ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
J
محمد علي الهرفي صحيفة الوسط البحرينية 1-6-2011 كانت جثته مشوهة تماماً، وكان النظر إليه
يحتاج إلى قلب شديد القسوة، ذلك هو
الطفل السوري الشهيد «حمزة الخطيب» ذو
الثلاثة عشر ربيعاً، الذي قتلته
القوات السورية بعد تعذيب هائل، كل ذلك
لأن ذلك الطفل شارك في تظاهرة مع بعض
أهالي درعا، فكان ذلك العمل الوحشي هو
نصيبه!. الطفل حمزة ليس الطفل الوحيد الذي قتلته
الحكومة السورية، فهناك آخرون سبقوه،
وأجزم أن هناك آخرين سيلحقون به مادام
الدم السوري لا قيمة له عند حكامه... بطبيعة الحال لا أريد التذكير بالقتلى
الآخرين من الرجال والنساء، فالحكومة
السورية انتهجت الطريقة القذافية في
القتل والتدمير ومحاصرة وتجويع شعبها
بكل الوسائل، والواضح أن نهاية حكام
الدولة لن تختلف كثيراً عن نهاية
القذافي ومن معه من المجرمين... تعاطي الإعلام السوري مع الأحداث هو
الآخر معضلة تستعصي على الفهم السليم! أفهم المذيع يقر ما يكتب له سواء اقتنع به
أم لم يقتنع، فهذه وظيفته وكل الناس
يعرفون ذلك، لكنني لا أستطيع أن أفهم
كيف أن أستاذاً في جامعة أو من يصف نفسه
بـ «المحلل السياسي» أو حتى بعض
الموظفين الرسميين يتحدثون عن أحداث
بلدهم بصورة يستحيل تصديقها! كيف
يستسيغون الكذب الواضح ولا يرف لهم
جفن؟! ألا يدرك هؤلاء أنهم يسيئون
لبلدهم ولأنفسهم؟! أفهم بعضهم يخاف من
قوله كلمة الحق، فالدول لا تتأخر
مطلقاً في سجن كل من يتحدث صادقاً أو
شبه صادق، لكن لا أظن أن هناك من يجبرهم
على الحديث المتهافت الذي نسمعه منهم،
وقد يصاب بعضنا بالغثيان وهو يسمعه... الطفل حمزة – كما يقولون – لم تقتله قوات
الدولة... والطبيب الذي استضافه إعلام
النظام أكد أنه رآه من دون أي تشويه!
حسناً من قتله؟! ثم من الذي يمكن أن
يشوهه؟! ولماذا لم يتسلم أهله جسده إلا
بعد أيام؟! أين كان كل تلك المدة؟!
أسئلة كثيرة لم يفكر بها ذلك الذي أراد
تبرئة أجهزة القمع من ارتكاب تلك
الجريمة البشعة! النظام السوري ومنذ بداية الثورة وحتى
الآن لا يريد الاعتراف بأن هناك ثورة
شعبية تطالب بالإصلاحات، وهناك ثورة
تطالب بإسقاط النظام، ولأنه لا يرد
الاعتراف فإنه – ومنذ بداية الثورة –
يبحث عن سبب هنا وآخر هناك لعله يبرئ
نفسه من كل الجرائم التي ارتكبها بحق
الشعب... الدولة اتهمت الإخوان المسلمين – أولاً
– ثم رأت أن تحيل هذه التهمة إلى
السلفيين، وعندما وجدت أن هذه التهمة
لن تصمد طويلاً رأت أن تجعلها لمجموعات
مندسة، وشجعت إعلامييها على تبني هذا
الموقف المضحك! أعجب من هؤلاء الإعلاميين كيف يتوقعون أن
يصدق الآخرون أن هذه الجماعات «المندسة»
لا تظهر إلا أثناء الاحتجاجات ضد
الدولة! وكيف أن هذه الجماعات تنتشر
بسرعة مذهلة في كل المحافظات والقرى
وتظهر مع الثوار ثم تختفي إذا اختفى
هؤلاء الثوار؟! ثم لماذا لم يخرج أي «مندس»
مع المظاهرات المؤيدة للدولة؟! السوريون يقولون إن أمنهم يصعب اختراقه،
فكيف تسنى لكل أولئك المندسين أن
يدخلوا سورية مع أسلحتهم؟! وأعجب – أيضاً – من التشويق الإعلامي
الذي يبشر به بعض «الدكاترة» من أن
التلفزيون السوري سيعرض صور بعض
المندسين مع اعترافاتهم، حسناً هم
عرضوا بعض أولئك... لكنهم يعرفون أن
أحداً لن يصدقهم لأن الكل يدرك الطريقة
التي يجعلون أولئك «الأسرى» يتحدثون
بها... مشكلة النظام السوري وبعض معاونيه أنهم
مازالوا يعيشون بعقلية ما قبل أربعة
عقود ماضية، ولو أنهم كانوا أكثر
إدراكاً لفعلوا شيئاً مختلفاً يحفظ
لهم مكانتهم ويحفظ للسورين طريقتهم
وكرامتهم... قتل الأطفال لا يمكن تبريره، وأيضاً قتل
المواطنين الذين يطالبون بحريتهم...
بأي ذنب يقتل كل هؤلاء؟! هل نجد عند
قاتليهم إجابة مقنعة؟! ================== الاربعاء, 01 يونيو 2011 عبدالرحمن الخطيب الحياة تعدّ سورية من أقدم البلدان المأهولة
بالسكان في العالم؛ ولا جدال إن دمشق
هي أقدم عاصمة في التاريخ. ويعيش على
أرض سورية تجانس ديني، وعرقي، وطائفي،
قلما نجده في الكثير من الدول. إذ يشكل
المسلمون السنة 70 في المئة من سكانها،
وتشمل هذه النسبة الأكراد، والتركمان،
والشراكسة، والأرناؤوط. ويشكل
المسيحيون من طائفتي الروم الأرثوذكس
والأرمن 14 في المئة. ويشكل العلويون10
في المئة؛ والدروز 3 في المئة؛
والإسماعيليون 2 في المئة. يقول المؤرخون: إن أهل سورية كانوا قبل
الإسلام خليطاً من الأديان والأعراق.
وبعد الفتح الإسلامي أصبحت ولاية من
ولايات الدولة الإسلامية، وبعد ذلك
أصبحت دمشق مركز الدولة الإسلامية،
وعاصمة الدولة الأموية. وكان الخليفة
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عيّن
يزيد بن أبي سفيان واليا على الشام في
عام 650م، ولم يلبث أن خلفه أخوه معاوية
بن أبي سفيان والياً على جزء من بلاد
الشام. وفي عام 656م عينه الخليفة عثمان
بن عفان، رضي الله عنه، والياً على
كامل بلاد الشام، وظل والياً عليها حتى
أصبح الخليفة عام 661. فكان أول خلفاء
بني أمية، واتخذ دمشق عاصمة لـه. وأسس
حكماً وراثياً استمر من عام 661 حتى 750. سميّ معاوية داهية العرب، لأنه استطاع أن
يستميل أهل الشام، فعاضدوه في إدارة
الخلافة. وكان عليه أن يسيطر على أحزاب
المعارضة. وطور جهازاً إدارياً منظماً
جعل مقره حول المسجد، الذي كان معبداً
رومانياً يسمى معبد جوبيتر. حيث كان
المسيحيون يقيمون صلاتهم في هيكله؛
بينما كان هو يصلي في زاوية فنائه قرب
قصر الخضراء حيث كان يقيم. وقد كان
معاوية حصيفاً حكيماً، تشهد على ذلك
مقولته المشهورة: «لو أن بيني وبين
الناس شعرة ما انقطعت؛ إذا شدوها
أرخيتها، وإذا أرخوها شددتها». كان الأمويون يحترمون التعدد الديني
والعرقي والمذهبي والطائفي، إذ كانت
الدواوين والسجلات في عصر عبد الملك بن
مروان تدون باللغات العربية،
واليونانية، والفارسية، والقبطية،
والسريانية، بحسب المناطق التي انتشر
فيها الإسلام في ذلك العصر. وكان سرجون
بن منصور يدونها بالرومية. وعلى رغم انتشار الإسلام في أرجاء سورية
ترك الأمويون الناس كلاً على دينه
ومذهبه. إذ كان النصارى كانوا يدخلون
من باب واحد مع المسلمين لأداء شعائرهم
الدينية في الشطر المحاذي للمسجد
الأموي، الذي كان منذ عهد الوثنية
معبداً للشمس كما أسلفت؛ ثم تحول إلى
كنيسة. ولما جاء الإسلام بفتحه لدمشق،
شطراً بالسلم، وشطراً بالقتال والحرب،
اختصّ المسلمون بشطر، وبقي أهل
النصرانية في الشطر الآخر. وارتأى
المسلمون أن يتم التخاصص بينهم وبين
أهل النصرانية، باستقلال المسلمين في
مكان المسجد الأموي، بمقابل اسـتقلال
أهـل النصرانية بالكنائس الأخرى. خاضت بلاد الشام بعض الحروب الأهلية،
أهمها تلك التي جرت بين عامي 1237 و 1244؛
ولكن تلك الحروب لم تكن على أساس طائفي.
كما ذكر المؤرخون أن أهل الشام كانوا
يكرهون الحروب الطائفية التي كانت في
بعض الأحيان تُفرض عليهم. ففي التاسع
من تموز عام 1860م اجتاحت جماعة من
الرعاع المنطقة المسيحية من مدينة
دمشق الداخلية، سقط فيها المئات. فلجأ
الآلاف من المسيحيين إلى بعض دور
الأعيان من المسلمين، حيث احتموا بهم
من غدر هؤلاء الرعاع، منها بيت آل
العظم في حي القنوات. وقد اضطر الأمير
عبد القادر الجزائري، آنذاك، لتسليح
ألف رجل لحماية المسيحيين. ثم دعا فؤاد
باشا أعيان مدينة دمشق لاجتثاث شأفة
أولئك المحرضين على تلك الحوادث، وأمر
بإعدام نحو 170 شخصاً من الذين أدينوا
بأعمال القتل والتحريض والنهب. في أواخر العهد العثماني كان هناك الكثير
من الأحزاب السياسية التي تضم جميع
أديان وطوائف السوريين، مثل: حزب
الاتحاد والترقي، وجمعية الإخاء
العربي، والجمعية القحطانية، وجمعية
العهد، وحزب الإصلاح. قامت الثورة السورية ضد الاستعماري
الفرنسي بمشاركة قواد يمثلون جميع
الطوائف في سورية، منها: ثورة اللاذقية
بقيادة صالح العلي، وثورة الشمال
بقيادة إبراهيم هنانو، وثورة رمضان
شلاش في الفرات، والثورة السورية
الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش،
وثورة غوطة دمشق التي اشترك فيها جميع
الأديان والطوائف الدمشقية؛ مما اضطر
الفرنسيين لإعلان الاتحاد السوري بين
دويلاته عام 1922. ودفع سلطة الانتداب
إلى إعلان الدستور عام 1930، وانتخاب
محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية
السورية عام 1932، وبعد معاهدة 1936 انتخب
هاشم الأتاسي رئيسا للجمهورية، وظهر
أول مجلس نيابي. وبعد أن لجأت سورية إلى مجلس الأمن، صدر
القرار بالجلاء الفوري الذي تم في 17
نيسان 1946 في عهد الرئيس شكري القوتلي. في أعقاب انقلاب 8 مارس 1963 قام بعض الضباط
بتشكيل عصبة طائفية سميت اللجنة
الحزبية العسكرية، بقيادة صلاح جديد،
ومحمد عمران، وحافظ الأسد. ثم في 23 شباط
1966 نفذ تحالف من الضباط الطائفيين
انقلابا على أمين الحافظ، آخر رئيس سني
في سورية. ونُفي ميشيل عفلق، ومعه ابن
حي الميدان الدمشقي السني صلاح
البيطار؛ لإلغاء دور الأحزاب في الحكم
في المستقبل نهائياً. وفي عام 1971 أصبح
حافظ الأسد رئيساً لسورية، بعد إزاحة
صديقيه وابني طائفته، صلاح الجديد،
ومحمد عمران. نيقولاس فان دام سفير هولندا في مصر ألّفَ
كتاباً بعنوان «الصراع على السلطة في
سورية» أوضح فيه كيف بدأت الطائفية
السياسية في عهد حافظ الأسد؛ وما هي
العوامل التي ساهمت في الولاءات
الطائفية. فيما عزا الكاتب البريطاني
باتريك سيل التطرف في الولاء للطائفة
العلوية في كتابه «الصراع على الشرق
الأوسط» إلى الحالة الاقتصادية
والاجتماعية التي كانت تعاني منها هذه
الطائفة. * باحث في الشؤون الإسلامية. ================== تاريخ النشر: الأربعاء 01 يونيو
2011 برهان غليون الاتحاد لم يكن الشعور بفراغ السلطة في دمشق قوياً
عند الرأي العام السوري والعالمي كما
هو عليه اليوم. فبعد أكثر من شهر ونصف
الشهر على آخر خطاب للرئيس السوري توجه
به إلى أعضاء حكومته الجديدة لحثهم على
تحسين نوعية الخدمات العامة المقدمة
للمواطنين، يكاد يكون المشهد خالياً
من أي مبادرة أو قرار أو توجيه سياسي أو
بيان من قبل الحكم، إذا استثنينا حديث
وزير الخارجية الذي قال فيه إنه ليس
رجل سياسة وإنما هو منفذ فحسب. لا يعني
هذا الصمت المريب لرجال الدولة أنه لا
توجد هناك سياسة، لكنه يعني أن السياسة
الوحيدة التي اختارها أصحاب النظام هي
أن يطلقوا يد الأجهزة الأمنية
والعسكرية في الأحياء والمدن
للاستمرار في تطبيق سياسة القمع
والعقوبات الجماعية على المتظاهرين،
بانتظار أن تحدث معجزة تسمح لرجال
السياسة في النظام أن يخرجوا على الرأي
العام بخطاب جديد يؤكد أنهم انتصروا،
وأنهم الوحيدون الذين يقررون مصير
البلاد، وبرنامج الإصلاح ورزنامته
وحدوده. وهذه السياسة هي التي لم يكف
المسؤولون السوريون عن التأكيد عليها
بترددهم دائماً أنهم لا يقبلون
بالضغوط، ولا ينبغي لأحد أن يحاول
النيل منهم. لكن الحملات التأديبية التي نظموها منذ
أكثر من شهرين لتحقيق هذا الهدف، والتي
ترجمت باجتياح منهجي للمدن والأحياء
التي تشكل بؤراً قوية للثورة، وما
قاموا به من قتل عشوائي للمتظاهرين،
واعتقالات بالجملة للألوف منهم، قد
باءت جميعها بالفشل. وبدل أن تخلق
الوضع الذي حلم به النظام، كما صرحت به
منذ أسبوعين مستشارة الرئيس السوري،
قدمت هذه الحملات البرهان القاطع على
أن بركان الاحتجاج يزداد زخماً يوماً
بعد آخر، وأن المبادرة لا تزال بأيدي
القوى الشبابية التي لم تكن أفضل
تنظيماً وتنسيقاً في ما بينها مما هي
عليه اليوم. والواقع أن القيادة السياسية السورية لم
تفكر في احتمال أن لا تستطيع قمع
الاحتجاجات وإخمادها، ولم تكن لديها
رؤية سياسية لما يمكن أن تفعله في حالة
كهذه. لقد كانت على ثقة مطلقة بأنها
تملك وسائل القمع التي تمكنها من إعادة
الشعب إلى أقفاصه القديمة، وأن
المسألة ليست سوى مسألة وقت وتوسيع
منظم لدائرة العنف ضد السكان لعلهم
ينقلبون على فكرة الاحتجاج من أجل
الحرية. وقد وضعوا في خدمة هذه الخطة كل
ما لديهم من موارد مادية ومعنوية، ولم
يسألوا لا عن رأي عام سوري ولا عربي ولا
دولي، بل لم يسألوا حتى عن رأي حلفائهم
السياسيين في العالم العربي وخارجه.
فتورطوا في عنف دموي ذاع صيته في أصقاع
الأرض، فابتعد العالم عنهم بينما
فقدوا الأمل في أن ينظر إليهم الآخرون
كنظام سياسي يمتلك منطق السياسة
ومفهومها، كما هي ممارسة في بداية هذا
القرن الحادي والعشرين. من هنا شكّل إخفاق خطة قمع الحركة
الاحتجاجية الشعبية مأزقاً
استراتيجياً خطيرا للنظام. فمن جهة فقد
بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان أغلب ما
كان يملكه من رصيد، ولم يعد هناك من
يراهن، حتى من القوى المؤيدة له، في
سورية وخارجها، على أي مبادرة إصلاحية
تصدر عنه. وهذا ما عبر عنه إلحاق اسم
الرئيس السوري بقائمة الشخصيات التي
تطبق عليها عقوبات أوروبية وأميركية.
لكن من الجهة الثانية قطعت سياسات
العنف التي مارسها لانتزاع النصر على
الحركة الاحتجاجية بأي ثمن كل
احتمالات فتح حوار جدي مع قوى
المعارضة، تسمح للنظام بالمناورة
للبقاء أو لاستعادة جزء من المبادرة
السياسية. ولم يعد أحد، في سوريا
وخارجها، يؤمن بأن نظاماً يستخدم هذا
القدر من العنف يمكن أن يستمر. وباختصار فإن فشل الحل الأمني المطبق منذ
عشرة أسابيع متواصلة، والذي راح ضحيته
آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين
والمنكوبين والمشردين، لم يُبق أمام
النظام أي خيار سوى الهرب إلى الأمام
والتصعيد النوعي للعنف بحيث يزداد
الضغط على الشعب، ويتعمق الخوف مما هو
أعظم. هذا هو مغزى التوجه نحو قتل
الأطفال، كما كان معنى إطلاق النار على
النساء العزل منذ بضعة أيام، وتسليم
الجثامين لأسرها، في الأسبوع الماضي،
ثم إطلاق النار على حافلة للأطفال يوم
السبت الفائت... كل ذلك جزء من رسائل
موجهة أولا للشعب السوري مفادها أن هذا
هو ما ينتظركم إذا قررتم الاستمرار في
مسيرات مناهضة النظام والعمل على
تغييره، وثانياً للرأي العام العالمي
تؤكد له أن عزل النظام ومحاصرته
ومعاقبته لن تزيده إلا شراسة وتحللاً
من أي التزامات من تلك التي تحدد سلوك
الدولة تجاه مواطنيها، وفي مقدمتها
حفظ أمنهم. أمام نظام يترك فراغاً يغري جميع القوى
المعادية للنظام بمحاولة استثماره،
ليس من المقبول ولا المسموح أن تبقى
المعارضة السياسية مشتتة أو غائبة عن
الصورة. وبقاؤها في هذا الوضع، مهما
كانت مبرراته، تخلق فراغاً خطيراً
يثقل على شباب الاحتجاجات بقدر ما يترك
آفاق التغيير مجهولة وغامضة، ويغري
أيضاً الكثيرين بالاستفادة من هذا
الفراغ لتحقيق مصالح ليس لا علاقة لها
بما بذله الشهداء من دماء من أجل تحرير
وطنهم من الاستعمار الداخلي. من هنا
ربما أصبح من الضروري لشباب الانتفاضة
أن يشاركوا هم أنفسهم في إطلاق شرارة
تكوين الهيئات السياسية التي تتماشى
مع تطلعاتهم وتعكس طموحاتهم وتواكب
كفاحهم من أجل سوريا جديدة، سوريا حرة
وديمقراطية تضمن الأمن والحرية
والعدالة والمساواة لجميع أبنائها.
وربما سيساعد مثل هذا العمل على تحرير
المعارضات السياسية التي وجدت صعوبات
في التحرك إلى الأمام، بعد شهرين ونصف
من الكفاح البطولي والدامي لشباب
الاحتجاجات المعجزة، من قيودها،
ويدفعها للالتحام بهم ومواكبة مسيرتهم
الصاعدة. ================== الفنانون السوريون
والامتحان الصعب آخر تحديث:الأربعاء ,01/06/2011 مارلين سلوم الخليج تكلموا، أين أنتم، ألستم من أبناء هذا
الوطن ومن الشعب أم أنكم كنتم تمثلون
علينا طوال هذه السنوات وتدعون أنكم
تحملون همومنا وأوجاعنا لتقدموها في
قوالب درامية وكوميدية على الشاشة؟ هذه لغة الشارع السوري اليوم، والفنانون
السوريون أمام امتحان صعب بسبب
الأحداث التي تشهدها بلادهم، وهم
منشقون بين صامت رغماً عنه أو طواعية
خوفاً من أن تؤخذ عليه أي كلمة ينطق بها
ويحاسب عليها لاحقاً من هذا الطرف أو
ذاك، وبين ناطق باسم الإنسانية لينادي
بفك الطوق عن أهالي درعا، وطرف ثالث
ارتأى أن يحتمي “تحت سقف الوطن” ويحمل
العصا من منتصفها، وفق بيان أصدرته
مجموعة منهم كأول تحرك فني، لتنتقل
القوائم السوداء التي شهدناها سابقاً
في مصر إلى سوريا، وإنما هذه المرة تحت
اسم “قائمة العار”، ولست أدري أي عار
يقصدون . ماذا على الفنان أن يفعل حين ينسلخ جلد
الوطن عن جسده ويحترق نصف القلب وتخرج
الجنازات في الشوارع وتلبس الأحياء
الشعبية و”الأمنية” السواد حداداً
على أبناء وأطفال ورجال سقطوا في نفس
المعركة وبنفس السلاح إنما لأهداف
متباعدة؟ هل عليه أن يحمل كفنه بيده كما قالت
الفنانة القديرة منى واصف وينزل وسط
الناس ليكون منهم ومعهم؟ وهل عليه أن
يحكّم ضميره ويتخذ الموقف الذي يرضيه
بغض النظر عن المحسوبيات والمصالح
ويقول كلمة الحق التي يراها صائبة وفق
قناعاته الشخصية، ولا يحق لأحد
محاسبته عليها، لأن لكل إنسان الحق في
التفكير والتصرف بما يتناسب مع
معتقداته ورؤاه؟ أم الأفضل أن يزيد
الفنان من طبقات الماكياج على وجهه
ويتحول إلى مهرج يخفي الألم بالضحك و”الاستغباء”،
أو يلبس العباءة التي تناسب دوره
الجديد ويقف على مسرح الحياة يردد ما
يلقنه إياه “الملقن” من خلف
الكواليس؟ الكل خائف مما يحصل اليوم في سوريا والكل
حزين . لكن للأسف ليس الكل متضايق من “حرب
التخوين” والإهانات التي يشنها البعض
ضد الفنانين الذين اختاروا أن يقفوا
إلى جانب أهل درعا والمطالبة بفك
الحصار عنهم وإدخال المؤونة والعلاج
إليهم رفقاً بالأطفال والمرضى .
فالبيان الذي أصدرته مجموعة من
الفنانين السوريين تحت عنوان “نداء
عاجل للحكومة السورية من أجل أطفالنا”
ووصل عدد الموقعين إلى أكثر من 160
فناناً ومثقفاً من بينهم منى واصف،
كندة علوش، يارا صبري، المخرجة رشا
شربتجي، ماهر صليبي، الكاتبة ريما
فليحان، الكاتبة يم مشهدي، السيناريست
عدنان عودة، الكاتب الفارس الذهبي،
والممثلة عزة البحرة وغيرهم، طالبوا
فيه الحكومة السورية بإيقاف الحصار
الغذائي والطبي المفروض على درعا
وقراها، ومما ورد في البيان “إنّ
الحصار أدى إلى نقص المواد التموينية
والضرورية لاستمرار الحياة، وأثر
سلباً في الأطفال الأبرياء الذين لا
يمكن أن يكونوا مندسين في أي من
العصابات أو المشاريع الفتنوية بكل
أنواعها . . نحن نطالب بدخول إمدادات
غذائية من مواد تموينية وأدوية وأغذية
أطفال بإشراف وزارة الصحة السورية أو
الهلال الأحمر” . ليس الهدف من سرد أهم ما جاء في بيان
الفنانين هو الدعوة للانضمام إليهم،
بل لأن ما ورد فيه لا يمس سوى الجانب
الإنساني ولا يخرج عن إطار اللياقة
والاحترام في المخاطبة والحق المشروع
في المطالبة بالحقوق الإنسانية “الأولية”
. واسمحوا لنا أن نستغرب مواقف بعض
الفنانين الذين رفعوا شعارات كبيرة
وتحريضية و”ثورية” في أعمالهم، تأثر
بها الناس وفئة كبيرة من الشباب
وصدقوها وآمنوا بها وحفظوها، ويوم جاء
موعد تطبيقها على الأرض، انفض
الممثلون والمخرجون ووجد الناس
الحقيقيون أنفسهم وحيدين في الميدان،
وأن من قالوا لهم دافعوا عن كرامتكم
كانوا مجرد أبواق فارغة “مثلت عليهم
ببراعة” دور الشهيد والمواطن المعذب
والضمير الحي والداعي إلى الوحدة
العربية وإلى حرية الرأي والتعبير
وإلى فك القيود وفتح السجون وعدم
اعتقال المفكرين أو تهجيرهم من البلد . أليس هذا ما ردده على مسامعنا مطولاً
الفنان دريد لحام في مسرحيته “كاسك يا
وطن”، وأبكانا وما زلنا نبكي على
أحوالنا وعلى الظلم الواقع على بعض
الشعوب العربية من قهر وقمع ومن فساد
السلطات وبعض الحكام، وهو من ردد في
المسرحية “مو ناقصنا غير شوية كرامة”؟
وهل دريد لحام “المدافع عن حقوق أطفال
العالم” والذي اتخذ مواقف عدة من
منظمة اليونسكو بسبب عدم “عدالتها”
في حق أطفال فلسطين المعذبين
والجائعين والمحاصرين، ويشن حملات
وبرامج توعوية تناشد بحق الأطفال في
احترامهم إنسانياً ووجوب حمايتهم من
الحروب والنزاعات؟ أم أن دريد الذي
هاجم بيان زملائه الإنساني وزايد
عليهم “وطنية” بدفاعه عن النظام وما
يفعله، هو الوجه الحقيقي الذي لم نره
قبل اليوم والذي يثبت كم أن “لحام”
برع في التمثيل طوال هذه السنوات سواء
على الشاشة أو المسرح أو في حواراته
الصحافية؟ وهل كانت استقالته من منصبه
كسفير للنوايا الحسنة مسرحية من نوع
خاص؟ نستغرب أيضاً لغة التخوين التي انتقلت من
مصر إلى سوريا، كأن الدرس الأول لم يكن
كافياً ليتعظ منه الفنانون في أي بلد
عربي كانوا . كثير من الفنانين اتخذوا
من التلفزيون السوري وقناة “الدنيا”
منصة لمهاجمة زملائهم ونعتهم بألفاظ
لا تليق بمن يفترض أنهم من فئة
المثقفين والمفكرين، مثل الممثل زهير
عبدالكريم الذي وصف زملاءه الموقعين
على البيان ب”الخائنين” وطالب
السلطات بسحب الجنسية منهم، داعياً
هؤلاء الموقعين إلى دعم السلطة والعمل
“على تلميع صورتها” . واللافت أن قناة
“الدنيا” تفرز الاتصالات التي تردها
من الفنانين والمشاهدين، وتقطع أي
اتصال لا يتوافق مع صوت السلطة، وتفتح
الأبواب أمام وصلات المجاملة واللعب
على العواطف التي ساهم فيها عدد من
الفنانين . ألا يذكرنا هذا المشهد بآخر
شاهدناه على التلفزيون المصري خلال
الثورة؟ ليس المطلوب شحن النفوس، ولا محاكمة هذا
الطرف أو ذاك، ولكن العدل وكلمة الحق
هي الفيصل وهي الحكم . وكما أن “الموالين”
للسلطة يدافعون عنها بكل الوسائل، من
حق المناهضين أن يقولوا كلمتهم إذا كان
“سقف الوطن” يستحمل هذا الصراع
الديمقراطي ويفسح المجال أمام أبنائه
ليعبروا عن أنفسهم كما يقولون . أما إذا
كان السقف أدنى من هذه الحدود، فدعونا
نسأل: ماذا إذا أزيل السقف وتعرى
الوطن؟ بوركت الأصوات التي تنادي بالوسطية
وبحماية الناس من الهمجية ومن التعذيب
الإنساني وتفصله عن أي موقف سياسي،
وبئس من يرفع شعار: اصلبوهم، اجلدوهم،
قاطعوهم، انهشوا لحمهم، لأنهم قالوا
كلمة بحق أهلهم وناشدوا الضمير الحي أن
يجنب الوطن مجازر أهلية . ================== وليد الرجيب الرأي العام 1-6-2011 ودمع لا يكفكف يا دمشق نتذكر بيت الشعر هذا كلما تابعنا أحداث
العزيزة سورية، ويؤلمنا أكثر عندما
ينكر أزلام النظام وبعض الاعلاميين
السوريين أي قمع وأي قتل وتعذيب، بل إن
بعض القوى الوطنية واليسارية المشاركة
بجبهة الحكم، والتي حملت سمعة كبيرة في
النضال، منذ أيام الاحتلال الفرنسي،
هذه القوى الوطنية، بدلاً من أن تشجب
عمليات القمع والعنف والقتل ضد أبناء
شعبها، رددت نفس خطاب ومفردات النظام،
من وجود مؤامرة وأجندات خارجية،
وحركات سلفية مسلحة، وادعاء تزييف
الصور والأفلام. دمشق قاسيون الصامدة والمناضلة، والتي
كانت تنضح بالعروبة، أصبحت مجازر ضد
شعبها، فقد قتلت منهم أكثر من ألف
شهيد، ونكلت بالأطفال والأمهات، كما
تفعل اسرائيل وأكثر، بينما لم تحرك
ساكنا لتحرير أراضي الجولان السليب،
بل إن أحد أزلام النظام الفاسدين، وأحد
أقرباء الرئيس، صرح بأن أمن إسرائيل من أمن سورية، في
محاولة لاستجداء العون من الولايات المتحدة
وإسرائيل، لإنقاذ النظام السوري. واتضح في وسائل الإعلام والنشر
الإلكتروني، حجم الفساد والنهب من
جانب المتنفذين من النظام وأعوانهم،
بينما يعاني الشباب السوري، من البطالة وشظف
العيش، دون أن يستطيع أن يفتح فمه احتجاجاً أمام كل
هذه الأجهزة الأمنية المتعددة، وأقبية
السجون التي تمارس فيها أبشع أنواع
التعذيب. ومن ناحية أخرى، نندهش من النقد الأميركي
والأوروبي الخجول، لهذه الممارسات
الوحشية، والجرائم ضد الإنسانية، التي
لا يمكن التغطية عليها، كما يحدث في
الأزمنة القديمة، وذلك بسبب تطور
وسائل الاتصال والتكنولوجيا، التي
كشفت عن جرائم الأنظمة العربية
الاستبدادية، وتكفي زيارة واحدة إلى
مواقع اليوتيوب، لنعرف حقيقة هذه
الأنظمة. لا يمكن اليوم بأي حال من الأحوال، خداع
الشعوب وتزييف الحقائق، فاليوم تصنع
هذه الشعوب واقعاً جديداً وتاريخاً
جديداً، ما سيؤدي إلى خلق ديموقراطيات
حقيقية، غير تلك المشوهة والناقصة. كما أننا نحتاج إلى مواقف وطنية واضحة
وشجاعة، لا تتخذ بناء على مواقف أنظمة نحبها أو
نؤيد سياستها، أو أنظمة كنا نتوهم أنها
وطنية، أو مقاومة للعدو الصهيوني، فلا
أوراق توت تبقت، لتستر عورات الأنظمة
العربية المستبدة. ================== مجيد عصفور الرأي الاردنية 1-6-2011 ما زالت فرص بقاء الرئيس السوري بشار
الاسد على رأس السلطة في سورية اكثر من
فرص الرحيل بالرغم من كل توقعات
التغيير المستندة الى المجابهات
الجارية بين الجيش والأمن من جهة وبين
المتظاهرين في بعض المدن السورية وما
حولها من ارياف الذين يطالبون باسقاط
النظام من جهة ثانية. ارتكب الاسد الابن خطأين في التعامل مع
المعارضة، الاول عندما طبق نفس
الاسلوب الذي انتهجه والده لتثبيت
حكمه، والثاني باعتماده نفس الأدوات
التي اعتمد عليها والده دون ان ينتبه
الى عامل الزمن، من حيث قدرة الشعب على
المواجهة وكسر حاجز الخوف، وكذلك
الاستخفاف بمخرجات التكنولوجيا التي
تكشف الممارسات وتنقلها للعالم متخطية
أجهزة الرقابة التي كانت في الماضي
قادرة على اخفاء المستور ما ضمن للنظام
انذاك حرية التصرف بعيداً عن أعين
العالم. لقد عاش الرئيس حافظ الاسد طيلة السنوات
الثلاثين التي حكم فيها سورية بقبضة من
حديد على نظرية المؤامرة والتقية فقد
عرف عن الاسد الأب حسن استغلاله
لصراعات مراكز القوى وكبار الضباط
والبقاء في الظل منتظراً اللحظة
المناسبة، وقد تبدى ذلك بوضوح عندما
شكل في نهاية عقد الستينات اللجنة
العسكرية من خمسة ضباط جابه بهم
القيادة السياسية آنذاك ثم قضى عليهم
جميعا باستثناء واحد كان موالياً له هو
العماد مصطفى طلاس الذي ظل الى جانبه
طوال فترة حكمه. وبعد ان استتب له الأمر نجح في اعتلاء
السلطة عام 71 ثم نجح بالتنسيق مع مصر
وشن حرباً على اسرائيل عام 1973، وهي
الحرب التي جعلت منه بطلاً وكرسته
رقماً صعباً في معادلة الحرب والسلام
مع اسرائيل لا سيما بعد خروج مصر
السادات من هذه المعادلة ودخول الجيش
السوري الى لبنان للسيطرة على المنطقة
الرخوة التي تشكل منفذاً سهلاً
لاسرائيل لتهديد سورية. لكن الهيمنة الكاملة على لبنان وشبه
الكاملة على بعض الفصائل الفلسطينية
لم تكن في الحقيقة سوى اوراق في جيب
الاسد الأب منحته لفترة طويلة قوة
سياسية في الداخل والخارج. هذه الأوراق لم يبق منها بين يدي الاسد
الابن سوى ورقة المقاومة في لبنان وغزة
والى حد ما العراق، لكنها لم تعد كافية
رغم أهميتها لحمايته، فاضطر بعد مقتل
الرئيس رفيق الحريري لاخراج قواته من
لبنان، كما تراجع دور سورية في القضية
المركزية للعرب مع بروز السلطة
الفلسطينية وتعامل الدول العظمى معها
بشكل حصري كولي لأمر الشعب الفلسطيني
وتعاظم دور دول الاعتدال العربي
بقيادة المملكة العربية السعودية في
مفاوضات السلام مع اسرائيل عبر الراعي
الاميركي. بعد تولي الاسد الابن مقاليد الحكم في
سورية خلفا لوالده كان مفهوماً في
البداية ان يظل معتمداً على اكثر من
اثني عشر جهاز مخابرات لضمان بقائه في
الحكم، لكن استمراره في الاعتماد على
هذه الاجهزة حتى الآن ادى الى تضخم
سلطة الأجهزة ، فتراجعت الادارة
المدنية للدولة وصار المواطن السوري
يعاني من هذه الأجهزة وفساد الادارة
فانتشرت الرشوة والمحسوبية، الى ان
فتحت الثورات العربية في كل من مصر
وتونس نافذة أمل للشعب فانتفض من أجل
الحرية . اذا قيض للرئيس بشار الاسد الافلات من
المطالب الشعبية فليس أمامه للبقاء
الا اجراء اصلاحات حقيقية تنزع عن رقاب
الشعب السوري كل الأيدي التي تطبق
عليها وان يعترف بحق الشعب في الحياة
كبقية الشعوب ، بمعنى ان عليه ان يغير
نظامه حتى لا يتغير، فالنظام الذي
يطالب الشعب باسقاطه هو ما فجرّ بوجهه
كل هذا الغضب الجماهيري وبغير ذلك فإنه
يكون قد اضاع آخر فرصة للنجاة، فالظروف
التي حملت والده ثلاثين عاماً ولت الى
غير رجعة. ================== علي كنعان 2011-05-31 القدس العربي تأخذ
الدبلوماسية السرية دورها الجوهري
الفعال بين معظم الدول، لكنها في سوريا
تشكل حالة باطنية وجدانية ترقى إلى
مستوى المقدسات الخفية التي لا ينبغي
لأحد أن يطلع على إجراءاتها وأوراقها
الوثائقية، ولو بعد نصف قرن، خلافا
لجميع القواعد والأعراف والقوانين
المعروفة في العالم. إن تصريح (سندريللا كلينتون) وزيرة
الخارجية الأميركية عن الإصلاحات
الجارية في سوريا يجعل كل واحد منا يقف
مرتعدا ذاهلا وكأنها صبت على رأسه سطلا
من الجليد. إذا كان ما تقوله صحيحا،
فلماذا لم يسمع الشعب السوري بهذه
النعمة المباركة حتى الآن؟ أم أنهم
يعتبرونه كالقطيع لا يستحق أن يعلم بما
يريده الراعي ولا عصابة المسلخ
المحتشدين في البازار؟! لكننا ندرك جيدا أن البيت الأبيض
وزعامته، سواء الحديثة أو المعتقة، لا
يشغلها ولا يهمها إلا مصلحة إسرائيل
وسلامتها. وهذا يعني أن طبيعة
الإصلاحات التي أشارت إليها السيدة
مرتبطة بالعدو الصهيوني، أولا وأخيرا،
ولا علاقة للشعب السوري بها من قريب أو
بعيد. وليس هذا دليلا جديدا أو مفاجئا
لمعرفة كيف يتعامل النظام مع شعبه،
إنما هو دليل يؤكد على مدى استغفال
واحتقار النظام لشعبه، هذا الشعب الذي
لا يستحق أن نتوجه إليه بأي كلمة
مواساة أو عزاء.. ولا أية إشارة توحي
بالطمأنينة والرجاء. إنما المهم
والأهم أن نمرر أوراقنا المنقوعة
بالدم من تحت الطاولة لتصل إلى واشنطن
وما يحيط بها من جماعات ضغط صهيونية. لا أتصور أن التطرف الديني في سوريا
مقبولا أو محتملا بأي شكل، لا فكرا ولا
منهجا ولا ممارسة. ولكن من يتأمل منطق
النظام العائلي ومقولاته المكرورة لا
بد أن يصاب بالذهول. إذا كانت الإمارات
الإسلامية منتشرة فعلا في سوريا إلى
هذا الحد الذي أعلنت عنه موجة
الادعاءات والأكاذيب، فهذا يعني أن
هؤلاء المسلمين المتطرفين أحق باستلام
مقاليد الحكم من تلك المخلوقات
الأسطورية التي تحمل البطاقة البعثية
وأصحابها يتربعون على كراسي السلطة
بكل هذه الغطرسة الدموية والاستهتار
الفظيع بحياة المواطنين وسلامتهم. لكن
من يتابع فضائية النظام هناك، بالهتاف
والصورة، لا يرى أن الحالة بلغت درجة
هذا البالون المنفوخ وهو ينفجر كل يوم
مرات في وجوه رافعيه والملوحين به أمام
العالم. ومن يتأمل أحوال بلادنا من
بعيد يشعر بمرارة جهنمية خانقة حتى كأن
سوريا طارت من شرق المتوسط وحطت على
كتف المحيط الهادي لتكون كوريا شمالية
ثانية، بكل غموضها وانغلاقها. لكن
امتياز سوريا بموقعها الفريد جعلها
محاطة بست دول، في أقل تقدير، إذا
اعتبرنا أن ساحل المتوسط يطل على دولة
واحدة هي قبرص، بعيدا عن اليونان
وإيطاليا من جانب.. ومصر من الجانب
الآخر. وهذا يعني أن بلادنا منفتحة على
العالم وآفاقه، مشرعة على جهات الدنيا
كلها، ولن تستطيع قوى الاستبداد
الوحشي الضاري والطغيان الدموي أن
تطمس هذه الحقيقة أو تلغي تأثيراتها
الرحيبة الوضاءة. ومع استمرار الحالة الظلامية الراهنة، من
يقوى على نسيان مآسي الأطفال والنساء
المشردين في البراري؟ وكيف نمحو من
الذاكرة المثقلة بالفجيعة مناظر الجثث
والأجساد المتناثرة في الشوارع
والحفر؟ إنها الصورة الليبية تتكرر
بشكل أفظع وأشد وحشية وتمثيلا وإصرارا
على اقتراف الجريمة بسعار إجرامي
محترف، حتى كأننا أمام مشهد سينمائي
مجلوب من جهنم أخرى، بعيدا عن أرض
البشر. وكم أتمنى أن أنهض في الصباح
لأكتشف أن كل ما رأيته طوال هذه
الأسابيع العشرة كان كابوسا ليليا
فظيعا.. وأن سوريا فعلا غير ليبيا وغير
اليمن والصومال! ونعود لنتأمل الشاشة فنرى قلة نادرة من
المعلقين السوريين يتحدثون على
فضائيتها، لقد عجزت السلطة
الإمبراطورية الطاغية عن استدراج
مؤيديها وأزلامها للحديث، لذلك
استعانت بالأخوة اللبنانيين لأنهم
أشطر وأجرتهم أسخى، ولعل هذا يذكرنا
بصور أطرف من أوائل القرن.. يوم مات
حافظ الأسد ولم يجد الإعلام المرئي
سوريا واحدا يتحدث في المناسبة، عندئذ
راحوا يستضيفون عشرات الأخوة
اللبنانيين لتعداد المناقب وتدبيج
المدائح. ومن السخرية الفاجعة أننا لا
نرى مسؤولا سوريا واحدا يظهر ليواجه
عشرات الأسئلة ويتحدث بالجواب الوطني
الشافي. إن الهتاف الشعبي المدوي بإسقاط النظام
لا سبيل إلى إخراسه، ما دام ممهورا بدم
الشهداء، وهو النشيد اليومي في العديد
من القنوات، سواء كانت صادقة مع هذا
الشعب أو مسيرة بدوافع مريبة. والنصيحة
الدبلوماسية المهذبة التي أدلى بها
الرئيس الأميركي أوباما وراحت تتردد
على كثير من الألسنة: 'بادر إلى عملية
الإصلاح أو ارحل'، هذا الخيار يطرح على
شباب سوريا وقادة المعارضة الوطنية
أكثر من سؤال جارح: أين هو الحوار الذي
يسبق عملية الإصلاح؟ وكيف يجري مع
أفواج الشهداء؟ وهل الحوار ممكن بعد كل
هذه المجازر؟ وهل جماهير الشعب صارت
قطعانا من الأغنام حتى يتناسوا شهداء
الانتفاضة ويزحفوا أذلاء خانعين إلى
مسرح الوليمة ليواجهوا عصابة الذئاب
وقد مسحت آثار الدماء عن أشداقها وجلست
لترفع أنخاب العتاب والمؤانسة
والتفاهم؟! إن النهج البوليسي الغاشم ما زال هو
السائد والمهيمن والمستمر في ساحات
المدن وأحيائها المكلومة. ومن يفكرون
بالحوار أو يطرحونه بشيء من التفاؤل
والأمل الضنين تجاوزتهم الأحداث
وإجراءات البطش الدموي الجاري في
عشرات المدن والبلدات والقرى. إن
المراقب من بعيد يصاب بصدمة صاعقة وهو
يشاهد هذه المجازر اليومية، بينما
يتعامى قادة النظام عنها ويواصلون
اقتراف الجريمة وكأنهم في سباق أو
مباراة من يقتل أكثر! لقد أضاع النظام بالتزام نهج القمع
والاستبداد فرصة تاريخية نادرة، لا
يمكن أن تتكرر أو تستعاد، يوم قضي على
ربيع دمشق، وراح يبطش برموز لجان
المجتمع المدني، ويودع في سجونه
ومعتقلاته قادة إعلان دمشق للتغيير
الوطني الديمقراطي ليقضوا هناك سنوات
بلا أي مبرر قانوني أو حد أدنى من العدل
الإنساني أو الإنصاف الشرعي والتسامي
الخلقي. وحين كنا نكتب من سنوات في 'القدس
العربي' مشيرين إلى أن استمرار العسف
هو الذي سيؤدي إلى انفجار الأوضاع،
وتهيئة الجو للتدخل الأجنبي، كانت
التهمة جاهزة بأننا حاقدون موتورون
وعملاء مأجورون. وكان واضحا أن السلطة
الغاشمة تريد أن تزداد الأزمة تعقيدا
وبلبلة واستفحالا حتى تؤدي للانفجار
وتدفع القوى المعادية للتدخل. إن
النظام العاجز عن مواجهة أزماته
الخانقة: من تجاهل الجولان المحتل طوال
هذه السنين حتى فشل التنمية وبناء الحد
الأدنى من الحريات الديمقراطية وسيادة
القانون.. هذا النظام لم يكن أمامه إلا
تصدير هذه الأزمات: مرة إلى لبنان، مرة
أخرى إلى حفر الباطن، وثالثة إلى تركيا
عبر أوجلان، ونترك العراق جانبا لأن
قصته ملتبسة ما بين واشنطن والرياض
وطهران. واليوم لم يبق إلا الجبهة الداخلية حتى
كأن الشعب هو العدو الوحيد والأخطر
لنظام الاستبداد والنهب والفساد
والإفساد. وفي غياب المناخ الصحي الحر المناسب لأي
حوار وطني، ماذا تبقى؟ إن فاقد الشيء
لا يعطيه. ومن يحظر الحوار وحتى
إمكانية السؤال على أعضاء حزبه في أضيق
الاجتماعات، كيف يسمح بالحوار مع
الآخر أو الاعتراف به؟ وهل يشعر بوجوده
أساسا حتى يقبل بسماع صوته؟ وخاصة أن
الحاكم لا يسمع غير صوته الستاليني
ذاته؟ الشعب السوري يتعامل مع مجمع شبه
أسطوري من الآلهة، أعتى من الآلهة
الوثنية، وليس في الأفق المنظور إلا
سفك المزيد من الدم الوطني البريء.. أو
سقوط النظام. ويبدو أن الشعار الشعبي
الهادر في الشوارع: 'الموت.. ولا المذلة!'
هو الخيار الوحيد الباقي حتى يقضي الله
أمرا كان مفعولا. ' كاتب من سورية ====================== سماء الشام وأرضها:
لماذا الثورة؟ الاربعاء, 01 يونيو 2011 عمر أبو سعدة * الحياة كشفت الصور التي بثتها وسائل الإعلام
للتظاهرات في مختلف المدن السورية،
على نحو جلي، الفقر والبؤس الهائل الذي
تعيشه تلك المدن والقرى. يصحّ هذا في
صور البيوت المزرية والطرق غير
المعبّدة التي لا يمكن أن تنتمي بحال
من الأحوال إلى القرن الحادي
والعشرين، كما في الوجوه المرهقة
لمتظاهرين أنهكهم الفقر وسحقتهم سنوات
طويلة من الإذلال والاضطهاد الشديدين
على يد أجهزة الأمن السورية. عمل النظام السوري عبر سنوات حكمه
الطويلة، اعتماداً على أيديولوجية حزب
البعث العربي الاشتراكي ومؤسساته
المختلفة، على تدجين شخصية السوريين.
فالطفل يترعرع في منظمة «طلائع البعث»
ثم يقضي مراهقته في ربوع منظمة «اتحاد
شبيبة الثورة» ويتفتح وعيه السياسي في
«الاتحاد العام لطلبة سورية»، ما يعمل
على تثبيت شخصيته في أطر محددة تسمح
للنظام بتأطيره والسيطرة عليه. وقد
بدأت هذه الشخصية تأخذ ملامح محددة
تمثلت في الانخفاض الشديد في تقدير
الذات لدى معظم السوريين، وتدني
المعايير الأخلاقية في التعاملات
اليومية التي ظهرت آثارها الجانبية
على شكل أمراض اجتماعية باتت منتشرة في
سمات الشخصية السورية في شكل ملحوظ حيث
يظهر عدد غير قليل من السوريين في صورة
أشخاص مستهلكين، غير مبتكرين، فاقدين
للقدرة على المنافسة، انتهازيين،
منغلقين على ذاتهم، كارهين للآخرين.
وتمحورت أقصى طموحات الشاب السوري في
الحصول على مسكن أياً يكن، وحياة زوجية
رتيبة، أي العيش في أدنى الحدود. في
المقابل كانت شريحة صغيرة جداً من
المنتفعين من النظام قادرة على تحقيق
أي من طموحاتها بكل سهولة ويسر وكأنها
احتكرت القدرة على الحلم في سورية،
وهذا بينما أحلام معظم الشباب مؤجلة
دوماً إلى زمن غير محدد. وفي نهاية التسعينات وبينما استكان
النظام إلى هذا الانجاز، كانت مؤسساته
الحزبية تضعف وتفقد الكثير من
سيطرتها، وازداد تمركز النظام على
ذاته في دمشق وضعفت علاقته أكثر فأكثر
بالمناطق الأخرى والشرائح الاجتماعية
التي لا توافقه الرأي، مما دفعه إلى
تهميشها وإهمالها. كل ذلك سمح لثقافة
مختلفة أن تولد، هي ثقافة الهامشيين
الذين يمثلون أكثرية السوريين. وترافق
ذلك مع ظهور جيل جديد، جيل ملّ مشاهدة
برامج التلفزيون الرسمي وقراءة الكتب
البعثية وترديد الشعارات في المدارس
الحكومية. وبدأ يحاول تطوير شخصيته
مستخدماً أدوات جديدة ساعد عليها
انتشار وسائل الاتصال الحديثة التي لم
تكن تحت السيطرة الكلية للسلطة. هذا الجيل كان ينفر من صورته التي فرضها
النظام، وصار يبحث عن صورة مختلفة
يواجه بها نفسه، ويتقدم بها من الآخرين.
وجاءت الثورات العربية من تونس إلى مصر
وليبيا واليمن لتستفز رغبة الشبان
السوريين في التعبير عن أنفسهم بطريقة
جديدة. ومع بداية الاحتجاجات وداخل
تجربة التظاهر نفسها، بدأ السوري
إعادة اكتشاف فاعليته التي غابت عنه
زمناً طويلاً. شعر للمرة الأولى بأن
صوته له قيمة حينما ينضم إلى أصوات
الآخرين، وتأكد من أن قدراته على
التعبير والابتكار أكبر مما كان يعتقد.
ومن هنا بدأت علاقته بالشارع تتغير
تماماً، وصار يدرك أنه هو المالك
الحقيقي للمكان وليس النظام. وهكذا من
مجرد مواطن هامشي يتبع صوتاً واحداً
إلى انسان يتذوق معنى الفردية، بدأت
معالم شخصية جديدة بالظهور. صارت
الشخصية السورية تكتشف مجدداً معاني
التحدي والإصرار والشجاعة مع الصور
المبهرة لمتظاهرين يكررون النزول إلى
الشارع على رغم الكلفة الثقيلة لذلك،
وهي من الأعلى بين الثورات العربية. الاحساس بالآخرين والشعور بالمسؤولية
ظهر أيضاً من خلال شعارات التضامن التي
رفعها الناس دعماً لبعضهم بعضاً، حيث
رفعت بانياس شعارات لدعم درعا ورفعت
حمص شعارات لدعم بانياس، وهكذا. وصارت
مناطق كانت منسيّة حتى من السوريين
أنفسهم، مثل دوما وحرستا وإنخل وجاسم
وتلبيسة والبيضا وغيرها، تحتل شاشات
الإعلام وصفحات الجرائد الرئيسة.
وبدلاً من أحاديث تافهة في المنازل
والمقاهي العامة، انطلقت أفكار جديدة
للنقاش في كل مكان. هذا الحراك الهائل
بدأ يحل تدريجاً محل الجو الرتيب
والمحبط الذي كان يحتل الفضاء السوري
قبل فترة وجيزة. لكن الاكتشاف الأهم هو الخيال الذي يتمتع
به المحتجون. ففي مقابل مخيلة النظام
البائسة التي لا تعرف سوى استخدام
الرصاص، بدت مخيلة المتظاهرين خصبة
وحيّة على الدوام. فكانت تُبتكر شعارات
جديدة مع كل يوم جمعة، وهذه الشعارات
شديدة البلاغة والقدرة على مواكبة
الحراك السياسي بوضوح وبساطة. وبينما
ينتظر رجال الأمن في الأماكن المعتادة
نفسها، يغير المتظاهرون كل مرة أوقات
التظاهر وأماكنها، كما يغيرون طرق
الهرب. وفي مقابل الخطاب الانشائي
الأجوف للنظام الذي لا يزال يستخدم
مفردات المؤامرة والخيانة والمندسين
التي كررها على مدى سنوات حكمه، فإن
المحتجين، وعبر الفضاء الافتراضي وفي
الحياة اليومية، يبتكرون لغة حية مرحة
تتهكم على مفردات النظام وتكشف زيفها
وفجاجتها. وأمام تهريج المحللين
السياسيين الرسميين، تخرج الأفلام
التي يلتقطها المتظاهرون بكل حرفية
وإتقان. وفي مقابل عنف «شبيحة» الأمن
وهمجيتهم، ظهر تشديد المتظاهرين على
السلمية والابتعاد عن العنف. وبهذا نستطيع تلمس الإصرار العنيد
للمتظاهرين على تمييز أنفسهم والقيم
التي يحملونها عن القيم التي يحملها
النظام وأنصاره. ومن الواضح أن هذه
الثقافة المغايرة التي تطرحها
التظاهرات باتت تنتشر يومياً وفي شكل
متسارع، على رغم مئات القتلى وآلاف
المعتقلين، كما لا تزال الأرقام
الحقيقية غير معروفة بعد، في المدن
السورية المختلفة. وهكذا، فإن الثورة في سورية اليوم بقدر ما
هي ثورة على الفقر والقمع الأمني،
فإنها من دون أي شك ثورة لقيم الحرية
والعدالة والكرامة والجرأة والابتكار
التي كانت هامشية في ظل النظام
المتمركز على الفساد والاستغلال
والاضطهاد. وهي احتجاج لشباب سورية على
الصورة التي جمّدهم النظام فيها،
فكأنهم يريدون التعبير عن اختلافهم
التام عن ذلك المواطن الخانع الممل
الذي اعتاد النظام تقديمه في قنواته
الرسمية كنموذج للمواطن الصالح،
مؤكدين أنهم جزء من روح عالمية منفتحة
ومُحبة ومتحررة. وأياً تكن
السيناريوات التي ستأتي بها الأيام
المقبلة، صار من الواضح أن مشاريع
النظام أضيق بكثير من أن تلبي طموحات
المتظاهرين المتزايدة، وأن مخيلة
السوريين وأفكارهم تنطلق مسرعة تاركة
وراءها نظاماً كهلاً مترهلاً لن يتمكن
من اللحاق بها. ليلة الخميس وعلى طاولة خشبية في أحد
مقاهي دمشق العتيقة يجتمع أربعة شباب
يتجادلون، يحلمون، ويخططون ليوم الغد،
ثم ينظرون إلى سماء الشام الصافية
مباشرة من دون أن يحجبهم عنها أي سقف،
مهما كان ذاك السقف. ================== الاربعاء, 01 يونيو 2011 عبدالله إسكندر الحياة تستحضر السلطات السورية «المؤامرة»
الخارجية في حركة الاحتجاج الداخلية،
كرفض للاعتراف بأن ثمة ازمة داخلية،
وتالياً للبحث الداخلي في هذه الأزمة،
وكتبرير للمضي في الحل الامني لمواجهة
موجة التظاهرات، وكرهان على ان
الاحتجاجات ستنحسر وتضمحل تدريجياً مع
زيادة القمع والبطش، فتنتصر السلطات
في مواجهة هذه «المؤامرة»، وتعود
الاوضاع الداخلية الى ما كانت عليه قبل
اندلاع الاحتجاجات. وتنعكس هذه الصورة الوردية في تقديرات
السلطات السورية في الكلام عن ان
الازمة تشارف على نهايتها، لتنعقد صلة
ما بين ازدياد عدد الضحايا وهذه
النهاية ودحر «المؤامرة»، والامتناع
عن النظر في الوضع الداخلي الذي كان
الخلل الكبير فيه وراء الحركة
الاحتجاجية والمَطالب الاصلاحية. والملفت في هذا الصدد تركيز الحملة
السورية الرسمية، في اطار التنديد بـ «المؤامرة»،
على الولايات المتحدة وفرنسا والحملة
شبه الرسمية على تركيا، فهذا التركيز
يعود اساساً الى ان الدول الثلاث حاول
كل منها أن يقول، على طريقته، إنه لا
مفر من هذه الاصلاحات، وإن السلطة
الحالية ينبغي ان تقوم بها قبل فوات
الاوان. وهنا يأتي استحضار السيادة الوطنية ورفض
الإملاء كوجه آخر من «المؤامرة»، ما
يلغي كل ما قيل رسمياً عن رغبة في
الاصلاح والإسراع من دون تسرّع... إلخ،
علماً ان ما أعلن حتى الآن يتعلق
بمظاهر الاصلاح وليس بجوهره، من إلغاء
حال الطوارئ، ولجان التحقيق والحوار
في المحافظات، وصولاً الى مشروع
القانون الانتخابي، بما يعني ان هذا
الإصلاح الظاهري هو الوجه الآخر للحل
الامني. هكذا يبدو المأزق كاملاً، في ظل تفاوت
كبير للقوى بين السلطة والمعارضة، وهو
تفاوت يرتبط بالحقبة السابقة، التي لم
يفوّت الحكمُ خلالها ايَّ مناسبة
للقضاء على اي صوت مغاير لصوت الحزب
الحاكم ومؤسسات الحكم، مستخدماً
ترسانة من القوانين والممارسات
القهرية، وهي الترسانة التي لا تزال
حتى الآن مستخدَمةً، رغم بعض
الإجراءات التجميلية. وما يعمق المأزق، ان المعارضة السورية،
بأصواتها المختلفة، لم تطرح برنامج
تغيير كامل، فهي لا تزال حتى هذه
اللحظة، ورغم كل ما تشهده البلاد،
وبصرف النظر عن قوتها وشعبيتها، تراهن
على إمكان الاصلاح من داخل النظام وتحت
قيادته، شرط ان تدرك هذه القيادة ان
معوقات الاصلاح تكمن في منع التعددية
والخيار الحر للمواطنين واحترام حقوق
الانسان وتكريس ذلك في الدستور
والقوانين. وهذا ما يشكل خطورتها، لانها تتلاقى على
نحو ما، وفي الخطوط العريضة على الأقل،
مع الدعوات الخارجية للحكم السوري
بتولي عملية الاصلاح المطلوبة، وتصبح
جزءاً من «المؤامرة» وليس الحل. هكذا يسد الحكم بنفسه منافذ المخارج
السياسية من الأزمة، بنفيه اصل
المشكلة، وبنفيه ان المحتجين
والمعارضين اصحاب مصلحة مباشرة في
التغيير. ولم يعد يخيفهم إشهار هذه
المصلحة، مهما كانت حدة العقاب الذي
يتلقونه جراء هذه المجاهرة. بكلام آخر، سقطت نظرية التحام الشعب
بالقيادة، ومعها نظرية ان الشعب تكفيه
شعارات الممانعة فحسب. والاخطر من ذلك،
هو رفض الحكم السوري التقاط معنى
المعارضة وغايتها، ورفض الاعتراف بأن
المجتمع السوري يتطور مثل غيره من
مجتمعات العالم ويتوق الى الحرية
والكرامة السياسية. لم يطرح المعارضون السوريون انفسهم،
وغالبيتهم قضوا فترات طويلة في السجون
بتهم تطاول الرأي، بدائل عن النظام
الحالي، او برنامجاً انقلابياً، إنهم
يطالبون بإصلاح ديموقراطي تدريجي
تشارك فيه كل مكونات المجتمع السوري،
بما فيه الحكم الحالي وما يمثله، أي
بإصلاح على اساس مصالحة وطنية كبيرة...
لكن كل مقدمات التعامل الرسمي مع
الأزمة تشير الى ان الطريق مازال
طويلاً ومؤلماً أمام مثل هذا الاحتمال. ================== من أنقرة إلى دمشق الفرص
تهدر والوقت يضيق سمير صالحة الشرق الاوسط 1-6-2011 لا حاجة للف والدوران؛ المعطيات كلها
تشير إلى أن العلاقة بين حكومة العدالة
والتنمية والقيادة السورية لن تعود
إلى ما كانت عليه قبل شهرين؛ تاريخ
اندلاع الأحداث في المدن السورية،
بمثل هذه السهولة، هذا إن لم نشأ
الحديث عن تراجع دائم وتوتر ينتظر
اللحظة المناسبة للانفجار. عودة
المياه إلى مجاريها تحتاج إلى أكثر من
لقاء لا نرى الرغبة في انعقاده بين
القيادات في البلدين، بعدما كان رئيس
جهاز الاستخبارات التركي، هاقان
فيدان، آخر من التقى الأسد في العاصمة
السورية لمناقشة الاقتراحات التركية
التي فسرها الإعلام الرسمي السوري على
أنها نصائح ودروس لا تحتاجها سوريا.
العلاقات المشحونة لن ينقذها كذلك
الاتصال الهاتفي الأخير بين رئيس
الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان،
والرئيس، بشار الأسد، فالأصوات
المنبعثة من دمشق، أو من يحاول أن ينوب
عنها، تتحدث عن محاولات الطعن من
الوراء، وتراجع الصعود التركي
الإقليمي، بعدما أغلقت في وجهه
البوابة السورية. التوضيح الذي أراده وزير الخارجية، داود
أوغلو، وبعد ساعات قليلة على الاتصال
الهاتفي حول الموقف التركي الرسمي
الذي لم يتغير حيال ما يجري في سوريا: «كنا
نتوقع انطلاق عجلة الإصلاح قبل أشهر
طويلة. نحن الآن يصعب علينا التأكد إذا
ما كان الشعب السوري سيظل يراهن على
قدرة الرئيس الأسد على الإمساك بزمام
الأمور، الوقت بدأ يضيق، ونحن ننتظر
أجندة الإصلاحات بأسرع ما يمكن، ودون
أخطاء»، رافقه الرد السريع من دمشق
بحملة عسكرية جديدة ضد بعض المدن
السورية، تتقدمها الدبابات، لوقف
المتآمرين على أمن واستقرار سوريا من
الداخل والخارج عند حدهم. شعرة معاوية، أو الخيط الرفيع الذي يسعى
الجانبان؛ التركي والسوري، لحمايته في
علاقاتهما، المتوقع أن يتعرض للاهتزاز
مرة أخرى، عندما تصل أنباء مقتل الطفل
السوري، حمزة علي الخطيب، إلى مسامع
رجب طيب أردوغان، خصوصا إذا ما ثبت
تعذيبه بهذه الوحشية التي تتحدث عنها
وسائل الإعلام، وإلا فإن أردوغان
سيُتهم بازدواجية المعايير، بعدما وقف
يندد باستهداف الإسرائيليين لأطفال
جنوب لبنان والأراضي الفلسطينية
المحتلة برصاصهم وقنابلهم. قبل أسابيع، استضافت تركيا قيادات
الإخوان المسلمين السوريين ليعلنوا
رأيهم من إسطنبول حول ما يجري في
بلادهم، فكان ثمن ذلك حملة إعلامية
وسياسية رسمية واسعة ضد قيادات
العدالة والتنمية، اليوم لن يكون من
الصعب جدا تصور ما سيحدث حيال استضافة
أنطالية التركية لقيادات ورموز في
المعارضة السورية شكروا أردوغان مطولا
على فتح الأبواب أمامهم باسم الحرية
والديمقراطية والتغيير. تركيا حريصة على العلاقات الاستراتيجية
مع سوريا، كما قال أردوغان، لكننا لم
نعد نعرف إذا ما كانت حريصة على
علاقاتها الاستراتيجية مع القيادة
السورية نفسها. محاولة إخراج الجار
السوري من أزمته قد تتوقف عند حدود
الدولة المجاورة الواجب إعطاؤها
الأولوية المطلقة في اهتمامات السياسة
الخارجية الحالية، كما قال داود أوغلو.
التمييز بين سوريا الجار وسوريا
النظام معادلة جديدة بدأت تتشكل في
صفوف صناع القرار التركي، وكلمة الحسم
هي عند الرئيس الأسد وحده لإسقاط كل
هذه الاحتمالات. خارطة الطريق التركية باتجاه سوريا، التي
يتحدث البعض عنها، لا وجود لها، وهي
مجرد محاولة لإشراك أنقرة في الأخطاء
المتلاحقة التي تُرتكب هناك. لا خدمات
تركية تقدم في دمشق طالما أن الصوت
التركي لا يعبر الحدود المشتركة هذه
المرة، ولا أحد يقبل بطلب إعلان
المرحلة الإصلاحية الانتقالية أو
البوح بكلمة السر التي تعيق طريقه. و«علاج الصدمات» الذي طالب به داود أوغلو
قد يبدأ في القريب العاجل؛ ليس فقط
لحماية سوريا واستقرارها، بل لتحمي
تركيا نفسها من ارتدادات الأزمة
السورية، التي يلوح البعض بلعبها ضد
أنقرة على طريقة عليّ وعلى أعدائي. شعبية الرئيس الأسد تتراجع، تحديدا في
صفوف القواعد الإسلامية داخل العدالة
والتنمية، كذلك هي الحالة مع شعبية
أردوغان في أوساط البعثيين المتشددين،
حماة النظام والمحاربين باسمه. لكننا
مع ذلك نأمل أن لا يتحول النقاش إلى
أبعد من ذلك في المستقبل القريب، فنجمع
بين مصالح البعض في تل أبيب، الذين
كانوا وما زالوا يبحثون عن الفرص
والحلفاء الذين يدعمونهم في إسقاط
حكومة العدالة وإبعادها عن السلطة في
تركيا، وبين مصالح أصوات ارتفعت مؤخرا
في دمشق تلوح بمعادلة الربط بين
الاستقرار في سوريا والأمن في
إسرائيل، التي قد تتحرك هي الأخرى
لمحاربة حكومة أردوغان ومحاولة
الإطاحة بها، على طريقة عدو عدوي هم
صديقي. ================== امل عبدالعزيز الهزني الشرق الاوسط 1-6-2011 وين الملايين؟ الشعب العربي وين؟ الشرف العربي وين؟ في صدري مخزن رشاشة ونقول إخوتي وين؟ جاه النوم ونام الباشا ونحنا مشردين هذه بعض كلمات أغنية حماسية شارك في
تأليفها وغنائها مجموعة مشتركة من
الفنانين العرب من سوريا وليبيا وتونس
ولبنان، كان المشهد أشبه بالسيريالي؛
حيث إن التصوير المرافق للأغنية أظهر
شبابا عربيا أعزل يدافع عن نفسه
بالحجارة أمام خصوم مسلحين. للوهلة
الأولى التبس عليَّ الأمر؛ ظننت أن هذا
المشهد المثير للألم هو استكمال
للمشاهد التي نراها يوميا في درعا أو
حلب، لكن ظهور العلم الإسرائيلي قطع
شكي باليقين. ما كنت أراه في فيديو
الأغنية هي اشتباكات عربية - إسرائيلية
بين شباب أعزل، وجنود الجيش
الإسرائيلي. ليس لأحد أن يلومني على عدم التمييز بين
الحدثين؛ لأن المشاهد كأنها مستنسخة
من بعضها: جنود مسلحون يطلقون الرصاص
ويمارسون الضرب والإذلال على جمهور من
العزل، وأطفال الحجارة يمارسون السلوك
نفسه الذي اعتدناه من الفلسطينيين،
يرمون حجارتهم تجاه الجنود ثم يركضون
متراجعين أو يلوذون بالفرار بين
الأزقة. عمليا، لا فرق بين الحالتين،
شباب وأطفال بلا سلاح، وعسكر قساة،
والحجارة هي الحجارة، الفرق الوحيد
الذي لا يمكن تبيانه بسهولة هو جنسية
الأطراف المتخاصمين. كما كانوا يسوقون لأنفسهم دائما،
الفنانون هم أصحاب رسالة، وهذه
الرسالة يفترض ألا تكتب مرة بالحبر
الأزرق ومرة بالحبر السري، حتى لا تفقد
صدقها وثقة الناس بها. حينما رشح
الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش
الابن نفسه للفترة الرئاسية الثانية
هددت بعض الشخصيات الفنية الوجيهة في
هوليوود بالانتقال للعيش في أوروبا أو
أستراليا في حال فوز بوش بالرئاسة، على
الرغم من أن الممثل أو الممثلة في
أميركا، خاصة المشاهير منهم، يعيشون
في مستوى مادي واجتماعي لا يتوافر للصف
الأول من رجال السياسة.. دعوا عنكم طبقة
المجتمع الوسطى الأكثر تأثرا بسياسات
الرئيس، وبالتالي المساس بمصلحة
الفنانين أمر غير وارد مهما كانت هوية
ساكن البيت الأبيض. ولا مقارنة بين الوضع في أميركا والوضع في
سوريا من حيث مستوى التعبير عن الحرية،
لكن من المحبط أن نكتشف أن من صنفوا
أنفسهم تحت خانة الفن العربي القومي
كانوا طوال تاريخهم المهني يمارسون
الخداع العربي وليس الفن العربي، وأنه
حينما جاء وقت اختبار هذه المبادئ
والقيم العليا ظهر معدنها الصدئ،
واتضح أن القصة حقا كانت تمثيلا في
تمثيل، وأن ما يقال في مواقع التصوير
يختلف عما يقال في الشارع. وليتهم
اختبأوا كما يختبئ الرعديد، لكن بعضهم
يجاهر بموقفه المعلن ضد أهله الذين
فتحوا صدورهم واستلقوا في طريق
المدرعات طلبا للعدالة الاجتماعية. لا أظن أن الفنانين السوريين يصدقون ما
يصرحون به حول وجود مؤامرة خارجية ضد
بلدهم، أو أن ما يحصل هو بفعل
إرهابيين، أو أن الإعلام يبالغ في عرضه
للحدث.. فهذه أمور لم تعد في انتظار أحد
أن يكذبها أو يؤكدها. اليوم أعيد ترديد كلمات الأغنية نفسها
وأتساءل: «الفنان السوري وين» مما
يحصل؟ أين حديث الكرامة الذي نسمعه في
كل عمل فني أو أغنية وطنية؟ مسلسل «باب
الحارة»، الشهير، متخم بعبارات النخوة
والإقدام، حتى إن كاتب النص قفز فوق
اختلاف الديانات، فأصبحت نصرة الإنسان
السوري فوق كل اعتبار.. فهل انتهاك
الكرامة السورية حرام على «الفرنساوية»
حلال على ذوي القربى؟ سيسجل التاريخ أن أكثر ما عاب النظام
السوري خلال هذه الأحداث أنه مارس
سلوكا ضد سكان قلعة العروبة لم نعرفه
إلا من خلال العدو الصهيوني على الجهة
الأخرى من الجولان، وأن أكثر ما عاب
الفن السوري أنه أصبح فنا ضد أهله، ضد
صراخ الأهالي من نساء ورجال وأطفال
اختاروا أن يحملوا على عاتقهم حمل
الرسالة التي تخلى عنها الفنانون. * كاتبة وأكاديمية سعودية ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |