ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 26/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

J

 

الثورة تأكل بنيها

الاربعاء, 25 مايو 2011

طلال آل الشيخ

الحياة

عندما نجح تحرك الشعب التونسي نحو الحرية والديمقراطية، وأطاح بحكومة بن علي، وقفت الكثير من الشعوب العربية على شرفات حقوقها المنتهكة تبحث عنه، في السلطات الممنوحة للحكام، ودفاتر حساباتهم الخارجية وممتلكاتهم الداخلية، ينشدون عهداً جديد تتساوى فيه حقوق الحاكم والمحكوم، تجبر الحاكم على الاضطلاع بقضايا وهموم مواطنيه، وتفعل دور المواطن في تقويم المعوج وإصحاح الخطأ في العلاقة التي يجب أن تكون بين الحاكم والمحكوم، وسار على خطى ذلك الشعب المصري، وحقق الهدف الأول، ثم الشعب الليبي الذي نتمنى أن تكلل مساعيه بالنجاح، ثم الشعب اليمني والسوري على الخطى سائرون.

هنالك الكثير من المفارقات في المشهد العربي وما يحدث في بعض بلدانها، تونس ثارت وهرب بن علي، لكنها تعاني منذ هروبه من تبادل التهم، وتباين المواقف وغياب الثوابت الوطنية، إذ أن كل القضايا مطروحة في الشارع، ولا يحتاج تحريكها سوى تنظيم مظاهرة تخيم على أبواب مقر الحكومة الموقتة، والحال نفسه في مصر، التي انتقلت فيها السلطات والقرار في كل ما يخص مصر إلى الشعب، يصدر مواقفه وقراراته من ميدان التحرير، ما يهدد الإضرار بالكثير من مصالح مصر، وكان آخرها التوتر بين المستثمرين العرب والأجانب والشعب المصري، بعد مطالبة الأخير بمراجعة قانون التملك والاستثمار العقاري، حتى الاتفاقات والمعاهدات التي تمت بين الحكومة السابقة والشركات والمستثمرين من خارج مصر، والشعب الليبي الذي أضاع خريطة الطريق فتحولت ليبيا إلى ساحة حرب كبيرة تستقبل الرصاص من الجو والبحر، وانتشر القتل في الطرقات وحتى البيوت، أما اليمن الذي تعطلت فيه الحياة، وسكن الشعب اليمني الساحات والشوارع، يرفض رئيسها المسؤول الأول عن الشعب وأمنه وسلامته، التوقيع على المبادرة الخليجية إلا في حضور رموز المعارضة اليمنية، وكأن ذلك هو الأهم من حقن دماء اليمنيين وإعادة الحياة إلى شرايين الوطن.

أما الأكثر غرابة وحيرة، هو موقف الدول والشعوب العربية مما يحدث في سورية، فالشعب السوري الأعزل يواجه القتل والسحل والتنكيل في شوارع حوران وحمص ودمشق واللاذقية والقامشلي وحلب ودرعا والبيضا، وبانياس، ولا تجد في الساحة سوى صدى صوت الآم وأوجاع الشعب السوري، في غياب تام لأي دور عربي نحو حماية الشعب السوري من القتل والدهس والسب والشتم والركل.

كم هي غريبة وعجيبة الشعوب العربية ونخبها؟! وكم هو مظلوم مصطلح الديموقراطية في الوطن العربي، فالشعوب التي قدمت آلاف الأرواح مهراً للديمقراطية والحرية، تمارس الفوضى والعبث السياسي من منابر مختلفة، والشعب الذي يواجه القتل والعذاب لا يجد لا نظاماً ولا مؤسسة ولا حكومة تقف إلى جانبه، فهل ثورات الشعوب العربية تأكل بنيها كما بعض حكامها الذين ينهبون مقدرات أوطانهم؟!

تلقيت هذه الرسالة على هاتفي الجوال وأعجبتني كثيراً: «الرئيس التونسي زين العابدين بن علي قال لشعبه بعد 23 عاماً: «الآن فهمتكم»، بينما خاطب الرئيس الليبي معمر القذافي شعبه بعد 42 عاماً قائلاً: من أنتم؟... مسكين أيها الشعب العربي».

=====================

الإعلام السوري.. وإجهاض روح الحرية!

أسماء شلاش

العرب أونلاين 25-5-2011

عندما يعلو هتاف الحرية فوق كل هتاف ويرتفع صوت الأحرار فوق كل نداء.. فمن يمنعه؟ اسم واحد اختاره السوريون.. "الحرية" التي يسعون إليها بدمائهم الزكية وصدورهم العارية، وهم يحملون أغصان الزيتون.. يندسون تحت عباءة هذا الليل ليس لأنهم مندسون أو مارقون أو غوغائيون أو مخربون، كما يصورهم الإعلام الرسمي، بل لأنها المعادلة.. معادلة جعلت من السواد بياضاً أو العكس.. هكذا يدأب الإعلام السوري ليل نهار كي يرسخ هذه المعادلة الجائرة.. ويحشد لها أدوات وأشخاصا.

فلا يكتفي الإعلام الرسمي بمحللين من الداخل ليشرحوا للناس حجم المؤامرة التي تتعرض لها سورية بل يستعين بخبرات بعض المحللين والمنافقين اللبنانيين الذين اختاروا التآمر على دم السوريين مقابل مكاسب رخيصة جداً.. "فتصوروا ذلك أرجوكم"!!.. والمواطن السوري يتساءل ببراءة وذكاء: لماذا يكثر هؤلاء من النباح على منابر الإعلام السوري؟، ولماذا لا يبقوا في أوطانهم ويلتزموا الصمت على الأقل..؟

صوت هؤلاء الأبواق لم يهدأ، ولن يهدأ على ما يبدو.. ولا حتى صوت الإعلام السوري في تضليله وكذبه وتزويره واستغبائه لعقل المشاهد.. يحاول هذا الإعلام بإمداد كبير من الكذب أن يغطي الشمس بغربال.. وقد يتساءل أحد ما: أين النخوة الصحفية؟ ولماذا لم نجد حالات للإصابة بهذه النخوة؟ فماذا يحدث؟ لماذا لم يسجل أحد ما موقفاً يسجله لها التاريخ.. ويعود قليلاً إلى الوراء ويتذكر ما قاله الشاعر والأديب الراحل ممدوح عدوان عندما وقف في مدرج جامعة دمشق: "لن أعمل في إعلام يكذب حتى في النشرة الجوية"...؟!

لم يستطيعوا التشويش على الجزيرة كما فعلت مصر وليبيا في فترات، لكن الإعلام لا يهدأ بشتم الجزيرة وسبها وفضح ما يسمونه "فبركاتها"، وصار من يتابعها يرقى لدرجة الخائن.. من منظورهم طبعاً.. وهل الجزيرة هي أساس المشكلة؟ وهل الجزيرة وحدها هي من تنقل الحدث؟ إنه غباء الإعلام السوري وسذاجته التي اعتادتها المواطن..

يدأب الإعلام الرسمي السوري مع كل جمعة وفي كل يوم على تصوير الأوضاع على أنها طبيعية جداً هادئة مستقرة والمواطنون يقفون لشراء الخبز والحمص والفلافل..!! فبحسب الإعلام السوري يكون تعريف المواطن السوري على الشكل التالي: المواطن السوري هو الإنسان الطموح جداً لدرجة أن أعلى سقف لطموحه هو التبضع والتسوق وشرب "الأركيلة" والشاي وشراء الفلافل والحمص والصفيحة.. ويخرج سيران..!! ولمن لا يعرف الصفيحة من إخوتنا العرب فهي "اللحمة بالعجين" أما السيران: فمعناه النزهة..!! هكذا يصور الإعلام السوري ما يطمح إليه المواطن السوري..!! فأقصى أمانيه هو أن يخرج في نزهة وبأمان وأن "يقرش بزر" دون أن يتعرض له أحد..!!!

بربكم أليس هذا تآمراً على المواطن السوري المثقف الواعي العميق الشجاع الأبي الذي عمَّر هذه الأرض قبل آلاف السنين وصدَّر المدنية والحضارة إلى الدنيا جمعاء..؟؟ هل حاجة المواطن السوري تتوقف عند الخروج في السيران وشرب الشاي والقهوة وتدخين الأركيلة والتسكع بالشوارع..؟؟ أستحلفكم بالله هل هذا الإعلام يحترم نفسه ويحترم مواطنيه دون أن يستخف بعقولهم ودرجة الوعي والثقافة لديهم..؟

طبعاً لن أستعرض وإياكم حلقات وفصول هذا الإعلام ومدى تواطئه وتآمره واستخفافه بعقل السوريين لأن الحديث يطول ويطول.. صدقوني ستضحكون حتى البكاء لو استعرضت لكم ذلك..!!

إنه إعلام اختار أن يتآمر على مشاهديه ويجهض رغباتهم وطلباتهم في الحرية والكرامة.. فالقضية ليست "خبز ورز وسكر وشاي" ..إنها كرامة.. متى ستفقهون أنها كرامة؟.. متى ستفهمون..؟ متى ستفهمون أن الحرية أعمق من أن نختزلها بسؤال يدأب الإعلام على طرحه: "شو ناقصكن إذا عم تاكلو فلافل وفول، وتمشو بالشارع من دون ما يتعرضلكن حدا"..؟! ولعل تعريفه هذا للحرية سيدخل موسوعة غينس كأكثر التعاريف طرافة وسذاجة وغباء..!!

مرة أخرى.. لن أدخل في تفاصيل وحيثيات الإعلام السوري وما ينتجه من دراما وفبركات أصبحت مكشوفة للقاصي والداني، وحسبي ما يراه المواطن العربي والسوري.. هذا الإعلام الذي يمارس إرهاباً فكرياً حقيقياً على عقل المواطن السوري.. بل أقول: كفى وكفى وكفى استخفافاً فنحن في عصر متطور ومتمدن وعالم مفتوح مستنير..

كفى وكفى وكفى استخفافا بعقول السوريين، فالسوريون أكبر وأذكى من كل تلك الدراما الهشة والهزيلة التي غايتها أولاً وأخيراً الالتفاف على ثورة الشعب السوري البطل وإضفاء صفة المؤامرة والتخوين على طابع تلك الثورة السلمية والعفوية ولا زالت وستبقى رغم كل ذلك الإرهاب الفكري الذي يمارسه الإعلام السوري الذي فشل أن يكون حيادياً ولو بدرجة أقل، وفشل أن يكون تمثيلاً بدرجة أعلى، فحتى الدراما أو الفبركات التي يعرضها تبدو هشة هزيلة ذات حبكة ضعيفة غير مترابطة.. يكشفها المنطق والعقل.. والأهم ثقافة المواطن السوري ووعيه..

كفى استخفافاً لأننا مللنا ومللنا ومللنا.. إنه شعب مسالم لم يرتكب أي إثم سوى أنه نادى بحريته.. لقد كسر المواطن السوري بوعيه وشجاعته زجاج الكذب في الإعلام السوري..

=====================

انكسار حاجز الخوف في الجولان

المستقبل - الاربعاء 25 أيار 2011

العدد 4007 - رأي و فكر - صفحة 19

("هآرتس"- 20/5/2011)

رؤبين بدهتسور

الجدل العقيم الذي دار بين الاستخبارات العسكرية، وبين قيادة المنطقة الشمالية، بشأن إرسال إنذار حول نية آلاف السوريين عبور الحدود في هضبة الجولان، هو أمر مقلق. لكن ما هو أكثر إقلاقاً هو الصورة التي ظهرت مع وصول هؤلاء السوريين إلى السياج الحدودي.

إن الأمر يتعلق هنا بحدود مع دولة معادية، وأحد أهدافها هو تأخير تقدم قوات العدو في الساعات الأولى للحرب. لقد أنُفقت ملايين كثيرة طوال السنوات في بناء هذه الحدود، وحقول الألغام التي وضعت خلف السياج كان الهدف منها تكبيد العدو خسائر فادحة. أما السياج نفسه فكان الهدف منه تأخير فيالق المهاجمين، الذين سيضطرون إلى استخدام معدات هندسية من أجل اقتحامها ومواصلة العبور باتجاه هضبة الجولان.

إذاً ما الذي حدث هناك؟ مئات من المدنيين مسلحين بأعلام فقط عبروا حقول الألغام، ولم يصب أحد منهم بأذى . لقد وصلوا إلى السياج واقتلعوه وكأنه مصنوع من أغصان طرية. وواصلوا في مسيرة الانتصار إلى داخل قرية مجدل شمس وأقاموا هناك تظاهرة صاخبة وهم يلوحون بأعلام سوريا وفلسطين.

إن المؤلم أكثر، هو أنه لم يعرف أحد في قيادة المنطقة الشمالية أن السياج الحدودي وحقول الألغام هذه مجرد رواية. في الحدود الساخنة جدا التي تعمل فيها المؤسسة الأمنية بفعالية كبيرة، وتخوفنا من حرب مرتقبة في الجبهة الشمالية لم يكلف أحد نفسه أن يفحص طوال السنوات الأخيرة وضع الشريط الشائك الذي هو جزء مهم من خطة الحماية لدى قيادة المنطقة الشمالية في حال اندلاع حرب أخرى بشكل مفاجئ. من هنا من غير الواضح ما الذي فكر به كبار مسؤولي المنطقة الشمالية عندما طلب منهم دراسة السيناريو الذي يتحدث عن قيام آلاف السوريين بشق طريقهم نحو السياج. إنهم لن يجرأوا، يمكن الافتراض أنهم قالوا ذلك لقيادة المنطقة. واذا تجرأوا وتقدموا فإن ألغامنا ستفعل بهم فعلها, وإذا كان من بينهم عدد ما من الشجعان وواصلوا طريقهم نحو السياج حتى أيضا بعد موت أصدقائهم في انفجار الألغام، فإن هؤلاء سيتم إيقافهم على الأقل حتى نصل إلى هناك ونضع حدا لهذه الفوضى.

هذا التفكير على ما يبدو أوصل إلى قرار الاستعداد في قطاع تلة الصرخات بعشرة جنود من الاحتياط فقط. أيضا بعد أن تم إبلاغ قيادة المنطقة الشمالية بوصول عشرات الأتوبيسات التي تحمل آلاف السوريين الذين يشقون طريقهم إلى القطاع، لم يهتموا كثيرا في قيادة المنطقة الذين كانوا من المفترض بكبار قيادتها على الأقل أن يتعاطوا بجدية مع انعكاسات سيناريو تنفيذ مسيرة جماهيرية باتجاه الحدود.

بمعزل عن إخفاق الإهمال المتعلق بوضع السياج والألغام، فإن انطلاق مسيرة منظمة من المواطنين السوريين إلى داخل مجدل شمس، فيها مس شديد بقدرة الردع الإسرائيلية في الجبهة السورية. بالنسبة لمئات من سكان قرية مجدل شمس الذين رحبوا بالمقتحمين وقدموا لهم الطعام والشراب، في الوقت الذي كان فيه جنود الجيش الإسرائيلي واقفين وينظرون إلى هذا المشهد، أنكسر(لدى هؤلاء) للمرة الأولى منذ حرب الأيام الستة حاجز الخوف. فهذا هو الجيش الضخم المزود بأفضل منظومات الأسلحة الحديثة غير قادر على أن يواجه فتياناً يلوحون بالأعلام وهم يقتحمون الحدود من دون أي إزعاج.

لقد رأيت وصول الجماهير، يقول أحد سكان مجدل شمس، ويضيف "في النهاية وصلوا إلى السياج الذي افتخرت به إسرائيل، وتبين أنه مجرد أن لمسوه انهار. لقد اقتحموا السياج الأول ثم عبروا السياج الثاني. لقد تفاجأت من السهولة التي عبروا بها السياج. هذه هي المرة الأولى التي يحاول فيها أحد ما فعل ذلك. لقد كان السياج بالنسبة لنا حتى اليوم رعباً مميتاً، ومن اليوم وصاعدا يمكن التنزه من هنا والذهاب إلى دمشق بشكل حر. هذا أمر مضحك".

نأمل أن تكون أصوات الضحك هذه تدوي في مسامع قادة الجيش الإسرائيلي، وتذهب النوم من عيونهم. لا أحد يضمن لهم أن لا يكون الذين يحتفلون في المرة القادمة تحت تمثال سلطان باشا الأطرش من هؤلاء المواطنين.

=====================

ساحة الياسمين: الربيع السوري في روتردام

محمود زعرور

2011-05-24

القدس العربي

 لم يتأخر الفن بأشكاله وتعبيراته المختلفة والمتنوعة عن مواكبة ومساندة الثورة السورية التي أطلقت احتجاجات غاضبة للسوريين ظلت مكبوتة لعقود في نفوس وصدور الشعب، بفعل هيمنة أزمنة الصمت التي دامت بسبب اللجوء لأساليب القمع والقهر، فأفقرت المجتمع، وكادت أن تقتل فيه روح التمرد والحق في السعي نحو حريته.

الثورة السورية التي فجرتها مدينة درعا، ثم عمت كل أرجاء سورية، قوبلت بما هو معهود من النظام السوري عبر تاريخه، حيث تم اعتماد القمع الممنهج من إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وحصار المدن بالدبابات والاعتقالات نتج عنها قرابة ألف شهيد ومفقود وأكثر من عشرة آلاف معتقل، لكنها قدمت وما تزال تقدم الرسالة الأبلغ، المتمثلة بالإصرار على الاحتجاج السلمي، رغم التضحيات ، حتى إسقاط النظام وبناء دولة ديمقراطية تكون لكل السوريين.

بالكاد، لم يمر يوم، إلا وتصدر فيه تعبيرات فنية وأدبية صاحبت أيام الثورة السورية، من أجل نقل أحداثها للعالم، والتعبير عن دعمها، بل وساهمت تلك الأصوات والفعاليات في إبقاء الحدث السوري حياً، وحاضراً، دوماً، في صدارة المشهد العربي والدولي.

من تلك الفعاليات تظاهرة ساحة الياسمين، أو الربيع السوري في روتردام، في هولندا، وهي مجموعة من النشاطات التي قامت بمبادرة من الفنان روج عبد الفتاح، ومجموعة (سوريون في هولندا).

وقد تم دعم تظاهرة ساحة الياسمين من قبل أحزاب اليسار الهولندية (الحزب الاشتراكي وحزب العمل وحزب الخضر اليساري).

واشتملت على معرض فني ضم أعمال الفنانين علي فرزات (المقيم في فرنسا) وكيتو

سينو (من بلجيكا) ورودي خليل وزبير يوسف، (من ألمانيا)، بالإضافة إلى أنشطة

موسيقية وإعلامية، حرصت على إيصال ما يجري في سورية من أخبار الثورة السورية وما تلاقيه من أساليب قمعية، والتعريف بالشهداء والمعتقلين، وكذلك بأهداف ومطالب السوريين المتمثلة بالحرية والكرامة والديمقراطية.

في كلمته التي افتتح بها رسمياً انطلاقة التظاهرة، يوم السبت الرابع عشر من أيار (مايو)، شدد عمدة مدينة روتردام السياسي الهولندي من أصل مغربي أحمد أبو طالب على معاني الحرية، وقدر عالياً أن يخاطر الشباب بأرواحهم من أجل هذه القيم.

وفي إشارة لافتة منه ذكر الحضور بأنه في هذا اليوم الذي يقوم بافتتاح المركز يحيي سكان روتردام ذكرى قصف الطائرات النازية الذي تعرضت له مدينتهم عام 1940، وبهذا المعنى، ومن هنا، فإن روتردام كمدينة قدمت تلك الضحايا تعرف أهمية التضامن مع سوريين يناضلون من أجل حريتهم.

بعد نشيد (موطني) تم تقديم عرض إعلامي متسلسل، أوجز يوميات الانتفاضة السورية التي بدأها أهل مدينة درعا ثم عمت مختلف المدن والقرى السورية، وكان للوسائل التقنية والفنية الدور المساعد في إبراز تطورات الأحداث، ونقل صور المجازر وأعداد الضحايا والمعتقلين، وقد اتسمت بالشمول والتكثيف ولقيت تفاعلاً طيباً من الجمهور الذي شهد حضوراً هولندياً متميزاً.

لم يحضر الفنان علي فرزات، لكن أعماله ورسوماته كانت حاضرة، ولقيت اهتماماً خاصاً من الجمهور الذي يعرف مكانة الرسام فرزات ومواقفه المتميزة، كما كان للوحات الفنانين روج عبد الفتاح وكيتو سينو ورودي خليل وزبير يوسف، وهم أسماء معروفة في هذا المجال، دور بالغ الأثر لدى الحضور.

تستمر التظاهرة ثلاثة أسابيع، وسيكون برنامجها المتنوع، وفعالياتها التالية، بمثابة الصوت المساند للشعب السوري، ولثورته من أجل الحرية والكرامة.

=====================

العقوبات الأوروبية وسايكس - بيكو

الاربعاء, 25 مايو 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

اعتبرت إقامة العلاقات الديبلوماسية بين سورية ولبنان، وتبادل التمثيل على مستوى سفير في دمشق وبيروت، مؤشراً الى الدخول في مرحلة جديدة بين البلدين. إذ إن الاعتراف السوري بالدولة اللبنانية والذي تم تتويجه بالموافقة على إرسال سفير الى بيروت عنى، في ما يعنيه، الموافقة على كل ما ترتب عن اتفاق سايكس - بيكو وإقامة لبنان الكبير في مطلع القرن الماضي، بما في ذلك سلخ أقضية كانت تابعة للداخل السوري وإلحاقها بدولة لبنان. وتالياً افترض هذا الاعتراف المتأخر مقاربة سورية جديدة للدولة في لبنان وطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين البلدين.

لكن، ومنذ أن أصبح في بيروت سفير سوري وفي دمشق سفير لبناني، لم تظهر هذه المقاربة ولم تغير سورية نظرتها الى بلد الأرز. وحتى السلوك السوري تغيّر بما اقتضاه الانسحاب العسكري عام 2005 ليس إلا. وبقي لبنان، في الاستراتيجية السورية، المكان الذي تخاطب منه دمشق العالم، سواء الجوار الإقليمي أو القوى الغربية.

ولهذا السبب، استعادت دمشق معاهدة سايس - بيكو والأهداف الاستعمارية في ردها على العقوبات الأميركية والأوروبية على المسؤولين السوريين. إذ وضعت هذه العقوبات في إطار الأطماع الخارجية والضغوط على دمشق الواقفة في مواجهة هذه المخططات. وجاء الكلام السوري عن ارتباط بين العقوبات وسايكس - بيكو وتأكيد أن دمشق يمكن أن تؤذي المصالح الأوروبية ليؤشرا الى ربط لبنان بحال الاحتجاجات داخل سورية. وبغض النظر عن العلاقة السببية بين هذه العقوبات والقمع الدموي المفرط للاحتجاجات داخل سورية، يتجاوز مسعى ربط لبنان بها مجرد تصدير المشكلة الى الخارج وحرف الاهتمام عن المشكلة الداخلية، الى جعل بلد الأرز جزءاً من هذه المشكلة.

لقد اتهمت دمشق أطرافاً لبنانيين بتمويل وتسليح مسلحين يطلقون النار خلال التظاهرات في سورية. كما تصدر اتهامات شبه رسمية الى هذه الأطراف باستمرار إرسال المسلحين، خصوصاً خلال المواجهات الدموية في تل كلخ ومساعي ربط «المسلحين» في هذه البلدة بتوأمها اللبناني وادي خالد. وإذا لم يصدق أحد أن «إمارة تل كلخ الإسلامية» أقيمت من أجل التواصل مع «إمارة» مماثلة على الحدود اللبنانية وفي شمال لبنان، فان الهدف الأبعد، في هذا الربط، جعل الدولة اللبنانية، عبر الجيش، طرفاً في المشكلة السورية الداخلية. والمنطقة الشمالية اللبنانية توفر عناصر مثل هذا الهدف. وتجربة مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين و «إمارة» شاكر العبسي فيه تؤكد وجود مثل هذه العناصر وتوريط الجيش اللبناني في معركة دموية لم يتمكن حتى الآن من امتصاص آثارها.

قد تكون في لبنان شخصيات وأحزاب صغيرة اعتاشت من النفوذ السوري ومستعدة لكل ما تؤمر به من أجل الحفاظ على مكتسباتها، بما في ذلك اللجوء الى تفجير الوضع الأمني، ونقل الاهتمام العربي والدولي الى الوضع اللبناني وحرفه عن الداخل السوري. لكن الجمود الذي يشهده تشكيل الحكومة اللبنانية يعبر عمّا هو أعمق من ذلك بكثير. إذ يطاول دور المؤسسات الدستورية واستبداله بمعادلة جديدة ترسخ تغييراً جوهرياً في طبيعة النظام اللبناني، بما هو نظام توافق بين مكونات الوطن وطوائفه. وهذا هو جوهر المشكلة الداخلية السورية التي تستقطب الشعارات في التظاهرات الاحتجاجية ومطالب الأحزاب والشخصيات المعارضة.

=====================

عنصرية لبنانية باسم الممانعة

الثلاثاء, 24 مايو 2011

غازي دحمان *

الحياة

كشفت الاحداث التي تمر بها سورية سلوكاً عنصرياً تكنّه طبقة من اصحاب الرأي والسياسيين اللبنانيين تجاه الشعب السوري، وذلك في سياق الحرب التي يشنّها هؤلاء على الحراك السوري.

فقد أجهدت أحزاب وميليشيات 8 آذار نفسها في تشويه الحراك المدني والسلمي السوري، ولم تدع توصيفاً سيئاً إلا واستحضرته لوصف هذا الحراك، بل إن بعض الوجوه من هذه القوى تذهب إلى حد اعلان امتلاكها الوثائق والأدلة الدامغة على «عمالة» الشعب السوري المنتفض وارتباطه بأجندات (مع ملاحظة ان السوريين تجاوزوا حد القرف من كثرة ترداد هذا المصطلح على مسامعهم).

ويتيح تفحص خطاب هذه القوى وإستراتيجياته اكتشاف الحمولة العنصرية الكبيرة الكامنة فيه. فبداية لا تعترف هذه القوى بحراك الشعب السوري وترفض «منحه» صفة سياسية، بل لا يعدو الحراك عندها كونه مجرد حالة اضطراب تقودها جماعات مسلحة لغايات مشبوهة. وهذه الرؤية تستبطن أحد تفسيرين:

إما أن الشعب السوري لا يستطيع إنتاج حراك سياسي وسلمي نتيجة معطيات مترسخة عنه في ذهنية قوى 8 آذار، ومن المؤكد ان هذه المعطيات من طبيعة اجتماعية واقتصادية، ربما رسختها حالة العمالة السورية الموجودة في لبنان (وهي في غالبيتها جاءت من بيئات ريفية وهامشية، دفعتها ظروف الفساد والتهميش في سورية إلى طلب الرزق في البلد المجاور). لكن ذلك كله لا ينفي بطبيعة الحال صفة الانسانية عن تلك العمالة! والغريب أن بعض وجوه حركة 14 آذار المتهمة بالعنصرية، كمثل سمير قصير، دافعوا باستماتة عن إنسانية هذه الفئات وحقوقها.

أما التفسير الثاني، فأن الشعب السوري لا يستحق هذا النمط من التعبير السياسي المتقدم، وبالتالي لا يستحق أن يتمتع بنتائج هذا الحراك المتمثلة حتماً بالحرية والديموقراطية، كأن الديموقراطية تليق بشعوب دون أخرى، من دون تحديد المعايير التي يستطيع من خلالها شعب من الشعوب بلوغ الحرية، أو متى وكيف يستحق هذه الحرية!

والغريب ان هذه القوى تعيش في بلد (لبنان) يوفر مناخاً ديموقراطياً، كما يتيح لمختلف القوى والتعبيرات الظهور والتعبير عن نفسها، وقد استفادت هذه القوى من هذا المناخ واستثمرته إلى حدوده القصوى، وصولاً إلى الاستخدام العلني والفاضح لقوة السلاح لإعادة صوغ الوقائع السياسية اللبنانية لمصلحتها، بما يتضمنه ذلك من إسقاط حكومات شرعية، وتوكيد حصرية التفرّد بقرار السلم والحرب. ويجري كل ذلك في ظل رفع هذه القوى شعار المظلومية الاجتماعية والسياسية في مواجهة الشعب اللبناني الآخر «الظالم»!

والمؤلم في جوقة الهياج المسعورة الذي تشنّه تلك الفئات على الشعب السوري، ذلك الإصرار الوقح على أن الحراك السوري جزء من مؤامرة كبيرة على «المقاومة»، من دون الالتفات إلى حقيقة أن هذا الشعب الذي يتحدثون عنه يمثل كتلة سكانية تتعدى العشرين مليوناً من البشر، لها عمقها الحضاري وإنجازاتها المعترف بها إقليمياً وعالمياً، شأنها شأن الشعب اللبناني العظيم، في حين أن الكتلة التي تنطق قوى 8 آذار باسمها لا تتجاوز المليون في أحسن الأحوال. فأي صورة عنصرية تلك التي يضمرها هؤلاء في أنفسهم حين يصفون حراك الملايين بأنه جزء من مؤامرة عليهم!

فكأن المطلوب من الشعب السوري ان يوقف مسيرة تطوره ونزوعه للحرية والديموقراطية والدولة المدنية إلى حين إنجاز قوى 8 آذار مشروعها المقاوم، فيما لم يعد في مستطاع أحد في المنطقة فهم ماذا ومن يقاوم هؤلاء، بل أية مقاومة تلك، ناهيك عن أن تلك القوى لم تحدد الوقت الذي تحتاجه لإنجاز مشروعها المقاوم كي ينتظر الشعب السوري!

إنّ من حسنات الحراك السوري على الساحة اللبنانية، كشفه الوجه العنصري البغيض لطبقة سياسية وإعلامية لبنانية طالما تلطّت خلف أقنعة المقاومة والممانعة، وتمارس الترهيب على بيئتها اللبنانية الى حد وصل فيه الأمر إلى توزيع ألقاب المقاومة ونعوت الخيانة على العالم العربي من محيطه إلى خليجه!

=====================

الحاكم والموساد والكلاب

أسامة الرنتيسي

24/05/2011

الغد الاردنية

لا تعتبر إسرائيل أن ما يجري في العالم العربي من ثورات واحتجاجات وتغيير أنظمة هو نفس ما حدث في مصر، بل تنظر إليه على أنه تبديل جذري في نظام. وهي تظن أن ما يجري في الشرق الأوسط ليس "تسونامي سياسي" فقط، بل مفترق تاريخي للشعوب العربية يصعب تقدير نتائجه أو توقع عواقبه.

الموساد الإسرائيلي يكشف كل يوم جديداً حول علاقته بالأنظمة المخلوعة أو التي هي في طور الخلع. ويقول رئيس الموساد السابق مائير داغان: إن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك كان على اتصال لحظة بلحظة بعدد من الضباط الإسرائيليين في جهاز الموساد منذ اندلاع الثورة وحتى تدخّل الجيش. وإن سبب فشل الموساد في توقعه أن الجيش قام بقطع الاتصال بالكامل عن القصر الجمهوري، حيث خيّر مبارك بين ترك الحكم أو الاعتقال الفوري، فاختار التنحي، وخرجت عائلته في دقائق من القصر الجمهوري، ثم قام الجيش بجمعهم في بهو القصر، وخرجوا بالملابس التي يرتدونها.

هذا في مصر، أما في سورية فقد جاء الحديث من دمشق عاصمة الأمويين، وعلى لسان رجل الأعمال السوري رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد وشريكه المالي وحليفه الذي شملته العقوبات الأوروبية والأميركية: "إنه لن يكون استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سورية".

في إسرائيل يعتبرون الثورات العربية ما تزال في بدايتها، وهي لن تتوقف عند حدود العالم العربي، بل ستؤثر على العالم بأسره، مثلما فعلت الثورة الروسية قبل مائة سنة، والثورة الفرنسية قبل أكثر من مائتي سنة.

حضرتني قصة طريفة وأنا أقرأ تقارير عن إسرائيل والثورات العربية، مفادها أن حاكماً أمر بتجويع 10 كلاب لكي تأكل كل مخطئ. ولسوء حظ أحد الوزراء أنه أخطأ بمسألة ما لا تستحق عقاباً أليماً، فأمر الحاكم برميه للكلاب، فقال له الوزير: أنا خدمتك 10 سنوات وتعمل بي هكذا؟ أرجو أن تمهلني 10 أيام فقط، فقال له الحاكم: لك ذلك.

ذهب الوزير إلى حارس الكلاب، وقال له: أريد أن أعتني بالكلاب فقط لمدة 10 أيام.

فقال له الحارس: وماذا تستفيد؟ فقال الوزير: سوف أخبرك بالأمر مستقبلاً. فقال الحارس: لك ذلك.

قام الوزير بالاعتناء بالكلاب وإطعامها وتغسيلها وتوفير جميع سبل الراحة لها. وبعد مرور 10 أيام جاء موعد تنفيذ الحكم بالوزير، وزج به الحاكم في القفص مع الكلاب، والحاكم وحاشيته ينظرون إلى الوزير، فاستغربوا من أن الكلاب جاءت إلى الوزير تداعبه وتنام تحت قدميه!

فقال الحاكم: ماذا فعلت بالكلاب؟

قال الوزير: خدمت هذه الكلاب 10 أيام فلم تنسَ خدمتي لها، أما أنت فقد خدمتك 10 سنوات، ونسيت كل ذلك بخطأ صغير!

طأطأ الحاكم رأسه خجلاً، وأمر بالعفو عنه.

طبعاً نحن لسنا في ذلك الزمن الحالم من الحكم المكون في أركانه من حاكم ووزير وحارس، فمكونات الحكم الآن اختلفت جذرياً، وحتى طريقة عقاب الحاكم لوزرائه أصبحت مختلفة، فقد سمعنا عن وزير في إحدى جاراتنا العربيات منذ سنوات أخطأ، وصحا ضميره فانتحر بست طلقات في الرأس!

وأياً تكن علاقة إسرائيل وطيدة بالحكام العرب أو واهية، من فوق الطاولة أو من تحتها، فإن إسرائيل حقيقة هي العقبة الكؤود في طريق هذه الثورات من منطلقين متناقضين؛ الأول: ذلك السيناريو الممجوج الذي تكرر مع كل حاكم قامت في بلاده ثورة لإسقاطه، وهو يلوح لأنصاره بورقة الممانعة، وأنه إن ترك الحكم فسيخلفه عميل لإسرائيل يسلم البلاد لها على طبق من ذهب، وكأنه هو الشريف الوحيد في بلاده والباقون خونة ومندسون. والمنطلق الثاني المعاكس: المخاوف الغربية من تقديم المساعدة للثورة العربية من دون وجود ضمانات حقيقية بشأن الخليفة تجاه أمن إسرائيل.

نحن كلنا أمل الآن بأن الشعوب العربية أصبحت تفهم هذا الخطاب الديماغوجي، وتتعامل معه بذكاء وفطنة، لأن عمود الربيع العربي في ثوراته هو فئة الشباب "الفيسبوكي" المثقف، وليس المغفل المصفق.

=====================

حرب «بشار» الأولى.. هل تكون الأخيرة؟!

الشرق الاوسط

عادل الطريفي

25-5-2011

عادة ما يتم تعريف «الحرب» بوصفها نزاعا مسلحا بين دولتين، أو طرفين يكون أحدهما ممثلا للسلطة - الحكومة المركزية - أو على الأقل يكون طامحا لها. هناك تعريفات علمية كثيرة وكتب كلاسيكية في هذا المجال موجودة في كتب تراثية مثل «تاريخ الحرب البلويونيزية» للمؤرخ الإغريقي ثوكوديدس (395 ق.م)، أو «فن الحرب» للفيلسوف الصيني صن تسو، أو كتاب كلاوفيتس الشهير بعنوان «في الحرب»، وغيرها الكثير. الغرض هنا ليس تعريف الحرب أو الحديث عن كتبها التي ما زالت تؤلف إلى اليوم، وإنما لأن مفردة «الحرب» باتت - الآن - خير وصف للتعبير عما يجري في سوريا اليوم.

قاعدة بيانات النزاع الدولي (UCDP) التي نشأت بجامعة أبسلي بداية السبعينات لديها معايير محددة لوصف الحروب والنزاعات وأدوات لقياسها، وهي معتمدة لدى كثير من المنظمات والهيئات الدولية. أحد معايير الحرب يتعلق بعدد الضحايا: وهو أن لا يقل عن ألف ضحية قتلت بشكل مباشر في النزاع المسلح.

اليوم تكمل الانتفاضة الشعبية في سوريا شهرها الخامس بعدد يفوق الألف قتيل بحسب بعض المصادر. هذا يجعل ما يدور في سوريا أكثر من مجرد احتجاجات، بل عملية عسكرية طالت على الأقل 120 عنصرا أمنيا أو من الجيش - استنادا إلى الروايات الرسمية. بوسع السلطات السورية أن تشكك في مصداقية هذه الأرقام، وأن ترفض إطلاق صفة «الحرب» على ما يدور بينها وبين المتظاهرين، ولكن الحقيقة الواضحة هي أن السلطات السورية احتاجت إلى نشر الجيش بمدرعاته وتقسيم المناطق وفرض حظر التجوال. هذه، ولا شك، حرب الرئيس بشار الأولى، أو قل نزاعه المسلح الأول، بحيث اضطر إلى تحريك الجيش إلى مناطق العصيان المدني، وهي للمفارقة المرة الثانية التي يطلب فيها من الآليات العسكرية - في عهده - التحرك بعد الانسحاب المذل من لبنان في أبريل (نيسان) 2005.

حاليا، يقاتل النظام من أجل البقاء، ورغم مرور هذه الشهور الخمسة فإن السلطات تبدو عاجزة عن إخماد العصيان، وهي في الوقت ذاته تواجه ضغوطا وعقوبات دولية هائلة لتغيير النظام. هناك شبه إجماع على أن نظام الرئيس الأسد لن يكون قويا كما في السابق، فيما يذهب البعض الآخر إلى القول بأن أيام النظام باتت معدودة.

المسرحي المصري الكبير، علي سالم كتب مقالا بعنوان «هذا عصر زوال الديكتاتوريات»، قال فيه إن الأنظمة العربية - أيا كانت - لم يعد بوسعها أن تدير أمورها بديكتاتورية عسكرية - وعن طريق الأكاذيب - وأشار فيه إلى مقالة سابقة لي أطرح فيها تساؤلا مفاده: «ماذا لو نجح نظام الأسد في البقاء؟». يرى الأستاذ سالم أن ما حدث في العالم العربي ليس إلا امتدادا لسقوط الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية منذ الحرب العالمية الثانية وصولا إلى سقوط جدار برلين، وأن الموجة تأخرت كثيرا حتى وصلت إلى المنطقة وفضحت أكاذيب (شعارات) الأنظمة.

علي سالم محق فيما كتب، فكثير من الأنظمة العربية - لا سيما البعث والاشتراكي العربي - بنت مشروعيتها على جبال هائلة من الأكاذيب، ولا شك أن هذه الأكاذيب باتت مكشوفة. مشكلتنا في الحقيقة ليست في وجود الأكاذيب، أو في انفضاح أمر هذه الأكاذيب فقط، بل في لجوء الأنظمة إلى الكذب - في المقام الأول - كي تحقق مشروعية ما، لأن هذا الجمهور يؤمن بقيم أو رؤى يعجز هذا النظام أو ذاك - اختيارا أو اضطرارا - عن تنفيذها. الأستاذ سالم محق في أن هذه الأنظمة لم تعد قادرة على الاستمرار في الكذب في هذا العصر، ولكن لعلي أضيف بأن الأزمة ليست فقط في وجود أنظمة ديكتاتورية، بل لأن وجود الديكتاتورية في الماضي كان مبررا لأجل تلك الأكاذيب.

خذ موضوع السلام على سبيل المثال، بعض الأنظمة رفضته من حيث المبدأ، والبعض نادى به ووقع على وثيقة السلام، فيما البعض الآخر دخل لعبة المفاوضات وتراجع دائما بحجة أن الطرف الآخر غير راغب في السلام. الحقيقة هي أن الشعوب العربية - وبحسب استفتاءات دولية كثيرة - لم تحظ لديها عملية السلام بشعبية، بل كانت هناك ولا تزال حالة من الشك المريب، بل وسلبية تجاه عملية السلام والنتائج المحتملة لها. هنا، كانت الأنظمة تكذب إما بادعاء المقاومة أو تعطيل عجلة السلام، لأنها غير جادة بالطبع، ولكن - أيضا - لأن المجتمع لا يريد سماع الحقيقة: وهي أن السلام مع إسرائيل ضرورة دولية مدعومة من الدول الكبرى، وأن الرأي العربي تجاه إسرائيل - وإن كان مبررا في الداخل العربي - فهو يتم النظر إليه بوصفه مواقف متطرفة تجاه الآخر.

هناك - أيضا - موضوع دور الحركات الدينية في السياسية. بعض الأنظمة الجمهورية ترفع الشعار الديني، والبعض الآخر يقبل أو يرفض دور الحركات الإسلامية، ولكن الجميع يضطر إلى الكذب فيما يتعلق بهذه الحركات الدينية «الخلاصية»، فلا أحد يريد أن يقول مباشرة للجمهور العريض إنه لا ينبغي الخلط بين الدين والسياسة في دولة مدنية، ولهذا فإن الأنظمة - حتى البعث السوري - تكذب فيما يتعلق بهذا الموضوع.

إذن، المشكلة ليست فقط في وجود نظام ديكتاتوري، أو لجوئه للكذب حتى يصنع مشروعية مزيفة، بل لاضطرار الجميع أن يؤمنوا بقيم ومبادئ عفى عليها الزمن - كالفكرة القومية أو الدينية المتشددة، أو فكرة المقاومة، وغيرها - وعدم قدرتهم على تجاوز هذه الأفكار والرؤى إلى ما هو أفضل، ولذا كانت النتيجة أن حكمتهم أنظمة ديكتاتورية قالت لهم ما يريدون سماعه، وصنعت شيئا آخر.

هناك كتاب جميل للراحل أحمد بهاء الدين بعنوان «شرعية السلطة في العالم العربي» (1984)، يشير فيه إلى أن أزمة الأنظمة العربية ثلاثة: الديمقراطية، والعقلانية، والشرعية. قد تكون مشكلة غياب الديمقراطية واضحة، ولكن مشكلتنا - أيضا - كانت في انعدام العقلانية، وبالتالي المشروعية. وهنا يكون انعدام العقلانية ليس في النظام فقط، بل في المجتمع الذي لا يقيم وزنا للتفكير العقلاني وتبنى فيه كل القضايا على العاطفة القومية، أو الدينية، أو حتى الشخصية، ولهذا ليس بمستغرب أن لا يبني النظام قراراته على مبدأ عقلاني، وحتى إن اتخذ قرارات برغماتية فإنه يعلم مسبقا أنها غير مقبولة لأنها مبنية فقط على الاعتبار العقلاني للمصالح. إن من المستغرب بعد كل ذلك أن يطالب أحد - حقيقة - بنظام شرعي لا وجود فيه للعقلانية، أو بالديمقراطية لأنها ليست فقط صندوق اقتراع مصمتا، بل ثقافة مدنية / علمانية في المقام الأول.

قد ينجح النظام السوري في البقاء رغم كل الظروف التي تحيط به، وقد يتمكن حلفاؤه الإيرانيون أن يقدموا له المعونة، وأن يطلعوه على الكيفية التي بإمكانه أن يتحايل بها على العقوبات الدولية عن طريق السوق السوداء. أيضا، قد يخرج الأسد ضعيفا فاقدا للشرعية في نظر أغلبية مواطنيه، ولكن ما دام هناك من يستطيع الدفاع عن حكمه فسيظل حاكما حتى ولو على قطعة أرض صغيرة. هو مقتنع بصواب موقفه، وفي كون الآخرين يعملون ضده حتى مواطنيه، ومشكلة الأسد الحقيقية هي القيم والمبادئ التي يؤمن بها هو ومحازبوه.

علينا أن نتذكر أن بقاء عدد من الأنظمة التي تفتقر إلى الشرعية في نظر مواطنيها ليس عائدا فقط بسبب قوتها المادية، أو قدرتها على الخداع بالأكاذيب، بل لأن الكثيرين لا يتصورون الكيفية التي يمكنهم من خلالها بناء شرعية تكون مقبولة لدى الجميع ومؤمنة لمصالح الكل. الأقليات، وجزء من الطبقة الوسطى، التي وقفت إلى جانب الأسد لم تقف بالضرورة إيمانا به بل تخوفا من المستقبل، وإنهم ربما قبلوا ببقاء ديكتاتور ولكن ما الذي يمنع أن يوجد ديكتاتور آخر، أو نظام شعبوي آخر، يحكمهم كيفما شاء، من الواضح أن البعض يفضل الديكتاتور الذي يعرفه على الديكتاتوريات - أو الشموليات الطائفية أو الدينية - التي قد تأتي مستقبلا.

يقول أحمد بهاء الدين: «قد يحيط المغتصب السلطة نفسه بكل أشكال الشرعية… ولكنها تبقى كلها ستائر تخفي عدم الشرعية، فالقانون ليس أي ورقة عليها توقيع الحاكم. القوانين أحكام خارجة من ضمير الناس معبرة عنهم في الأساس».

======================

سورية في القلب

عبد الحليم قنديل

23/05/2011

موقع الحركة العربية الواحدة

أن تكون مصريا، فلا بد أن تحب سورية، وأن تكون قوميا عربيا، فلا بد أن يصيبك الفزع من تصرفات نظام ينسب نفسه لخط القومية العربية، ويحكم من وراء ستار حزب قومي تاريخي هو حزب البعث. ولم يكن لمثلي أن ينتظر حتى تنشب النار في سورية، وحتى تتوالى مجازر حقيقية لمدن الثورة السورية الراهنة، من درعا إلى ريف دمشق، ومن بانياس إلى حمص، ومن حماة إلى تلكلخ وطلبة حلب، فليس لأحد أن يتوقع غير ما جرى ويجري، فالنظام لا يملك غير لغة القمع والعصف، وشعب سورية العظيم لا يملك غير طلب الحرية، حتى لو كلفته عشرات الآلاف من أرواح أبنائه وبناته، وفي التزام صارم بالتحرك السلمي، الذي لا يخشى الرصاص، ويحافظ على التفوق الأخلاقي الموصل لباب النصر. وقد دعوت من سنوات طوال إلى توقي الخداع، وترك وصف الأنظمة لنفسها جانبا، والنفاذ إلى جوهر تكوينها، فقد انتهت الأنظمة  على اختلاف شعاراتها  إلى نسخ مطابقة للأصل، كلها تحكم بدعوى الحق العائلي، ومن حول عائلة تحكم وتسيطر على السلطة والثروة، دائرة ضيقة من مليارديرات المال الحرام، ومن تحتها خازوق أمنى متضخم ومتورم، وتدير اقتصادا ريعيا في غالبه، وبغير قاعدة انتاجية واسعة، وتقيم أحزابا صورية لزوم الديكور، ولا تنتسب  في الحقيقة  إلى أيديولوجيا بذاتها، لا إلى يمين، ولا إلى يسار، ولا إلى وسط، بل تنتمي إلى معنى النهب العام المستند إلى عصا الكبت العام، وتتحول إلى ما يشبه عصابات السرقة بالإكراه، وفي المحصلة تجد نفسك أمام نظم معلقة، قواعدها الشعبية متلاشية، وتشبه وضع النبي سليمان حين مات، وهو يتكئ على عصا، فلم يلحظ أحد أنه مات، إلا حين نخر النمل العصا، أنظمة تبدو مخيفة جدا، لكنها ضعيفة جدا في الوقت نفسه، وتفتقد إلى معنى السلطة بالتزاماته الحرفية، وهو الإذعان مقابل الإشباع، فهي تطلب الإذعان بغير مقدرة على إشباع احتياجات الناس، وتتصرف كالجراد الذي يأكل كل شيء، وينتهى إلى تصحير المجتمعات، ولا يستبقي غير صورة لصوصية مسلحة، مليارات فلكية يجرى شفطها إلى فوق، وعسس وعسكر تحت تخت السلطان، وتجريف للزراعة والصناعة والسياسة والثقافة، وغضب شعبي مكبوت ينزل إلى آبار تحت الأرض، وما ان ينزاح الغطاء، حتى تنزح الملايين من آبار بلا قرار، وتصنع ثورات تشبه عواصف الطبيعة وبراكينها وأقدارها. وأي رهان على جدوى القمع في غير محل، فالقمع نفسه يؤدي دورا حيويا في رفع الغطاء عن آبار الغضب المختزن، ويدفع بالثورة إلى حدود تذهل القامعين، وتدفعهم إلى جنون دموى يعجل بانتصار الثورة نفسها، ولا يبدو أمام هذه النظم من خيار آخر، حتى ولو تظاهرت بالكلام عن خيار الحوار، فالعصا لا تحاور، ولم يبق في هذه النظم غير العصا، ومحكوم عليها بالخطأ الأمني الخلقي والجبري، فأنت لا تستطيع أن تربي وحشا، ثم تمنعه من نهش الناس، والدموية المفرطة في السلوك من جنس طبيعة هذه النظم، وطبعها الوحشي يغلب تطبعها المتكلف في لحظة طلوع الروح، وقد لا تحتاج عزيزي القارئ إلى أمثلة، فكتالوج الصور مفتوح أمامك، والثورات وما يجرى فيها تنتقل إليك في بيتك، وعلى الهواء مباشرة. وقد يقول البعض ان النظام السوري مختلف، لكنه اختلاف في تفاصيل تضاف إلى تطابقات الأصول، فالتكوين الطائفي الضيق للنظام يزيد في حدة عنفه، لكنه يزيد أيضا من احتمالات نجاح الثورة السلمية، وقبل ما يزيد على عشر سنوات، قال مبارك ان مصر ليست سورية، ثم مضى في سيناريو توريث ابنه على الطريقة السورية، وحين دار الزمان دورته، وخلع المصريون مبارك وابنه، قال بشار الأسد ان سورية ليست مصر، ونبهت وقتها  في لقاء تلفزيوني  إلى المفارقة الساخرة التي بدت هروبا من حكم الأقدار، وقلت: ان سورية سوف تمضي في طريق مصر ذاته. وقلت: انتظروا الثورة في سورية، وجرى الذي جرى، وهو واصل إلى منتهاه مهما كانت العوائق، ومهما طال الزمن، ليس هذا توقعا ولا نبوءة، بل في حكم الأقدار، وكل تكلفة دم مضافة يتحمل وزرها النظام السوري، وكل خطر على سورية وأهلها سببه إصرار النظام على البقاء بغير مبرر مقبول ولا معقول، فقد تحدث بشار كثيرا عن الإصلاحات، ولم يفعل، وحتى لو أراد، فشبكة المصالح والمطامع التي تحكم لن تمكنه من تصفية نفوذها وامتيازاتها، فسورية تحكمها ميليشيا النهب، وليس حزب البعث الذي تحلل تكوينه، وأصبحنا بصدد حكم عائلة وحكم طائفة، فهل يملك بشار طاقة التمرد على الجيتو المحبوس فيه؟ هو يدعو إلى حوار، لكن الحوار ليس فوائض صور، بل مبادئ والتزامات، فهل يملك بشار فرصة كسر التحكم العائلي والطائفي باسم حزب البعث؟ هل يملك فرصة إلغاء خرافة الحزب القائد للدولة والمجتمع؟ هل يملك فرصة إلغاء نص وحشي يفرض عقوبة الإعدام على المنتمين إلى فكر بعينه؟ هل يملك فرصة إطلاق الحريات كافة؟ هل يملك فرصة تحطيم النفوذ المتوحش للنظام الأمني؟ هل يملك فرصة إجبار أهله وأصهاره على إعادة المليارات للشعب؟ هل يملك فرصة العفو العام والنهائي عن معارضيه جميعا؟ هل يملك فرصة التقدم لمرحلة انتقال ديمقراطى سلمي في سورية، وإقرار دستور جديد، وتنظيم انتخابات برلمان ورئاسة حرة، وإطلاق طاقات الشعب السوري، وإعادة بناء نظام قضائي يكفل العدالة والحرية؟ كلها أسئلة برسم أي حوار جاد، وتنطوي على فرصة لبشار نفسه، فبوسعه التحول إلى قائد لكل سورية، وليس إلى رجل أسير لمطامع طائفة وامتيازات عائلة، ولا يبدو، للأسف، أنه يستطيع، تماما كما أن الشعب السوري  بغالبيته الساحقة  لا يستطيع التخلي عن حقه في طلب الحرية والكرامة الإنسانية. وقد لا نخشى على سورية من خطر تفكك طائفي، ففي تكوينها عناصر تماسك غالبة، ونحن نحترم كل الطوائف، بما فيها الطائفة العلوية الكريمة، لكن القصة أكبر من مظالم طوائف، وليس الإنصاف الطائفي هو المطلوب، بل المواطنة العروبية الجامعة، والحرية هي التي تضمن عروبة سورية، وهي التي تعيد لها دورها الأمامي إلى جوار مصر، وهي التي تعيد بناء فكرة القومية العربية على أسس شعبية راسخة، والنظام العائلي الطائفي ليس ضمانا لشيء، اللهم إلا الخراب والفوضى واحتمالات التدخل الأمريكي، ولم يطلب تدخل أمريكا غير شواذ، بعضهم  على طريقة خدام  من رجال النظام نفسه، وقد كان خدام نائب بشار، كما كان نائبا لأبيه، بينما المعارضة السورية، في تكوينها الميداني الغالب، ضد ديكتاتورية النظام، وضد الأمريكيين والإسرائيليين معا، وهذه نقطة بالغة الأهمية، فلابد من عزل كل صوت شاذ يطلب أي تدخل أجنبي، ولابد من الحفاظ على السلمية التامة للتحرك الشعبي مهما زادت كثافة القمع الدموي، ولابد من الصبر واحتمال التضحية إلى أبعد مدى، ولابد من الثقة بنصر الله لثورة الناس الأحرار، ولابد من الابتعاد عن المكائد والمصائد واللغات الطائفية جميعا، وتلك كلها ضمانات النصر الأكيد، وواجبات الوفاء لدم الشهداء، التي تلزم بتجنب الانزلاق إلى فخاخ الوقيعة بين حرية سورية وعروبة سورية ووحدة أهلها الوطنية التامة. ونثق أن الثورة السلمية السورية سوف تنتصر، فقد كانت سورية دائما في قلب كل عربي، وما يصيبها من جرح يصيبنا جميعا، وما تصيبه من نصر هو نصر للأمة كلها، وللمصريين بالذات.

===================

الخوف من الخوف: عهود الاستبداد والثقافة السياسية العربية

بقلم: د. لبيب قمحاوي

lkamhawi@cessco.com.jo

24/05/2011

القدس العربي

إنّ عقود القهر و الظلم والاستبداد التي واكبت استفحال الأنظمة الشمولية والاستبدادية العربية ، قد خلقت نمطاً من التفكير و الأداء السياسي عكس، بالضرورة، طبيعة العلاقة السائدة بين كل نظام قمعي استبدادي و شعبه . و كلما طالت فترة حكم ذلك النظام ، كلما ترسخ ذلك النمط و تحول من مفردات متفرقة إلى لغة تخاطب و أسلوب تفكير و من ثم إلى ثقافة سياسية أساسها الخوف و التملق ، لتتطور بعد ذلك، إلى فولكلور سياسي ، قد تعتقد الأجيال الجديدة بأنه جزء من تراثها السياسي . فالرغبة بالاستمرار في الحكم المطلق لدى جميع الأنظمة العربية المستبدة والشمولية تطلبت أن تقوم تلك الأنظمة باستنباط الوسائل و السبل التي تؤدي إما إلى إخضاع المواطن أو تحييده سياسياً بحيث لا يعود يشكل أي خطر على بقاء و مستقبل تلك الأنظمة الاستبدادية الشمولية . ومن أجل ذلك، قامت تلك الأنظمة باستنباط مفردات و مصطلحات سياسية أدت إلى فتح الطريق أمام إعادة تشكيل الذهنية السياسية لغالبية المواطنين و بشكل جعل المخالفين لذلك أقلية مارقة محرومة من كثير من الحقوق كونها لا تمثل النمط العام من التفكير السياسي المفروض من قبل النظام على المجتمع .

 وانتقلت لغة التخاطب السياسي ، بالتالي ، من بدايات تجربة الممارسة الديمقراطية التي كانت سائدةً في أربعينيات و خمسينيات القرن الماضي في المنطقة العربية و التي وضعت بعض الضوابط على الحاكم و حاولت حفظ حقوق المحكوم، إلى واقع العلاقة التبعية للحاكم المطلق حيث يصبح الحاكم هو صاحب الرؤية ، و توجيهاته تسبق العصر ، و مكرمته أعطية من السماء ، و رغباته هي القانون ، و أموال الدولة أمواله و ما يعطيه الحاكم للشعب أو جزء من الشعب هو ، بالتالي، مكرمة أو أعطية أو منة باعتبار أن كل شيء هو ملك للحاكم . و انطلاقاً من ذلك فقدت الحكومة تدريجياً دورها باعتبارها صاحبة الولاية العامة دستورياً ، و أصبحت عبارة عن أداة تنفيذية بيد الحاكم تنفذ إرادته وسياساته و لا تخطط لها. و الذي يخطط هو الحاكم و هو أيضاً السيد و الزعيم الفذ و القائد الملهم . وتحول الشعب بالتالي إلى قطيع يستجدي من الحاكم حقوقه سواء الأساسية أو الدستورية أو المعيشية. و مع مرور الوقت تقلصت طموحات الشعب وانحصرت في الحصول على مكرمة من هنا أو مكرمة من هناك . وحتى الوظيفة والسكن والعلاج والتعليم وهي حقوق أساسية ، أصبحت جزءاً من المكرمات التي يناضل المواطن العادي من أجل الحصول عليها أو استمراريتها . و كلما تململ الشعب القطيع أو شكا من نقص أو صعوبة ما، يتفضل الحاكم بأنْ يمنَّ عليه بمكرمة جديدة . و أصبحت الحكومات تتخبط في محاولاتها للتوفيق بين متطلبات التنمية الحقيقية و متطلبات المكرمات ، و هي في معظمها حبوب لتسكين الآلام المزمنة فقط . و في ظل هذه الظروف و مع مرور الوقت أصبح المواطن البسيط يعتقد بأنه لولا لطف الله و كرم الحاكم و مكرماته لعانى الأمرين على أساس أن الحكومات غير قادرة على تحقيق شيء ، متناسين أن الحكومة تعين بإرادة الحاكم و تقال بإرادة الحاكم و تحكم بإرادة الحاكم ، و تنجح أو تفشل بالتالي بإرادة الحاكم .

 و بمرور الوقت يتحول المجتمع تحت مثل تلك الظروف من مجتمع ديناميكي متطور و قادر على تجديد حيويته بشكل مستمر، إلى مجتمع خامل يفتقر إلى الحيوية و إرادة التغيير الذاتي كونه أصبح يعتمد اعتماداً شبه كامل على رضا الحاكم و مكرماته . و ينتج عن ذلك فقدان الشعب احترامه لنفسه و لمؤسساته الدستورية ، و منها الحكومة كسلطة تنفيذية ، كون المكرمة أسرع و أكثر فعالية حتى و لو لم يكن هنالك مال لدى الحكومة لتمويل هذه المكرمة أو تلك . و تصبح السلطة التشريعية أداة بيد الحاكم و امتداداً لظله ، و يتحول الحاكم تدريجياً إلى قائد مطلق لمجتمع أبوي يعتمد على الحاكم في كل شيء.

 إنّ الثورة على الحاكم هي في الواقع ، و في أصولها ، ثورة على النفس . فعندما يرغب المجتمع في استنشاق الهواء النظيف من خلال الأجيال الجديدة يصطدم بجدار عالٍ من البطش و الفساد المالي و السياسي و الذي يستند إلى الواقع العجيب الذي خلقه الحاكم للسيطرة على المجتمع . عندها من المنطقي أن يثور المجتمع مطالباً بالإصلاح، في البداية ، حتى لا يثير جنون الحاكم المتسلط المستبد . و عندما يكتشف الشعب تعنت الحاكم و شراسته و تشبثه في المحافظة على الأمر الواقع ، تتحول المطالبة في الغالب من مطالبة بالإصلاح إلى مطالبة بالتغيير . فالمعادلة بسيطة ، الحاكم يعمل لسنوات طويلة مستعملاً كافة إمكانات الدولة للاستيلاء على الشعب ، و لكن عندما يعيد الشعب اكتشاف ذاته و مكامن قوته ، تتجسد تلك المعادلة البسيطة في خيار بين الحاكم أو الشعب . و الشعوب ، بالطبع ، لا تفنى و لا تموت .

 إنّ إصلاح أو تغيير الحاكم ، بحد ذاته ، لا يكفي . بل يجب العمل على إصلاح أو تغيير مؤسسة الحكم و رجاله بالإضافة إلى تغيير الثقافة السياسية المرتبطة بذلك النظام و المعبرة عنه. و الأخير هو الأصعب كونه يتطلب وقتاً و جهداً كبيرين . فالثقافة السياسية السائدة ، و التي تسللت داخل جسم المجتمع على مر السنين، هي انعكاس لمدرسة الحكم الشمولي المستبد. وغالباً ما تصبح جزءاً من الفولكلور السياسي و هو أمر يمارسه الناس بحكم العادة و دون وعي منهم . و إزالة هذا الفكر السياسي في الحقبة الجديدة أمر صعب خصوصاً و أنّ تغيير الحكم الشمولي غالباً ما يرافقه فراغ سياسي كنتيجة طبيعية لحقبة منع الممارسة السياسية التي مارسها العهد الشمولي البائد ، و بما يؤدي إلى إضافة مزيد من الصعوبة و المشقة على المرحلة الانتقالية ، خصوصاً و أن الأحزاب السياسية في ظل الأنظمة الشمولية تكون إما شبه ممنوعة أو ضعيفة أو مخترقة و في هذه الحالة تكون إما غير قادرة على قيادة مرحلة ما بعد التغيير لوحدها ، أو أن تكون في واقعها امتداداً للنظام الشمولي البائد بشكل أو بآخر.

 و في ظل هذا الوضع الصعب ، و أهمية وضع الأولويات الصحيحة في المرحلة الانتقالية، تصبح مسؤولية إطلاق عملية إصلاح الثقافة السياسية و مفردات التعامل السياسي و الفولكلور السياسي بشكل عام مسؤولية مشتركة بين المثقفين و وسائل الإعلام الرسمية و الشعبية و مؤسسات المجتمع المدني تتعاون فيما بينها و مع النظام السياسي الجديد لكشف عيوب الثقافة السياسية المرتبطة بالأنظمة الشمولية و فضح مفرداتها ومعانيها و طرح المفردات البديلة أمام المواطنين . و مثل تلك المفردات ليست غريبة على معظم الناس . فهي مفردات نمطية فيها قدر عالٍ من الاستسلام و الذل مثل : توجيهات ، مكرمة ، أوامر ، تعليمات و ذلك في الإشارة إلى قرارات يتم اتخاذها من قبل الحاكم و تعتبر تلك القرارات فوق الدستور و القانون ، بل و تستعملها مؤسسة الحكم ، في معظم الأحيان ، للالتفاف على الدستور و مخالفة القوانين و تبرير الفساد و التجاوزات على القانون تحت شعار "تعليمات من فوق" و هو اصطلاح نمطي لتلك الثقافة السياسية .

 لقد كانت ثقافة الفساد و الإفساد المالي وما زالت جزءاً ملازماً للثقافة السياسية للأنظمة الشمولية . و في هذا السياق، فإن استباحة المال العام هي إحدى أدوات إفساد و تطويع بعض المعارضين من جهة ، أو مكافئة منتسبي النظام ومؤيديه ،من جهة أخرى . و مع مرور الوقت، فإن الفساد الذي كان يجري عن استحياء و في الخفاء من منطلق "إذا ابتليتم فاستتروا" أصبح يجري في العلن ، بل و أكثر من ذلك ، فقد تطورت ممارسات الفساد إلى درجة تطويع قوانين الدولة و مؤسساتها لتصبح في خدمة مؤسسة الفساد وأصبحت العلنية في سرقة المال العام مقبولة و معترف بها كون النظام الحاكم و عائلته و أقربائه و أنسبائه قد أصبحوا القدوة للجميع في استباحة المال العام و اعتباره حقاً للحاكم و عائلته وللنظام و رجاله و مؤيديه . والحاكم المستبد ينطلق في ذلك من مفهوم أنه يملك الوطن بما فيه و أنه ، بالتالي ، لا يسرق لأن المال العام هو مال الحاكم . و اتخذت مؤسسة الفساد لنفسها مسميات جديدة ووجوهاً عديدة مثل الخصخصة و اقتصاد السوق و جذب الاستثمار إلى غير ذلك من المسميات حيث استعملت هذه العناوين لسرقة المال العام و الممتلكات و المشاريع و الأراضي العامة وبيعها ضمن صفقات مشبوهة.

 إنّ محاربة مكونات الثقافة السياسية لعهود الاستبداد هي مسؤولية وطنية و قومية تتطلب تضافر جهود الجميع . و ما إزالة رأس النظام الشمولي و رجاله من جهة ، و محاربة الفساد و مؤسساته من جهة أخرى ، إلا البداية في مرحلة تفكيك تلك الثقافة البائسة و ما يحيط بها من فولكلور مزيف قائم على عقدة الخوف و الرعب و الانهزامية واستعمالها كأسباب للخوف من نتائج عملية التغيير . إن الإصلاح و التغيير عملية شاملة تتطلب شجاعة في الإقدام و استعداد كبير للتضحية من أجل رفض ما هو قائم و متعارف عليه من لغة سياسية مهزومة و أسلوب خانع في تعامل المواطن مع السلطة . الشعب هو مصدر السلطات و هو أساس الشرعية، و هذا ما يجب أن تبنى عليه الثقافة السياسية الجديدة لثورات الإصلاح والتغيير، ثورة العرب.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ