ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تاريخ النشر: الأربعاء 15 يونيو
2011 برهان غليون الاتحاد كل جمعة ينزل فيها المتظاهرون إلى
الشوارع غير عابئين بآلة القتل، بعد
نهار سابق مغمور بالدم، كنا نقول إننا
عبرنا عتبة الخطر، وإن إرادة الحرية
التي تسكن شبابنا أقوى من الرصاص الحي
الذي يوجهه "ملوك الطوائف" إلى
صدور أبنائنا. لكن في كل مرة كان الطرف
الآخر يفاجؤنا بإرادة العنف التي لا
تعرف الحدود، ويوجه لشبابنا تحدياً
أقسى من السابق. وهكذا منذ ثلاثة أشهر
من تاريخ الاحتجاجات السورية وحتى
جمعة أطفال الحرية (31 مايو 2011)، كانت
السمة الرئيسية للمواجهة هي التصعيد
المتبادل: النظامُ بالعنف وإراقة
المزيد من الدماء لكسر إرادة شعبنا،
والشباب بالتضحية وروح البطولة
والفداء في سبيل المحافظة على
ديناميكية الاحتجاجات وقهر إرادة
الاستبداد. وبسبب تحول النظام إلى
مجموعة من المصالح الخاصة التي ليس لها
هدف سوى الدفاع عن نفسها مهما كانت
العواقب، وتخليه عن كل وظائفه
السياسية الطبيعية، وأهمها التوسط بين
الأطراف لدرء الحرب والحد من استخدام
العنف، دخلنا في سياق مواجهة شاملة من
نوع كسر العظم التي لا يمكن لأحد أن
يتراجع فيها من دون أن يخسر كل رهاناته
ويتعرض لهزيمة ساحقة. هذا كان اختيار
النظام، أو بالأحرى هذه نتيجة ابتعاده
كلياً عن معاني السياسة ومفاهيمها
وتحوله إلى آلة في خدمة مجموعات مصالح
خاصة. ومن خلال هذا التصعيد المتبادل: النظام في
توسيع دائرة القتل وأدواته وأساليبه،
والحركة الثورية في تقديم المزيد من
الضحايا ومواجهة الموت بصدور عارية،
تبلورت حقيقتان أبرزتهما "جمعة
أطفال الحرية"، وأكدت عليهما "جمعة
البشائر": حقيقة النظام بوصفه
نظاماً خارجياً لا يربطه رابط أخلاقي
أو سياسي بالشعب، وبالتالي لا شيء
يردعه عن الولوغ بدمه وقتل أبنائه.
وحقيقة الشعب الذي يتصرف من خلال شبابه
المتظاهرين كما لو أنه وضع جميع
رهاناته في الاحتجاج السلمي، وصمم
عليه كخيار وحيد. هذا هو المغزى الرئيسي الذي تأكد منذ "جمعة
أطفال الحرية" التي وضعت وجهاً
لوجه، كما لم يحصل في أي جمعة سابقة،
عنف النظام ومقدرته على البقاء من وراء
آلته العسكرية من جهة، ونمو روح الفداء
والتضحية وبذل النفس لدى أبناء
الانتفاضة تأكيداً على حقهم في الحرية
والكرامة والاستقلال والسيادة من جهة
ثانية. كانت هذه هي سمة الصراع منذ
البداية، لكن "جمعة أطفال الحرية"
أظهرتها كما لم تكن واضحة من قبل، فبدى
"شبيحة" السلطة على حقيقتهم من
دون أقنعة ولا ذرائع، يقفون في مواجهة
المتظاهرين ويطلقون النار عليهم، وفي
أحد الأفلام التي عرضتها التلفزة كان
هناك جندي يشير على مسلح باللباس
المدني إلى متظاهر كي يقتله. بينما
استقطب شباب الانتفاضة في هذه الجمعة
الدامية قطاعات جديدة ودخلت
الاحتجاجات مدناً وأحياء وقرى لم تكن
قد دخلتها من قبل. وها هي تبلغ ذروة
جديدة بمظاهرات حماة وحمص والمناطق
الأخرى في الجمعة الأخيرة. كان من المتصور أن تصل السلطة خلال
الأسابيع الماضية إلى استنتاج
باستحالة القضاء على الاحتجاجات، وأن
الحل الأفضل لأصحاب السلطة أنفسهم، أن
يبادروا بسرعة إلى تفكيك دينامية
العنف، والشروع من دون إبطاء في تغيير
سلوكهم وتغيير القوانين والممارسات
والأوضاع التي قادت إلى هذا الغضب
الشبعي ولا تزال تلهبه. لكنهم اختاروا
الاستمرار في المناورة من خلال ما سموه
"لجنة الحوار"، وهي الثانية بعد
موت الأولى قبل أن تجتمع، وتكليف رجال
من حزب "البعث" وشبه الأحزاب التي
بررت احتكاره للسلطة خلال عقود،
بقيادة هذا الحوار! لم يكتفوا بذلك
فحسب وإنما أرفقوا الإعلان عن هذا
الحوار -من دون ذكر الطرف الآخر الذي
يريدون الحوار معه أو تعريف هويته-
بتوسيع دائرة استخدام العنف ومحاصرة
المدن والفتك بالمتظاهرين وتشريد
المواطنين، وألحقوا كل ذلك بإعلان عضو
القيادة القطرية محمد سعيد بخيتان رفض
النظام التخلي عن المادة الثامنة من
الدستور التي تنص على قيادة "البعث"
للدولة والمجتمع! وكان هذا يعني بكل
بساطة أن السلطة لا تزال بعيدة عن روح
الحوار، وأن ما تهدف إليه من إعلان
تكوين اللجنة هو التغطية على تصعيد
عمليات القتل والقهر والاضطهاد
والتنكيل والعقاب الجماعي الذي تتعرض
له المدن السورية واحدتها بعد الأخرى.
فالسلطة تعرف أن مثل هذا الحوار وفي
مثل هذه الشروط والظروف لن يقبل من
أحد، ولا حتى الراغبين في التعاون مع
السلطة لتخفيف الضغط عنها، فما بالك
بممثلي الشباب الذين فقدوا مئات
الشهداء من رفاقهم وأصدقائهم وإخوانهم
في أكثر المواجهات دموية على الإطلاق. منطق النظام لا يزال هو ذاته منذ عقود. وهو
يقول إن السياسة هي امتداد للحرب
بوسائل أخرى. والسياسة هنا هي الحوار
الذي يلوح به نظام فقد ثقته بنفسه
وبقدرته على البقاء، وقرر الاستمرار
على مبدأ "إما قاتلاً أو مقتولاً"! قد يستغرب المرء غياب منطق السياسة عند
أصحاب النظام السوري وثقتهم بمنطق
الحرب. لكن الواقع أنهم لم يعرفوا أبدا
معنى الحكم السياسي. فهم يدينون
بوجودهم في السلطة لانقلاب عسكري
وانقلاب عسكري داخل الانقلاب، كما
يدينون لاحتفاظهم بالسلطة إلى حرب
معلنة دائمة على شعبهم منذ الأيام
الأولى لوصولهم إلى السلطة. و"علاقة
الحرب" التي أقاموها مع شعبهم هي
التي تفسر الإبقاء على حالة الطوارئ
معلنة لما يقارب نصف قرن، كما تفسر
الانحراف السياسي والعصبوي، وإلغاء
الحياة السياسية من الجذور،
والاستثمار المفرط في وسائل القمع
والإقصاء والاضطهاد الداخلي، كما تفسر
الطريقة التي استتبع بها النظام بقية
القوى السياسية والأحزاب التقليدية أو
جزءاً منها عبر ما سماه "الجبهة
التقدمية" الرديفة. وأخيراً منطق
الحرب هو نفسه الذي يفسر المأساة
الوطنية التي شهدتها مدينة حماة
وشعبها في الثمانينيات، كما يفسر
السهولة التي يطلق بها قادة السلطة
النار على أبناء وطنهم، وروح التعالي
التي يظهرونها تجاه بني جلدتهم. ومنطق
الحرب الذي حكم علاقتهم بهذا الشعب
وبلاده هو الذي يفسر ما ساد من فساد في
أوساط مجتمع الحكم والنخبة بمقدار ما
حولت السيطرة المادية والعسكرية
الساحقة، وهزيمة الشعب، والنجاح في
التحكم بحياة الناس وحقوقهم، البلادَ
إلى غنيمة حرب بالمعنى الحرفي للكلمة.
وهم عندما يقاتلون الشعب السوري اليوم
فإنما يدافعون عن الغنيمة التي
انتزعوها بسيوفهم، وهم غير مستعدين
للتخلي عن أي ذرة منها بغير العنف
والدم. وهم لا يعرفون أن يتعاملوا مع
شعبهم إلا كشعب مهزوم، وأي تمرد من
قبله أو مطالبة بحقه تعني انقلاب
الأوضاع، وخيانة التاريخ! وبالمقابل، فنظام الحرب والغنيمة هذا هو
ما يريد السوريون تغييره اليوم، كشرط
لولادة نظام الحرية والأمن والسلام
والحق والقانون، نظام الحضارة
والمدنية. =============== سوريا والعرب... انتظار
متبادل! تاريخ النشر: الأربعاء 15 يونيو
2011 محمد الحمادي الاتحاد الإمارات اتخذت قرارها الواضح ووقفت إلى
جانب الشعب الليبي في محنته وفي ثورته
من أجل التخلص من نظام القذافي، وفي
مقابل موقف الإمارات وبعض الدول في
تأييد المجلس الانتقالي والاعتراف به
ممثلًا عن الشعب الليبي، تبقى مواقف
دول عربية تجاه ما يحدث في ليبيا غير
محسومة إلى اليوم، والسبب غير معروف
وغير واضح على الرغم من أن دولاً غربية
اعترفت بالمجلس، وعلى الرغم من أن
الأمم المتحدة حددت موقفها من النظام
الليبي وعلى الرغم من أن المجلس
الانتقالي بأمس الحاجة إلى الدعم
العربي أكثر من حاجته إلى الدعم الدولي. الموقف العربي تجاه سوريا لا يختلف
كثيراً، فالشعب العربي السوري يعيش
واحدة من أكبر محنه، بعد أن أصبحت أكثر
مدن سوريا مشتعلة بين مواطنين غاضبين
بسبب طريقة تعامل أجهزة النظام معهم
ومناوئين للنظام ومطالبين بالتغيير...
سوريا اليوم لا تنتظر الولايات
المتحدة الأميركية ولا الاتحاد
الأوروبي ولا حتى الجارة تركيا، سوريا
فقط تنتظر العرب كي يقفوا إلى جانبها
في محنتها ويخرجوها من الأزمة الطاحنة
والقاتلة بين الشعب والنظام ،
فماذا ينتظر العرب من سوريا كي
يتحركوا؟ الموقف العربي المكتفي بالتفرج على ما
يجري لم يعد مقبولاً، وخصوصاً بعد أن
تطور الأمر، وأصبح تدخل الجيش بشكل
واضح في المدن واستخدام الأسلحة
الثقيلة والطائرات في قمع المظاهرات...
إن إعلان موقف عربي واضح وصريح يجب ألا
يكون متأخراً، وهذا واجب إنساني
وأخلاقي تجاه شعب له حق علينا، كما لا
يمكن السكوت عن قتل المدنيين والأطفال
والنساء وعن نزوح آلاف المدنيين هرباً
من القتل وتحولهم إلى لاجئين في دول
أخرى. التأخر العربي عن سوريا لن يكون مفيداً بل
سيكون مضراً...ولا أحد يريد تكرار
السيناريو العراقي في 2003، عندما
استغرق العرب طويلاً في موقفهم
المتفرج، ففتحت أبواب العراق أمام
إيران التي دخلت بكل قوتها لدرجة أنها
تكاد تسيطر على مفاصل الحياة السياسية
في العراق... ومع فارق التشبيه بين
إيران وتركيا، إلا أن الفراغ الذي
يخلفه الغياب العربي في سوريا سيؤدي
إلى أن تسد تركيا هذا الفراغ -الطبيعة
لا تعترف به- فلا بد أن يمتلئ الفراغ
بأي أحد أو بأي شيء. ليس من مصلحة العرب -كما أنه ليس من مصلحة
تركيا- أن يتدخل غير العرب في هذا
الصراع، كما أن من المهم أن يدرك جميع
الأطراف أنه إذا كانت أبواب الإصلاح
والحوار ما تزال مفتوحة حتى اليوم، فهي
لن تبقى مفتوحة إلى الأبد، بل إن
استمرار تدهور الأوضاع بالوتيرة التي
نراها يعني أن لا مجال للعودة إلى نقاط
التقاء، لذا فإن التدخل العربي لإنقاذ
الوضع داخل سوريا مطلب مهم وملّح. الدول الغربية أخذت وقتاً وهي تتفرج
أيضاً حتى ظهر بعضها ليعلن موقفه مما
يحدث وتستنكر وتطالب.. وهذا قد لا يكون
غريباً لأن مواقف الغرب مرتبطة بشكل
مباشر بمصالحها، لكن الغريب والمريب
هو موقف نصرالله الذي لم نسمع منه كلمة
حق، فأصاب حزبه بخيبة أمل كبيرة، فأين
ذهب من يدافع عن الشعوب والحقوق، وأين
من تكلم مراراً عن الشعب السوري
العظيم؟ أليس هذا هو الشعب الذي كان
يتكلم عنه أم أنه شعب آخر لا نعرفه ولا
يعرفه؟! لقد رفع نصر الله صوته وسل سيفه
مدافعاً عن حق الشعب البحريني رغم أنه
بعيد عنه ولا يعرف ما يحدث عنده! أما
الشعب السوري الذي لا يبعد عنه سوى
خطوات والذي قتل منه حسب أرقام
المنظمات الدولية أكثر من ألف وهناك
آلاف الجرحى والمفقودين فضلاً عن
المقابر الجماعية التي تم اكتشافها
منذ أيام... كل ذلك ولا كلمة حق من الحزب
المقاوم؟! العالم بأسره شاهدٌ على أن الاحتجاجات
بدأت سلمية وشعبية وتلقائية، لا أحزاب
ولا تنظيمات ولا طوائف ولا عشائر ولا
مسلحين كانوا وراء اندلاع الغضب في
سوريا، فما الذي حول الأحداث بهذه
الدموية لدرجة أننا أصبحنا نسمع عن
اكتشاف مقابر جماعية؟! النظام السوري يُصر على أن من يفتعل
المشاكل هم "مسلحون" وليسوا
مواطنين وعاديين.. وهذا الكلام جعل
كثير من المراقبين للوضع السوري
يبذلون جهداً كبيراً كي يقتنعوا بأن من
يقترف تلك المجازر هم "مسلحون” ...
لكن النتيجة هي أنه ليس من دليل يقنع
بذلك فالنظام السوري لم يقدم أي دليل
على أن من يقوم بتلك الجرائم هم "مسلحون"،
ولم يحدد حتى الآن من هم أولئك "المسلحون"!
وإذا كان صادقاً في مسألة وجود "مسلحين"،
فإن سؤالاً مهماً يطرح نفسه، وهو كيف
ومن أين ظهر كل أولئك المسلحين وكيف
ومتى شكلوا ونظموا أنفسهم بهذا الشكل؟!
كما أن الوضع الحالي يكشف عجز النظام
في التعامل مع المسلحين إن كانوا فعلًا
موجودين على الأرض! والحقيقة التي لا
يمكن إخفاؤها هي أن النظام السوري في
طريقه إلى المجهول إذا لم يستطع أن
يتدارك نفسه ويدير الأزمة بشكل أفضل. في خضم "الربيع العربي" ربما أدركت
الدول العربية التي لا تمارس
الديكتاتورية، ولا تعاني من مشكلات
مزمنة أن وجود ديكتاتوريات فاعلة -صغيرة
أو كبيرة- حولها يضر بها ويؤثر على
أمنها وعلى استقرارها وعلى اقتصادها
وعلى مستقبلها، بالتالي من الحكمة أن
يتم التخلص من تلك الديكتاتوريات،
ومساعدة شعوب تلك الدول على إيجاد
أنظمة حكم صالحة تمارس السلطة بشكل
عادل. هناك أنظمة لا يمكن أن تتجاوز "الربيع
العربي" بسلام، فزوالها محتوم بحكم
الوضع الراهن وبحكم طبيعتها التي لا
يمكن أن تتماشى مع المرحلة الجديدة
وتغيراتها، فهذه الأنظمة لا يمكن
الرهان عليها وبالتالي التعامل معها
على أنها راحلة يعتبر أمراً منطقياً،
ومساعدتها على الرحيل بشكل هادئ وبأقل
قدر من الخسائر المادية البشرية هو ما
يجب العمل عليه. =============== آخر تحديث:الأربعاء ,15/06/2011 ميشيل كيلو الخليج لا بد من وقف إعلام الدم والتحريض، إذا
كان يراد للأزمة السورية الراهنة أن
تحل في أجواء من العقلانية والتوافق
والسلام، وكانت هناك رغبة جدية في بلوغ
حال من العدالة والحرية ترضي
المواطنين ليس هناك ما هو أكثر قبحاً
من أن يكون المرء عدو نفسه . ومن عداوة
المرء لنفسه أن يقدمها بصورة منفرة
تقنع الآخرين بأنها مريضة وفاسدة
ومقيتة، وأن خير سلوك حيالها يكمن في
تحاشي أي نوع من التعامل معها . وتتجسم الصورة الأكثر تمثيلاً للسلطة في
إعلامها: في ما تقوله فيعبر عن فهمها
لنفسها وللغير، وعن نظرتها إلى
العالم، سواء عندما تصف واقعه أو تتلمس
بدائل كلية أو جزئية له . ليس الإعلام،
إذاً، مجرد كلام يصدر عن هذه الجهة أو
تلك، بل هو أكثر من ذلك بكثير: إنه
الصورة المكتوبة أو المنطوقة أو
المرئية كما تعكس الواقع كما يراه من
يقفون وراء الإعلام، فهي، إذاً،
الواقع وقد تجسد في مقولات وجملاً قد
تكون مبسطة، لأنها تترجم أفكاراً لا
تصلح كمادة إعلامية مباشرة، بما أنها
على درجة من التعقيد أو التجريد تجعلها
خاصة بنخبة أو موجهة إلى نخبة، غير أن
هذا لا يلغي طابعها ووظيفتها كإطار عام
تتم بمعونته قراءة مجريات وتطورات
ومتغيرات ووقائع معينة، يقدمها
الإعلام بلغة مفهومة تفك أقفال
المخزون المعرفي والشعوري لمن يتلقاه،
وتتفاعل معه بصورة مؤثرة، لذلك يجب أن
تكون متفقة مع ميوله أو مسلماته كي
تصير مقبولة لديه، وأن تخاطب عنده
حساسيات شعورية ومضامين عقلية متنوعة،
تغنيها أو تبطل أجزاء منها وتحل أجزاء
أخرى، غالباً ما تكون جديدة، محلها، في
عملية لا تتوقف . عندما لا يكون للإعلام إطار فكري مضمر، أو
يكون إعلاماً مبنياً على تسطيح وتقويض
الوعي، فإنه ينحط إلى مجرد تهييج
وتحريض، ولا يكون إعلاماً بأي معنى
توضيحي/ تنويري كذلك الذي يقال عنه: إنه
تاريخ الأيام، تاريخ أحداث كل يوم .
عندئذ، فإنه لا يلقى القبول إلا لدى
الجهلة والأغبياء الذين يقبلون
التهييج والتحريض ويعيشون شعورياً
عليه، . هذا الإعلام لا يخلو فقط من إطار فكري،
يحتويه كي يجعل منه إعلاماً، بل هو
يخلو كذلك من أي إطار إنساني، لذلك
تراه يتكون من جملة متصلة من صرخات
مسعورة تدعو مستمعها أو مشاهدها إلى أن
يكون مستعداً لإبادة كل شخص وشيء، من
دون مراعاة أي اعتبار أخلاقي أو قانوني
أو إنساني، أو أية قيود تفرضها على
علاقات البشر مشتركات الحياة وقيم
الأديان ومثل الخلق القويم، فالدعوة
موجهة هنا إلى قيم مثلها الأعلى أن
تكون قاتلاً كي لا تكون قتيلاً، وأن
تسبق غيرك إلى السكين، حتى لا يسبقك
إلى المسدس أو الصاروخ، وأن تبتسم
باعتزاز بعد الإجهاز عليه، كي لا يطلق
ضحكات مجلجلة بعد شرب دمك .في الإعلام:
من لا يوجهه الفكر، ولا يلتزم بقيم
أخلاقية ودينية أو بقوانين وضعية، لا
يحترم الواقع ويعتبره مادة يتلاعب
بها، ومن خلالها بمشاعر وغرائز البشر .
فهو لا يتوجه إلى العقول خشية أن ينبذ
مخزونها المعرفي طابعه الشعوري/
الانفعالي، وإنما تراه يستخدم لغة غير
عقلية أو عقلانية، تقتل أية محاكمة
منطقية، وتفي أي مضمون للكلام قابل
للفحص في ضوء التجربة أو يتفق مع أية
خبرة معرفية مختزنة في نفوس متلقيه،
فهي لغة مبالغة وافتعال وانفعال، تقسم
العالم إلى مكانين: واحد للخير المطلق
هو مكان من تدافع عنهم، الذي تريد
تسويقه عند من تسعى إلى السيطرة على
أقوالهم وأفعالهم، ومكان للشر المطلق
يسكنه من تعاديهم أو تريد تشويه صورتهم
. لهذا، يقوم فنها كله على التقاط
مفردات خاصة، يشوهها التضخيم أو
التقزيم، من واقع مفبرك هو واقعها
الخاص، تريد إقناع المتلقي بأنه واقعه
أيضاً، رغم أن هذا لا يؤمن بوجوده،
لأنه لا يرى علاماته أو مفرداته في
وجوده، ولا يلمس له أثراً في حياته،
المادية والروحية . هذا المتلقي، الذي
يكوّن قسماً كبيراً من جمهور وسائل
الإعلام، يتحاشاه إعلام الدم
والتهييج، ولا يتوجه إليه بخطابه، بل
يسعى إلى تحقيره وتأليب “جمهوره”
الخاص عليه، بتصنيفه في خانة سلبية
وطنياً وإنسانياً وأخلاقياً، وإلصاق
صفات شنيعة به تجعل التخلص منه واجباً
من الضروري أن يتصدى له كل “مواطن شريف”،
وإلا ازدادت خطورته وقوض الحياة
العامة والخاصة بكل واحد من أبناء
الشعب . في الآونة الأخيرة، كان الدم
يقطر من كلمات هذا الإعلام، ومن أشداق
محطاته التلفازية والإذاعية، وكان جهد
العاملين فيه، وجهد من يقف وراءهم،
يتركز على فبركة واقع لا يمت إلى واقع
سوريا بصلة، ينقسم السوريون فيه إلى
أقلية مضللة مجرمة وقاتلة لا بد من
تصفيتها، وأغلبية مخلصة طيبة قدر ما هي
بريئة، من الضروري إنقاذها، بسفك دماء
الأقلية المجرمة . هذا الواقع المصطنع
والوهمي تترتب عليه نتائج عملية على
قدر استثنائي من الخطورة، أقله لأنه
يدعو السوريين إلى قتل بعضهم بعضاً
باسم قيم دينية ووطنية وأخلاقية تحرم
القتل، لو كان هذا الإعلام يراعي
الواقع الحقيقي ولو من بعيد، لألقى
نظرة فاحصة على المجتمع والدولة
وأحوال المواطنات والمواطنين، ولأحجم
عن الدعوة إلى قتل المظلومين
المطالبين بحقوقهم من هؤلاء، ولساندهم
ودعم مطالبهم، ولقال فيهم كلاماً
جميلاً، بما أن مطالبهم شرعية باعتراف
القيادات السياسية، التي يفترض بهذا
النمط من الإعلام تأييدها، ودعم
مواقفها . لكنه لا يؤيدها وإنما
يعاكسها ويحرض ضد أي مطالب بأي حق مهما
كان شرعياً، ويلحق القائلين بتحقيقه
بالفتنة ورموزها ومسلحيها، الذين
يتحدث ليلاً نهاراً عنهم، لكنه لا يقدم
أي دليل ملموس على وجودهم . لا بد من وقف إعلام الدم والتحريض، إذا
كان يراد للأزمة السورية الراهنة أن
تحل في أجواء من العقلانية والتوافق
والسلام، وكانت هناك رغبة جدية في بلوغ
حال من العدالة والحرية ترضي
المواطنين . ولا بد من توحيد خطاب
الإعلام مع رغبات الناس ومطالبهم
المشروعة، وإلا أسهم بدوره في تكسير
المجتمع وتقويض الدولة، وكان داعية
عنف، وجانب وظيفته كساحة تواصل وتفاعل
بين من يجب أن يزودهم بما يكفي من مواد
أولية تعينهم على ممارسة حريتهم في
النظر والعمل، ليصيروا بالقول والفعل
مواطنين أحراراً، وحملة للشأن العام
وللسلامة العامة . في خضم البلبلة السائدة اليوم في سوريا،
يزيد هذا النمط من الإعلام الدموي
مشكلاتنا تعقيداً بدل أن يساعد على
حلها . ويصير هو نفسه مشكلة يعني التصدي
لها بدء الحل الفعلي للأزمة الخطرة،
التي نواجهها . =============== عبد الوهاب بدرخان
النهار 15-6-2011 طالما ان حكومة جديدة قد ولدت، فلعل
مسؤولا فيها يتفضل، تبرعا او واجبا،
بالافادة عن المواطنين السوريين
المعتقلين منذ فرارهم الى الاراضي
اللبنانية. فالتكتم عزز التأويلات.
والمطلوب اولا تأكيد وجود معتقلين،
وعددهم اذ قيل خمسة وقيل خمسة عشر،
واسباب اعتقالهم فلو كانوا عسكريين
لما قالت التسريبات انهم سيحاكمون،
واذا كانوا ذوي سوابق فلا سبب للسرية.
اما اذا كانوا مدنيين نازحين فهناك
الآلاف منهم، ومن العيب احتجاز حريتهم. ربما يُعفى لبنان من اقامة مخيمات
للنازحين، على غرار تركيا،
فاللبنانيون يستقبلونهم بما تقتضيه
"تقاليد الاخوة". اما ان تعفي
الدولة اللبنانية نفسها من مواكبة
المشكلة بما امكن من تسهيلات، فهذا غير
مقبول، خصوصا ان المجتمع الدولي جعل
الازمة الانسانية المتفاقمة احد ابرز
مآخذه على النظام السوري. اللبنانيون "معذورون". هكذا يقال في
الشارع، كما في الدوائر الديبلوماسية،
لتبرير السلبية التي يبدونها تجاه ما
يحدث في سوريا، فالقوى السياسية تمعن
في نهج انكار وجود مشكلة حقيقية عند
الجيران، والدولة اظهرت استعدادا
تلقائيا للتصويت ضد قرار مفترض لمجلس
الامن. "معذورون"، اذاً، في قول لا
لادانة قتل الناس وقبول وحشية النظام
ضد مواطنيه. لماذا؟ لان اللبنانيين في
غنى عن مشكلة تضاف الى انقساماتهم. فهم
فريقان: واحد ضد قتل السوريين ايا كان
من يقتلهم، وآخر مع قتلهم تحديدا اذا
كان هذا النظام من يقتلهم. وهؤلاء
يعارضون ايضا اي اصلاحات يمكن ان تعقلن
النظام فتغيره فيفقدون مساندته لهم. قبل ان تحصل اي "كارثة" اصلاحية كان
لا بد ان يلحق هؤلاء حالهم، فهذه قد
تكون الفرصة الاخيرة لحكومة معلبة.
فجأة لم تبق عقدة واحدة غير قابلة
للتذليل، بما فيها "الماروني السادس"
وبالاخص "السني السابع"، اذ ان
"كلمة السر" وصلت وينبغي التنفيذ.
حسن، البلد كان بحاجة الى حكومة تنظم
فوضاه المعتادة، لكن التأخير اشتد في
تشجيع البعض على محاولة انتهاك "صيغة
الطائف"، ثم ان تسريبات حديثة انذرت
بان المحكمة الدولية قد تصدر القرار
الاتهامي في قضية الاغتيالات السياسية
خلال هذا الشهر او اوائل الشهر المقبل.
وبين رأي يفضل صدوره في ظل حكومة تصريف
اعمال مشلولة لتسهيل ردود الفعل عليه،
ورأي آخر يفضل مواجهته بحكومة
الاكثرية الجديدة، رجحت كفة الرأي
الثاني. اما التعجيل السوري بالحكومة فرمى خصوصا
الى انتهاز اخفاق مجلس الامن في ادانة
سوريا كمؤشر اعتراف بان النظام لم يفقد
قوته، وبالتالي ربما تكون له مصلحة في
انهاء الجمود في لبنان وعدا ان الحكومة
والتهنئة الاولى من الرئيس السوري
بتشكيلها كانت رسالة الى الداخل
والخارج، فان دمشق تحركت ايضا بعدما
كثر الكلام اخيرا عن تأهب ايران لتجاوز
نفوذها في لبنان. قد يكون الرئيس نجيب ميقاتي حرص على ابعاد
صفة "اللون الواحد" عن الحكومة،
لكنه سيجد صعوبة في مواجهة واقع ان
الغالب عليها هو اللون السوري. =============== كم أخشى على النظام
السوري من الحقد والحسد د. يحيى مصطفى كامل 2011-06-14 القدس العربي أراقب عن كثبٍ وباهتمامٍ فائضٍ أحداث
سورية، لذا تجدني مهموماً، حزيناً
تعتصرني الشجون ويجفو النوم عينيَّ
لما يتعرض له النظام السوري من هجماتٍ.. أي إجحافٍ هذا؟ كنت أعتقد أن نظاماً مبهرا كهذا ينبغي
علينا أن ننادي بنشر تجربته في جميع
ربوع العالم الفسيح مطالبين بتعميمها.
إن أبسط تمحيصٍ واستعراضٍ لطبيعة هذا
النظام ومفرداته يؤكد لنا أنه لم يستمر
من فراغ، وإنما لقدرته الفائقة في
التعامل مع التناقضات وتخطيها.. لنتأمل
قليلاً.. لم يبدع هذا النظام في أي
منحىً قدر إبداعه في مجال إعادة تشكيل
الخريطة السياسية والاجتماعية
السورية، ترشده وتهديه في تلك الطريق
الوعرة معرفة عميقة وثاقبة بهذا الشعب
وبتلافيف السياسة الإقليمية
والعالمية وثقافة واطلاع واسعان... لقد
بدأ كأي محنكٍ بتحديد أعدائه بدقة، وهم
للحقيقة قلة...الشيوعيون والقوميون
والقوميون السوريون والناصريون
والمنشقون على البعث وبعثيو العراق
ومؤسسو البعث (لردتهم وميولهم
الانفصالية والوحدوية والرجعية
واليسارية المريضة) والرجعيون
والانهزاميون والإقليميون والمتدينون
والمتأسلمون والإخوان المسلمون
والمسلمون بصفةٍ عامة والطائفيون
والمتبرئون من طوائفهم المحتقرون لها
والملحدون والشعوبيون ومعادو العروبة
وغلاتها أيضاً وساكنو المدن الواقفون
في طريق التطور، والآن الريفيون
والجبليون (الذين لم يراعوا جميل
النظام الذي قام عليهم وجعلهم سادة بعد
أن كانوا ينظر إلى كثيرٍ منهم من علٍ)
والأتراك والفلسطينيون بغالبية
فصائلهم على حسب المرحلة إلا من رحم
ربي، وقبل كل هؤلاء، العدو الأكبر
والأعظم كيداً والأكثر عناداًَ
وإصراراً على التحدي، الشعب السوري!
ذلك المتآمر المندس على النظام الذي لا
يعجبه العجب ولا يقدر النعمة الإلهية
التي يعيش في ظلها وفي كنفها.. لقد أدرك
النظام بعد مرير التجربة أن هذا الشعب
السوري يقف عثرةً وعائقاً في طريق تقدم
الشعب ويحول دون وصوله إلى آفاق العزة
والمجد التي يصبو إليها النظام، ولذا
فلا محيص عن حمله على طريق التحرر
والتطور الخ حملاً وضرباً بالعنف
الثوري التقدمي الوحدوي العروبي. في
سبيل ذلك، وفي وجه كل أولئك الأعداء لم
يكن امام النظام الشهيد المصلوب أبداً
من مفرٍ سوى أن يجتبي فئةً من الناس
يدينون له بالولاء ويرتفعون فوق هذا
الشعب المندس، فقام بأكبر عملية
إحلالٍ لطائفةٍ بعينها متحالفةً مع
بقية الأقليات الدينية في أجهزة
الدولة والحزب الحاكم، وفي كل المفاصل
المهمة في القوات المسلحة 'العقائدية'،
بل واضُطر هذا النظام المسكين إلى
إنشاء ستة عشرأو سبعة عشر جهازاً
أمنياً يحمي ثورة الشعب ومكتسباته من
الشعب.. وحرصاً منه على سلامة عقيدة
مواطنيه الثورية العروبية مما قد
يتسرب إليها من نوازع التمرد
والانفلات فقد خص كل مواطنٍ تقريباً
بدركيٍ أو عنصر أمنٍ يقيه شر نفسه. ولئن
كان الله في سمائه قد منح الناس الحرية
للاختيار بين الفضيلة والخطيئة فليس
كذلك النظام السوري الذي يحدب على
مواطنيه الأعداء عاصماً لهم من
التجديف والتهريف بمعارضة النظام...
وقد نتج عن كل ذلك ثورة في العلاقات
الاجتماعية، أي والله ثورة لا أقل.. إذ
لكل ما سبق بات الناس يحسبون كل كلمة
يقولونها ويزنونها جيداً مدركين
الفارق بين حرية النظام والوطن، وحرية
التعبير المقيتة التي تبث الفرقة
والتذبذب واعين أن الأولى فرض تجب
الثانية كونها نافلة النوافل؛ ليس ذلك
وحسب وإنما بات كلٌ ينظر بعين الريبة
إلى جاره عله يكون ذلك المخبر القديس
فاعل الخير الذي يفني عمره حفاظاً عليه
وحمايةً له من السقوط في براثن خطيئة
الرأي الحر والتفكير المستقل.. وكما
كانت للنظام تجربة رائدة في إعادة رسم
وهندسة البنية الطبقية للمجتمع فقد
أبدع حين أنتج الشبيحة معيداً بذلك
تدوير وتوظيف حثالة المدن ممن يطلق
عليهم البروليتاريا الرثة في الأدبيات
الاشتراكية (طبعاً نقصد هنا الأدبيات
الجاهلة والأحط ثقافياً لماركس ولينين
ومن نحا نحوهم من الجهلة التافهين)
ووظفهم في خدمة النظام أعضاء فاعلين
مكافحين معاضدين لإخوانهم من
عناصرالأمن والمخابرات في تقويم
وتهذيب الشعب- العدو بالتي هي أوجع..
ولعل شعاراً ك'حركة التصحيح تنتج
الشبيح' لا بد أن يضاف إلى معلقات
ومذهبات الحزب.. حتى إذا تطورت الأمور
وبلغ التمرد والرجعية مداهما، كما
يحدث الآن، وكما حدث في حماة من قبل عام
1982 تحتم على النظام تقويم الناس
بالسلاح قاتلاً عشرات الآلاف، تماماً
كالأم الرؤوم التي تقسو ليزدجر
الأبناء... وهو تماماً نفس الأسلوب
الاسرائيلي الذي يعتمد العنف والعنف
فالمزيد من العنف، فيما يعتبر أبلغ ردٍ
على أولئك المندسين المرجفين الذين
يزعمون أن النظام لا يتعلم من تجارب
الآخرين، مع فارقٍ بسيطٍ وتافهٍ طبعاً
أن إسرائيل تستعمله لمصلحة
الفلسطينيين والنظام السوري لمصلحة
شعبه! ولما حاك البعث دستوراً مانحاً الصدارة
والكلمة الأولى والأخيرة لنفسه، فإنه
نزولاً على قواعد الكرم العربي منح
أعداءه التقليديين من الحزب الشيوعي
وأمثاله مقاعد في تلك الجبهة التقدمية
الفكاهية خفيفة الظل، هذا مع احتفاظه
طبعاً بالأغلبية.. بل وفاق ذلك كرماً مع
كل من انشق عن هذه الأحزاب شاجباً هذا
التحالف وهذه الجبهة، حين أغدق عليهم
عقوداً طويلة في هدوء السجون الظليل
ليتدبروا أخطاءهم. وهناك أيضاً مجلس نيابي، أي والله،
حفاظاً على الشكل.. يختاره طبعاً
النظام الأعلم بمصلحة الناس وبما
يناسبهم وبما يعلم أنهم يريدون قوله
ويطالبون به؛ ويراعي في اختيار أعضائه
العصبيات والطوائف والبيوتات الكبيرة
أحياناً.. ويجتمع الناس في هذا المجلس
ويرتدون أزياء مختلفة وهو للحق مسل
أحياناً موافقٌ على اقتراحات الحكومة
دائماً. غير أن النظام لم يضن على شعبه بالمزيد،
فهو يضيف إلى كل ذلك مسحةً جمالية إذ
يوزع ببذخ صور وتماثيل الرئيس المفدى
وأبيه في كل مكان، بين كل صورةٍ وصورةٍ
تمثال مما يذكر المواطنين لا
بالمراقبة، وإنما بالنعيم ويضفي على
الجو خفةً وصفاءً. أما في المجال الاقتصادي فحدث بإسهابٍ عن
تجليات العبقرية.. إذ بعد تمحيصٍ مضنٍ
وتدبر لعصارة النظريات والفكر
الاشتراكي توصل إلى منهاجه الخاص الذي
يعكس تركيبته البديعة والفريدة:
الاشتراكية العائلية العشائرية
الطائفية... ولا غرو أنها تعد، وبحق،
فتحاً وطريقاً جديدة طازجة في
الاشتراكية، فهي اشتراكية مترسملة (أو
رأسمالية مشتركة) يوصفها البعض بأنها
تتبع آليات السوق المغلق المفتوح أو
المنفتح بإغلاق.. يعني بالبلدي 'سوق ذو
بابٍ مواربٍ مستحي'، وهو مغلقٌ في وجه
الشعب المندس منفتحٌ في جيوب الأسرة
الحاكمة وعشيرتها وطائفتها الأقربين.
مضى عهد كان النظام يعتمد فيه على بعض
النخب المدينية التجارية لتدوير عجلة
الاقتصاد بما لذلك من فائدةٍ ايضاً في
صنع حلقةٍ من المنتفعين تكسبه بعضاً من
الشعبية والدعم، إلا أنه أيقن أنه فوق
ذلك وأنه في غنى عن الدعم.. الأهم، لقد
أدركت الأسرة الحاكمة أنها حين تسيطر
على الاقتصاد فهي تحقق التحاماً
ثورياً تقدمياً عروبياً بين الثروة
القومية والثورة ممثلةً في الأسرة
الذهبية، وخشية من النظام على الشعب
الجاحد من الفساد فهي تبقيه على حافة
الإفلاس دائماً بحيث يحصل الموظفون
على مجرد ما يكفي في أحسن الأحوال، مع
غض البصر المُشجِع على التحايل على
المعايش مع تفضيل وتحبيذ للتهريب
أسوةً بما يفعله النظام في لبنان؛ هذا
طبعاً مع تذكر 'الاشتراكية' مع الأسرة
الحاكمة صاحبة الفضل. كما أن النظام
أطلق حرية الحراك الاقتصادي بل وشجعها
بخلقه ظروفاً تدفع المواطنين إلى
السفر، سواءً إلى الخليج أو إلى أية
دهياءٍ تأخذهم، ولا ضير في أن يجمعوا
المال طالما استمرت حوالاتهم المالية
إلى الوطن الأم بما يوفر النقد الأجنبي
لشراء الأسلحة لأجهزة الأمن والجيش
العقائدي الساهر على أمن الوطن في درعا
وجسر الشغور. بذكر هذا نصل إلى الصرح الأعظم في منجزات
النظام، وهو الجانب العسكري! لقد أدرك النظام كنصيرٍ أولٍ بل وأوحدٍ،
أن تحرير فلسطين والأراضي المحتلة يمر
عبر درعا والرستن وجسر الشغور (أضف
عزيزي بين القوسين ما شئت) وأن الأعداء
الداخليين، أي الشعب السوري، أخطر من
الإسرائيليين، فهؤلاء معروفون حيث
أنهم قبيحو الخلقة ولا يتكلمون
العربية.من منا لا يذكر ردود النظام
السوري الساحقة المدمرة لكل تعدٍ
إسرائيليٍ حين كان المتحدث الرسمي
يؤكد على 'احتفاظ سورية الكامل بحق
الرد'.. لقد كان ذلك يحطم الآلة
العسكرية الإسرائيلية، بل والمشروع
الصهيوني من أساسه. إن النظام حين يقتل ويقمع الثورة بهذه
الوحشية منكلاً معذباً مشوهاً لجثامين
الأطفال الطاهرة، فإن هدفه الأول في
ذلك هو تحرير الأراضي المحتلة، إذ
يتدرب على شعبه بكل ما لديه من ذخيرةٍ
حية وعتاد قبل المعركة الحقيقية
الحاسمة، ومن ثم يبعث برسالةٍ قاسية
إلى إسرائيل:'هاكم ما نستطيع القيام
به، فاعتبروا وارحلوا من تلقاء أنفسكم!'
ولا شك في أن إسرائيل ترتعد، فالنظام
الذي يفعل ذلك في شعبه قادرٌ على
تمزيقهم. معذرةً إذ توقفت قليلاً لكفكفة دموعٍ
غالبتني، ليس ألماً وغيظاً وحنقاً على
نظام كهذا معاذ الله، وإنما على
العشرين مليون سوري المندسين الجاحدين
لأيادي النظام البيضاء عليهم
المطالبين بالكرامة والحرية. محسودٌ
والله ذلك النظام ورئيسه ذو الضحكة
الأخاذة التي تنم عن ذكاءٍ خارق وتقدير
مبهرٍ للظرف. كتب المفكر اليساري
الإيطالي الشهيد أنتونيو غرامشي
كثيراً عن المثقف العضوي المرتبط
بطبقته.. أنا أزعم أن النظام في سورية
تخطى ذلك بالأسرة والطائفة المرتبطة
بل الملتحمة بالحزب والدولة والجيش 'العقائدي'
التي حلت التناقضات الطبقية والطائفية. للأسف، لم يفهم الناس في سورية هذا
المنطق، وهم قلة مندسة تصل إلى عشرين
مليوناً في أقل التقديرات.. فلم يكن
أمام النظام المؤمن بقضيته من مفر سوى
أن يقضي عليهم ويسعى إلى استبدالهم،
عزائي الوحيد هو يقيني بأن ذلك الكابوس
البشع من الرعب والقتل إلى زوال. ' كاتب مصري =============== عبد الباري عطوان 2011-06-14 القدس العربي جميل ان يكون الرئيس السوري بشار الأسد
اول المهنئين لنظيره اللبناني ميشال
سليمان بمناسبة تشكيل الحكومة
اللبنانية الجديدة بعد مشاورات استمرت
خمسة أشهر، ولكن ما هو اجمل من ذلك، ان
يحدث العكس، أي ان نقرأ، في يوم ما،
نأمل ان يكون قريباً، ان الرئيس
اللبناني يبادر بالاتصال بنظيره
السوري لتهنئته بتشكيل حكومة سورية
تنبثق عن تجربة ديمقراطية حقيقية،
وانتخابات حرة نزيهة في ظل تعددية
حزبية كاملة. هل هذا التمني هو نوع من الحلم.. الاجابة
نعم، نقولها وفي حلقنا الكثير من
المرارة، فما يجري على ارض سورية من
اعمال قتل للمحتجين سواء على أيدي
الجيش ودباباته وطائراته العمودية، او
رجال الأمن الذين يطلقون النار بهدف
القتل لا يوحي بان التغيير الديمقراطي
بات قريباً، او حتى ممكنا في سورية. فالأخبار الوحيدة القادمة الينا من سورية
هذه الأيام لا تحمل الا اعداد القتلى
والجرحى المتزايدة جمعة بعد اخرى،
وتحركات الدبابات للسيطرة على هذه
البلدة أو تلك، والمقابر الجماعية
المكتشفة هناك او هنا، وتضارب
التقديرات حول عدد اللاجئين الى
الأراضي التركية من منطقة جسر الشغور
وضواحي ادلب هرباً من القتل والدمار. كيف يمكن ان يتفاءل المرء بقرب حدوث
الاصلاح الديمقراطي في سورية او بعده،
والدكتور فاروق ابو الشامات رئيس لجنة
وضع قانون للأحزاب في البلاد يعترف في
حديث لصحيفة 'الثورة' بانه لا توجد
ثقافة سياسية، ولا مشاركة للمواطنين
في الحياة السياسية، ولذلك فإن من صميم
عمل اللجنة هو 'الارتقاء بالاحزاب
لتصبح رافعة قوية قادرة على تعبئة
جهود، ومكونات المجتمع، بهدف مواجهة
التحديات الداخلية والخارجية، وصياغة
مشروع قانون جديد لتأسيس احزاب سياسية
وطنية تسهم بتوطيد عملية الاصلاح
السياسي وتعزيز صرح الديمقراطية
والتعددية السياسية'. قرأت تصريحات الدكتور ابو الشامات اكثر
من مرة لعلي افهم ما يريده، او ما تريد
لجنته التوصل اليه، ولكن عجزت عن ذلك،
ولا يضيرني الاعتراف علناً بجهلي في فك
طلاسم لغته وتصريحاته هذه، غير انها
محاولة لكسب المزيد من الوقت من خلال
الايهام بان هناك تحركاً نحو الاصلاح
الديمقراطي، اي اننا نسمع جعجعة دون ان
نرى طحناً. ' ' ' الدكتور ابو الشامات محق في قوله انه لا
توجد ثقافة سياسية أو ديمقراطية
تعددية لدى الشعب السوري، فكيف سيتعرف
على مثل هذه الثقافة وهو الذي عاش تحت
نظام الحزب الواحد وهيمنته لأكثر من
اربعين عاماً كان محظوراً عليه خلالها
ممارسة اي نشاط سياسي او حزبي، وان فعل
فإنه يتعرض للاعتقال بتهم عديدة اقلها
التعاون مع قوى اجنبية لتخريب امن
الوطن وزعزعة استقراره. ومن الغريب ان الدكتور ابو الشامات يقول
ان من ابرز مهام لجنته، حسب ما جاء في
تصريحاته، هو تعليم الشعب ثقافة
الديمقراطية والتعددية السياسية،
للارتقاء بمستواه في هذا الصدد، ثم بعد
ذلك يمكن اجراء الاصلاحات ووضع
القوانين التي تسمح بالتعددية
السياسية والانتخابات الديمقراطية
بالتالي. المشكلة هنا، ان الذين سيتولون تعليم
الشعب السوري ثقافة الديمقراطية
والتعددية هم انفسهم بحاجة الى دورات
في هذا الصدد، لانهم يتساوون مع الشعب
في الجهل المفترض بمثل هذا العلم، واذا
جادلوا بعدم صحة ذلك، فإن اقصى سقف لهم
في هذا المضمار هو أحزاب الجبهة
الوطنية، وهي احزاب منقرضة، تضم
ديناصورات ينتمون في معظمهم الى مرحلة
الحرب الباردة، واصيبت بعدوى التوريث،
اي توريث الزعامة، بحيث باتت هذه
الزعامة تنتقل في بعض الحالات، من
الزوج الى الزوجة، او من الاب الى
الابن وهكذا. الديمقراطية ليست علماً يدرس في الجامعات
والمدارس، وانما هي مطلب شعبي حتمي،
تماماً مثل الخبز والماء والهواء لا
يمكن ان تستقيم حياة الامم بدونها.
فجميع الشعوب التي انتقلت من الانظمة
الشمولية الى الديمقراطية، لم تنخرط
في دورات تثقيف ديمقراطي تنظمها
مؤسسات ولدت من رحم الديكتاتورية
والقمع. هناك تجارب ديمقراطية عديدة بعضها غربي
وبعضها الآخر عالمثالثي، يمكن
الاستفادة منها، ومن القوانين الحزبية
والتعددية المنبثقة عنها لتسريع عملية
التغيير استجابة لمطالب الشعب، ولحقن
الدماء، ولكن لا بد من توفر النوايا
الصادقة مسبقاً، ولا نعتقد ان تشكيل
لجان تتفرع عنها لجان اخرى، وعقد
اجتماعات تلو الاخرى، يصب في هذه
المحصلة. النظام في سورية يعيش حالة من العناد غير
مسبوقة، فهو يرفض تقديم اي تنازلات
ديمقراطية حقيقية تحت ضغط الاحتجاجات
حتى لا يظهر بمظهر الضعيف، وهذا خطأ
كبير قد يؤدي الى نتائج كارثية على
المدى البعيد. صحيح ان الحلول الامنية حققت بعض
النجاحات في تقليص حدة الاحتجاجات،
وهذا امر لا يبعث على الفخر، فالانسان
الاعزل الضعيف الذي ينزل الى الشارع
للتعبير عن مطالبه المشروعة في
الاصلاح، لا يمكن ان يهزم الدبابات
التي تطلق القذائف عليه، او جماعات 'الشبيحة'
المدربة على القتل والتعذيب لكل من
يختلف مع النظام. ' ' ' ربما تشعر القيادة السورية بالاطمئنان
لعدم حدوث تدخل عسكري خارجي على غرار
ما حدث في ليبيا او العراق، وهو
اطمئنان في محله لان الشعب السوري في
معظمه يعارض مثل هذا التدخل، ويصر على
سلمية انتفاضته، واستقرار بلده ووحدته
الوطنية، وهذا الحرص يجب ان يقابل
بالتقدير لا بالرصاص. الغرب لا يجرؤ على التدخل عسكرياً في
سورية ليس لان روسيا والصين ستستخدمان
'الفيتو' في مجلس الامن، ولا لان
تدخلاته السابقة في العراق وافغانستان
منيت بالفشل والخسائر الضخمة مادياً
وبشرياً، وانما لان هذا الغرب يدرك
جيداً ان الغالبية العظمى من السوريين
سيتصدون له، مثلما تصدوا لكل تدخل
مماثل وقدموا آلاف الشهداء. ما نخشى منه ونحذر، ان يعمي هذا
الاطمئنان، المرتكز على انتصارات
صغيرة، حققتها الحلول الامنية،
القيادة السورية عن رؤية المستقبل
بعين متفحصة، تقرأ الأخطار المحتملة
قراءة صحيحة، فنحن لا نريد ان تتحول
سورية الى بورما او كوريا شمالية اخرى،
بل دولة عصرية تقود المشروع النهضوي
العربي. من المؤلم ان النظام السوري، بالاعتماد
كلياً على الحلول الامنية الدموية،
وتأجيل الحلول السياسية، ومعاداة كل
من ينتقد نهجه هذا، وآخرهم السيد رجب
طيب أردوغان، بالصورة التي نشاهدها من
خلال الهجمات المكثفة عليه شخصياً
وعلى تركيا، وهو الذي كان حتى اشهر
معدودة الحليف والصديق الاوثق لسورية،
يجر سورية الى مستقبل مجهول، مفتوح على
جميع الاحتمالات، وابرزها الحرب
الأهلية، خاصة في هذا الوقت الذي
تتصاعد فيه عمليات التجييش والحشد
الطائفي والتدخلات الخارجية التي لا
تريد خيراً لسورية وللأمة العربية
بأسرها. فكل ما نتمناه ان يعطي الرئيس بشار الشعب
السوري ما يتمتع به حلفاؤه في لبنان من
حريات وديمقراطية وحقوق انسان،
والمشاركة في ادارة شؤون بلادهم من
خلال برلمان ومؤسسات منتخبة، وتنافس
شريف بين الحكومة والمعارضة. او ان
يتبنى النموذج التركي الديمقراطي الذي
رفع تركيا الى مصاف الدول الاكثر تقدما
ومكانة في العالم وجعلها سادس اكبر
اقتصاد في اوروبا =============== التورط الغربي يساند
القمع في سورية الاربعاء, 15 يونيو 2011 هوغو ميشرون * الحياة بعد ما يزيد عن شهر من القمع الدموي، ما
زال الاتحاد الاوروبي والولايات
المتحدة يبديان قدراً كبيراً من
التسامح مع المسؤولين السوريين. ينبغي
البحث عن اسباب السلوك هذا في عجز
الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي
أمام سورية. وعلى رغم أن هذه الحقيقة
ليست جديدة، فإن العجز ميز الجهود
العبثية التي بذلها المسؤولون
الاميركيون والاوروبيون لحمل سورية
على تغيير سياستها بين عامي 2003 و 2008.
وكانت المناهج المستخدمة وقتها جذرية. ولم تؤثر جملة الوسائل والاجراءات
الإكراهية التي استخدمت بين عامي 2003 و
2008 (من العقوبات القاسية الى قرار مجلس
الامن الدولي 1559). لقد صمّوا آذانهم
امام الضغوط الغربية باحثين عن حلول
عند حلفائهم التقليديين وفي مقدمهم
ايران (...). ونظم الاليزيه، بسبب ادراكه
انعدام فاعلية سياسة الحزم حيال
سورية، في ايار (مايو) 2008، التقارب بين
الاتحاد الاوروبي وسورية. وخلافاً لما جرى تداوله بكثرة، فإن
المسؤولين السوريين لم يغيروا موقفهم،
بل ان فرنسا وأوروبا كانتا في حاجة الى
سورية في ملفات اقليمية مختلفة، ما
جعلهما تتخليان عن سياسة الحزم. يصح
الأمر ذاته بالنسبة الى الولايات
المتحدة التي عيّنت عام 2010 سفيراً
جديداً في دمشق (بعد خمس سنوات من غياب
الحوار الديبلوماسي) من دون ان يتحرك
المسؤولون السوريون قيد أنملة عن
موقفهم قبل 2005. ولا تملك الولايات المتحدة اليوم مثلها
في ذلك مثل الاتحاد الاوروبي، وسائل
أشد فاعلية لتفرضها على القرارات
المتخذة في دمشق. وليس في الوسع سوى
تقليص تأثير ممارسات النظام وإدانتها
من خلال اعلانات رمزية وتعميم
العقوبات، التي تضاف الى تلك التي
تفرضها الولايات المتحدة منذ 2004، على
رغم انعدام فاعليتها. إمكان التدخل في سورية كان موضوع تعليقات
كثيرة في الصحافة. بيد ان الاتحاد
الاوروبي والولايات المتحدة واسرائيل
لا تريد، ببساطة، أي تدخل في سورية.
وإذا وُضعت في الاعتبار وسائل الازعاج
التي يملكها النظام السوري، يجوز
ترجيح الاعتقاد بأن المسؤولين
الغربيين يعتمدون على قمع جذري وعودة
سريعة الى الهدوء في البلاد، حتى ولو
كلف ذلك آلاف الضحايا. ويمتلك
المسؤولون السوريون، عبر دعمهم حركة «حماس»
ومساعدتهم «حزب الله»، القدرة على
اثارة قلق اسرائيل إذا كان من ضرورة
لذلك. يضاف ان سورية لم تعد تحتل لبنان
منذ 2005، بيد ان نفوذها هناك ما زال
حقيقة قائمة. وأثناء الازمة السياسية اللبنانية عام 2008،
وجه (الرئيس الفرنسي) نيكولا ساركوزي
دعواته الى دمشق لإنهاء الصراع، ما وضع
حداً في بضعة أيام، بفضل اتفاق الدوحة،
لستة اشهر من المفاوضات السياسية
العقيمة. يشي ذلك بأن أي تدخل لن ينحصر في الاراضي
السورية. وإذا اخذت في الاعتبار موازين
القوى الاقليمية وتأثير سورية، فإن
التدخل يحمل خطر الانقلاب إحراجاً
اقليمياً. وينبغي ان يعي المسؤولون
الغربيون ان التدخل في سورية يساوي فتح
«صندوق باندورا» ويشير الى انعدام
كامل للمسؤولية. والنظام البعثي السوري الذي نكتشف مرة
جديدة طبيعته الحقيقية، مفيد للولايات
المتحدة وللاتحاد الاوروبي (...). وتعيش
الحدود الاسرائيلية - السورية هدوءاً
ملحوظاً منذ 1973 وهي الحدود الأكثر
أمناً للدولة العبرية. القبضة الحديد
التي تُطبق بها اجهزة المخابرات على
أنفاس المواطنين السوريين منذ عام 1967
تجعل من سورية دولة مخيفة، لكنها «مستقرة»،
ما يوفر ضمانة لأمن اسرائيل. وفي منأى عن الأفكار الجاهزة، لا تبدو
سورية في نظر المسؤولين الغربيين كحكم
يزرع الاضطراب في «النظام» الاقليمي.
بل على عكس ذلك، فالدولة السورية تمثل
معادل التوازن في شرق اوسط يضم
اسرائيل؛ وهذا توازن مبني على خنق
المجتمع المدني السوري وعلى إبقائه
صامتاً. لذا، يبدو النظام السوري كبير الفائدة
للقوى الغربية التي تجازف بالتدخل في
سورية، فتعتمد إذاً على القمع العنيف
والصامت نسبياً المتفشي في سورية
حالياً. * باحث في العلوم السياسية، عن «لوموند»
الفرنسية، 1/6/2011، إعداد حسام عيتاني =============== الملف النووي السوري
يخطف الأضواء من ايران الاربعاء, 15 يونيو 2011 ابراهيم متقي * الحياة تفاوتت الردود على البرنامج النووي
الايراني في المرحلة الاخيرة. ففي وقت
يؤكد المسؤولون الايرانيون التزام هذا
البرنامج القوانين الدولية، وعدم
ابتعاده من مواثيق وكالة الطاقة
الذرية الدولية، يصدر مدير الوكالة
هذه، يوكيا امانو، تقارير متتالية
يبدي فيها قلقه ازاء البرنامج
الايراني. وتزامن تقريره الاخير مع
مقالات صدرت في عدد من الصحف الاميركية
والاوروبية تستند في وجهة نظرها الی
مواقف الوكالة الدولية. ففي حين استبعد كنت والتز في مقال نشره
قبل سنوات خطورة البرنامج الايراني
علی السياسة الدولية، ولو بلغ مرحلة
انتاج الطاقة الذرية، رأی سايمون
هرش في صحيفة «نيويوركر» أن ثمة ميلاً
الى تشكيل جبهة جديدة موجهة ضد ايران
وأنشطتها النووية، ولو استندت هذه
الجبهة الی معلومات خيالية وأسس
افتراضية. وتعزى ازدواجية المواقف هذه الى عدد من
الاسباب والذرائع. والذريعة الاولى هي
بحث العالم الغربي عن ذريعة أو يزمع
على فبركة ذرائع للاقتصاص من ايران.
فالعالم هذا ينظر بعين الانحياز الى
البرامج النووية في العالم. ويرقى الى
البداهة ان مواقفه من ايران وسورية غير
عادلة، في وقت يغض النظر عن البرنامج
النووي الاسرائيلي، ولا يتابع تطوراته.
والغرب ينتهج سياسة مزدوجة وغير عادلة
إزاء البرامج النووية في منطقة الشرق
الاوسط. والذريعة الثانية هي خطاب بعض المسؤولين
في الجمهورية الاسلامية الايرانية
السياسي. فخطابهم يولد حساسية في
العالم الغربي، ولا يلقى استحساناً.
فعندما يعلن مدير منظمة الطاقة
النووية الايرانية ان بلاده تسعى في
رفع مخزونها من اليورانيوم المخصب
ثلاثة أضعاف، يفهم العالم الغربي أن
ايران تستفز المجتمع الدولي. ولذا،
يسعی الى انتهاج خطوات رادعة ازاء
ايران، ويشجب سياستها النووية. ونشهد تصعيد المواجهة ضد ايران، وهي
ترتبط بالملف النووي. وانتقلت عدوى
المواجهة من ايران الی سورية، إثر
موافقة 17 عضواً في مجلس محافظي وكالة
الطاقة الذرية الدولية علی طرح
الملف النووي السوري امام مجلس الامن
الدولي، ورفض 11 عضواً الاحالة هذه،
علی رغم اختلاف الموقفين الصيني
والروسي عن الموقف البريطاني والفرنسي
والاميركي من المسألة هذه، والموقفان
المتفاوتان هذان يؤثران في الملف
الايراني. وعلی رغم صدور بيان غير رسمي وقّعه ستة
سفراء غربيين سابقين في طهران، يؤيد
البرنامج النووي الايراني السلمي
لترطيب الاجواء المعادية لايران،
أستبعد نجاح مؤتمر طهران لنزع الاسلحة
النووية في تقليل حدة الحملات الموجهة
الى الجمهورية الاسلامية او الاسهام
في حل الموضوع النووي الايراني. ولكن
المؤتمر هذا قد يؤثر في الرأي العام
العالمي وفي مواقف بعض البلدان. وأغلب الظن ألا يحال الموضوع الايراني
الی مجلس الامن إحالة سريعة، في وقت
تتجه الآمال الى احتمال احراز محادثات
مجموعة خمسة زائداً واحداً نتائج
جيدة، في وقت يولي المجلس اليوم
الاولوية للملف السوري النووي في
المرحلة الراهنة. * معلق سياسي، عن موقع «ديبلوماسي
ايراني» الايراني، 13/6/2011، اعداد محمد صالح صدقيان =============== السلطة الشمولية وتعطيل
الدستور السوري الاربعاء, 15 يونيو 2011 علي جازو * الحياة تكفل استيلاء حزب البعث على السلطة في
سورية واحتكاره لها، وحصره صفتي
الشرعية والوطنية «بالحزب القائد
للدولة والمجتمع»، بإحداث سبات سياسي
في سورية وبتعطيل نموها الفكري. وقد
بالغت الفئة الحاكمة في عزلتها
وجمودها، وحمت نفسها بأجهزة القمع
وتكديس الثروة عبر إفقار الدولة. وها
هو الشعب يعاني من سطوة الترهيب وضراوة
الفقر، وتردي وضعه الاجتماعي وتفسخ
رابطه الوطني. فقد تهاوت قدرته
الشرائية إلى مستويات مخيفة. وأفضت
قسوة العزلة إلى إغلاق الباب على أي
حوار، ومُنع كل فعل سياسي يطهر
الاقتصاد من الفساد ويرفع عن الناس ثقل
المهانة والعوز، ويعيد الاعتبار
الإنساني اللائق إلى معنى الانتماء
الوطني الجامع لتنوع مكونات المجتمع
السوري. ولا يمكن لكل ذلك أن يتم من دون انتشال
السلطة من مساوئ طغيانها. فاحترام
الدستور وإعادة النظر في بنوده
الجوهرية، وحده ضامن لهكذا حال تتوسل
بالشرعية المنتخبة لإدارة البلاد.
ويمكن هذا الحوار، في حال الإسراع إلى
طرحه بمسؤولية وطنية ووفق مبادئ
عقلانية، أن ينقذ السلطة من فوضى
حتمية، ويعيد تأسيسها على أسس وطنية
ديموقراطية واضحة تعكس طموح السوريين
إلى أوضاع اجتماعية عادلة بحيث تدار
اختلافاتهم تحت أسس راسخة تحصن السلم
الأهلي وتضمن ممارسة الحريات العامة.
بقاء الحوار مغلقاً أو إغلاقه المستمر
لهما مؤدَيان خطيران يُتخوف معهما من
انجراف البلاد إلى الغرق في عنف مادي
مؤلم. فالسوريون، مطالبون اليوم،
بابتكار شكل ملائم من الحكم المدني
العصري حيث تسمح تغييرات دستورية
حقيقية بإرساء الحقوق في الحياة لا على
الورق، واستقرار حالهم على مبدأ تداول
السلطة السلمي، ويقتضي هكذا ابتكار
ملح وضع حد جذري لفنون القمع السياسي
والتوحش المخابراتي. إن وجود هيئة برلمانية فاعلة سيقلل من
احتمالات العنف بفعل تجميد السياسة،
فهذا ما يفعله نظام برلماني، مع ضرورة
تبديل سنوات رئاسة الجمهورية من سبع
إلى أربع ولجم حق الترشح بدورتين
متتاليتين، ونزع احتكار حق الترشح
للبرلمان من الحزب القائد، أو أن يتم
ذلك عبر الانتخاب العام المباشر،
وكذلك تحجيم سلطات الرئيس وتفعيل
المحكمة الدستورية، وفصل الحزب عن
التحكم بالدولة ومقدرات البلاد، ورد
الاعتبار لدور الجيش كمؤسسة حماية
عليا للأمن الوطني. وهذا مناسب الآن
أكثر من أي وقت مضى لإنقاذ الوطن
والجيش. إن قبضة الأحكام العرفية، التي كبلت
وأهانت السوريين قرابة نصف قرن تحولت
إلى جحيم يومي. فمبدأ فصل السلطات تم
لفظه، ولم تحصل ترجمته إلى مضمون
حقيقي، ويحتفظ معظم السوريين تحت
ضغوطات القمع الأمني والتردي المعاشي،
بصمت يحمل على الريبة والغموض إزاء
نظام الدولة التي يفترض بها رعايتهم،
ويشك أغلبيتهم في توافر شروط تمنح
القضاء استقلالاً كاملاً ومكانة ذات
صدقية، في ظل وجود محاكم أمنية متعسفة،
خارج أي نطاق دستوري يحترم حقوق
الإنسان الأساسية. وكان أحرى بالقضاء
العادي، وهو محل فض النزاعات، التعامل
مع الحالات التي توصف بجرائم سياسية (من
قبيل إهانة الشعور القومي، وبث
الفتنة، والانتساب إلى جمعية سرية وما
يسير في عدادها)، وهي توصيفات غامضة
وملتبسة وعسيرة على سلامة المنطق
القانوني من ناحية احترامها حقوق
الفرد الأساسية. والقضاء مناط الحفاظ
على مبدأ علانية المحاكمة، وحق المتهم
في الدفاع. فحق التظاهر السلمي، الذي يكفله الدستور،
معدوم، وكثير من كتاب الرأي ورافضي
الاستبداد والناشطين الحقوقيين،
يسجنون وفق أحكام عرفية تضرب عرض
الحائط بأساسيات حقوق التظاهر
والاعتصام المدنيين، رغم كفالة
الدستور السوري ضمان حرية التعبير
والحق في التظاهر وإبداء الرأي. ورئيس
الدولة مسؤول عن تطبيق الدستور ورعاية
مصالح الشعب، ودوره أساسي وحاسم، لكن
الاستفتاء شبه الإجباري، الذي وفقاً
له يحرم السوريون من حقهم كناخبين لا
مستفتين، تم دفن الانتخاب الحر،
وجُرّدت النقابات من أسباب وجودها
فغدت عقيمة، ورضيت بما يوكل إليها، وهي
في حالها المهني أدنى إلى جمعيات خيرية
خائبة توكل بأعمال إدارية عقيمة، لا
ينقصها شيء من خرائب الفساد. ويبدو
مسار ثقة السلطة بنفسها اعتباطياً
ومغلقاً وصدئاً في آن. ولم تنشأ
الحصانة المتوهمة سوى بالقهر المادي
الذي اتخذ ولم يزل مظاهر عنف وقمع
بدائية. وما كان للشأن الدستوري دور في
تثبيت أركان الحكم، وظلت المحاكم
العليا في منأى عن الشأن العام لغالبية
السوريين الذين حط بهم الحال، فالقضاة
أقرب إلى موظفين يعينون بالنفوذ أو
الرشوة و الرضا الأمني، والعدالة
تسلّعت، وهي تقايض قرارات المحاكم
بسعة الثروة وقوة النفوذ. وبدوره يدار الاقتصاد بمنح وتراخيص لا
تعرض إلا على قلة محظوظة. فنصاب سيطرة
البعث، مثلاً، باسم «الفلاحين والعمال
وصغار الكسبة»، على أغلبية مقاعد مجلس
الشعب، هو ما فصّله حزب البعث لدوام
تحكمه وتحويله المجلس إلى رديف تابع.
وما يسمى بالمستقلين من النواب فئة
يحصلون على رضا الحكم مسبقاً،
والصحافة صودرت بعد تأميمها، ودور
الجبهة الوطنية التقدمية دعائي أكثر
منه تشاركاً في الحكم وتشاوراً في صنع
القرار، ناهيك عن حظر الأحزاب بالجملة
وعدم وجود قانون ينظم الحياة الحزبية.
هذا ويؤخذ على مشاركي البعث أنفسهم، في
مجلسي الشعب والجبهة الوطنية
التقدمية، رضوخهم وصمتهم. بينما
اعتماد «اقتصاد السوق الاجتماعي» لم
يفرز غير حدة التباين الطبقي وزيادة
عدد الفقراء. وفي حال كهذه طبيعي أن
تزداد المسافة الفاصلة بين أجهزة
الحكم وطموح الشعب. * كاتب سوري. =============== الاربعاء, 15 يونيو 2011 رندة تقي الدين الحياة كتب الرئيس جاك شيراك في الجزء الثاني من
مذكراته التي صدرت الأسبوع الماضي في
فرنسا: «في حزيران (يوينو) عام ألفين كنت الرئيس
الغربي الوحيد الذي شارك في جنازة
الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. قرار
كان مرده أولاً الحفاظ على تفاهم مع
سورية كنت اعتقدت أنه لمصلحة السلام في
الشرق الأوسط كما أنه لمصلحة تحرر
لبنان. الأمل الذي كان يشاركني به
صديقي رفيق الحريري... إلا أن بشار الأسد كان يبدي عزمه على
تشديد هيمنته على لبنان الذي يتيح
لجماعته وله أن يحصل على مكاسب منه على
جميع الأصعدة مستفيداً من مكاسب
احتلال سياسي و اقتصادي... لم يبق في
حينه أي أمل من الانفتاح والتجديد
اللذين أبداهما لدى توليه الرئاسة
عندما أراد إعطاء صورة الرئيس التقدمي
الشاب إلى جانب زوجة ذات مظهر حديث.
لكنه انغلق في نظام تحت سلطته واهتم
بمصالحه الخاصة الشخصية والعائلية.
نجل الرئيس حافظ الأسد الذي أوصاني
بإعطائه النصائح وتوجيهه في أولى
خطواته أسرع في الاستماع فقط إلى
الآراء التي لم تناقض نهجه ولا تبعده
من منطق السلطوي والمهيمن الذي يقطع
الطريق على أي أمل بتطور النظام السوري». هذه السطور من مذكرات شيراك تستحق
القراءة لأنها شهادة تاريخية لرئيس
فرنسي وقف في وجه الولايات المتحدة
خلال حربها في العراق ولو لم يأخذ هذا
القرار لكان بلده يتخبط اليوم للخروج
من العراق. أما خبرته بالنظام السوري فيؤكدها ما
يحدث الآن في سورية حيث مطالب الشعب
بالإصلاح والحرية تواجَه بالدبابات
والقمع ومناورات ديبلوماسية تناشد
أمين عام الأمم المتحدة مساعدة النظام
ضد «الإرهابيين والإسلاميين
المتطرفين»، فهي ضمن استراتيجية عدم
الاستماع الى صوت الشعب الطامح إلى
حياة أفضل واحترام حقوقه. فقمع الشعب السوري يحتاج الى سيطرة قوية
على الوضع اللبناني عبر حكومة من لون
واحد يسطع فيها بريق العماد عون الذي
يسعى لمكافحة فساد يفصّله على نموذجه،
حيث الفاشلون في الانتخابات النيابية
يتولون حقائب وزارية لمعاقبة من تجرأ
من الشعب على رفضهم، ويهيمن على
الحكومة حزب في يده قرار الحرب والسلام
والأمن في البلد وإبطال نتائج محكمة
دولية لم تعد تهمه. .فاليوم المطلوب
أولاً وقف سفك الدماء في سورية وإدراك
أن العالم تغير ولا يمكن الاستمرار
بمنطق القمع المستمر لأنه طريق مسدود
لا يؤدي إلا إلى الخراب والحروب
والدمار. =============== من يتآمر مع الصهاينة
على سورية؟ ياسر أبو هلالة تاريخ النشر 14/06/2011 الغد الاردنية يفترض في الكاتب أن يأخذ مسافة من مقاله،
وأن لا يقحم نفسه في الموضوع من دون
مسوغ. في الثورة السورية، وبسبب
التدهور الأخلاقي للنظام الدموي ومن
يقفون معه، من خلال تصفية الخصوم
واغتيال الشخصية معنويا نظرا لعجزهم
عن التصفية الجسدية كما حدث مع سليم
اللوزي وسمير قصير وغيرهما، يحتاج من
يقف مع الثورة للتعريف بنفسه،
والتذكير بمواقفه قبل ثورة الشعب
السوري. هنا على صفحات "الغد" كنت أختلف مع
الصديق أيمن الصفدي رئيس التحرير لأني
أقف مع سورية وحزب الله، ومحرك البحث
"غوغل" كفيل برصد المواقف
والتحولات. ومقالي في "الغد" عقب
حرب تموز اقتبست منه صحيفة "نيويورك
تايمز" على صفحتها الأولى. وحتى في
انتهاكات حقوق الإنسان، وإلى أن وقعت
مجزرة درعا، كان الحديث بلغة الحليف
سواء في الحديث عن ملف المفقودين أم
اعتقال المدونة طل الملوحي، وصولا إلى
اعتقال سهير الأتاسي. وحتى المقال عن ملف المفقودين حمل عنوان
"سورية يا حبيبتي". وللتذكير، قلت
فيه "دوليا، خرجت (سورية) من دائرة
التهديد الأميركي، وأوباما لا يحمل
نوايا سيئة لسورية. إقليميا، يعجز
الإسرائيليون عن تهديدها، وهم مشغولون
بحلفاء سورية؛ حزب الله وحماس. عربيا،
زارها الملك عبدالله بن عبدالعزيز
وسعد الحريري. وإسلاميا، تسند ظهرها
إلى إيران وتركيا. داخليا، لا يوجد
معارضة جذرية ذات وزن. من موقع القوة
هذا يمكن لسورية أن تنفتح وتبدأ مشروع
مصالحة داخلية حقيقيا، ومن موقع المحب
لسورية التي احتضنت المقاومة في لبنان
وفلسطين والعراق، وأنت تقف في خندق
سورية في مواجهة المشروع الصهيوني
والأميركي المتصهين، تتمزق وأنت تقرأ
تقرير "سنوات الخوف: الحقيقة
والعدالة في قضية المختفين قسريا في
سورية"، الذي حرره الباحث رضوان
زيادة وأنجزه باحثون وخبراء سوريون في
حقوق الإنسان، بالتعاون مع "برنامج
العدالة الانتقالية في العالم العربي"،
وبدعم من منظمة "فريدم هاوس" (بيت
الحرية) في واشنطن، وهو أول تقرير دولي
وشامل لقضية المفقودين (المختفين
قسريا) في السجون السورية". يومها كان إصلاح النظام ممكنا، ومن موقع
القوة. اليوم غدا التغيير شرطا ولم يعد
الإصلاح ممكنا. فلا يمكن لبشر يمتلك
الحد الأدنى من الإنسانية، ولا أقول
الأخلاق والوعي، أن يشارك بجريمة
الصمت، ولا أقول التغطية والتبرير
والتواطؤ، تجاه الجرائم المتمادية في
سورية. وذلك لا يعني أن من يمارس
إنسانيته ولو تجاه دوس قطة في الشارع
غدا منسجما مع المشروع الصهيوني. ليسوا قطة في الشارع، مع أن التعاطف مع
القطة يعكس الموقف من الصهيونية.
فمعاداة الصهيونية تبدأ من التعاطف
بموقف إنساني مع الضحية وهو الإنسان
الفلسطيني المقتلع من أرضه، قبل أن
يكون موقفا مبنيا على معايير أخلاقية
ووعي سياسي. وعليه، فإن من يتعاطف مع
أيقونة فلسطين محمد الدرة هو من يتعاطف
مع أيقونة سورية حمزة الخطيب.. ومن
يفقدون إنسانيتهم تجاه الأول يفقدونها
تجاه الثاني. إن أكبر خدمة للصهيونية اليوم هي أن تقف
مع النظام الدموي، وتُلقى الوردة
الضحية، وهي هنا مأساة الشعب
الفلسطيني، في سلة قمامة، أي النظام
الدموي الاستبدادي. وكأن أعداء
الصهيونية هي الأنظمة الاستبدادية
حصرا. إن فلسطين بغنى عن ربطها بأنظمة
بمثل هذه البشاعة والدموية. وكم كان
مسيئا للصهيونية تشبث الأنظمة
الاستبدادية الآفلة بأستارها، فمبارك
ربط بقاءه بأمن إسرائيل، والقذافي
لحقه، ورامي مخلوف في سورية سار على
النهج ذاته. طبعا المفتونون بممانعة النظام السوري،
يتجاهلون مقولات مخلوف، وهو أهم أركان
النظام من خلال تحكمه بأموال الأسرة
الحاكمة. وفي سورية سميت سياسة "الخصخصة"
في عهد بشار ب"الرمرمة" نسبة له.
وهو على سبيل المثال لا الحصر يملك
شركتي الهاتف الجوال في سورية، وهما من
لوازم الحرب على الصهيونية. وقبل ذلك
يتعامون عن مناقشة سياسته الرسمية
التي لا تختلف، باستثناء التحالف مع
حزب الله وحماس، عن سياسة مصر كامب
ديفيد في مساواة بين سيناء والجولان.
من دون ربط شرطي مع المسار الفلسطيني.
وإلى اليوم يتحدث الموقف الرسمي
السوري عن وديعة رابين، وكأنها العهدة
العمرية، مع أن الوديعة لا تختلف مطلقا
عما قدمه بيغن للسادات، وما كان خيانة
بحق السادات صار غاية المنى بحق الأسد
أبا وابنا. لا يهم الموقف من وديعة رابين، ما يهم هو
كيف استغل نتنياهو جرائم النظام
السوري في أميركا. وخطابه يكشف كم خدم
النظام الممانع الصهيونية بسبب جرائمه.
في خطابه في الكونغرس الشهر الماضي، بحسب
هآرتس، اقتبس رئيس الوزراء الإسرائيلي
عن الكاتبة الإنجليزية جورج ايليوت من
مبشرات الصهيونية في القرن التاسع
عشر، والتي توقعت دولة اليهود ك"نجم
ساطع من الحرية في بحر من الطغيان في
الشرق". هكذا يصف نتنياهو الواقع
الاقليمي، وهذا هو الأساس لسياسته في
"السلام الاقتصادي". كوزير
للمالية في العقد الماضي، تحدث
نتنياهو عن نمو اقتصادي خلف أسوار
الفصل، حسب نموذج كوريا الجنوبية.
كرئيس للوزراء أظهر في السنتين
الأخيرتين بأن الحيلة تنجح. إسرائيل
تمتعت بهدوء أمني وبازدهار اقتصادي،
في الوقت الذي غرقت فيه الدول حولها في
أزمة اجتماعية، وفي معمعان سلطوي، الى
أن علقت في موجة من الثورات. تستنتج
الصحيفة أن مظاهرات السياج في مجدل شمس
في يوم النكبة الشهر الماضي وفي يوم
النكسة بداية هذا الاسبوع "شرخت
الحالة المثالية وأظهرت للإسرائيليين
أنهم غير منقطعين عما يجري خلف السور.
يتبين أن الثورات في الدول العربية
تتعلق بنا نحن أيضا. 37 سنة من الهدوء في
هضبة الجولان تضعضعت دفعة واحدة، فقط
لأن نظام بشار الأسد يكافح في سبيل
حياته". إن الأحرار هم من يحررون فلسطين، أما
المستعبدون فقد ثبت أنهم ليسوا مجرد
عاجزين عن التحرير، بل يخدمون
الاحتلال والصهيونية. ومن يقف مع
المستبد بالنتيجة يقف مع الاحتلال. ========================== بوسف الديني الشرق الاوسط 15-6-2011 لا يمكن أن نفهم الحالة السورية التي
أعتقد أنها إحدى أسوأ عمليات التغيير
في العالم العربي وعورة وحساسية؛ ليس
فقط بسبب حزب البعث الجاثم على البلاد
منذ أمد بعيد؛ بل لأنه تحول، بفعل هذا
الامتداد الزمني، إلى هوية سياسية
مستقلة تم تعميمها بفعل القوة والقمع
والكثير من الاستبداد في وقت كانت تلك
الأدوات تأخذ طريقها إلى الشعوب دون أن
يطالها توثيق ال«يوتيوب» أو حيوية «تويتر»
أو حتى حشد ال«فيس بوك»، كما أن وضعية
سوريا باعتبارها قامت بتحديد هويتها
المبنية على فلسفة العروبة الشعار
الرائج أيام تأسيس الدول العربية
المستقلة لتوها من الاحتلال بمختلف
صنوفه استطاعت أن تكسب ذلك النفس
العروبي رئة «بعثية» يتنفس بها وترتبط
حياة أحدهما بالآخر. تطورات الأوضاع في سوريا تدعو للقلق
الشديد الذي يتجاوز جانب حقوق الإنسان
ليصل إلى ما يشبه سيناريو حرب
الاستئصال، وذلك في ظل قمع النظام
السوري الدموي للاحتجاجات الشعبية،
الذي يعتبر الأعنف إذا أخذنا حجم
الممانعة من الشعب الأعزل وتلكؤ
المنظومة العربية وارتباك المنظومة
الدولية برمتها بسبب مبررات في مجملها
براغماتي يتصل بطبيعة النظام السوري
وصلفه، وأيضا الخوف من البديل الذي قد
يغير معادلات السياسة في المنطقة بسبب
التماس مع القضية الأم، الصراع العربي
- الإسرائيلي، حتى بات من «الضحك الذي
يشبه البكا»، كما يقول العرب، أن يلاحظ
المراقب ارتباكا إسرائيليا لا يوازيه
أي قلق في قراءة الحالة السورية والحذر
من التفاعل معها خوفا من العواقب، وهذا
جزء من صورة أكبر، هي إشكالية الهوية
السياسية التي كرسها النظام السوري
والتي جعلته بفضل آيديولوجية البعث
الشمولية أن تحوله إلى المشكلة والحل
في آن واحد. وإذا كانت هذه الخصوصية السورية فيما
يتصل بالهوية السياسية في مرحلة
سابقة؛ فإنها في مرحلة ما سمي ربيع
الثورات أكثر تعقيدا؛ حيث نعلم أن ثمة
في كل الثورات التونسية والمصرية التي
انتقلت إلى مرحلة ما بعد الثورة،
والثورتين اليمنية والليبية غير
المنجزتين، هامشا كبيرا في تشكل
المعارضة وتوحد صفوفها واختيارها
لمنطقة رمزية كساحة التغيير أو ميدان
التحرير، وحتى في المناورة مع السلطة،
بينما يغيب هذا كله في الحالة السورية
التي تحول فيها الشعب إلى ضحية، حتى
أولئك الذين لا يشاركون فعليا في
المظاهرات والاحتجاجات لاعتبارات
الخوف هم ضحايا محتملون لتلك العبثية
والفوضى الأمنية اللتين بلغتا أوجهما
مع ضحايا من داخل قوات الأمن أصبحوا
بشكل أو بآخر وقودا سياسيا يتم به
تأجيج الوضع هناك. على مستوى آخر، فإن الثورات كلها، عدا
الحالة السورية، كانت تستمد قوتها من
المعارضة في الداخل والخارج، ومن
الاستناد، ولو بدا رمزيا، إلى شخصيات
اعتبارية في النظام السابق من وزراء
ومسؤولين وقياديين سياسيين أو من خلال
التقوِّي بانشقاق الجيش أو حتى حياده،
وكلا الأمرين غير موجود في الحالة
السورية، ويبدو أننا لن نشهده على
المستوى القريب، وهذا لا يدل على تماسك
النظام، كما يروج له عادة؛ بل يدل على
مدى قدرته على تحويل التنوع الطبيعي في
المؤسسات السياسية والعسكرية وحتى
المجتمع في كل النماذج حتى الدول التي
توصم عادة بالاستبداد إلى واحدية
حزبية بالفعل أو القوة، كما يقول أهل
المنطق. في اعتقادي أن الحالة السورية سيطول
أمدها في ظل معطيات واقعية كثيرة تبدأ
بقدرة الشعب السوري المذهلة، حتى
الآن، على الحفاظ على سلمية
الاحتجاجات، وفي ظل ازدياد قوة ووتيرة
وسطوة النظام في قمع معارضيه بأشكال
وصور وسيناريوهات متعددة، لكن الأهم
في ظل صمت الخارج، خاصة المجتمع الدولي
الذي ما زال يتلكأ في التعامل مع الملف
السوري بشكل جاد، الأكيد أننا لا ندعو
هنا إلى تدخل عسكري، ليس هذا من وظيفة
التحليل السياسي، لكن حتى على مستوى
أقل من التدخل العسكري هناك الكثير من
الجدية يمكن للمجتمع الدولي أن يرسله
إلى النظام السوري عبر أوراق الضغط
الكثيرة، ولو من خلال إيجاد مخرج سياسي
أشبه بعملية جراحية خطرة، لكن تضمن،
على الأقل، سلامة الجسد السوري، الذي
لا يمكن له أن يصمد طويلا في ظل أجواء
غير صحية كالتي يعيشها، الحالة
الوحيدة التي يمكن أن تتغير فيها
الحالة السورية الاستثنائية تكمن في
احتمالات بعيدة الوقوع كانشقاق الجيش
بسبب تزايد حرجه بالتورط بعمليات قتل
جماعية، أو احتمال تضخم عدد الضحايا
إلى درجة تجعل من المجتمع الدولي يشعر
بالحرج ذاته في التورط على السكوت عن
حال كهذا، وكلا الأمرين يتطلب وقتا
طويلا يجعله أقرب إلى مفهوم الاحتمال
منه إلى الإمكان. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |