ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
سورية.. حتى لا يتحوَّل (الربيع)
إلى (خريف) ! جواد البشيتي 2011-06-14 العرب اليوم "الربيع العربي" في سورية, أو "حراكها
الشعبي", يختلف في بعضٍ من أوجهه
وملامحه ومعالمه; فشباب الثورة
السورية لم يتمكَّنوا, حتى الآن, من
الاحتشاد والتجمهر والاعتصام في ميدان
(أو ساحة) كميدان التحرير في العاصمة
المصرية, ليُصْبِحوا, في نموِّ حراكهم,
ككرة ثلج متدحرجة, وَليَغْدو تفريقهم
وتشتيتهم بالقوَّة, بأوجهها المختلفة,
ومع ما يملكه الثوَّار من وسائل وقوى
إعلامية جديدة, من الصعوبة بمكان. لقد حال نظام الحكم (حتى الآن) بينهم وبين
التسلُّح بهذا "الاحتشاد الشعبي"
الذي ثَبُتت وتأكَّدت أهميته الثورية,
فاضطُّروا إلى لَعِب لعبة الحشود
الصغيرة, الكثيرة, المتنقِّلة من مكان
إلى مكان, والتي لا تَدُوم ولا تستمر
إلاَّ ساعات عدة, فيَصْعُب, من ثمَّ,
على القوى الأمنية والعسكرية ضربها
والتعرُّض لها; وإلى هذه الحشود
اليومية (تقريباً) يُضاف, بعد صلاة
الجمعة, حشود تَخْرُج من بعض المساجد. نظام الحكم شرع يَلْعَب لعبة مضادة; فلقد
زجَّ بالطائرات المروحية (هليوكبتر) في
المعركة. الصراع شرع, في بعض الأماكن, يُنْتِج قوى
تُصارِع بالسلاح القوى الأمنية
والعسكرية لنظام الحكم, فإنَّ بعضاً من
المنتسبين إلى الجيش والأجهزة الأمنية
ينشق, وينضم إلى الشعب; وهذا حَمَلَ
نظام الحكم على إرسال قوى عسكرية
وأمنية إلى بعض المدن, أو الأماكن
المأهولة, لاقتحامها, بعد محاصرتها,
وقَرْع طبول الحرب, أي بعد أنْ يتمكَّن
من إخلائها من قسم كبير من سكَّانها من
طريق حَمْلِهم على النزوح إلى أماكن
أخرى, بعضها في بلاد مجاورة كتركيا. وفي
هذه الطريقة, تندلع حروب صغيرة في داخل
المدن للقضاء على "المنشقِّين"
الذين يُصوِّر نظام الحكم القتلى منهم
(أي الذين قَتَلَهم) على أنَّهم ضحايا
"الطرف الثالث" الذي يُقتِّل
الطرفين (الدولة والشعب) معاً! ومع استمرار واحتدام الصراع بين الشعب
ونظام الحكم قد يتعرَّض الجيش السوري
إلى انشقاق مختلف; فقرار الحكومة
التركية السماح بنزوح (وباستمرار نزوح)
مدنيين سوريين إلى جنوب تركيا قد
يُشجِّع (مستقبلاً) جنوداً سوريين (مع
أسلحتهم أو من دونها) وعائلاتهم على
الفرار والنزوح إلى الأراضي التركية,
فلا يبقى من القوى العسكرية والأمنية
إلاَّ ما يشبه "الكتائب الأمنية"
الليبية لجهة ولائها وإخلاصها لنظام
الحكم السوري الذي يتلوَّن أكثر فأكثر,
عندئذٍ, بلونٍ فئوي. وتركيا القلقة من عواقب "فراغ أمني"
في المناطق الكردية من سورية قد تضطَّر
إلى تشديد قبضتها الأمنية والعسكرية
على حدودها مع تلك المناطق (وقد يقترن
هذا بلعبها لعبة مشابهة للعبتها
الأمنية والعسكرية في شمال العراق
الكردي). وأحسب أنَّ الوجود العسكري السوري في
الجولان لن يظلَّ زمناً طويلاً بمنأى
عما يتعرَّض له الأمن القومي لسورية في
الداخل, وفي الشمال; ومع تحوُّل هذا
الأمن القومي إلى "أمن فئوي" لا
يبقى من أهمية تُذْكَر للوجود العسكري
السوري في مواجهة العدو الإسرائيلي. وإذا أصبحت تركيا مضطَّرة إلى أنْ تبتني
لنفسها جداراً أمنياً منيعاً في
مواجهة الخطر الكردي في مصادره
الثلاثة (العراقي والسوري والتركي)
فإنَّ الحاجة ستشتد, عندئذٍ, أو في
الوقت نفسه, إلى أنْ يأتي التغيير
الجيو - إستراتيجي بما يقي "حزب الله
(الشيعي اللبناني)" شرَّ حصاره
بإغلاق "معبر رفح" السوري;
فالجغرافيا إنْ تغيَّرت فيجب أنْ
تتغيَّر بما يسمح ببقاء "اتِّصال
جغرافي" بين هذا "الحزب" و"الدولة"
في سورية والتي تحوَّلت من سورية إلى
فئوية; وهذا الاتِّصال يجب أنْ يمتدَّ
إلى إيران عبر العراق, أو عبر مناطق
عراقية. إنَّ قَوْساً جيو ¯ إستراتيجياً جديداً
قد يتمخَّض عنه هذا الصراع المستمر
والمحتدم في سورية بين الشعب ونظام
الحكم; وهذا القوس يشمل إيران, والعراق
الذي اتِّسع فيه وتعزَّز النفوذ
الإيراني, و"الدولة الفئوية" في
سورية, و"حزب الله" في لبنان. وهذا القَوْس سيجعل تركيا, التي تُعِدُّ
نفسها لمواجهة التحدِّي الإستراتيجي
الكردي, في مواجهة تحدٍّ إستراتيجي آخر. إنَّ ثورة الشعب السوري مدعوَّة إلى أنْ
تصارع من أجل الحرِّية والديمقراطية;
لكن بوسائل وشعارات ومطالب وبرامج
تَحْفَظ وحدة الشعب السوري, توصُّلاً
إلى الحفاظ على وحدة سورية الحرَّة;
فما أصاب العراق (ولبنان من قبله) يجب
ألاَّ يصيب سورية التي ليس لدى نظام
الحكم فيها من رادع يرعه عن التضحية
بوحدة البلاد, شعباً وأرضاً, في سبيل
البقاء. =================== بورزو درجاهي - تركيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي.
تي. إنترناشيونال» تاريخ النشر: الثلاثاء 14 يونيو
2011 الاتحاد إنهم المحظوظون، المئات من اللاجئين
السوريين الذين فروا من قمع حكومتهم
ووصلوا إلى الحدود مع تركيا. البعض
تمكن من الوصول عبر الطرق الريفية، لا
يحمل معه شيئاً سوى القليل من الأغراض
والمتعلقات الشخصية. وبعد عبور الحدود
من خلال فتحات في الأسلاك الشائكة،
يركب الاجئون حافلات تقلهم إلى مخيم
مؤقت، أو إلى مستشفى إذا كانوا مصابين
بجروح جراء طلقات نارية. هذا في حين
يلجأ آخرون إلى أقارب أو أصدقاء أو
شركاء تجاريين في تركيا. غير أن البعض لم يفلح في الوصول إلى
السياج الحدودي؛ حيث قتلوا رمياً
بالرصاص من قبل قوات الأمن السورية في
طريقهم نحو الحدود التي توجد على بعد
أقل من 10 أميال من مدينة جسر الشغور
المحاصَرة، أو قضوا متأثرين بجروح
أصيبوا بها في البلدة. ثم هناك أولئك
الذين ظلوا مختبئين في منازلهم،
يمنعهم خوفهم أو إباؤهم من الرحيل. وفي
هذا السياق، قال أحمد عبدالله، وهو
تاجر في الخامسة والثلاثين من عمره وأب
لخمسة أطفال تسلل إلى تركيا ووجد ملجأ
لدى أحد المعارف في هذه القرية
الحدودية الصغيرة: "لقد تمكنت
وعائلتي من الوصول إلى هنا بأمان، لكن
العديد من الأصدقاء من جسر الشغور لم
يحالفهم الحظ". وأضاف عبدالله يقول:
"لقد تظاهرنا للمطالبة
بالديمقراطية ورفعنا أغصان الزيتون،
لكننا قوبلنا بالذخيرة الحية". وقد عبَر لاجئون سوريون الحدودَ التركيةً
بأعدادٍ كبيرة هذا الأسبوع هرباً من
قوات الأمن السورية، ويقولون إنها
تطلق النار وتعتقل وتعذب المحتجين
الذين يحتجون بطريقة سلمية في جسر
الشغور، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها 50
ألف نسمة، وقرى أخرى مجاورة. كما يقول
السكان إن جنوداً سوريين عصوا أوامر
بإطلاق النار على المتظاهرين
المطالبين بتغيير ديمقراطي قبل نحو
أسبوع، وإن الحكومة ردت بإرسال قوات
موالية أطلقت النار على عشرات الجنود
إضافة إلى السكان. ويذكر هنا أن
التلفزيون السوري الحكومي بث صوراً
فظيعة لجنود ميتين يزعم أنهم كانوا
ضحايا لـ"مجموعات مسلحة" تمكنت
على نحو ما من سرقة مركبات وبدل
عسكرية، وهو أمر يشكك فيه مراقبون
مستقلون يتابعون الاحتجاجات السورية
الحالية التي بدأت قبل أشهر. وقد قامت القوات السورية بجمع الدبابات
والمدرعات في جسر الشغور وحولها، مما
دفع الآلاف إلى الهرب نحو الريف وإلى
تركيا، الحليف السابق للأسد. وفي هذا
السياق، قال أحد سكان إدلب، وهي عاصمة
محافظة بالقرب من جسر الشغور، في حوار
معه عبر الهاتف: "إن الوضع فظيع،
وثمة هجمات واسعة النطاق تنفذها
القوات الأمنية التي تنتهج سياسة
الأرض المحروقة تقريباً". وأضاف هذا
المتحدث الذي طلب عدم الكشف عن اسمه
كإجراء احتياطي: "هناك غارات طوال
الوقت؛ ونقاط التفتيش التابعة للجيش
تحيط بالمدينة وتمنع الجميع من حرية
التنقل". هذا، وقال وزير الخارجية التركي
للصحافيين إن 2400 سوري على الأقل عبروا
إلى تركيا هرباً من العنف، في حين قال
لاجئون ومسؤولو مساعدات إن آلافاً
آخرين مازالوا عالقين على الجانب
السوري. ولئن كان المواطنون السوريون
يستطيعون دخول تركيا بدون تأشيرات،
فإن العديد ممن يعبرون الحدود هم عمال
ومزارعون فقراء نسبياً لا يملكون
جوازات سفر ويضطرون للعبور بطريقة غير
قانونية. ويذكر هنا أنه في وقت سابق من الاحتجاجات
الحالية التي بدأت قبل ثلاثة أشهر
متأثرة بـ"الربيع العربي"، كانت
أعداد من السوريين قد عبرت الحدودَ مع
لبنان والأردن فراراً من الرد الحكومي
العنيف. وفيما يبدو أن القمع يزداد، يقول نشطاء إن
أزمة لاجئين كبيرة يمكن أن تحدث، لكنها
مختلفة عن تلك التي في ليبيا، حيث فرّ
عشرات الآلاف من القتال بين قوات الأمن
الموالية للقذافي والمقاتلين
المطالبين بالديمقراطية. وفي هذا السياق، قال ناشط في حمص: "إن
الوضع يزداد سوء يوما بعد آخر"، و"إنهم
يرغبون في موتنا جميعاً أو ذهابنا إلى
مكان بعيد". =================== عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن تاريخ النشر: الثلاثاء 14 يونيو
2011 الاتحاد تعتقد الأنظمة المأزومة، وتدّعي، أنها
إزاء مشكلة إعلامية بحتة. هي تعرف
الحقيقة لكن لا مصلحة لها في الاعتراف
بها. في الأساس هو ما يحصل على الأرض،
أي في الواقع، بكل ما يعنيه من شجاعة
ومجازفة، من عرف ودمع ودم، ومن إرادة
شعب. وما تنقله الشاشات هو الصورة،
المؤثرة والموحية بلا شك، لكن التغيير
يأتي نتيجة الفعل لا الصورة. تنزعج الأنظمة، طبعاً، لأنها اعتادت أن
تُقدم على ارتكاباتها من دون رقباء ولا
شهود. تحتفظ بوجهها القبيح في أقبية
مظلمة، ولا يظهر للعيون سوى الوجه
الجميل الناصع، الذي لم يكن يوماً إلا
على ما يرام. فجأة وجدت نفسها مسبوقة في
التيار الجارف، فضائيات، شبكات
إلكترونية، عدسات هواتف جوالة، ولا
قدرة لها على احتكار الوصول إليها أو
تقييده، ولا على منع خصومها أو ضحاياها
من استخدامها. تلك هي "الثورة"
التي فرضت نوعاً من "التكافؤ" بين
الأطراف. أصبح قتل شعب آمن، مثل قتل
امرئ في غابة، جريمة لا تغتفر، وليس
مجرد مسألة فيها نظر. كان النظام الليبي الأكثر جهوزية لليوم
الأسود. ذهب في التشويش على الفضائيات
إلى أقصى ما يستطيع، وأربكها إلى حين،
لكنه لم يتمكن من تعتيم شاشاتها.
استسهل تجنيد مهندسي تخريب على تدريب
إعلاميين وكوادر لمقارعة معلومة
بمعلومة ورأي برأي. كان يعلم مسبقاً أن
كل ما لديه هو للاخفاء، ولا يصلح
لإخراجه إلى الضوء. لكنه تشارك مع
الأنظمة الأخرى في نقد إقراري بأن
إعلامها قاصر، سبقه نقد ذاتي آخر بأن
أساليب الأمن متخلفة وأفراده غير
مدربين على التعامل مع تظاهرات سلمية
ولا مع أي نوع من التظاهرات لأن
التظاهر كان، ببساطة، محرماً. ثمة أسطورة قديمة انكسرت وسقطت. اسمها
الرواية الرسمية. وسقطت معها مقولة "صدّق
ما نقوله لا تصدّق ما تراه". غدا مثيراً للعجب أن امبراطوريات التضليل
تهاوت بلحظة مثل قصور من ورق. كانت جيوش
من الموظفين تشتغل فيها، تعرف ما يحدث
وتتفنن في إنتاج أفضل الأكاذيب
وأكثرها إبداعاً. في اليمن فائض وطني
من الذرائع، لعل أجودها وأكثرها
لبوساً لأي حدث أن تنظيم "القاعدة"
هو الذي ضرب. يذهب "البلاطجة" إلى ساحة التغيير
ليجعلوا من "جمعة الكرامة" جمعة
المذبحة، فيقال إن عناصر "مشبوهة"
اندست وقتلت ليصار بعدئذ إلى تلفيق
تهمة للنظام. أو يقصف مسجد دار الرئاسة
فيقال القبائل، أو "القاعدة"، أو
هجوم خارجي. لابد من الاعتراف بالابتكارية التي
يبديها الإعلام السوري، رسمياً أو "خاصاً"
بمثابة رسمي. ففي مرحلة أولى ظن أن ثمة
وجوهاً يمكن أن توصل حمولة الرواية
الرسمية بسلاسة وأن تؤمن إلى حد ما
قبولها. سرعان ما اكتشف أن تلك الوجوه
كانت محروقة وزادت احتراقاً. لذا انتقل
سريعاً أيضاً إلى وجوه جديدة اعتقدت
أنها مدعوة إلى تمرين على التهاتر
والتماحك. ورغم الألقاب التي تسبق الأسماء وتفترض
التوقير إلا أن أصحابها لم يروا لم
يسمعوا لم يفقهوا. همهم أن يحشروا
المذيع أو يفحموا المذيعة مع افتراض
الخصومة المسبقة أو المبيّتة. والواقع أن مجرد عرض صور أو مشاهد تنكيل
أو وقائع ثمع معلن صار يعتبر تدخلاً
غير مبرر في شأن داخلي يجب أن تُساءل
الدولة الراعية للفضائية على السماح
به. لكن هؤلاء المساكين زجّ بهم في
مهمات طارئة فجرى تلقينهم بعض الحجج ثم
أُفلتوا لقرائحهم واجتهاداتهم. لا عيب
في أنهم من أنصار النظام، طالما أن هذا
خيارهم الحرّ، لكن إلى أي حد يمكن
الدفاع عن قتل منهجي للناس. هذه مواجهة
مع الذات، مع الضمير، ستصبح قريباً
مواجهة مع المجتمع. ولعل ضخامة
العملية، وكثرة "الطلبيات"،
أوجبت الاستعانة بخبرات بعض
اللبنانيين كأبواق مرتزقة تثرثر
كثيراً ولا تقنع أحداً. قمة الابتكار تمثلت بدفع الفضائيات إلى
الخطأ المهني العلني، البيّن
والمفضوح، ليسهل إتهامها بسوء النية
والتشهير بها، حتى لو كان ذلك استخدام
سفيرة تُستقال بعلمها أو من دون علما،
ثم تكون جاهزة للنفي الصريح المبرمج.
كثيراً ما استخدم هذا الأسلوب سابقاً
مع الصحف المكتوبة بجعلها تتلقف خبراً
مهماً مكتمل العناصر، لتكتشف بعد
النشر أنها كانت ضحية خديعة. المشكلة أن هذه الأساليب تصلح للعب أو
للمشاغبات، لكنها تجرّب في ظروف غير
مناسبة. تستحق أرواح الناس ومطالبها
المشروعة مقداراً أقل من العبثية. ===================== التحول بالربيع العربي
إلى الخريف علي الصفدي الرأي الاردنية 14-6-2011 بسرعة فائقة انطلقت فاعلية الربيع
الديمقراطي العربي ضمن نطاق قطرين
عربيين هما تونس ومصر، واقتصر نجاحها
عليهما بتغيير نظاميهما الاستبداديين
طويلي الأمد، والانتقال بهما إلى
مرحلة البناء الديمقراطي على أسس
سليمة تماشياً مع إرادة شعبيهما
وتطلعهما نحو الحرية والتغيير
والإصلاح، بينما أخذ ذلك الربيع يراوح
مكانه في أقطار عربية أخرى أمعنت
أنظمتها في إجهاضه وإغلاق أبوابها في
وجهه والتحول به إلى خريف دامٍ عن طريق
إفراطها في استخدام القوة والعنف ضد
شعوبها وضد حقهم بالمناداة بالحرية
كغيرهم من الشعوب، وبالرغم مما كان
يجمع بين أنظمة دول الربيع ودول الخريف
من تشابه وتماثل، إلا أن ما أدى إلى
نجاح الحراك الشعبي في تونس في فترة
قياسية لم تزد عن سبعة وعشرين يوماً
فقط، امتدت من 18 كانون الأول 2010 إلى 14
كانون الثاني 2011 هو التجانس المجتمعي
بين المواطنين، حيث أنهم كلهم مسلمون
وعلى مذهب واحد هو المذهب المالكي،
واعتمادهم جميعاً على سلمية انتفاضتهم
الشعبية، وحيادية الجيش الذي رفض
استخدام القوة ضد المدنيين العزّل،
وكذلك الحال في مصر التي توفر لها
الاندماج الاجتماعي بتحالف مواطنيها
المسلمين الذين يمثلون تسعين بالمئة
من سكانها مع مواطنيها الأقباط،
والتفافهم حول ذات المطالب الشعبية
واتباع التظاهر السلمي لتحقيق هدفهم
في رفض استمرارية الرئيس الحاكم مدى
الحياة ورفض توريثه الرئاسة لأبنائه،
واستياء المؤسسة العسكرية من تصرفات
أجهزة الأمن المركزي ودمويتها في قمع
المواطنين المدنيين العزّل، كل ذلك
ساعد البلدين على تحقيق هدفهما
والدخول في مرحلة جديدة من البناء
والإصلاح الديمقراطي. ولعدم توفر التجانس المجتمعي في الأقطار
العربية الأخرى التي تموج مدنها
بانتفاضات شعبية عارمة ضد أنظمة حكم
فردية وعائلية وطائفية وذات حزب واحد،
ولما يسودها من انقسامات شعبية وقبلية
وطائفية، ولطبيعة بعضها الصحراوية
والجبلية مثل ليبيا واليمن، والهيمنة
العائلية فيها على نظام حكمها رغم ما
ترفعه من شعارات جماهيرية وشعبية
وديمقراطية، كل ذلك أدى إلى إعاقة
انتفاضاتها الشعبية وعرضها للبطش
العسكري، وأوصل الأوضاع فيها إلى
حالات غير مسبوقة من حيث إقدام نظام
كالنظام الديكتاتوري الليبي على قصف
المدن الرافضة لحكمه بصواريخ غراد
والقذائف المدفعية وقذائف المدرعات،
والاستعانة بالمرتزقة الأغراب لقتل
أبناء شعبه وارتكاب الجرائم الإنسانية
ضدهم وضد فتياتهم وفق ما أكده رئيس
لجنة التحقيق الدولية مدعي عام
المحكمة الجنائية الدولية، ولم تقتصر
أعمال العنف على ليبيا بل شملت أقطاراً
أخرى اندلع فيها الصراع المسلح وإطلاق
النار على المواطنين، وأدى ذلك لهجرة
آلاف المواطنين ولجوئهم إلى الدول
المجاورة طلباً للأمن والأمان الذي
أفتقدوه في بلدانهم، كما أن بعض دول
الخريف العربي باتت مجتمعاتها تعيش
أزمات حياتية خانقة، جراء فقدانها
المواد الغذائية والعلاجية وحاجتها
للمحروقات والغاز المنزلي والمياه
والكهرباء. كل ذلك الإفراط في استخدام القوة
والفظاعات اللاإنسانية التي ترتكبها
بعض الأنظمة الاستبدادية ضد شعوبها،
قد حولت نهارها إلى ليل، وربيعها إلى
خريف، وحاضرها إلى مستقبل غامض، وعرضت
بلدانها إلى تدخلات أجنبية ووضعتها
على أجندة الاستهداف الدولي. ======================= ميشيل كيلو 2011-06-13 القدس العربي سأفترض أنه لم
تقع حوادث في سورية، وأن أحدا لم يطالب
بأي إصلاح أو تغيير، وأن الشعب واظب
على التعبير عن سعادته الفائقة
بأوضاعه الراهنة، وقصد مقرات السلطة
كي يوقع تعهدات خطية يدين فيها كل ما
يمت بصلة إلى الحرية والعدالة
والمساواة والديمقراطية، وكل من يطالب
بأي شيء يتصل بها من قريب أو بعيد . هل
يعني هذا أن سورية لم تكن قبل الأحداث
الأخيرة بحاجة إلى إصلاح أو تعديل أو
تبديل أو تغيير في أي جانب من جوانب
سياساتها ومواقفها الرسمية، وأن ما
قدمه النظام من تعريفات لمشكلاتها
صحيح اليوم، كما كان 'صحيحا ' قبل
أربعين عاما ونيف، عندما قام نظامها
الراهن؟ وهل يصح أن يصدق أحد أن مطلب
الإصلاح لا لزوم له، وأن التطور مر على
النظام دون أن يترك فيه أية ندوب أو
شروخ، أو تظهر عليه أية علامة من
علامات الضعف والشيخوخة، التي يسببها
التطور العضوي الطبيعي ومرور الزمن،
وتترك بصماتها على جوانب ومجالات
كثيرة من حياة الكائن الحي : فردا كان
أم جماعة أم نظاما سياسيا واجتماعيا؟ سأشير في هذه المقالة إلى أمرين أعتقد
أنهما كانتا تفرضان مراجعة جدية
لأحوال النظام ولعلاقاته مع الشعب،
التي أنتجتها تطبيقات أيديولوجية
معينة بدأت قبل خمسين عاما، وتؤكد
الأزمة الراهنة، لدهشة كل من له علاقة
بالشأن السوري، أن النظام يؤمن اليوم
أيضا بصلاحيتها، ويتمسك بضرورة
استمرار أسسها وفروعها، فكأنها تصلح
لكل زمن وتنطبق على كل حالة، رغم ما
ترتب عليها من نتائج بالغة السلبية على
جميع أصعدة وجود الدولة والمجتمع،
وحياة المواطن السوري العادي. من المعروف أن النظام قام بين عامي 2003 و2005
بخطوتين بدلتا سياساته: إحداهما
خارجية والثانية داخلية، وأنه لم ينفذ
غيرهما من القرارات الكثيرة والمتنوعة
للمؤتمر الخامس لحزب البعث العربي
الاشتراكي، الذي انعقد عام 2005. أما
الخطوة الأولى فهي تتصل بتحالفه
الاستراتيجي مع إيران، الذي أمده بقدر
من الحماية ساعده على مواجهة مخاطر
تكرار الحالة العراقية ضده، لكنه
أدرجه، في الوقت نفسه، ضمن سياقات
إقليمية ودولية لا سيطرة حقيقية له على
جزء كبير منها، فرضت عليه مواقف وضعته
في مواجهة قوى عالمية أسهمت في قيامه
عام 1970، ودخلت في علاقات خاصة معه
ترجمتها خياراته الكبرى، العربية
والإقليمية، مكنته من لعب دور رئيسي في
بيئته المشرقية المباشرة، وخاصة منها
لبنان وفلسطين. ومع أن علاقات سورية مع إيران قديمة، ترجع
إلى سبعينيات القرن الماضي، فإن
طابعها شهد تبدلا حقيقيا بعد عام 2003،
حول طهران إلى جهة مركزية فيها، على
عكس ما كان قائما زمن الرئيس الراحل
حافظ الأسد، الذي جعل من سورية بوابة
طهران إلى العالم العربي وبوابة العرب
إلى طهران، وكان هو الجهة المركزية
والمحورية في العلاقة مع الدولة
الصديقة . ومع أن إيران لم تنجح في
إقامة علاقة مشابهة لعلاقتها مع سورية
في أي مكان من عالم العرب، وإن أقامت
علاقات هنا وهناك مع تنظيمات متفاوتة
الحضور والتأثير، فإنها تحولت إلى
بديل عن غائب (بديل عن دولة كان الوضع
العربي يتمحور حولها هي مصر)، وجهة
طالب رئيسها أحمدي نجاد العالم
بمخاطبتها هي، كلما أراد الحديث مع
العرب، بينما بلغ الوضع حدا جعل كبار
قادة جيشها يعلنون أن الخليج كان دوما
ملكا لدولتهم، وأن على قادته
الاستقالة من مناصبهم وترك مواقعهم. واليوم، يتعرض موقع إيران من العالم
العربي وفيه لتحديات تغيير جدي يرجح أن
يصير جذريا، سيترتب أساسا على عودة مصر
إلى أمتها العربية الكبيرة
والمستضعفة، ضمن حاضنة عامة تتماثل
وتتلازم فيها لأول مرة خلال تاريخنا
الحديث مطالب المجتمعات العربية
وأهدافها، ستؤدي بالضرورة إلى تعزيز
مكانة مصر القومية، وتوطيدها في كل بلد
عربي بدرجة غير مسبوقة، وإلى تعظيم
دورها إلى حد يجعله دورا داخلي السمات
والوظائف بالنسبة للدول القائمة من
جهة، وللمجال القومي بأسره من جهة
أخرى، الذي سيلقي عبء تقوية هذا المجال
وحمايته على عاتق القاهرة من جهة أخرى،
خاصة في مواجهة ذلك الخارج الذي أقام
حساباته على وهم جعله يتخيل أن هذا
المجال لن يستعيد عافيته في مدى منظور،
وأنه صار ضعيفا إلى الحد الذي يمكن
إيران من الحديث بالنيابة عنه، ومن عقد
صفقات مع الآخرين على حسابه . هذا
التطور القومي / الإقليمي، الذي تلوح
علاماته في أفق المنطقة، كان يجب أن
يحتل أهمية جد خاصة بالنسبة إلى النظام
في دمشق، بعد سقوط نظام مبارك، أقله
لأنه سيبدل شروط إنتاج دوره في بيئته
القريبة، وسيضعه، في حال واصل الاتكاء
على طهران، في مجابهة مع عالم عربي
سيعيد دون شك تجديد خياراته القومية
وإنشاء علاقات من نمط مختلف بين
أطرافه، ستكون محكومة من الآن فصاعدا
بوحدة موقف المجتمعات وشعورها بأن
باستطاعتها فرض خياراتها على
حكوماتها، الأمر الذي يحمل في طياته
إمكانية جعله نظاما مجافيا للحالة
العربية العامة، ومعرضا لضغوطها،
بينما لن تتمكن إيران من إمداده
بالمساعدة الضرورية، في شرط يعرضها هي
نفسها لمخاطر متعاظمة، تنتقل فيه نقاط
ثقل الصراع بينها وبين خصومها انتقالا
متزايدا من خارجها إلى داخلها: غير
الموحد على مستوى السلطة، كما تؤكد
أنباء ومعلومات كثيرة، ومستوى الشارع .
ترى، ألا يطرح هذا التبدل بحد ذاته على
النظام السوري حتمية مراجعة سياساته
وخياراته الخارجية، وارتباطاته
القومية والإقليمية؟. إلى هذا، شهد الداخل السوري خلال العقد
الأخير اتساعا كبيرا في الفجوة التي
تفصل الأغنياء عن الفقراء، وفي تركيز
الثروة على جانب تشغله قلة متناقصة
الأعداد تتمحور أساسا حول السلطة
وأثريائها، والعوز والفقر على جانب
آخر يحتل الفلاحون وسكان الأرياف
وعمال المدن والموظفون المكان الرئيسي
فيه، مما أصاب حوامل النظام المجتمعية
بالضمور وأفقده دعم جهات لطالما كانت
موالية له ومستفيدة منه . أكرر هنا ما
سبق لي أن قلته حول صلاحية هذا الحدث
لتفسير أسباب انتشار الحراك في الريف
والمدن شبه الريفية أو المرتبطة أساسا
بالاقتصاد الزراعي ومعيشة الفلاح، كما
بفقراء المدن والعائشين على هوامش
مركزها الغني والحديث، وهذه ظاهرة
فريدة يجب تأملها في ضوء محدد هو أن
التحركات الجماهيرية كانت مدينية في
معظم الاحتجاجات الاجتماعية الحديثة. والآن: إذا كان صحيحا أن هذين التطورين
يطرحان سؤالين مهمين حول علاقات
النظام مع الخارج والداخل، ويحتمان
إيجاد أجوبة عليهما في فترة غير بعيدة،
وخاصة منهما السؤال حول مستقبل الحلف
مع إيران وفاعليته في شروط ومستجدات
التغيير، والمدى الذي يمكن الحفاظ فيه
على أوراق النظام في لبنان وفلسطين
بصورة خاصة، في حال تراجع دور إيران أو
غاب الحلف معها، فإن النظام لم يكن
بحاجة إلى الأحداث الأخيرة كي يعيد
النظر في حساباته الخارجية والداخلية،
ويفتح صفحة جديدة موضوعها علاقات من
نمط مختلف، مفتوح وتفاعلي، مع داخله،
الذي تحول في الأشهر القليلة الماضية،
عقب الثورات العربية المنتشرة في كل
مكان، إلى محل إنتاج سياساته الرئيسي،
ويصير أكثر فأكثر محل تقويضه وتاليا
إعادة إنتاجه، وإيجاد بديل أو مكمل
خارجي لإيران، يصعب أن يكون مصر إن هو
حسم أزمته الداخلية بالقوة وركز جهوده
على إعادة الوضع بالصورة التي كان
عليها قبل الحراك الاجتماعي، علما بأن
قدرته على نسج علاقات ندية مع أية جهة
خارجية بما في ذلك إيران - ستكون من
الآن فصاعدا محكومة بظروفه الداخلية،
وبالتالي محدودة ومقيدة، نتيجة لما
تعرض له من ضعف داخلي وعزلة عربية
وإقليمية ودولية بلغت حد العداء
السافر في حالتي قطر وتركيا، و'الاصطياد
في الماء العكر جدا 'في حالة الإمارات
والسعودية وكثير غيرهما من الدول
العربية. كيف سيعالج النظام هاتين المشكلتين، مع
العلم بأن الأولى منهما تفتح الأبواب
على تدخلات خارجية متنوعة، وأن
ثانيتهما ترتبط بتخطي عواقب اقتصادية
واجتماعية وبيلة للأزمة العامة
الراهنة، التي تبدو آثارها السلبية
جلية منذ اليوم في كل زاوية وركن من
زوايا وأركان الحياة الاقتصادية، التي
وصلت إلى مأزق حقيقي حسب ما يؤكده
خبراء كثيرون يحذرون بقلق وخوف من
نتائجها، ويعتقدون أنها ستكون مؤثرة
على حاضر ومستقبل البلاد حتى في مدى
متوسط؟. لا يفكر أحد في السلطة اليوم
بهاتين المسألتين، لأن التفكير فيهما
يبدو سابقا لأوانه، مع أن استمرار
الأزمة الراهنة سيرتبط بنوع الإجابة
العملية عليهما، وبما إذا كانت ستفضي
إلى توجه جديد يطاولهما كليهما، أم
أنها ستتجه إلى إنتاج وضع معدل بعض
الشيء، يستخدمهما لتعزيز مواقعه،
تاركا حلهما للزمن ... غير الملائم
إطلاقا!. لم يكن نظام سورية بحاجة إلى الأزمة
الداخلية الحالية، كي يبدأ إعادة نظر
شاملة في خياراته وسياساته بعد ثورتي
تونس ومصر . واليوم، وقد بلغت الأزمة حد
الانفجار الداخلي، تمس الحاجة إلى
أجوبة تتخطى أية ردود مباشرة عليهما،
بعد أن خلقت ظروفا جديدة ستؤثر إلى مدى
جد بعيد في علاقات السلطة مع الشعب،
وستحدد الوجهة التي ستذهب بلادنا
إليها، وما إذا كانت ستنجح في تجاوز ما
يهددها من مخاطر. تختبر الأزمات النخب الحاكمة والمالكة.
هل تنجح نخبتنا الحاكمة / المالكة في
اجتياز الاختبار الذي يطرحه عليها
الحراك الحالي، بالتعاون مع شعبها ومن
يختارهم شبابه هذه المرة، بعد أن ظهر
جليا ما تركته سياساتها من آثار مدمرة
على حزبها، وكم أصابته ممارساتها
الأمنية وأحدثه فسادها من شلل قاتل فيه
خلال العقود الأربعة الأخيرة؟ هذا هو السؤال، الذي سيقرر ما إذا كانت
سورية ستنجو وستخرج من بحر المخاطر
الذي تغرق فيه إلى شاطئ الأمان الذي
لطالما تاقت إلى بلوغه. ' كاتب وسياسي من سورية ====================== الياس خوري 2011-06-13 القدس العربي تخيّل ايها
القارئ الكريم ان النظام السوري
يستطيع ان يمنع ندوة فكرية كان من
المقرر ان تقام في برلين عن الثورات
العربية، يشارك فيها مثقفون سوريون
ولبنانيون ومصريون! هل هذا ممكن؟ هل وصل الخوف الى هذه
الدرجة؟ الحكاية انني منذ شهرين القيت محاضرة في
برلين عن الثورات العربية بدعوة من
اتحاد الأطباء والصيادلة الفلسطينيين
في المانيا. بعد نهاية الندوة التقيت
بمجموعة من الأصدقاء الفلسطينيين
واللبنانيين الذين اقترحوا عقد ندوة
كبيرة يشارك فيها مجموعة من المثقفين
العرب تعالج آفاق المرحلة الجديدة
التي تفتتحها الثورات العربية. وفهمت
ان اتحاد الأطباء والصيادلة
الفلسطينيين والمنتدى الثقافي
اللبناني في المانيا سوف يشتركان في
الاعداد لهذا المؤتمر. وبتاريخ 27 ايار/
مايو الماضي، تلقيت رسالة من المنظمين
تتضمن موعد الندوة وبرنامجها. الندوة
سوف تقام في الرابعة من بعد ظهر الأحد 19
حزيران/يونيو الجاري ويشارك فيها
برهان غليون وزين العابدين فؤاد ومحمد
علي مقلد وانا. غير انني فوجئت مساء الأحد 12 حزيران/يونيو
بخبر نشره احد المواقع المؤيدة للثورة
السورية على'الفايس بوك' يشير الى
الغاء الندوة بسبب ضغوط مارستها
السفارة السورية في برلين من اجل منع
المفكر السوري برهان غليون من
المشاركة. في البداية لم اصدق الخبر، فـ'الفايس بوك'
يحتمل الأخطاء، وهذا طبيعي في موقع
الكتروني مفتوح للجميع، لكن الخبر
ذُيل برسالة تضامنية مع غليون كتبها
الشاعر المصري زين العابدين فؤاد. بدأت
اشك في عدم تصديقي، وحاولت الاتصال
بالمنظمين بحثا عن الحقيقة. قلت في
نفسي انه ليس من المعقول ان يقرأ
المشاركون في الندوة خبر الغائها على 'الفايس
بوك'، اذ ان آداب اللياقة تقتضي ان
يُستشار المشاركون قبل اي قرار، لأنهم
في النتيجة هم من سيتحمل النتائج. وفي
النهاية، وكي لا نطيل من غير طائل،
عثرت على المنظمين، لأكتشف مبلغ حرجهم
من الموضوع! وفهمت ان هذا الحرج كان
السبب الرئيسي وراء عدم الاتصال بي.
اتصلت بغليون هاتفياً لأكتشف انه مثلي
لا يدري لماذا الغيت الندوة! شعرت في البداية باهانة شخصية، ثم قلت في
نفسي ما قيمة هذه الاعتبارات حين نشاهد
الموت والدم المراق في سورية. المسألة
اذا ليست شخصية، ولا علاقة لها
باعتبارات التهذيب التي غابت للأسف عن
شكل الغاء الندوة ومضمونه. المسألة لها
علاقة بظاهرة تمس مجمل الحياة
الثقافية العربية في الأوطان والمهاجر
اسمها الخوف. بعد مجموعة من الاتصالات الهاتفية مع
المنظمـــين ومع اشخاص آخرين، استطعت
ان ارسم صورة تقريبية للظروف التي
احاطت بقرار الالغاء، وهي نتاج مزيج
التهديد والتخويف والالتباس. يبدو انه جرى تهديد مباشر من قبل مسؤولين
ديبلوماسيين سوريين، هكذا قيل لي، كما
ان مجموعات سياسية فلسطينية تنتمي الى
فصائل فضيحة مخيم 'اليرموك' الشهيرة
اتخذت موقفا واضحا ضد الندوة، لأنها
تُعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية
السورية! وقيل ان الجبهة الشعبية كانت
في قيادة هذا الموقف الذي شاركت فيه
فصائل أخرى. وقيل اخيراً ان مجموعات
مرتبطة بحزب الله اتصلت وتمنت او هددت،
والى آخره... موقف بعض الفصائل
الفلسطينية خلخل قرار اتحاد الأطباء
والصيادلة الفلسطينييين فانسحب، وهذا
قاد الملتقى الثقافي اللبناني الى
الانسحاب بسبب عجزه عن حماية الندوة من
الشبيحة! الحقيقة انني لست قادراً على تأكيد اي من
هذه الاحتمالات، لأنني استقيتها من
مصادر المنظمين، ولأن هذه المصادر
كانت متحفظة جدا في رواياتها. غير ان
جمع هذه المعلومات مفيد من اجل ان نفهم
لماذا الغيت الندوة. اذ لا يُعقل ان
تُلغى ندوة جرى الاعداد لها منذ شهرين
من دون سبب. جميع الذين اتصلت بهم قالوا ان الهدف
الرئيسي كان الغاء مشاركة المفكر
السوري الكبير برهان غليون في الندوة.
وهذا امر عجيب، لأن العرب والسوريين
شاهدوا غليون مرات لا تحصى على فضائيات
الجزيرة والعربية وغيرها، الصوت الذي
يسمعه آلاف السوريين يريدون حجبه في
برلين! وزاد من عجبي ان يتناسى من مارس
الضغط من اجل حجب صوت غليون، ان هذا
المفكر التقدمي والوطني، كان ولا يزال
احد رموز المقاومة الثقافية والسياسية
للاحتلال الاسرائيلي والنضال ضد
الاستبداد، كما تناسوا ان صوت
الديموقراطيين العرب واحد، واننا
اليوم كلنا سوريون مثلما كنا
فلسطينيين وسنبقى، على الرغم من كل شيء. لا احد يستطيع اخراس صوت الحرية في الشام
فكيف سيخرسونه في اوروبا؟ هنا اكتشفت للأسف ان المشكلة ليست في
النظام العربي الاستبدادي فقط، بل في
ثقافة الخوف والتخويف التي افترست
العالم العربي وحولته الى 'رجل العالم
المريض' تماماً كحال الدولة العثمانية
قبل سقوطها. قبل الخوف لا بد من الاشارة الى ان المثير
والمؤسف هو انخراط فصائل فلسطينية
وحزب الله في المسألة. وهذا يدلّ في
رأيي على حقيقة ان هذه القوى هي جزء من
نظام الاستبداد، وباتت تشعر ان سقوط
الاستبداد سوف يستتبع سقوطها المحتم،
لذا فان تعجبنا من مواقفها ليس سوى
بقايا حنين الى زمن مضى وانقضى، وعلى
المقاومة ان تجد لنفسها اشكالا سياسية
وتنظيمية جديدة بعيدة عن ذلك الماضي. كل التهديدات اوالتمنيات لا تبرر في رأيي
قيام المنظمين اي اتحاد الأطباء
والصيادلة الفلسطينيين والملتقى
الثقافي اللبناني بالغاء الندوة. فهذا
الالغاء تمّ بسبب عقدة الخوف، التي
تمنع العديد من المثقفين العرب رؤية
الحقائق الجديدة التي تصنعها اجيال
جديدة من المناضلين. لقد تمّ تدجين الأطر الثقافية، حتى
المعارضة منها، في لعبة الخوف، وبذا
تحولت هذه الأطر المعارضة الى جزء من
النظام الاستبدادي على الرغم من
معارضتها له. شرط لعبة الاستبداد هي
التخويف، الخوف يقود الى الاذعان،
والاذعان يجدد الاستبداد والى آخره... لا يتحمل الذين هددوا مسؤولية الغاء
الندوة الا من حيث المبدأ. فهم قاموا
بدورهم الذي لم يتوقفوا عن القيام به
منذ اربعة عقود، اي التخويف والتشبيح
في كل مكان. اما المسؤولية الحقيقية
فتتحملها مؤسسات لم تخرج بعد من شرنقة
الخوف، فانصاعت للتهديد، وبذا حكمت
على نفسها بنفسها. الندوة التي الغيت ليست حدثا الا في
دلالتها الرمزية، وفي كونها جزءا
صغيرا من المعركة الكبرى ضد الاستبداد. ========================= الثلاثاء, 14 يونيو 2011 الياس حرفوش الحياة قوة الدول تأتي من مناعتها في الداخل وليس
من الوظائف والادوار التي تلعبها في
الخارج. هذا ما تثبته مرة جديدة تطورات
الازمة في سورية، وما يتبعها من تراجع
للدور السوري في مواقع نفوذه السابقة،
وهذا ما يؤكده من الجهة المقابلة الدور
التركي المتعاظم في احداث وسياسات
المنطقة، من فلسطين الى ليبيا، مروراً
بموقف تركيا من الحدث السوري ذاته. وبنتيجة هذا الدور المتعاظم، والثقة
التركية الزائدة بالنفس، استطاع رجب
طيب اردوغان ان يقف على شرفة مقر حزبه
ليحتفل بانتصاره الانتخابي، ويعلن ان
«انتصار انقرة انتصار لدمشق، وانتصار
ازمير انتصار لبيروت، وانتصار دياربكر
انتصار للضفة الغربية والقدس وغزة» ... على مدى عقود وظّفت دمشق امتداداتها
الاقليمية، على الساحة الفلسطينية وفي
لبنان والعراق، واحياناً وصولاً الى
مصر ودول الخليج، في سبيل اكتساب دعائم
خارجية تحمي النظام وتوفر له شرايين
النفوذ. من التدخلات المتكررة في
لبنان، الى مشاركة قوات النظام البعثي
السوري الى جانب التحالف الغربي، ضد
قوات البعث العراقي في حرب تحرير
الكويت، الى توظيف العلاقة مع ايران في
خدمة المشروع السوري، كانت المقايضات
تقوم على استمالة الخارج، والغربي منه
خصوصاً، من خلال لعب ادوار مطلوبة في
مختلف الازمات، خدمة لمصالح هذا
الخارج واهدافه، في مقابل توفير
الغطاء للشرعية الداخلية. ولم تمنع هذه
المقايضة المكشوفة الاهداف، في اية
مرحلة من المراحل، الاعلام السوري من
اظهار الدعم الخارجي وكأنه ممالأة
للمناعة و «الممانعة» السوريتين،
انطلاقاً مما كان يسمى «مركزية» دور
دمشق في الوضع الاقليمي. مع اكتساب هذه الشرعية الخارجية، لم يكن
النظام يعتبر الداخل مهماً. القناعة
كانت ان دعم الداخل، اي الشعب، للحزب «قائد
الدولة والمجتمع» هو تحصيل حاصل،
طالما ان هذا الحزب يؤدي الوظائف
الاقليمية التي تتطلبها المعركة
القومية، التي «لا صوت يعلو فوقها». امام هذا الوضع يجد النظام السوري نفسه
اليوم في مأزق. فهو خسر ورقة الدعم
الخارجي التي كان يتسلح بها، ويسعى
وراءها، لادواره الاقليمية، وخسر ورقة
الداخل، الذي أهمله طويلاً بسبب
الانصراف الى تلك الادوار، بدل
الاهتمام بالقضايا السياسية
والاجتماعية والمعيشية التي تشكل الهم
اليومي للمواطن السوري، مثلما تشكل
الهم اليومي لأي مواطن آخر، في بلد
سليم البنية. اكتشف النظام السوري، كما
ذكّره صديقه اردوغان قبل ايام، أن من
الصعب الدفاع عن سلوكيات القمع في
الداخل، من اية جهة، ولو كانت جهة
صديقة للنظام السوري. فما بالك بالخصوم
الذين باتوا يحذرون النظام السوري،
بعد الاحداث الاخيرة، بأنه مهدد بـ «فقدان
شرعيته». في المقابل، تدفع الانتخابات التركية
الاخيرة والالتفاف الجماهيري الذي
حصده حزب «العدالة والتنمية» بزعامة
رجب طيب اردوغان، الى استخلاص العبر من
اهمية بناء المناعة السياسية
الداخلية، التي تشكل القاعدة الاساسية
في مواجهة المصالح و «المؤامرات»
الخارجية، في حال وجودها. فقوة النظام
الديموقراطي الذي تتمتع به تركيا
حالياً هي التي تحميه في وجه الازمات
التي تعرض لها في الفترة الاخيرة، من
مواجهته للسياسات الاسرائيلية، الى
مشاكل الاندماج التي يعانيها مع
الاتحاد الاوروبي، وصولاً الى تحفظاته
على الادوار المنوطة بالحلف الاطلسي،
في ليبيا وسواها، وتركيا عضو فاعل في
الحلف. ما كان لاردوغان ان يتخذ مواقف
كهذه وان يرفع صوته في وجه القوى
الغربية، لولا انه يشارك هذه القوى
الوقوف على منبر واحد، هو منبر الشرعية
الديموقراطية التي يحكم باسمها، حيث
يستطيع ان يتحدث باسم 75 مليون مواطن
تركي. قوة القاعدة الشعبية هي التي تحمي
النظام، لا العكس. وبانتظار ان ينعم
السوريون بقوة كهذه تسمح لاصواتهم ان
ترتفع، سيبقى النظام يبحث عبثاً عن
وظائف خارجية يغطي بها انصرافه
الداخلي عن شؤون شعبه. =================== الثلاثاء, 14 يونيو 2011 حازم صاغيّة الحياة الإصلاح، في سوريّة، له معنى واحد لا غير:
إنّه الشروع بتفكيك حكم الحزب الواحد،
أي إحداث شيء قريب ممّا حدث مع انعقاد «الطاولة
المستديرة» في بولندا عام 1989. يومها،
وبعد تصاعد في الاحتجاجات الشعبيّة
والإضرابات العمّاليّة، ابتدأ حوار
بين السلطة الشيوعيّة ونقابة «التضامن»
وسائر المعارضين، أطلق عمليّة تفكيك
الحزب الواحد. بنتيجة ذلك الحوار خاض
الشيوعيّون الانتخابات، مثلهم مثل كلّ
الأحزاب الأخرى التي حظيت بالترخيص،
وخسروها. «التضامن»، التي اكتسحت
المقاعد كلّها، تسلّمت الحكم. ألاّ يحصل مثل هذا في سوريّة، وفي أسرع ما
يمكن، ومن دون تمويه ولفّ ودوران، أمرٌ
تتجاوز مخاطره الحياة السياسيّة
وأحوال السلطة والمعارضة. إنّه يهدّد
بالقضاء على الوطن السوريّ، وربّما
استطراداً الوطن اللبنانيّ. ذاك أنّ التوازن الشالّ، الذي قد يكون
مديداً، بين الحكم والانتفاضة، وعجز
أيّ منهما عن حسم الصراع، سيخلق ظرفاً
ملائماً لانقلاب التوتّر السياسيّ
توتّراً أهليّاً، ولاحتمالات حرب
داخليّة تقضي على ما لم ينجح الحكم
البعثيّ في القضاء عليه. ولا نأتي بجديد حين نقول إنّ التركيب
السوريّ، مثله مثل العراقيّ
واللبنانيّ وسائر تراكيب المشرق،
نسيجه الوطنيّ هشّ وضعيف. ولئن آل
توسّع التمديُن والتعليم والتداخُل
الاقتصاديّ إلى إحداث درجة من التقريب
الوطنيّ وإنشاء هويّة جامعة، فقد عمل
الطابع الفئويّ والمتفاوت للنظام في
وجهة أخرى معاكسة تماماً. ألم يكن
اكتشافاً مدهشاً لكثيرين أنّ مئات
آلاف الأكراد، مثلاً، ظلّوا لا
يتمتّعون، حتّى 2011، بالجنسيّة (والأكراد
عُشر السوريّين). لكنْ إلى ذلك، هناك مسألة الحدود التي
يمثّل تصدّعها، في أيّ بلد من البلدان،
المرآة الخارجيّة لتصدّع يفتك بالداخل.
فما ظهر على شكل برعم في درعا، لجهة
ثَقْب الحدود الجنوبيّة مع الأردن،
ثمّ ظهر بوضوح وبلورة أكبر لجهة اختراق
الحدود الجنوبيّة الغربيّة مع لبنان،
بفتح جبهة تلكلخ – وادي خالد، اتّخذ
شكلاً أخطر وأشدّ دراميّة بكثير على
الحدود الشماليّة الغربيّة مع تركيا
التي استقبلت، وتستقبل، آلاف النازحين
السوريّين. ومن يدري فالحدود الغربيّة
مع العراق، حيث تعيش عشائر تربطها
قرابات عابرة للحدود، قد تستعصي على
الضبط، خصوصاً مع تكاثر المعلومات عن
انحسار السلطة وأدواتها عن شرق سوريّة.
أمّا الجولان فهو الجولان، حيث برهنت
تظاهرتا 15 أيّار (مايو) و5 حزيران (يونيو)
وانتفاضة مخيّم اليرموك التي قمعتها «الجبهة
الشعبيّة – القيادة العامّة»، أنّ
الحدود هناك عرضة للتوظيف الذي قد
يهدّد، في أيّة لحظة، الهدوء الذي ساد
منذ 1974. هذه العناصر كلّها لم تجعل السيّد نبيل
العربيّ، الأمين العامّ الجديد
للجامعة العربيّة، القلق جدّاً على «الأمن
القوميّ العربيّ»، قلقاً. أمّا الدول
العربيّة، بما فيها تلك التي انتصرت
انتفاضاتها، فليست معنيّة بالأمر على
ما يبدو. بيد أنّ كماليّات الصمت لا
تملكها تركيا ولا يملكها العالم
الخارجيّ. فالأولى لا تستطيع احتمال
حركة نزوح كثيف نحوها، ومشكلتين
كرديّة وعلويّة على حدودها الجنوبيّة
قد تنعكسان على داخلها. ووتيرة التصاعد
في نبرة كلّ من رجب طيّب أردوغان
وعبدالله غُل توحي أنّ أنقرة قد لا
تبقى مكتوفة اليدين. وربّما كان لتدخّل
تركيّ في سوريّة، أو إنشاء منطقة عازلة
ينكر الأتراك النيّة لإقامتها، أن
يمهّد لعمل أوسع يتولاّه الناتو،
وتركيا عضو فيه، بمجرّد أن تستقرّ
الأوضاع، ولو نسبيّاً، في كلّ من ليبيا
واليمن. التنازل من أجل تفادي مثل هذا السيناريو
معيار الوطنيّة والأخلاق اليوم. عكس
ذلك هو... المؤامرة. ======================= بشار وأردوغان: النفور
والجاذبية ياسر أبو هلالة تاريخ النشر 13/06/2011 10:43GMT الغد الاردنية تعبر مأساة اللاجئين السوريين من جسر
الشغور على الحدود التركية عن مفارقة،
تكشف إلى أي درك انحدر العالم العربي.
فالجيش بدباباته وطيرانه في سورية
التي يحكمها البعث منذ أربعة عقود، حقق
انتصارا على البلدة المنسية. ونزح أكثر
من خمسة آلاف إلى تركيا، يضافون إلى
مليون نازح من الجولان لم يتمكن الجيش
من إعادتهم ولا استعادة أرضهم في الحرب
كما في السلم. لنقارن بالمؤسسة العسكرية التركية. فهي
صاغت دساتير تركيا الثلاثة في ظل
انقلابات على حكومات ديمقراطية.
وتشترك مع السوريين في الفكر القومي
العلماني. وخاضت مواجهة مع التيار
الإسلامي وأقصته غير مرة عن العمل
السياسي. لكن بقيت هذه المؤسسة ممثلة
للاستبداد "المتحضر والمستنير"،
وظل لها أنصارها من نخب علمانية في
القضاء والجامعات والإعلام والأحزاب. في سورية لا توجد مؤسسة عسكرية، توجد
ميليشيات أمنية وعسكرية، طائفية تتستر
بالقومية والعلمانية، تعبر عن مصالح
صغيرة ومحدودة لا عن مصالح وطنية. في
تركيا الصراع من يخدم الأمة التركية،
الجيش اعتقد أن العلمنة بصيغها
المتشددة هي ما يخدمها، والتيار
الإسلامي اعتقد أن الإسلام بصيغه
المعتدلة هو ما يخدمها. والاثنان
تنافسا في "مجال عام" مفتوح
بأدوات سلمية. وبالنتيجة، قبل العسكر
بالهزيمة وعادوا إلى الثكنات. النظام في تركيا أفرز أردوغان، والنظام
في سورية أفرز بشار. الاثنان صعدا في
فترة متقاربة، وهو ما يغري بالمقارنة.
أردوغان يقاتل من أجل تعديل الدستور
بعد عقود من النضال السياسي
والتضحيات، بشار عُدل له الدستور قبل
أن يصبح رئيسا، وإلى اليوم يحكم
بمراسيم تنتمي إلى فرمانات السلاطين! بعد فوزه المؤزر، يتحدث أردوغان بمحبة عن
خصومه السياسيين، ويفتح لهم ذراعيه،
ويواجه الانقلابيين من خلال القضاء.
وبالمناسبة، فاز في الانتخابات نواب
متهمون في المحاولة الانقلابية، تماما
كما فاز انفصاليون أكراد. ولك أن تقارن
كيف "سينظر" ابن جسر الشغور الذي
فقد عينيه لأنه شارك بمظاهرة سلمية
ويعالج في تركيا، إلى نظامه. لا يحتاج إلى عينين ليقارن بين نظام منفر،
مثير للاشمئزاز والرعب، وآخر جاذب
ومثير للإعجاب. المقارنة ليست بين رؤية
محافظة وأخرى متحررة، بين اقتصاد سوق
واقتصاد تحكم.. وغير ذلك من خيارات بين
البشر. لا توجد مقارنة بين ما هو بدائي
وهمجي وغير إنساني وبين ما هو متطور
وإنساني. لو خير أي شاب سوري بين "عصابة سلفية
إجرامية" وبين أجهزة النظام
ومنظماته الحزبية، لفضل تلك العصابة
التي يهون شرها على شرور النظام. ومع أن
حديث النظام عن العصابات مجرد أكاذيب
ودعاية بربرية، إلا أن انزلاق الشباب
السوري في ظل الإرهاب المصبوب عليه نحو
العنف ليس مستحيلا. في تجربة تركيا السلمية ثمة ما يغري، بقدر
ما في تجربة العنف في سورية ما ينفر.
انتصر أردوغان لأنه أصر على السلمية
رغم وضعه بالسجن وحُلّ حزبه عدة مرات.
في المقابل، هُزم بشار لأنه أصر على
الدموية رغم سماع العالم كله لهتاف
المتظاهرين "سلمية.. سلمية"،
والأمل أن ينتصر السلم في سورية كما
انتصر في تركيا. ====================== الوريث احتكر المسؤولية
ولم يحسن استخدامها غسان الامام الشرق الاوسط 14-6-2011 في مؤلفه «ذاكرة ملك»، يقول العاهل
المغربي الراحل الحسن الثاني: «السلطة
شبيهة بالرحى، فإن لامسها المرء بلطف
صقلته، وإن هو على العكس، ضغط عليها
بقوة، مزقته إربا إربا». ما أحرى بالرئيس بشار أن يقرأ «ذاكرة»
الحسن الثاني. هذا الملك ضغط على رحى
السلطة. فواجه أزمات. ومحاولات انقلاب.
واغتيال. وعاد في سنيه الأخيرة، ليشرك
أحزاب المعارضة في الحكم. وربما لو
امتد به العمر، لمارس الانفتاح
المحسوب، لنجله ووريثه الملك محمد
السادس. منذ مقتل شقيقه باسل في عام 1994، ما زال
بشار يضغط على رحى السلطة. بدأ في جمع
الصلاحيات. واحتكار السلطات منذ عصر
أبيه. هذه المركزية الإدارية ذات
الأنانية الشديدة، هي في علم النفس،
وليدة غريزة التملك في الإنسان. وغريزة
التملك والاقتناء هي رديف لغريزة
البقاء والدفاع عن الذات. ولا شك أن
نظام الطائفة والعائلة مارس الغريزتين
الاثنتين، طوال حكمه على مدى 45 عاما. في إلغائه السياسة، اعتمد بشار سفسطائية
الخطاب الدعائي للتغطية على احتكاره
السلطة، ورفضه لأي انفتاح في الداخل
السوري. لا يدخل في صميم الواقع
والتفاصيل، لكي يتجنب ذكر المطلوب
والمنشود في أفئدة وعقول الناس. لم
يدخل الأب قط في المهاترات العربية. في
خصومته الشديدة، كان الابن عالي
الوتيرة. كثير الإسهاب في عصر الاختصار.
في نبرة مفرداته تعال. واستفزاز.
وإهانة «فلان مأمور لعبد مأمور» و«الزعامات
العربية أنصاف رجال...». كي لا أغرق في التحليل، أبادر إلى تقديم
أدلة. وشواهد. وأمثلة على احتكاره
السلطة، ذلك الاحتكار الذي ألجأه إلى
المبادرة من دون مشاورة. ومن ثم، إلى
ارتكاب أخطاء فادحة في ممارسة الضغط
على الرحى، والعض بنهم على السلطة. لم
تكد تمضي 48 ساعة على غياب الأب، حتى تم
تعديل الدستور لترئيس الابن. وإيلائه
زعامة الحزب. دخل العم رفعت على الخط.
كاد يعرقل عملية الاحتكار. قال إنه
يملك «وثائق» تخوله الوراثة. بشار
الخائف سارع إلى إصدار مذكرة جلب بحق
العم! لولا وساطة خليجية حكيمة، لتطور
النزاع إلى حكاية مثيرة لفضول الصحافة. انتزع بشار ملف لبنان. فرض قائد الجيش
اللبناني العماد إميل لحود رئيسا. أقصى
رفيق الحريري زعيم الأغلبية
البرلمانية عن الحكم. استغل بشار
الخلاف بين الرجلين. الأول يريد تمويل
تطوير الجيش. الثاني يريد استخدام
الموارد المحدودة في التنمية.
والإعمار بعد الحرب. لم يكن لحود سيئا.
كان من أسرة مارونية عريقة. في
مسيحيتها اعتدال متسامح يقبل بعروبة
لبنان. لكن قبوله إرادة الفرض التي مارسها بشار
وأجهزته الأمنية، أضعف موقفه أمام
اللبنانيين. ثم كان خطأ بشار الكبير
بفرض التمديد ثلاث سنوات للحود. كان
الثمن غاليا. إنذار دولي بسحب القوات
السورية من لبنان. ثم سحبها خلال أيام
بشكل مهين ومذل لها، إثر مقتل الحريري
(2005). «نحن مع الرأي والرأي الآخر». كانت
الممارسة نقيضا صريحا للقول. في خوفه
من المشاركة الشعبية في القرار، سحق
بشار منتديات الرأي الآخر (ربيع دمشق)،
بعد عام من توريثه وترئيسه. لم يكتف
بتقويض هذه المنابر المنزلية الخجولة
في المطالبة بالمشاركة، فقد عمد إلى
سجن الليبراليين واليساريين
الماركسيين التائبين الذين يرتادونها.
راح يدخلهم السجون والمحاكم العسكرية
والاستثنائية. ثم يخرجهم. ويعود
ليسجنهم، على مدى عشر سنوات. وبينهم
الطبيبة فداء ابنة الزعيم الاشتراكي
أكرم الحوراني، وسهير ابنة البعثي
الناصري المثقف الراحل جمال الأتاسي. هذا العداء لليبراليين الذين لا يشكلون
خطرا على النظام، لعدم امتلاكهم
القاعدة الشعبية، شمل أيضا المثقفين.
أصيب طبيب العيون بعمى الألوان. لم
يلتق بمثقف سياسي أو عادي. إقامته
الدراسية في الغرب لم تكن كافية
لاستيعاب مبادئ الحرية، وفهم آليات
الديمقراطية الحزبية التي حققت مكاسب
اجتماعية لطبقتي البروليتاريا
والوسطى بالنضال السياسي السلمي، عجزت
الماركسية عن تحقيقها بنضالها الثوري
الدموي. في ابتذال الديمقراطية، ظل الحزب نظريا «القائد»
للدولة والمجتمع. لكل قيادي ضابط أمني
متنفذ يدعمه. فقد الحزب مشروعيته
التاريخية. فور توليه السلطة، أنعم
الأب بحكم بالإعدام على المؤسس عفلق.
اغتيل المؤسس الثاني صلاح البيطار في
المنفى (1980). مات الزعيم الثالث أكرم
الحوراني لاجئا لدى الملك حسين. دفن
على رابية في عمان. المنظر غريب. القيادي المخضرم عبد الله
الأحمر لا يتقاعد. ما زال يدردش مع وفود
الحزب «القائد» في قرغيزيا. منغوليا.
بوليفيا. فنزويلا. كوبا، فيما ممثل
بشار «سعيد بخيتان» يحاضر كبار أطر
الدولة والحزب، بلغة الخمسينات
الخشبية، من منبر السد العالي. لا حوار.
لا سؤال. لأن الرجل لا يملك حرية الجواب. كانت الأجهزة الأمنية، بكل تخلفها.
وأميتها، بديل القاعدة الشعبية،
لإسناد نظام بشار. ارتفع عددها من عشرة
أجهزة في عهد الأب، إلى 17 جهازا عسكريا.
ومدنيا. معروفا. وسريا. في عصر الابن
ربع مليون عميل. وجلاد. ومخبر. وأجير.
وضابط. يجوبون يوميا عقول الناس
وقلوبهم. يسجلون تقاريرهم لأجهزة
متناحرة. متهادنة. عاجزة عن التنبؤ
بالانتفاضة. ومرهقة. ومستنزفة في
ملاحقتها. وتعذيبها. في التناقض بين شعار الحزب الاشتراكي
ورأسمالية نظام الحكم، تم توليد
رأسمالية «اقتصاد السوق الاجتماعي»!
عثر الرئيس بشار على «روبوت تكنوقراط
اقتصادي» لتطبيق الليبرالية
الاقتصادية. الشاب عبد الله دردري درس
الاقتصاد في الغرب. في عصر صعود
رأسمالية ريغان وثاتشر المتوحشة. خلعت
الدولة ملابسها (شركات القطاع العام
الرابحة فقط). فباعها الدردري إلى
شركات القطاع الخاص. قطاع يدار بعقلية
رأسمالية بدائية. وتم تعديل قانون
العمل، وسط ذهول واحتجاج نقابات
العمال. كان التطبيق الاقتصادي كارثة من الأخطاء:
هوة بين أصحاب المال والكسبة (يسميها
بشار فجوة). ارتفع معدل البطالة. ومعه
التضخم. كلما غلت الأسعار. زاد بشار
الأجور. صب الزيت على النار. في هذه الأثناء، ازدهرت طبقة الـ«نوفوريش».
طبقة رأسمالية مدنية/ عسكرية. طبقة
لاهية. بلا تعاطف اجتماعي وخيري. طبقة
منعزلة عن شعبها. لها لذاتها. فيلاتها.
مزارعها. ملاعبها. كلابها. مهابط
طائراتها. طبقة يحتضنها نظام تسلطي (أوتوقراطي)
يدين رئيسه فساد الكبار. ويعاقب فساد
المرتشين الصغار. النظام اختصر الطائفة بحكم العائلة. يرضي
تجار البازار في المدن الكبرى (دمشق.
حلب) بالفتات يلقيها إليهم سياح
إيرانيون فقراء. وسياح غربيون بخلاء.
في الانتفاضة، صمتت المدن الكبرى
البازارية. وثار سكان الريف المحرومون
من الغذاء. والماء. والكهرباء. وخدمات
الصرف الصحي... وحقوق المساواة في
المواطنة. لتغيير الحال، استعان بشار بحكومات ثلاث
لإصلاح الأخطاء، بالأخطاء. جاء برجال
من الصف الثالث بالحزب: حكومة معلم
المدرسة مصطفى ميرو لمكافحة الفساد.
استقالت (2003) متلبسة بالشبهات. نصب بشار
مهندس المعمار ناجي عطري «لهندسة»
الإدارة. فعمت فوضى البطالة. بشر بشار بحكومة التغيير، في زمن
الانتفاضة. جاء بحكومة مهندس الزراعة
عادل سفر. لإطعام مليون جائع مهاجر من
أخطاء التطبيق الزراعي في الشرق، إلى
أحزمة البؤس حول المدن الكبرى. حكومة
التغيير فيها بضعة عشر وزيرا للحزب
القائد. ووزارات السيادة محجوزة
لوزراء الطائفة. مع عادل سفر ذي الجذور الشركسية
المستعربة، ينتهي سفري في قطار الأب
والابن. لا بد من الانتقال من مأزق
التاريخ. إلى أزمات الحاضر: الجيش.
ميليشيا ماهر الأسد. تهديدات رامي
مخلوف. أزمة المعارضة. أزمة خدام
والإخوان. أزمة التغطية الصحافية
للانتفاضة. ثم ماذا عن المستقبل؟ ماذا
عن تغيير الخرائط السياسية والحدودية
في منطقة بركانية ملتهبة؟ إلى
الثلاثاء المقبل. وإلى كل ثلاثاء، بإذن
من الله. ورضاه. =================== طارق الحميد الشرق الاوسط 14-6-2011 قراءة أحداث 24 ساعة في منطقتنا تكشف عن
الكثير، والأخبار، حسب الترتيب، هي:
ملك الأردن يعلن أن الأغلبية
البرلمانية تشكل حكومة بلاده،
وأردوغان يغني وسط شعبه الذي أعاد
انتخابه، بينما يعلن لبنان تشكيل
حكومته، وأول المهنئين الأسد، الذي
أعلن جيشه «تحرير» جسر الشغور! ثلاثة أخبار في 24 ساعة تلخص حال منطقتنا،
ومشكلاتها. فهذا ملك يتنازل عن بعض
صلاحياته، ليقف عاليا في مشهد مضطرب،
استجابة لشعبه، ويقدم على خطوة
إصلاحية تضع بلاده في مصاف الملكيات
الدستورية، علما بأن مملكته الأردنية
تطل على أشد الحدود خطورة اليوم؛ فهناك
سوريا الثائرة، ونظامها القمعي،
والعراق الذي لم يستقر، وهناك إسرائيل
التي لا يمكن أن تؤتمن بأي حال من
الأحوال، وليس لديه جار بيد وقلب
مفتوحين إلا السعودية! أما تركيا، فرأينا رجب طيب أردوغان يقف
منتشيا، وبتواضع، يغني مع أبناء شعبه،
وهو الزعيم الإسلامي، كما يصفه محبوه،
بعد أن انتخبه الأتراك بكافة مشاربهم،
يتعهد بأن تكون تركيا نموذج
الديمقراطية في العالم العربي.. يحتفل
أردوغان بديمقراطيته وسط الفسيفساء
التركية، ويقول لشعبه: انتصرنا.. لكننا
لسنا سادة، نحن خدم للشعب التركي. في
الوقت نفسه الذي تقدم فيه حكومته يد
العون للشعب السوري الذي فر منه قرابة 6
آلاف من بطش نظام الأسد، ولا عجب أن
انشغل السوريون أمس يهنئون الأتراك
بأردوغان، والأردنيون بعبد الله
الثاني، بينما كان الرئيس الأسد يهنئ
نجيب ميقاتي بحكومته الجديدة.. أو قل
حكومة سوريا - حزب الله! وكما أسلفنا،
فهذا ملك يستجيب لشعبه، وهذا رئيس
وزراء يحتفي بانتخابه، وكلاهما جيران،
ولديهما حدود مع النظام السوري، أي:
تركيا والأردن، بينما نظام دمشق مشغول
بقمع شعبه، وترتيب حكومة لبنان. ويالها
من حكومة، فوزير خارجيتها الجديد هو
سفير لبنان السابق في طهران! فهل بعد ذلك كله يمكن التفاؤل بما سيفعله
النظام السوري، على الرغم من الدعاية
المضللة عن رغبته بالإصلاح؟ أشك في ذلك.
فجميع الأحداث تقول: إن نظام الأسد
خارج الزمان، وضد متغيرات المكان.
فالنظام في دمشق يعمل بفارق توقيت
مهول، عمره أربعون عاما؛ حيث يتحدث عن
الطائفية، والحرب الأهلية، والمؤامرة
الخارجية، وهي أمور لم تعرفها المنطقة
إلا بعد تشكل محور دمشق - طهران - لبنان،
أي منذ التأسيس للثورة الخمينية في
إيران.. وخذ هنا مثالا بسيطا، فحكومة
لبنان الجديدة جاءت بسبعة وزراء سنة
مقابل خمسة شيعة، لأول مرة منذ اتفاق
الطائف، وهذا يعني أنها رسالة للداخل
السوري أكثر من لبنان، فالنظام لا يريد
استفزاز أكبر مكون في الشعب السوري، أي
السنة. والدليل الآخر أنه منذ اندلاع
الثورة السورية لم يزُر وزير خارجية
إيران سوريا إلى الآن، ومعلوماتي أنه
طلب، لكن دمشق رفضت؛ لأن في ذلك
استفزازا داخليا، على الرغم من أن
الشعب السوري يرى الإيرانيين بعينه
الآن هناك. لذا، فخلاصة القول: إنه لا أمل في أن يقوم
النظام في دمشق بأي إصلاح، والسبب، بكل
بساطة، هو أن النظام يعيش خارج نطاق
الأحداث والزمان، ولا يزال يتصرف
بعقلية عمرها 40 عاما؛ حيث لم يدرك حجم
المتغيرات حوله، وأولها المتغير
الداخلي في سوريا نفسها. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |