاب الجيش السوري والصاعقة لن يفيد، وإنه يعز علينا أن نصطدم بالجيش السوري ونحن على مرمى مدفعية العدو الصهيوني والأسطول السادس الأمريكي). فكان رد الأسد (ليس هناك كيان فلسطيني، وليس هناك شعب فلسطيني، بل سوريا وأنتم جزء من الشعب السوري، وفلسطين جزء من سوريا، وإذن نحن المسؤولون السوريون الممثلون الحقيقيون للشعب الفلسطيني).

يُقتل الرجل الوطني المثقف بعدها بسنة، ثم يسقط مخيم تل الزعتر في لبنان على يد الميليشيات اليمينيةبتاريخ 14 أغسطس من عام 1976م بعد أن حاصرته القوات السورية أكثر من شهر ونصف، حيث منعت تلك القوات وصول الطعام والماء والذخيرة إلى المخيم، كما شاركت في الإعدامات وهتك الأعراض والنهب تحت قيادة العقيد علي مدني، قائد الشرطة العسكرية، ومن رجال الحركة التصحيحية 1971م.

وفي عام 1982م اجتاحت إسرائيل لبنان واحتلت أول عاصمة عربية تحت نظر وسمع القوات السورية التي «خرجت بكامل أفرادها وما كان قد بقي سالما من معداتها، بعد أن فتحت لها القوات الإسرائيلية ممرا بريا خاصاً ومحدداً برعاية المبعوث الأمريكي فيليب حبيب.. في حين رفض ياسر عرفات الخروج إلى دمشق أو عن طريقها وفضل الخروج إلى بلد غربي هو اليونان في اشارة سياسية صريحة تعكس حجم توتر العلاقة بين القيادتين السورية والفلسطينية خلال الحرب» كما نقل ممدوح نوفل الزعيم السياسي والعسكري وعضو المجلس الوطني الفلسطيني.

وفي صيف عام 1983م حاصرت القوات السورية القائد الراحل ياسر عرفات بعد عودته لمناصرة قواته في شمال لبنان، إلى أن سقط مخيما البداوي ونهر البارد بعد ثلاثة أشهر بعد سقوط أكثر من 1000 شهيد فيهما من المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين.وكان هذا الخروج الثاني من لبنان حيث غادرعرفات طرابلس على متن السفينة «أوديسيوس إيليتيس» مع ضباطه و 4000 مقاتل، أقلتهم 5 سفن يونانية ترافقها البحرية الفرنسية.والمفارقة أن يتم هذا الرحيل بوساطة فرنسية سعودية وبجهود مصرية وصينية مدعومة من غالبية الدول العربية،ومنها الكويت التي هددت يومها سورية بوقف المساعدات الاقتصادية عنها.

قد تكون مثل هذه الأحداث جزءاً مما دفع الشاعرة العربية لينا أبو بكر للحديث عما أسمته ب «الحَول السياسي»، لكنها رأت مصداقاً آخر له بقولها: «فالدبابات تقَتحم درعا التي يقطنها مدنيون سوريون وتقع تحت سيادة سورية كاملة وعلى بعد 20كيلومترا فقط من هضبة الجولان التي يحتلها الجيش الاسرائيلي منذ النكسة عام 1967،فأن يضطر نظام ما لاحتلال ومحاصرة مدينة تقع أصلا تحت حكمه وسيطرته لمجرد أن المدنيين يطالبون بإصلاحات، بينما يُغفل جيشا بل ودولة يفترض أنها عدوة تتوغل في عمقه الجغرافي منذ ما يزيد على الأربعين عاما من دون أن يكلف نفسه إطلاق رصاصة عرس واحدة حتى في سمائها».

هل ثمة داعٍ للتذكير أيضاً بتفاصيل الصبر الأسطوري على كل أنواع المعاناة، والتي كانت من نصيب الشعب السوري على مدى عقود باسم المقاومة والممانعة؟هل ثمة داعٍ للتوضيح بأن هذا الشعب، وليس غيره، هو الذي احتضن الفلسطينيين بعد (النكبة)، واحتضن اللبنانيين أثناء عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006م؟

مايدعو للرثاء أكثر من كل شيء آخر هو تلك المحاولات المتخبطة لتغطية «فلتة» رامي مخلوف حين يُعلن أحد مواقعه الالكترونية أن الصحيفة شوّهت تصريحاته. ثم حين يظهر أن سجلّ المقابلة موجود، تخرج السفارة السورية في واشنطن ببيان تقول فيه أن الرجل مواطن سوري عادي لايشغل أي منصب حكومي وأن آراءه شخصية ولاتعبر عن وجهة نظر الحكومة السورية؟!

صدق المثل السوري (اللي استحوا ماتوا).

===================

إلى أين يمضي الرئيس الأسد بسورية؟

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

14/5/2011

بعد ثلاثة أسابيع على القمع الشامل للحركة الشعبية، خرجت المدن والبلدات السورية من جديد في حركة احتجاج واسعة يوم الجمعة 13 مايو/ أيار. وقد كانت القيادة السورية سارعت إلى دفع وحدات الجيش، التي تَطمئن لولائها، إلى المعركة منذ الأسبوع الأخير من إبريل/ نيسان بعد أن أدركت عجز الأجهزة الأمنية منفردة عن إخماد التظاهرات الواسعة التي غطت كافة أنحاء الجمهورية السورية بداية من 15 مارس/ آذار.

كان الهدف الأول لحملة القمع الأمني-العسكري هو مدينة درعا الجنوبية، حيث انفجرت المظاهرات المطالبة بالإصلاح في أقوى تعبيراتها. وسرعان ما انتقلت الحملة إلى مدينتي بانياس وحمص، وإلى مدن ريف دمشق وأحياء العاصمة الجنوبية.

بذلك، اختفت لغة الإصلاح ووعوده، التي حاول بها الرئيس بشار الأسد في نهاية مارس/ آذار وبداية إبريل/ نيسان احتواء الحركة الشعبية المعارضة، وحلت مكانها لغة القتل والاعتقالات الجماعية والتهديد. فما الذي يحاول الرئيس السوري تحقيقه؟ وإلى أي حد يمكن للنظام النجاح في مواجهة الحراك الشعبي السوري غير المسبوق منذ تولي أسرة الأسد الحكم قبل أكثر من أربعين عاماً؟

 

كيف يقدر النظام التحدي؟

القول بأن النظام السوري لا يدرك ارتباط الانتفاضة الشعبية في البلاد بحركة الثورة العربية المندلعة منذ نهاية العام الماضي والمطالبة بالحرية والعدالة ومواجهة فساد الفئات الحاكمة هو قول غير صحيح. والتقدير القائم على أن الرئيس بشار الأسد لا يسيطر كلية على الأمور، وأن من يسيّر النظام الآن هو جناح قمعي أمني في دائرة الحكم، هو تقدير غير صحيح أيضاً.

الحقيقة أن النظام السوري كان يراقب باهتمام ووعي حركة الثورة العربية، ورأى بوضوح أن سقوط نظامي بن علي ومبارك عبرا عن تحولات جذرية في علاقة الشعوب العربية بأنظمتها وحكامها. وقد تداول الرئيس السوري أوضاع بلاده وحاجتها لبرنامج إصلاحي واسع، مباشرة بعد سقوط الرئيس المصري، في لقاء واحد على الأقل مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان.

 

وليس ثمة شك أن الرئيس السوري، منذ 2004 على الأقل، بات يسيطر سيطرة كاملة على قرار نظامه، وأنه اتخذ خلال السنوات القليلة الماضية إجراءات طالت مواقع أعمدة في المؤسسة الأمنية والعسكرية، دون أن يواجه ولو رد فعل صغير.

بيد أن الرئيس الأسد، والدائرة الصغيرة التي يعتمد عليها في إدارة الأزمة، يرى في الحركة الشعبية معركة مصير، مصيره ومصير الطبقة الحاكمة ومصير النظام. لكنه بعد أن أخفق في امتصاص الحركة الشعبية بوعود الإصلاح الغامضة التي تقدم بها وإجراءات رفع حالة الطوارئ وتغيير الحكومة، استشعر أن المزيد من التراجعات أمام الاحتجاجات الشعبية وقوى المعارضة ستؤدي في النهاية إلى سقوط النظام.

ولأن ثمة سجلاً كبيراً لنظام الحكم ورجاله في قمع الشعب السوري، ولأن المجموعة الحاكمة ترتكز إلى امتيازات اقتصادية ومالية هائلة، ولأن النظام كرّس- بتخطيط أو بغير تخطيط- خلال العقود القليلة الماضية علاقة مطابقة بين مؤسسة الحكم وامتيازاتها وبين الطائفة العلوية في سورية، فإن قادة النظام لا يعتبرون الانتفاضة الشعبية حركة للتغيير والإصلاح السياسيين، بل معركة حياة أو موت لكل ما يمثلونه ومثلوه طوال العقود الأربعة الماضية.

 

فوجئ النظام في البداية بحجم الحراك الشعبي واتساع نطاقه السريع في كافة أنحاء البلاد، وقد سارع بعد لحظة المفاجئة الأولى إلى تبني جملة من الإجراءات التي اعتقد أنها ستنجح في النهاية في إخماد الحراك الشعبي، أو ما يعبر عنه بخيار حماة: تحكم أمني ثقيل بالعاصمة، باستخدام عناصر الأجهزة الأمنية وقوات الجيش المدرعة والقوات الخاصة وقوات الحرس الجمهوري؛ الإصرار المتكرر على رواية الاختراق الإرهابي المسلح لأمن سورية وشعبها؛ عزل إعلامي كامل للمناطق التي تحولت إلى مراكز احتجاج رئيسية، بما في ذلك فصل هذه المناطق عن شبكة الكهرباء ووسائل الاتصال؛ محاصرة هذه المناطق أمنياً وعسكرياً؛ اعتقال كل من يشتبه بوجود علاقة أو دور ما له في حركة الاحتجاج الشعبي؛ وإيقاع خسائر مؤلمة في أرواح وممتلكات الأهالي.

ما لا يجب أن يكون موضع شك أن النظام السوري سيقاتل ضد الحركة الشعبية، ما دام قادراً على خوض المعركة، حتى النهاية. وربما كانت تصريحات رامي مخلوف، ابن خال الرئيس الأسد وأبرز رجال الأعمال السوريين، للنيويورك تايمز (10 مايو/ أيار)، التي قال فيها أن "النظام سيقاتل حتى النهاية" انعكاساً حقيقياً للمزاج الغالب على المجموعة السورية الحاكمة.

ولكن ذلك لا يعني أن النظام فقد عقلانيته كلية، وأن سياسة مغالبة الشعب باتت السياسة الوحيدة التي يتبناها. ما كان يأمله النظام أن منظماته الأمنية وقوات الجيش الموالية ستستطيع في النهاية إخماد الحراك الشعبي، وبعد ذلك، وبعد ذلك فقط، سيعود الرئيس ليتقدم بجملة من الإجراءات الإصلاحية المحسوبة، قانونياً ودستورياً.

وسيكون هدف النظام من هذه الإصلاحات التأكيد على أن الحرب التي شنها على شعبه كانت بالفعل ضد إرهابيين مسلحين وليس ضد دعاة الإصلاح؛ ومراعاة أن لا تمس الإصلاحات الموعودة بأسس وسيطرة الطبقة الحاكمة على مقدرات الدولة والبلاد. ولكن مظاهرات الجمعة 13 مايو/ أيار وضعت مخطط النظام على المحك، وربما تجبره على الإسراع في إعلان إجراءات إصلاحية، بالرغم من إخفاقه في إخماد الحركة الشعبية.

 

رد الفعل الشعبي: سخط متزايد

تركت ثلاثة أسابيع من حملة القمع الأمنية – العسكرية أثراً نسبياً على الحركة الشعبية وشبكة النشطين السياسيين المعارضين. فبعد أن أخمدت التظاهرات في مدينة درعا بتكلفة كبيرة، لوحظ منذ الأسبوع الثاني من مايو/ أيار بداية تراجع نسبي في حجم التظاهرات في المدن والبلدات الأخرى، وتراجع سيل التقارير التي وفرها النشطون السياسيون، أشرطة وشهادات، لوسائل الإعلام العالمية؛ كما تراجعت مشاركات القيادات السياسية المعارضة في التغطيات الإعلامية المستقلة للشأن السوري؛ سواء بفعل الضغوط الأمنية أو الاعتقال.

بيد أن تصريح المستشارة الإعلامية للرئيس الأسد، السيدة بثينة شعبان، لصحيفة النيويورك تايمز الأميركية في 9 مايو/ أيار، أن النظام سيطر على الأوضاع وعبَر أسوأ لحظات الأزمة هو ادعاء لا يؤيده الواقع تماماً. ففي حين أخمدت التظاهرات في مدينة درعا، انطلقت في البلدات الأصغر المحيطة بها؛ وكذلك هو الحال في مدن ريف دمشق ومناطق الوسط والشمال والساحل: فكلما ازدادت الوطأة الأمنية – العسكرية على مدينة ما، انتقلت حركة الاحتجاج إلى مدينة أو بلدة مجاورة.

من جهة أخرى، أخفق النظام في إقناع أغلب السوريين والرأي العام العربي والدولي بأن سورية تتعرض لمؤامرة خارجية، اختراقاً إرهابياً، أو مخططاً تتعهده جماعات سلفية راديكالية وطائفية.

وسرعان ما استطاع النشطون السوريون، مرتكزين إلى تصميم وغضب شعبيين، إعادة استلام زمام المبادرة. وقد غطت مظاهرات الجمعة 13 مايو/ أيار كافة أنحاء سورية، من البوكمال إلى بانياس ومن القامشلي إلى درعا نفسها، التي اعتقد النظام أنها ستصبح عبرة لكافة المدن الأخرى. مظاهرات هذه الجمعة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن خيار حماة قد فشل، وأن سورية والعالم في 2001، يختلفان عن ما كانا عليه في 1980.

الملاحظ، إلى جانب ذلك، أن القيادات والقوى السياسية المعارضة لم تستطع حتى الآن الارتفاع إلى مستوى الحركة الشعبية السورية ومتطلباتها. ففي ظل حملة القمع الهائلة، لم يستطع النشطون الشبان في مناطق البلاد المختلفة بلورة ائتلاف وطني، يحمل صوت الحركة الشعبية ويعبّر عن وجهتها الوطنية. وكان متوقعاً أن تتعهد هذه المهمة القيادات السياسية المعارضة المعروفة، داخل وخارج البلاد. ولكن مثل هذا الجسم الوطني لم يولد بعد.

 

القوى العربية والإقليمية:غياب عربي وغضب تركي

لم تزل المجموعة العربية تتجنب إبداء الرأي تجاه الوضع في سورية، على مستوى الجامعة العربية أو الدول؛ باستثناء أصوات التضامن مع النظام الصادرة من اليمن وليبيا والجناح الشيعي في الحكومة العراقية، وزيارتين قام بهما وزيرا خارجية الإمارات والبحرين لدمشق، بدون أن يتضح ما ناقشه كل منهما مع الرئيس السوري.

من جهة أخرى، لم يعد ثمة شك في أن التأييد الذي أعرب عنه الناطقون الرسميون الإيرانيون للنظام في سورية قد صاحبه دعم إيراني عملياتي لآلة القمع الأمنية – العسكرية السورية. ويعتقد بأن الإيرانيين أرسلوا مجموعة من ضباط الحرس والأمن ذوي الخبرة في مواجهة الجموع والتعامل مع حركات الاحتجاج، وأن الأجهزة السورية أفادت من تجربة الإيرانيين في التعامل مع التظاهرات الإصلاحية في صيف 2009، لاسيما على صعيد العزل الإعلامي وقطع وسائل الاتصال التقليدية والإلكترونية.

 

وتبدو تركيا، الحليف الإقليمي الرئيسي الثاني للحكم في سورية، قد وصلت إلى حافة نفاذ الصبر في علاقتها بنظام الرئيس الأسد. فبعد اللقاء الذي جمع الأسد بإردوغان في فبراير/ شباط الماضي، أرسل رئيس الحكومة التركية كلا من وزير خارجيته ورئيس جهاز مخابراته في سلسلة من الزيارات لتشجيع الأسد على تعهد مشروع إصلاح شامل وجدي.

وكانت الزيارة الأخيرة لدمشق قام بها رئيس جهاز المخابرات التركية، د. حاقان فيدان، في 28 أبريل/ نيسان، على رأس وفد ضم رئيس هيئة تخطيط الدولة. ويعتقد بأن الوفد التركي لم يخرج بانطباع كاف على جدية نوايا الإصلاح لدى الرئيس الأسد.

خلال الأيام التالية، تصاعدت حدة الانتقادات التي وجهها رئيس الحكومة التركية لسياسة القمع السورية، لتصل في تصريحات لإردوغان في 10 مايو/ أيار إلى تكذيب ضمني للرواية الرسمية السورية حول مواجهة الدولة لمسلحين إرهابيين، وإلى تشبيه إجراءات النظام السوري بمأساتي حماة السورية وحلبجة العراقية في الثمانينات من القرن الماضي. ومن أجل تفسير تصاعد خطاب إردوغان النقدي لسياسات الأسد، لابد، بالطبع، من وضع أجواء الانتخابات وضغوط الشارع التركي الإسلامي والصحافة العلمانية – الليبرالية في الاعتبار.

 

ولكن الأهم، أن رئيس الوزراء التركي رأى الآثار السلبية لارتباك السياسة التركية تجاه ليبيا خلال الشهرين الأولين من الثورة الليبية، ويدرك ضرورة تجنب مثل هذا الاضطراب في الموقف من الحدث السوري، الذي يعتبر أكثر أهمية إستراتيجية بكثير. والواضح أن استمرار الحراك الشعبي واستمرار سياسات القمع الرسمية ستؤدي في النهاية إلى تدهور كبير في العلاقات التركية – السورية.

ما يسترعي الانتباه في اصطفاف القوى السياسية الإقليمية والعربية تجاه الحدث السوري أنه بات يأخذ بصورة متزايدة سمة طائفية. بمعنى أن أغلب المؤيدين لسياسة الحكم في دمشق، على المستوى العربي والإقليمي الرسمي وغير الرسمي، هم من الشيعة، بينما تتصاعد الانتقادات للنظام والدعم للحركة الشعبية من أوساط سنية. مثل هذا الاصطفاف سيترك آثاراً سلبية على مجمل العلاقات بين الطوائف في المشرق العربي – الإسلامي.

 

ردود الفعل الدولية: عقوبات متصاعدة

في 9 إبريل/ نيسان، أعلنت إدارة أوباما عن تطبيق عقوبات محدودة على النظام السوري، وذلك بعد فشل القوى الدولية في مجلس الأمن في الاتفاق على بيان ما لشجب تعامل النظام مع الحركة الاحتجاجية. ولكن الاتحاد الأوروبي لم يأخذ قراره بفرض عقوبات على مسؤولين في النظام، بدون أن تمس الرئيس الأسد نفسه، إلا في مطلع مايو/ أيار، لتدخل هذه العقوبات حيز التطبيق في العاشر من الشهر نفسه.

بيد أن اللغة التي استخدمها المسؤولون الغربيون تجاه الحدث السوري توحي بأن كلاً من الأوروبيين والأميركيين لا يريد القطيعة مع نظام الأسد، ربما للمخاوف من المجهول، وربما لأن القوى الغربية ترغب في مقايضة الموقف من الحركة الشعبية المعارضة بعلاقات نظام الرئيس الأسد الوثيقة مع إيران ودعمه لقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

 

ففي 7 مايو/أيار، مثلاً، قالت وزيرة الخارجية الأميركية في مقابلة مع التلفزة الإيطالية أن نظام الأسد لا يمكن مقارنته بنظام القذافي، وأن واشنطن ما زالت تأمل بمباشرة الأسد خطوات إصلاحية جدية. وليس ثمة شك في أن الموقف الغربي الناعم من مغالبة النظام لشعبه، شجعت الرئيس الأسد على المضي في توسيع حملة القمع إلى المدن الأخرى، بعد الاجتياح العسكري – الأمني لدرعا.

مثل هذا الموقف الغربي، على أية حال، ما كان من الممكن الاستمرار فيه؛ فقد كانت الضغوط على الإدارة الأميركية من أعضاء الكونغرس ومن النشطين العرب– الأميركيين، والضغوط على الاتحاد الأوروبي داخل البرلمان الأوروبي، في تصاعد طوال الأسبوعين الأولين من مايو/ أيار.

كما لم يعد ممكناً تجاهل التقارير المطردة حول حملة القمع السورية في وسائل الإعلام الغربية. ومنذ 11 – 12 مايو/ أيار، أخذت لغة المسؤولين الغربيين تصبح أكثر حدة؛ بما في ذلك تهديدات أميركية بإعلان عدم شرعية النظام السوري. ولكن هذا التصعيد في الانتقادات (والإجراءات) الغربية لنظام الرئيس الأسد، لا يعني أن أحداً في العواصم الغربية الرئيسية يفكر بسيناريو شبيه بالتدخل الغربي في ليبيا.

 

لا سورية هي ليبيا، ولا القوى السورية المعارضة أو الجامعة العربية يمكن، على الأقل في المدى المنظور، توفير غطاء لمثل هذا التدخل؛ علاوة على أن التجربة الليبية حتى الآن لا توحي بإمكانية نجاح التدخل الخارجي في بلد آخر أكثر تعقيداً بكثير، مثل سورية.

 

نتائج وتوقعات: تسلل الخوف للنظام السوري

مساء الأربعاء 11 مايو/ أيار، شهدت مدينة حلب مظاهرة طلابية حاشدة ضد النظام وسياساته، بعد أن ظلت وسائل إعلام النظام ودوائر مؤيديه تفتخر طوال أسابيع بولاء حلب، المركز التجاري - الاقتصادي وثاني أهم وأكبر المدن السورية، للنظام ورئيسه. وليس هناك ثمة شك أن التظاهرة الطلابية في حلب تؤشر إلى عمق المعارضة الشعبية واتساع نطاقها لما هو أبعد بكثير مما ظنه النظام وتوقعه.

 

والملاحظ، أنه بأوامر من الرئيس، الذي بات كما يبدو يخشى العواقب، كان عدد ضحايا مظاهرات الجمعة الأخيرة ضئيلاً نسبياً، مقارنة بالأيام السابقة. كما انتهى اليوم بإعلان جديد، وغامض أيضاً، من النظام ببدء حوار وطني حول الخروج من الأزمة.

 

بيد أن من الصعب الآن تقدير المدى الذي يمكن أن تصل إليه الحركة الشعبية السورية، والمدى الذي يمكن للنظام الذهاب إليه في سياسته القمعية والتظاهر بأن بإمكانه السيطرة على الأوضاع، أو الاضطرار إلى تقديم تنازلات ملموسة للحركة الشعبية. ولابد من ملاحظة عدد من العوامل قبل التوصل إلى مثل هذا التقدير:

1- مدى تماسك قوات الجيش السوري وقبولها الاستمرار بتنفيذ سياسة القمع التي يتبعها النظام، لاسيما بعد ورود تقارير حول انشقاق جنود وضباط ورفضهم إطلاق النار على المدنيين.

2- مدى تماسك منظمات حزب البعث الحاكم وولاء أعضائه للنظام وقيادته.

3- احتمال حدوث تشققات في بنية الدولة، لاسيما في أجهزة القضاء والدبلوماسية والمؤسسة الدينية– السنية.

4- مدى تصاعد الحركة الاحتجاجية في مدينة حلب، وانطلاقها في مدينة دمشق، لاسيما في أحياء المدينة الداخلية.

5- مدى قدرة الحراك الشعبي عموماً على الاستمرار، وقدرة القوى السياسية على تشكيل هيئة وطنية ائتلافية، تمثل كافة فئات السوريين وتياراتهم السياسية، للحديث باسم الحركة الشعبية وطرح مطالبها على النظام والعالم.

6- ما إن كان النظام سيباشر بالفعل في تبني خطوات إصلاحية جادة ومقنعة على المستويين القانوني – السياسي والدستوري، تطرح بشراكة مع كافة قوى الشعب السوري، وليس كمجرد مبادرة من النظام وطبقاً لشروطه.

7- حجم ومستوى الدعم العالمي والإقليمي والعربي للحركة الشعبية السورية ومطالبها.

=================

حركات التغيير والجماعات الدينية

تاريخ النشر: الأحد 15 مايو 2011

د. رضوان السيد

الاتحاد

كنتُ بمصر عندما وقعت أحداث إمبابة الأُسبوع الماضي، حيث تجمع بضع مئات المسلمين الريفيين في مواجهة كنيسة مار مينا هناك مطالبين باسترداد "عبير"، وهي فتاةٌ قبطية كانت لها علاقةٌ بشابٍ مسلمٍ، وتطورتْ إلى زواج عُرفي. وبدأت المشكلة بهرب الفتاة من بيت أهل الشاب، ويشكّ العريس وأقاربه وأنصاره من "السلفيين" أنّها مختبئة في الكنيسة، وليس في بيت أهلها. ولأنّ شباناً أقباطاً تجمعوا من حول الكنيسة وبداخلها لحمايتها، منعوا العريس وأقاربه وأنصاره من دخولها تفتيشاً عن الفتاة، فقد حصل تضارُبٌ بالعصيّ والسكاكين، وتبادُلٌ لإطلاق النار، وانتهى الأمر بتدخُّل قوات الأمن والجيش، لكنْ بعد مقتل أربعة عشر شخصاً من الطرفين! والحادثُة المروِّعة هذه، ليست الأُولى التي تُنسبُ للسلفيين، بل سبق أن أحرقوا كنائس، واعتصموا أمام الكاتدرائية القبطية بالقاهرة، مطالبين بمعرفة مصير "كاميليا" التي تركت زوجَها القبطيَّ واعتنقت الإسلام، ثم استردتْها الكنيسةُ عن طريق البوليس المصري قبل سنوات. وقبل شهر أغارت مجموعاتٌ سلفيةٌُ على مزاراتٍ لأولياء مُقامة على مقربة من مساجد، فهدمتْها! وكان السلفيون قد استولوا على مساجد تديرها وزارة الأوقاف المصرية، بحجة أنهم هم الذين بنوها، وأشهرها جامع النور والذي صلَّى فيه مئاتٌ منهم صلاة الغائب على بن لادن أخيراً. بيد أنّ الفجيعة بابن لادن ما ظهرت لدى سلفيي مصر وحسْب؛ بل أيضاً لدى سلفيي لبنان، وهناك أخبارٌ عن صلواتٍ مُشابهةٍ في العراق والأردنّ وباكستان وأفغانستان. والواقع أنّ وجود الجماعات السلفية بهذه المواطن، وباليمن وسوريا والمغرب ونيجيريا، كان معروفاً من قبل. كما كان معروفاً أنها أظهرت ولاءً دائماً لابن لادن بحجة أنه سلفيٌّ مثلهم، وأنه الظلم والعدوان. إنما الجديد هو ما تكشّف عنه الواقعُ المصري بعد الثورة. فهناك حوالي المليون سلفي ينتظمون في ثلاث جماعات أهمُّها "الدعوة السلفية"، وقد كانوا على ولاءٍ شديدٍ لنظام مبارك باعتبار اعتقادهم بطاعة وليّ الأمر(!)، وربما كان لقياداتهم تعاوُنٌ مع الأجهزة الأمنية. والواضح أنهم وسط اشتهار نفوذ "الإخوان" في الزمن الثوري، أرادوا أن يُجرِّبوا "الحرية الجديدة"، لكي يجدوا أحداً يخطب وُدَّهُمْ. وربما فكَّروا لأول مرةٍ بالشأن العامّ، وإمكان التأثير فيه، إذ المعروف أنهم لا يملكون نظريةً سياسيةً، وهم- خارج السعودية- لا يعارضون الأنظمة إنْ تركتْهم وشأنَهم يمارسون طهوريتهم وتدقيقاتهم في العقيدة والعبادات. على أنّ السلفية الامتثالية هذه، داخَلَ وعْيَها الاختلال منذ ظهر تمردٌ فيها عشية حرب الخليج الثانية. وقد تكونت "القاعدة" نتيجة التلاقي والتحالُف بين بن لادن (السلفي)، وتنظيم "الجهاد" المصري بزعامة الظواهري. ومنذ ذلك الحين، التحق بعضُ السلفيين العرب ب"القاعدة" من أجل الجهاد؛ بينما ظلّت الغالبيةُ ساكنةً وميَّزت نفسَها تحت اسم "السلفية العالمية"، ومن هؤلاء سلفيو مصر الذين يتحركون الآن لحماية العقيدة، ليس في مواجهة الأجانب والغرباء؛ بل وفي مُواجهة المسيحيين والعلمانيين والقبوريين بالداخل! ويذهبُ الكاهن القبطي لكنيسة مار مينا بإمباية، إلى أنّ اضطرابات إمبابة ما كان سببها عبير ولا كاميليا، بل ضابطُ الأمن بالمنطقة، والذي كان يمارس عبر "البلطجية" سطوةً في العهد السابق، مُستخدِماً السلفيين، وقد عاد لاستخدمهم لإزعاج العهد الجديد.

والطريف أنّ النظامَ السوريَّ أيضاً يتهم السلفيين بإثارة الاضطراب، ومحاولة إنشاء إماراتٍ في مدينة بانياس. والمعروف أنّ أجهزةَ الأمن السورية سبق أن ضمّت تحت أجنحتها أُلوفاً من الشبان ذوي العقيدة السلفية، والذين جاؤوا إليها بقصْد الجهاد في العراق أثر الغزو الأميركي له. ولا شكّ أنه ظهرت بجوار معسكرات هؤلاء بيئاتٌ سوريةٌ وأُردنيةٌ ولبنانية، وكلُّها بمعرفة النظام. وعندما تعذّر الإرسالُ إلى العراق بعد المُهادنة الأميركية السورية عام 2007، انصرفت السلطات لبيع بعض هؤلاء لبلدانهم الأصلية، كما أرسلت بعضاً منهم إلى لبنان لإشاعة الاضطراب فيه عبر تنظيم "فتح الإسلام". ولكي ينتظم السياق الجديد، يمكن القول إنّ السلفية منتشرةٌ في أوساطٍ متدينةٍ من شباب الريف والمُدُن ذات المحيط الريفي الكثيف. وهؤلاء يبحثون عن دورٍ خارج الجهاديين مستفيدين من أجواء الحريات. وبسبب أساليبهم المثيرة، فإنهم يتركون آثاراً سلبيةً في المشهد، وإن لم يتمكنوا من تلطيخه أو التأثير فيه بالفعل. ففي مصر، أفادوا في طلعاتهم الغريبة والعنيفة السلطات العسكرية الجديدة، فاتخذت لأول مرةٍ قراراتٍ صارمة، وأرسلت مئاتٍ منهم إلى الاعتقال والمحاكمة. وفي الأردنّ صدرت أحكامٌ بالسجن على أكثر من مائة سلفي تكفيري. وفي سوريا فإنّ أحداً لا يصدق أنّ السلفيين يتآمرون دون علم السلطات لإقامة إماراتٍ إسلامية! وهناك مئاتٌ من السلفيين الجهاديين وغير الجهاديين بالسجون في لبنان.

أمّا الطرف الإسلاميُّ الآخَرُ الأكثر عدداً وعُدَّةً وتنظيماً، فهو "الإخوانُ المسلمون". وما شارك هؤلاء في الثورة المصرية في أيامها الأُولى، لكنهم الآن طرفٌ رئيسيٌ في الإفادة من سقوط النظام السابق. ول"الإخوان" علاقاتٌ طيبةٌ بالمجلس العسكري الحاكم، وبأوساط القضاء والجيش، وحتّى بالأميركيين والأوروبيين. وقد تصدّروا في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وأعلنوا عن حزبٍ سياسيٍّ، وعن قولهم بالدولة المدنية. وزار مرشدهم العام شيخ الأزهر، وأعلن عن تمثيل الأزهر لإسلام مصر الوسطي المعتدل. بيد أنّ معارضتهم القديمة للنظام السابق ما تزال تؤثّرُ في رؤيتهم الخارجية. ولذا فبينما دعموا "الإخوان" الأردنيين الذين يعارضون النظام هناك، ودعموا الثورات باليمن وليبيا، تردَّدوا في قول شيء عن الاضطراب السوري، وأَصدروا بياناً في الأسبوعين الأولين بدا بمثابة دعمٍ للنظام بحجة أنه نظام مقاومةٍ ومُمانعة. وهم يدعمون علاقاتٍ وثيقة مع إيران، متجاهلين الصراع الناشب بين إيران ومجلس التعاوُن والتدخلات الإيرانية. وتخلَّى "الإخوان" الأردنيون عن نُظَرائهم في سوريا، لكنّ موقفهم قد يتعدل بعد خروج قيادة "حماس" من دمشق، والمُصالحة مع "فتح". وهكذا فموقف أردوغان من قمع النظام السوري للاحتجاجات، كان أفضَلَ من مواقف "الإخوان" بمصر والأردن وتونس. والمعروف أنّ "الإخوان" المصريين هم الحركةُ الأُمّ لكل "إخوان" العالم العربي، وهم قادة التنظيم الدولي لأولئك "الإخوان". ولذا فموقعهم في قلب التطورات سوف يؤثّر على كلّ الحركات "الإخوانية". ورغم علاقتهم ب"حزب العدالة والتنمية" الإسلامي الحاكم بتركيا، ما وجدوا أنفسهم حتى الآن أمام الخيار الحاسم بين إيران وتركيا. ولعل سبب ذلك أنّ هؤلاء أقاموا علاقاتٍ بإيران ثم ب"حزب الله" طوال العقدين الماضيين، وتلقْوا دعماً من الإيرانيين، إضافةً لعلاقة "حماس" (وهي في الأصل من "الإخوان") التحالفية بإيران.

ومن المبكِّر بالطبع الحكم على المواقف النهائية ل"الإخوان" بالداخل العربي، ومواقفهم من الجوار الإسلامي، ومن الغرب. ثم إنّ "الإخوان" في سوريا لم يظهروا بشكلٍ قويٍّ في شهري الاحتجاج. ولا ندري هل كان ذلك عن خطّة، أم لأنهم ما عادوا يملكون تنظيماً بالداخل. إنما في كل الأحوال، يظهر "الإخوان" بوصفهم شركاء متوسّطي الحجم في كل حركات التغيير العربية. وقد دخلوا في تنافُساتٍ، خفيّةٍ وظاهرةٍ، مع الشبان المدنيين، ومع السلفيين، في شتّى الساحات. وقوتهم في مصر وسوريا في المدن، لكنهم في البلاد العربية الأُخرى ظاهرون في الأرياف والبلدات على حواشي المدن. وبسبب اختلاف المزاج بين الصعيد والدلتا بمصر، فقد يستطيعون الحصول على تأييد من الفئات المحافظة بمصر العليا إلى جانب الصوفية والسلفيين.

وتظاهرت مئاتٌ قليلةٌ من "حزب التحرير" بشمال لبنان ضد النظام السوري. و"حزبُ التحرير" قديمٌ في الأردن وسوريا ولبنان، وهو الآن قويٌّ في آسيا الوسطى وبعض المهاجر الأوروبية وأوستراليا، وهو يركّز على استعادة الخلافة باعتبارها الشرعية الوحيدة. ويقول بالشورى ويعتبرها مناقضةً للديمقراطية، لأنّ السلطة لله وشريعته وليست للشعب. وهو لا يقول بالعنف، لأنه ضد الفتنة وسفك الدم، لكنه لا يعارض انقلاباً غير دموي يُوصِلُ لإقامة الخلافة! ولا نعرف لهذا الحزب فرعاً أو نشاطاً بمصر، وما شارك في الثورات المدنية العربية، لأنها حدثت وتحدث لأهدافٍ لا علاقة لها بالخلافة، وتسعى لتجديد الشرعية من خلال الديمقراطية ذات المنشأ الغربي.

===================

النظام: متى يتنازل ومتى يعاند؟

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

15-5-2011

ما الذي يمكن للنظام أن يفعله عندما تثور الاحتجاجات.. هل يقدم تنازلات ويشتري سلامته أم يصر على موقعه للمحافظة على هيبته؟ الإجابة نجدها عند المعارضة لا السلطة. إن كانت الاحتجاجات تعبر عن غضب عميق فلا خيار سوى تقديم أكبر كم من التنازلات، أما إن كانت هبة غضب بسبب حدث معين حينها يمكن الاكتفاء بعلاج إسعافي.

الانتفاضات الأخطر هي تلك التي تبدو واثقة من نفسها، وهذا ما يميزها عن حالات التمرد المؤقتة. المتظاهرون السوريون يشعرونك بأنهم جماعة حسمت أمرها، أقل خوفا وأكثر تصميما، جمعة بعد أخرى. من بين اليافطات الساخرة المحمولة التي شاهدناها في مظاهرات الأيام الماضية واحدة تقول: «نرجو من الأمن السوري أن يستخدم الرصاص المطاطي مثل الجيش الإسرائيلي»!

في المقابل هناك تخبط فيما يصدر عن السلطة السورية والمتبرعين بالدفاع عنها، فالحكومة تصدر بيانا تقول فيه إنها أعطت الأوامر بمنع إطلاق النار على المتظاهرين، لتظهر تعليقات المعارضة في كل مكان تقول: «آهه.. السلطات تعترف الآن بأنها هي التي كانت في السابق تأمر بإطلاق النار». وعندما حشدت السلطة الرسمية من يدافع عن موقفها كانوا محامين سيئين. ظهر أشهر الفنانين السوريين الممثل الساخر دريد لحام يقول إن واجب الجيش ليس محاربة إسرائيل بل حفظ النظام الداخلي، عمليا لحام أطلق النار على النظام ولم يدافع عنه. ثم ارتكب رمز متهم بعلاقته بالسلطة ما هو أعظم، رامي مخلوف رجل الأعمال المتهم بأنه تاجر السلطة، تحدث لصحيفة ال«نيويورك تايمز» فقال محذرا إن هز النظام السوري سيعني تهديد أمن الجارة إسرائيل. دهش السوريون، فالرجل أدان النظام السوري عندما ربط بين أمن سوريا وأمن إسرائيل.

الحقيقة أن السلطات تعالج الانتفاضة كما لو أنها مجرد مظاهرات عابرة، حالة مزاج مستنسخة عن مصر وتونس، في حين يبدو لنا أن المظاهرات السورية أعمق الانتفاضات العربية التي شهدناها حتى الآن. وأحداث الأسابيع الماضية تبرهن على ذلك. فحركة المعارضة تتسع كل أسبوع والمشهد يزداد تعقيدا، والحكومة لم تقدم حتى للواقفين في المنتصف ما يبرر لها العنف الذي ارتكبته قوات الأمن بوحشية. لا شيء ألبتة.

صحيح نحن جالسون على بعد آلاف الكيلومترات بعيدا عن ميدان الحدث، وهم هناك أعرف وأدرى بالتفاصيل المحلية، وهذه حجتهم دائما لإسكات التساؤلات المستنكرة، لكن لأننا بعيدون عن التفاصيل يمكن أن نراها بوضوح ويمكن لنا نقرأها مستقبليا. بالقمع لا نرى نهاية للانتفاضة السورية، ولا نستبعد أن يسقط النظام وهو منشغل في إدارة التفاصيل الهامشية، مثل تسمية قناصة الأمن بالشبيحة، ووصف المقبوض عليهم بالمستسلمين، وجمع بضعة فنانين للدفاع عن النظام على شاشات التلفزيون. كلها أكياس رملية لا قيمة لها ولن تضيف لعمر سلطة دمشق ساعة إضافية. على الرئيس بشار الأسد أن يمد في عمر النظام من خلال مقاسمة السلطة مع الشعب، عليه أن يفتح باب المشاركة السياسية لكل القوى المختلفة، ومنحهم حتى كل الحكومة لا مجرد بضعة كراسي فيها، إن كسبوا الانتخابات. من دون ذلك سيذوب النظام مثل قصر من رمل على شاطئ البحر. عليه أن يدرك أنه لا قيمة للتوازن الإقليمي مع إسرائيل، ولا مع إيران، ولا قيمة للدعم الروسي أو غيره، ولا قيمة لكل المواقف السياسية. الحسم فقط في يد الرئيس.. بانفتاحه وتقديم التنازلات لمواطنيه سينقذ سوريا.

===================

أوليس حزب الله جماعة إسلامية أيضا؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

15-5-2011

الكذب واحد، ولكنه يختلف في درجة الاستخفاف، فعندما تعلن قناة «المنار» التابعة لحزب الله الإيراني في لبنان أن أطرافا قد أعلنوا إمارتهم الإسلامية في قرى سوريا، فإن ذلك هو الاستخفاف بعينه، بل إنه «الفزعة» الطائفية أيضا.

فإذا كان النظام السوري يستخدم فزاعة الإمارة الإسلامية والسلفيين، فإن ذلك مفهوم، فهذا نظام يحاول جاهدا تبرير قمعه لشعبه الأعزل، لكن أن تردد قناة حزب الله هذه الأكاذيب، فهذه سخافة بحد ذاتها، فحزب الله الإيراني جماعة إسلامية، ولها علم، وتختطف لبنان تحت طائلة السلاح، بل وهي التي تقرر اليوم من يحكم لبنان، ومن لا يحكم، فكيف تحذر قناة حزب إسلامي من جماعات إسلامية، خصوصا أن حزب الله نفسه يقوم بخدمة أجندة الجمهورية الإيرانية الإسلامية في لبنان؟

هذا الأمر له معنى واحد فقط؛ وهو أن حزب الله يقوم بمحاولة إنقاذ للنظام في دمشق بهدف طائفي طبعا، وبهدف خدمة مصالح إيران، وإلا كيف يقول حسن نصر الله إن ثورة مصر عربية تستحق الدعم، بل ويعتذر لأهل تونس لأن حزب الله تأخر في مباركة ثورتهم، (وبالطبع لم يقلها نصر الله إلا بعد ما تحدث المرشد الإيراني يومها عن أن ثورات العالم العربي إسلامية وعلى خطى إيران)، فكيف يدعم نصر الله ثورة مصر، ويعتذر للتونسيين، ويفعل المستحيل دفاعا عن شيعة البحرين، ثم تقوم قناته بتشويه صورة السوريين العزل، بدلا من دعم انتفاضاتهم؟

بكل تأكيد إنها الطائفية التي تعمي حزب الله، الوجه الآخر ل«القاعدة» في منطقتنا، فبصمات أفعال حزب الله التخريبية في منطقتنا واضحة من مصر إلى الخليج، وبالطبع البحرين، وقبل كل ذلك لبنان، والعراق، واليوم محاولة تشويه سمعة الأبرياء في سوريا، كثيرون في الإعلام العربي يقولون إنه لا يمكنهم التأكد من المعلومات التي تشير إلى تورط حزب الله في الداخل السوري، لكن يكفي أننا نرى كيف يحاول الحزب من خلال قناته التلفزيونية الإساءة للانتفاضة السورية.

أحد العالمين ببواطن الأمور في سوريا يقول لي إن لقناة «المنار» تأثيرا على بعض الأجهزة الأمنية المحسوبة على النظام السوري، ولذلك من خلالها يتم التهجم على فئات في المجتمع السوري، أو شخصيات عربية، لأن لها مصداقية بينهم، وبالتالي فإذا لم تتصد لهم، أي حزب الله، الفضائيات العربية فتلك مشكلة، فالصحف مثلا لا تصل إلى سوريا مثلما تصل الفضائيات، وبالطبع فإن بعض الفضائيات العربية مشغولة باستضافة «محللي» النظام السوري أكثر من بث الحقائق، وتفنيد الأكاذيب.

المراد قوله إن كل يوم يكشف حزب الله الإيراني عن وجهه الطائفي، ليس في لبنان والعراق والبحرين، وحسب، بل واليوم في سوريا، ولا يريد الحزب ومن خلفه فهم شيء واحد وهو أن دائرة الزمان تدور، ولن يصح إلا الصحيح.

====================

الدكتاتورية كبوليصة تأمين إسرائيلية

عيسى الشعيبي

الغد 14/05/2011

كان على الواحد منا أن يخوض غمار سجال لا نهاية له، أو أن يلقي خطابات مطولة في فضاء لا مستمعين له، قبل أن يحسم بعض المتحدثين باسم الأنظمة الديكتاتورية الآيلة للسقوط، صحة الافتراض النظري الذي كان من العسير الدفاع عن سلامة منهجه الديكارتي، ألا وهو أن أفضل بوليصة تأمين للحفاظ على استقرار إسرائيل هو استمرار تلك الأنظمة التي صادرت حريات شعوبها، وأمعنت في اضطهاد أبنائها باسم المقاومة الكلامية المتهافتة، وبلاغة شعار الممانعة المحصنة ضد النقد والمساءلة.

ولم يكن الاعتراف المباغت لنظام العقيد معمر القذافي، غداة نشوب الثورة الشعبية ضد تسلطه وتفرده وهيلمانه، كافياً لكشف كامل مكونات هذا الجانب المخفي من الاتفاق غير المكتوب بين تحالف سلطة القمع والفساد من جهة وبين الدولة العبرية من جهة ثانية، حتى بعد أن أقر الأخ العقيد ذلك بعظمة لسانه، في لحظة ضعف مشينة، راح فيها يستجدي العطف الغربي ويتذلل تحت أقدامه، أملاً في بقاء الجماهيرية العظمى كضامن لأمن إسرائيل، ناهيك عن أمن القارة البيضاء ضد مراكب المهاجرين غير الشرعيين المتسللين من القارة السوداء.

ذلك أن معمر القذافي لم يكن يؤخذ على محمل الجد دائماً، حتى لا نقول إنه كان موضعاً للسخرية السوداء والتندر، وبالتالي فإن كلامه لا يعتبر حجة يمكن الاتكاء عليها لفض أي من التباسات هذا الحلف غير المقدس، وغير الممهور بالاختام الرسمية، بين الأنظمة المستبدة وبين إسرائيل، الأمر الذي مر معه اعترافه الصريح هذا، بكونه ضمانة أمنية لمدللة أميركا في الشرق الأوسط، مرور الكرام على أسماع وأفئدة المتعلقين بعد بأهداب معسكر الممانعة، لا سيما وأن عميد الحكام العرب لم يكن عضواً أصيلاً في هذه الجبهة النخبوية، ولا ركناً معترفاً به من كبار أركانها.

غير أنه عندما يبادر واحد من أركان النظام السوري، بكل ما لديه من شعارات ثورية معتبرة، إلى إعادة تذكير الدول الغربية بمقولة القذافي حول ضمانة الأمن الإسرائيلي، لدرء مزيد من العقوبات والضغوطات الدبلوماسية المتزايدة، فإن الأمر يصبح أكثر أهمية من مجرد إشارة عابرة في لحظة ضعف واسترحام مماثلة، ليس لأن المليونير رامي مخلوف يحتل المرتبة الرابعة أو ربما الثالثة في سلسلة النظام الغارق في دماء شعبه، وإنما لأن هذا القول القاطع في مدلوله ومضمونه صادر عن النظام الذي يعتبر نفسه عمود الوسط في خيمة الممانعة، أو قل رافعتها الأساسية.

إذن نحن اليوم، وقبل أن تتفتح أكمام ورود الحرية تماماً في بستان هذا الربيع الديمقراطي المديد، أمام واحدة من تجليات انكشاف تلك الكذبة التي أصابت العرب بصداع رأس شديد وطنين أذن ممض لسنوات طويلة، اختصر ابن خال الرئيس الممانع للحريات والإصلاحات كل السجال المفتوح بجملة واحدة، فكان مثله مثل الجارية "جهيزة" التي قطعت قول كل خطيب، وأراحت المتجادلين حول مبلغ دية قتيل بقولها: "إن القاتل قد ظفر به أولياء المقتول" فعلام هذا الخلف بينكم علاما.

 وقد لا يكون هاتك هذا السر المكنون مدركاً، تحت وطأة الشعور بالغرق الوشيك، لمدى أهمية ما في "صندوق العجب" من ورقة سحرية ثمينة، كان التمسك بها والنوم عليها هكذا، يشكل ميزة نسبية لنظام حكم ظل يسوّغ قمعه لشعبه باسم مقاومة الضغوط الخارجية التآمرية، ويصادر أبسط الحقوق الديمقراطية المشروعة بحجة الاصطفاف في خندق الممانعة، وكأن الاستبداد والقهر والظلم شروط لازمة لتعزيز مثل هذا الاصطفاف بضريبة الكلام، وتحصين خندق الممانعة بالهتافات.

وعليه، فقد تكون إحدى الثمرات المبكرة لهذا الربيع العربي الديمقراطي الوارف، تتمثل في سقوط خديعة جبهة الممانعة هذه، التي كنتُ كلما ذكرتها في مقال على هذه الصفحة، كنتُ أفتح قوسين متسائلاً: ممانعة ماذا؟ وبالطبع لم أعثر على جواب حتى تكفل اهتزاز نظامين ممانعين، ودخولهما معاً في ضائقة شديدة بتقديم الإجابة الشافية، وكشف ورقة الآس في لعبة البوكر المثيرة، الأمر الذي يمكن القول معه بلا تشفٍّ، إنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح، وإن حبل الكذب قصير مهما طال أمده.

===================

شو مشان إذا نجحت الثورة السورية

مشارك

موقع المندسة السورية – 14/5/2011

http://www.the-syrian.com/?p=3126

حتى مساء يوم 14/أذار/2011م , كان معظمنا إما يضحك من الدعوة في اليوم التالي للخروج في يوم الغضب السوري و من لم يضحك كان متحفظا بشدة فلا يحاول حتى مناقشة هذا الأمر بينه و بين نفسه.

أشرقت الشمس لأول مرة على سوريا منذ أربعيين عاما في صباح 15/أذار/2011م , لقد كان لخيوط شعاع الشمس في هذا اليوم بريق ليس كما كان قبلاً, كان الأمر مختلفا في كله عما سبق.

و بدأ الزحف..

اليوم و بعد مرور ستين يوما على انطلاق الثورة السورية, لا أدري كيف أستطيع أن أصف قوة أولئك الذين خرجوا أولاَ..

لا أدري هل بإمكاني وصف شجاعة أولئك الذين التحقوا بأولهم نخوة و شهامة و حرية؟..

لا أدري كيف أستطيع وصف استمرارهم بعد كل فنون التنكيل و التعذيب و القتل التي مارسها نظام الأمن في سوريا..

و لكنهم استمروا..

خلال الستين يوما هذه, كان في الحقيقة ثمة سؤالين يدوران في فلك رأسي.

كنت أسأل نفسي باستمرار لماذا لا أخرج؟ و حتى و أنا خارج سوريا في المملكة العربية السعودية, فلماذا لا أخرج لأساند أولئك الذين لم و لن أستطع وصف مروؤتهم و شهامتهم و بطولتهم و شجاعتهم التي يسطرونها كل يوم ملاحما من زمن الأساطير..

لماذا لا أخرج ؟ و أنا الذي اعتاد تنكيس رأسه للصغائر في سوريا

لماذا لا أخرج ؟ و أنا الذي لم أعش يوما حراً في حياتي بأرض بلادي

لماذا لا أخرج ؟ و أنا الذي هرمت شابا لأنني لا أستطيع الرد في أي نقاش أمام جماعة خوفا من تقرير يسير بسرعة الضوء و أكثر

كنت اخترع الإجابات التي تلبي حاجة ضعفي و خوفي فتارة أقول بأنني إن خرجت و كشفت هويتي فإن الحساب العسير سينتظر اهلي في سوريا إلى يوم يرحلون, و تارة أخرى كنت أقول و ما الجدوى من كشف شخصيتي و أنا خارج الوطن فأخسر صوتي داخله لاحقا,و في الحقيقة كان الجواب الثاني يرضي غروري كثيرا وكنت أستطيع النوم بعد أن أنطقه كما الشهادة التي ينطقها شهداء الثورة الأحرار .

أما ثاني الأسئلة و الذي هو الأهم فكان ” ماذا لو نجحت الثورة السورية ضد طغاة العصر الحديث؟”

هل سأستطيع حينها رفع رأسي في وجه طفل خرج في مظاهرة رأسه فوق هامات السحب ؟

هل ستقبل أرواح الشهداء بأن أقرأ لها الفاتحة؟ و هي التي روت الأرض بالدماء لأعيش أنا حراً.

هل سأرضي ضميري بالكذب حين أقول بأنني حاولت أن أعمل الكثير و فعلت الكثير و ما منعي عن الاستكثار إلا البعد عن أرض الوطن؟

هل سأقبل نظرات الأشقاء العرب التي سترمقني كما ترمق نظرات الحسناء البطل في ملحمة تاريخية؟

هل سأصبح ثرثارا حد الصفاقة و أنا أتكلم عن بطولاتي و صولاتي و جولاتي في الثورة السورية ؟

و هل سيعلو صوتي فوق صوت من بذل الغالي و الأغلى في سبيل حرية سوريا ؟

و هل سأكون كفؤاً للحديث عن شجاعة السوري الحر ؟

و هل سأكون أهلا لأن أكون سوري في عصر سوريا الحرة في عصر سوريا الإباء

هل سأستطيع أن أجاوب طفلي عندما يكبر إذ هو سألني عن بطولاتي التي ساهمت مع الأبطال في تحرير سوريا من الطغاة!!

هل…و هل….و هل ….و هل ….؟

أعرف أن هناك مثلي الكثير الكثير من الشباب و أعرف أكثر أن الخطر الأكبر على الثورة هو نحن الذين رضينا السكوت و لم نكتف, و زدنا كلاما وقحا و أصبحنا نحلل الوضع و نأمل أن يكتشفنا الأبطال في سوريا لكي نمدهم بأفكارنا النيّرة !! و لم نكتف!!

و قال بعضنا بما معناه “بكرا بيرجع الوضع هادي و ما راحت غير عاللي راح!!!”

“بكرا بيرجع الوضع هادي يعني ذل و هوان و ضعف و قمع , و ما راحت غير عاللي راح”!!!!

بالفعل إن صدق أن هناك مندسين بين المتظاهرين هدفهم التخريب , فما هؤلاء المندسون إلا أنا و أمثالي من خارج سوريا, الذين ارتضينا الانتظار ضعفا لنرى النتائج و بعدها نظهر شخصيتنا الحقيقة إما بقول ” الله سوريا بشار و بس” أو بقول ” الله سوريا حرية و بس و برفع علامة النصر”

ما أعرفه حقيقة بأنني إذا لم أفعل شيئا اليوم يعبر عن سوريتي , فأنا لا أستحقها , و بالتأكيد حينها لن أتمكن من خداع ضميري و سأعيش ذليلا برأس منكس في ظل سوريا القمع أو بذل و رأس منكس و خجل أمام سوريا عصر الحرية.

و أخيراً ..فإن الثورة ستنجح بنا أو بدوننا,و ما يزيد يقيني بذلك هو إيماني بأن ذلك الطفل الذي خرج يحمل وردة في وجه دبابة هو بألف ألف رجل.

و سيبقى نيل الشرف الحقيقي

لمن قال كلمته بالأمس و استمر..

و لمن قرر قول كلمته اليوم و استمر

و بالتأكيد ليس لمن سيقول كلمته غداً في ساحة الاحتفالات بالحرية ..

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ