ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
«لاءات» أنقرة والدم
السوري المراق السفير 17-6-2011 خليل حرب صارت سوريا الشغل الشاغل لتركيا. تقول
انقرة انها قضية تركية داخلية، تمسها
في السياسة والاقتصاد والمجتمع...
وتمسها في ما تعتبره «هيبتها» لا كقوة
صاعدة فحسب، وانما كدولة سوقت نفسها،
او تم تسويقها، على انها تمتلك مفاتيح
الربط والحل، وان سياستها «صفر مشكلات»،
ان تجلى نجاحها، فهو في أبهى صوره، مع
السوريين. هناك من يتحدث عن حرج تركي، وهناك من
يتحدث عن تخبط. والبعض يقول بوجود «مؤامرة»،
والاتراك يؤكدون انه حرص على القادة
السورية وعلى الشعب السوري، بينما
تدور التساؤلات في حلقات مفرغة، فلا
تأتي اجابات شافية عما يجري فعليا على
خط أنقرة دمشق، الذي الى ما قبل اسابيع
قليلة، كان ما يزال مثار حقد دوائر
غربية... ناهيك عن اسرائيل. حاولت «السفير» استخلاص أجواء «قصر
شنقايا» الرئاسي من خلال كبير مستشاري
الرئيس عبدالله غول، ارشاد هورموزلو
الذي قال انه قبل اندلاع الاحداث
السورية، «كنت اقول ان الوضع في سوريا
مختلف عن الوضع في مصر... في سوريا هناك
تطابق بين السياسة الخارجية لسوريا
وبين تطلعات الشعب السوري، سواء في
الموقف من اسرائيل او مواقف دمشق
المستقلة من قضايا ايران والموقف من
الولايات المتحدة». «شرعية النظام السوري بين الشعب كبيرة
لهذه الاسباب، لكن الناس لديها تطلعات
داخلية ومطالبة مشروعة بالاصلاحات»،
يقول هورموزلو. لكنه يحرص على التوضيح «نحن لا ندافع عن
نظام، لكننا ندخل الدول من بواباتها
الشرعية.. وهذا النظام هو الحاكم، الى
ان تقرر غالبية الشعب تغييره او تبديله». وبعدما اشار هورموزلو الى ان المواقف
التركية تركز على أمرين هما اعلان
اصلاحات تلبي المطالب الشعبية، وتسريع
عملية الاصلاح نفسها، قال ان النقطة
الاهم هي «ألا تراق الدماء السورية..
ولا نفرق بين دم رجل الامن ودم
المتظاهر في الشارع... لا نريد ان نرى
الدم السوري يراق... ولا لارهاب
المدنيين والعوائل... الاحتكام يجب ان
يكون الى المنطق والحوار». وقال المستشار الرئاسي التركي انه يتحدث
مع السوريين وانه كصديق لهم ولسوريا،
دعاهم الى «مخاطبة الشعب التركي
والعربي والسماح للاعلام بالتحرك
للحديث عما يحدث، لكنني حتى الان لم أر
تجاوبا حول هذا الموضوع»، مشددا على
اهمية ذلك من الناحية النفسية. واشار الى ان انقرة اقترحت على القيادة
السورية جملة اصلاحات، من بينها تنظيم
قانون الاحزاب والاقتصاد ومحاربة
الفساد التي وصفها بأنها «مهمة
للمواطن السوري والرأي العام العالمي»،
مضيفا «لم نقطع الامل بإمكان التغيير
والاصلاح، وتصورنا ان الشعب السوري
سيتجاوب مع هذه الخطوات من جانب الحكم». وبعدما رفض نظرية «التدخلات الخارجية»
قائلا انه «لا يعلم بوجودها»، تساءل
هورموزلو مستنكرا «لو كانت هناك جهات
تريد تحطيم النظام من الخارج، او جهات
ارهابية او معادية للعرب والاسلام،
فهل من المعقول ان تقف تركيا ضد سوريا». وعندما سئل عن طبيعة اجواء العلاقة
القائمة بين دمشق وانقرة، قال
هورموزلو ان «تواصلنا مستمر مع
القيادة السورية، وهي مرتاحة حسب
تصوري لهذا التواصل.. وهم يعرفون حسن
نيتنا بهذا الموضوع». وعندما سئل عن النظريات المتضاربة حول
حقيقة موقف انقرة من المعارضة السورية
واستضافة مؤتمر انتاليا مؤخرا، قال
هورموزلو «نحن لا نجمع المعارضة
السورية لضبطها، ولا نجمعها لتعمل ضد
دمشق». وأوضح ان المعيار بالنسبة لأنقرة هو «عدم
استخدام العنف او التحريض عليه سواء من
جانب المعارضة او النظام»، مبررا
السماح للمعارضة بالاجتماع في انتاليا
بالقول انه «بدلا من اجتماعها في
بروكسل او برلين او غيرهما، فما المانع
في ان تلتقي في انقرة او انتاليا؟!». لكنه سعى الى التشديد على ان السلطات
التركية لم تقدم الرعاية ولم تدفع الى
عقد مؤتمر المعارضة، مشيرا الى انه سأل
مشاركين في المؤتمر عن مصادر تمويلهم
فأبلغوه بان «تمويلهم ذاتي». التدخل الخارجي وردا على سؤال عن موقف تركيا في حال جرى
التصعيد الخارجي ضد دمشق، سواء
بالعقوبات او الحصار او العمل
العسكري، قال مستشار الرئاسة التركية
«حذرنا منذ اسابيع من ان استخدام العنف
سيؤدي الى تدخل خارجي، وهذا ما لا
نريده... لكن عندها سيقال اننا يجب ان
نلتزم بالقانون الدولي». ودعا هورموزلو الشعب السوري نفسه الى ان «يكون
ضد التدخل الخارجي والتنبه الى ضرورة
ان يكون الحل داخليا». وقال ان «الخطأ الذي نرتكبه في منطقتنا
اننا نحيل قضايانا الى متعاقدين
بالباطن لحل مشاكلنا... نحن قادرون على
حل مشاكلنا بأنفسنا حتى لا يكون هناك
ما يبرر التدخل الخارجي». واشار الى ان «مشكلتنا هي القرب الجغرافي...
هذه مسألة داخلية وشخصية، ولهذا لا
نريد عقوبات دولية، ونريد من القيادة
السورية ان تمسك زمام الامور وتنحو الى
الحوار، ومن الآخرين ان يحتكموا الى
الحوار وليس الى العنف». واضاف «المهم تغليب الهوية السورية
الجامعة، لا تغليب فئة او مذهب.. ولا
أراه صراعا سنيا علويا.. ونحن لا
نستغله، فقوة سوريا من قوة تركيا،
ولهذا لا مصلحة لنا في تغليب
الاختلافات... ولهذا فلا علاقة
لتصريحات اردوغان حول سوريا،
بالحساسيات الانتخابية التركية، ولا
رابط بينهما». ============ د. عبدالله تركماني 2011-06-16 القدس العربي بعد أن أجمع أغلب الداخل السوري على أنّ
النظام السوري 'منتهي الصلاحية'، خاصة
بعد أن أضحى الحراك الداخلي كبيرا
وعميقا ومستمرا بلا هوادة بقوة وعزم،
وشجاعة لا توصف، حيث يواجه المواطنون
العزّل الرصاص بصدورهم العارية. وبعد
أن تيقنت القوى الداخلية والإقليمية
والدولية من غربة النظام السياسي
السوري عن مفاهيم الدولة والسياسة
والقيم الإنسانية. بعد كل ذلك أضحت
احتمالات تدويل المسألة السورية قاب
قوسين أو أدنى، إذ أنّ مشروع القرار
الفرنسي - البريطاني في مجلس الأمن
لإدانة قمع المحتجين يعد أحد مظاهر
القلق العالمي المتنامي. إنّ العالم يتغير بسرعة، وإذا كانت
السلطة السورية فاقدة الشرعية، لا
تزال تمانع في الاستجابة لمطالب الشعب
السوري وحاجات تقدمه نحو الحرية
والكرامة، فمعنى ذلك أنّ كل شيء يمكن
أن يتغير استجابة لإرادة العدالة
الدولية، بعد أن أصبح احترام حقوق
الإنسان أحد أهم المعايير الدولية
لقياس تقدم الدول، ومن ثم فإنّ أي
انتهاك لها يعرّض الدولة المدانة
لضغوط وإدانة من المنظمات العالمية
ومن المجتمع الدولي. مما يحمّل
الحكومات مسؤولية ضمان هذه الحقوق
الأساسية، ويلزم مؤسساتها، التشريعية
والتنفيذية والقضائية، بتشريع هذه
الحقوق الأساسية وضمان تطبيقها، وفاء
لما وقّعت عليه من مواثيق دولية، ولما
تنص عليه معظم الدساتير من حقوق
وواجبات للأفراد والحكومات. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يحق لسلطة
أن ترتكب جرائم بحق الإنسانية وبحق
شعبها وأن يفلت قادتها من العقاب؟ فمع نشوء مؤسسات المجتمع الدولي، خاصة
بعد أن أضحت منظمات المجتمع المدني
العالمي فاعلاً جديداً في العلاقات
الدولية، ومع تداخل العلاقات الدولية
ونشوء الجرائم العابرة للدول
والقارات، كان لا بد أن يتوافق هذا
المجتمع على مبدأ 'عدم التملص من
العقاب'، فلم تعد السيادة تمنح مناعة
غير مشروطة، ولم يعد التهديد هو ما
يخرج من الدولة فقط، بل شمل أيضاً ما
يحدث داخلها. وفي الواقع تثير مجازر قوات الأمن
السورية، خاصة بعد استخدامها رشاشات
المروحيات والدبابات ضد المواطنين
السوريين، عدة إشكاليات قانونية تتصل
بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان، سواء
في ما يتعلق بالقانون الدولي العام، أو
القانون الدولي الإنساني، أو القانون
الدولي لحقوق الإنسان، أو القانون
الجنائي الدولي. إذ يشكل العنف وما
سببه من خسائر بشرية فادحة، وتهجير
المدنيين، خصوصاً الأطفال والشيوخ
والنساء منهم، وما ألحقه بهم من أضرار
مادية ومعنوية، خرقاً خطيراً للقانون
الدولي. كما أنّ التقارير التي تحدثت
عن مقابر جماعية في درعا تحرج الدول
الكبرى التي لا يمكنها السكوت عن
تقارير مماثلة، خصوصاً أنّ الكرة هي في
ملعب السلطات السورية التي رفضت
التعاون في شأن وصول لجنة دولية للكشف
عن الوضع في سورية. والمشكلة أنّ السلطة السورية لم تصغِ إلى
رسائل الحكمة والعقل لأطراف إقليمية
ودولية صديقة، كما لم تبالِ بنداء
العقل والضمير لنخبة المثقفين
والناشطين السوريين 'سورية الوطن
والشعب هي الأبقى'، فلا تزال أسيرة
خيارها الأمني إلى أن وجدت نفسها أمام
المزيد من المصاعب والعزلة، لأنّ
مسيرة العدالة الدولية ستتجه نحو
المحكمة الجنائية الدولية، وهو التوجه
المتوقع في حال بقاء الحل الأمني. ويبدو أنّ المشرّع السوري لم يهتم بالشكل
الكافي بدراسة الآثار القانونية
لانضمامه إلى الاتفاقيات الدولية
عامة، خاصة تلك التي تتعلق بحقوق
الإنسان، رغم أنها من أكثر المواضيع
حساسية وإثارة. مع العلم أنّ جميع هذه
الاتفاقيات تناولت موضوع التزام الدول
المنضمة وخلاصته: اتخاذ إجراءات
تشريعية وإدارية وقضائية وغيرها من
شأنها تمتع الأشخاص الخاضعين لولاية
الدولة المنضمة لأية اتفاقية بالحقوق
التي تناولتها الاتفاقية نفسها. وتنبع معارضة السلطة السورية من الادعاء
بأنّ تدخل المجتمع الدولي، خاصة
منظماته الإنسانية، يشكل خرقاً لمبادئ
السيادة الوطنية، في حين أنّ السيادة
الوطنية الحقة هي سيادة الشعب
والمؤسسات الوطنية المنتخبة
والمستندة للإرادة الشعبية الحرة
والملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان، ولا
يمكن بأي حال تقليص مفهوم السيادة
ليقتصر على سيادة الحاكم السوري، فاقد
الشرعية الدستورية، وتحويلها شعاراً
للاستبداد السياسي وكبت الحريات
العامة. ويبدو أنّ القيادة السورية لم تدرك أنّ
أحد مشاغل عالم اليوم تتلخص في التحول
المؤسسي القائم على مجموعة قيم عالمية:
الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية
والحكم الصالح، حيث يدفع هذا التحول
الحكومات إلى الانتقال من شخصنة
السياسة، أي ربط مصير الأمة بشخص ما،
إلى مأسستها، وربط مصير الدول
والمجتمعات وعلاقتها بمدى حيوية
المؤسسات وتكيّفها للتعاطي مع
المؤسسات العالمية المماثلة. لقد أوصلت السلطة السورية نفسها إلى
المأزق الحالي، بفعل تنكرها للجريمة
ضد الإنسانية في درعا وحمص والرستن
وتلبيسة وجسر الشغور، ورفضها تقديم
التنازلات الضرورية لمواطنيها
لطمأنتهم إلى تمتعهم بحقوق المواطنة
والحياة الكريمة، وأيضاً فهمها الخاطئ
للرسائل الخارجية التضامنية
والتحذيرية. إذ ثمة منطق شكلي يستخدمه الحكم السوري
وأنصاره، في مسألة التدخل الخارجي في
الشؤون السورية. يقول أصحاب هذا المنطق
إن المنددين باللجوء المفرط إلى القوة
في مواجهة الاحتجاجات والمطالبين بحل
يقوم على الإصلاح السياسي مغرضون
ويبطنون السعي إلى معاودة السيطرة
الاستعمارية على سورية. ولا شك أنّ هذا
المنطق الشكلي نجح، خلال عقود، في
تبرير ممارسة سياسة داخلية ذات طابع
تسلطي، باسم السيادة الوطنية ورفض
التدخل الخارجي، ولكنه اليوم بعد أن
سالت دماء السوريين المطالبين
بالتغيير الوطني الديمقراطي لم يعد
ينطلي على أي عاقل. وهكذا، فإنّ بنية النظام الأمني السوري،
كما هي عصية على الإصلاح الحقيقي
الداخلي، فإنها عصية أيضاً على مواكبة
التحولات العميقة في العلاقات الدولية
بعد نهاية الحرب الباردة، التي تستوجب
تقويض بعض ركائز هذه البنية في ميادين
حقوق الإنسان وأنساق قمع الحريات
العامة. وفي هذا السياق يبدو أنّ الأسد
الابن لم يكن وريث أجهزة الاستبداد
والقمع والفساد والنهب المنظم فحسب،
بل كان أيضاً وريث سلسلة من السياسات
الخارجية التي ليس في مقدوره تعديلها
من دون إدخال تعديلات مماثلة في
السياسات الداخلية. وهذه لا يمكن أن
تمر بسهولة في جسم النظام الأمني، لأنّ
أي تعديل ذي معنى سوف يخل ببنية النظام
المتصلبة والمتحجرة. وإذا كانت القوة التي تمارسها أجهزة
الأمن السورية، المنفلتة من عقالها،
تساعد على تنفيذ الجريمة أو تعطيل
المساءلة مؤقتاًً، فإنها لن تستطيع
أبداً أن تمحو عار الجريمة عمن
ارتكبوها، أو تغسل أيديهم من دماء
الضحايا، أو تصم آذانهم عن صرخات
الأطفال، وليعلم الجناة أنّ القانون
الدولي الإنساني لن يسمح بتقادم
جرائمهم. فقد جاءت المحكمة الجنائية
الدولية في العام 2002 استجابة للمطالبة
المستمرة بتعقب مرتكبي الجرائم بحق
الإنسانية، فقد تضمنت المعاهدة
تعريفاً واضحاً ومحدداً لهذه الجرائم:
'كل الجرائم التي ترتكب في إطار هجوم
واسع النطاق ومنهجي وموجّه ضد أية
مجموعة من السكان المدنيين ويشمل
جرائم القتل المتعمد والإبادة
والاسترقاق وإبعاد السكان أو نقلهم
بالقوة والسجن أو الحرمان الشديد من
الحرية البدنية والتعذيب'. ويجدر بالمسؤولين السوريين، الذين
يتهمون المحكمة الجنائية الدولية
بالانحياز وبازدواجية المعايير، أن
يتذكروا أنّ ضحايا أعمال العنف هم من
أهل سورية، وأنه إذا ما قُيّضَ للمحكمة
أن تنظر بالملف السوري فإنّ بشار الأسد
سيكون الرئيس السادس الذي سيتم اتخاذ
قرار بتوقيفه ومحاكمته من قبل المحكمة
الجنائية الدولية، وهو لا يزال يمارس
السلطة، إذ سبقه في هذا المجال خمسة
رؤساء: الصربيان سلوبودان ميلوسوفيتش،
وميلان ميلوتيفيتش، والليبيري شارل
تايلور، والسوداني عمر البشير والليبي
معمر القذافي. وبعيداً عن كل التداخلات الحقوقية
والقانونية والسياسية المحيطة
بالمحكمة فإنّ قرارها ستكون له
تداعيات داخلية وخارجية. وفي هذا
السياق، من حقنا أن نتساءل عما هو
الأفضل والأقل خسارة: بقاء الوضع على
حاله في سورية، أم انتظار المخاطر
المحتملة، أم تبنّي الحكمة والتعقل في
التعاطي مع الوضع؟ من المؤكد أنّ أية مبادرة حكيمة سوف تنطوي
على أنّ الشعب السوري أهم من حاكمه غير
الشرعي، وأنّ الحاكم يزول بينما الشعب
يبقى، وأنّ مهمة الزعيم الحقيقي هي
حماية شعبه وتوفير الأمن والاطمئنان
له، وليس لشخصه وأولاده وعشيرته. ومن
حيث المبدأ يمكن أن يكون المخرج من هذا
المأزق هو وضع مصلحة سورية فوق مصلحة
أقلية من آل الأسد ومخلوف وشاليش،
وهناك أصوات سورية رسمية تدعو إلى ذلك
وتفضل عدم الدخول في مواجهة مع
المؤسسات الدولية، لما لذلك من
انعكاسات سلبية على علاقات سورية
الخارجية وعلى أوضاعها الاقتصادية. نحن ضد التدخل العسكري الأجنبي في سورية،
جملة وتفصيلاً، لأننا واثقون تماماً
من أنه سوف يعقّد المسألة، ولن يحلها،
وواثقون تماماً من أنّ الشعب السوري
قادر على تحقيق أهدافه بطريقة سلمية،
لكن في الوقت نفسه لن يتوقف الناشطون
الحقوقيون السوريون عن استخدام كل
الآليات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان
من أجل المحاسبة الدولية لأركان
النظام الذين ارتكبوا جرائم ضد
الإنسانية في حق الشعب السوري. ' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس ============ مثقفون فلسطينيون
يساندون الإنتفاضة السورية القدس العربي 17-6-2011 تتواصل منذ أكثر من تسعين يوما الانتفاضة
السلمية التي يخوضها الشعب السوري
مطالبا بالحرية والكرامة في سوريا
ديمقراطية لكل أبنائها. وتتواصل في الوقت نفسه أعمال القتل وحصار
وقصف المدن والبلدات والقرى وتجويعها،
وتتصاعد حملات الاعتقالات والتعذيب
والتصفيات الجسدية التي تشنها أجهزة
النظام متنقلة من شمال سوريا إلى
جنوبها، مخلفة مئات الشهداء وآلاف
الجرحى والمعتقلين، تحت ذرائع واهية
لم تعد مقنعة حتى لمطلقيها، كل هذا وسط
الصمت الرسمي العربي، والتلكؤ البائس
للمؤسسة الثقافية العربية، هذا التلكؤ
المشوب بالتشكيك بأهلية المجتمع
السوري والتقليل من شأن أهمية حريته
وجدارته بها. ان المخاطر من إلقاء سوريا في احضان
الجهات المعادية تكمن في التخلي عن
الشعب السوري في انتفاضته وتركه فريسة
للآلة المتوحشة، وفي الإسهام في تزكية
الرصاص المنهمر على صدور أبنائه عبر
الصمت الذي لم يعد مبررا أو قادرا على
إخفاء الحقيقة. إننا نحن الموقعين على هذا البيان من
الكتاب والمثقفين الفلسطينيين لا نجد موقعنا الا الى جانب الشعب السوري وحقه
البدهي في العيش بحرية وكرامة في سوريا
ديمقراطية تعددية وموحدة . واننا إذ
نعلن تضامننا مع انتفاضة الشعب السوري
السلمية المتمسكة بحرصها على وحدة
سوريا وديمقراطيتها، نرفض رفضا مطلقا
الزج باسم فلسطين وقضيتها والمتاجرة
بدم أبنائها لتبرير عقود طويلة من
اضطهاد السوريين ومصادرة حرياتهم وزج
خيرة ابنائهم في اقبية الأمن وغياهب
المعتقلات، ليس هناك شعار قادر على
تبرير قمع الشعب وحرمانه من حقه في
التعبير والاختيار والعيش بكرامة، ان
سوريا الحرة والديمقراطية هي ما
تحتاجه فلسطين والأمة وليست سوريا
المقهورة والمثخنة بدماء أولادها. ان هذا الموقف يأتي استئنافا على الإرث
الثقافي الفلسطيني المنحاز للحريات
عبر روافعه التاريخية، بما يليق به
كمشروع تحرري حملته وأغنته وعمقت
جوهره أسماء مثل ادوارد سعيد وغسان
كنفاني ومحمود درويش. لقد كان الشعب السوري الشقيق بكافة
أطيافه وطوائفه وعلى مر العقود الشمال
الصلب الذي تتكئ عليه فلسطين، والرئة
التي تتنفس منها، وكان المثقفون
السوريون الأحرار إخوتنا وشركاءنا
بالكلمة والموقف والدم في مختلف محطات
التاريخ الوطني الفلسطيني،هذا هو درس
التاريخ وهذا هو ومجراه. تحية للشعب السوري العظيم الذي يصعد الى
حريته وحيدا وعنيدا، تحية له وهو يعيد
في هذه الأيام بناء دوره الحقيقي في
مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأرض
العربية، تحية له وهو يؤسس لسوريا
ديمقراطية موحدة في مواجهة آلة القتل
المتوحشة. تحية لسوريا التي تنتصر. ومن بين الموقعين على البيان: *إبراهيم أبو هشهش، إبراهيم موسى، أحمد
حرب، أحمد داري، أحمد داوود، أحمد
درويش، أسعد الأسعد، إعتدال إسماعيل،
أكرم مسلم، أنطوان شلحت، تامي رفيدي،
جواد بولص، حسن البرغوثي، حسن البطل،
حسني رضوان، حنان حرز الله، حيدر عوض
الله، خالد سليم، رائد البس، رولا
شهوان، زياد خداش ، سليم النفار ، سليم
الهندي، سميح العبد، صالح مشارقة،
عارف جفال، عاطف أبو سيف، عثمان حسين،
عصام خوري، عطاف يوسف، عماد موسى، غادة
يحيى، غسان زقطان، فاروق وادي، فخري
صالح، ليالي بدر، ليانا بدر، محمد صالح
الخليلي، محمد علي طه، محمد مرعي،
محمود روقة، محمود شقير، مها أحمد
يحيى، مها التميمي، مهند عبد الحميد،
نانسي صادق، نسرين فاعور، نصري حجاج،
نضال فقهاء، نعيم الأشهب، نوال الحاج
خليل، هيفاء الشوا، وليد الشيخ، يحيى
بركات، يحيى رباح. عبد الناصر النجار،
نبيل عودة، فوزي ناصر، د. حبيب بولص،
علي هيبي، سيمون عيلوطي، معين شلبية،
محمد بكري، حسين مهنا، عودة بشارات،
مروان مخول، نبية شلش، اسمهان خلايلة،
د. بطرس دلهي، سهيل ابو نوارة، ايمن
البرية، سهيل عطا الله، د. سليم مخولي،
وديع عواودة، سلوى نقارة، غازي ابو
ريا، بروفيسور سليمان جبران، نزية
حسون، د. نزيه قسيس، سهيل كيوان، مفيد
مهنا، د. نبيه القاسم، د. محمد حسن
بكري، يوسف حيدر، سعيد سلامه، سالم
جبران. ============ لماذا تحتاج إيران إلى
التخلي عن الأسد؟ امير الظاهري الشرق الاوسط 17-6-2011 هل بدأت إيران في التخلي عن المستبد
السوري بشار الأسد؟ من الناحية الرسمية، لا يزال النظام
البعثي داخل دمشق والنظام الخميني
داخل طهران حليفين استراتيجيين.
وبموجب اتفاق، تم التوقيع عليه في عام
2004، فإنهما ملتزمان بمساعدة بعضهما
بعضا ضد أي «تهديدات خارجية». كما يعقد
الطرفان أيضا اجتماعات سنوية لقادة
عسكريين بارزين، ويبدو ظاهريا أن
الهدف منها «تنسيق الجهود لتعزيز
الاستقرار الإقليمي». وتقدم إيران
أسلحة إلى سوريا، وتقوم بتدريب أفراد
الأمن السوريين منذ منتصف التسعينات
من القرن الماضي. وتبلغ حزمة المساعدات
الإيرانية السنوية لسوريا أكثر من 500
مليون دولار. ويعتقد متخصصون أنه بعد تفسخ التكتل
الشيوعي، حلت الجمهورية الإسلامية محل
الاتحاد السوفياتي كمدافع عن سوريا.
وقد كانت سوريا مفيدة لإيران في نواح
عديدة. لقد منعت ظهور التكتل العربي الموحد ضد
النظام الخميني، ولعبت كقناة للنفوذ
الإيراني داخل لبنان. ولم يخف الرئيس
الإيراني محمود أحمدي نجاد طموحه في أن
يرى إيران لها وجود داخل البحر المتوسط
للمرة الأولى منذ القرن السابع. ويأمل
أن يتحقق ذلك من خلال السيطرة على
العراق واستخدام سوريا ولبنان كدول
تابعة. وصورت وسائل إعلام طهران الظهور
الأخير لأسطول حربي إيراني في موانئ
سوريا كمناسبة درامية للتأكيد على
وجود إيران. وخلال العام الماضي، أسهم
عامل جديد في رفع قيمة سوريا كأصل
إيراني في المنافسة الجغرافية
السياسية داخل منطقة الشرق الأوسط. وهذا العامل هو تركيا. ولاقتناعهم بأن الانضمام إلى الاتحاد
الأوروبي أصبح سرابا أكثر منه شيئا
محتملا، تحول زعماء تركيا إلى سياسة
خارجية «عثمانية جديدة» تهدف إلى خلق
منطقة نفوذ تمتد من حوض بحر قزوين إلى
شمال أفريقيا. وتتصادم طموحات تركيا
الجديدة في خطط إيران لبسط هيمنتها. ولن يكون تنافسهما محصورا على الساحة
الجيوسياسية، بل توجد منافسة
آيديولوجية فرعية، فالقيادة الحالية
داخل تركيا عبارة عن فرع معتدل من
الإخوان المسلمين يعملون تحت لافتة
حزب العدالة والتنمية. وقال رئيس
الوزراء رجب طيب أردوغان أمام حشد تجمع
عقب فوز حزبه في الانتخابات داخل
اسطنبول الأحد الماضي «اليوم، تقدم
تركيا نموذجا للعالم الإسلامي. وتريد
تركيا أن تكون صوتا للمسلمين بمختلف
أنحاء العالم». وبالنسبة إلى الخمينيين داخل طهران، فإن
زعم أردوغان يعد شيئا مستفزا، بل أشبه
بالتلويح بثوب أحمر أمام ثور إسباني. (يزعم
الدستور الخميني أن علي خامنئي هو «زعيم
المسلمين كافة بمختلف أنحاء العالم»). لقد حرصت تركيا على مدار قرابة ثلاثة
أعوام على التقرب إلى سوريا، ووقعت
الدولتان اتفاقات تجارية تصل قيمتها
إلى مليار دولار، ويعد ذلك مبلغا كبيرا
بالنسبة إلى الاقتصاد السوري الصغير.
كما كانت تركيا «وسيطا» في محادثات بين
سوريا وإسرائيل. وفي المقابل، عزز ذلك
من سياسة إسرائيل التقليدية بدعم
عائلة الأسد في مقابل «مستقبل مجهول». ومنذ تولي الملالي سدة الحكم عام 1979، يحدو
طهران أمل في أن تصبح «قوة عظمى
إقليمية». وفيما تراجعت الولايات
المتحدة من الناحية الاستراتيجية تحت
رئاسة باراك أوباما، بلغت غطرسة طهران
ذروتها تحت حكم أحمدي نجاد. ويمثل دخول
تركيا غير المتوقع في المنافسة تهديدا
لطموحات طهران. وفجأة بدت سوريا قطعة مهمة على طاولة
الشطرنج. وليس مفاجئا أن وسائل الإعلام داخل إيران
اختارت تجاهل الانتفاضة ضد النظام
الحاكم في سوريا. وحتى هذا الأسبوع،
عندما تذكر الانتفاضة، تصفها وسائل
الإعلام الإيرانية بأنها «مؤامرة
أميركية صهيونية». ولكن، تدلل بعض
الإشارات، رغم ضعفها، على أن طهران قد
تجري مراجعة للوضع داخل سوريا. وللمرة الأولى منذ بدء الانتفاضة، نقلت
وكالة الأنباء الرسمية «إيرنا» خبرا
عن «الحاجة للاستجابة للمطالب
المشروعة للشعب السوري». ونصحت صحيفة «كيهان»،
التي يديرها مكتب المرشد الأعلى علي
خامنئي، القادة السوريين بإجراء «إصلاحات
ضرورية» للقضاء على «مؤامرات أميركية
صهيونية». ويزعم أعضاء متشددون في
المجلس الإسلامي، البرلمان الإيراني
الزائف، أن سوريا في مشاكل بسبب «انشغالها
بالعلمانية». وربما كان الأكثر أهمية أن طهران قررت وقف
تدفق الحجاج إلى «الضريح المقدس»
بالقرب من دمشق. والمبرر بحسب ما ذكره
الملحق الثقافي الخميني داخل سوريا أن
الحجاج يسافرون أيضا إلى لبنان حيث
يزورون «مناطق بها أغلبية مسيحية»
ويكونون عرضة ل«أفكار خاطئة». وبالطبع من المبكر جدا القول ما إذا كانت
طهران ستتخلى عن عائلة الأسد. ولكن لا
يمكن استبعاد هذه النهاية، فالخمينيون
لم يترددوا من قبل في التخلي عن تابع
لهم عندما بدا طرفا خاسرا. (وأخيرا،
تخلت طهران عن عائلة الحكيم داخل
العراق، بعد أن دعمتها على مدار ثلاثة
عقود. ونقلت طهران دعمها إلى المجموعة
التي يقودها مقتدى الصدر). وإذا تغير موقف طهران، فإن السبب سيكون،
مرة أخرى، هو تركيا. فبعد أن دعمت في
بادئ الأمر عائلة الأسد، تحولت تركيا
حاليا إلى دعم الانتفاضة. ومن خلال
القيام بذلك فإنها تركز على المستقبل،
حيث إن عائلة الأسد تبدو بصورة متزايدة
شيئا من الماضي. ولكن لا تزال إيران
مرتبطة بالماضي داخل سوريا، ولذا يمكن
أن تظهر كطرف خاسر. إذا حدث تغيير في النظام داخل دمشق، ستكون
إيران دولة دعمت عائلة الأسد بينما
كانت هذه العائلة تقوم بقتل المواطنين
في الشوارع. وإذا تمكنت عائلة الأسد من
التمسك بالسلطة ظاهريا من خلال مذبحة
جماعية، ستكون طهران مرتبطة بنظام
مفلس ومنعزل داخل دمشق. ولكن مستقبل تركيا مختلف، حيث سينظر أي
نظام جديد يظهر داخل دمشق إلى تركيا
على أنها صديق حقيقي قدم دعما للشعب
السوري. وإذا بقيت عائلة الأسد في
السلطة، ستظهر تركيا في مقدمة موجة
جديدة من الإصلاح والتغيير في الشرق
الأوسط الكبير. ووفقا لجميع التصورات، فإن السبيل الوحيد
لتتجنب إيران أن تصبح طرفا خاسرا هو أن
تتخلى عن الأسد وتتواصل مع الشعب
السوري. وبغض النظر عن رأيي فيهم، سيكون واضعو
الاستراتيجيات الجغرافية داخل طهران
بعيدين كل البعد عن الواقع لو لم
يكونوا على علم بذلك. =========== الجمعة, 17 يونيو 2011 راغدة درغام – أنطاليا (تركيا) الحياة توقّف ثلاثة رجال على مفترق الخيارات هذا
الشهر، والزمن سيحكم على كل منهم بقدر
ما تحلى بالجرأة والحكمة والقيادة
والشراكة مع شعبه وهو يرسم مصيره ومصير
البلاد، وإلا فإن حكم التاريخ سيكون
بلا رأفة. هؤلاء الرجال هم: رئيس وزراء
تركيا رجب طيب أردوغان الذي أُعيد
انتخابه هذا الأسبوع للمرة الثالثة
والذي أثبت براعته في التأقلم مع
مقتضيات التجاوب مع الواقع الذي يفرض
نفسه، ولم يخشَ التغيير. الرئيس السوري
بشار الأسد الذي يطوّق نفسه أكثر فأكثر
في عزلة دولية وإقليمية بسبب رفضه تفهم
مطالب الشعب السوري ليختار أدوات
السيطرة والقمع سبيلاً للبقاء في
السلطة. نجيب ميقاتي رئيس الحكومة
اللبنانية ذات «اللون الواحد» معظمها
موالٍ لدمشق، أبرز أركانها من «حزب
الله»، وجميع أعضائها رجال. ميقاتي
شكّل هذا الأسبوع حكومة «شراء الوقت»
مقتنعاً بأنها عابرة أو أنه أوقع نفسه
والبلد في حفرة عواقبها مؤلمة له
ومصيرية للبنان. أردوغان كان مطوَّقاً بصداقاته مع
القيادات العربية والإيرانية
المرفوضة شعبياً. راقب تأهب الرأي
العام الذي أنتجه «الربيع العربي»
لتوجيه اتهام الازدواجية إليه إذا بقي
قابعاً في خانة التردد والانتظار،
فاتخذ القرار. أدرك أن لا مناص من إعادة
صوغ هوية ونوعية الدور الإقليمي الذي
يريد لتركيا أن تلعبه، فأتى بالتغيير
إلى السياسة الخارجية التركية وأعاد
النظر في العقيدة التي اعتنقها وحزبه «العدالة
والتنمية» والقائمة على علاقات مع
الجيرة الإسلامية ب «صفر مشاكل» حتى في
ظل «استقرار» يضمنه الاستبداد
والسلطوية. القيادة التركية قررت التوقف عن صرف
النظر عن تجاوزات أصدقائها في الحكم في
سورية وإيران بعدما استنتجت أن لا خيار
أمامها سوى التخلي عن صديقها الآخر في
ليبيا. فالذي حدث في العلاقات الدولية
نتيجة «الربيع العربي» أعاد خلط
الأوراق التركية شرقاً وغرباً – مع
الدول العربية وإيران ومع إدارة باراك
أوباما والاتحاد الأوروبي وإسرائيل. أردوغان بذل كل جهده مع العقيد معمر
القذافي، كما مع الرئيس السوري بشار
الأسد ليقنعهما بضرورة الإصلاح أو
الاستدراك، لكنه فشل. وجد أردوغان نفسه
في حيرة من أمره بعدما بذل كل جهد مع
الأسد وبعث الرسائل الجدية إليه بأن
تركيا لن تتمكن من توفير الغطاء له إذا
استمر بسياساته الرافضة للإصلاح
وإجراءاته القائمة على البطش الدموي
بالمتظاهرين. شعر أردوغان أنه وصل إلى مرتبة العجز وهو
يحاول إقناع صديقه في دمشق بما هو في
مصلحة سورية وربما في مصلحة الرئيس
السوري لو اقتنع أو تمكن من التخلي عن
بعض أفراد أسرته الذين ارتبط البطش
الدموي والفساد بأسمائهم. تمنى
أردوغان لو أفلح ليوقف انزلاق القيادة
في دمشق، وربما انزلاق سورية إلى مصير
لا تريده تركيا لها. نفد صبره بعدما
استنتج أن السلطة في دمشق عقدت العزم
على المكابرة والممانعة والإنكار
مراهنة على انتصار تعد نفسها به –
انتصار يرى كثيرون أن دمشق توهم نفسها
به، من بينهم جارها التركي. التطورات الآتية من دمشق جعلت القيادة
التركية تعيد النظر ليس فقط في جدوى
صداقاتها مع أصدقائها الذين لا
يتحدثون لغة الديموقراطية وترعرعوا
على السلطوية، وإنما جعلتها أيضاً
تراجع سياسة الاعتماد على البوابة
السورية مدخلاً لسياسات إقليمية
لتركيا. نتيجة الانتخابات في تركيا أعطت حزب «العدالة
والتنمية» ولاية أخرى، لكن هذه
النتيجة أنذرت أردوغان بأن تركيا لن
تقبل بديكتاتورية أو باستفراد في
الحكم. أبلغت الانتخابات أردوغان ان
عليه ألّا يسمح للسلطة أن تحوّله الى
استبدادي أو أن تجعله يتخيّل انه قيصر،
كما يفعل رئيس الوزراء الروسي
فلاديمير بوتين، مع العلم أن كليهما
يريد أن يكون رئيساً مطلقاً من خلال
تعديل الدستورين التركي والروسي.
فالأتراك يعتبرون ديموقراطيتهم
وحريتهم جزءاً عضوياً من هويتهم ولن
يسمحوا بالتفريط بهما. أردوغان سمع
ذلك، كما سبق له أن سمع حديثاً – وبعد
تردد – ما أبلغته به الشعوب العربية. الشعب التركي وضع أردوغان تحت المجهر،
بعضه كان متذمراً من وقوفه وعقيلته فقط
بجانبه على المنصة، وبقية أركان الحزب
في الصف الثاني وراءهما، تذمر البعض
أيضاً من شخصية أردوغان التي تميل
أحياناً إلى الاستفراد بالرأي وسرعة
فقد الأعصاب والإملاء الاعتباطي.
والكثير من الأتراك تخوف من حصول
أردوغان على 367 مقعداً مما كان سيعطيه
حق تغيير الدستور بمفرده، بلا حاجة حتى
لطرح التعديل على الاستفتاء. هذه العناصر ساهمت في فوز غير ساحق لحزب «العدالة
والتنمية» بأقل من خمسين في المئة ما
يُلزمه العملَ مع الأحزاب الأخرى، بلا
استفراد. وهذه النتيجة ليست اعتباطية
لأن شطراً مهماً من المجتمع التركي لا
يريد الطلاق مع العلمانية ويرفض أن
تتحول تركيا إلى حكم إسلامي. أكثرية الأتراك لا تمانع أن يكون «النموذج
التركي» مثالاً للدول العربية
والإسلامية، بل تشجع ذلك شرط ألا يتطلب
تطويعاً جذرياً للمجتمع التركي بعيداً
من الديموقراطية التي يفتخر بها. ما
اضطر حزب «العدالة والتنمية» إلى
تغيير هويته وطموحاته وهو أمر يرضي
الأكثرية التركية لأنها لم تكن راضية
عن معادلة استقرار تضحي بقيم مهمة لها.
حتى مع إيران، لم يكن لدى جميع الأتراك
رضى كامل عمّا بدا وكأنه تغطية تركية
لطموحاتها النووية، لا سيما أن تلك
المرحلة من العلاقة التركية –
الإيرانية الحكومية تزامنت مع بطش
النظام الايراني بالمتظاهرين. البعض في الحكومة التركية على اقتناع
كامل بأن حصانة تركيا وتفوقها
الإقليمي سببهما أنها ديموقراطية.
الجغرافيا بالطبع ساهمت في حصانة
تركيا من التحول الى موقع مهم للأصولية
المتطرفة. إنما الديموقراطية هي
السلاح الأقوى لتركيا في الموازين
الإقليمية مع إيران أو مع غيرها في
منطقة الشرق الأوسط. أردوغان تأقلم في غضون أسابيع عندما قرأ
جيداً أحداث سورية وبعدما أصغى الى
الشعوب العربية لا سيما الشعب السوري.
بالطبع، جاءت إجراءات النظام السوري
على الحدود مع تركيا ومُطاردة
النازحين بالقوة العسكرية لتسرّع في
تفسّخ العلاقة التركية – السورية. لكن
قراءة أردوغان للخريطة الإقليمية
جعلته يعيد النظر. فالنظام الإقليمي الجديد حاضر في ذهن
أردوغان وهو عازم على التقاط الفرصة
المتاحة لتركيا من أجل بلده وليس فقط
من أجل طموحاته الشخصية. قرأ أردوغان السياسة بثقة المحترف الواثق
من قدرته على تغيير رأيه. انقلابه
العلني على بشار الأسد لم يأتِ من فراغ
وإنما من محاولات باءت بالفشل. انتظر
وصبر. وعندما وجد أن «لا حياة لمن تنادي»
في دمشق، وأن لا أمل باستيقاظ الحكومات
والأنظمة العربية بجرأة نحو سورية،
كتلك التي أتت عليهم نحو ليبيا، قرر
أردوغان ألا ينتظر العرب. بادر الى
الانقلاب على مواقفه وتأقلم مع
متطلبات الواقع الجديد ببراغماتية
سياسية وكذلك بتعاطف مع الشعب السوري
وباحترام حقّ هذا الشعب في الخيار. فلاديمير بوتين لم يفعل ذلك. وزير خارجيته
سيرغي لافروف ليس مفكراً من نوع وزير
الخارجية التركي أحمد داود أوغلو.
لافروف سوفياتي بطبيعته، وأوغلو
إصلاحي بعمقه وبتدريبه. التأقلم صعب
على بوتين ولافروف، لأن نظام بلادهما
ليس ديموقراطياً في صلبه وتاريخه ولأن
«الربيع العربي» يدب الرعب في قلب
روسيا التي ما زال يحكمها رجال الحكم
السوفياتي – هؤلاء رجال يخافون الحرية
والديموقراطية والتغيير، شأنهم شأن
رجال النظام في ليبيا واليمن وسورية. وقوف بشار الأسد على مفترق الخيارات يشبه
اليوم الوقوف على شفير الهاوية. كان في
وسع الرئيس السوري أن يتخذ القرارات
الصحيحة وأن يضع سورية على طريق
الإصلاحات الجدية. كان قادراً أن يكون
عهده عهد بزوغ الحرية والتغيير
والديموقراطية. لكنه لم يفعل. ارتكب الأسد أخطاء فادحة كما أساء
التقدير وأفرط بالثقة بنفسه. قد يكون
خطأ تعامله مع شعبه بهذه الطريقة خطأه
المميت مهما راهن اليوم على صمت العرب
وعلى تقصيرهم نحو الشعب السوري. فلن
تعود المياه الى مجاريها في سورية مهما
اعتقد الرئيس السوري ان روسيا ستحمي
ظهره لأنه بذلك يسيء التقدير مرة أخرى.
وما عليه ان يفعل سوى ان يتذكر كيف جلس
امام شاشة التلفزيون ليراقب التصويت
في مجلس الأمن الدولي واثقاً تمام
الثقة بأن روسيا ستستخدم «الفيتو» على
قرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة
بلبنان لمقاضاة الضالعين في اغتيال
رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق
الحريري ورفاقه ال22. ولم تفعل. فلقد
امتنعت روسيا عن التصويت يومها وأذهلت
المفاجأة الآتية من نيويورك الرئيس
الجالس امام شاشة التلفزة في دمشق. حتى في لبنان، حيث ارتكب بشار الأسد أخطاء
فادحة عدة، هناك دلائل على احتمال
ارتكابه خطأ آخر. علاقات النظام في
دمشق مع «حزب الله» تمر دائماً عبر
البوابة الإيرانية، إنما لها بعد محلي
ثنائي أيضاً لجهة نوعية السيطرة على
الساحة اللبنانية، أمنياً وسياسياً.
وستمر هذه العلاقة بمخاض، عاجلاً أم
آجلاً. الرجل الثالث الواقف على مفترق الخيارات،
نجيب ميقاتي، يغامر. غامر عندما أتى
مرشحاً لمنصب رئيس الحكومة اللبنانية
مكبلاً بشروط أوضحها «حزب الله» نحو
المحكمة الدولية، ومثقلاً بتحوله الى
رمز من رموز الانقسام السنّي،
ومعروفاً كرجل أعمال كبير له مصالح
حيوية ضخمة مع أفراد من العائلة
الحاكمة في دمشق. مغامرته اليوم أكبر بعدما ألّف حكومة
تنذر بتعميق الانقسام الداخلي وسط عزم
سوري على لعب أوراقٍ كبرى في لبنان. فهو
قد يكون الرجل الذي يقود لبنان الى نفق
مظلم يؤدي الى تحويله الى دولة مهمّشة
إذا اختارت أن ترضخ لإملاءات سحق
العدالة الدولية منها والمحلية
والإقليمية. وقد يكون رجل الاعتدال
الذي رأى في تأليف حكومة كهذه فرصة
لشراء الوقت، حتى تتضح الأمور. في كلا
الحالتين، إنه لا يبدو متأقلماً مع
الصحوة العربية وإنما مهتزاً على
رياحها. ثلاثة رجال. ثلاثة خيارات. وللتاريخ
القريب جداً صلاحية الأحكام. ============ الجمعة, 17 يونيو 2011 فايز سارة * الحياة تدخل الازمة السورية شهرها الرابع، وهي
في أعلى مستوياتها. اذ هي تجاوزت مرحلة
الاحتجاجات والتظاهرات المحدودة،
التي بدأت بعشرات او مئات الاشخاص،
لتتحول الى تظاهرات تضم عشرات آلاف
الاشخاص، وقد تجاوزت ذلك في أكثر من
مكان، وهي صارت أكثر انتشاراً، اذ كانت
محدودة عندما بدأت في درعا وريفها وريف
دمشق، فصارت حاضرة من درعا في الجنوب
الى القامشلي في الشمال ومن البوكمال
في الشرق الى اللاذقية وجبلة في الغرب،
اضافة الى التسخين الحاد لحركة
الاحتجاج في الوسط السوري في محافظات
حمص وحماة وإدلب. والاهم في مسار الازمة، ان تصاعدها لم
يقتصر على حركة الاحتجاج بتعبيراتها،
انما على تصاعد المعالجة الامنية،
التي كرستها عمليات التصدي للمتظاهرين
في معظم المناطق السورية، وقد راوحت
بين اقصى درجات العمل على منع
التظاهرات بكل الطرق والاساليب على
نحو ما يتم في دمشق وحلب بصورة خاصة،
وعمليات اطلاق الرصاص على التظاهرات
وشن حملات الاعتقال ومطاردة النشطاء
وصولاً الى حصار بعض المناطق
واقتحامها بعد تظاهرات واسعة فيها
بحجة وجود جماعات مسلحة فيها وقيامها
بعمليات ضد القوى الامنية والجيش. لقد رتبت تطورات الازمة مجموعة من
الخسائر على سورية والسوريين، لعل
الابرز فيها فاتورة الدم، التي من
الصعب الجزم بحدودها، لكن القول بسقوط
آلاف الضحايا بين قتيل وجريح وكثير من
الاخيرين صاروا معاقين، ليس تقديراً
مبالغاً فيه، ومعاناة السوريين
وآلامهم الناتجة من تلك الاحداث
ومجرياتها ستحتاج الى جهود كبيرة
لحصرها وتقديرها، لكنها بالتأكيد
كبيرة، وطيفها اصاب معظم السوريين،
والآثار الاقتصادية للأزمة
وتداعياتها كبيرة كما يقدر الخبراء
الاقتصاديون، وأحد هذه التقديرات يقول
ان البلاد تحتاج الى جهود خمس سنوات
لتعود الى ما كان عليه الوضع عشية بدء
الازمة في آذار (مارس) الماضي. لقد تركت تطورات الازمة آثارها في مختلف
الصعد، وهناك ما يتجاوز الخسائر
السابقة، وهو وضع سورية امام منزلقات
التطورات الاخطر، كما في ادخال
السوريين بوابة الفوضى والصراعات
الاهلية، وفتح بوابة التدخلات
الخارجية في الازمة، وهذه الاحتمالات
في تطور الازمة، ستلحق الضرر الكبير
بسورية والسوريين لسنوات طويلة وربما
لعقود، الامر الذي يتطلب حصار هذه
الاحتمالات وإغلاق ابوابها بصورة
محكمة، وفتح بوابات الخيارات الاقل
خطراً، بل فتح بوابات المعالجة الجدية
والآمنة للأزمة، والخروج بالبلاد
وبالسوريين نحو آفاق جديدة. ولعل المدخل الاساس في معالجة الازمة
يكمن في الانتقال من سياق الحل الامني
– العسكري للأزمة، والتي يجزم الكثير
من المسؤولين السوريين بأنه لا يمثل
خياراً نهائياً بمقدار ما هو علاج
اسعافي وموقت الى اطار حل سياسي، ينطلق
من احتياجات سورية الاساسية، والتي
تحوم حولها فكرة الاصلاح التي يطرحها
النظام، ومطالب التغيير من جانب
المعارضة السياسية اضافة الى الجوهري
في مطالب المحتجين والمتظاهرين. ولا نحتاج الى تأكيد القول ان المفصل
الاساس في الانتقال السوري من الحل
الامني – العسكري، يتمثل في وقف
استعمال السلاح والعنف، وإطلاق سراح
المعتقلين والسجناء السياسيين، ووقف
حملات التحشيد والتجييش الجارية،
وإفساح حيز للتظاهرات السلمية الآمنة
والمحروسة من الامن، وفتح باب الحريات
الاعلامية والسياسية، وهي خطوات من
شأنها وقف تداعيات الازمة، ووضعها على
بوابة علاج جدي وفعال. ان طبيعة الازمة وتطورها واحتمالاتها
الخطرة، تجعل الحاجة ملحّة للتوجه الى
الحل السياسي بأسرع ما يمكن، الآن وقبل
الغد، لأنه وطبقاً لمعاينة تطورات
الازمة في سورية، فإن الكثير من
الخطوات التي تم القيام بها جاءت
متأخرة بحيث انها فقدت مبررات القيام
بها، وبعضها لم يأخذ منحى جدياً في
التطبيق، ولم يترك الأثر المأمول منه
في معالجة الازمة. وبسبب ذلك، فإن
المطلوب ليس فقط التوجة نحو حل سياسي
للأزمة الراهنة، بل بالسرعة القصوى من
جهة وبكل الجدية والمسؤولية، كي لا
يصير الحل السياسي وراءنا، ولم يبق
أمامنا سوى السير في النفق المظلم
وصولاً الى الكارثة المحتمة. * كاتب سوري ============================= تركيا: قصص نزوح.. وهتاف
لأردوغان السفير محمد بلوط 16-6-2011 غواتشيه الحدود التركية السورية : « أم رأفت» شرقت دموعها، وتمالكت نفسها
دقائق قليلة، لكي تمنح كاميرات
الهواتف ما رسب في صدرها الملتاع من
شكوى»اين سوريا، وليش يا ولدي». لم تصرخ كما يجدر بالثكالى، قالت ذلك
لتستقبل باستسلام تمتمات المعزين ولقب
ام الشهيد من السائرين في الجنازة.
كانت قد استعدت له منذ صباحين حين قيل
في المخيم إن شاباً عشرينياً قد قتله
قناص في جسر الشغور. الجنازة وصلت بجسد
ولدها العشريني إلى وادي خربة الجوز
ملفوفاً بغطاء مدمى. وأكثر البكاء ليس
على موت الشاب ولكن على دفنه في الوادي
البعيد عن بلدته. وكشفت الجنازة أسراب
النازحين السوريين، ومخيماً خرج من
ثنايا الوادي ولحافه الصنوبري، وأغصان
التفاح الثقيلة. بضعة آلاف وربما اكثر. لم يستغرق الأمر اكثر من نصف ساعة قبل ان
يختفي النازحون عن انظار الكاميرات
التي تابعت من سطح على قرية غواتشيه
التركية، المسيرة الجنائزية بشغف
المحطات الفضائية المرضي بالموت,
وبأسف ان تنجو من عين الكاميرات
المتلصصة لحظة توتر عالية، تشجي من دون
كبير عناء، وتلخص، بما تهوى
الفضائيات، الحدث السوري الدامي. أحمد داود أوغلو، خارج الدبلوماسية، قدم
له المخيم السوري في وادي خربة الجوز
من جاء كما قال يتحدث اليهم: عائلات من
جسر الشغور، وأبناء الضحايا وأمهاتهم.
وزير الخارجية التركي توقف عند الشريط
الشائك، صافح من طلب لقاءهم. سألهم،
كما قال نازحون، عمن قتل اقرباءهم،
واستمع إلى روايات مترجمة من مساعده،
وهتفت تظاهرة خلفه لرجب طيب اردوغان «لا
حزب الله لا طهران، ما بدنا إلا
أردوغان». وانصرف إلى مخيم آخر في
تايلاداغي للقاء المزيد من النازحين
من دون لقاء مع الصحافة او كاميرات. وأنهكت عاصفة مطرية نازحين من جسر
الشغور، وغلبت خوفهم من العودة إليها.
واستسلم محمد وأقرانه في لجنة المخيم
الشعبية، لإلحاح عائلتين قال إنهما
عادتا مقتنعتين ان الجيش الداخل إلى
جسر الشغور، لن ينالهما بأذى. ولكن
هاتف قريب عن اعتقال الرجال، ثنى
نهائياً عن اللحاق بهم، بضع سيارات
كانت قد طوت شوادرها لتعود إلى من حيث
نزحت. وليلاً، حسمت العاصفة المطرية التي اغرقت
المخيم ، نزوح 2700 من النازحين دفعة
واحدة. وقال الهلال الأحمر التركي ان
الليل العاصف عجل بعبور هؤلاء من وحول
المخيم إلى معسكرات مغلقة في
الريحانية قرب انطاكيا. واقترب العدد
التقريبي للنازحين السوريين في اربع
مخيمات تركية إلى 11 الف نازح مساء امس. ولا تزال السلطات التركية تمنع اي اتصال
إعلامي بالنازحين، وتعامل وصولهم
بأكثر قدر ممكن من التعتيم الإعلامي،
مكتفية بتقديم الارقام من دون فتح
ابواب المخيمات امام وسائل الإعلام
الأجنبية: 8421 نازحاً، 1921 رجلاً، 2132
إمرأة،2181 بنتاً، 2187 صبياً. اما المنطقة العازلة التي لم تتوقف
السلطات التركية عن نفي نيتها
إقامتها، فترتسم على الارض. وتقف اقرب
قوة شرطة او امن سوري في قرية «الطيبات»
على بعد 15 كلم من الحدود، ومن شريط
التجمعات النازحة في خربة الجوز،
ودركوش وعين البيضاء. وتتنقل داخل
الشريط اعداد كبيرة من اللجان الشعبية
التي تقوم بتنظيم المساعدات القليلة
التي أمكن الحصول عليها وإرشاد
القادمين إلى المواضع الأكثر أمناً،
بملاصقة الشريط الحدودي وعلى بعد
امتار من الحدود مع تركيا. وقال مسؤول
تركي ل«السفير»، إن شريطاً بعمق 500 متر
داخل الأراضي السورية يقع تحت مسؤولية
ابراج المراقبة العسكرية المنتشرة على
طول الحدود يفصل ما بين كل منها
كيلومتر واحد. ورأى المسؤول التركي أنه بموجب الاتفاقات
الأمنية المعقودة مع سوريا لا يسمح
للقوات السورية بالاقتراب من المنطقة
إلا بناءً على إخطار مسبق ولاعتقال
مسلحين. وباتت المنطقة معبر الجنود والضباط
السوريين المنشقين, وبعضهم وصل
المنطقة مع عائلته. والأرجح أن تكون قد
شهدت محاولة لتجميع ضباط سوريين تحت
مسمى لم يعمر طويلا: «لواء الأحرار».
ويقدر عدد الجنود والضباط السوريين
الذين دخلوا المخيمات التركية بنحو 300
رجل، ينتمي معظمهم إلى الفرق الحادية
عشرة، والعاشرة، والخامسة، والسابعة،
وقال مسؤول تركي إن أكثرهم يقيم في
اجنحة منفردة في المخيمات، بعيدا عن
النازحين، وهو ما أكده احد الجنود
المنشقين في تايلاداغي. الأمم المتحدة، التي لم تأذن لها السلطات
السورية بالتحقيق في احداث درعا،
التفت من غواتشيه على الرفض السوري.
وبدأت بعثة تقصي الحقائق عملها
بالاستماع لروايات الجنود المنشقين،
تمهيداً لرفع تقريرها إلى مجلس الأمن.
ويجوب فريق من المحققين الدوليين
القرى والشريط الحدودي التركي للقاء
المنشقين، عبر شبكة من منظمات حقوق
الإنسان التي بدأت تنشط هي ايضا في
المنطقة. نيل سايمونز يستشيط غضباً وهو يروي كيف
أجابه مسؤول معسكر تايلاداغي التركي
للاجئين السوريين على طلبه مقابلة
بعضهم «عاملني كأحمق، وقال لي انهم
جاؤوا قبل الأحداث إلى تركيا، وأن لا
شيء بالتالي لديهم ليروونه». نيل سايمونز، مسوؤل الملف السوري في
منظمة العفو الدولية، اجرى مع ذلك
مقابلات مع عشرات من النازحين «وتبين
لي ان قوات الأمن السورية قتلت عشرات
المتظاهرين في جسر الشغور، وفي قراها،
وهناك العشرات من المفقودين، الذين لم
يعرف مصيرهم بعد، وقامت قوات الأمن
السورية باتباع سياسة الأرض المحروقة
وقتل المواشي في بعض القرى، وإحراق
المحاصيل، ونقدر بعشرة آلاف نازح من
يبيتون في العراء، ولا يتلقون اي
مساعدة من اي منظمة غير حكومية». ================== الخميس، 16 حزيران 2011 فهمي
هويدي السبيل الوضع في سوريا أشبه بسيارة انفلت
عيارها، فاندفعت هابطة من قمة جبل
مرتفع، بما يجعلك تتنبأ بمصيرها وأنت
مغمض العينين. كان ذلك ردي على من سألني: إلى أين سوريا
ذاهبة؟ ذلك أنه بعد قصف البيوت
بالأسلحة الثقيلة، وقتل أكثر من 1200
مواطن، واضطرار عشرة آلاف سورى وسورية
إلى اللجوء إلى تركيا هروبا من الجحيم
الذي نصبته قوات الجيش والأجهزة
الأمنية، بعد كل ذلك فإن رصيد النظام
السوري مع شعبه يكون قد انتهى تماما،
وباعدت بين الطرفين بركة من الدم
مملوءة بجثث الضحايا. كنت أحد الذين قدَّروا النظام السوري
وحمدوا له موقفه إزاء المقاومة
وانحيازه إلى جانب العديد من القضايا
القومية، كما كنت على استعداد لغض
الطرف عن ممارسات تورط فيها النظام في
لبنان مثلا، لكن ما لم يكن تمريره
ممكنا ولا قبوله محتملا أن يمعن النظام
في سحق وترويع الشعب السوري على النحو
الذي شهدناه خلال الأسابيع التي خلت.
حتى أزعم أن ممارسات السلطة في دمشق لم
تبق للنظام على صديق أو محب، وان كل
الدعايات السوداء التي لاحقت النظام
السوري طوال السنوات الماضية باتت
تتضاءل وتصغر إذا قورنت بالصورة
البشعة التي رسمها النظام لنفسه في
الأسابيع الأخيرة. هذا التحول في المشاعر يلحظه المرء بقوة
في تركيا، التي كان رئيس وزرائها رجب
طيب أردوغان من أقرب المقربين إلى
الرئيس السوري بشار الأسد، وكان
للمودة الشخصية التي نشأت بين الرجلين
مردودها القوي على علاقات البلدين
اللذين طورا بنجاح تلك العلاقة على
مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية
والثقافية، ولكن الفظائع التي ارتكبت
بحق الشعب السورى ألقت بظلالها
الكثيفة على تلك العلاقة، وسببت حرجا
شديدا للحكومة التركية. قيل لي في أنقرة إن رئيس الوزراء التركي
لم يكف عن تنبيه صديقه بشار الأسد إلى
ضرورة الاستجابة لصوت الشارع ومطالب
الجماهير. وسمعت من مصادر موثوقة أن
الرئيس السوري ظل يسوف، ويماطل وينقل
إلى أردوغان معلومات مغلوطة منها مثلا
أن في سوريا 64 ألف إرهابي مسلح وأن
هؤلاء يهاجمون الجيش والشرطة، وظل
يكرر على مسامعه حكاية «الشبيحة»
الذين عاثوا في البلاد فسادا وترويعا،
وكانوا هم الذين تسببوا في قتل
المواطنين وأعداد من رجال الجيش. إلى
غير ذلك من الروايات التي يصعب
تصديقها، والتي جاءت دالة على أن
الرئيس السورى لا يريد أن يتراجع، وأنه
بات مقتنعا بأن «السحق هو الحل». في أنقرة يقولون إن أردوغان ألح في وقت
مبكر على الرئيس الأسد لإلغاء الطوارئ
والعفو عن المسجونين وإجراء بعض
الإصلاحات السياسية، إلا أن الرئيس
السوري تأخر كثيرا في الاستجابة، في
الوقت الذي واصل فيه انتهاج سياسة
القمع والسحق، الأمر الذي أفقد تلك
الخطوات مغزاها، وأفقد ثقة المواطنين
السوريين في صدقية التوجه نحو الإصلاح.
ومن الواضح أن أردوغان فقد بدوره الأمل
في صديقه الأسد، فانتقد علنا عملية قتل
المتظاهرين وأدان وحشية الأجهزة
الأمنية. ما يثير الانتباه في المشهد السورى أن
إسقاط النظام لم يكن مطلبا للمتظاهرين
الذين كانت مسيراتهم السلمية التي
خرجت في البداية لا تطالب بأكثر من
الإصلاح وإطلاق الحريات العامة، لكن
حملات القمع التي اتسمت بالقسوة
المفرطة وتعاملت مع الجماهير باستهانة
وازدراء شديدين، رفعت من وتيرة الغضب.
خصوصا حين أسالت دماء المواطنين العزل
بمن فيهم الأطفال. وأدى ذلك تلقائيا
إلى رفع سقف المطالب، فتعالت نداءات
الغاضبين داعية إلى إسقاط النظام،
الذي ثبت أنه صم آذانه عن مطالب الشعب،
كما أغمض أعينه عما يجرى في أرجاء
العالم العربي. هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول إن الذين
راهنوا على قمع الناس وسحقهم، هم الذين
حثوا الجماهير ودفعوها دفعا إلى
المطالبة بإسقاط النظام. وحين أرادوا إعادة إنتاج مذبحة حماة سنة
1982، في عهد الأسد الأب، فإنهم لم
يدركوا أن الدنيا تغيرت كما أن
السوريين أنفسهم تغيروا، بحيث أن ما مر
قبل نحو ثلاثين عاما يتعذر تمريره أو
السكوت عليه الآن. إن أحدا لا يستطيع أن يلوم العزل
والمسالمين الذين غضبوا لكرامتهم،
ولكن كل اللوم ينبغي أن يوجه إلى الذين
عموا وصمُّوا، وآثروا إذلال الناس
وقهرهم، فحولوا دموعهم إلى دم وسخطهم
إلى ثورة وعتابهم إلى ثأر لا ينسى. ==================== كلمات سورية متقاطعة: من
حرفين تستعمل في التشهد و..
الاستشهاد أحمد كالو القدس العربي 16-6-2011 إن 'أسوأ لحظات الحكومات الفاسدة هو لحظة
قيامها بالإصلاحات' مقولة للمفكر
الفرنسي الشهير ألكسي دوتوكفيل، تصدق
على النظام السوري الذي عاش 48 سنة في
العسل السياسي والاقتصادي والاجتماعي
والإعلامي رافلا بالمال والنعيم
والشهرة، حاكما بلا معارضة، لشعب
كبّله بقيود حديدية مطلية بطبقة من
الذهب المزيف. قيود منمقة، ظاهرها الحق
وباطنها العذاب: الوحدة الوطنية،
التقدمية، الاشتراكية، المقاومة،
الممانعة، البعث.. كيف يقوم النظام
بالإصلاح وهو يشيع الفساد ويؤممه
ويقوده؟ وكيف يصلح النظام نفسه وهو
يركض إلى الأمام بأقصى سرعة، واكبر
الأعطال، على طريق معبد بالعظام
والجماجم. الإصلاح يحتاج إلى توقف
ونظرة صادقة إلى الماضي الذي لم يدفن
بعد قتلاه؟ نضيف إلى مقولة المفكر
الفرنسي ما يلي: ان الإصلاحات فرضت
بدماء الشهداء في 'وقت حرج من تاريخ
امتنا'. كل وقت هو حرج لنظام طارئ على
التاريخ السوري. النظام السوري عاش
بالطوارئ، ويريد وقتا خارج التاريخ
والزمن، وقتا مقضوما من تفاحة 'اليوتوبيا'
ليس فيه إسرائيل ولا مندسون، ولا
معارضة، حتى يقوم بالإصلاح بعيدا عن
الاجندات 'الخارجية' وشبهة التدخل في
الشؤون 'الداخلية'؟ النظام يقول:هؤلاء
ابناؤنا وسنذبحهم على كيفنا! ترجمة
مقولة المفكر إلى لغة حكائية ابسط هي:
أن يقوم الذئب بمعالجة الخراف في معدته! يصف المراقبون - الأصدقاء قبل الأعداء -
النظام السوري بانه سدّ أذنيه عن جميع
النصائح بملاقاة الشعب في منتصف
الطريق أو في ربعه أو في ثلثه، على
طريقة الملك محمد السادس أو على طريقة
نلسون مانديلا في جنوب افريقيا،
النظام لا يزال يذهب بعيدا في تفريد
الزعيم الأب والزعيم الابن، ولا يريد
أن يقرّ بأن في سورية مانديلا أو
تمييزا عنصريا له أشكال حزبية أو
فئوية؟ الشعب يريد.. حلا؟ الحل موجود،
للشعب المفقود، للشعب المولود من جديد. لجأ النظام إلى حلّ شهير طالما مارسه
المروّضون في الاقفاص: العصا والجزرة.
وهذا القول تنقصه الدقّة، الدقّة هي أن
نقول ان النظام الذي اعترف بأنه ليس
لديه عصا سحرية لحل مشاكل سورية
المتراكمة، التي اعترف بها الرئيس في
مطلع الألفية الثالثة، ثم أنكرها على
لسان الرئيس نفسه في مجلس الشعب الذي
قال انه كان هناك فاسدون ورحلوا، ثم
لجأ إلى حلها بالعصا السحرية، والعصا
السحرية هي العصا الحديد الحادة. بدقة:
العصا كهربائية صاعقة، والجزرة
بلاستيكية لا تؤكل. وعصا النار (الهنود
الحمر كانوا يسمون البندقية 'عصا النار')
لم تعد تناسب زمنا تحققت فيه ثورات في
الأقطار الشقيقة، والجزرة جاءت في زمن
لم تعد الشعوب ارانب وتطمح إلى فاكهة
أخرى غير الجزر، فاكهة لذيذة اسمها
الديمقراطية. من الطريف أن رئيس النظام
طبيب عيون، وأنّ الجزر وصفة تقوي النظر
لاحتوائه على فيتامين 'A'، لكن ممنوع النظر إلى سورية
المنقبة بنقاب الدبابات. الجزرة الحقيقية التي تشفي العين هي
الشفافية والعلنية التي طالما ادعّاها
النظام، سورية كلها مواقع عسكرية:
ممنوع الاقتراب والتصوير. وإذا تمّ
التصوير من عدسة غير عدسات كاميرات
التلفزيون السورية، مختومة بشمع قنوات
الافتراء والتزوير. صور جنازات قتلى
المظاهرات العفوية التي يردد مشيعوها
هتافات الحرية والتوحيد مفبركة! أما
صور مشيعي قتلى النظام والمخابرات
المنسقة المكللة بالورد، وزغاريد
الممرضات التي يردد فيها المشيعون
هتافات تفدي الرئيس بدلا من الشهيد،
فهي الصورة الحقيقية! قتلانا في جنة
التلفزيون وقتلاكم في جحيم صور الجوال
المتلعثمة؟ هكذا يقول النظام. الوعود كثيرة، 'حزمة' الإصلاحات، أهمها،
وقد نحتفل قريبا بيوم عطلة اسمه يوم
الحزمة التصحيحة، يضاف إلى عيد الحركة
التصحيحية وثمة وعد اسمه: العلاج
بالصدمة، لكن الشعب لم يرَ حتى الآن
سوى الترويع؟ قبيل يوم الجمعة العظيمة نزعت دوريات
أمنية مسلحة صورا عملاقة للرئيس بشار
الأسد من مستديرات في أطراف المدن
المحتجة، يظهر الرئيس فيها عملاقا مثل
بطل جوناثان سويفت وسط شعب من الأقزام،
فاستبشر الناس خيرا بتحولات درامية في
أسس النظام السوري المتمركز حول الفرد
المصمّد المنقذ المخلص الهادي، وأمل
بأنّ النظام بدأ يدرك أن عهد النظام
الصورة، والنظام الصنم انتهى، وآن أن
يستبدل الصنم بالعلم السوري الذي يجمع
السوريين كلهم تحت قانون ودستور، آن له
أن يخرج من الزنزانة الانفرادية، ثم ما
لبث أن علم أن هذه الصورة قد استبدلت
بأخرى اكبر في مواقع أكثر تحصينا.
فالمعركة الحالية هي معركة رموز
وساحات يحاول الشارع أن يرقى إليها من
تحت الأرض، حيث عاش نصف قرن، فالساحات
يجب أن تتحرر حتى تتحول إلى ساحات
تحرير. لا ضوء في الأفق، فما يجري حاليا
في سورية كلمات متقاطعة سياسية، وليس
من بوادر حقيقية للإصلاح، فالذين من
المفترض أن يحاوروا النظام باتوا في
السجون، والنظام يأمل أن يخمد الشارع
بالقوة، وأن يعود إلى المرحلة
السلطانية الجمهورية بقفازات أكثر
نعومة. ومن هذه الأساليب هي محاورة
وجهاء عشائر ينتقيهم النظام ويوجههم (يجعلهم
وجهاء بالمن عليهم بالظهور التلفزيوني
المبارك ومصافحة الرئيس) ويعدهم وعودا
قاطعة لا ينقلها التلفزيون أبدا وقط،
حتى يتم النكوص عنها وإنكارها حين
اللزوم. قضى الشعب السوري نصف قرن وهو يحاول حلّ
الكلمات المتقاطعة: كلمة من أربعة أحرف
يستعملها السائق ليس لحماية نفسه من
الحوادث وإنما بغرض دفع الضريبة إلى
الحكومة، وزيادة القيود. كلمة من أربعة
أحرف يسمع بها السوري ولا يراها، كلمة
من حرفين تصلح هتافا في المظاهرات..
كلمة من حرفين يطمح السوري إلى قولها
في غير التشهد و..الاستشهاد.. كلمة يعيش
من اجلها الإنسان كلمة.. ' كاتب سوري =================== الثورة السورية.. الجيش
السوري.. ونموذج الثورة العربية د. بشير موسى نافع 2011-06-15 القدس العربي بانسداد أفق الإصلاح ولجوء نظام الحكم
السوري إلى سياسة القمع الدموي،
تصاعدت وتيرة الحركة الجماهيرية في
صورة غير مسبوقة خلال الأسبوعيين
الماضيين. عشرات الآلاف من السوريين يخرجون الآن
ببسالة منقطعة النظير إلى الشوارع
والساحات في مختلف المدن السورية كل
ظهر يوم جمعة، من البوكمال ودير الزور
إلى اللاذقية، ومن معرة النعمان إلى
درعا. ودرعا، على وجه الخصوص، تستحق
ملاحظة خاصة؛ ففي يوم الجمعة الماضية،
لم يعد ثمة مجال للشك حول إرادة من تلك
التي انتصرت في المدينة السورية
الجنوبية التي كانت أول مدن سورية
المنتفضة التي تتعرض لاجتياح عسكري
أمني بربري. وسرعان ما نهضت درعا من جراحها من جديد
لتقول للمجموعة الفاشية الحاكمة أن
سياسة القهر الأمني العسكري لن تعمل
إلا على تأجيج روح الرفض والتصميم على
مطالب التغيير. ولكن في سورية، كما كان
الأمر في ليبيا واليمن، تطرح الثورة
السورية من الأسئلة أكثر مما تقدم من
إجابات. فبعد الانتصار الشعبي السريع
في تونس ومصر، وانحياز الجيش في
البلدين للشعب، ورفضه التصدي
للتظاهرات المعارضة لنظامي الحكم
السابقين، ولد شعور ما بأن ثمة نموذجاً
للثورة العربية، وللعلاقة بين المؤسسة
العسكرية والشعب، لابد أن يتكرر على
نحو ما لنجاح الثورة. هذه بالطبع فرضية
خاطئة من أساسها. في نهاية ندوة جامعية قبل أكثر من عشرين
عاماً، تحدث فيها الفيلسوف السياسي
البريطاني المحافظ جورج ستراتون حول
ثورات أوروبا الشرقية والانتقال
للديمقراطية، علق أستاذنا بيتر وودورد
قائلاً أن الثورة is an extraordinarily messy affair. ما كان يقصده وودوارد أن
الثورات هي شأن لا يمكن التحكم في
مساره، أو تنظيمه طبقاً لخطة مسبقة، أو
توقع النتائج التي يمكن أن يصل إليها.
والحقيقة أن الثورات في صورتها
الشعبية المدينية، التي بدأ العالم
يعرفها منذ الثورة الفرنسية، لا تنجح
دائماً؛ وأن النجاح يتطلب توفر العديد
من العوامل والقوى، ليس على المستوى
الداخلي وحسب، بل وحتى إقليمياً
ودولياً. في موجة الثورات الشعبية
الواسعة التي شهدتها أوروبا في منتصف
القرن التاسع عشر، لم تحقق ثورة واحدة
انتصاراً حاسماً؛ إذ سحقت الثورة في
باريس، وانتهى قادة الثورة البولندية
إلى اللجوء للدولة العثمانية، بينما
نجحت الملكيات الإيطالية والألمانية
في احتواء الثورة الشعبية بعد تنازلات
تشريعية محدودة. المؤكد، على أية حال،
أن ليست هناك ثورة شعبية واحدة في
العصر الحديث انتهت بدون أثر؛ بعضها
كان أثره مباشراً وسريعاً في إحداث
تغيير سياسي عميق أو أقل عمقاً، وبعضها
الآخر ترك أثراً على المدى البعيد. ما
تشهده حركة الثورة العربية هو معجزة
بكل المقاييس؛ إذ مهما كانت الصعوبات
التي تواجهها تونس ومصر، فمن المتيقن
أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء
أبداً، ومهما كان تورط بعض القيادات
الليبية المعارضة مع القوى الغربية،
فإن ليبيا تتجه سريعاً نحو انتصار
إرادة الشعب وتوكيد استقلال البلاد
ووحدتها، ومهما كثرت التدخلات
الإقليمية والدولية في اليمن فإن
الحكمة والتصميم الأسطوريين للشعب
اليمني يوصلان الثورة اليمنية الآن
إلى حافة الانتصار. الثورة في سورية
بالتأكيد هي أكثر تعقيداً، وستكون
ربما باهظة التكاليف. السؤال الأكثر إلحاحاً في سورية اليوم،
بعد زهاء سبعة أسابيع من الانتشار
العسكري ثقيل الوطأة ضد المدن
والجماهير السورية، هو سؤال الجيش. هل
سيستمر الجيش السوري في إطاعة أوامر
قادة النظام في قمع الشعب ومحاصرته؟ هل
ثمة أمل في أن يسلك الجيش السوري مسلك
الجيشين التونسي والمصري؟ وهل يمكن أن
تنتصر الثورة السورية بدون أن يقف
الجيش إلى جانب الثورة والشعب؟ الجيش هو أداة سيطرة الدولة الحديثة
الأمضى حداً، هو جدار الدولة الأخير،
وضمانة وجودها واستمرارها. والجيش هو
كذلك بالنسبة لكل الدول الحديثة،
العقلانية والأقل عقلانية،
والديمقراطية والفاشية، على السواء.
ولكن الارتباط العضوي بين الدولة
وجيشها يصبح أكثر عضوية في حالة الدولة
المستبدة. لم تتردد كل من الدولة
البريطانية في مواجهة الاضطرابات
القومية في مقاطعة إيرلندا الشمالية
في منتصف الستينات، والدولة الفرنسية
في مواجهة الاحتجاجات الطلابية
والعمالية في 1968، في اللجوء إلى الجيش.
ولكن ارتكاز أنظمة حكم مثل نظام الشاه
في إيران وصدام حسين في العراق ومبارك
في مصر وبن علي في تونس والأسد في سورية
إلى ولاء الجيش واستعداده للدفاع عن
الحدود والنظام معاً هو مسألة حياة أو
موت، مسألة تتعلق بمبرر الوجود ذاته.
ولم يكن غريباً بالتالي أن تلجأ هذه
الأنظمة، وأخرى مثيلة لها، إلى الجيش
ما إن عجزت أجهزتها الأمنية عن احتواء
الحراك الثوري الجماهيري؛ وعادة ما
يأتي هذا القرار سريعاً بعد اندلاع
الحراك الجماهيري، الذي ينجح في أغلب
الأحيان في إيقاع هزيمة سريعة بهذه
الأجهزة. الجيش هو شأن آخر مختلف، ليس
فقط لأن أدوات العنف التي يمتلكها لا
يمكن أن تعادلها أية أدوات عنف تحتفظ
بها القطاعات الشعبية، بل أيضاً لروح
الفريق والبرمجة على الطاعة وتحقيق
الأهداف والتدريب الفائق على توظيف
العنف. الجيوش في الحقيقة هي أقرب
المؤسسات الاجتماعية الحديثة إلى
الآلة. ولأن الجيوش هي كائنات يصعب توقعها عادة،
ولأن ليس هناك جيش مثل الآخر من جهة
تكوينه الديمغرافي وارتباطه بمؤسسة
الحكم وثقافته ووعيه بدوره، ولأن
الواقع الموضوعي الذي يحيط بجيش ما
يختلف بدرجة كبيرة أو صغيرة عن أي جيش
آخر، فلا يكاد يوجد نموذج واحد للشروط
التي يمكن أن تحدد استجابة الجيش
للحركات الشعبية المعارضة. ويكاد
اختيار الجيشين التونسي والمصري
الانحياز للشعب أن يكون الاستثناء في
هذه الاستجابة لا القاعدة. في إيرلندا
الشمالية، ونظراً لاستقرار مؤسسة
الدولة والانقسام الديني والقومي الذي
أسس لحركة الإيرلنديين الكاثوليك، لعب
الجيش البريطاني دوراً رئيسياً في
احتواء الحركة القومية الإيرلندية، بل
وفي إيقاع الهزيمة بوحداتها المسلحة،
وتمهيد الأوضاع للحل التفاوضي في
النهاية. وقد لعب الجيش الفرنسي وقوات
الحرس الوطني الأمريكي دوراً رئيسياً
في مواجهة احتجاجات نهاية الستينات
الشعبية، بدون أن يتعرض الجيشان
لتشققات ملموسة. في ليبيا، كما نعلم،
انحازت أغلب قوات الجيش التقليدي
للثورة الشعبية، بينما ظلت كتائب
القوات الخاصة على الولاء للنظام، وما
تزال. أما في اليمن فقد تطلب الأمر
حراكاً شعبياً هائلاً ومستمراً لعدة
أسابيع قبل أن تنحاز فرقة واحدة من فرق
الجيش لجماهير الثورة؛ ولكن التشققات
في صفوف الجيش والحرس الجمهوري تواصلت
في صورة مطردة وتدريجية بعد ذلك. في سورية، لجأ النظام في البداية إلى
الفرقة الرابعة وقوات الحرس الجمهوري،
التي لا يكاد يوجد شك في ولائها. ولكن
النظام أخطأ خطأ بالغاً عندما ظن أن
إيقاع عقوبة ثقيلة الوطأة بمدينة درعا
وشعبها سيلقن السوريين درساً كافياً
لاحتواء الحراك الشعبي. وباتساع نطاق
الحراك الشعبي وتصاعد وتيرة الثورة
اضطر النظام لإدخال المزيد من قوات
الجيش العربي السوري إلى ساحة
المواجهة. ونظراً لتركيبة الجيش
السوري والقبضة الأمنية الصارمة التي
يفرضها النظام على فروع الجيش
ووحداته، فقد كان من الصعب، وربما من
المستحيل، أن يسلك الجيش في سورية سلوك
الجيشين التونسي والمصري في الاستجابة
للثورة الشعبية. ولكن التقدير القائل
بأن الجيش العربي السوري سيستمر على
الولاء للنظام وتعهد مسؤولية قمع
الشعب وحركته، هو تقدير خاطىء. الأرجح
أن الجيش السوري سيأخذ في التشقق
التدريجي خلال الأسابيع والشهور
القادمة، وأن التقارير المتزايدة حول
انشقاق بعض الضباط والجنود أو رفضهم
إطاعة الأوامر هي مجرد بداية. ليس ثمة
جيش، مهما بلغت تقاليد انضباطه
وطاعته، يستطيع الحفاظ على تماسكه
طويلاً في مواجهة حراك شعبي جماهيري
واسع، حراك مسالم، يحمل مطالب واضحة
وعادلة. وربما يجدر التذكير أن علاقة
الجيش الإيراني بالشاه كانت أقرب إلى
العلاقة بالآلهة، وأن الثورة
الإيرانية استمرت زهاء العشر شهور قبل
أن يبدأ الجيش في الانشقاق. ولكنه انشق
في النهاية، على أية حال، وانحازت
قطاعات ملموسة منه للشعب. كل واحدة من الثورات العربية ستتجلى في
صورة خاصة بها، من الزحف من الريف إلى
العاصمة في تونس، ميدان التحرير في قلب
العاصمة القاهرة في مصر، ميادين
التغيير في اليمن، مقاومة المدن
وجبهات القتال في ليبيا، وأيام جمعة
الحشد والتظاهرات الجماهيرية في سورية.
طبيعة المجتمعين التونسي والمصري،
المفاجأة التي داهمت بها الثورتان
نظامي الحكم، وانحياز المؤسسة
العسكرية في البلدين للشعب، حققت
الانتصار بأقل خسائر ممكنة وفي زمن
قصير نسبياً. ولكن النظامين اليمني
والليبي، اللذين لا يمكن مقارنة
قوتهما وسلطتيهما وتقاليد
استقراريهما بالنظام المصري، لم يلفظا
أنفاسهما الأخيرة بعد، بالرغم من مرور
أربعة شهور على اندلاع الثورة
الجماهيرية. ولا أحد، مهما بلغ من خبرة
ودراية بسورية وشؤونها، يمكنه توقع
المسار الذي ستأخذه الثورة السورية،
أو الزمن الذي يتطلبه انتصار الشعب، أو
حجم التضحيات التي سيكون من الضروري
تقديمها من أجل تحقيق النصر. ما يوحد
الثورات العربية، ما يصنع نموذجها
الفريد، هو هذا الخروج الجماهيري
المهيب والباسل، الخروج الأعزل في
مواجهة عنف الدولة ووحشية أنظمتها
الحاكمة، والتصميم القاطع على
الانتصار وتحقيق أهداف التغيير مهما
بلغت التحضيات. هذه الملايين التي تعيد
بناء الحياة العربية وتوحيد الأوطان
وتستعيد الكرامة والموقع على المسرح
العالمي، في صفاقس وتونس، في بنغازي
ومصراتة، في القاهرة والسويس، في
صنعاء وتعز، وفي درعا وحمص وحماة
واللاذقية وإدلب ودير الزور ومعرة
النعمان، هي النموذج. ' كاتب وباحث عربي في التاريخ
الحديث =================== رأي القدس 2011-06-15 القدس العربي ان يوفد الرئيس
السوري بشار الأسد اللواء حسن تركماني
على رأس وفد يضم نائب وزير الخارجية
الى انقرة للقاء المسؤولين الاتراك
وعلى رأسهم السيد رجب طيب أردوغان فهذه
خطوة تعكس اعترافاً رسمياً سورياً
بأهمية تركيا ودورها الاقليمي، خاصة
في الملف الداخلي السوري بحكم علاقات
الجوار اولاً ووجود اكثر من عشرة آلاف
لاجئ سوري يتواجدون حالياً فوق
أراضيها بعد ان فروا بحياتهم من رصاص
قوات الامن والجيش التي هاجمت
بلداتهم، وخاصة في جسر الشغور القريبة
من الحدود التركية. هذا الوفد الذي وصف رئيسه اللواء تركماني
تركيا بالدولة 'الشقيقة' يزور انقرة
بعد هجمات تحريضية غير مسؤولة شنتها
بعض وسائط الاعلام السورية ضد تركيا
ورئيس وزرائها رجب طيب أردوغان لانه
طالب السلطات السورية باجراء اصلاحات
ديمقراطية وفق جدول زمني محدد تجنباً
لوقوع البلاد في حرب أهلية وحالة من
عدم الاستقرار الداخلي وتجنب مسلسل
اراقة الدماء شبه اليومي الذي تعيش
حلقاته حالياً كل يوم جمعة من كل اسبوع. الاعلام السوري، او بعض وسائطه على
الأقل، ارتكب خطأ كبيراً في تقديرنا
عندما خرج عن التقاليد المألوفة ومارس
عملية تحريض ضد تركيا وحكومتها
المنتخبة، لان مؤتمراً لبعض جماعات
المعارضة السورية في الخارج انعقد في
مدينة انطاليا التركية، وطالب باجراء
اصلاحات ديمقراطية شاملة في سورية. المسؤولون الاتراك الذين سمحوا لانصار
السلطات السورية بالتظاهر ضد
المشاركين امام الفندق الذي استضاف
مؤتمرهم قالوا انهم لا يستطيعون منع
انعقاد هذا المؤتمر، فتركيا دولة
ديمقراطية تعددية تحترم الحريات
التعبيرية، مثلها مثل دول اوروبية
اخرى تنتهج النهج نفسه. ما اراد المسؤولون الاتراك قوله بطريقة
غير مباشرة هو ان بلادهم لا تحكم من قبل
نظام شمولي مثل معظم الدول العربية
يستطيع منع مثل هذه المؤتمرات
واللقاءات بجرة قلم. ومثل هذا الكلام
ينطوي على الكثير من الصحة. وما يؤكد مثل هذا الكلام هو استقبال تركيا
لحوالي عشرة آلاف لاجئ سوري على
اراضيها وتوفير اسباب الراحة لهم، حتى
ان السيد داوود اوغلو وزير خارجية
تركيا قال ان هؤلاء ضيوف على بلاده
التي لن تغلق حدودها في وجههم. صحيح ان سورية فتحت ابوابها لاكثر من
مليون لاجئ عراقي، ومن قبلهم عشرات
الآلاف من اللبنانيين اثناء العدوان
الاسرائيلي عام 2006 وقبلهم عشرات
الآلاف من الفلسطينيين، ولكن التهجم
على تركيا ورئيس وزرائها في الوقت الذي
تستضيف فيه لاجئين سوريين مسألة غير
منطقية، ناهيك عن كونها غير
دبلوماسية، لانها قد تخلق عداوات غير
مبررة. يجب ان تدرك السلطات السورية الفرق بين
الاصدقاء مثل السيد اردوغان الذي
يطالبها بالاصلاح الفوري والسريع من
منطلق الحرص عليها، وبين الاعداء
الذين يتربصون بها ويستغلون عمليات
القمع الدموي الذي تمارسه قوات الجيش
والامن لتقويض امنها واستقرارها. القيادة السورية يجب ان تستفيد من خبرة
اردوغان وحكمته، والتجربة
الديمقراطية المتميزة التي تعيشها
بلاده وحولتها الى قوة اقتصادية
عالمية كبرى تتقدم على اكثر من عشرين
دولة اوروبية، وتحتل المرتبة السادسة
عشرة على مستوى العالم بأسره. لا يعيب السيد اردوغان ان يطالب نظيره
السوري بالاصلاح وفق جدول زمني محدد،
والشيء نفسه يقال عن كل السائرين على
النهج نفسه، ولكن الخطيئة الكبرى في
نظرنا هو صمّ الآذان عن هذه المطالبة،
واستعداء اصحابها دون اي مبرر، ومن
منطلق العناد لا اكثر ولا اقل. المعارضة السورية التي تطالب بالاصلاح
السياسي، داخلية كانت او خارجية، هي
معارضة شريفة، ولها في سورية مثلما
للنظام الحاكم فيها، طالما انها لا
ترتبط بالقوى الخارجية المعادية للامة
وعقيدتها، وهذه المعارضة يجب ان تحترم
مطالبها وشخوصها، بعيدا عن اساليب
التشكيك والتخوين التي يزدحم بها
وغيرها قاموس الانظمة العربية، وبعض
المحسوبين على النظام السوري خاصة. =================== من يحسم في سورية ...
تركيا أم إيران؟ الخميس, 16 يونيو 2011 عبدالوهاب بدرخان * الحياة إذا كان لأي منطق أن يبدأ بالارتسام في
الأزمة السورية، فلا بد من أن يشرع
النظام في المقلب السياسي، المنتظَر
منه داخلياً وخارجياً، والقادر وحده
على «الحسم»، لأن إنجازات الأجهزة
الأمنية برهنت ما تستطيعه، ولو
بصعوبة، بعدما سقطت حواجز الخوف
والصمت، وبعدما أقامت تضحياتُ
المواطنين السوريين ووسائلُ الإعلام
الحديث وبعضُ المواقف الدولية، نوعاً
من التوازن مع القوة المفرطة التي
استخدمها النظام. في الأيام الأخيرة دخلت التداولَ فكرةُ
استدعاء قوات دولية الى المناطق
الحدودية، مستنداً إلى نزوح المدنيين
الى الدول المجاورة، لا سيما تركيا
ولبنان والأردن. ولا يبدو هذا التدبير
متاحاً أو عملياً إذا كان له ان يكتسي
أو يخفي أبعاداً سياسية، لكن ثمة مشكلة
إنسانية ستزداد إلحاحاً إذا كان
للأزمة أن تطول من دون أي أفق حل،
والأحرى بالنظام أن يبدي الاهتمام بها
ويجد ما يناسبه من وسائل لمعالجتها.
وإذا لم يبادر، فإنه سيتيح لأطراف أخرى
استخدام هذه المشكلة، بعضها بدوافع
طيبة وبعض آخر بدوافع مشتبهة. صحيح أن المدخل الإنساني قد يفضي إلى «تدخلات»
أخرى متنوعة، سواء للتحقيق في حالاتِ
انتهاكات عدة باتت معروفة وموثَّقة،
أو للضغط على «وتيرةٍ» و «مضمونٍ»
حدَّدهما النظام ل «الإصلاحات» ولا
يزالان مجهولين، مثلهما مثل الاصلاحات
ذاتها. لكن النظام سمع ويسمع كل يوم، من
أصدقائه وممن يعتبرهم أعداء ومتآمرين،
دعواتٍ تحثه على أخذ زمام المبادرة.
ومن حق أي دولة رفْضُ التدخل الخارجي
في شؤونها، إلا عندما تصبح هذه الدولة
مصدراً للخطر على شعبها، فهذا كان
مرفوضاً دائماً، حتى أيام الحرب
الباردة، وهو مرفوض اليوم بالنسبة الى
ميانمار وكوريا الشمالية وايران، كما
بالنسبة إلى إسرائيل في تعاملها كدولة
احتلال مع الفلسطينيين، بمعزل عن
فاعلية المجتمع الدولي أو قصوره في
ملاحقة هذه الدول ومحاسبتها. في أي حال، تَعتبر سورية نفسَها دولة ذات
دور إقليمي، ما يستتبع أنها معنية
بمحيطها وتوازناته. وإذ أنها اختارت (أو
اضطرت) طوال العقد الماضي الابتعادَ عن
الجمود العربي، وعمّقت تحالفها مع
ايران ثم انتهجت انفتاحاً مع تركيا ما
لبث البَلَدان أن اصطلحا على اعتباره «شراكة
إستراتيجية»، فإنها وجدت أو ستجد
نفسها مدعوة الى تدبر أزمتها الداخلية
على نحو يحفظ لها أحد هذه الدعامات
لنظامها ولدورها. كان آخر ما توقعته سورية، أن يكون ما نأت
بنفسها عنه هو تحديداً ما ستأتيها منه
الرياح والعواصف، فالعالم العربي يمرّ
بحراك على المستوى الشعبي، بعضه أنجز
خطوات وبعضٌ آخر في صدد أن ينجِز، وثمة
بعضٌ ثالث سيأتيه الدور بشكل أو بآخر،
حتى لو لم يشهد بالضرورة انتفاضات
شعبية. وفيما سجّل العالم أن أهم ما في
هذا الحراك أنه نابع من داخل المجتمع،
ورأى فيه ظاهرة طبيعية وصحيّة، ولو
متأخرة، فإن الأنظمة التي تُحجم عن
التعامل معه، أو تعمد الى صدّه، تعرِّض
أمنَها واستقرارها وتماسكها وهيبتها
وشرعيتها لاختلالات غير مضمونة
النتائج. لم يكن هناك أي سبب يبرر الاعتقاد ببقاء
هذا الحراك خارج حدود سورية،
فاستبعاده يساوي استبعاد أن يكون هناك
شعب في هذا البلد. أما وقد حصل، فالعبرة
الآن في المآل لا في جذب العربة الى
الوراء. بقي العرب، حكوماتٍ وجامعةً
عربية، ساكتين وسلبيين إزاء ما تشهده
سورية، فهم لا يتدخلون لئلا يزيدوا
الطين بلاًّ، أضف إلى أن كل نظام فيهم
يواجه مشاكله، ولا نصائح عنده يقدمها
للآخرين. ليس في هذا الوضع ما يمكن أن
يساعد، رغم أن دمشق قد تكون مرتاحة
إليه، لكن الرأي العام العربي الذي
يكنّ لشعب سورية عاطفة تاريخية خاصة،
لا يتعامل بهذه اللامبالاة إزاء ما
يحصل، بل بألم وسخط، والأكيد أنه
يتعاطف عموماً مع «ممانعة» سورية،
لأنها متروكة عربياً في مكان ما بين
الحرب والسلم، لكنه لا يفهم لماذا
تَحُول «الممانعةُ» ضد العدو دون أن
يكون النظام متصالحاً مع شعبه. أما تركيا وإيران، فاعتمد عليهما النظام،
الأولى التي أمّنت له متنفَّساً من
العزلة الدولية، خصوصاً منذ 2005،
والثانية يعتبر أنه حقق معها توازناً
إستراتيجياً في مواجهة اسرائيل مكّنه
من مواصلة الإمساك بأوراقه الإقليمية،
رغم مشاطرة إيران إياه اللعب بها، وإنْ
خذلته، كما في العراق مثلاً. مع هاتين القوتين الإقليميتين، شعرت
سورية النظام بأنها استعادت عافيتها،
فكلاهما استثمرت فيها وراهنت عليها في
مجالات شتى: تركيا للانفتاح شرقاً
بحثاً عن أسواق لاقتصادها المنتعش،
وكذلك عن توسيع لدور محوري يتيحه
موقعها، وايران لتعزيز نفوذها
الإقليمي والمضي في «تصدير الثورة»
وتأمين الرعاية ل «حزب الله» في لبنان.
ولا شك في أن الدولتين تراقبان بقلق ما
يجري في سورية، وتتنازعهما تحليلات
متناقضة لما يمكن أن يؤول اليه نظامها،
إذ تدركان أن مصالح كثيرة لهما باتت
الآن على محكّ هذه الأزمة. ومن الواضح أن ايران تنظر باستياء الى
تأخر سيطرة النظام على الوضع، بل إنها
تتوجس أكثر من نيات الإصلاح التي
يبديها ويكرر التزامَه تحقيقَها، وإذ
انبرت لتعيين نفسها ملهمةً للثورات
العربية، إلا أنها لا تملك بالنسبة الى
سورية سوى نصح النظام - إنِ احتاج
النصحَ - بأن يواصل الشيء نفسَه،
وتشجيعه على الذهاب في الخيار الأمني
الى أقصاه، مسترشِدة لا بثورتها هذه
المرة، وانما ببطش «حرس الثورة»،
بالانتفاضة ضد تزوير الانتخابات
الرئاسية قبل عامين، وأيضاً بالقمع
المستمر بلا هوادة والعزل التام
لزعماء المعارضة الإصلاحية. أما تركيا، فلديها مقاربة مختلفة تماماً،
تستند الى معايشة الإسلام الوسطي مع
معايير الديموقراطية الغربية،
فباستثناء تعاملها الأمني الفظ مع إرث
المشكلة الكردية، الذي تنظر اليه ك «تمرد»
يهدد وحدتها أرضاً وشعباً، استطاعت
تركيا بحكومتها الحالية إرساء تجربة
حكم ديموقراطي مستقر يُفترض أن يبلور
في مرحلته المقبلة، بعد الانتخابات
الأخيرة، إصلاحاً دستورياً يضع القضية
الكردية على طريق الحل الوطني الخلاّق.
انطلاقاً من هذه التجربة، ومن تأييد لا
لَبْسَ فيه لأهداف الثورات العربية،
شرعت تركيا باكراً جداً، وقبل أيام من
التظاهرة السورية الأولى، تدعو النظام
إلى قيادة التغيير، لا أن يَدَعَ
التغيير يقوده. كانت تركيا تعاملت مع
النظام رغم أن لها رأياً في سلوكياته
وممارساته، لكنها لم تفصح عن مواقفها
إلا بعدما وقعت الواقعة وأصبحت لديها
مصالح كثيرة على الأرض. لوهلة بدت «الشراكة الإستراتيجية»
ممكنةً بين أطراف الثلاثي «التركي –
السوري – الإيراني»، أما الآن،
فاختلفت الحسابات تماماً. صحيح أن
براغماتية كل منها كفيلة بالإبقاء على
المصالح، لكن الفارق بالنسبة الى
ايران أنها لا ترى مستقبلاً لمصالحها
مع الشعب السوري، الذي اختزن في ذاكرته
أنها باركت تقتيل أبنائه، فهي - لذلك -
ستكافح لكسب رهانها على النظام وحده.
أما تركيا، فتراهن على حكم مدني
منتخَب، وستعمل على نقل النظام من
مرحلة الرصاص الى مرحلة الإصلاح، التي
ستؤدي بشكل أو بآخر الى تغييره، أو على
الأقل الى تغيير لمصلحته ومصلحة الشعب
معاً. وبالطبع، إن الصراع التركي –
الايراني على سورية ليس مستبعداً،
خصوصاً اذا تفاقمت الأزمة وأتاحت - أو
استوجبت – التدخلات المباشرة. =================== عندما يدوسون البشر..
مركب النقص وتمجيد الإهانة ياسر أبو هلالة الغد الاردنية تاريخ النشر 15/06/2011 تصلح الصور المتدفقة من سورية مادة لبحث
في علم النفس، فكيف ينحدر الإنسان إلى
مستوى يدوس فيه إنسانا آخر؟ تلك ليست خصوصية سورية، ففي الربيع
العربي تكشّف مخزون القبح لدى الأجهزة
الأمنية، والاختلاف بالدرجة وليس
بالنوع. في تونس، شاهدنا الدوس على
البشر وضرب النساء والأطفال، وتكرر
ذلك في مصر وليبيا واليمن. من يدوس إنسانا لا ينفذ قرارا سياسيا
لمسؤول أو تعليمات ضابط، هو ينساق وراء
عقد ناتجة عن مركب نقص. هو يشعر كم هو
وضيع وعديم الكرامة من خلال عمله في
تلك الأجهزة، وهو منعدم الإنسانية
والرجولة أمام رؤسائه في العمل، تماما
كما هو كذلك في البيت الذي خرج منه. من يدوس بشرا بالتأكيد شاهد والده يدوس
أمه أو شقيقه، وهو في بيته يمارس تلك
الإهانات كما يمارسها في الشارع. هو
يريد أن ينتقم من طفولة مهدورة، داسها
الوالد والمدرس وأشقياء الحارة.. يريد
أن يشعر أنه رجل. لذا، هو يصور نفسه بالهاتف النقال، حتى
يعود ويفتخر أمام أقاربه أنه داس
المعارضين ببسطاره، يريد أن يقول أنا
لست وضيعا وجبانا ونذلا ومهانا.. أنا
رجل وشاهدوا شجاعتي. أي بشر أولئك الذين يمجدون الإهانة؟ إنهم
نتاج منظومة مدمرة من البيت إلى الشارع
إلى المدرسة إلى المؤسسة العسكرية
والأمنية. ولا يمكن علاج تلك الحالات
طالما أن النظام محصن من المحاسبة،
وخصوصا في شقه الأمني والعسكري. والدول
الغبية تعتقد أن التحصين هو ما يحقق
الأمن والاستقرار. النظام السوري لم يعتبر، وربما لم يعرف أن
وفاة خالد سعيد تحت بساطير الأمن هو ما
شكل شرارة الثورة المصرية، ولذا مارس
مدير الأمن السياسي بطولته على فتيان
وأطفال درعا. وإلى اليوم، لم تتوقف
فروع الأمن عن تفريغ عقد النقص في
المواطن السوري الثائر. تحتاج تلك النوعية من البشر إلى عملية
تأهيل طويلة المدى. فهم ليسوا خطرا على
الثائرين، على العكس حماقاتهم تخدم
الثوة وتؤججها. هم خطر على أنفسهم وعلى
أولادهم وذويهم. والعلاج ليس فرديا
بقدر ما هو علاج للبيئات التي أنتجتهم.
أما الضحايا، فتلك أوسمة معلقة على
صدورهم، وما يحتاجونه هو ثقافة
التسامح والصفح. إن المجتمعات لا تمجد الإهانة بالصور
التي يدوس بها عسكري مريض مواطنا فحسب،
بل بالحفاوة بالزعيم الذي يدوس عليها
من سنين وهي تتلذذ في ماسوشية غريبة. =================== المواجهة الإقليمية
واردة إذا لم يحسم الوضع في سوريا
بسرعة صالح القلاب الشرق الاوسط 16-6-2011 كل هذا التوتر الذي تعيشه المنطقة على مدى
الشهور الماضية وكل هذه الغيوم
الحالكة السواد التي تتلبد في سماء
الشرق الأوسط وكل هذا الاستقطاب لا بد،
هذا إن لم تستجد معجزة، من أن يتخذ هيئة
حرب إقليمية مدمرة، فهناك جمر بات
يعسعس تحت الرماد، وهناك حرب إعلامية
محتدمة تجسدت بكل وضوح بالترافق مع
معركة جسر الشغور في شمال غربي سوريا،
حيث نفذت وحدات الجيش السوري المضمونة
الولاء هجوما اجتياحيا ترك هذه البلدة
الجميلة خاوية على عروشها وبدون ولو
نافخ نار واحد. هناك ثلاث قوى إقليمية بدأت بتحويل الشرق
الأوسط إلى مسرح للتنازع بينها على
النفوذ منذ وصول حزب العدالة والتنمية
إلى الحكم في تركيا، فهذا الحزب بقيادة
رجب طيب أردوغان، الذي حقق فوزا كاسحا
في الانتخابات الأخيرة، بدأ يتجه
جنوبا بعد أن تأكد من استحالة وعبثية
المراهنة التي طال أمدها على الانضمام
أولا إلى السوق الأوروبية المشتركة
ولاحقا إلى الاتحاد الأوروبي، وكان
عليه في البداية أن يتودد إلى سوريا
والاقتراب منها على اعتبار أنها بوابة
المنطقة العربية وعلى اعتبار ضرورة
كسب حيادها إن لم تكن هناك إمكانية
لكسب انحيازها إلى الجارة الشمالية في
المنافسة الخفية التي كانت محتدمة بين
أنقرة وطهران. كان نظام الرئيس بشار الأسد، الذي ورث عن
والده هدنة مع الجارة الشمالية بعد
رضوخه لاشتراطات الأتراك وبادر إلى
طرد الزعيم الكردي المنشق الذي لجأ إلى
حرب العصابات لحمل أنقرة على الاعتراف
بحقوق أكراد تركيا الوطنية السياسية،
بأمس الحاجة إلى تطوير علاقات بلاده مع
جيرانه في الشمال بعد أن أصبح يعيش
عزلة عربية باستثناء استثناءات قليلة
بسبب ملابسات اغتيال رئيس الوزراء
اللبناني الأسبق رفيق الحريري وبسبب
دعمه غير المحدود لحزب الله إلى أن
أصبح يشكل دولة أقوى من الدولة
اللبنانية وأيضا بسبب تدخله السافر في
الشؤون الفلسطينية وإفشال مصالحة مكة
المكرمة بين حركة فتح وحركة المقاومة
الإسلامية حماس. في تلك الفترة اتخذت حكومة حزب العدالة
والتنمية التركي سياسة ذكية تجاه
التحالف السوري - الإيراني المتعاظم،
فهي بقيت تتعامل مع إيران بأسلوب
السياسة الناعمة البعيدة عن أي شكل من
أشكال التحدي والخصومة، وكل هذا بينما
كانت تواصل تكثيف تقاربها مع سوريا
وتعزيزه، ظنا منها أن إعطاء دمشق
المزيد من الثقة سيجعلها على الأقل
تتخذ موقفا إن ليس محايدا فشبه محايد
بينها وبين جمهورية إيران الإسلامية،
وهنا فقد ثبت أن مراهنة أردوغان هذه
كانت قصيرة النظر، والسبب هو جهله بأن
التلاقي السوري - الإيراني يرتكز على
أمور أهم وأبعد من السياسة وجهله بأن
هذين النظامين، أي نظام الأسد ونظام
الولي الفقيه، يمارسان العمل السياسي
بطريقة «التقية» المعروفة. كانت إيران قابلة بهذه اللعبة السياسية
لكنها لم تكن مطمئنة للحركة التركية
السريعة تجاه العرب وتجاه المنطقة
العربية وانحياز الأتراك الواضح إلى
الفلسطينيين وابتعادهم المتواصل عن
الإسرائيليين بعد حرب غزة، فطهران
أخذت تشعر بأن المنافسة مع تركيا باتت
تتخذ طابعا خطيرا وأكثر حدة، وهذا
دفعها إلى المزيد من تمتين علاقاتها مع
سوريا وإلى تعزيز ثقلها العسكري
والسياسي والأمني في المناطق التي
تشكل رؤوس جسور لنفوذها في هذه المنطقة
العربية مثل العراق ولبنان واليمن
وقطاع غزة الذي لا يزال بمثابة امتداد
لدولة الولي الفقيه في الساحة
الفلسطينية. في هذه الأثناء بدأت عواصف التغيير
العاتية تهب على الساحة العربية بدءا
بتونس ثم مصر ثم ليبيا ثم اليمن، وهذا
دفع إيران إلى السعي وبسرعة لركوب هذه
الموجة مراهنة على الإخوان المسلمين
وعلى أن نظام الرئيس بشار الأسد سيبقى
في منأى عن هذه الموجة، لكن وبعد فشل
هذه المراهنات وجدت إيران نفسها في قلب
المعمعة ووجدت أنه عليها أن ترمي
بثقلها وبسرعة إلى جانب حليفها السوري
الذي بدأت الأرض تهتز تحت أقدامه، مما
دفع رجب طيب أردوغان إلى المسارعة
لاتخاذ هذا الموقف الذي اتخذه، حيث
استضاف أول مؤتمر للمعارضة السورية في
أنطاليا، وهو ما جعل أنقرة تلجأ إلى
المزيد من التصعيد ضد دمشق وجعل الرئيس
التركي عبد الله غل يلوح باللجوء إلى
الخيار العسكري إذا استمرت المجموعة
السورية الحاكمة بارتكاب مجازر دامية
ضد الحركة الاحتجاجية التي بدأت بدرعا
ثم ما لبثت أن عمت كل مدن ومناطق سوريا. ولهذا وبعد أن تطورت الأمور في سوريا وفي
المنطقة كلها على هذا النحو ووصلت إلى
ما وصلت إليه فقد اتخذ التنافس التركي -
الإيراني - الإسرائيلي في هذه المنطقة،
وعليها، طابع المواجهة السافرة، حيث
سارعت إيران إلى دخول معركة المواجهة
بين الرئيس بشار الأسد والمطالبين
بإطاحته وإسقاط نظامه عسكريا وأمنيا،
وهذه المسألة لم تعد مجرد ظنون ومخاوف
بعد أن ثبت بالأدلة القاطعة أن وحدات
من فيلق القدس التابع لحراس الثورة
الإيرانية قد دخل مسرح القتال فعلا إلى
جانب الفيالق والفرق العسكرية السورية. لقد اندفعت إيران إلى هذا التدخل السافر
ضد الحركة الاحتجاجية السورية قناعة
منها بأن المعركة التي يخوضها الرئيس
السوري بشار الأسد ضد شعبه هي معركتها
وأن التغيير المنشود في سوريا سيكون
على حسابها وعلى حساب توجهاتها
ومخططاتها لاستعادة هيمنة
الإمبراطورية الفارسية القديمة في هذا
الإقليم، والثابت أن دولة الولي
الفقيه بدأت تستعد لمعركة أكثر اتساعا
وأنها قد تبادر إلى عمل عسكري في
الخليج العربي إن انتصرت الثورة
السورية وأطاحت النظام القائم وحققت
التغيير المنشود. وبالمقابل فإن تركيا أردوغان بدأت تستعد
حتى عسكريا لأي مستجدات مفاجئة، وعلى
هذا الصعيد فإن هناك من يعتقد أن فتح
الحدود التركية للفارين السوريين من
مدن ومناطق الحدود مع سوريا ومن بينها
مدينة جسر الشغور هدفه إيجاد كل
المبررات لخلق واقع في هذه المناطق
يشبه المناطق الشرقية ومدينة بني غازي
في ليبيا يكون بمثابة رأس جسر لأي تدخل
عسكري تركي وربما دولي أيضا إذا تطورت
الأمور في الجارة الجنوبية وتحولت
عمليات القمع التي يقوم بها نظام
الرئيس بشار الأسد إلى حرب إبادة على
غرار ما كان بدأه نظام معمر القذافي
عشية تدخل حلف شمالي الأطلسي بقواته
الجوية. إن الأمور في هذه المنطقة في ضوء كل هذا
الذي يجري في سوريا وفي غيرها تتجه نحو
المزيد من التأزيم، ولهذا فإنه غير
مستبعد على الإطلاق أن تبادر إيران إلى
إرسال قوات محمولة جوا وربما قوات برية
أيضا عبر مناطق محددة في العراق لتدخل
المعركة إلى جانب قوات الرئيس السوري
إذا استدعت تطورات الأمور ذلك، وهذا
سيدفع تركيا حتما إلى تحريك قواتها،
التي تقوم الآن بعمليات حشد في المناطق
الحدودية، في اتجاه عمق الأراضي
السورية وسيدفع إسرائيل، التي لا تزال
تقاوم أي تغيير في سوريا، إلى اغتنام
الفرصة ومهاجمة المنشآت النووية
الإيرانية وربما أيضا إلى دخول مسرح
العمليات على الأراضي السورية نفسها..
إن كل شيء جائز وإن الأيام المقبلة
حبلى بالتطورات والأحداث وإن منطقة
الشرق الأوسط بعد كل هذه الزلازل
العاتية ستشهد خرائط سياسية وجغرافية
تختلف كثيرا عن هذه الخرائط الحالية. ========================= الناشطة مرح البقاعي:
نحن ضد أي «تدخل» عسكري ومع كل أشكال
«الضغط» الدولي قالت ل «الشرق الأوسط»: نسعى
لتنظيم اجتماع في أميركا خلال يوليو
لدعم الثورة الشبابية الشرق الأوسط 15/6/2011 كشفت الناشطة السورية المعارضة مرح
البقاعي، عن وجود نقاش حول تنظيم
اجتماع لشخصيات سورية مؤيدة للثورة،
في الولايات المتحدة خلال شهر يوليو (تموز)
المقبل، مشيرة إلى أن أي اجتماع سيعقد
يجب أن تكون بوصلته الموجهة هي «دم
الشهداء وحسب»، مؤكدة أن الحل الأمني
للأزمة لن يزيد الثوار إلا إصرارا على
المزيد من التظاهر، الذي سيتحول، مع
الوقت، إلى عصيان مدني شامل. وحرصت
الناشطة على التأكيد على أنها ضد أي «تدخل»
عسكري أو سياسي في سوريا، ولكنها مع «كل
أشكال الضغط» الدولي، حقوقيا
ودبلوماسيا وإعلاميا، من أجل وقف عنف
السلطة ضد الشعب الأعزل. وناشدت البقاعي من وصفتهم بأصحاب الحد
الأدنى من الحس الوطني في النظام، أن
ينأوا بأنفسهم عما تبقى من مؤسسات
الدولة، ليمنعوا سقوطها مع انهيار
النظام، مؤكدة أن المدة الزمنية لسقوط
النظام تتناسب مع قدرة الثوار
السوريين على التنسيق فيما بينهم،
وإيجاد البدائل السياسية، والقيادات
التي ستملأ الفراغ الذي سيخلفه سقوط
النظام. وقالت الباحثة السورية مرح البقاعي،
مديرة معهد الوارف للدراسات
الإنسانية، من واشنطن «نحن نناقش فكرة
اجتماع قد يعقد في الولايات المتحدة
خلال شهر يوليو المقبل»، مشيرة إلى أن
الاجتماع سيشدد على دعم ثورة الداخل
ومطالب الثوار وتطلعاتهم، «شبابا
وشيبا، التي هي الأجندة الشرعية
والوحيدة للثورة، وخارطة الطريق
لسوريا الجديدة». وأضافت البقاعي في حديثها ل«الشرق الأوسط»
«نحن نرحب بأي اجتماع، وفي أي مكان في
العالم، بحيث يشكل مظلة جامعة للقوى
السياسية والكفاءات السورية الوطنية،
من أطياف المجتمع السوري ككل، وأي
اجتماع سيعقد يجب أن تكون بوصلته
الموجهة هي: دم الشهداء وحسب». وتستطرد
البقاعي قائلة «منذ بداية الثورة،
وحتى الآن، لم ولن أعول إلا على الداخل
السوري الثوري، ولا أرتجي من الخارج
إلا أن يكون ظهيرا للثورة والثوار.. نحن
لا يمكننا إلا أن نكون صدى لصوت الداخل
إعلاميا، ووسيلة لدعمهم دبلوماسيا
وحقوقيا في المحافل الدولية، وحسب». وترى الناشطة السورية أن المدة الزمنية
لسقوط النظام السوري تتناسب مع قدرة
الثوار السوريين على التنسيق فيما
بينهم، وإيجاد البدائل السياسية
والقيادات التي ستملأ الفراغ الذي
سيخلفه سقوط نظام «استبدادي متسلّط،
حظر العمل والحراك السياسيين لمدة
تزيد على الأربعين عاما». وتعتبر البقاعي أن أولى بشائر التشاور
والتعاون، ميدانيا، بين الثوار، هو
انطلاق اتحاد تنسيقيات الثورة
السورية، الذي أعلن عن الحل السياسي في
البلاد، ووضع خارطة طريق واضحة لهذا
الحل، «وهكذا يكون الثوار الذين خرجوا
من قمقمهم، قد سجلوا سبقا سياسيا ماردا
وجبارا، تجاوز الزمن الذي حظر فيه
العمل السياسي في سوريا واحتكر من قبل
النظام وحزبه الأوحد، تجاوزه قياسا
بسنوات ضوئية، واختاروا سبيل العقل
والسلم كما أراد الشعب، لا سطوة
الرعونة والقتل كما أراد المستبد». وترى البقاعي «وبما أن الشعب السوري لا
يتراجع، ولن يتراجع، عن مطالبه
المشروعة، فأنا أرى أن مسؤولية
استمرار وتفاقم هذه الأزمة المفصلية
في التاريخ السوري، يقع على عاتق
النظام، وعلى رأسه بشار الأسد وأخوه
ماهر الأسد، فعلى هذا النظام أن يتوقف
عن حملات القتل والإبادة الجماعية،
وشراء الوقت بدم الشهداء من أبناء
الشعب الأبرار.. عليهما أن يعلما أن
الإمعان في الحل الأمني للأزمة، لن
يزيد الثوار إلا إصرارا على المزيد من
التظاهر الذي سيتحول مع الوقت إلى
عصيان مدني شامل، وهذه الأعراض
ستترافق مع انهيارات سياسية في هيكلية
الدولة، المتآكلة أصلا سياسيا
واقتصاديا، وهذه الأمور مجتمعة ستسرع
من انزلاق البلد إلى حافة الهاوية». إلى ذلك، حملت البقاعي دعوة صريحة لمن
وصفتهم ب«أصحاب الحد الأدنى من الحس
الوطني في النظام» أن ينأوا بأنفسهم
عما تبقى من مؤسسات الدولة ليمنعوا
سقوطها مع انهيار النظام، مؤكدة على
يقينها بأن «النظام ذاهب لا محال، وعلى
ما تبقى من شرفاء في أروقته المظلمة،
من قيادات الجيش، الاصطفاف لجهة الشعب
ونصرته، ومن أطراف الحكم الاستقالة
غير المؤجلة من مناصبهم، حتى لا يحشرهم
التاريخ محشر آل الأسد وأعوانهم». وتشدد البقاعي على أن «عقيدة الثوار،
التي هي عقيدتي، هي الحرية والكرامة
الإنسانية اللتان لا وصول إليهما إلا
بإنهاء النظام الاستبدادي اللاشرعي،
فبشار الأسد فاقد للشرعية بصورة
مضاعفة، لأنه، بداية، قد وصل إلى سدة
الحكم قافزا من الطاقة الضيقة التي
فتحوها له في جسم الدستور، ليحيل سوريا
الجمهورية السنديانة ذات الكبرياء،
إلى منظومة وراثية مصابة بالاكتئاب
والهزال السياسي. وهو فاقد للشرعية،
تاليا، لأنه هدر دم شعبه مقابل بقائه
على الكرسي، وبقاء أسرته وحاشيته
والمرتزقة من المتعاونين والمرتشين في
كواليس الحكم وأقبيته». وفيما إذا كانت سوريا أصبحت قريبة جدا من
تدخل عسكري دولي «أكرر ما أقول في
المحافل الدولية ومنابر الإعلام ككل،
نحن ضد أي (تدخل) عسكري أو سياسي في
سوريا، ونحن مع كل أشكال (الضغط)
الدولي، حقوقيا ودبلوماسيا وإعلاميا،
من أجل وقف عنف السلطة ضد الشعب
الأعزل، وإدانته، ومحاسبة من أمر به
ونفذه مهما علت مرتبته أو منصبه، وكذا
من أجل إدخال المساعدات الإنسانية
والطبية للمحتاجين فورا إلى سوريا». ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |