ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
ميشيل كيلو السفير 28-5-2011 يتصارع في سوريا اليوم تصوران متناقضان:
يقول أحدهما: الإصلاح بعد الأمن أو
الأمن ثم الإصلاح، فيرد الآخر: لا امن
بلا إصلاح . تكمن مشكلة التصور الأول في الطريقة التي
يفهم الأمن من خلالها، وتقيم تساويا
بينه وبين القمع، يسلبه هويته كمفهوم
سياسي يكثف جملة متشابكة من العلاقات
والمصالح والعقود تتيح الاختلاف
وتشرعنه وتقوم عليه، دون أن يتطلب
تحقيقه استخدام العنف بين الأطراف
المنخرطة فيه، لأن العنف ليس وسيلة
لإنتاج الإجماع داخل المجال العام،
وفي العلاقات بين الأفراد وبينهم وبين
الجماعات المتنوعة، بما في ذلك
السياسية منها. بينما يقوم القمع على
العنف العاري وحده، فهو نقيض الأمن،
وكثيرا ما يكون سبب تقويضه: عندما
يعتمد وسيلة رئيسة أو وحيدة لإنتاج
إجماع سياسي أو اجتماعي، ذلك أن ما
ينتجه يكون سلبيا على الدوام، يسمح
بوجود آراء ومصالح طرف واحد لا يجوز
وجود غيره في الحقل العام هو الطرف
المسيطر أو الحاكم، في حين يبطل ما
عداه، إلا إذا انضوى تحته ورأى نفسه
بعينيه وبدلالته، كرها وغصبا في معظم
الحالات. بينما إجماع الأمن إيجابي،
يقوم على التوافق والتشارك والتفاعل
في الآراء والمصالح، لكونه يقر
بالتنوع ويقوم على توازناته، السلمية
والحوارية غالبا، المنظمة والخاضعة
للرقابة، والمعرفة قانونيا أو
بالممارسات السائدة والشرعية دوما.
المشكلة أن النظم المركزية، حتى لا
أقول الشمولية، كالنظام السوري، تحول
الأمن إلى قمع وتجعله مساويا له،
فالأمن يعني هنا القمع، والقمع هو
وسيلة إنتاج الإجماع، الذي يكون سلبيا
على الدوام، يتعارض مع السياسة
ويلغيها، بما هي حقل وظيفته الوحيدة
إنتاج إجماع إيجابي. في الشمولية،
ينضوي الأمن تحت القمع، ويحمل اسمه،
ويصير مساويا له في الظاهر والجوهر،
ويزيله تماما من الحياة الخاصة
والعامة. ويزيد الطين بلة أن للقمع عقلا يعمل
بطريقة خاصة تدرج الأحداث تحت رؤية
تضفي عليها موقفا مسبقا، تحملها
مضامين آتية من المجال السياسي
باعتباره حقل صراع، وليس حقل توافق أو
إجماع. في التطبيق تتجسد هذه الرؤية في
الممارسة التالية: ما أن يقع شيء ما،
حتى يبادر النظام القمعي إلى «تنسيب»
القائمين به أو الذين على علاقة معه
إلى الجهة السياسية التي يكون على
خصومة أو خلاف معها. اذكر أنني دعوت قبل
وقت طويل إلى تأسيس نواة اتحاد كتاب
بديل في سوريا، فاتهمت أول الأمر بأنني
من جماعة حسني مبارك، ثم تغيرت التهمة
بعد حين فصرت من جماعة الكتائب
اللبنانية، قبل أن تتغير من جديد وأصير
من جماعة صدام حسين وبعد ذلك ياسر
عرفات بالتتالي والتتابع. حدث هذه خلال
أشهر قليلة. لو أنني اعتقلت آنذاك،
لكان علي الاعتراف بأنني من جماعة
مبارك ثم الكتائب ثم صدام حسين ثم
عرفات، على ما كان بين هؤلاء من انسجام!
عندما يعتقل مواطن، فإنه يدرج فورا في
السياق المقابل لموقف النظام ويصير
عميلا أو متآمرا مفترضا، لصالح الطرف
الذي يكون النظام على خلاف معه، فإن
كان جماعة الإخوان المسلمين تحول
المعتقل إلى عضو في الجماعة، أو عميل
لها، أو متصل بها، أو إلى فرد في
بيئتها، وهناك قصص طريفة ومؤلمة حول
مسيحيين وقعوا اعترافات بأنهم من
الجماعة، بل إن وزيرا سابقا اتهمني
بأنني من الإخوان المسلمين، وحين لفت
نظره أحدهم إلى اسمي، رد عليه: شو يعني،
الإخوان حزب! هكذا، أزال السيد الوزير
صفة المسلمين عن الإخوان كي يتهمني
بالانتماء إليهم، وجعل منهم حزبا يقبل
مسيحيين! لا داعي للتذكير بالنتائج الخطيرة التي
تترتب على تحويل الأمن إلى قمع. من ذلك
مثلا أن الأمن يسمح بالتظاهر ويتسع
لمختلف أشكاله، بينما القمع يضيق ذرعا
به ويمنعه، حتى إن كان النظام العام
يسمح ،من حيث المبدأ، بالتظاهر. عندما
يشارك شاب ما في مظاهرة، فإن أقصى ما
يمكن أن يواجهه في دولة أمن هو الإحالة
الفورية إلى محكمة تفرض عليه في أسوأ
الحالات غرامة نقدية بسيطة، دون أن
يتعرض في أي مكان للإهانة أو التعذيب،
أما عندما يتظاهر في دولة قمعية، فإنه
يعذب ويهان، لأن التظاهر يكون ممنوعا
وإن سمح القانون به. عندئذ، يقر
المتظاهر، بقوة العنف والتعذيب،
بانتمائه إلى تلك الجهة التي يكون جهاز
القمع ودولته في صراع معها، ويتحول إلى
سياسي متآمر، وهكذا، عندما يتم تحويله
إلى محكمة تكون تهمته سياسية تتخطى
المخالفة الإدارية التي ارتكبها،
ويتحول من شخص قد يكون مطلبه تحسين
أجره أو ظروف عمله، إلى متآمر يوهن
نفسية الأمة أو يضعف الشعور القومي أو
يدس الدسائس لدى الأجانب أو يثير
النعرات القومية والطائفية ... الخ،
ويغيب في السجن لفترة لا تقل عن ثلاثة
أعوام، ويعتبر لبقية حياته سياسيا
معاديا للأمر القائم وخطيرا على
السلامة العامة، لا مفر من إخضاعه
للرقابة والتخويف الدائمين، وفي أحيان
كثيرة من قطع رزقه ومعاقبته وأسرته ما
دام حيا. خلاصة القول: ليس تحويل الأمن إلى قمع
ضروريا للإصلاح بل هو يبطله تماما،
فالقمع يتعارض مع الأمن ويتناقض مع
الإصلاح، أقله لأن الإصلاح يريد تطبيع
علاقات الحكومة مع شعبها أو قطاعات
واسعة منه، لإبطال أسباب الخلاف
وتقييد الحاجة إلى قمعه أو ممارسة
العنف ضده، وإرغامه على قبول علاقة
معها جوهرها الإجماع السلبي، بينما
يبطل القمع الحاجة إلى الإصلاح،
بإيهام أولي الأمر أن ما يجري في
البلاد ليس غير «مؤامرة» على النظام
بوسعه هو القضاء عليها بالقضاء على
القائمين بها والمشاركين فيها، وإذاً،
لا يجوز القيام بأي تغيير أو إصلاح،
وإلا كان تحقيقهما تنازلا وهزيمة أمام
المتآمرين، وتحقق هدفهم المضمر
والوحيد: إزاحة النظام عن مواقعه
وتغيير طبيعته، تمهيدا للتخلص منه.
يستهدف الإصلاح تغييرا ما في أمر قائم
ظهرت عيوبه، هنا أو هناك، كليا أو
جزئيا. بينما يستهدف القمع تغيير رأي
من يقولون بوجود عيوب كهذه، وبالتالي
الحفاظ على النظام كما هو، دون أي
تغيير، وإلا اعتبر الإصلاح خطأ على
الصعيد السياسي، وتنازلا أمام
المؤامرات، وفشلا للأجهزة التي تحمي
الأمر القائم وطعنة في ظهرها تتخطى
الإصلاح إلى إضعاف وربما تقويض أسس
وركائز النظام ذاته، الذي لا بد أن
يقوم على معادلة بسيطة: القيادة على حق
في كل ما تقول وتفعل، والأجهزة على حق
في إقناع المواطن بصحة هذه المسلمة،
بغض النظر عن الطرق التي تستخدمها،
وتعتبر جميعها شرعية وقانونية، مهما
بلغت من لعنف والشدة وخالفت القانون.
وكل من يشكك بهذه المعادلة أو يفكر
بالخروج عليها أو يخرج عليها بالفعل
يستحق «معالجة» تقنعه بخطئه وترده إلى
الصواب، ذلك أن المشكلات الحقيقية
التي يواجهها النظام ليست في الواقع بل
في النفوس التي تفتعلها، وتستحق، لهذا
السبب، معالجة تجتث الفساد والشر
والضلال منها. ولعله مما يبين عمق
الأرضية التي تقف عليها هذه النظرة
المشوهة أن من يعتقلون يصنفون دوما إلى
فئتين: واحدة تغرر بالمواطن وأخرى
تدعوه إلى الفعل، واحدة تحدد وعيه
وأخرى سلوكه، فلا بد من قطع الطريق على
تفاعل الوعي مع السلوك بقمع الوعي، فإن
حدث واكتسب المواطن وعيه قبل أن يلاحظ
الجهاز ذلك، اعتبر صاحبه بيئة خطرة لن
تلبث أن تنتقل إلى الفعل، من الضروري «معالجتها
« بشتى الوسائل التي تحول دون انتقال
الوعي إلى فعل . يفضي الأمن بمعناه القمعي إلى تكسير ما
يريد الإصلاح الحفاظ عليه: الدولة
والسلطة والمجتمع والمواطن،
والعلاقات الإيجابية بين هؤلاء. يفعل
القمع ذلك بوسائل عنيفة يستهدف
الإصلاح عادة تقييدها والحد من
انتشارها واستخدامها. لذلك، لا يصح
إطلاقا ربط الإصلاح بالقمع، واعتبار
القمع مقدمة ضرورية للإصلاح، ليس بسبب
تعارض أهدافهما وحسب، وإنما تناقض
وسائلهما كذلك، فالقمع يلغيك ويرفض
الإقرار بحقك في الاختلاف، ويجبرك
بالعنف على تبني ما يجب أن تؤمن به،
وعلى تأكيد فرضياته المسبقة، السياسية
الطابع، حول وجود مؤامرة تنسبك
اعترافات منتزعة منك بالقوة والعنف
إليها، بينما يقر الإصلاح بحق الخلاف
والاختلاف، ويؤمن بالحلول الوسط
والتسويات، ويستهدف تصحيح ما قد يشوب
وضعا عاما من عيوب ونواقص، مع أخذ آراء
الآخرين حولها في الاعتبار والحسبان. لا بد من وقف القمع، الذي يسمى «الحل
الأمني» ليكون فتح طريق الإصلاح ممكنا
وجديا. ولا مفر من بدء الإصلاح لوقف
القمع. ولا بد من تغيير الحاضنة
السياسية التي تجعل القمع ضروريا،
وجعلته خلال نيف وأربعين عاما وسيلة
التعامل الرئيسة مع المجتمع، فلا عجب
أن كانت نتائجه ما نراه ونعيشه اليوم:
مطالبة قطاعات واسعة من المواطنين
بإصلاح يحقق أمرين لا ثالث لهما: حرية
تحميهم من القمع، وعدالة تحميهم من
الفقر. الغريب أن كبار قادة الدولة
أقروا بشرعية هذين المطلبين، لكنهم لم
يبادروا إلى إطلاق إصلاح يحققهما في
أقصر وقت ممكن، وسمحوا ليد «الأمن»
الطويلة أن تكون وسيلتهم الرئيسة في
التعامل مع المطالبين بهما، ومع أزمة
سياسية هي الأخطر في تاريخ سوريا،
لكنها تعالج حتى الآن بعقلية غير
سياسية، غامضة الأهداف، كثيرة
الأخطاء، لطالما تجاهلت الواقع الذي
كان يصرخ منذ عقد كامل مطالبا بإصلاح
يكون توافقيا وسلميا وتصالحيا وحواريا
وآمنا ومتدرجا وبطيئا ومدروسا، لكنها
زعمت أنه ليس حاجة ملحة، وأن تحقيقه
ليس مطلبا مجتمعيا أو عاما وأنه يقبل
الإرجاء. وحين انفجرت المطالبة وأخذت
شكلا مجتمعيا واسعا، قيل بأولوية «الأمن»
على الإصلاح، وتم التصدي للمطالبين
بوسائل قمعية وضعت السياسة في خدمتها!. يقطع القمع الطريق على الإصلاح، ويفتح
الإصلاح باب الأمن واسعا: للسلطة
والدولة والمجتمع والمواطن. فلنخرج
إذن من المعادلة المقلوبة، التي تربط
الإصلاح بأولوية الأمن، ولنبدأ العمل
بالمعادلة الصحيحة، التي ترى أنه لا
أمن بلا إصلاح، وأن الإصلاح هو الأمن،
والأمن يفرض الإصلاح لا القمع. نحن في
فترة مفصلية تتطلب عقلية جديدة ونظرة
مختلفة إلى واقعنا، تمكننا من رؤية
مفرداته خارج النظرة القمعية التي
يسمونها أمنية، فتكون المؤامرة شيئا
والأزمة شيئا آخر، وتعالج المؤامرة
بالقانون والأزمة بالسياسة والتدبير
العام والمشاركة، ونخرج أخيرا من
احتجاز أثبتت الأيام أنه خطير جدا، ولا
مصلحة لأحد فيه، وأن لا سبيل إلى
مبارحته غير إصلاح عميق وواضح وحاسم! ================== المليارات لا الشعارات
للربيع العربي! راجح الخوري النهار 28-5-2011 تزداد مخاوف ايران من "استيلاء"
اميركا على "الربيع العربي"، الذي
حاول محمود احمدي نجاد تصويره وكأنه
حركة انقلابية متدحرجة تصب في مصلحة
طهران وتؤدي الى قيام "الشرق الاوسط
الاسلامي" الذي سيقوي محور الممانعة
ويجعل من ايران قوة محورية في المنطقة
كلها! لكن الامور لا تسير في هذا الاتجاه،
المغرق في الرومانسية، كي لا نقول في
الاوهام، لأن حركة التغيير ستأخذ
الدول العربية في اتجاهات تناقض قواعد
الاستراتيجية الايرانية، التي تحلم
بدور امبراطوري، وتسعى الى تطويل اذرع
نفوذها في المنطقة وعلى شواطئ المتوسط
. ومع انزلاق الوضع في سوريا نحو الاضطراب
المتصاعد، بدأت ترتسم معالم عزلة
اقليمية تتهدد طهران، فمن الواضح الآن
ان "الربيع العربي" سيجتاز
مرحلتين: اولاً: مرحلة الاضطراب التي تنشأ بعد سقوط
الانظمة الديكتاتورية، التي لم تسمح
منذ عقود بقيام بدائل سياسية تتولى
السلطة، وهذا ما هو حاصل في تونس ومصر
وليبيا واليمن. ثانياً: مرحلة الاستقرار، التي يتطلب
الوصول اليها عشر سنين واكثر، قياساً
بكل التجارب المماثلة، من الثورة
الفرنسية التي انزلقت الى الفوضى
ثلاثين عاماً، وانتهاء بالتحول
الديموقراطي في دول اوروبا الشرقية،
التي لم تجد الاستقرار والركون بعد
مرور 24 عاماً على سقوط الاتحاد
السوفياتي وحلف فرصوفيا. وبصرف النظر عن
كل هذا، فإن من حق المراقب ان يسأل:
ماذا في وسع ايران، التي تعاني اوضاعاً
اقتصادية صعبة، ان تقدِّم الى الثورات
العربية غير الشعارات ذات البعد
الاستعدائي مع اميركا والغرب؟ ليس في وسعها ان تقدم شيئاً، فها هي
المليارات قد بدأت ترصد للثورة في تونس
ومصر [10 مليارات لمصر حتى سنة 2012 و25
ملياراً لتونس خلال خمس سنوات]، وها هي
قمة الثماني الكبار تضع برنامجاً
لمساعدة حركة التغيير في هذين البلدين
. من دون هذا السخاء، الذي كانت السعودية
سباقة فيه، عندما قدمت لمصر اربعة
مليارات دولار، لا يمكن الحديث عن
نهايات سعيدة للثورات وحركات التغيير.
وعلى سبيل المثال يوجد في الخزينة
التونسية الآن 459 مليون دينار ستدفع
منها نهاية هذا الشهر 400 مليون رواتب
للموظفين، ثم يظهر العجز. ومن دون
المساعدات الاميركية والغربية، كان من
الممكن ان ينزلق الوضع الى فوضى كاملة. اما في مصر، التي سعت للحصول على 12
ملياراً من البنك الدولي، فإن الامور
اكثر دقة، بعدما عجز بنك التسليف
الزراعي مثلاً عن تسديد فاتورة القمح،
وبعدما تجاوز مجمل الخسائر في ثلاثة
اشهر 25 ملياراً وانخفض التصنيف
الائتماني للمصارف من مستقر الى سلبي. الثورات لا تحتاج الى دربكات وشعارات
منمقة، بل الى العمل وتنمية الاقتصاد.
ولعلم الجميع، إن المطلوب الآن هو
توفير 50 الى75 مليون فرصة عمل لكي ينجح
"الربيع العربي"! ================= الأغلبية الصامتة أم
المرعوبة في سوريا؟! ياسر الزعاترة الدستور 28-5-2011 عقب كل تقرير عن سوريا تضطر فضائية
الجزيرة لاستضافة كاتب أو ناشط مقرب من
الدوائر الرسمية، وتعبير «مقرب» هو من
باب السخرية لا غير، لأن من يدافع عن
النظام وممارساته لا يمكن أن يكون
مقرباً فقط، بل لا بد أن يكون ممن
يجلسون في حضن النظام ويتمتعون
بامتيازاته. لا شك أن تلك خطوة ذكية من النظام، لأن
هؤلاء «المقربين» يقدمون خطاباً أفضل
في سياق الدفاع عنه من مسؤوليه فيما لو
ظهروا على الهواء مباشرة وتعرضوا
لأسئلة المذيعين، لاسيما أن الكتاب
إياهم أكثر قدرة على التبرير في أغلب
الأحيان، فيما سيكون بوسعهم مجاملة
الناس وإظهار استقلاليتهم عبر
الاعتراف ببعض الأخطاء وضرورة
الإصلاح، مع القول إن ذلك لا يتم عبر
الغوغائية والإرهاب إلى آخر تلك
المصطلحات التي يستخدمونها كل يوم. وفي
ذات السياق يضطر مذيعو الجزيرة
للاستماع إلى وصلات من هجاء محطتهم من
أولئك النفر، معطوفة على دروس في
المهنية والموضوعية. ثمة نكتة يرددها عباقرة النظام كل يوم
تقول إن على من يريد التظاهر أن يتقدم
بطلب إلى وزارة الداخلية، ولا يخرج إلى
الشوارع بطريقة غوغائية، لكأنهم
يتحدثون عن سويسرا وليس عن سوريا. أما «اللفتة
العبقرية» التي يظنون أنهم من خلالها
يفحمون خصمهم فتتعلق بعدد المتظاهرين،
حيث يسألون مذيع الجزيرة بذكاء يحسدون
عليه: «كم عدد المتظاهرين الذين
تتحدثون عنهم، مع أنكم تبالغون
بالطبع، هل هم ألف، عشرة، ليكونوا مئة
ألف، بل ليكونوا مليوناً، ماذا عمن
تبقى من الشعب، وهم 23 مليوناً من
البشر؟». يا الله، تلك هي الأغلبية الصامتة، بحسب
هؤلاء، وهي أغلبية ترفض ما يجري من
احتجاجات، وتصرّ على الإصلاح التدريجي
في ظل النظام المقاوم والممانع (نصرّ
على أننا لا ننكر هذا، لكنا لا نرى
المقاومة والممانعة نقيضاً للحرية
والديمقراطية)، لكأن هؤلاء قد استفتوا
تلك الأغلبية وقرروا أنها مع النظام
بكل جوارحها، وأنه لو أطلق لها العنان،
فستأكل المتظاهرين في الشوارع بأيديها
وأسنانها دفاعاً عنه!! لا بأس أيها المحللون البارعون. إذا كانت
الأغلبية الصامتة مع النظام، وإذا
كانت الملايين، كل الملايين معه
بقلبها وروحها، فلماذا تخافون من
الحرية والديمقراطية إذن؟! لماذا لا
تشرّعون الأحزاب والنقابات، ولماذا لا
يخوض حزبكم الحاكم (حزب البعث)
انتخابات حقيقية في مواجهة القوى
الأخرى حتى يعرف حجمه، ولماذا يخاف
السيد القائد من انتخابات رئاسية حرة
وشفافة كي يتأكد أن كل الجماهير تهتف
حقاً باسمه ومن أجل بقائه إلى الأبد ؟. من كان متأكداً من أن وقوف الناس معه، لن
يخشى مواجهة الناس، بل سيعلن في
المدائن بالصوت العالي قائلا: بيننا
وبينكم الصناديق أيها الغوغاء،
فتفضلوا إليها، وذلك بعد أن تجري صياغة
قوانين ناظمة للحياة الحزبية
والسياسية الحرة، وهي بالمناسبة ليست
اختراعاً عظيما يحتاج إلى لجان تمضي
سنوات من اللقاءات واللت والعجن. والحق أنهم يعلمون تمام العلم أن
الأغلبية الصامتة ليست معهم، بل هي مع
المتظاهرين في الشوارع. مع الشهداء
وأسرهم. مع الأسرى الأبطال. مع الذين
يضعون أرواحهم على أكفهم، فيبادرون
للاتصال بالفضائيات لفضح القتلة. الأغلبية الصامتة ليست في واقع الحال سوى
الأغلبية المرعوبة، فالتظاهر هنا في
سوريا ليس مثل التظاهر في مصر أو
اليمن، إنه تظاهر مكلف، لأن من سيخرج
إلى الشوارع سيكون عرضة للموت أو السجن
باحتمال كبير جداً قياساً إلى الدول
الأخرى. لو كان المشهد مختلفاً لرأينا مظاهرات
مليونية حقيقية، ربما أكبر من اليمن،
ولن يعثر النظام على بضع مئات من
الآلاف يحشدهم كما يفعل علي عبد الله
صالح، مع أن أكثرهم يُحشدون من خلال
المال والقات كما يعرف الجميع، وقلة
منهم مَنْ جاؤوا قناعة بإبداعه في
الحكم!!. في سوريا ليس ثمة أغلبية صامتة، بل أغلبية
مرعوبة، لكن الذين خرجوا ويخرجون هم
الأبطال الذين يعبرون عن ضمير الشعب،
فيما يعلم الجميع أن الجزء الأكبر من
الناس لا يتظاهرون في الأوضاع
الطبيعية لاعتبارات الظروف الخاصة
بهم، مثل طبيعة العمل أو النساء ذوات
الأطفال، أو الأطفال أنفسهم أو كبار
السن إلى غير ذلك. وفي سوريا تحديدا
عندما تخرج كل هذه الحشود التي لا
تجمعها سوى كلمة حرية، وحيث لا أحزاب
ولا تنظيمات حقيقية، وحيث مخاوف الموت
والاعتقال، فإن ذلك يؤكد أنها (أعني
الحشود) تعبر عن الأغلبية الصامتة أكثر
من الحشود التي يجري تجميعها بالتخويف
من أجل الهتاف بحياة الرئيس وبقاء حزبه
العظيم!! . ================= سورية: نريد يوم سبت بلا
جنازات عبد الباري عطوان 2011-05-27 القدس العربي قبل عشر سنوات
التقيت العاهل الاردني عبدالله الثاني
وكان معي الزميل بسام بدارين مدير مكتب
'القدس العربي' في عمان، استقبلنا
الملك عبدالله في مكتبه الخاص وابلغنا
انه سيتوجه صباح الغد الى دمشق للقاء 'صديقه'
الرئيس بشار الاسد، فسألته عن احواله،
اي الرئيس الاسد، وكان تسلم السلطة
لتوه من والده، فتنهد العاهل الاردني،
وقال: كان الله في عونه، لديه 17 جهازا
امنيا لا يعرف بعضها البعض، ولا تنسق
فيما بينها، مثلما هو مفترض. اتذكر كلام الملك عبدالله الثاني كل يوم
جمعة من كل اسبوع، حيث ينزل السوريون
الى ميادين بعض المدن وشوارعها
للمطالبة بالحريات الديمقراطية والحد
الادنى من الكرامة الانسانية،
فيواجهون برصاص قوات الامن التي تطلق
عليهم النار بهدف القتل الامر الذي
يؤدي الى سقوط عشرات الشهداء، ومئات
الجرحى، حيث يبدأ العدد في التصاعد
ساعة بعد ساعة. في اليوم التالي، اي يوم السبت، تنطلق
الجنازات لتشييع الشهداء الى مثواهم
الاخير، وفي ظل تفاقم مزيج من مشاعر
الغضب والحزن في اوساط المشيعين،
يزداد المشهد مأساوية اكثر فأكثر
عندما تنطلق الحناجر بالهتافات
الثائرة، ويرد عليها رجال الامن
بالرصاص، فيسقط المزيد من الشهداء،
وتتواصل الدائرة المرعبة. كسر دوامة العنف الدموي هذه مسؤولية
النظام السوري، لان رجالاته هم الذين
يطلقون الرصاص، وقادتهم هم اصحاب
القرار ومصدرو الاوامر الصريحة بالقتل
في محاولة يائسة لارهاب المتظاهرين،
والسيطرة على الاوضاع. نريد ان يمر علينا يوم جمعة واحد، فقط يوم
جمعة واحد بدون قتل، حتى نعيش سبتاً
واحداً دون جنازات.. نريد ان ترتاح قوات
الامن، او تأخذ اجازة، ولو مرة في
الشهر من ممارسة قتل ابناء شعبها، وبما
يتيح فرصة للسلطة والشعب للتفكير في
كيفية الخروج من هذه المأساة الدموية
التي تعيشها البلاد. ' ' ' الجميع يناشد الرئيس بشار الاسد بان
يتحرك ويتخذ القرارات المطلوبة لحقن
الدماء ووقف دوامة القتل هذه، بمن في
ذلك اصدقاء خلص له ولنظامه ولبلاده،
باتوا يشعرون بالحرج الكبير من جراء
تدهور الاوضاع، وانحدارها الى هذا
المستوى من العنف الدموي، ولكن الرئيس
يتجنب الاستماع الى اصدقائه، ويفضل
حسب اعتقادنا، الاستماع الى توصيات
قادة الاجهزة الامنية بالمزيد من
القتل باعتباره الاسلوب الامثل،
والاجدى، لانهاء هذه الانتفاضة
الشعبية الديمقراطية المشروعة. السيد وليد جنبلاط والصديق التائب حديثا
خرج عن صمته وتوسل الاصلاح، السيد رجب
طيب اردوغان الذي كسر الحصار عن سورية،
وادخلته في المقابل عبر بوابتها الى
المشرق العربي، في بادرة تعاون
استراتيجي تأخرت لعقود، تمنى على
الرئيس الاسد اتخاذ خطوات شجاعة
لاخراج سورية من ممارسات مرحلة الحرب
الباردة وايديولوجياتها الى حداثة
القرن الواحد والعشرين، وارسل اليه
وزير خارجيته وقادة اجهزته الامنية
لوضع خبراتهم لتسهيل وبناء جسور
الانتقال هذه، ولكن جاء الرد عليه
بتهجمات غير لائقة في صحف ومحطات تلفزة
احترفت في الفترة الاخيرة مهنة تحويل
الاصدقاء الى اعداء في لمح البصر. نتمنى على الرئيس بشار الاسد ان يزور
اقبية السجون والمعتقلات السورية
ليتعرف بنفسه على الاسباب التي دفعت،
وتدفع عشرات الآلاف من ابناء سورية
لكسر حاجز الخوف والنزول الى الشوارع
للمطالبة بالحد الادنى من الكرامة
والحريات، ومواجهة رصاص قوات الامن
بصدورهم العارية. اقول هذا الكلام بمناسبة ما كتبه الزميل
سليمان الخالدي مراسل وكالة رويترز
العالمية للانباء عن تجربته وما شاهده
خلال الايام الاربعة التي قضاها رهن
التحقيق في احد اقبية اجهزة المخابرات
السورية بتهمة بث اخبار كاذبة،
وممارسة الجاسوسية. فاذا كان شخص مثله،
يمارس مهنة الصحافة بموضوعية لاكثر من ثلاثين
عاما، في وكالة انباء دولية محترمة
ويواجه ما واجهه من اذلال ومهانة ويطلع
على حالات تعذيب لاناس معلقين من
ارجلهم في السقف، وفي حالة يرثى لها من
جراء التعذيب والصدمات الكهربائية
فكيف هو حال الاف من المعتقلين من
ابناء الشعب السوري البسطاء المعدمين
الذين تزدحم بهم زنازين اجهزة
المخابرات؟ المتحدثون باسم السلطات السورية يؤكدون
ليل نهار ان الاصلاحات قادمة، وان
قانوناً جديداً للاعلام وحرياته بات
على وشك التطبيق، والحال نفسه حول
التعددية السياسية، والغاء هيمنة
الحزب الواحد. هذا كلام جميل يثلج
الصدر، ولكن ما يكدره، اي صدرنا، هو
عدم وجود اي مؤشرات عملية على الارض
بان هذا التطبيق بات وشيكا بالفعل. ' ' ' كيف نصدق، ولنتحدث عن مجالنا ومهنتنا، ان
الحريات الاعلامية ستكون شعار المرحلة
القادمة، ونحن نرى مذيعة سورية مثل
رولا ابراهيم (قناة الجزيرة) وزميلتها
زينة يازجي في العربية تتعرضان لابشع
انواع الضغوط والتهديدات للاستقالة من
وظيفتهما والعودة الى البلاد فورا،
واذا رفضتا فان بيت الاسرة معرض للحرق،
وبيان بالبراءة منهما، من قبل ذويهما
جاهز للصدور، وفوق كل ذلك اتهامات
بالخيانة، ومطالبات بسحب الجنسية
السورية. لا يمكن ان نصدق ان الرئيس السوري الشاب
المثقف الذي تعلم في الغرب، ومتزوج من
سيدة فاضلة قضت كل فترات طفولتها
وشبابها في حي اكتون اللندني، يقبل
بمثل هذه الممارسات التي تسيء الى سمعة
سورية، وتصب المزيد من الزيت على نار
الاحتجاجات التي تواجهها حاليا. اجهزة الامن السورية، رغم عددها الضخم،
وتنوع اسمائها ومهامها، لم تتنبأ
مطلقا بالانتفاضة السورية هذه،
والاحتجاجات الضخمة التي انطلقت من
مدينة درعا في اقصى الجنوب، وفي منطقة
ظلت دائما معروفة بهدوئها وطيبة اهلها
وولائها للنظام. هذه الاجهزة التي لا تتوقف عجلة قتلها
وتعذيبها عن الدوران، لم تمنع اغتيال
الشهيدين عماد مغنية قائد الجناح
العسكري لحزب الله، واللواء محمد
سليمان الاب الشرعي للمفاعل النووي في
دير الزور، والتفجيرات الارهابية التي
استهدفت قلب العاصمة السورية وبعض
احيائها المعروفة. لا احد يريد هز استقرار سورية، واندلاع
حرب اهلية فيها، لا احد ينكر التضحيات
التي قدمتها من اجل قضايا الامة
العربية، ولكن الجميع في الوقت نفسه،
ونحن منهم، يريد انهاء المجازر
الدموية المرتكبة كل يوم جمعة، حفاظا
على سورية ودماء ابنائها.. وبدء عملية
الاصلاح السياسي فورا دون تلكؤ،
وتقديم كل الذين ارتكبوا هذه الجرائم
الى العدالة، عدالة تحت اشراف نظام
قضائي مستقل، وليس تحت اشراف اجهزة لا
تعرف غير القتل والتعذيب واهانة
المواطن السوري، وتحطيم ما تبقى من
كرامته. ================= في منطق الدعاية
السياسية للبعث السوري الحاكم الجمعة, 27 مايو 2011 سامر فرنجيّة * الحياة لم يكن مستغرباً أن يواجه النظام البعثي
الثورة السورية بالقمع والعنف، كاشفاً
حقيقته كنظام مستبد فاقد لأية شرعية
شعبية. ما لم يكن متوقعاً رداءة
الدعاية الرسمية التي واكبت القتل
والقمع. فعلى رغم الاستعانة بشركة
علاقات عامة والعمل الدؤوب لسنوات على
تحسين صورته، أصّر النظام ومؤسساته
الإعلامية على اتّباع الأسلوب الذي
اتّبعه باقي الأنظمة العربية. فمن حبوب
الهلوسة التي استورد قصتها من نظيره
الليبي، وإن عدّلها باعتبار الحبوب
مرسلة من «محطة الجزيرة»، إلى التأكيد
على أن الناس تحتشد في الشوارع لتشكر
ربّها على الأمطار، تبيّن أن النظام
إمّا يستخف بعقول السوريين، أو أنه
يريد ارتكاب انتحار خطابي. والرداءة لم
تقف هنا. فوفق التلفزيون السوري، تتعرض
منطقة تلكلخ للقصف من قبل سكان وادي
خالد، ويحتكر رامي مخلوف قطاع
الاتصالات في سورية لمنع خرقه من قبل
الإسرائيليين، ناهيك عن مقولة
المؤامرة التي تتسع لتضم كل من لمّح
تلميحاً إلى النظام السوري في يوم ما. لقد فسّر البعض هذا الأسلوب بأنه نتيجة
قلة المهنية لدى الإعلام الرسمي. فضعف
الإمكانات والخبرات أسباب يمكن أن
تفسّر هذه الرداءة وضعف فعاليتها، هذا
إذا فسّرنا الفعالية بمدى الإقناع
وإكساب النظام شرعية. لكن هذا التفسير،
وإن انطوى على قدرٍ من الحقيقة، لا
يفسّر سخافة الرواية الرسمية. فأن يكذب
النظام مفهوم، لكن سخافة الكذبة غير
مبررة، لا سيما أن هذا الأسلوب يُفقده
ما تبقى له من شرعية، جاعلاً الدفاع
عنه أصعب، وهو ما يشكو منه بعض داعمي
النظام السوري اللبنانيين. ... انطلقت ليزا وادين من تساؤلٍ مشابه في
كتابها عن الدعاية السياسية في سورية «السيطرة
الغامضة: السياسة، الخطاب والرموز في
سورية المعاصرة» الذي ترجم إلى
العربية العام الماضي (دار رياض الريس).
فهي بدأت بالسؤال عن إصرار نظام الأسد
الأب على تكرار دعاية رديئة وغير مقنعة:
«في سورية، من المستحيل ألا يكتشف
الإنسان الفارق بين ما يطلق عليه علماء
الاجتماع، تأسّياً بماكس فيبر، ما
يمكن أن يوصف بالنظام الكاريزماتي،
ذلك النظام الذي ينتج الولاء، وبين
الصورة الزائفة للنظام النقيض الذي
يثير القلق». وتكمل بالمفارقة التالية:
«إذا كان هدف «تبجيل الأسد وتعظيمه»
خلق كاريزما أو إيجاد اعتقاد شعبي،
فظاهرة تقديس الأسد لا تبدو فعالة. ومع
هذا تعتبر القيادة السورية أن ظاهرة
تقديس الحاكم تساوي الاستثمار في
الوقت والمال». وتفسّر وادين هذه الظاهرة بالتمييز بين
الشرعية والمُطاوَعة. فالدعاية
الرسمية وظاهرة التقديس لا تهدفان إلى
إنتاج شرعيةٍ، بل إلى فرض مستوى من
المطاوعة الظاهرة: «تعمل ظاهرة تقديس
الأسد كأداة ضبط، تفرز سياسة الخداع
العام التي من خلالها يتصرف المواطنون
كما لو أنهم يحترمون قائدهم». وعلى رغم
لا عقلانيتها للوهلة الأولى، فإن
سياسة «كما لو» فعالة سياسياً وفق
وادين: «إنها ترسم خطوطاً عريضة للحديث
والسلوك المقبولين، وتحدد وتضع قواعد
أي نوع من العضوية الوطنية (أي مَن
عنده، من وجهة نظر النظام ،انتماء
للوطن)؛ وتخصص كيفية فرض الامتثال،
وتحرض على المشاركة من خلال اختراع
ممارسات تحيل المواطن إلى مشارك في
الطقوس، بما يدعم المعايير المشكّلة
لسيطرة الأسد، وتعزل السوريين بعضهم
عن بعض، وتزحم الفضاء العام بشعارات
وإيماءات زائفة ومتعبة لمن ينتجها
ويستهلكها على حد سواء». وهي استنتجت من دراستها نقطتين: أن النظام
يهدف إلى الحصول على مستوى ما من
المطاوَعة وليس إلى كسب شرعية تنمّ عن
اقتناع الشعب بتصرفاته، وأن فعالية
هذه الدعاية لا تكمن في مضمونها
اللفظي، بل في قدرتها على إرغام الناس
على التقيّد بها مهما كانت سخيفة. هكذا
تكتب وادين: «في حالة سورية، فإن إنتاج
الفكرة في الممارسات المحددة للعبارات
المزيفة بوضوح أو الشعارات المتهالكة
لا يتم بالطريقة التي يُعبر عنها صراحة
- الأسد ليس هو «الصيدلي الأول» بأي
معنى حرفي ذي دلالة. لكن الأسد قوي لأن
نظامه قادر على إكراه الناس على أن
يكرروا ما يثير السخرية ويجاهروا بما
لا يقبله العقل». فالمشاركة في عروض
النظام ودعايته الرسمية وسرديته
السياسية لا تنطوي على اقتناع
بصوابيتها، ولن يتوقع أصلاً النظام
هذا الاقتناع من مستهلكي تلك الدعاية.
فقوته ليست في قدرته على الاقناع بل في
قدرتة على إرغام الناس على المشاركة في
الممارسات والخطابات الرسمية، وهي ما
يعرف الكل أنها لا تعني ما تدل عليه.
وهذا ليس ضرباً من السادية، وإن كان
ينطوي على شيء منها، بل له فعاليته
بإرساء شيء من انفصام الشخصية الملغي
للسياسة. وتسلط وادين الضوء على جانبٍ مهمٍ من
سيطرة نظام البعث، وإن لم يكن الأهم في
منظومة قمعه المديدة. وهي تقدم تحليلاً
يمكن أن يفسر ممارساته الحالية
ودعايته الرسمية. فبالتأكيد يعلم
النظام أن الناس لم تحتشد في الشوارع
لتشكر ربّها على الأمطار، ويعلم أيضاً
أنهم لن يصدقوا هذه الرواية مهما حاول
ترويجها. لكن هدف الرواية ومجمل
الدعاية الرسمية ليس إقناع الشعب
السوري أو غيره، بل فرض هيبة النظام أو
محاولة إعادة فرضها بإرغام الناس على
التقيّد، ولو ظاهراً، بمقولات تناقض
أبسط معتقداتهم. فوظيفة هذه الدعاية إذاً إجبار من لا يزال
واقفاً مع النظام على أن يستبدل كل
أسبابه، التي يمكن أن تكون مقنعة،
بدعاية النظام التي لا يبررها إلا
الخضوع. فهو لم يبحث عن حجج لتبرير
موقفه بل عن إشارات للطاعة في لحظة
ضعفه المتزايدة. وليس من إشارة أكثر
تعبيراً من التقيّد برواية تبررها
فحسب الطاعة المطلقة. وفي هذا الأسلوب
يتشابه النظام السوري مع الأنظمة
الإشتراكية. فوفق الفيلسوف السلوفيني
سلافوي جيجك: «الطاعة الحقيقية
الوحيدة طاعة «خارجية»: الطاعة
المستمدة من القناعة ليست طاعة حقيقية
لأنها متأثرة بموضوعيتنا - أي أننا
حقيقة لا نطيع السلطة، لكننا ببساطة
نتبع حكمنا الذي يخبرنا بأن السلطة
تستحق الطاعة لأنها جيدة، وحكيمة،
ومحسنة». فالنظام يبحث الآن عن «طاعة
حقيقية» وليس عن طاعات فعلية تنمّ عن
ذاتيات مستقلة لم يعترف النظام بها في
الماضي، ولا يستطيع الاعتراف بها
حاضراً. فقد أصبح في وضع لا يستطيع معه
تحمّل دعمه على أسس قد تكون عقلانية،
مدركاً أن ذلك الدعم سيبقى مشروطاً
بمعايير خارجة عن سيطرته. هكذا يغدو
الخيار بين الثورة السورية ودعاية
الإعلام السوري، ولا خيار ثالثاً
متاحاً. وقد وقع في فخ هذه الدعاية بعض داعمي
النظام السوري «النقديين» في لبنان
الذين نصحوه بالاصلاح وبالكف عن تلك
الدعاية السخيفة، ليس فقط دفاعاً عن
النظام بل أيضاً عمّا يمكن أن يشكل بعض
مصادره الموضوعية للقوة، كموقفه
الممانع أو دوره الإقليمي. لكن تجاهُل
النظام نصائحهم واستمراره في دعايته (وصولاً
إلى توبيخهم أحياناً) يدلان على حاجته
لطاعة غير عقلانية ولدعمٍ غير نقدي.
فكما كتب جيجك، واصفاً الأنظمة
الإشتراكية: «ما يريده فعلياً النظام
هو موقف كلْبيّ من أيديولوجيته
الرسمية. فالكارثة الأكبر للنظام هو أن
تؤخذ أيديولوجيته جدّياً وأن يحاول
رعاياه أن يطبقوها». هنا تظهر السذاجة الثورية، الداعمة «نقدياً»
أو التي تتوهّم نفسها كذلك، كغطاء
للإجرام، وإن ظل المجرم يرفضها. وإذا
لم يكف توبيخ النظام لهم، جاءهم تصريح
رجل الأعمال الممانع لكي يؤكد أن بين
تصرفات النظام وأيديولوجيته فجوة يمضي
الكثيرون في الوقوع فيها. ================= سورية: النظام من
الإصلاح إلى الإلغاء السبت, 28 مايو 2011 جورج طرابيشي * الحياة لأبدأ بهذه المصارحة للقارئ: فلكم قاومت
الرغبة وأنا أقرأ خطابَي أوباما
المتتاليين عن التطورات الثورية
المستجدة في العالم العربي، واللذين
أنهى ثانيهما بدعوة الرئيس بشار الأسد
إلى إنجاز الإصلاحات الموعودة أو
التنحي، أقول: لكم قاومت الرغبة في
كتابة رسالة مفتوحة إلى الرئيس
الأميركي أعيد فيها وضع بعض النقاط على
الحروف بصدد أزمة الانسداد
الديموقراطي في العالم العربي،
وتحديداً في القطر السوري، والعوامل
التي قدّمت اللبنات الأولى لبناء نسخة
سورية من «الستار الحديدي» السوفياتي
أو «الجدار العازل» الإسرائيلي بهدف
قطع الطريق أمام كل إمكانية للتواصل مع
سيرورة الدقْرَطة المنداحة موجتها في
كل مكان آخر من العالم باستثناء العالم
العربي، وفي المقدمة منه القطر السوري. وبديهي أني لم أكتب تلك الرسالة المفتوحة.
أولاً لأنها غير مجدية، وثانياً لأنها
تتطلب قدرة على الادعاء لست أملكها،
وثالثاً، ولكن في المقام الأول، لأن
مثل تلك الرسالة يمكن أن تُستخدم كحجة
تضاف إلى جملة الحجج الموظّفة في تغذية
وتبرير ذلك المشجب الكبير الذي كانت
ولا تزال تُعلّق عليه قضية الانفتاح
الديموقراطي في ما كان يُسمّى بدول
المواجهة، القريبة منها (مصر وسورية
والأردن) والبعيدة (العراق وليبيا) على
حدّ سواء، وفي المقدمة منها سورية
بطبيعة الحال. مع العلم أن ذلك المشجب
اللاجم للسيرورة الديموقراطية بقي
شديد الفاعلية حتى في الدول التي
انسحبت من المواجهة، وفي المقدمة منها
مصر الساداتية والمباركية. ماذا كانت ستقول تلك الرسالة التي لم
أكتبها؟ بلى، إن الرئيس أوباما محق إذ يندّد
بالاستخدام المفرط للعنف من قبل أجهزة
النظام في قمع تطلعات شعب سورية إلى
الانعتاق الديموقراطي. ولكن ما يغيّبه
تماماً عن وعي سامعيه هو السيرورة
التولّدية والتضخمية لهذا النظام
عينه، وهي سيرورة تتحمل فيها الولايات
المتحدة الأميركية نفسها، بعد أن آلت
إليها قيادة الغرب، مسؤولية لا يمكن
إسقاطها من المحصلة النهائية للحساب. ولنستعد القصة من أولها. سورية، قبيل الاستقلال وبعيده، كانت
نموذجاً مبكراً وغير مسبوق في المنطقة
العربية لدولة ديموقراطية، أو على
الأقل لدولة واعدة ديموقراطياً. ولكن
هذا الوليد السوري ما لبث أن وئد في
مهده. فعقب الهزيمة العربية أمام «الدويلة»
الإسرائيلية عام 1948 عصفت بسورية موجة
تسونامية متتالية الحلقات من
الانقلابات العسكرية تمخّضت عن تضخّم
متسارع وغير مسبوق في تاريخ المنطقة،
وربما في العالم: ففي سنوات قليلة لا
تزيد على العشر تحوّل الجيش السوري إلى
واحد من أكبر جيوش العالم قياساً إلى
تعداد السكان. وفي البداية تقبّل الشعب
السوري هذا التضخم وتحمّل كلفته
الباهظة بقدر ما تبدّى له – وهو الشعب
الحامل للوعي القومي العربي الأكثر
تطوراً في حينه – أنّ تلك هي الضريبة
التي لا بد من دفعها التزاماً منه بعبء
المواجهة. ولسنا هنا بصدد عرض تاريخي معروفة
تفاصيله للجميع. وكل ما نريد قوله،
باختصار شديد، هو أن تلك السيرورة
التضخمية للمؤسسة العسكرية قد آلت إلى
سلسلة متوالية ومتضامّة الحلقات من
الابتلاعات: ابتلاع الجيش للمجتمع،
وابتلاع الدولة من قبل ما بات يُعرف
باسم «النظام»، ثم ابتلاع الجيش نفسه
بقدر ما تمّ تحويله من جيش وطني إلى جيش
«عقائدي»؛ وبالتوازي والتضافر،
ابتلاع حزب البعث نفسه بقدر ما تمّ
تحويله من إفراز سياسي – طليعي في حينه
– للمجتمع المدني إلى أداة متحكم بها
لمصادرة كل إمكانية لتطور ذاتي لذلك
المجتمع المدني إياه. بل أكثر من ذلك بعد: فإن تلك المهمة التي
طُوّرت من أجلها المؤسسة العسكرية
السورية إلى حد التضخم والتي تحمّل
الشعب السوري في سبيلها ما تحمّل قد
جرى إسقاطها بدورها من جدول الأعمال
المعتمد من قبل النظام. فمنذ 1973 غدت
الجبهة السورية هي الجبهة الأكثر
صمتاً مما تبقى من جبهات دول المواجهة،
وإن يكن هذا الصمت قد اصطُنعت مقابله
جبهة صاخبة على حدود الحلقة الأضعف من
حلقات المواجهة، أعني اللبنانية. بل أكثر وأكثر من ذلك بعد: فمعادلة
المواجهة قُلبت رأساً على عقب، أي
بدلاً من المواجهة الافتراضية غدت
المهمة الواقعية تصميت الحدود
وإخراسها، وهذا إلى حدّ لم يمنع أحد
أعمدة النظام من أن يطلق مؤخراً تصريحه
الذي أحرج النظام نفسه بتأكيده أن
ضمانة استقرار إسرائيل هي استقرار
سورية نفسها. هنا تحديداً تفرض نفسها مهمة إعادة قراءة
لأبجدية العلاقة بين الدولة والنظام
لأن أكثر ما ميّز سورية خلال الأربعين
سنة الأخيرة هو انقلاب هذه العلاقة
لمصلحة تغييب شبه مطلق للدولة وإحضار
شبه مطلق للنظام. والحال أنه ما دام مدار كل العاصفة التي
تعصف بسورية اليوم هو على المطلب
الديموقراطي، الذي تقدّم بالنسبة إلى
الشعب السوري على أي مطلب آخر، فلنقل
إن العلاقة بين الدولة والنظام قد آلت
في الحالة السورية إلى محض علاقة ضدّية.
فلم يعد يكفي أن نقول إن الدولة شيء
والنظام شيء آخر، بل لا بد أن نضيف أن
أزمة المجتمع السوري تعود حصراً إلى
ابتلاع النظام للدولة، واستتباع
سلطتها لسلطته، وبتعبير أقل تجريداً:
تغييب السلطة الافتراضية للقانون
ممثلاً برجل الشرطة، وإحضار السلطة
الواقعية وفوق القانونية للنظام
ممثلاً برجل المباحث كما كان يقال في
جيلي، أو بعنصر الأمن السياسي كما بات
يقال بلغة أكثر معاصرة. وإذ يقف النظام والدولة على هذا النحو على
طرفي نقيض، وإذ تغدو الدولة مستتبعة
للنظام بدلاً من أن يكون النظام عاملاً
في إمرة الدولة، فلنا أن نفهم لماذا
يستحيل أن يكون النظام ديموقراطياً.
فلئن تكن الديموقراطية هي بالتعريف
المعجمي حكم الشعب، فإنها بالتعريف
القانوني تقديم سلطة الدولة المجردة،
والعادلة بحكم تجريدها، على كل سلطة
مشخّصة، وغير عادلة بالضرورة بحكم
تشخّصها، سواء كانت سلطة فرد أم أسرة
أم حزب أم طائفة. من هنا لامنطقية فكرة «إصلاح النظام».
فبصرف النظر عن الغاية التخديرية التي
قد تكون – وهي كائنة حتماً – وراء
إطلاق مثل هذا الشعار، فإن التجربة
التاريخية، التي قدّمت العينات
الهتلرية والستالينية والتيتوية
والناصرية والصدامية والقذافية أشهر
نماذجها في القرن العشرين، تثبت أن
النظام أياً كانت طبيعته وواجهته
الأيديولوجية لا يقبل بأي خيار آخر سوى
تأبيد نفسه. والحال أن الديموقراطية هي بالتعريف
تداول السلطة من دون أن تتعداه إلى
الاستيلاء على الدولة. والسبيل الوحيد
أمام أي نظام إلى إصلاح حقيقي لنفسه هو
إلغاء نفسه وردّ الاعتبار، كل
الاعتبار، إلى الدولة التي يكون قد
صادرها لمصلحته. وباستثناء الاستثناء اللبناني الذي
أرغمته تعدديته الدينية والطائفية على
التوافق على ضرب من التداول والتقاسم
للسلطة (وعلى أي حال بين العائلات وليس
بين الأحزاب بالمعنى السياسي للكلمة
كما تفترض الديموقراطية)، فليس في
العالم العربي، المأسور لأنظمته على
اختلاف طبائعها وأسمائها، دولة
ديموقراطية واحدة، وأقلّه بانتظار
النتائج التي ستسفر عنها الثورتان
الشبابيتان التونسية والمصرية اللتان
يتهددهما احتمال «سرقتهما» بالسقوط من
جديد في أسر نظام يعطي لنفسه الأولوية
على الدولة. وفي ما يتعلق بالنظام السوري تحديداً فإن
أقل ما هو مطالَب به مرحلياً، تمهيداً
لإصلاح نفسه، أي إلغاء نفسه بنفسه في
خاتمة المطاف، هو إقرار التعددية
السياسية والحزبية التي تقتضي، أول ما
تقتضي، إلغاء المادة الثامنة من
الدستور التي تنص على قيادية حزب البعث
للدولة، وإطلاق حرية الإعلام في زمن
غدت فيه هذه الحرية، بفضل الثورة
الإنترنتية، هي المقياس والضمانة لكل
حرية أخرى. وأخيراً، وليس آخراً بطبيعة
الحال، إلغاء جميع مظاهر عبادة
الشخصية، وإزالة الصور والتماثيل
والشعارات من الشوارع والساحات
العامة، وحصر وجود صور رئيس الجمهورية
بالمؤسسات الحكومية على أن تكون
متواضعة الحجم وقابلة للتغيير مع
انتهاء ولاية كل رئيس طبقاً لما سينص
عليه الدستور بخصوص تجديد الولايات
والتداول الدوري للسلطة. وحرصاً على تداول سلمي وديموقراطي للسلطة
يجنّب سورية، المتعددة قومياً ودينياً
وطائفياً، مهلكة الحرب الأهلية –
وربما التقسيم – فإن الدور الذي ينتظر
الرئيس الأسد، الذي يقال لنا إنه كان
سبّاقاً منذ توليه السلطة إلى رفع شعار
الإصلاح، هو أن يجمع في شخصه، بالإحالة
إلى تجربة النظام السوفياتي على
الأقل، بين غورباتشوف ويلتسن معاً،
ليجعل من إصلاح النظام مقدمة لإلغائه. ولكن السؤال، كل السؤال: هل ذلك ممكن؟ ليس في التاريخ مستحيل، وإن يكن التاريخ
نفسه يقدّم أمثلة لا تحصى على أن دعاوى
إصلاح النظام من داخله تكون محكومة في
غالب الأحيان بمنطق المناورة، أو
عاجزة إذا كانت صادرة عن نية صادقة. وأياً ما يكن من أمر فإن الشعب السوري
الذي دل على شجاعة منقطعة النظير
ولامتوقعة - على الأقل بالنسبة إلى
كاتب هذه السطور الذي عاش ولا يزال في
المهجر منذ أربعين سنة – لم يعد يقبل
بأي خيار آخر: بلى لإصلاح النظام إذا
كان مقدمة لإلغائه، ولا لإصلاح النظام
إذا كانت الغاية منه تأبيده. *** هنا تحديداً تفرض نفسها العودة إلى مشروع
الرسالة المفتوحة برسم الرئيس أوباما.
فحلمه بقيام شرق أوسط عربي ديموقراطي
لا يمكن أن يكون - بصرف النظر عن
النيّات والمخططات – موضع اعتراض من
قبل أحد. بل أكثر من ذلك: فهو موضع
ترحيب، إذ إن العالم العربي هو، أولاً
وأخيراً، جزء من العالم. والعالم اليوم
عالم يضع الديموقراطية في أعلى سلّم
قيَمه السياسية. ولكن الشرق الأوسط
يمثل مع ذلك حالة لها خصوصيتها.
فالديموقراطية نبتة غير مؤهلة للنماء
في تربة حربية. والشرق الأوسط العربي،
وبخاصة جناحه السوري، ما زال منذ 1948،
وعلى الأخص منذ 1967، في حالة حرب ولو
موقوفة عن القتال. وحالة الحرب تربة
مولّدة لجراثيم الديكتاتورية، وهذا
إلى حدّ أن الأنظمة الديكتاتورية
ذاتها غالباً ما تبقي عليها قائمة حتى
تشرْعِن نفسها بقدر أو آخر في نظر
مواطنيها، أو بتعبير أكثر مطابقة
لواقع الحال في سورية كما في معظم
الأقطار العربية الأخرى: رعاياها. وقد يكون النجاح السلمي النسبي للثورة
الشبابية المصرية يدين بعض الدينونة
لكون مصر قد استعادت سيناءها. ولا شك في
أن عدم استعادة سورية لجولانها قد جرى
توظيفه من قبل النظام لإبقائها معزولة
عن سيرورة الدقْرَطة المنداحة موجتها
عالمياً منذ سقوط المعسكر السوفياتي. ومن هنا بالتحديد تقع على عاتق الرئيس
أوباما، بوصفه رئيساً لأقوى دولة في
العالم، مسؤولية عقد قران غير قابل
للفصم بين شرق أوسط ديموقراطي وشرق
أوسط سلمي. ولقد كانت آمال العديدين من
الديموقراطيين العرب قد انعقدت على
أوباما منذ أن أعلن من بداية ولايته
أنّ وضع خاتمة للصراع الإسرائيلي –
الفلسطيني (– السوري) يأتي في مقدمة
أولويات الدبلوماسية الأميركية. ولكن
ها هي ولايته الأولى على وشك الانقضاء
من دون أن يكون وفى بشيء من عهده. بل
لنقل إنه أخلف وعده طبقاً لرواية
الرئيس محمود عباس، إذ قال: لقد طلب منا
الرئيس أوباما أن نصعد معه الشجرة،
فصعدنا، فما كان منه إلا أن نزل، ثم سحب
السلم أيضاً. وليس يدري أحد ما إذا كانت ولايته ستتجدد.
ولكن سواء نجح أم أخفق، فإن إيجاد حل
سلمي وعادل بقدر الإمكان للصراع
الإسرائيلي – الفلسطيني – السوري
يبقى هو الضمانة التي لا مناص منها
لنماء النبتة الديموقراطية وعدم
انتكاسها في ما كان يُعرف سابقاً باسم
دول المواجهة. ولأعترف مرة أخرى وأخيرة
بأنني لست متفائلاً بهذا الخصوص. وحسب
القارئ أن يكون شاهد على القنوات
التلفزيونية الكيفية التي استُقبل بها
نتانياهو بالأمس في الكونغرس الأميركي:
فشخصياً لم يستحضر هذا المشهد
التهريجي إلى ذهني سوى مشهد ما يسمى
بمجلس الشعب السوري وهو يستقبل رئيس
الجمهورية. ================= عبدالرحمن الراشد الشرق الاوسط 28-5-2011 يقال إن مسيحيي سوريا في فزع من الأحداث
دفعهم إلى إلغاء حفلات الزواج،
والامتناع عن إرسال أطفالهم إلى
المدارس، وسحب مدخراتهم من البنوك.
المتطرفون الإسلاميون آتون، هذه هي
الفزاعة التي جعلت بعضهم يتقوقع في
بيته وآخرين يتقدمون الصفوف للدفاع عن
النظام، والأقل حيلة يصلي للرب أن ينجي
النظام ويمد في عمره. لماذا هذا الخوف
كله والتقوقع؟ في سوريا، المسيحيون أقلية، مليون ونصف،
ومثل كل الأقليات هم في قلق من إسقاط
النظام الحالي، مع أن بعض رموزهم من
رواد المطالبين بالإصلاحات السياسية،
مثل ميشال كيلو الذي بدأ نشاطه منذ نحو
عشر سنوات وسجن بسببه. وما حدث
للمسيحيين في العراق من قبل، ويحدث
الآن في مصر، يثير خوفهم من المستقبل
ويجعلهم يتشبثون بالنظام مهما كان
ديكتاتوريا وظالما. في مصر، المسيحيون أقلية كبيرة، ثمانية
ملايين قبطي. كانوا يشتكون من حكم
مبارك بأنه تعسف في استخدام نظام
الطوارئ في معالجة المواجهات
الطائفية، ورفض إلغاء الديانة من
الهوية، واضطهدهم كما يقولون بقوانين
تمنع بناء الكنائس وغيرها مما جعل بعض
الأقباط يشنون خلال السنوات الأخيرة
حملة ضد نظام مبارك في الولايات
المتحدة. في حين أن مسيحيي العراق
الذين تعايشوا مع نظام صدام صاروا هدفا
بعده، لكن المجتمع كله كان مستباحا لا
المسيحيين وحدهم. صحيح أنهم عانوا لكن
الحقيقة الكاملة أن فئات المجتمع كلها
عانت كثيرا من الفراغ السياسي. في سوريا ولبنان يتم ترويع المسيحيين
بأنهم مستهدفون من الشارع، وذكر مراسل
«واشنطن بوست» أن النظام يشيع أن هناك
جماعات سعودية وعراقية متطرفة تنوي
تفجير كنائسهم، مثلما أشاع أن هناك
متطرفين مسلحين يطلقون النار على
المتظاهرين العزل، أكاذيب هدفها واضح
وهو حشد التأييد ضد الانتفاضة. وهنا
يجد المسيحيون أنفسهم إما مع دعم نظام
قمعي أو مناصرة بديل تريده أغلبية
الناس. وقطعا يكون التفكير قاصرا إن
راهنت أي أقلية على نظام قمعي لأنه
سيسقط في نهاية المطاف. الخيار المثالي
في سوريا أن يعالج النظام السوري نفسه
وينتقل إلى نظام يستوعب الجميع يكون هو
جزءا منه، لكن يبدو أن هذا أمر بعيد
المنال. ولا ينبغي أن نحمل المسيحيين في الأزمة
السورية أكثر من طاقتهم فتأثيرهم أضعف
من إسقاط النظام أو إنقاذه، فالأغلبية
هي الأكثر حظا في الحسم، لكن موقفهم
يظل رمزيا. المشهد في مصر ليس جميلا، حيث انقسم
الأقباط مثل بقية الشعب المصري،
وانسجموا لاحقا مع التغيير، لكن
الثورة أفرزت كوابيس لهم، حيث أحرقت
لهم كنائس، وتقاتلوا مع متطرفين
إسلاميين على فتاة قيل إنها أسلمت.
المشكلة في الفراغ السياسي الذي هو
أخطر ما يمكن أن يواجه أي مجتمع متعدد
وفي مصر درس للجميع. وأنا واثق أن
المصريين سيتجاوزون مخاض المرحلة. ولأن حديث الثورات تختلط فيه المخاوف
والآمال فإن أعظم ما يمكن أن تحلم به أي
أقلية، مسيحية كانت أو علوية أو شيعية
أو سنية أو غيرها، ليس حكومة عادلة بل
حكم عادل يمنحها حقوقها كاملة في
التعبد والتساوي في الحقوق المدنية.
ومن مستوجبات العدالة في الدولة
العصرية أولا دستور يحمي الأقليات،
فلا تكون الأغلبية قادرة على اضطهادهم
باسم الديمقراطية العددية أو الغلبة
الدينية. الذي أعنيه هو أن المسيحيين ليسوا جماعة
طارئة، هم أهل أرض ولهم تاريخ سابق حتى
للمسلمين، ويرتكبون خطأ فادحا
بالاحتماء بأنظمة ديكتاتورية خشية
الخوف من المستقبل المجهول. في سوريا النظام لم يحم المسيحيين من
المسلمين لأن الأغلبية السنية لم تعان
من اضطهاد ديني أصلا. ويجب أن نعترف أنه
ليس صحيحا أن النظام حرم السنة من
حقوقهم الدينية، أو مارس سياسة تمييز
طائفية ضدهم. فالذين يتظاهرون ضد نظام
الأسد لا مطالب دينية لهم، مطالبهم من
درعا وحتى دمشق لخصوها في كلمة واحدة «الحرية»،
بما فيها حرية اختيار النظام. فالنظام
نفسه يحكمهم باسم الحزبية والانتخابات
التي يعتبرونها واجهات مزورة. وللحديث بقية. ================== عندما أحرق السوريون صور
نصر الله طارق الحميد الشرق الاوسط 28-5-2011 رد السوريون سريعا على الدعوات التي
أطلقها قبل أيام زعيم حزب الله وطالبهم
فيها بضرورة الوقوف مع النظام السوري «المقاوم
والممانع»، بحسب قوله، وجاء الرد
السوري الشعبي بإحراق صور حسن نصر الله
نفسه في جمعة «حماة الديار». وهذا الرد ليس الأول من نوعه، بل قبله كان
الشعار الذي ردده المتظاهرون السوريون
ويقول: «لا إيران ولا حزب الله.. بدنا
واحد يخاف الله»، وهذا يعني أن قراءة
حزب الله، وقياداته، للانتفاضة
السورية خاطئة، كما كانت قراءتهم
خاطئة لباقي أحداث المنطقة. ونقول
خاطئة، وإلا لما خرج نصر الله قبل أيام
يدعو السوريين إلى «الحفاظ على بلدهم
ونظامهم المقاوم والممانع»، فيخرج
السوريون ليحرقوا صوره بعدها بأيام
قليلة جدا! وعليه، فنحن هنا أمام عدة احتمالات؛ فإما
أن نصر الله يصدق الرواية الرسمية
السورية، وهذا أمر لا يصدق. ولكن إذا
كان بالفعل يصدق الرواية الرسمية، فلا
عذر له اليوم بعد أن رأى إحراق صوره في
سوريا، بل واجبه نصح النظام السوري
بأنه من المفروض اليوم تغيير الخطاب
الإعلامي الرسمي، والاحتمال الآخر أن
نصر الله لا يشاهد إلا قناة «المنار»،
وبالتالي فإن على قيادات الحزب أن
يقوموا بتغيير القناة عبر الريموت
كنترول، مثل المشاهدين العرب الذين
غيروا ريموتهم منذ احتلال حزب الله
لبيروت. وبالطبع يجب ألا يشاهد قياديو
الحزب قناة «العالم» الإيرانية، فذلك
يعني أن لا شيء قد تغير، بل يجب مشاهدة
محطات محترمة، ولا بد طبعا من قراءة
الصحف، حيث تمنحهم العمق، وتساعدهم
على التفكير. هذا ليس تهكما، بل إنه المنطق. فلو تنبه
زعيم حزب الله للأخطاء التي ارتكبها
بتدخله في الشأن السوري لاتفق مع هذا
الكلام. ففي خطابه الأخير أراد نصر
الله أن يقول إن حزبه لا يتدخل في
سوريا، لكن خطابه بحد ذاته كان تدخلا
صارخا في الشأن السوري، ودفاعا فعليا
عن النظام ضد الشعب المقموع. ويكفي أن
حزب الله وحده في منطقتنا الذي أدان
فرض عقوبات على النظام السوري ورموزه،
رغم كل ما يحدث للشعب السوري! والأمر الآخر الذي لم يتنبه إليه نصر الله
هو أنه لم يعد هناك قيمة لخطاباته،
سواء أنها تحولت لمصدر إدانة للحزب، أو
كونها تضره أكثر ما تفيده، وهو أمر
يثبت يوما بعد آخر. فقيادات الحزب لم
تتنبه بعد إلى أن الحزب بات معزولا
اليوم في المنطقة، ومعه إيران الغارقة
في انقساماتها. والأدلة على عزلة حزب
الله كثيرة حيث لم يستطع الحزب تشكيل
حكومته في لبنان إلى اليوم، ومنذ أربعة
أشهر، وما زالت تطارده محكمة الراحل
رفيق الحريري، وها هم السوريون
ينتفضون ضد النظام الحليف له ولإيران،
ويحرقون صوره أيضا، وها هي حماس تدخل
مرحلة «الاعتدال الإيجابي» بعيدة عن
الحزب وإيران وسوريا! لذا، فمن الواضح اليوم أن حزب الله لم
يستطع رؤية كل ذلك، أو هو غير مصدق من
هول الصدمة. لكن بعد إحراق صور نصر الله
نفسه في سوريا، لم يعد هناك عذر للحزب
حيث علق الشعب السوري الجرس لهم،
ولآخرين بالطبع. ================== سورية واليونيفيل...
وصناعة الخوف اللبناني علي الامين "البلد" 28-5-2011 1200 قتيل وما يزيد سقطوا في سوريا خلال
شهرين ونصف الشهر تقريبا، ولم يبادر
النظام هناك إلى ما يظهر انه اقتنع
اخيرا بأنه يستمر في السير بعكس
التاريخ، لا خارجه فحسب. ولعل اشد ما
يتعرض له النظام السوري ليس
الاحتجاجات الداخلية او الضغوط
الخارجية، بل محاولة صناعة الخوف من
سقوط “النظام” ، وهي وسيلة باتت وحيدة
يظنّ أصحابها انها كفيلة بلجم
المعترضين وجذب الانصار اليهم. هكذا انشغل بعض اللبنانيين ببث المخاوف
فيما لو سقط النظام في سوريا، بفعل
الاحتجاجات الداخلية. وراح العديد من
القوى المسيحية يطرق ابواب السفارات
الغربية محذرا اياها من ان تنجر دولها
نحو اي عملية تودي بهذا النظام، لانها
بذلك تكون قد ساهمت في القضاء على ما
تبقى من مسيحيين في سوريا ولبنان،
وربما الشرق كلّه. وصناعة الخوف المسيحي هي الوجه الآخر من
صناعة الخوف الشيعي، والعقل ذاته الذي
نظّر له بعض المسيحيين والشيعة من ان
حلف الاقليات، وبقبعة علوية، هو
الكفيل بحماية الدور المسيحي والشيعي
في لبنان والمنطقة. ويكفي لتأكيد ذلك
النظر الى ادبيات التفاهم بين التيار
الوطني الحر وحزب الله على هذا الصعيد،
والتي كانت وسيلة في تبرير تجاوز دور
الدولة كحام وراع لمواطنيها الى دولة
الراعية او الوصاية التي نفذت من بوابة
حلف الاقليات. منذ حرب العام 2006 ترسخت هذه الفكرة، بعدما
نجحت المقاومة بجهود قيادتها
واعدائها، لتتحول من مقاومة للاحتلال
الاسرائيلي في الوعي العام، الى قوة
شيعية في اللاوعي الشيعي والوطني
والقومي. وجاء موقف الامين العام لحزب
الله السيد حسن نصرالله الداعم للنظام
السوري والمستهين بحركة الاحتجاجات
ضده في ذكرى التحرير، ليرسخ هذه
الحقيقة. ففي زمن الثورات العربية التي نعيشها
اليوم، يصبح من غير المفهوم، ومن غير
الجائز ايضا، ان تقف المقاومة،
باعتبارها حركة تحرر وحرية، الى جانب
نظام تصفه بالممانع، وهي تدرك انه لم
يوجّه طلقة واحدة الى الاحتلال
الاسرائيلي في الجولان منذ نحو اربعين
عاما، فيما يسهل عليه حصد المئات وربما
الالاف من ابناء شعبه. موقف نصرالله
مناقض تماما لفكرة المقاومة لأنه
يساهم في إضعاف مقاومته على صعيد
المواطنين في العالم العربي كلّه،
أولئك الذين يتضامنون مع الشعب السوري
بما لا يقاس إلى التضامن مع النظام
السوري. يفترض في مشروع المقاومة ان يكون لديه
استقلالية، لا ان يتبرع ليظهر العلاقة
العضوية والتبعية للنظام السوري او
سواه، ففي حين يكرر السيد نصرالله ان
مشروع اسرائيل ووجودها قائم على عناصر
زائلة وواهية، لماذا إذا يؤسس مشروعه
في هذا السياق على قواعد واهية؟ ولماذا
يصبح بقاء المقاومة ووجودها رهن بقاء
نظام او سقوطه؟ على ما تروج ماكينات
التعبئة الحزبية والشيعية، وعلى ما
تبثّ هذا الخوف في مناسبات السبت
والاحد، حين ينتشر المبلّغون الدينيون
والسياسيون في مناسبات الموت. وأيّ
مقاومة تلك التي بات جمهورها يخاف من
ارادة الشعوب وخياراتها؟ انه الخوف وفقط، وهو جزء من بروباغندا
تؤكد ان القوى الشيعية هي من وضع
رهاناته كلّها في سلة النظام السوري.
لذلك هي ازمة هذه القوى وليست ازمة
طائفة كما هو حال بعض القوى المسيحية
التي رهنت وجودها وسلوكها بهذا النظام.
وتغيير النظام السوري ديمقراطيا كفيل باخراج الشيعة من القبضة السورية، وحينها
ستبدأ الاسئلة حول هذه الخيارات،
وستفتح المجال امام افق جديد لتضامن
لبناني. التاريخ يؤكد ان لا خيار في سورية سوى ذلك
الديمقراطي مهما طالت المدة، والثورات
العربية تؤكد ان هناك عقلا عربيا جديدا
غير مسبوق في نزوعه نحو الحرية
والديمقراطية، في ظل انظمة ضد التاريخ
وفشلت في أن تحقق ما وعدت به شعوبها.
شعوب باتت تدرك ان هذا اوان ومنفذ
دخولها في العصر الجديد. فيما الخوف
ليس سوى صناعة بعض اللبنانيين لتبرير
الاستبداد والوصاية ووجودهم، ولتمديد
الفوضى ونظامها القاتل. أمس فجّر مجهولون موكبا للقوة الإيطالية
العاملة في إطار قوات اليونيفيل جنوب
لبنان، فورا بعد ساعات من الرسالة
الأورو – أميركية التي أرسلتها مجموعة
الثمانية في أكثر من اتجاه. كانت تلك إشارة أخرى، بعد واحدة سبقتها
على أكثر من حدود، بأنّ اللعب في العمل
ممنوع، وأنّ الأوراق كثيرة، لم تلعب
أيّ منها حتى الآن، وأنّ الورقة
اللبنانية بيت بمنازل كثيرة، وغرفة
بشبابيك لا تحصى... ================= فايز سارة ل «الراي»: لن
يحدث فراغ إذا تغيّر النظام في سورية | بيروت - من ريتا فرج | 28-5-2011 أكد الكاتب والمعارض السوري فايز سارة،
أن الحل الأمني لن يؤدي الى وقف الحركة
الاحتجاجية في الشارع، داعياً النظام
الى «تطبيق الحل السياسي واتخاذ
اجراءات اصلاحية»، ومعتبراً «ان
مبادرة اطلاق الحوار من السلطة ليست
جدية»، ومستبعداً حصول أي فراغ سياسي
في حال تغيّر النظام. وجاءت مواقف سارة في حديث الى «الراي» في
ما يأتي نصه: • بعد مرور أكثر من شهرين على الحركة
الاحتجاجية، ما أفق تحرك الشارع في ظل
استمرار القبضة الأمنية؟ - من الواضح أن الشارع السوري لن يتراجع عن
قيادة الحركة الاحتجاجية، التي تتوسع
في كل المناطق. الحل الأمني لن يكون له
أي فعالية، بل على العكس سيؤدي الى
تمدُّد التظاهرات. وفي رأيي انه إذا لم
تتجّه السلطة نحو الحل السياسي عبر
اتخاذ اجراءات ذات طبيعة اصلاحية،
وإذا لم تطلق مبادرات حقيقية، لا
يمكنها إقناع الشارع بالتوقف. فحركة
الاحتجاج الى تزايد والى انتشار في عدد
كبير من المدن السورية، باستثناء عمق
دمشق، فالعاصمة في كل دول العالم
الثالث تمثل ثقل الحركة السياسية
والديبلوماسية والثقافية، ما يؤدي الى
تفعيل القبضة الأمنية عليها. • ثمة من يعتقد أن غياب البديل المعارض
يدعم بقاء النظام. هل المعارضة في اطار
صوغ بنية أكثر تماسكاً وتقديم برنامج
موحد؟ لا أرجح حصول فراغ سياسي في سورية في حال
تغيّر النظام، والدليل على ذلك ما حصل
في مصر وتونس. وسورية لن تكون مختلفة،
ومنذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في
تونس ومصر، تساءل الكثيرون عن البديل
السياسي في حال سقوط النظام، لكن اتضح
أن الفراغ تمت معالجته. إذا وقع أي
تغيير في سورية فلن يحدث أي فراغ، على
قاعدة أن المجتمعات لا تنتظر. السوريون
مع احترامي للجميع لا يحبون الصدامات،
وهم أناس يحبون الحياة، وكل أطياف
المعارضة السورية من التجمع
الديموقراطي الى الحركة الكردية الى
الحركة الآشورية وغيرها، لديها
اتجاهات قومية وليبرالية ويسارية،
وحتى حركة الاخوان المسلمين لديها
برنامج سياسي أعلنت عنه، وهو برنامج
ليبرالي، والاخوان في سورية ما عادوا
كما في السابق، وكانوا من أبرز موقّعي
إعلان دمشق للتغيير الديموقراطي الذي
يحتوي على تحالف واسع من الشيوعيين
والليبراليين والقوميين. • رغم إطلاق النظام الحوار الوطني مع
المعارضة، لم يتحقق أي تقدم حتى الآن.
لماذا؟ وما المدخل لحوار من هذا النوع
بالنسبة لكم؟ أريد أن أسأل النظام نفسه أين أصبحت
مبادرة الحوار الوطني؟ في رأيي ليست
هناك جدية لمتابعة الحوار. فكرة الحوار
جيدة، لكن ما مضمون الحوار وما بيئته؟
حتى الان يتعلق الأمر بفكرة، وعندما
تتوافر الظروف المؤاتية نقرر. مطالب
المعارضة بالدرجة الأولى تتمثل بالوقف
الفوري للحل الأمني والعمل على تفعيل
الحل السياسي. • في ظل غياب الإعلام عن تغطية الاحداث
بسورية، هناك انطباعات متناقضة عن
حركة الشارع لجهة ادارتها. هل الحركة
الاحتجاجية تحرك عفوي أم ان هناك جهات
منظمة لها؟ حركة الشارع بسورية لها طابع عفوي في جزء
كبير منها، ومع الوقت بدا أنها تتخذ
شكلها التنظيمي ولكنني لا أعلم حجمها. • كيف قاربتم العقوبات التي فرضها
الاتحاد الاوروبي على الرئيس بشار
الأسد وقيادات النظام؟ المعضلة الأساسية للمشاكل الداخلية
والخارجية تتمثل في المسألة الأمنية.
مشكلة النظام مع الخارج ليست نتاج
اللحظة وكذلك بالنسبة الى الشعب
السوري. وفي رأيي أن المجتمع الدولي
والنظام السوري كلاهما يملكان
المفاتيح السلبية والايجابية، وكلما
جرى تقارب بين الطرفين قد يساعد هذا
التقارب على حل الأزمة الداخلية. سورية
دفعت فواتير على المستويات الاقتصادية
والسياسية والاقليمية بسبب الملف
العراقي والعلاقة مع حزب الله ومع
ايران. • بعدما اعتبر الرئيس الاميركي باراك
أوباما أن أمام الرئيس الأسد فرصة
لقيادة التغيير أو التنحي هل تتوقعون
موقفاً دولياً أكثر حزماً في ظل
استعصاء النظام على الاصلاح؟ حول هذه المسألة لا يمكن الحديث عن توقعات
أكثر جذرية، لأنها تتوقف عند طبيعة هذا
الغضب الدولي وأسبابه. وفي حال تدهورت
الأوضاع بين سورية والمجتمع الدولي قد
نصل الى حدود معينة. • برز نموذجان في تعاطي المجتمع الدولي
مع الحركات الاحتجاجية في العالم
العربي، الأول بتقديم حزمة من الضغوط
والثاني عبر التدخل العسكري. الى أين
يتجه الوضع في سورية؟ أتمنى ألا يحدث أي تدخل عسكري في سورية.
هناك توافق كبير في أوساط المعارضة
الداخلية والخارجية على رفض فكرة
التدخل الاجنبي، خصوصاً إذا كان هذا
التدخل عسكرياً. أمام النظام خيار
أساسي بالتخلي عن الحلول الأمنية
والاتجاه نحو الحل السياسي، ولا أريد
الخوض في مسألة التوقعات المحتملة. • في وقت تسعى تركيا الى حضّ الأسد على
الحوار والاصلاح، تدعم إيران النظام
من منطلق مخاطر سقوطه. كيف تقرأون مثل
هذه المواقف؟ كل دولة تنظر الى الأحداث في سورية من
زاوية المصالح. الأتراك موقفهم من
الحركة الاحتجاجية والدعوة الى الحوار
والاصلاح هو في الدرجة الأولى موقف
مصلحي، يرتبط بالجوار الجغرافي
والحدود ومسألة الاقليات الكردية. أما
ايران فإن رؤيتها للأحداث في سورية
مختلفة عن تركيا، وتندرج رؤيتها ضمن
ملفات متشابكة من بينها ملف حزب الله
والصراع العربي - الاسرائيلي. ولكن
يبدو أن ايران ضد الحركة الاحتجاجية
وضد أطرافها وشعاراتها، في حين أن
الأتراك أقرب الى التظاهرات. • ما مدى صحة المعلومات التي تشير الى دعم
الحرس الثوري الايراني للقوى الأمنية
السورية في قمع التظاهرات؟ ليست لدي أي معلومات، وأعتقد أن مجرد وقوف
ايران الى جانب النظام في مواجهة مطالب
المتظاهرين يؤكد الحضور الايراني في
الداخل السوري. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |