ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
الاضطراب السوري
والسياسات الأميركية رضوان السيد تاريخ النشر: الأحد 22 مايو 2011 الاتحاد على مشارف خطاب أوباما يوم الخميس الماضي
بشأن الربيع العربي، وما سيُعلنُ عنه
من معالجاتٍ بشأن النزاع العربي
الإسرائيلي، أعلنت الولايات المتحدة
عن عقوباتٍ منفردةٍ تناولت الرئيس
السوريَّ وعدداً من معاونيه. واقترن
ذلك بتصريحٍ لوزارة الخارجية
الأميركية بأن على الرئيس الأسد قيادة
التغيير أو الرحيل! وبينما اعتبر
مراقبون هذه العقوبات مفاجئةً لأنها
تجاوزتْ العقوبات الأوروبية التي
أُعلنت قبل أُسبوعين، ذهب المتحدثون
الأميركيون إلى أنها تتمُّ في سياقٍ
مضى على السير فيه شهرٌ وأكثر، لكنّ
الأسد ما تجاوبَ مع التحذيرات
والإنذارات؛ إنْ لجهة التوقف عن قمع
المتظاهرين، وإنْ لجهة السير في
الإصلاحات التي وَعَدَ بها. وما يقوله
الأميركيون بشأن المطالب التي عرضوها،
قاله قبلهم الأوروبيون والأتراك
والعربُ الخليجيون. وقد تحركت اللجنة
الدوليةُ لحقوق الإنسان، وتحرك
الأوروبيون وأصدروا عقوباتٍ ما تناولت
الرئيس الأسد، واجتمع مجلس الأمن وفشل
في إصدار قرارٍ لاعتراض الروس
والصينيين. وقد اعتبر المعارضون
السوريون في الخارج، وكذلك لجنة العفو
الدولية والصليب الأحمر، أنّ هناك
تباطؤاً في الضغط على النظام السوري
لإيقاف القمع، ودخول لجان التحقيق،
وقوافل المُساعدات. وهكذا فالحديثَ عن
مسارٍ في ردود الفعل الدولية صحيح، لكن
الصحيح أيضاً أنّ الجميع كانوا
مترددين في اتخاذ إجراءات صارمةٍ،
وبخاصةٍ أنّ التظاهرات في سوريا تدخل
شهرها الثالث، وهناك حوالي ألف قتيل
وعشرة آلاف معتقل، فضلاً عن عشرات
الأُلوف من المشرَّدين بالداخل
السوري، وعلى الحدود مع تركيا ولبنان.
فما الذي حصل الآن ويحصل؟ وما هي
اعتباراتُ سائر الأطراف في النظر إلى
الوضع في سوريا؟ لنبدأ بالنظام السوري نفسه. فقد تأخَّر في
الاعتراف بالمشكلات بالداخل حتى
انكشفت مسألةُ درعا، وامتدّ الاضطراب
إلى بانياس ودوما واللاذقية وحمص
وسائر أنحاء البلاد، ربما باستثناء
حلب ودمشق. هذه التظاهرات كُلُّها
ووجهت بعنفٍ مفرط، وما تحدث عنها
الإعلام الرسمي، ولا نملكُ بشأنها من
جانب النظام غير خطاب الرئيس في مجلس
الشعب، والذي وعد فيه بالإصلاح إنما
بعد إنهاء الاضطراب، كما شكّل حكومةً
جديدةً يقالُ إنها تدرس مشروعات
قوانين إصلاحية بعد إلغاء قانون
الطوارئ. وقد تشكلت قبل أيام لجنةٌ
عليا للحوار. إنما كُلُّ ذلك على وقْع
أحداث الاضطراب والتظاهر، واتهامات
النظام للمتسللين والإرهابيين
والسَلَفيين وحتى تيار "المستقبل"
بلبنان! ومنذ الأُسبوع الثالث للتظاهُر، ما عادت
تصريحات الإعلام السوري، وأحاديث
الرسميين في دمشق تُقْنعُ أحداً. لذلك
توالت مطالبات الأتراك والأوروبيين
والأميركيين للأسد بالمسارعة في
الإصلاح، والتوقف عن قمع المتظاهرين.
وبعد شهرٍ على التظاهُر ما بقي مع
النظام السوري كثيرون، وصمت الخليجيون
بعد تأييدٍ مبدئيٍّ للاستقرار
والإصلاح. ثم جاءت العقوبات الأوروبية
قبل أُسبوعين، وتلتْها العقوبات
الأميركية التي طالت الأسد للمرة
الأولى. لقد كان النظام السوريُّ يدركُ نقاط قوته
بالخارج الإقليمي والدولي. فمنذ
البداية، ورغم ما حصل في تونس ومصر، ما
كان أحدٌ يعمل على إسقاط النظام أو
يرغب بذلك. أمّا العربُ فمهتمون
ومعنيون بالاستقرار بالداخل السوري
الذي كان عماداً للاستقرار في بلاد
الشام المضطربة؛ بخاصةٍ بعد ما حصل
بالعراق وللعراق، ثم ما يحصل في ليبيا
واليمن. وقد بلغ الجزعُ بأردوغان أَنْ
حذَّر من انقساماتٍ طائفيةٍ بالداخل،
كما حذَّر من حدوث ما يشبه مذابح حماة
وحلبجة. ولدى الأوروبيين والأميركيين
ثلاثةُ اعتبارات: أهمية الاستقرار
السوري لاستقرار المنطقة، وضمن ذلك
العراق ولبنان. وأهمية تماسُك النظام
الذي هدأت جبهتُهُ مع إسرائيل رغم
احتلال أرضه منذ عام 1973. وأهميةُ بقائه
قوياً وحاضراً لهذا العام، عندما يجري
التفاوُضُ على حلِّ الدولتين في
فلسطين، فالحلُّ الشاملُ غير ممكنٍ ما
دام الجولان محتلاً، ولابد من التفاوض
على ذلك مسبقاً أو بالتوازي مع
التفاوُض الفلسطيني الإسرائيلي. وهذه
الاعتبارات أطمعت أهل النظام في
سوريا، وهو ما صرَّح به رامي مخلوف ابن
خالة الرئيس لصحيفة "نيويورك تايمز"،
إذ قال "إنهم" سيقاتلون إلى
النهاية، وحذَّر إسرائيل من أنّ
استقرارها مرتبطٌ بالاستقرار في سوريا!
وأخطأ أهل النظام عندما حرَّكوا
الجبهة بالفعل، وهي التي لم تتحرك منذ
آماد؛ فقد أرسلوا في ذكرى النكبة مئات
المتظاهرين لاختراق الشريط الشائك في
الجولان، بينما كانت مئاتٌ أُخرى من
المتظاهرين الفلسطينيين، تتحدى
الإسرائيليين على الحدود اللبنانية.
وأسفرت الاشتباكات عن 14 قتيلاً من
الهاجمين. وبعد هذه الحادثة الدموية
بدأت كلُّ الاعتبارات السابقة
بالتساقُط: فالسوريون يحاولون
الابتزاز بإمكان إشعال الجبهة التي
يصل إليها الشباب بباصاتٍ منظَّمة، في
حين لا يستطيع متظاهرٌ أن يخرج إلى
الشارع بحمص ودرعا وغيرهما ويبقى
آمِناً. وهكذا وبعد أعوامٍ من مساعي
الحل التفاوُضي يثبُتُ الآن أنّ
السوريين لا يريدون الحلَّ أو لا
يقدرون عليه. ولذا فإنّ الدوس على
القدم بقسوةٍ من أجل تغيير السياسات ما
أثبت جدْواه، ولابد من البحث عن شريكٍ
سوري جديد في التفاوُض على الجولان،
والمشاركة في السلام الشامل. والنظام
السوري عاجزٌ عن تحقيق الاستقرار حتّى
بالقمع، لأنه لا يريد الإصلاح أو أنّ
ذلك ليس من طبيعته. ويبقى الأمر الأخير
في صالح النظام، وهو أنّ البديل غير
متوافرٍ حتى الآن، إذ ما برز أحدٌ في
الداخل، ومعارضة الخارج ما استطاعت
حتى الآن جمع صفوفها. فالاتجاه
الأميركي المفاجئ أو غير المفاجئ، إلى
الرأس مباشرةً، المقصودُ به أنّ
النظام ما عاد صالحاً للسلام أو
للإصلاح أو للاستقرار، ولابُدَّ من
انضاج البديل بالتعاون مع المعارضة
الداخلية والخارجية للنظام! هل يكفي هذا كلُّه لتعليل ما يحدث؟ كلام
رامي مخلوف وآخرين عديدين يدعم مقولة
"الفوبيا" بالتعصب الإسلامي
والذي سينتهج المذابح الطائفية تجاه
الأقليات!. وهي الفكرة نفسها التي
كررها أردوغان وإن بطريقةٍ معكوسة: إنّ
الأقلية هي التي سترتكب المذابح!
والمؤكد أنّ شيئاً من ذلك لن يحصل،
فالمتظاهرون والمتحدثون باسمهم لا
يظهر عليهم التعصب الطائفي. وبعد نهاية
الحرب الباردة، وطغيان وسائل الاتصال،
ما عادت المذابح الكبيرة ممكنةً حتّى
لو أرادها هذا المتسلِّط أو ذاك. ولذا
فالراجح أن صخرية النظام تعود لأمر
أساسي، هو الاقتناع بأنّ عمليات
التحول الديمقراطي سوف تُزيلُ العهدَ
كلَّه. وما من أحدٍ في الجيل الثاني
للعهد والنظام والأُسرة مستعدٌّ
للتسليم بذلك، وهذا ما ثبت في حالات
مبارك وبن علي والقذافي وصالح. بعد درعا والصنمين وبانياس ودوما
واللاذقية وحمص وحماة والرستن وتلكلخ
ونوى وداريا.. إلخ، سقط حاجز الخوف،
ودخلت سوريا في زمن الاحتجاجات
العربية. إنما التكلفةُ ضخمةُ بضخامة
الرهان، رهان انتهاء الاستثناء
العربي، وتغيير مصائر المنطقة
العربية، بنزول الجمهور العربي إلى
شوارع دساكره التي اضطر لمغادرتها قبل
أربعين عاماً! ================== كتابان جديدان عن سوريا
المعاصرة: صناعة الرموز المستقبل - الاحد 22 أيار 2011 العدد 4004 - نوافذ - صفحة 10 على وقع ما تشهده سوريا من أحداث، أصدرت
دار رياض الريس في بيروت كتابين. الأول
بعنوان "السيطرة الغامضة السياسة،
الخطاب والرموز في سوريا المعاصرة"
وقد ترجمه إلى العربية نجيب الغضبان،
وخصت الكاتبة الطبعة العربية بمقدمة
خاصة. أما الكتاب الثاني فحمل عنوان "سورية
الاقتراع أم الرصاص؟" (الديموقراطية
والإسلامية والعلمانية في المشرق)
لكارستين ويلاند، بترجمة حازم نهار
ومراجعة رضوان زيادة. وقد صدر الكتابان
بالتعاون مع المركز السوري للدراسات
السياسية والاستراتيجية. تقول ليزا وادين في مقدمتها للطبعة
العربية إن تعريف ماكس فيبر ل"الشرعية"
في الدولة والسلطة إنها "علاقة
لرجال يسيطرون على رجال، علاقة مدعومة
بوسائل العنف المشروع"، وفي سياق
دراسة الأنظمة السلطوية فان الإشكالية
في استخدام مصطلح الشرعية تبدو أكثر
صرامة. ان مثل هذه الدراسات تفشل غالباً في
التمييز بين التظاهر العام بالولاء
والتصديق، من ناحية، وبين الولاء
والتصديق الحقيقيين، من ناحية أخرى.
وحقيقة أن أغلبية المواطنين قابلون
لاعادة انتاج الشعارات الرسمية للنظام
وأغلبهم يفعل ذلك بالكاد تخبرنا بأن
النظام قادر على فرض الطاعة على مستوى
السلوك الخارجي. إن دراسة العروض
الرمزية للسلطة من دون افتراض ان ذلك
يعيد انتاج الشرعية، بشكلها الفيبري
أو غيره، تمكننا من ملاحظة المناوشات
السياسية الهامة التي تدور بين الحاكم
والمحكوم. ولتحليل هذه المنافسات كما
تقدم في الصورة المثالية للنظام لنفسه
ولاستقبال المواطنين لها، ولإيجاد
الظروف البلاغية التي يمارس من خلالها
النظام بعض سلطته. "السيطرة الغامضة" استند إلى سنوات
من البحث الأرشيفي والميداني، لتحليل
كيفية توظيف النظام السوري للخطاب
البلاغي والعروض العامة والرموز
كآليات للسيطرة والتحكم بالمجتمع.
وهنا نأخذ مثالاً لصورة الأسد (الأب)
كأب رمزي دليلاً للسلوك العام لأبنائه
الوطنيين. إحدى الطرق التي يعمل من خلالها هذا
الدليل هي تقديم الأسد كمثال للرجال
والنساء. وكما يمثل الأسد النضال
والصمود والتضحية في الخطاب الرسمي،
لذا فان مواطنيه وجنوده الأولاد؛
كامتداد له، هم أيضاً يمكن أن يناضلوا
ويصمدوا ويضحوا. لكن ماذا تعني هذه
المعاني المجردة بشكل محسوس؟ تميل هذه
المعاني إلى أن تكون عسكرية، موجهة نحو
البطولة في المعارك. فاذا كان أولاد
جنود الأسد بالفعل امتداداً له، فإن
أفعالهم البطولية هي أيضاَ امتداد له.
يؤكد هذا الخطاب على الأسد كمثل أول
وأعلى للأولاد المتطوعين المتحمسين:
الجنود يموتون من أجل حب الأمة، أمة
محمية من الأسد وممثلة بالأسد. ينسجم مع سياسات ما يسميه بعض الباحثين
"أنثوية الدولة" أو "البطريركية
العامة" قيام النساء أيضاَ بالتضحية
بأنفسهن من أجل الأمة وقائدها. "فالبنات"
أصبحن جزءاً من البلاغة المرتبطة
بالشهادة على المستوى الوطني، خاصة
بعد 9 نيسان ، إبريل 1985، عندما قادت
سناء محيدلي، ابنة السبعة عشر عاماً من
شيعة لبنان ومن الطبقة المتوسطة
الدنيا، سيارة جيب محملة بالديناميت
إلى حاجز اسرائيلي في جنوب لبنان
وفجرته، فقتلت نفسها وجنوداً
إسرائيليين. وكانت محيدلي أول امرأة
شابة تقوم بهذا الفعل، وتم وضع قيود
على التقارير التي تحدثت عن "شهادتها"
بعد أن أشار الأسد لتضحيتها في الخطاب
الافتتاحي لاتحاد الشبيبة الثورية.
أصبحت محيدلي أيقونة معروفة لأغلب
السوريين (من 1985 وحتى 1991) وكررت عدة
نساء لبنانيات تضحيتها. ويطلق عليهن
"عرائس الجنوب". ان استبدال الصلات العائلية الخاصة إلى
الانتساب السياسي العام، يجد تعبيره
في الصياغة الخطابية البلاغية لقصة
تضحية محيدلي فاستناداً إلى التقارير،
كتب والدا محيدلي إلى الأسد: "عزيزي الرئيس والأب والفريق حافظ
الأسد.. لقد كانت ابنتنا الوحيدة والآن
هي ابنتك ايضاً. لقد كانت تعتز بك وتحبك
قبل استشهادها، ولقد كانت آخر رسائلها
لك ولأبيها ولأمها معاً. في العالم
الرائع الذي رحلت اليه، لا شك انها
ترقد براحة لأن اسمها منقوش على شوارع
العاصمة الغالية دمشق، ومرفوع في
المسيرات.. نشكرك ان قدرك هو المقاومة
وحماية الحق والشرف". ومع ان من الصعب الشك بالالتزام الوطني
لشهداء مثل محيدلي، فإن من الصعب ان
تصدق ان محيدلي والأطفال المضحين
الآخرين مدفوعون بشكل مباشر بالالتزام
الوجداني لأبيهم المجازي (الأسد). في
الحقيقة، كانت محيدلي مقربة من الحزب
السوري القومي الاجتماعي، وهو حزب
سوري لبناني كان على علاقة تصارعية
تاريخياً مع الحزب الحاكم في سوريا،
غير انه في السنة التي سبقت فعل
محيدلي، أصبح أكثر قرباً من سياسات
دمشق. ان الاهتمام الخاص هنا، إذاً ليس
اخلاص محيدلي للأسد، فهو كان معترفاً
به على نطاق واسع كما تحدث المسؤولون
الحكوميون، لكن جرى استثمار الخطاب
الرسمي في اعادة تقديم فعلها كدليل على
الإخلاص للأسد. إن استشهاد سناء محيدلي يجعلها منقوشة في
ظاهرة تقديس حياة الأسد. لقد سبب فعلها
إعادة تأكيد العبارات التي تمجد قيادة
الأسد، كما أن موتها أعاد انتاج خطاب
التضحية للولاء العائلي الذي يعتبر من
خصائص ظاهرة تقديس الأسد. أصبحت محيدلي
رمزاً للتضحية والأنوثة من خلال
اعتراف الأسد، كما أضحت مثالاً للنساء
السوريات الأخريات. يمكن للنساء
الأخريات ان يوجهن أنفسهن ويتماثلن مع
تجربتها، ليس بتضحية انفسهن بشكل
حرفي، لكن من خلال المشاركة
والاستغراق في الجو البلاغي الذي يصف
ويحتفل بالاخلاص البنتوي (نسبة للإبنة). تمثل صورة محيدلي الطرق التي تعمل من
خلالها ظاهرة تعظيم الحاكم لتحدد
الطاعة لسلطة الدولة ولتضفي العضوية،
بالمعنى الرسمي، في المجتمع الوطني.
يوضح مثالها كيف تعمل "القواعد"
الوصفية لظاهرة تعظيم الحاكم من أجل
التحكم بالمعاني لفعل مفهوم بشكل عام
على أنه فعل بطولي. لكن يمكن أن يكون
مصدر عدم استقرار (لأن محيدلي أنثى
تصرفت بشكل مستقل عن توجيهات الدولة
السورية). اولاً، تخدم صورة محيدلي قوة
النظام في استحواذ الرموز والصور
المفيدة، وليس تنمية الاعتقاد أو
الولاء. إن الاستحواذ على محيدلي يسجل
محاولات النظام للتحكم بنظام المعاني.
ثانياً، إن الأهمية التصويرية لمحيدلي
تنحدر من دورها كمثال. فكرمز، تحدد
محيدلي التصرف المناسب لبنات الوطن
المجازيات. فهي تعمل، كما حال البلاغة
الإنشائية عموماً، لتعبر عن شكل
الطاعة المدنية في سوريا. الطريقة الثالثة التي من خلالها تعمل
ظاهرة تقديس الحاكم لاستقرار المعنى
هي اكثر تعقيداً، فهي تبنى على حقيقة
أن محيدلي هي امرأة وبذا تكشف
التناقضات في البلاغة الانشائية
وسياسات النظام حول النساء. فمن ناحية
تقترح محيدلي بأن النساء كما البنات
الوطنيات، مثل الأبناء الجنود يمكن أن
يقلدن الأسد. كما يمكن للنساء، مثل
أشقائهن الرجال، ان يشاركن في عظمة
الأسد وذلك بكونهن مثله، وبكونهن
مقاتلات شجاعات مستعدات للتضحية
بحياتهن من أجل عظمة الأمة وشرفها. ومن
ناحية ثانية، فإن سناء محيدلي والنساء
اللاتي اتبعن مثالها اطلق عليهن "عرائس
الجنوب" . ان اطلاق هذه الصفة تعيد
تأكيد الخصوصية الجنسية لتضحية النساء
وذلك بربط هذه الأفعال إلى فانتازيا
الزواج. الكتاب الثاني "الاقتراع ام الرصاص؟"
يقدم فهماً عميقاً مدهشاً لواحد من
اكثر البلدان غموضاً في العالم. ويناقش
المؤلف كارستين ويلاند فكرة ان الغرب
يجب أن لا يتجاهل التقليد السوري
المتين للعلمانية. كما يشير إلى ان
سوريا ربما تملك شروطاًُ مسبقة
بالنسبة إلى الديموقراطية أكثر من أي
بلد عربي آخر. فالكتاب يحاول استكشاف
ممرات دمشق وأحيائها، ويدعو إلى فهم
أفضل للحقائق السياسية والاجتماعية في
سوريا. فهو "بلد سريع التغير ويمتلك
الكثير من الامكانات، لكنه يتصف
أيضاًَ بالكثير من المجازفات والأخطار.
وبعد ثماني سنوات صعبة (منذ بداية
الحرب على العراق وحتى اليوم. لا يزال
من المبكر جداً أن نقول في أي اتجاه
سيقود نظام الأسد البلاد في النهاية". الكتاب هو نتيجة ليال طويلة من النقاش
والمقابلات مع شخصيات المعارضة
السياسية واعضاء من الحكومة ودوائر
السلطة، والمحللين والمقاولين ورجال
دين. يستخلص المؤلف كتابه بأن سوريا تتغير من
الداخل، لكن ليس بالسرعة والسهولة
التي يتمناها الناس، فيما حزب البعث
يتآكل منذ فترة طويلة. ويقول: بعد خمسة
عقود تقريباً من حكم البعث وتلاشي
المجتمع المدني والعديد من المثل
العليا السياسية لم يبق المجتمع
السوري صامتاً. سواء كان بالرغم من، أو
بسبب، الصرامة الداخلية خلال سنوات
حكم الأسد، فإن المجتمع السوري يمتلك
تشكيلة كبيرة من القوى المعتدلة،
ومعارضة ذكية، وقدرة على التسامح
الديني الأمر الذي لا يمكن اعتباره
بديهياً في منطقة الشرق الأوسط، ويجب
على الدول الغربية الأخذ في الحسبان
هذه العوامل في سياستها تجاه سوريا،
رغم الشكوك المبررة بديكتاتورية البعث
المغلفة. ان سياسة خارجية جيدة يجب ان
تأخذ في حسابها اكثر من ذي قبل الحقائق
الاجتماعية. بالاضافة إلى الأوضاع
السياسية والفاعلين على المسرح
السياسي لأن اللاعبين الجدد في
الصراعات الدولية، كمؤيدي تنظيم
القاعدة وارهابيين آخرين، هم ايضاً
زعماء ثقافيون واجتماعيون وليسوا
دولاً. ان ايديولوجية البعث قد ضعفت قبل فترة
طويلة من تسلم حافظ الأسد للسطلة، وقد
انتهت الآن بالكامل تقريباً. والذي بقي
من فترتي ما قبل البعث والبعثية كراهية
مستفيضة لكن واسعة الانتشار للأفكار
الإسلامية والأصولية، نظام سياسي
اجتماعي علماني نسبياً. وهذه هي بالضبط
نقاط الاتصال البارزة للسياسة
الخارجية الحديثة بعد أحداث الحادي
عشر من أيلول. إذا أراد بشار القيام
بانقلاب كبير، فعليه ببساطة أن يدعو
إلى انتخابات شعبية للرئيس، ولا تزال
لديه الفرصة فعلياً للفوز بهذا
الاقتراع. ومع ذلك، فانه يحتاج فقط
لأغلبية واحد وخمسين بالمئة، كما ان
لديه دعم الأقليات الذين يؤلفون
تقريباً ثلث عدد السكان. ويقول رجل
اعمال من دمشق: "ان هؤلاء الاشخاص (الأقليات)
ربما يكونون غير علمانيين أكثر من
الجميع بطريقة تفكيرهم، لكن يجب عليهم
أن يتظاهروا بالعلمانية لأنها ضرورية
لبقائهم السياسي والمالي". واذا
اضفنا نسبة عشرة بالمئة من السنة
التقدميين إلى الاقليات، فسنحصل على
قاعدة علمانية بنسبة أربعين بالمئة من
عدد السكان. ويتابع رجل الأعمال "ربما
تكون سوريا الدولة الوحيدة في المنطقة
التي يمكن أن تعتبر نفسها علمانية،
فحتى في تركيا وإسرائيل العلمانية
آخذة بالتناقص". لكن هذا مجرد افتراض، فبشار على الأرجح لا
يجرؤ على اجراء انتخابات حرة، فضلاً عن
دفعها عبر أجهزة السلطة. فهذا الأمر
سيحرم السلطة البعثية والنظام السياسي
بأكمله من مؤسساته. ان تحالفاً مع
الشعب ضد النخبة السلطوية الفاسدة، مع
أو بدون انتخابات يبدو خطراً جداً عند
هذه النقطة، لكن اذا أراد بشار أن يبقى
جزءاً من الحل بدلاً من أن يجرفه المد
السياسي، فان مثل هذا التحالف الشعبي
ربما يتحول ليكون خياره الوحيد ليبقى
في السلطة وربما ليحمي سوريا من الأسوأ. ولسخرية القدر، وبالمقارنة مع دول عربية
أخرى في الشرق الأوسط، فإن سوريا لديها
المتطلبات الأساسية للدمقرطة، فمن
جانب، هناك امكانية للقوى العلمانية
ان تلعب دوراً، كما ذكر سابقاً، كما أن
التصدعات المحتملة بين المعسكرين
الديني والعرقي لم تدخل السياسة في
سوريا بعد كما حدث في العراق، والمستوى
العام للثقافة في سوريا مرضٍ، وكذلك
تتمتع النساء بحقوق جديرة بالاعتبار
وسيكنَ قادرات على ممارسة تأثير سياسي
محسوس في ظل الشروط الحالية، والتقسيم
الاقتصادي ليس عظيماً بعد كما في بلدان
أخرى، وبالتالي فان التوتر الاجتماعي
اقل، كذلك العنف غير الحكومي، مثل
السرقة وجرائم القتل بين عامة الناس
منخفض جداً، تمتلك سوريا أجهزة دولة
تعمل من أدنى المستويات إلى اعلاها
بكفاءة ملحوظة. ================== علي حماده النهار 22-5-2011 هل صحيح ان المجتمع الدولي بدأ يتخلى عن
النظام في سوريا بعدما رعى وحمى على
مدى اربعين عاما لأسباب شتى اهمها
قدرته على تقديم خدمات في كل الاتجاهات
الصديقة والعدوة؟ عندما قال الرئيس الاميركي باراك اوباما
في خطابه الموجه الى العالم العربي ان
على الرئيس السوري بشار الاسد "ان
يقود التغيير او أن يقف جانبا"، فإنه
كان يرسل الاشارة الاولى الجدية في
اتجاه النظام في سوريا في ما يتعلق
بالاستمرار في الاعتراف بشرعيته، لا
بل ان الحديث الذي وجهه الرئيس
الاميركي مباشرة الى الاسد الابن انما
كان يضع الكرة في ملعب الاخير، ويحذره
من ان التمييز بين شخص بشار الاسد الذي
جرى تجنب "الاحتكاك" به في
الاسابيع الاولى لحركة الاحتجاجات
الشعبية السورية، يكاد أن يصبح من
الماضي، وخصوصا ان حزمة العقوبات
الاخيرة التي اقرتها الادارة
الأميركية وقعها اوباما بقرار رئاسي
تنفيذي شملت بشار الاسد شخصيا! ومع ان
العقوبات الاميركية او حتى الاوروبية
التي سبقتها، او التي ستليها الأسبوع
المقبل لن يكون لها تأثير كبير على
اركان النظام السوري، لكن مجرد وقوع
الاسد الابن تحت قرار عقوبات اميركي –
اوروبي له مفاعيل كبيرة على صعيد شرعية
الرئيس نفسه، يحد كثيرا من حرية حركته
في الخارج، في حال تمكن من اجتياز
الازمة. في مقابل الموقفين الأميركي والاوروبي
يبقى الموقف الروسي بالتحديد حاسما
لجهة حماية النظام في سوريا من استهداف
دولي يأتي من طريق بناء جبهة دولية
لاسقاط النظام. ومع ان موسكو لم تحدد
بعد تفاصيل موقفها السلبي في مجلس
الامن على اعتبار ان عبارة "موسكو لن
تؤيد قرارا ضد سوريا" يحتمل اكثر من
تفسير: هل هو تهديد ب"فيتو" او
الوقوف والاكتفاء بعدم التأييد (الامتناع
عن التصويت)؟ على مستوى آخر تدرك عواصم القرار الغربي
ان تضعضع الصورة بالنسبة الى مستقبل
النظام في سوريا، لا يلغي حقيقة ان
الحراك الداخلي كبير وعميق، ومستمر
بلا هوادة بقوة وعزم، وشجاعة لا توصف،
حيث يواجه المواطنون العزل الرصاص
بصدورهم العارية. هذه الحقيقة بدأت
تترسخ في الاذهان في الغرب. اكثر من ذلك
انها تثير الاعجاب الى حد بدأت وسائل
الاعلام الغربية تتابعها باهتمام،
وعلى خط مواز بدأ الحراك الجدي عبر
مجموعات الضغط في اوروبا واميركا في
التأثير على مواقف الحكومات. والحال ان النظام في سوريا دخل في حلقة
مفرغة : كلما قدم تنازلات ولو لفظية نزل
الناس الى الشارع ضده، وكلما زاد القمع
والقتل، ارتفعت وتيرة الاحتجاجات وساد
شعار اسقاط النظام بما فيه رأسه. قال لي خبير استراتيجي قبل ايام في معرض
تحليله لما يجري في سوريا: "مشكلة
النظام ان الموجة ضده، فإن سبح في
اتجاهها جرفته، وان عاكسها كسرته،
ومهما فعل ستظل افعاله تنقلب ضده. انه
"... زمن سيئ جدا للنظام". ================== أوباما بين إسرائيل و«الممانعة»
السورية الأحد, 22 مايو 2011 خالد الدخيل * الحياة بعد خمسة أشهر من انفجار الثورات
والانتفاضات الشعبية العربية كان من
المتوقع أن يلقي الرئيس الأميركي،
باراك أوباما، خطاباً عن موقف
الولايات المتحدة تجاه ما يحدث في
المنطقة. وهذا ما فعله مساء الخميس
الماضي. اختار الرئيس مبنى وزارة
الخارجية لإلقاء هذا الخطاب. بدأ
أوباما خطابه بالقول إن «وزارة
الخارجية هي المكان المناسب لإعلان
فصل جديد في الديبلوماسية الأميركية».
هل تضمن الخطاب حقاً ما يؤيد ذلك؟
تعبير «فصل جديد أو New Chapter» الذي استخدمه الرئيس يعني
شيئاً واحداً، وهو أننا بإزاء مواقف
أميركية مختلفة تجاه القضايا الرئيسية
في العالم العربي: حقوق الإنسان،
والأمن، والنفط، والإرهاب،
والديموقراطية، والصراع العربي -
الإسرائيلي. خطاب الرئيس. حقيقة الأمر أن خطاب أوباما أكد أن
السياسة الأميركية تجاه المنطقة تعاني
من حالة جمود، من دون أن نستبعد شيئاً
من الارتباك أمام متغيرات لا تزال في
حراك مستمر. اقرأ مثلاً ملاحظة أوباما
الدقيقة جداً عن السبب الجوهري لما
يحدث في العالم العربي، وذلك في قوله: «حصلت
دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على
استقلالها منذ زمن بعيد، لكن الشعوب في
كثير من هذه الدول لم تحصل على ذلك بعد.
في كثير من هذه البلدان لا يجد المواطن
ما يلجأ إليه: لا قضاء نزيها ينظر
حالته، ولا إعلام مستقلا يعطيه صوتاً
مسموعاً، ولا حزبا سياسيا ذا مصداقية
يمثل رؤيته، ولا انتخابات حرة وعادلة
تسمح له باختيار قائده.» تعبر هذه
الملاحظة عن إدراك عميق للمأزق الذي
تعانيه الدول العربية. وهو إدراك يعكس
رؤية أوباما الإنسان والمثقف. ثم استمع
إليه يعيد ما أكده في خطاب القاهرة قبل
سنتين عندما قال: «اعتقدت آنذاك، وأنا
أعتقد الآن، أن مصلحتنا تكمن ليس فقط
في استقرار الدول، وإنما في حرية
الأفراد، وفي قدرتهم على تقرير مصيرهم». يطرح الخطاب سؤالاً آخر: ماذا عن أوباما
السياسي؟ ففي الجزء الذي تناول فيه
الصراع العربي - الإسرائيلي قال أوباما
عن الفلسطينيين إن «محاولاتهم نزع
الشرعية عن إسرائيل سوف تنتهي إلى فشل»،
وإن «خطوات رمزية لعزل إسرائيل في
الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) لن
تؤدي إلى قيام دولة مستقلة»، مشيراً
إلى خطة السلطة الفلسطينية عرض
الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود
1967 على الجمعية العامة في دورتها في
ايلول (سبتمبر) المقبل. لا أظن أنه يغيب
عن بال الرئيس أن عمر ما يسمى ب»عملية
السلام» يقترب الآن من 35 سنة، وأن
المنطقة بعد كل ذلك تبتعد عن السلام،
وأن السبب في ذلك هو رفض إسرائيل
القاطع لفكرة السلام في المرحلة
الحالية، وإصرارها على وضع شروط
تعجيزية أمام الفلسطينيين مثل
مطالبتها إياهم بتنازل عن القدس، وعن
حق العودة، وعن كل الأراضي التي تم
استيطانها من المتطرفين
الإسرائيليين، وقبول دولة منزوعة
السلاح، ومن دون حدود مع الأردن، وفوق
ذلك قبولهم أن إسرائيل دولة حصرية
للعنصر اليهودي. مقابل ذلك ترفض
إسرائيل قطعياً تقديم أي مبادرة
للسلام مقابل المبادرات العربية. كما
ترفض أن تقدم الولايات المتحدة بدورها
أية مبادرة، مؤكدة ترك الأمور تراوح في
مكانها حتى تستكمل إسرائيل استيلاءها
على الأرض. منذ 1948 والفلسطينيون يعيشون
تحت أبشع احتلال عرفه التاريخ الحديث.
ومع ذلك يصر أوباما على أن يقبلوا
بذلك، من دون أن يقول لهم إلى متى، ومن
دون أن يقدم لهم بديلاً، أو مبادرة
قابلة للتفاوض. كيف يمكن التوفيق بين
هذا الموقف المنحاز ضد الشعب
الفلسطيني الذي لم يعرف الحرية، ولا حق
تقرير المصير، وبين تأكيد الرئيس في
الخطاب نفسه على أن المصلحة الأميركية
تكمن أيضاً في حرية الأفراد، وفي
قدرتهم على تقرير مصيرهم؟ لدي شعور بأن
الرئيس يدرك في أعماقه أن خطابه متناقض
من الداخل، وأنه لا يمكن تجزئة الموقف
من حرية الإنسان. هل الوقوف مع حق
المواطن العادي في الحرية في بلد مثل
تونس أو مصر، يغني عن التنكر للحق ذاته
في فلسطين؟ هل يدرك أوباما أن إسرائيل
تمثل عبئاً سياسياً وأخلاقياً على
الولايات المتحدة؟ الفصل الجديد
للديبلوماسية الأميركية يقتضي مواجهة
هذه الحقيقة. الغريب والمدهش أن الموقف الأميركي من
الصراع العربي - الإسرائيلي كما عرضه
الرئيس أوباما يكتمل بموقف إدارته من
أحداث الثورة في سورية. وهو موقف بقي
ملتبساً حتى هذه اللحظة. كانت وزيرة
الخارجية هيلاري كلينتون ترى أنه لا
يزال أمام الرئيس السوري، بشار الأسد،
فرصة للإصلاح وتجاوز المحنة. وفي خطابه
كرر أوباما تقريباً الموقف نفسه،
مبتعداً عن مطالبته الرئيس السوري
بالتنحي. لا يتسق هذا الموقف أبداً مع
مواقف أوباما الواضحة من الرئيس حسني
مبارك، والرئيس علي عبدالله صالح،
والعقيد معمر القذافي. شاب موقف إدارة
أوباما شيء من الالتباس مع بداية
الثورة التونسية. لكن مرد ذلك على
الأرجح أن هذه كانت الثورة الأولى في
العالم العربي، وقد فاجأت الجميع، بمن
فيهم الرئيس زين العابدين بن علي نفسه.
أما الحالة السورية فلم تفاجئ أحداً،
خصوصاً أنها جاءت في ترتيبها الزمني
آخر موجات المد الشعبي. يضاف إلى ذلك أن
رد فعل النظام السوري على التظاهرات
كان ولا يزال الأعنف، والأكثر دموية من
حيث عدد القتلى بين المدنيين، وعدد
السجناء الذي تقول منظمات الحقوق
المدنية إنه تجاوز ال 10000 سجين. ورغم أن
حجم التظاهرات في سورية يعتبر محدوداً
مقارنة بمصر واليمن، تقدر المنظمات
الحقوقية أن عدد القتلى هناك يقترب من
الألف قتيل، خلال شهرين فقط. قارن ذلك
بالثورة اليمنية التي تدخل الآن شهرها
الخامس، ولم يتجاوز عدد القتلى فيها
مئتين، رغم أن السلاح منتشر في اليمن،
على العكس من سورية. واللافت في الموقف
الأميركي المتسامح مع سورية، حتى الآن
على الأقل، لا يتسق أبداً مع حقيقة أن
واشنطن تعتبر النظام السوري يقود جبهة
الممانعة لسياساتها ومخططاتها في
المنطقة، وأن النظام ينظر إلى دوره من
الزاوية نفسها. تساءل كثيرون عن هذا
الاختلاف في الموقف الأميركي بين حالة
حسني مبارك الحليف، وحالة بشار الأسد «الممانع»؟
هل يعود ذلك إلى براغماتية سياسية؟ أم
أنه مسايرة للهواجس الإسرائيلية التي
تخشى من البديل الذي قد يأتي مكان
الأسد، وأنها لا تحتمل أن يسيطر الغموض
على المستقبل السياسي لدولتين عربيتين
كبيرتين مجاورتين لها من الشرق
والجنوب. ما العلاقة بين الموقف
الأميركي وما قاله رامي مخلوف، ابن خال
الرئيس الأسد، لصحيفة «نيويورك تايمز»
عن أن استقرار سورية مرتبط باستقرار
إسرائيل؟ هل يمكن تفادي ملاحظة
التداخل بين انحياز واشنطن للدولة
العبرية، من ناحية، وبراغماتية «ممانعة
الشام» من ناحية أخرى؟ الغريب أن «ممانعة
الشام» حاضرة بقوة في تعامل النظام مع
الاحتجاجات في الداخل، وتغيب تماماً
عن تعامله مع إسرائيل في الخارج. وهذا
على العكس من براغماتية واشنطن التي
غيبت أي فصل جديد في ديبلوماسية أميركا
عن خطاب الرئيس. كان وزير الخارجية الأميركي في عهد جورج
بوش الأب، جيمس بيكر، قال يوماً إن «مهمة
السياسة الخارجية لأي دول هي خدمة
المصالح الوطنية لهذه الدولة». لا يعني
هذا التعريف العملي لمهمة السياسة
الخارجية أن تبقى سياسة الدولة جامدة
من دون تغيير بذريعة المصالح الوطنية.
فهذه المصالح تتغير تبعاً للتغيرات
التي تصيب الدول، والأنظمة السياسية،
ومواقعها، وتصيب المرحلة التاريخية
أيضاً. في هذه الحالة: هل يشير عدم تغير
السياسة الأميركية بعد خمسة أشهر على
موجة الثورات الشعبية العربية إلى
حالة جمود في السياسة الأميركية؟ أم
إلى حالة ارتباك أمام متغيرات لا أحد
يعرف كيف، ومتى سوف تستقر على حال
سياسة واضحة؟ يجوز أن نضع السؤال على
الجانب الآخر: هل جمود السياسة
الأميركية يعكس قناعة أميركية بأنه
رغم كل هذه الثورات والانتفاضات
الشعبية، ليس هناك ما يشير بشكل واضح،
إلى أن تغيراً سياسياً حقيقياً يأخذ
طريقه، ويفرض نفسه على الجميع،
وبالتالي ليس من الحكمة أن تستبق
واشنطن الأحداث بمواقف مختلفة أمام
حالة سياسية تتسم بالسيولة، وقد لا
تختلف في نهاية المطاف كثيراً عمّا
كانت عليه قبل انفجار هذه الثورات؟ * كاتب وأكاديمي سعودي ================== عيسى الشعيبي 22/05/2011 الغد الاردنية ترددتُ طويلاً في إجراء مقاربة عاتبة
لائمة للموقف الروسي المعلن إزاء عدد
من الثورات العربية المطالبة بالتغيير
الذي طال انتظاره في هذه المنطقة من
العالم. وزاد من ترددي هذا أنني لم أجد
أي مساهمة في أي صحيفة عربية أخرى
تتناول هذا الموقف الملتبس، وذلك ربما
لاعتقاد الكتّاب والمعلقين العرب
بهامشية الدور الذي يمكن أن تقوم به
روسيا الجديدة، أو ربما أيضاً من قبيل
المجاملة، حتى لا نقول استكثاراً لهذا
الموقف على بلد هو الوارث التاريخي
لدور السوفيت، الصديق الكبير للشعوب
العربية. غير أن استمرار وزير الخارجية الروسي
سيرغي لافروف في الإعراب عن مواقف
صادمة لأوسع قطاعات الرأي العام
العربي، إزاء كل من النظامين الآيلين
للسقوط في طرابلس ودمشق، تدفع بكل
معوّل على استعادة بعض من ذكريات ذلك
الألق السابق لموسكو، إلى الإشفاق على
مثل هذا الأداء الدبلوماسي المخيّب
للآمال، وإلى الأسف على مثل هذه
القراءة الروسية المشوهة لواقع
التطورات العربية، فضلاً عن الألم
حيال هذا الفهم القاصر حتى عن خدمة
المصالح الدائمة بعيداً عن الصداقات
المتغيرة بتغير الزمان والمكان. وبعيداً عن سوء الظن المسبق، فإنه يمكن
الافتراض، أن هذا الموقف الروسي مبني
في جوهره على سياسة عامة أوسع نطاقاً
من الشرق الأوسط، تقوم على معارضة
الدول الغربية عموماً، وتتخذ مواقف،
ولو لفظية، ضد كل مبادرة أو مسعى
أميركي من شأنه تهميش مكانة موسكو على
مسرح السياسة الدولي، حتى لا نقول
تجاهل وزن روسيا وتطلعاتها إلى
استعادة أمجاد ذلك الدور الذي نهض به
الاتحاد السوفيتي بكل جدارة من قبل. على مثل هذه الخلفية فإنه يمكن اعتبار
الموقف الروسي المتعاطف أكثر مما
ينبغي مع النظامين الليبي والسوري،
مجرد موقف مشاغب ضد الدول الغربية أكثر
من كونه موقفاً متعارضاً مع أشواق
الشعوب العربية إلى الحرية
والديمقراطية، لا سيما ونحن نرى ونسمع
كل هذه الرطانة السياسية الروسية
عندما يتعلق الأمر بمبدأ عدم التدخل
الخارجي، حتى ولو كان مطلباً داخلياً،
وكأن السيد لافروف يقول نعم ولا في ذات
الوقت، تماماً على نحو ما كان عليه
التصويت الروسي في مجلس الأمن الدولي
حول ليبيا. ومع أن قلة قليلة في أوساط الرأي العام
العربي تبدي تفهماً ورضاً عما يمكن
اعتباره مشاغبة دبلوماسية روسية محقة،
وإن كانت قصيرة النفس، حيال التدخلات
الغربية العسكرية في شؤون عربية
داخلية، مثل ليبيا، إلا أن الكتلة
الشعبية العريضة في عموم بلادنا لا
تستسيغ أبداً هذا الانحياز الروسي غير
المبرر لصالح حكام مستبدين وأنظمة
بوليسية متوحشة ممعنة في التعلق
بأسنانها الحديدية بالسلطة، وتقارف
أبشع الجرائم بحق شعوبها تحت شعار صد
التدخلات الغربية ذاتها، ومنع
المؤامرات الخارجية المزعومة. ولعل الموقف الذي تعهد فيه الرئيس الروسي
ديمتري مدفيدف، مؤخراً، بالوقوف ضد أي
مشروع قرار قد يعرض على مجلس الأمن،
لفرض عقوبات دبلوماسية أو غيرها على
النظام السوري "الممانع" يقدم
شيكاً على بياض لنظام حكم قمعي متوحش،
كي يواصل ارتكاباته المروعة ضد أناس
يطالبون بالحرية، وهو في مأمن من أي
مساءلة أو ملاحقة دولية، طالما أن حق
النقض الذي تتمتع به موسكو قد بات
سلفاً في جيب الوالغين في دماء شعبهم،
والمتحصنين في الوقت ذاته وراء موقف
روسي غير مفهوم ولا مقبول من الضحايا
والمتعاطفين معهم. ويظل الأمل معقوداً على حدوث تطور في موقف
روسيا التي يبدو أنها لم تتمكن، رغم
تاريخية العلاقات البينية وتشعبها، من
فهم السيكولوجية العربية المولعة
بالمقارنات بين الأصدقاء، لا سيما أن
دولة صديقة حديثة مثل تركيا، كانت أول
الأمر تمسك بالعصا من منتصفها، إلى أن
مالت قيادتها إلى الانحياز بوضوح شديد
نحو مشاعر الشعوب العربية، واتخذت
مواقف حازمة ضد الدكتاتوريين العرب،
نرجو أن تتخذ روسيا مثلها في أقرب وقت
ممكن. ================== أحرج السوريون أوباما..
فماذا عن العرب؟ طارق الحميد الشرق الاوسط 22-5-2011 لولا صمود السوريين العزل وتمسكهم
بحقوقهم المشروعة أمام القمع الوحشي
للنظام السوري طوال تسعة أسابيع
متواصلة، لما كسر الرئيس الأميركي
صمته، مطالبا بشار الأسد بوقف القتل،
والإصلاح، أو الرحيل.. لكن السؤال
اليوم هو: ماذا عن الصمت العربي؟ فإذا كان السوريون قد أحرجوا الأميركيين
والأوروبيين بصمودهم، وأجبروهم على أن
يكسروا صمتهم، ويتحركوا ضد نظام
الأسد، فمتى يُكسر الصمت العربي، وقد
وصل عدد القتلى السوريين، جراء قمع
النظام، إلى قرابة الألف قتيل؟ أين
الجامعة العربية ومجلس التعاون
الخليجي ومنظمة المؤتمر الإسلامي؟
ولماذا وقفوا سريعا مع الليبيين ضد
القذافي، وطالبوا المجتمع الدولي
بالتدخل، بينما التزموا الصمت تجاه ما
يحدث بحق السوريين العزل الذين نزل
بعضهم في مظاهرات الجمعة الأخيرة
كاشفي الصدور ليبينوا أنهم لا يحملون
الأسلحة، وعلى الرغم من ذلك قتل الأمن
السوري قرابة الأربعين منهم؟ فإذا كان النظام الليبي قد استخدم العنف
ضد الثوار في بداية الثورة، فكلنا يعلم
أن الثوار الليبيين قد حملوا السلاح
مبكرا ضد قوات القذافي، أو قُل
مرتزقته، بينما في سوريا تدخل
المظاهرات أسبوعها التاسع، ولم يظهر
أن الانتفاضة السورية قد احتكمت
للسلاح، على الرغم من كل الدعاية
المضللة للنظام، ومن السهل بالطبع
التأكد من حقيقة الأوضاع في ليبيا؛
نظرا لأن القذافي يسمح لوسائل الإعلام
بالوجود بطرابلس، على الرغم من أنها
تحت قصف الناتو الذي يريد إنهاء حكمه،
بينما لا يسمح للإعلام بالوجود داخل
سوريا! لذا، فإن الصمت العربي تجاه ما يحدث
بسوريا محزن ومحبط، خصوصا أن معدل
القتل والقمع الوحشي بحق السوريين
العزل مستمر، ولا مؤشر على توقفه..
وهاهو شيخ القراء في الشام يعلن
استقالته من على منبر الجمعة؛ لأن
المصلين لا يعرفون كيف يصلون بسبب
تصرفات الأمن، وبالطبع لا يستبعد أن
تمنع السلطات هناك صلاة الجمعة أيضا
لوقف المظاهرات، التي أثبتت أنها
تنطلق من أرض صلبة، وليست طائفية، كما
يحاول النظام تصويرها، أو سلفية..
فهاهم الأكراد يشاركون في المظاهرات،
وقبلهم أبناء الريف، وحتى المدن
الكبرى من دمشق إلى حلب وحمص، وغيرها. وعليه، وبعيدا عن كل المفاهيم السياسية،
وخلافه، فهناك واجب أخلاقي وإنساني
يتوجب على كل من مجلس التعاون الخليجي،
والجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر
الإسلامي، أن يكسروا صمتهم ويقفوا
موقفا أخلاقيا وإنسانيا تجاه السوريين
العزل الذين يريدون أن يعيشوا حياة
كريمة، وملُّوا من شعارات المقاومة
الكاذبة، وملوا القمع، والإهانة. وما
لم يتنبه له العرب، دون استثناء، أن
هناك أسئلة حقيقية تُطرح اليوم
بالمنطقة، وقبلها بسوريا، منها: لماذا
يُقتل السوري الذي يتظاهر ببلاده،
بينما لا يُقتل السوري الذي يتظاهر
بالجولان ضد الاحتلال الإسرائيلي؟
ولماذا يسلم اللبنانيون الجنود
السوريين الفارين لأنهم يرفضون قتل
أبناء شعبهم، بينما لو فروا لإسرائيل
لما سلمتهم لدمشق؟ ولأننا انتقدنا الصمت الأميركي تجاه
سوريا، والانتقائية بالتعامل مع
البحرين، التي كانت مظاهراتها إيرانية
صرفة، فإننا اليوم نوجه سؤالنا للعرب:
إذا كان الصمود السوري قد أحرج أوباما،
فمتى تشعرون أنتم بالحرج؟ ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |