ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 19/06/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

حرية المستحيل السوري

السياسة الكويتية

غسان المفلح

18-6-2011

 منذ بدء الثورات العربية, في تونس حيث البداية, والسؤال كان: لماذا لا يتحرك الشعب السوري? والإجابات كانت متنوعة, لكنها كانت تقف عند عامل رئيسي وهو القمع الذي حكم البلاد لأكثر من أربعة عقود, والذاكرة السورية المليئة, بقصص القتل والاعتقال المزمن أو الاعتقال حتى الموت, القمع وما سببه من خوف أعتقدنا جميعا أنه تجذر إلى قعر لا حدود له, هذا الأمر الذي حدا ببعضنا أن يرى أنه لا إمكانية لإسقاط النظام إلا عبر المجتمع الدولي وتدخله, لأن هذا القمع يمتلك أكبر أجهزة أمنية وعسكرية في العالم, قياسا بحجم سورية وتعداد سكانها وتحمل اقتصادها, الذي أنهكه فساد النخبة الحاكمة ومواليها أصلا. لا توجد في العالم دولا لديها كل هذا العدد من أجهزة الأمن وتبعية الجيش لها, وتخصيص فرق خاصة من الجيش ذات لون طائفي واحد لقمع المجتمع ويتولى القيادة الفعلية لكل هذا المركب القمعي أخ الرئاسة العميد ماهر الأسد, كل هذا إضافة إلى تعقيد الوضعية المجتمعية السورية مما زرعه هذا النظام من طائفية ومحاولة حقن الاحقاد بين مكونات الشعب السوري, واللعب على أوتار كل الظواهر الماقبل مدنية من أجل إدامة حكمه وتحكمه بمقاليد السلطة والثروة في سورية. كل هذا وفرت له إسرائيل ومركبها الدولي الإقليمي غطاء له من حيث الحرص على إظهاره كنظام ممانعة, والسبب يكمن بالطبع في أن إسرائيل لا تريد السلام, أو لنقل أنها غير جاهزة له, على مستوى إعادة الجولان لوطنه الأم ولا على مستوى السماح بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية, كما نصت اتفاقيات أسلو. وكل هذا في تأطير دولي وإقليمي لا يخل بالتوازن المبني على حالة اللاحرب واللاسلم, والذي يصب في مصلحة النظام من جهة- والنظام بوصفه نظام ناهب للثروة السورية وقاتل لشعبه- ومصلحة الرؤية الإسرائيلية لمصالحها من جهة أخرى. وهذا ما نلمسه الآن من خلال الضغط الدولي المخملي على النظام القاتل لشعبه, وكأنه طفل مدلل يراد تأديبه فقط, لكن بأدوات مخملية فصلت على قياس محاولة استمراره بالحكم.

لهذا عندما تحرك الشعب السوري في حوران بداية كان الجميع كالمشدوه, واعتبر أن الشعب السوري يواجه المستحيل ويصنعه, لهذا ما يعيشه الشعب السوري اليوم هو حريته في محاولته تحقيق المستحيل ذاته كما كان يدرس ويتعامل معه قبل الثورة.

الشعب السوري يعيش حريته الآن في قلب المستحيل, واستطاع أن يتذوق الحرية أمام أعتى آلة قتل في المنطقة وأكثرها إجراما, اعترضت الثورة الشبابية السورية, عوائق كثيرة غير آلة القتل هذه, لكن أهمها التالي:

- نظام مصر على القتل وشعب يتظاهر بشكل سلمي, ومن دون أن يجد من يوقف هذه الآلة, وماكان من هذا النظام وأعوانه من المخبرين الصغار في لبنان أو في من يحسبون أنفسهم على المعارضة أو على النشاط الحقوقي السوري وهم عار على الحقلين, بأن النظام يواجه حركات سلفية مسلحة. وهذا ما أوقع على عاتق شباب الثورة مهمة أضافية وهي التفرغ نسبيا للرد على هذه التخرصات والدفاع عن سلمية ثورتهم. وكأنهم متهمون. وأنا اقتنع بما يقوله النظام إذا سمح لقناة الجزيرة والعربية والسي إن إن مثلا بتصوير حربه ضد ما يسميه الحركات المسلحة, عندها يكون لنا حديث آخر.

- الوضع التطييفي للبلد والذي وظفه النظام خير توظيف حتى اللحظة, كي لا ندخل في لعبة أن النظام لم يستطع توظيف هذا الأمر بحجج شتى, لا.. النظام استفاد ويستفيد من هذا الوضع, ولولا استفادته هذه لسقط هذا النظام أو على الأقل لما كان يمتلك كل هذه الكتائب من الحرس الجمهوري والشبيحة.وهذه أيضا عقدت الوضعية أمام شباب الثورة وباتوا مصرين على تأكيد أن ثورتهم لا طائفية, وكأنهم هم المتهمون وليس النظام, وشارك في هذه اللعبة أيضا بعضا من وجوه يعتبرون أنفسهم معارضة وعلمانيين أيضا, شاركوا بتواطؤ رخيص" من أن ثورة الشباب السوري ذات سمة طائفية" وبات مطلوبا من شباب الثورة ومن المعارضة التي التحقت بثورة هؤلاء الشباب أن تقدم يوميا صك براءة, وكأن شباب الثورة هم الطائفيون, بينما النظام واتباعه والحريصون على استمراره تحت ذرائع شتى هم الوطنيون السوريون فقط.

وكأننا أمام قاض علماني! يسانده العسكر, أو يعمل على طريقة عمل محكمة أمن الدولة العليا في سورية, حيث تصل للقضاة هناك الأحكام جاهزة من قبل القوى الأمنية. تندرج في هذا السياق رسالة أدونيس لسيده رئيس جمهوريته..شباب الثورة اليوم يرفعون شعار جمعتهم باسم الشيخ صالح العلي, وتقدموا ببرنامجهم السياسي لمستقبل سورية, ماذا يريد هؤلاء أكثر من ذلك? ليجيبوا عن هذا السؤال?

- العائق الأكبر كان تواطؤ الوضع الإقليمي والدولي مع النظام ضد الشعب السوري الاعزل, هذا إذا أضفنا صمتا عربيا رسميا يعد العار الأكبر الذي كشفته ثورة شبابنا.

- العائق الآخر هو عدم وجود معارضة مؤسسية ولهذا أسبابه الكثيرة منها الموضوعي ومنها الذاتي, إضافة الى انكشاف حالة اختراق مخابراتي ليس قليلاً لهذه المعارضة ولنشاطها الحقوقي أيضا. ممن حاولوا إرباك شباب الثورة من خلال طروحاتهم.

بالطبع هناك عوائق أخرى لا نريد ذكرها الآن, لكننا نعيش وضعا يمكننا تسميته حرية الاستحالة, شعبنا يعيشها الآن, وعندما يصل إلى تحقيق المستحيل هذا عندها سيكون الشعب السوري قد سجل ملحمته الخاصة من أجل حريته, وهذا ما سيحصل قريبا.

وللذين يحملون المعارضة السورية مسؤولية التحريض والتجييش نقول لهم, فليقدم نظامكم مبادرة حقيقية تؤسس للخروج من هذا القتل الوحشي, وبإشراف أطراف محايدة, مبادرة لا تعود بسورية لكي يستمر في حكمها قتلة. مبادرة تؤسس لانتقال ديمقراطي حقيقي, والشعب السوري حريص على سورية أكثر منكم ومن نظامكم الذين تخترعون يوميا فتاوى علمانية ومدنية من أجل استمراره والدفاع عن شرعية قتله لشعبنا.

حريتنا بين أيد أمينة, أنهم شباب سورية, ولن تسجن ثانية.

إنها حرية المستحيل.

=================

رامي مخلوف من عنوان الفساد إلى رجل الخير !

ياسر الزعاترة

الدستور

18-6-2011

رامي مخلوف هو الاسم الأشهر في سوريا بعد رئيسها بشار الأسد، فهو الاسم الذي يحفظه السوري قبل دخول المدرسة، ذلك أنه من الطبيعي أن يسمعه يتردد في البيت بهذه الطريقة أو تلك، لاسيما في سياق التنكيت.

في الدول الأخرى تتعدد عناوين الفساد، وتكثر الأسماء المتهمة بممارسته، لكن السوريين لا يحفظون الكثير من الأسماء، ربما بسبب الدولة الأمنية وطقوسها الخاصة، وربما لأن حالة رامي مخلوف لا تتوافر في أية دولة أخرى، وتطغى على ما عداها.

في مصر مثلا تكثر الأسماء الكبيرة المتهمة بالفساد، والمحاكمات الأخيرة أكدت ذلك، بل إن المحاكمات لم تكن في جوهرها سوى استجابة لما اختزنه الوعي الشعبي من أسماء. فهناك ابتداءً نجلا الرئيس (علاء وجمال)، وهناك الحبيب العادلي، وزير الداخلية، وهناك صفوت الشريف، ووزراء آخرين، كما أن هناك رجال أعمال كبار (أعضاء في الحزب الوطني) على شاكلة أحمد عز (إمبراطور الحديد والصلب) وحسين سالم وهشام طلعت وآخرون كثر.

في سوريا لا يتصدر المشهد غير رامي مخلوف، «العبقري» الذي لم يكد يبلغ الأربعين حتى كان يملك عشرات المليارات من الدولارات، ولا يعتقد أن ثمة دورية اقتصادية يمكنها إحصاء ثروته، ومرة أخرى بسبب البعد الأمني الذي يحكم البلد، مع تركز استثماراته في الداخل. أما الشركات التي يملكها، فيُعرف منها «سيرياتل» أكبر شركة للهاتف المحمول في البلاد. كما يمتلك العديد من متاجر الأسواق الحرة وامتيازا نفطيا وشركة طيران، وله حصص في قطاعات الفنادق والإنشاءات وأسهم في بنك واحد على الأقل (لاحظوا أن معظم شركاته لا تتأتى إلا من خلال امتيازات رسمية)، مع العلم أن الشفافية في سوريا تأبى على المواطن مثلا أن يعرف شيئا عن فاتورة النفط مثلا.

الأرجح أن الرجل، وهو ابن خال الرئيس، لا يمثل نفسه، وإنما يمثل العائلة (عائلة الأسد) التي لا تريد التورط مباشرة في لعبة البزنس والسمسرة، فكان أن أوكلت ذلك إلى «العبقري» الشاب مطمئنة إلى عجزه عن «اللعب بذيله» مع العائلة كما يحدث في دول أخرى، إذ يمكن بكل بساطة أن يقضي «منتحرا» إذا تورط فيما لا تحب القيادة، أو حتى غدا عبئا عليها كما حصل مع آخرين كثر في عوالم الأمن والسياسة.

قبل أسابيع، أطلّ رامي مخلوف، ربما للمرة الأولى في مقابلة نادرة مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وقال ما لا يستطيع الرئيس أو أحد أفراد العائلة «الحاكمة» قوله.

وقد قلنا الحاكمة لأن الحكم في سوريا ليس جمهوريا من الناحية العملية، بدليل أن أحدا لم يساوره الشك عشية مرض الرئيس الراحل حافظ الأسد بخاصة بعد موت شقيقه باسل في أن الدكتور بشار سيكون الوريث، حيث جرى تغيير الدستور من أجله خلال ساعات.

رامي مخلوف ساوم أمريكا والغرب، وبالضرورة الدولة العبرية معتبرا أن أمن سوريا من أمن «إسرائيل»، ومؤكدا بأن النظام سيقاتل حتى النهاية، أما هذه المرة، فقد ذهب مذهبا آخر، إذ خرج يساوم الشعب السوري على السكوت والطاعة من خلال وعود بالعطايا المالية، وربما الاكتفاء بما تم نهبه!!

بحسب التلفزيون السوري، لن يشارك رامي مخلوف في أية مشاريع تجارية جديدة تدر عليه الربح (يا للقناعة!!)، وسيتفرغ للأعمال الخيرية، وبحسب الوكالة العربية السورية للأنباء، فقد قال مخلوف إنه سيعرض حصة 40 في المائة من «سيرياتل» في اكتتاب عام أولي، وأن حصيلة الاكتتاب ستخصص للأعمال الإنسانية والخيرية. وفي خبر آخر (يبدو أنه الأصح) قال إنه سيخصص أرباح حصته في الشركة (40 في المئة منها) للأعمال الخيرية والإنسانية، وأنه لن يقبل بأن يكون «عبئا على سوريا ولا على شعبها ورئيسها بعد اليوم».

تؤكد هذه اللعبة الجديدة على أن الرجل لم يحصل على ملياراته بطرق مشروعة، ولا يُعتقد أن عاقلا في سوريا يقتنع بذلك، لكنها تعبر من زاوية أخرى عن شعور النظام بالضعف أمام حركة الاحتجاج الشعبي المتنامية، أما الأهم فتتمثل في المسارات العبثية التي يسلكها النظام في استيعاب حركة الاحتجاج، الأمر الذي يؤكد أن فكرة الإصلاح بمضمونها الحقيقي ليست واردة في برنامجه.

في المقابل لم يعد الشعب السوري ينتظر صدقات نظامه «الإصلاحية»، ولا عطايا تاجره المدلل (رامي مخلوف) المالية والخيرية، فقد خرج إلى الشوارع، ولن يعود قبل أن يحقق الحرية التي دفع من أجلها 1400 شهيد إلى الآن (لا تسل عن المعتقلين والمعذبين)، وهو جاهز ليدفع أضعاف هذا الرقم خلال المرحلة المقبلة.

=================

الحالة السورية وإدمان الحل الأمني

السبت, 18 يونيو 2011

أكرم البني *

الحياة

هو ليس مشهداً فريداً في التاريخ أن تفضي المصالح الأنانية والضيقة للنخب الحاكمة الى انهيارات مروعة، وهو ليس حدثاً نادراً أن يرفض المتنفذون وأصحاب الامتيازات تقديم بعض التنازلات أو إجراء تحولات جدية في علاقتهم مع الدولة والمجتمع، وأن يلجأوا دفاعاً عن مكاسبهم والوضع القائم الى إشاعة أساليب القهر واستباحة كل أشكاله ضد قطاعات واسعة من الشعب في صراع مفتوح، كأنه خيار بين الموت والحياة، من دون تقدير التكلفة أو النتائج.

ما يحصل اليوم في سورية أمر يندرج في إهاب هذه الحقيقة، ولا يحتمل سوى تفسير واحد هو تصميم السلطة على إجهاض الحراك الشعبي بالعنف والإكراه، وتالياً قمع الأصوات المطالبة بالانفتاح والحرية، ربما لتثبت لنفسها قبل الآخرين أن موقعها المسيطر وهيبتها السياسية لم يصابا بأي تراجع أو أذى! وفيما يستمر النهج الوصائي والاقصائي ويصدح خطاب إعلامي هجومي يفيض بالاتهامات، تذهب أدراج الرياح كل الدعوات لإيجاد حلول سياسية، كفيلة وحدها بامتصاص الاحتقانات وتحويل العلاج من مجرد إجراءات أمنية إسعافية إلى خطوات وخطط تزيل الأسباب المفجرة للأزمات! كأن المقصود تأكيد فرضية روّج البعض لها منذ بداية الأزمة ومع بدء موجة الوعود بأن ليس ثمة حوار أو إصلاح، وبأن الحل الأمني هو سيد الموقف، وليس من طريق أمام السلطة لتأكيد سلطانها سوى إعادة زرع الخوف والرعب التقليدي في المجتمع.

والخيار الأمني عادة متأصلة في التاريخ السياسي السوري، أصابت أصحابه بما يشبه الإدمان، ربما بسبب البنية التكوينية لهذا النوع من الأنظمة التي استندت تاريخياً إلى مفهوم الدولة الأمنية فخنقت الفضاء السياسي والثقافي وتدخلت في أدق تفاصيل الحياة، أو لأنها تتحسب كثيراً من الانفتاح وتتردد في القيام بأية مبادرة سياسية جدية لتخفيف حدة الاحتقانات، إما عن ضعف وعجز مزمن في قدرتها على تعديل طرائق الهيمنة، أو ربما لأنها اعتادت منطق القوة ولديها وفرة من التجارب التي تعزز ثقتها بأن العمل المجدي لدوام السيطرة ليس الاستجابة لمطالب الناس بل الاستمرار في إرهابهم وشل دورهم، وما يشجعها أكثر النتائج التي أسفر عنها قمع المعارضة الإيرانية، وأيضاً دور القوة أو التهديد بها في تأخير التحولات في ليبيا واليمن والبحرين وغيرها! أو ربما بسبب قوة لوبي الفساد وتشبث واعٍ بمصالح وامتيازات لا يريد أصحابها التنازل عنها أو عن بعضها حتى لو كان الطوفان، أو لعل الأمر سوء تقدير وتضخيم للذات والاعتقاد بأن ما كرسته من قوى أمنية تشكل مدماكاً راسخاً لا يمكن بأي حال زعزعته!

وثمة من يجد السبب في تنوع الاجتهادات الأمنية وتحررها من المسؤولية، وكأن ما يجري من عنف شديد هو أشبه بأفعال اعتباطية ناجمة عن اختلاف أدوار الأجهزة ومراكز القوى في التعامل مع الحراك الشعبي، وكأنها تتسابق في إرهاب المجتمع ولا تجد وسيلة لفرض هيبتها سوى مظاهر قسوتها.

هو ضرب من الضياع والتوغل في المجهول الاعتقاد بأن الأساليب القمعية التي أثبتت فعاليتها ولنعترف في الماضي، يمكن أن تكون فعالة أو مجدية اليوم، ففي ذلك تنكر لشمولية الأزمة الراهنة وحدتها وتجاهل ما حصل من مستجدات إقليمية وعالمية، بخاصة إدراك عمق هذه التحركات الشعبية وحيويتها، ووعي اللحظة الراهنة التي يطرق فيها التغيير الديموقراطي أبواب العرب ويفضي إلى تبدل جوهري في أنماط التفكير وطابع التفاعلات السياسية بين الناس وعزمها على أخذ قضيتها بيدها.

ولنسأل ما جدوى الحل الأمني إن عجز عن إخماد جذوة الانتفاضة في المدن والمناطق التي تعرضت للحصار والتنكيل؟ حيث عادت الناس الى التظاهر والاحتجاج فور انحسار الضغط الأمني والعسكري، فالقمع على شدّته لم يستطع إخافة المواطنين، بل أظهر معادلة جديدة، أنه كلما أوغل العنف ارتفع سقف المطالب واتسعت حركة الاحتجاجات، بخاصة أن المحتجين الذين أزاحوا عن صدورهم بعبع الخوف، ويستمدون الحيوية والأمل من نجاح الثورات الأخرى، يعتقدون بما يشبه اليقين بأن التراجع سيقود إلى وضع أكثر سوءاً ومكابدة، ويدركون أن الزمن يسير لمصلحتهم، وأن إصرارهم على رغم التضحيات الكبيرة، على استمرار التظاهرات والاحتجاجات حتى وإن لم تحقق حسماً، سيذهب بالخيار الأمني إلى الفشل، ويفتح الآفاق على معالجات من نوع آخر، وما يزيد من فرصتهم تنامي ردود الفعل السياسية والإعلامية واتساع الإدانات العالمية ضد استمرار القمع والتنكيل، وتحديداً إن حافظت التحركات على وجهها السلمي وحاصرت ما قد يشوبها من اندفاعات عنفية مسلحة ومرفوضة.

ما سبق يفقد أصحاب الخيار الأمني الكثير من تماسكهم ويضعهم في دوامة مأزق، أحد تجلياته تكريس أسباب الأزمة وانكشاف هشاشة تبريراتهم وزيف ذرائعهم لتسويغ القمع، وكلمة انكشاف لا تعني ظهور أمر مجهول بقدر ما تعني انهيار القدرة السياسية على التغطية والتمويه، لتبدو الأحاديث عن متآمرين ومندسين يرتبطون بأجندة خارجية، وعن عصابات مسلحة تعيث فساداً، أشبه بذرائع لتبرير العنف والأعمال العسكرية، وأن ما يثار عن وعود إصلاحية وعن مشاريع للحوار، ما هي إلا وسائل غايتها تغطية الخيار الأمني، وامتصاص ردود الأفعال المحتملة، مثلما الحال في العزف على وتر التحذير من خطورة تغيير الأوضاع والتهويل بأنه الخيار الأسوأ أمام احتمال فوضى لا تبقي ولا تذر أو حضور تيار إسلامي متشدد يتحين الفرصة للانقضاض على السلطة والمجتمع وفرض أجندته!

والحال، ليس أمراً عادياً أن تواجه سلطة شمولية تعتبر نفسها كلية القدرة والجبروت، وبتواتر زمني قصير، هذا الحجم من التحرك الشعبي المناهض، وليس أمراً مألوفاً أن تصل البلاد الى أزمة تتطلب زج الجيش لضبطها، وتعجز مختلف المحاولات الأمنية لتجاوزها أو التخفيف منها. ومع أن معظم الأنظمة الشمولية تنازلت عن بعض مصالحها وامتيازاتها واستجابت للاستحقاق الديموقراطي وسارعت الى تأهيل نفسها لعلاقة جديدة مع المجتمع، فإن جوهر المعضلة في الحالة السورية هو إدمان الخيار الأمني، وتالياً تمنع متعمد عن تغيير منطق القوة الذي جرى استخدامه لسنوات طويلة وأخضع الجميع به، يعززه تنامي المخاوف من أن زمام المبادرة، في حال تقدم المسار السياسي قد يفلت من اليد، وتكرسه ظواهر الارتباك والاضطراب في التعامل مع قطاعات واسعة من الشباب السوري أيقظتها رياح التغيير.

فهل تنجح التحركات الشعبية في تفكيك الطرائق الأمنية القديمة التي تدار بها الأزمات وأورثتنا ما نكابده من تأزم وفشل وإحباط، أم يفتح الإصرار على ذهنية الماضي أبواب البلاد على المجهول، وأوضح ما فيه، انفلاش الصراعات على غير هدى، واستدراج العزلة والحصار والتدخلات الخارجية، والأهم ما سيتكبده النسيج المجتمعي ومستقبل الأجيال من أضرار فادحة لا تعوض.

* كاتب سوري

=================

إيران والحدث السوري

محمد جميح

الشرق الاوسط

18-6-2011

فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على الكثير من المسؤولين والكيانات الإدارية في النظام السوري، بينهم ماهر، الشقيق الأصغر للرئيس السوري، بشار الأسد، كما قامت دول الاتحاد الأوروبي بإجراءات مماثلة.

وتستهدف هذه العقوبات التي فرضها الأميركيون بسبب «انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا»، ماهر الأسد، المسؤول في الجيش السوري، إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات، علي مملوك، وعاطف نجيب، رئيس الاستخبارات السابق في محافظة درعا، مهد الحركة الاحتجاجية على النظام السوري. وتستهدف العقوبات أيضا أجهزة الاستخبارات السورية، وكذلك «فيلق القدس»، وهو وحدة النخبة في حرس الثورة الإيرانية، الذي يُتهم بتقديم مساعدة للحكومة السورية لممارسة قمع دموي ضد المتظاهرين. اللافت للنظر في قائمة المشمولين بالعقوبات أعلاه ورود اسم «فيلق القدس»، وهو الذراع العسكرية للحرس الثوري الإيراني في الخارج، حيث تفيد تقارير استخباراتية غربية وشهادات من داخل سوريا بضلوع هذا الكيان الأجنبي الإيراني في ممارسات قمعية ضد الشعب العربي السوري. البريطانيون بدورهم اتهموا إيران بمساعدة النظام السوري في قمع المحتجين، على لسان وزير الخارجية، ويليام هيغ. إيران نفت بالطبع، كما نفت من قبل، أي علاقة لها بجيش المهدي وفرق الموت الشيعية في العراق، التي قتلت مئات آلاف العراقيين من قبل، والنفي في الحالة الإيرانية دليل إثبات.

لم يعد من قبيل إذاعة الأسرار أن تنسيقا على أعلى المستويات جرى ويجري بين الاستخبارات السورية و«فيلق القدس» الإيراني، بالإضافة إلى حزب الله، لعدة أغراض. ولعل ما تم التوصل إليه خلال تحقيقات في البحرين والكويت مع عناصر مرتبطة بالحرس الثوري تشير إلى تدريب تلقته هذه العناصر بتسهيلات سورية، إما في إيران، أو داخل معسكرات تدريب داخل الأراضي السورية يشرف عليها مدربون إيرانيون يتقنون اللغة العربية.

يذكّرنا ذلك بالدعم والتسهيلات التي تلقاها الحوثيون في اليمن من قبل السوريين لتسهيل مهام تدريبهم في معسكرات الحرس الثوري؛ حيث كانت تلك العناصر تسافر إلى سوريا حتى لا يشك اليمنيون في وجهة سفرها، ومن ثم تلتقي هناك بمن يهيئ لهم أوراق سفر إيرانية يكملون بها رحلتهم إلى إيران لتلقي التدريب الكافي على عمليات صناعة المتفجرات وزراعتها، والتدريب على حروب العصابات خلال معاركهم العبثية ضد اليمنيين.

وبعد استكمال المهمة، كانوا يعودون إلى سوريا لأخذ جوازات سفرهم والعودة إلى اليمن دون أي شبهة أمنية حول زياراتهم إلى معسكرات حرس آيات الله. وإذا ما عرفنا أن هناك استثمارات إيرانية ضخمة في سوريا في مجالات كثيرة، فإن هذه الاستثمارات تعود في جزء كبير منها لمؤسسات تابعة في الأصل للحرس الثوري الإيراني، كما أن الزيارات المتوالية لمسؤولين من الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا تصب في ذات الاتجاه (ومنها زيارة اللواء قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري إلى دمشق، التي صبت في مجرى تقديم الدعم اللوجيستي والاستخباراتي لمطاردة قادة الثورة السورية).

يترافق ذلك مع ما تشنه الماكينة الإعلامية الإيرانية، عبر قناتي «المنار» و«العالم» وغيرهما لتشويه صورة الشعب العربي السوري، وربطها بالأميركيين والإسرائيليين، وكأن النظام السوري في حالة حرب مستمرة لا تنقطع مع الأميركيين والإسرائيليين. والحقيقة أن السياسة الإيرانية سعت بشكل ذكي للسيطرة على توجهات القرار السوري، مستغلة وجود نظام طائفي في ثوب علماني وقف مع إيران في حربها ضد العراق، على الرغم من انتمائه إلى حزب البعث القومي العربي، كما استغلت إيران حالة الحصار على سوريا، مما أتاح لها إقامة شبكة من المشاريع الاستثمارية التابعة مباشرة لمؤسسات الحرس الثوري، توافق ذلك مع تقارير تشير إلى بناء عدد من الحوزات العلمية على الطريقة الإيرانية في دمشق وغيرها من المدن السورية، مع محاولات استغلال الظروف الاقتصادية لنشر التشيع، في نسخته الإيرانية، بين الطبقات الفقيرة من السوريين. وبذا تحاول إيران أن تستكمل طوقها الممتد من بغداد (عاصمة العباسيين) إلى دمشق (عاصمة الأمويين) مع تعريجة على مرابع تلاميذ طهران الجدد في اليمن.

«فيلق القدس» إذن ضالع في جرائم الإبادة ضد الشعب العربي في سوريا، تلك حقيقة صادمة لجمهور من المغفلين الذين عاشوا ردحا من الزمن يعولون على القوة الإيرانية «نصيرة الشعوب العربية»، كما أن تلك الحقيقة تشكل صدمة للذين انخدعوا بالخطابات المعسولة لآية الله خامنئي والرئيس نجاد في دعم ثورات الشعوب العربية المظلومة، حسب الخطاب الإعلامي الإيراني، الذي يردد كثيرا من كلمات الحق العربي، التي يراد بها باطل إيراني كثير. قال لي مسؤول في المعارضة الإيرانية إن قادة النظام في إيران يتميزون غيظا عندما يسمعون السوريين يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام»، وكأن الشعار موجه ضد نظامهم، لأنهم يشعرون أن نجاح ثورة السوريين سيحدث فتحة كبيرة في السور الإيراني، الذي يحاول نظام طهران مده بين جبل عامل في لبنان وجبال صعدة في اليمن.

* كاتب وأكاديمي يمني

=================

لا عودة إلى الوضع السابق في سوريا

هيلاري كلنتون

الشرق الاوسط

18-6-2011

مع استمرار القمع العنيف في سوريا أظهر الرئيس الأسد أن اهتمامه بالتشبث بسلطته أكثر من اهتمامه بشعبه.

لقد انضم المجتمع الدولي إلى السوريين في حزنهم على موت الكثيرين من الناس الأبرياء بمن فيهم الصبي البالغ من العمر 13 عاما الذي عذب بوحشية وشوه. فقد بلغ عدد القتلى منذ بدء الاحتجاجات ما يقدر بنحو ألف وثلاثمائة سوري. وتم حبس عدة آلاف وتعرضوا لسوء المعاملة. وطوقت قوات الأمن السورية المجتمعات الأهلية وقطعت عنها الكهرباء والاتصالات والإنترنت. وتباطأ النشاط الاقتصادي وأصبحت البلاد تعاني عزلة متزايدة، بينما يتزايد شعور المواطنين بالإحباط وخيبة الأمل يوميا.

وقد ردد الرئيس أوباما في خطابه الذي ألقاه يوم 19 مايو (أيار) مطالب المتظاهرين الأساسية المشروعة، وهي أن على حكومة الأسد أن تكف عن إطلاق النار على المتظاهرين، وأن تسمح بالاحتجاج السلمي، وتطلق سراح السجناء السياسيين، وأن تتوقف عن الاعتقالات المجحفة، وتمكن العاملين على رصد الحقوق الإنسانية من الوصول، وأن تبدأ حوارا شاملا لدفع عجلة التقدم إلى التحول الديمقراطي. وبإمكان الرئيس الأسد أن يختار إما أن يقود عملية الانتقال وإما أن يتنحى ويخلي لها السبيل.

ومن الواضح بشكل متزايد أن الرئيس الأسد قد اتخذ خياره. ولكن بينما قد يمكنه استمرار الوحشية من تأخير التغيير الجاري في سوريا، إلا أنه لن يعكسه عن مجراه.

إن علينا في الوقت الذي يستجيب فيه جيران سوريا والمجتمع الدولي لهذه الأزمة، أن نسترشد بالإجابات عن عدد من التساؤلات المهمة وهي: لماذا ثارت؟ وما الذي تكشفه التدابير الصارمة عن الرئيس الأسد ونظامه؟ وإلى أين تتجه سوريا من هنا؟

أولا، ينبغي ألا يكون هناك أي شكل في طبيعة الاحتجاجات في سوريا، فأبناء الشعب السوري، شأنهم شأن التونسيين والمصريين والليبيين وغيرهم من أبناء الشعوب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يطالبون بحقوقهم العالمية التي طال حرمانهم منها ويرفضون حكومة تحكم من خلال الترهيب وتبدد مواهبهم عن طريق الفساد وتحرمهم من شرف أن يكون لهم صوت في تقرير مصيرهم. وهم يعملون على تنظيم أنفسهم بما في ذلك تشكيل لجان التنسيق المحلية ويرفضون التراجع والتنازل حتى في وجه العنف المتفجر.

وإذا كان الرئيس الأسد يعتقد أن الاحتجاجات هي من عمل محرضين من الخارج - كما ادعت حكومته - فإنه على خطأ. صحيح أن بعض الجنود السوريين قتلوا، ونحن نأسف لفقدان أرواحهم أيضا. لكن الأكثرية الساحقة من الإصابات والضحايا كانت بين المدنيين العزل من السلاح. ويسعى النظام من خلال استمراره في منع دخول الصحافيين الأجانب والمراقبين إلى إخفاء هذه الحقائق.

ثانيا، إن الرئيس الأسد يظهر وجهه الحقيقي من خلال تبنيه الأساليب القمعية التي تقوم بها حليفته إيران ويضع سوريا على مسار يحولها إلى دولة منبوذة.

إن الرئيس الأسد من خلال تبعيته لإيران، إنما يضع نفسه ونظامه في الجانب الخاطئ من التاريخ. إنه سوف يدرك أن الشرعية تنبثق من رضاء الشعب ولا يمكن أن تتحقق من خلال الرصاص والهراوات.

لقد أدت حملة القمع العنيفة التي يمارسها الرئيس الأسد إلى تقويض مزاعمه بأن يكون مصلحا. لقد قدم التعهدات والوعود لسنوات، ولكن كل ما يهم الآن هو أفعاله. إن أي خطاب، مهما صفق له بإخلاص المدافعون عن النظام، لن يغير من حقيقة أن أبناء الشعب السوري لم تتح لهم الفرصة أبدا لانتخاب قادتهم بحرية على الرغم مما قيل لهم بأنهم يعيشون في جمهورية. إن هؤلاء المواطنين يريدون رؤية انتقال حقيقي إلى الديمقراطية ويريدون حكومة تحترم حقوقهم العالمية وتطلعاتهم.

فإذا كان الرئيس الأسد يعتقد أنه يستطيع المضي في ما يقوم به دون عقاب لأن المجتمع الدولي يأمل في تعاونه في القضايا الأخرى، فهو أيضا مخطئ في هذا. ومن المؤكد أنه يمكن الاستغناء عنه وعن نظامه.

وقد تستطيع دولة سوريا أن تنعم بالوحدة والديمقراطية والتعددية وأن تلعب دورا إيجابيا ورائدا في المنطقة، ولكن سوريا في ظل الرئيس الأسد أصبحت مصدر زعزعة للاستقرار بصورة مطردة. فتدفق اللاجئين على تركيا ولبنان، وإذكاء التوترات في الجولان هما برهان يبدد التصور بأن النظام قلعة من الاستقرار الإقليمي يجب صونها.

أخيرا، إن الجواب على أهم تلك الأسئلة - ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل سوريا؟ هو جواب يزداد وضوحا: إنه لا رجعة في ذلك.

لقد أدرك السوريون أن ممارسة العنف تعتبر دليل ضعف من جانب نظام يحكم بقوة الإكراه والقسر، لا بالرضا والموافقة. وبالتالي فقد تغلب الشعب السوري على مخاوفه وهز دعائم هذا النظام المستبد.

إن سوريا تتجه نحو نظام سياسي جديد والشعب السوري هو الذي يجب أن يصوغ هذا النظام. ومن حق هذا الشعب أن يصر على المحاسبة، ولكن ينبغي عليه أن ينأى بنفسه عن أي إغراء بالاقتصاص أو الانتقام مما قد يقسم البلد، بل أن يتكاتف بدلا من ذلك لبناء سوريا ديمقراطية تنعم بالسلام والتسامح.

وبعد اعتبار الأجوبة عن كل هذه الأسئلة، فإن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب السوري وحقوقه العالمية. ونحن نشجب تجاهل نظام حكم الأسد لإرادة مواطنيه والتدخل الماكر لنظام الحكم الإيراني.

لقد فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على كبار المسؤولين السوريين، بمن فيهم الرئيس الأسد. ونحن نستهدف بعناية قادة حملة القمع والبطش وليس الشعب السوري. وقد رحبنا بقرارات الاتحاد الأوروبي فرض عقوباته الخاصة وقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الشروع في تحقيق في الانتهاكات والإساءات. وسوف تواصل الولايات المتحدة التنسيق عن كثب مع شركائنا في المنطقة وحول العالم لتكثيف الضغط على نظام حكم الأسد وعزله أكثر فأكثر.

ولن يكف الشعب السوري عن المطالبة بالكرامة وبمستقبل متحرر من الترهيب والخوف. إنه يستحق حكومة تحترم شعبها وتعمل على بناء وطن أكثر استقرارا ورخاء، ولا تضطر إلى التعويل على القمع في الداخل والنعرة المعادية في الخارج لتحكم قبضتها على السلطة. إن الشعب السوري يستحق وطنا يكون موحدا وديمقراطيا وقوة إلى جانب الاستقرار والتقدم. وهذا أمر حميد لسوريا وحميد للمنطقة وحميد للعالم أجمع.

* وزيرة الخارجية الأميركية

====================

مذكرات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك (4)

لم يبق شيء من الآمال المعلقة على انفتاح بشار وإصلاحاته

 باريس القبس

18-6-2011

صدر الجزء الثاني من مذكرات الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك تحت عنوان «الزمن الرئاسي» وتنشره دار «نيل» ويقع في 607 صفحات تختزل أكثرمن عقد من الزمن.

وتتحدث عن المراحل التي عايشها شيراك في قلب مركز القرار وأحيانا في قلب صناعته.

 تنشر الاقسام المتعلقة بالشرق الأوسط وتهم القارئ العربي، مثل العلاقة بين عرفات وشيراك، وكذلك العلاقة مع حافظ الأسد، وقول الاخير للرئيس الفرنسي «إن بشار مثل ابنك»، مرورا بالحرب الاميركية ضد العراق وتصدي شيراك لها، وصولا إلى اغتيال الحريري.

بعيد مغادرتي الى الاردن علمت ان السلطات الاسرائيلية قررت، وفقا للصيغة الرسمية، تشديد الحصار على الاراضي الفلسطينية خوفا من حصول اعتداءات انتحارية.

ارتقى العرش سنة 1952 كان عمر الملك حسين 61 سنة، وبعد 47 سنة من الحكم من دون انقطاع كان ملك الاردن اقدم رئيس دولة عربية، وواحدا من الاكثر احتراما في العالم، تمكن من القضاء على اصعب المحن الهزيمة العسكرية، الاعتداءات، المؤامرات ونجح بجعل المملكة الصغيرة لاعبا مركزيا ومؤثرا في تاريخ الشرق الاوسط.

ان الوضع الجيوسياسي للاردن ليس السبب الوحيد الذي منحه السلطة التي اعطاها للمملكة، وكان لهذه المملكة الهشة والاصطناعية ان تمزق تحت ضغط الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لو انها لم تتمتع بالشجاعة والذكاء السياسي لملكها الثاقب النظر.

صغير الحجم. الملك حسين لا يفرض نفسه بقامته الممشوقة، ما اذهلني دائما عندما كنت اراقبه هو السحر الاستثنائي الذي كان ينبثق عنه والذي كان يؤثر في كل زواره.

كان الملك حسين يصغي بانتباه الى كل ما يقال له، وكان يرد بصوت عذب يكاد يكون خجولا، ويساهم هذا الصوت بالهالة الخاصة التي كانت تحيط به.

كان انفتاحه الذهني وصدره الرحب مع ذكائه سمة تدفعه الى تفضيل التعاطي العقلاني مع المشاكل او المسائل.

استفزاز الملك

وكان هذا الملك الذي يبدو متسامحا وسمحا صعب المراس اذا ما كانت مصلحة بلده تقتضي ذلك، وبعد ان تمكن من ابعاد المخاطر التي تهدد المملكة حرص على توفير استقرارها، وهو ضروري لاستقرار الشرق الاوسط برمته. وهذا السبب دفعه لتوقيع معاهدة السلام مع اسرائيل عام 1994.

والملك الذي يستقبلني اليوم في قصره في عمان، يتساءل حول إمكانات الحفاظ على هذه المعاهدة، التي يتمنى مثلي الإبقاء عليها، أسر لي مخاوفه وقلقه على مستقبل عملية السلام الشامل. واجبته بأن الأردن الذي لديه علاقات جيدة مع كل الأطراف يشكل ورقة رابحة لا يمكن استبدالها. وأضفت أن تجربته الشخصية واعتداله وحس التسوية لديه تشكل مزايا هي مفيدة أكثر من أي وقت مضى في الظروف الجديدة.

سرطان الرئة

وفي نهاية اللقاء تساءلت عما إذا كانت صحته ستمنحه الوقت الكافي لمواجهة هذا التحدي الكبير. وكانت آخر مرة التقيت فيها الملك حسين في أغسطس 1992، عندما علمت أنه مصاب بسرطان الرئة. وبعدها خضع لعملية جراحية في المستشفى الأميركي، وبدا لي الرجل أنه هرم بشكل مبكر. بعيداً عن صوره، وهو شاب، والتي تزين المراكز الحكومية في بلاده.

 

محطة بيروت

بيروت شكلت المحطة ما قبل الأخيرة في جولتي الشرق أوسطية. وسبق لي أن قمت بزيارتها رسمياً في أبريل 1996 قبل إطلاق العملية العسكرية الإسرائيلية ضد مواقع حزب الله في جنوب لبنان. وإقامتي السريعة في بيروت لأربع وعشرين ساعة كانت تهدف إلى التعبير للشعب اللبناني عن تضامن ودعم فرنسا في المرحلة الجديدة من التوترات التي يمر بها. ومعظم الشخصيات التي التقيتها أعربت لي عن تخليها عن الأمل في تحقيق السلام على المدى القريب. فهي تعتبر أن سياسة نتانياهو ستؤدي إلى الحائط المسدود. وكان مما يزيد من شحوبها أنها كانت تعتمد على السلام تحديداً لتشجيع إعادة الإعمار التي بدأها رفيق الحريري رئيس الوزراء بمهارة ويد معلم. منذ وصوله إلى السلطة في أكتوبر 1992 استطاع رجل الأعمال هذا، صاحب الوجه البشوش، أن يفرض نفسه كرجل دولة، وهذه المسألة لم تتم من دون دفع رجال السياسة التقليديين. ونجح بذكاء تكتيكي أن يجمع حوله عدداً من مكونات الأمة المستعدة دائماً للانقسام، بسبب موازين القوة الطائفية الخاضعة لتأثير الجيران الأقوياء. بانتظار أن يستعيد استقلاله وسيادته وجد لبنان في شخص رفيق الحريري قائداً ينتظره منذ زمن طويل ، رجل الإصلاح الذي وضع في خدمة بلاده كل الطاقات والطموحات التي مكنته من تشييد مؤسسة التجارة والمالية. لقد التقيت به لأول مرة في منتصف الثمانينات بمناسبة معرض سعودي في باريس. وقد جاء إلى قصر بلدية العاصمة، ليقدم لي مشروع المعرض الذي كلفه به ولي العهد السعودي الأمير فهد، وكان قد أصبح واحداً من أكبر المقاولين في المملكة، وسريعاً أن نشأت بيننا صداقة. ولم اعتد خلال حياتي أن أعاشر رؤساء المؤسسات الاقتصادية الكبرى، ولكنني كنت بشكل خاص أنشد دائماً إلى العصاميين منهم، وانطلقوا من لا شيء تقريباً، ولا يدينون بجهودهم الاجتماعي الا لذكائهم وارادتهم وديناميتهم. وهذا واحد من الاسباب التي تجعلني أحترم واعطف على رفيق الحريري، اضافة الى الروابط القوية التي نشأت بيننا وبين اسرتينا.

 

مثال رفيق الحريري

بالنسبة الى لبنان، رفيق الحريري سمح لي بتكوين رؤية كاملة وصحيحة عن التنوع الاجتماعي، الديني والثقافي، الذي يصهر هوية هذا البلد المعقد للغاية. وكونه من الطائفية السنية، فانه مكنني من فهم الضرورة لفرنسا بان تأخذ بالاعتبار كل التيارات والحساسيات، أكانت مسيحية او مسلمة، والا تكتفي فقط بالذين تشعر بانهم مقربون منها سياسيا او روحيا. وقد اعطى رفيق الحريري مثالا جميلا عن التسامح قبل ان يصل الى السلطة من خلال تمويل دراسة ثلاثين الف طالب لبناني من مختلف الطوائف من دون تمييز. ودعاني الى تقاسم هذه الفكرة الموجودة لديه عن لبنان.

 

محطة القاهرة

في الخامس والعشرين من اكتوبر، توقفت في مطار القاهرة للقاء الرئيس السابق حسني مبارك قبل العودة الى باريس. بعد عدة أشهر من وضعي اسس السياسة العربية والمتوسطية لفرنسا، أعربت عن رغبتي في ان انهي جولتي الشرق أوسطية، وهي الأطول لرئيس فرنسي في العاصمة المصرية. اكبر جدارة واستحقاق لحسني مبارك - برأيي - انه ابقى على عملية السلام والانفتاح، الذي بدأه انور السادات تجاه اسرائيل. وهذه السياسة اصبحت اكثر صعوبة، لانه تعيّن عليه ان يواجه الاسلاميين الراديكاليين، وكان سلفه ضحيتهم. وفي الوقت ذاته بقيت مصر تشكل الدعم الحقيقي للفلسطينيين في المنطقة. وهنا تكمن اسباب التفاهم والتقارب بين بلدينا اللذين أصبحا بشكل ما الوسيط الضروري للقضية ذاتها والامل ذاته.

 

حافظ الأسد لشيراك: بشار مثل ابنك

{بشار ابني وعليك ان تتعامل معه كذلك}، قال لي الرئيس حافظ الأسد قبل وفاته في يونيو 2000، الرئيس السوري الذي حرص على اقامة علاقات جيدة معي نظرا لوزن فرنسا في المنطقة ولتأثيرها في لبنان، كان حريصا، بشكل واضح، على اعطاء خلفه، الذي لم تكن لديه التجربة الكافية، نوعا من الوصي.

خلال زيارته الرسمية الى باريس في السنة التالية قال لي بشار الأسد بدوره «تعرفون ان والدي كان يعتبر انه يجب ان اكون مثل ابنكم وارغب في ان تكون بيننا روابط من هذا النوع، ولكن هذه النوايا لم تدم وقتاً طويلاً، وبدا لي بسرعة أنني لا أجد في بشار الأسد نوعية العلاقات، التي أقمتها مع والده منذ لقائنا في دمشق سنة 1996 ، والتي تأكدت معه بعد سنتين لدى استقبالي له في باريس.

 

رجل يحترم كلامه

لقد ولد حافظ الأسد لدي دائماً، وبالرغم من عناده وقساوته وعدم القدرة على الإحاطة به، الانطباع بأنه رجل يحترم كلامه ومخلص في رغبته في الحوار مع فرنسا، متمسك بعظمة سوريا، وبمصير الأمة العربية، كان يعتمد على دعم فرنسا لمساعدته على وضع حد، من خلال احترام الاتفاقات الموجودة، لنصف قرن من النزاع مع إسرائيل. حافظ الأسد فهم أن بلدنا يقف إلى جانب الذين يبحثون عن إقامة السلام الشامل والدائم والعادل، وهذا لا يمكن الحصول عليه إلا إذا أوفت الأطراف المعنية التزاماتها بدقة، وقد ذكرت بها الرئيس الأسد مثلما ذكرت السلطات الإسرائيلية ما أن أتيحت لي الفرصة.

 

إنهاء احتلال لبنان

لا يمكن التوصل إلى تسوية سلمية إلا إذا طبق مبدأ الأرض مقابل السلام على الجولان السوري من دون أدنى شك، وكذلك الأمر بالنسبة للأراضي الفلسطينية ولبنان، الذي يجب أن يستعيد استقلاله وسيادته، وهذا يتطلب أن تحظى إسرائيل بالأمن الكامل، وبحدود معترف بها، هذه الشروط، في نظر فرنسا، لا يمكن فصلها عن بعضها. وبالنسبة للبنان، الذي تتمسك فرنسا بمصيره، فإنها كانت تنتظر في سوريا وإسرائيل احترام وحدة أراضيه ، وأن تنهيا احتلالهما العسكري. باختصار إن انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان يجب أن تتبعه نهاية الوصاية السورية على بقية أراضيه ، والمفروضة منذ عام 1989 وفقاً لاتفاقية الطائف.

 

إميل لحود سطحي

حافظ الأسد، الذي لا يجهل المطلب الفرنسي، حرص، وبذكاء، على استشارتي عام 1998، على اختيار رئيس الجمهورية اللبناني، المقبل طلب مني أن أرسل له خمسة أسماء يختار واحداً منها، ووضعت اسم العماد أميل لحود بينها، والذي كانت سمعته جيدة وفرضته دمشق، وسريعاً ما تبين أن هذا الاقتراح مؤسف للغاية، فشخصية إميل لحود سطحية، من دون رؤية ولا كاريسما، ولم يكن لديه أي هدف سوى البقاء في السلطة بطريقة تسمح ببقاء الوجود السوري، الذي أصبح الشعب يرفضه رويداً رويداً.

 

عودة الحريري

في يونيو حزيران 2000 كنت رئيس الدولة الغربية الوحيدة الذي شارك في مراسم تشييع حافظ الأسد، واتخذت القرار، انطلاقاً من الحرص على الحفاظ على التفاهم مع سوريا، لخدمة قضية السلام في الشرق الأوسط، ولتمكين لبنان من التحرير، وكنت أتقاسم هذا الأمل مع صديقي رفيق الحريري، المسؤول اللبناني، الذي يجسد أكثر من أي شخص آخر ، تطلعات مواطنيه للسيطرة على مصيرهم. في ديسمبر عام 2000 رغم معارضة لحود، عاد الحريري إلى رئاسة الحكومة، مستنداً إلى الوساطة الفرنسية وإلى دعمي الشخصي له لتعزيز وضعه أمام الحكومة السورية، ولمحاولة التوصل إلى حل تشاوري للقضية اللبنانية .

 

تمديد التواجد السوري

في مايو 2001 استغللت قدوم الرئيس اميل لحود الى باريس لألمح امامه بشكل رسمي على ضرورة تطور العلاقات بين دمشق وبيروت باتجاه تحرك اخوي منفتح وتدريجي يأخذ بالاعتبار المصالح المتبادلة. ولكن يومها، وكانت القوات الاسرائيلية قد انسحبت من جنوب لبنان تطبيقا للقرار 425 الصادر عن مجلس الأمن، ويبدو ان السوريين قرروا تمديد تواجدهم العسكري.

 

لا آمال على بشار

وعوض ان يأخذ موقفا توافقيا بدا بشار الأسد مصمما على تشديد قبضته على لبنان الذي يستفيد منه هو والمقربون منه ويستغلون فوائد الاحتلال سياسيا واقتصاديا.

ولم يبق شيئا من الآمال المعلقة على انفتاحه والاصلاحات التي اثارها وصوله الى السلطة حيث بدا كرئيس دولة شاب تقدمي والى جانبه زوجته العصرية.

بشار حاصر نفسه بنظام السلطة واهتم فقط بمصالحه الشخصية والعائلية ومصالح طائفته، و«الابن» المفترض الذي كان حافظ الأسد يخشى على الأرجح من عدم قدراته وضعف شخصيته وطلب مني ان أقود خطواته الأولى وأحيطه بنصائحي، سارع الى الاصغاء فقط الى وجهات نظر الأشخاص الذين لا يعارضون خططه أو الذين لا يبعدونه عن منطق القمع والسيطرة، هذا المنطق الذي يقطع الطريق أمام الأمل بتطور النظام السوري.

عبثا حاولت اقناعه بتليين مواقفه لتسهيل اندماج سوريا في الأسرة الدولية، واذا تمكنت من الحصول على موافقته بمساندة التحرك الفرنسي في الملف العراقي، من خلال الاقتراع على قرار مجلس الأمن رقم 1441 في نوفمبر 2002.

فان بشار الأسد لم يحسن استغلال الفرص التي يقدمها سقوط صدام حسين لسوريا لكي تفرض نفسها كقوة توازن في المنطقة وذلك بالرغم من نصائحي له.

================

إيران والثورة السورية.. نموذج للنفاق السياسي

اخبار الخليج

18-6-2011

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

مثلت انتخابات الرئاسة المثيرة للجدل التي شهدتها إيران في يونيو عام 2009 مرحلة فارقة من مراحل تطور النظام السياسي الإيراني، ولاسيما لجهة الأزمة التي ترتبت عليها بسبب ما شابها من مزاعم تزوير في نتائجها لصالح «محمود أحمدي نجاد» على حساب المرشح الإصلاحي «مير حسين موسوي»، وما أعقبها من اندلاع موجة من الاحتجاجات والتظاهرات المعارضة في المدن الإيرانية من جانب أنصار التيار الإصلاحي، واعتقال العديد من المسؤولين الإصلاحيين، واللجوء إلى العنف ضد المتظاهرين السلميين، وفرض قيود مشددة ضد وسائل الإعلام، ونشطاء المجتمع المدني، ناهيك عن إجراء محاكمات شملت بعض رموز المعارضة وأقربائهم الذين شاركوا في تنظيم الاحتجاجات، ورغم ذلك حاول الإيرانيون عبر حركة الثورة الخضراء استلهام النموذج العربي للمطالبة بإسقاط النظام الإيراني، واحتجاجًا على قيام النظام الإيراني بوضع زعيمي المعارضة «مير حسين موسوي» و«مهدي كروبي» قيد الإقامة الجبرية منتصف فبراير الماضي، وهي الإجراءات التي أثارت التساؤلات بشأن مدى التوافق بين ما انطوت عليه الثورة الإسلامية الإيرانية من مبادئ وبين تطبيقاتها العملية على أرض الواقع.

وإذا كان النظام الإيراني بقيامه برفض المطالب الإصلاحية الداخلية وقمع المتظاهرين والمحتجين على الأوضاع القائمة في إيران في أعقاب الانتخابات الأخيرة، يؤكد ليس فحسب طريقته المعتادة في تعامله مع مواطنيه المطالبين بالحرية والديمقراطية، وإنما يؤكد - أيضًا - وهذا هو الأهم مدى تناقض مواقفه وسياساته في التعامل مع ما يواجهه من أحداث تشهدها المنطقة، وذلك إعلاءً لمصالحه على حساب ما يتبناه من مبادئ.

والشاهد على ذلك مواقف إيران تجاه الاحتجاجات التي شهدها بعض الدول العربية خلال الشهور المنصرمة من العام الجاري؛ حيث لا يمكن القول بوجود موقف إيراني موحد إزاء هذه الاحتجاجات، وإنما هناك مواقف متعددة، نابعة من مصلحة النظام الإيراني مع هذا النظام العربي أو ذاك، وانعكاسات ذلك على إيران سلبًا أو إيجابًا.

ومن منطلق التعامل الإيراني مع التطورات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية على خلفية ما شهدته من موجات احتجاجية على أساس منح الأولوية لمصالحها لا على أساس ثورتها الإسلامية التي تفرض على طهران الالتزام بسقف أيديولوجي معين في سياستها الخارجية، فقد بدا واضحًا تناقض إيران في تعاملها مع تلك الاحتجاجات في العديد من الدول العربية.. ففي حين أبدت طهران دعمًا ملحوظًا للثورة الشعبية ضد النظامين التونسي والمصري، بل اعتبرتها إحدى تجليات ثورتها التي أطاحت بنظام الشاه في عام 1979، وذلك لأنها أطاحت بنظامين منافسين لها على المستوى الإقليمي، وتحديدًا النظام المصري، فقد بدا التأييد الإيراني أكثر وضوحًا في حالة البحرين ووصل إلى درجة التدخل المباشر في تحريك الأحداث التي شهدتها المملكة، مما وضع طهران في حالة مواجهة وأزمة مع دول مجلس التعاون الخليجي، فيما بدا التأييد أقل وضوحًا في الحالتين الليبية واليمنية، أما في حالة الثورة السورية فقد جاء الموقف الإيراني على النقيض تمامًا مقارنة بالحالات السابقة، باتخاذ إيران موقفًا مؤيدًا لنظام الرئيس «الأسد» ومعارضًا بشدة لمطالب التغيير التي نادى بها المتظاهرون السوريون.

وبشكل أكثر تفصيلاً، فقد نظرت إيران إلى الثورتين التونسية والمصرية على أساس أنهما جاءتا اقتداءً بثورتها الإسلامية عام .1979 ولذا، فقد أيدتهما وتضامنت معهما. ورغم الطابع الشعبي الذي ميز الثورة التونسية، فإن إيران حاولت إضفاء الطابع الديني عليها، بما يسمح لها بالتدخل في الشؤون التونسية بعد انهيار النظام السابق الذي كان يعارض المد الثوري الإيراني؛ إذ اعتبر الرئيس «نجاد» الثورة التونسية ثورة إسلامية ضد النظام اللا ديني في تونس، وذلك كله بهدف تحقيق مصالح طهران، والتمكن من لعب دور إقليمي بارز في منطقة شمال افريقيا.

ولدوافع واعتبارات عديدة، ربما يكون من أهمها: موقف مصر التاريخي من الثورة الإسلامية الإيرانية؛ حيث كانت في طليعة دول المنطقة التي تصدت للمد الثوري الإيراني، ولفكرة تصدير الثورة الإسلامية إلى دول الجوار، ورفض إيران توقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل، ووضع مصر كقوة إقليمية كبرى في المنطقة لها دورها المؤثر في سياساتها وفي التصدي لقضاياها، وهي مكانة ودور يجعلان إيران تنظر إلى مصر كقوة منافسة ومناوئة لتوجهات طهران الإقليمية، فضلاً عن رفض مصر التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة، كل ذلك يمكن أن يفسر التأييد الإيراني للثورة المصرية.

وهو ما تجسد في دعوة إيران إلى الامتثال لمطالب المتظاهرين المطالبين بالعدالة، بل اعتبر الخطاب السياسي الإيراني الاحتجاجات المصرية تمثل تكرارًا لنموذج الثورة الإيرانية عام 1979، ولا يمكن مقارنته بتظاهرات عام 2009 ضد تزوير الانتخابات الرئاسية، وأن الثورة المصرية مقدمة لإقامة شرق أوسط إسلامي.

وليس أدل على ما تمارسه إيران من ازدواجية في مواقفها السياسية من أنه في الوقت الذي أيدت فيه الثورتين المصرية والتونسية، فإنها رفضت السماح للمعارضة فيها بتنظيم تظاهرات مؤيدة للثورتين.

وبالنسبة إلى الثورة اليمنية، فرغم مطالبة إيران الحكومة اليمنية بالإحجام عن استخدام العنف واحترام مطالب شعبها، لضمان وحدة البلاد، فقد ذهب بعض المراقبين إلى أن الموقف الإيراني إزاء الثورة اليمنية جاء متخبطًا نظرًا لمراهنة إيران على الحوثيين، غير أن تطور الأحداث جعلها تدرك أن هذه الثورة ثورة شعبية لا تستلهم الثورة الإيرانية.

وإذا كان من الطبيعي والمفهوم تفسير الموقف الإيراني إزاء الثورات المذكورة سلفًا، على اعتبار أنه يأتي كتطبيق لمبدأ تصدير الثورة الإيرانية إلى دول الجوار الإقليمي، وبالتالي من المقبول في إطار هذا التفسير أن تتدخل إيران في تحريك الاحتجاجات داخل البحرين وتؤيد الثورات في كل من مصر وتونس وإلى حد ما في ليبيا واليمن، فإنه من المستغرب - بل من غير المنطقي - بناءً على ما سبق ليس فقط أن تعارض الثورة السورية ضد نظام حكم الرئيس «بشار الأسد»، وإنما أيضًا أن تلجأ في ضوء ما تمتلكه من خبرات سابقة في قمع أي محاولة للثورة فيها، إلى مساعدة هذا النظام على قمع الثورة في بلاده.

فإضافة إلى تبني طهران التفسير الذي طرحته دمشق للتظاهرات التي اجتاحت العديد من المدن السورية، بأنها مستهدفة بسبب مواقفها السياسية ومناهضتها لإسرائيل، وأن ما يجري ما هو إلا محاولة لتصدير الثورات العربية إلى سوريا، رأت إيران أن ما يجري في الأخيرة مؤامرة صهيونية لإسقاط حكومة شعبية وشرعية تعارض إسرائيل وأمريكا بينما تناصر المقاومة ولاسيما «حزب الله»، في حين أن الثورات العربية الأخرى هي انتفاضات عربية ضد الحكام المدعومين من الغرب.

وتطبيقًا لرؤيتها تلك إزاء الثورة السورية، ولمساعدة حليفتها الاستراتيجية على مواجهتها، ساعدت طهران دمشق على تبني واتخاذ إجراءات صارمة ضد المتظاهرين السوريين والمنتقدين لنظام الحكم، وقامت حسب نشطاء سياسيين إيرانيين وسوريين بإرسال ميليشيا الباسيج إلى سوريا، ومساعدة النظام على تعقب نشطاء المعارضة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت مثل الفيس بوك والتويتر، وقامت طهران بنقل أساليب قمع حركة الاحتجاجات التي طبقتها في عام 2009 إلى سوريا. كما كشفت مصادر سورية معارضة عن قيام إيران بإرسال مستشارين ومدربين إلى سوريا لمساعدة السلطات على قمع التظاهرات والاحتجاجات.

هذا الدعم الإيراني للنظام السوري تقف وراءه دوافع وعوامل عدة، لعل من أبرزها: علاقات التحالف الاستراتيجي بين البلدين، التي ترجع بداياتها إلى عام 1979، إثر رفض دمشق اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وقيام دمشق بتكوين ما عرف بجبهة «الصمود والتصدي»، حيث قرر الرئيس السوري الراحل «حافظ الأسد» التوجه إلى إيران بعد قيام الثورة الإسلامية في العام ذاته، ليقيم معها جبهة جديدة ل «الممانعة والمقاومة»، وهو ما كان محل ترحيب من جانب طهران التي وجدت أن الرئيس «الأسد» قدم لها فرصة سانحة لمد نفوذها داخل الدول العربية. وقد نتج عن هذا التحالف تكوين حزب الله في جنوب لبنان عام 1982، الذي تبنى مبدأ ولاية الفقيه ليصبح التحالف ثلاثيا بين إيران وسوريا وحزب الله، وقد زادت علاقة التحالف الاستراتيجي قوة مع تولي الرئيس «بشار الأسد» السلطة عام 2000، بتوقيع دمشق وطهران اتفاقية للتعاون العسكري الاستراتيجي عام .2006

وبناءً عليه استخدمت إيران سوريا لتحقيق طموحات الهيمنة على المنطقة، وذلك عبر الذراع الأخرى لعلاقة التحالف هذه، وهو «حزب الله» اللبناني؛ إذ يلعب الأخير دورا مهما في تحقيق الأهداف الإيرانية في المنطقة.

وعلى ما يبدو، فإن تأييد إيران للنظام السوري يأتي كمحاولة استباقية للحؤول دون نجاح الثورة في هذا البلد، لما قد يترتب على ذلك الأمر من تهديد كبير للمصالح والحسابات الإقليمية الإيرانية في الوقت الذي تواجه فيه تحديات عدة داخليا وخارجيا؛ فسقوط النظام سيترتب عليه فقدان إيران أهم حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة وحلقة الوصل بينها وبين حلفائها، الأمر الذي يقضي على طموحاتها في الهيمنة.

خلاصة القول: إن الموقف الإيراني إزاء الثورة السورية مقارنة بمواقف طهران إزاء الثورات العربية الأخرى يدل على نفاق سياسي؛ ففي الوقت الذي يدعي فيه النظام الإيراني ارتكازه على مبادئ وأسس أيديولوجية نابعة من الثورة الإسلامية، فإن مواقف من هذا القبيل لا تمت بصلة إلى أي مبادئ، وإنما هي مواقف براجماتية تعطي الأولوية للمصالح على حساب المبادئ.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ