ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هكذا تكلَّم الرئيس بشار!
(1-2) جواد البشيتي 2011-06-22 العرب اليوم في "الشكل" من خطابه, عاب عليه بعض
المعارضين الشكليين استمراره في
تجاهُل, أو نَبْذ, فكرة مخاطَبَة الشعب
"مباشَرةً"; فالرئيس بشار الأسد
خاطَب شعبه (و"الهاء" في "شعبه"
أصبحت الآن ضميراً منفصلاً, يزداد
انفصالاً) عَبْر جَمْعٍ (مصطفى ومختار)
من السوريين في جامعة دمشق; فلماذا?. في الإجابة, إيَّاكم أنْ تسيئوا الظن,
وتَزْعموا أنْ ليس للرئيس بشار شعب
خاصٌّ به حتى يَخْطُب فيه; فإنَّ مئات
الآلاف من أعضاء حزب "البعث",
وموظَّفي الدولة بأجهزتها
ومؤسَّساتها ومنشآتها المختلفة, مع
عائلاتهم التي تضمُّ كثيراً من
الأطفال أيضاً, يمكن أنْ يَخْرجوا (أي
يُخْرَجوا) في مسيرات, وأنْ يحتشدوا
ويتجمَّعوا (وبعضهم من رجال الأمن
والعسكريين الذين تَزَيُّوا بالزِّي
المدني) في ميدان فسيح في العاصمة دمشق;
ويمكن, من ثمَّ, أنْ يجيئهم الرئيس بشار
بغتة, ليُلْقي خطاباً فيهم; لكنَّ "الدواعي
والاعتبارات الأمنية الصَّرف" هي
التي تَحُول بينه وبين هذه الزيارة
للشعب الخاص به; ولا تَسْتَصْغِروا حجم
الشرِّ الذي يُضْمِره "المتآمرون",
الآن, للرئيس! أمَّا أنْ يُوجِّه الرئيس بشار خطاباً
إلى الشعب من مكتبه (في القصر الرئاسي)
فهذا اقتراحٌ لا يستحسنه الرئيس نفسه,
ولا شركاؤه في الحكم; فهل يبقى من أهمية
للخطاب (وملقيه) في غياب جمهورٍ (مصطفى
مختار) من المؤيِّدين الذين يهتفون
ويصفِّقون, يَقِفون ويَجْلِسون?! إنَّه اقتراح لا يقترحه إلاَّ كل من
يتوهَّم, أو يريد إيهام غيره, أنَّ
الخطاب بحدِّ ذاته, أو بمضمونه السياسي,
من الأهمية بمكان, فيمكن, من ثمَّ,
الاستغناء عن هذا الجمهور, وتوجيه
الخطاب إلى الشعب من المكتب في القصر. حدَّثَنا الرئيس (وكأنَّه الطبيب يُشخِّص
الداء الذي أصاب الشعب السوري, ليَصِف
الدواء) عن "الجراثيم" وأمراضها
ومخاطرها, وعن "المناعة الداخلية"
للجسم, وأهميتها في إحباط مساعي "الجراثيم",
داعياً إلى تقوية وتعزيز جهاز المناعة
الداخلية لسورية وشعبها, توصُّلاً إلى
إحباط "المؤامرات الخارجية" التي
تستهدفها (والآن أكثر من ذي قبل) وردِّ
كَيْد "المتآمِر الخارجي", مع "جراثيمه"
في الداخل, إلى نحره. إنَّني لستُ من المُنْكرين لوجود مؤامرات
خارجية مع أدوات داخلية لها, ولا من
المُنْكرين لسعي بعض القوى الخارجية (الإقليمية
والدولية) إلى تسيير رياح ما يَحْدُث
في داخل سورية بما تشتهي سفنهم; لكنَّ
كل هذا الفعل أو النشاط التآمري لا
يطمس, ويجب ألاَّ يطمس, حقيقة أنَّ
الشعب السوري هو صاحب الثورة
الديمقراطية السلمية ضدَّ نظام حكم
بشار الأسد; فالمؤامرات الخارجية,
ومهما عَظُمت, تظل قطرة (لجهة حجمها
وتأثيرها) في بحر ثورة الشعب السوري
على الاستبداد. وكيف للمنطق في الحديث, وفي استمرار
الحديث, عن "المؤامرات الخارجية"
ضدَّ "آخر وأهم قلعة للمقاومة
العربية القومية ضدَّ العدو
الإسرائيلي" أنْ يستقيم ما دام
أركان في نظام الحكم السوري
مُقْتَنِعين تماماً بأنَّ لإسرائيل (أو
لهذا العدو القومي الأوَّل) مصلحة
حقيقية واقعية في بقاء نظام الحكم هذا;
لأنَّ ذهابه (أو البديل منه, أو من
الوضع الذي يحرسه ويحافِظ عليه)
يُعرِّض (حتماً) أمنها واستقرارها
للخطر?!. إنَّ زعماء من تلك "القلعة" يقولون
إنَّ في هَدْم هذه "القلعة"
هَدْماً لأمن إسرائيل واستقرارها; فهل
لهم, بعد ذلك, أنْ يشرحوا لنا معنى "المؤامرة
الخارجية" التي تتعرَّض لها سورية
الآن?!. الرئيس بشار, لو كان يملك من المؤهلات
القيادية, والخواص السياسية, ما يسمح
له بإقناع الشعب السوري الثائر عليه
بأنَّ فكرة "الإصلاح (السياسي
والديمقراطي..)" في سورية هي فكرة
واقعية لا طوباوية, لقال في خطابه
الأخير إنَّ إضعاف "الجهاز الأمني"
وقبضته هو إحدى أهم الوسائل لتقوية
جهاز المناعة الداخلي لسورية; ف¯ "الجهاز
الأمني (المعادي للشعب وحقوقه ومطالبه
الديمقراطية)", ولجهة تأثيره ب "جهاز
المناعة", هو الذي تحتشد فيه
وتتجمَّع الفيروسات المسبِّبة لمرض
"نَقْص (وتدمير) المناعة". ================ كيف يعود الرئيس العربي
رئيساً؟ تاريخ النشر: الأربعاء 22 يونيو
2011 محمد الحمادي الاتحاد ردود أفعال رؤساء الجمهوريات العربية
المترنحة توحي وكأنهم لا يعرفون ما
يحدث في بلد يحكمونه، أو أنهم يعتقدون
أن من يحكمونهم شعب من العميان لا يرون
ولا يعرفون شيئاً. وفي كلتا الحالتين
هم في وضع خطأ وخطر وغير طبيعي! وقد
يعرفون كل شيء ويتجاهلونه، أو أن "براءتهم"
وبساطتهم تجعلهم لا يعرفون ما يحدث في
بلدهم ويعتقدون أن كل شيء على ما يرام
ولا يعرفون حقيقة الوضع، وفي هذه
الحالة تكون المصيبة أعظم! لو جلس كل رئيس جمهورية عربية تترنح مع
نفسه وفكر في الحالة التي وصل إليها
شخصياً ويتأمل في الوضع المؤسف الذي
وصل إليه الشعب بسببه، ويبعد عن تفكيره
أية حسابات غير وطنه وشعبه، وغير
إنسانيته وأخلاقه، فسيدرك أن الرحيل
هو أجمل شيء يمكن أن يقوم به فيما بقي
من حياته لأجل نفسه ومستقبله ووطنه
ومواطنيه. الرئيس بشار الأسد في خطابه يوم الاثنين
الماضي بدا أضعف مما توقعه الكثيرون
فكلمته كانت لا تتناسب والوضع الذي
تشهده بلاده وسلوكه لم يكن يتوافق مع
سلوك رئيس دولة قُتِلَ مِن أبناء شعبه
أكثر من 1300 وجرح الآلاف ويقول إن من
قتلهم "مسلحون"! وليته تعلم من "مبارك"
في خطاباته المختلفة قبل تنحيه، حيث
بدا ثابتاً ورزيناً، وعندما شعر بأن
الشعب لن يقبل حكمه من جديد وأن لا مجال
للاستمرار في كرسي الحكم انسحب وفضل
الرحيل على أن يضحي بالمزيد من مواطنيه
الذين راح منهم 365 شهيداً خلال تلك
الثورة. كيف يتوقع الأسد استعادة
السيطرة على الوضع في سوريا وعودة
الأمور إلى ما كانت عليه قبل اندلاع
الاحتجاجات الشعبية الغاضبة، بعد
عشرات الآلاف من القتلى والجرحى
واللاجئين؟ كيف يعتقد أن شعبه سيصدقه
بعد ذلك الخطاب المبنى على وعود سابقة
لم تتحقق بعد؟! وفي المقابل فإن البطولات الخرافية
والوهمية التي يعيشها القذافي أمر
يجعل الإنسان حيراناً، فلماذا كل هذا
العنف؟ ألا تكفي الإنسان 40 عاماً من
الحكم المطلق حتى ملّ منه كرسي السلطة،
ثم يهدد الناتو والعالم بأنه سيهزمه
وهو مختبئ في مكان لا يعلم مكانه أحد،
ومن يموتون هم أبناء شعبه سواء أكانوا
من مؤيديه أو من الثوار ضده... وكل ذلك
من أجل كرسي! لو انتصر القذافي على "الناتو"،
هل سيكون قد بقي ليبيون على قيد الحياة
كي يحكمهم القذافي؟ ولماذا أصلا يحكم
من لفظه شعبه والعالم بأسره؟ وماذا تعني التصريحات الرسمية اليمنية
بين يوم وآخر حول تأكيد عودة الرئيس
صالح إلى البلاد؟ هل تعني أنه سيعود
إلى السلطة في اليمن؟ ولماذا يعود إلى
مكان هو غير مرغوب فيه؟! وكيف سيحكم ومن
سيحكم؟ السؤال الحقيقي هو: لماذا لا
يضع هؤلاء نهاية شريفة وكريمة
لمسيرتهم؟ الإجابة هي بلا شك أن من
كانت مسيرته كريمة في حق شعبه فنهايته
لابد أن تكون كريمة في حق نفسه. ماذا يريد بن علي من تونس وكيف يمكن أن
يقنع نفسه وشعبه بأنه بريء من التهم
الموجهة إليه؟ وما الفرق إن كان خرج من
تونس هرباً أو أنه وقع في خديعة أو أنه
خرج بمحض إرادته؟ لقد قال الشعب كلمته،
وطلب منه الرحيل.. فلماذا يريد العودة؟
وما الذي سيفعله إذا عاد؟ إن شعبه أسعد
بخروجه. رئيس خرج مواطنوه لأشهر في
الشوارع مطالبين برحيله، ما الذي
يجعله يصر على البقاء أو على العودة
بعد الخروج؟ وما الذي يمكن أن يجعله
يرجع إلى حيث كان عليه؟! هل هو كرسي
الرئاسة؟ أليست هناك أشياء أهم من هذا
الكرسي الذي يفترض أن كل رئيس جمهورية
عربية يدرك بأنه يجب أن يتركه بعد فترة
من الزمن ليأتي رجل آخر يجلس عليه، ومن
بعده يأتي آخرون، وهو ينظر إليهم بل
ويبارك لهم. هذا هو نظام الجمهورية،
ليس حكماً أبدياً سرمدياً لا نهاية له!
لماذا ينسى رؤساء الجمهوريات العربية
هذه الحقيقة؟! إن ما نراه اليوم من عناد بعض القائمين
على السلطة في دول عربية وعملهم
واجتهادهم على إقناعنا بأننا نحيى في
ليل مظلم -والحقيقة أننا نعيش في وضح
النهار- أمر غير مقبول. العالم ينظر إلى
تصرفات حكام الجمهوريات العربية،
ويستغرب تشبثهم المطلق بكرسي الحكم،
واستعدادهم للتضحية بشعوبهم ووصفهم
بأبشع الأوصاف فقط ليبقوا على كرسي
الحكم، وهم ينسون أنهم راحلون طال
الوقت أم قصر، لكنهم لا يعلمون أنه
كلما طال بقاؤهم زادت أخطاؤهم
والجرائم التي ترتكب باسمهم في حق
الشعوب وبالتالي صارت محاكمتهم أمراً
واقعاً لا مفر منه. مشكلة رؤساء الجمهوريات العربية
اعتقادهم بامتلاك كل شيء حتى الوقت
فيأخذون وقتاً طويلا في إلقاء
خطاباتهم دون أن يقولوا شيئاً مفيداً
والتي تثير الشعب بدل أن تهدأه،
ويطلبون زمناً طويلا لتنفيذ وعودهم،
ولا يدركون أن الشعب وصل إلى نهاية
الوقت ونفاد الصبر. كيف ولماذا استطاع ملك المغرب أن يحسن
التعامل مع مطالب شعبه وأن يرضي
المعارضة بما قدمه من إصلاحات سياسية؟
وكيف فشل كل رؤساء الجمهوريات العربية
في التجاوب مع مطالب شعوبهم؟ هل
المشكلة في عقم النظام السياسي
الجمهوري؟ أم لأنه نظام بيروقراطي
يجعل الرئيس يكتشف ما كان يجب القيام
به بعد فوات الأوان؟ ================ نظام التشبيح يريد
استعادة «لواء اسكندرون»! زين الشامي الرأي العام 22-6-2011 على ضوء التطورات في الموقف التركي
والانتقادات الشديدة اللهجة لرئيس
الوزراء طيب رجب أردوغان للقمع الوحشي
للمدنيين في سورية، أطلق عدد من
الناشطين الموالين للرئيس السوري بشار
الأسد صفحة على موقع «فيس بوك» على
شبكة الانترنت، تحت اسم «الحرية للواء
الاسكندرون المحتل»، كما اطلقوا صفحة
أخرى باسم «الثورة السورية لتحرير
لواء الاسكندرون من المحتل العثماني». هذه الخطوة جاءت بعد أن شن عدد من
الإعلاميين السوريين الموالين للنظام
والصحف السورية حملة ضد اردوغان ووزير
خارجيته أحمد داوود أوغلو، بسبب
مواقفهما من الاحتجاجات المتصاعدة في
سورية منذ 15 مارس الماضي، إضافة إلى
استضافة تركيا مؤتمرات نظمتها شخصيات
وفصائل سورية معارضة، وتصاعد
التظاهرات المعارضة للنظام السوري في
المدن التركية. ووصفت صحيفة «الوطن» السورية التي يملكها
رجل الأعمال رامي مخلوف قريب الرئيس
السوري، والمقربة جداً من دوائر
القرار في النظام، اردوغان بأنه «واعظ»،
وأن مواقفه «متسرعة وغير مدروسة»،
بينما لقبت داوود أوغلو ب «مهندس
العثمانية الجديدة». وكتب أحد
المشاركين على صفحة «الحرية للواء
الاسكندرون المحتل» وأن «لواء
الاسكندرون السوري العربي سيعود». ليس ذلك فحسب، بل ان مواقع الكترونية
تابعة وتدور في فلك النظام السوري،
بدأت تتحدث عن «خطة أميركية لتدخل
عسكري محدود للجيش التركي على الحدود
بين تركيا وسورية، وبالتحديد في
محافظة إدلب ومناطقها الحدودية». وحسب تلك المواقع فإن تفاصيل هذه الخطة
تقوم على نشوب تحركات شعبية واضطرابات
في بعض مناطق محافظة إدلب السورية
المحاذية للحدود مع تركيا أو القريبة
منها، يتبعها تدخل لقوات الشرطة
والأمن السوريين، وتحت غطاء حماية
المدنيين السوريين تقوم قوات من الجيش
التركي بتدخل عسكري محدود داخل
الأراضي السورية لإقامة منطقة عازلة
على الحدود بين البلدين تكون مركزاً
لتحرك عسكري ضد النظام كما حصل مع
بنغازي الليبية التي أصبحت نموذجاً
يقتدى به غربيا لبعض البلدان العربية.
لا بل ان تلك المواقع نقلت عن «مصادر في
دمشق» أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب
أردوغان وافق على هذه الخطة. طبعا لا يخفى على أحد أن النظام كان يمهد
لإرسال وحدات من الجيش السوري إلى جسر
الشغور القريبة من الحدود مع تركيا،
وفعلاً دخلت تلك الوحدات العسكرية إلى
هناك وقامت كالعادة باتباع سياسة
الأرض المحروقة مثلما فعلت سابقاً في
درعا وبانياس وتلكلخ وتلبيسة والرستن
حيث قتلت المئات واعتقلت الالاف وسرق
جنودها البيوت واغتصبوا الأعراض. سياسة «التشبيح» التي يقوم بها النظام لم
تستهدف مواطنيه فقط، بل تركيا نظراً
لمواقفها الأخلاقية والإنسانية
المتعاطفة مع السوريين، وفيما بعدت
استهدفت سياسة «التشبيح» فرنسا نظراً
لمواقفها الحازمة اتجاه بطش النظام
السوري ضد المدنيين، وبسبب مواقف
باريس التي قادت التحركات على مستوى
الاتحاد الاوروبي لوضع الرئيس السوري
بشار الأسد وأركان نظامه على لائحة
العقوبات، وفيما بعد سعيها في مجلس
الأمن لاستصدار قرار يدين النظام
السوري. لقد افتعل النظام السوري وبمشاركة من
موظفين في السفارة السورية في باريس
قضية تقديم استقالة السفيرة لمياء
شكور على الهواء مباشرة عبر قناة «فرانس
24» والتي تبين فيما بعد أنها لعبة
استخبارية مفبركة مئة في المئة، وهو
الأمر الذي تسبب بإحراج للقناة
الفرنسية، حين ظهرت كما لو أنها لا
تتمتع بالمصداقية وأنها تقود حملة ضد «مواقف
سورية»، حسب الإعلام السوري الرسمي. «التشبيح» السوري الرسمي ضد فرنسا لم
يقتصر على ذلك بل أن عدداً من المحامين
الموالين للنظام في سورية والذين
يعملون في مؤسساته أو مستشارين لدى
الجهات الأمنية بدأوا منذ أيام بدراسة
«إقامة دعوى ضد فرنسا لمطالبتها
بتعويض عن فترة استعمارها لسورية في
القرن الماضي» حسب ما أعلنت مواقع على
الانترنت مقربة من النظام في دمشق. أيضاً اتبع نظام التشبيح سطوته لدى
منظمات ومؤسسات ثقافية عربية تتواجد
في العاصمة الألمانية برلين لمنع ندوة
كان من المفترض أن يشارك فيها المفكر
السوري برهان غليون، فقررت الغاء
الندوة. كذلك مارس «الشبيحة» سطوتهم في
بيروت بلبنان الشهر الماضي لمنع مؤتمر
أو اجتماع لمثقفين متضامنين مع الشعب
السوري، ونجحوا في ذلك. نظام التشبيح في دمشق لايزال يعيش في
ذهنية الثمانينات حين ارتكب مجزرتي في
حماه وجسر الشغور، ويعتقد أنه من خلال
ترهيب السوريين في الداخل، يستطيع فرض
الأسلوب نفسه على الخارج، ويعممه على
الدول التي تنتقده... نظام التشبيح لا
يعرف أنه نظام ساقط، ولا يعرف أنه يعيش
أيامه الأخيرة. كاتب سوري ================ تجليات الربيع العربي في
سورية: أوهام الإيديولوجية العنيدة صادق ابو حامد القدس العربي 22-6-2011 الحراك الجماهيري السوري، بقوته وإصراره
المثيرين للدهشة، يثبت من جديد أن موسم
الربيع العربي لن يمر دون إحراز
تغييرات نوعية في بنية مجتمعاتنا، وفي
منهج قراءة تحولاتها. دموية المشهد
السوري، والتناقضات الصارخة بين خطابي
النظام والثورة، تشكل مثالاً صارخاً
على ضخامة الحدث وعمق تأثيره. إننا نقف
أمام ما يشبه لحظة انكشاف تاريخية
تُخرج جسد المجتمع السوري من الرطوبة
والعتمة إلى مصب الشمس دفعة واحدة.
وإذا كانت أمراض النظام بتفاصيلها هي
أول ما تُظهره لحظة 'الحقيقة' هذه، فإن
الشريحة المثقفة تعيش بدورها عصف
التغيير، لتظهر تناقضات ومفارقات
المثقفين حتى المعارضين منهم سواء
كانوا متحزبين أو مستقلين. ولعل بعض
ملاحظات وتعليقات هؤلاء المثقفين على
تفاصيل الحراك تبدو في جزء منها غير
منتمية للزمان الراهن أو للمكان
المحدد. وكأنما طاقة الإيديولوجية
التي حكمت هذا البلد تركت آثارها
عليهم، رغم أنهم أول من حارب ويحارب
أحاديتها. ربما يتلخص مكمن الخلل المتعاقب في تقييم
تمظهرات الربيع العربي، وتحميله ما لا
يحتمل، تشاؤماً مرة وتفاؤلاً أخرى، في
المفاجأة التي حملها الحدث وسرعة
تطوره وتمايزه النوعي عن مشابهاته من
التحركات الاجتماعية، ما يجعل منه
سابقة لا يسهل الحكم عليها، ولا يصح
الزجّ بها في قوالب نظرية 'مسبقة الصنع'. إن التغييرات العنيفة التي تشهدها عدة
دول عربية هي ثورة من نوع خاص، حيث
يصنعها ويقودها الشعب بالمعنى الأول
للكلمة؛ بحشوده وشرائحه العريضة غير
المؤطرة ولا المؤدلجة، شعب يبني قوة
حراكه على مكونات المجتمع في لحظته
الراهنة. ويبدو أن المثقفين الذين
امتعض طيف واسع منهم لتأخرهم عن
انتفاضة الشعب وعن توقعها، ولأنهم لم
يُسألوا عن رأيهم وقرارهم في إطلاق هذا
الحراك، لم يدركوا حتى الآن، أو لم
يقبلوا، أن ما يحدث لا يشبه ما رسمته،
وتمنته، مخيلاتهم النظرية في زمن مضى.
بينما لم يفهم، من أدرك خصوصية
المعادلة، ما يعنيه هذا الاختلاف
عملياً في مسيرة الثورة وتطوراتها. هنا ليست الطليعة المنظّرة أو الثورية أو
حتى المقاتلة هي التي تفجر طاقات
الجماهير وترشدها إلى جنة الأرض، وليس
الأمر بأي حال أن مستبداً عادلاً أو
ملكاً ملهماً قرر دفع شعبه خطوة إلى
الأمام في واحدة من مكارمه العظمى.
إنما الشعب تفجر بفعل عناصر كامنة
وهائلة الطاقة تراكمت عبر سنين القهر
والفقر والتهميش، وهو في تقدمه يصنع
مبادئه البسيطة التي تُعرّف غضبه
وتشير إلى طموحه، دون أن يعتمد نظريات
شاملة. إنه يحاول إقامة أجوبة مباشرة
على إشكاليات مباشرة. من هنا يحلم
بالعدل رداً على الظلم والفساد،
وبالحرية والديمقراطية رداً على
الاستبداد والقمع، وباستعادة
المبادرة وضمان عمل يقيه العوز رداً
على التهميش والفقر. ليس الشعب بعقل
منظم أو حزب ثوري حتى نأمل منه وضع أسس
نظرية أو دستورية أو فلسفة تفسر العالم
والوجود. ولعل مفردة الكرامة
ببساطتها، وضآلة حضورها في قاموس
التنظير السياسي، التي ترددت وتعالت
انطلاقاً من تونس باتجاه بقية الدول
العربية، خير دالٍّ على عمق التجربة
وبساطة النظرية في هذه الثورات. في الإطار ذاته، لخّص الشعب السوري
مطالبه في سوريا بجملة شعارات بسيطة
لكنها معبرة وجامعة، ولعل الرؤية التي
طرحتها لجان التنسيق المحلية في سورية
تمثل أفضل نموذج على البساطة والعمق.
فهي رؤية قادرة على التعبئة والحشد دون
أن تخسر الوضوح الذي يحميها من
التأويل، إذ تعبر عن أهداف الشعب
السوري في الحرية والمساواة والكرامة
في جمهورية مدنية. وفي المحصلة لم يحتج
الشعب بركات مثقف النخبة الذي رأيناه
في حالة أدونيس يعيب على صنّاع التاريخ
افتقارهم لوثيقة تحلل وتفسر وربما
تستشرف فيضان الشعب الهادر. معارضة عن معارضة تختلف الالتفات إلى خصوصية الربيع العربي، تكشف
لنا خلطاً آخر، غالباً ما ينتج عن
تعميمات التنظير التقليدي على لحظة
استثنائية. فابتداء بأهل الأنظمة
الآيلة إلى السقوط وانتهاء بالمعارضة
الحزبية، يُستخدم تعبير 'المعارضة'
بقليل من الدقة، بين تقزيم إلى حد
النفي لدى أهل السلطة إلى تضخيم إلى حد
الشمولية لدى المعارضين، ويحدث
أحياناً أن يتبادل الطرفان قياسهما
تكبيراً وتصغيراً ليبقى الهدف واحداً:
التهرب من المسؤولية عن الأخطاء..
والتغني بالفضل في الحسنات. لا شك أن المعارضة في الدول الديمقراطية
تعني أساساً، المعارضة السياسية
المعترف بها، والقابلة للحكم دستورياً.
أما في الدول الاستبدادية فالمعارضة
هي موقف سياسي أو فكري وربما شعوري
تجاه المستبد الحاكم وأعوانه. وهو ما
ينطبق على المجتمعات العربية، فحين
نتكلم عن 'المعارضة' فالمقصود الكلمة
الجامعة لكل من يعارض السلطة والنظام،
على اتساع المفهوم وتجاوزه لأية أطر
سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. أما
من يخلط بين هذا التعبير وبين الأحزاب
والشخصيات المعارضة فهو يعطي، بقصد أو
بغير قصد، للأطر المعارضة أكثر مما
لديها، وهو ما قد يسمح لها بأن تجني
فيما بعد أكثر مما زرعت. وقد يكون الخلط
بين مفهومي المعارضة ناتج عن المفارقة
التي تحملها الدولة الاستبدادية، إذ
هي تمتلك جميع عناوين مؤسسات الدولة
العصرية، بينما تعيش واقعاً ينتمي في
علاقاته وبنيته إلى العصور الوسطى.
فالدولة السورية لديها مجلس شعب
وإدارات محلية وأحزاب ونقابات كما
يليق بدولة عصرية، لكن أياً من هذه
الهياكل لا تملك دوراً ذا بال أمام
سلطة وعلاقات البنية الاستبدادية. تعددت الأسماء والجمعة واحدة في السياق ذاته، تنتج مفارقة الانتماء
إلى إيديولوجيات ومفاهيم هرمة في
مواكبة القفزات الشابة للحراك الشعبي،
قائمة من التشوهات في تفاصيل معركة
الثورة. ولعل الضجة التي أحدثتها تسمية
'جمعة العشائر'، ومن ثم 'جمعة صالح
العلي' تندرج، فيما يبدو لي، تحت
العنوان ذاته. وإذا كان النقاش
والاختلاف بين المشاركين في عملية
التغيير يبقى ممارسة صحية وحيوية في
نمو وبلورة آفاق الحراك، فإن ذلك لا
يحول دون قراءة ما أراه خللاً في آراء
المعترضين. أثارت تسمية 'جمعة العشائر' رفضاً وحساسية
عالية لدى المنادين بدولة ديمقراطية،
فهؤلاء يهدفون إلى دولة مدنية تتراجع
فيها الانتماءات الأخرى طائفية كانت
أم عشائرية، وهي فكرة تقدمية لا يعوزها
النبل. غير أن الفارق البسيط الذي لم
تلتفت إليه الأصوات المستنكرة، أن هذا
الاسم يستند، كما جميع ممارسات
وعمليات التعبئة لدى الثورة السورية،
إلى المكون القائم الراهن للمجتمع.
بمعنى أن التسمية أتت بناء على طبيعة
المجتمع السوري الآن، ولم تكن دعوة
لتعزيز الانتماء العشائري، أو تهليلاً
للتفكير الطائفي، في بلد تجاوز
الانتماءات العشائرية والطائفية! أصدق تعبير على افتقار المنطق الناقد
للتسمية إلى التوازن، وأن الرفض ناتج
أساساً عن حساسيات إيديولوجية لا عن
قراءة متماسكة، هو الترحيب سابقاً، أو
عدم الاعتراض بأقل تقدير، على تسمية 'الجمعة
العظيمة' وهي ذات دلالة دينية واضحة
تخص المسيحيين، وكذلك تسمية 'جمعة
آزادي' (الحرية باللغة الكردية) التي
تغازل القومية الكردية. رغم أن دولة
المواطنة المنشودة، والتي كانت المبرر
لرفض التسمية، ترفض أي تمييز، إيجاباً
أو سلباً، على أساس قومي أو ديني أو
قبلي. ولعل أحد المسببات الخلفية، وربما غير
الواعية، لهذه المفارقة لدى بعض من نخب
المعارضة، يعود إلى أنهم رغم سخطهم
وغضبهم على تدهور الدولة والمجتمع في
سورية، يصعب عليهم الاعتراف بشمولية
هذا التدهور حتى آخر امتداداته. أحد المثقفين المعارضين، وهو مساهم فاعل
في عملية التغيير، تحدث في معرض
استنكاره تسمية 'جمعة العشائر' عن
إلغاء قانون العشائر في سورية منذ
الستينيات، كدليل على أن هذه التسمية
تسجل تراجعاً، وبالتالي ممارسة رجعية
بالنسبة للسوري. لكن ألا يخشى أصحاب
هذا الرأي أن يأتي مدافع عن النظام
ليحدثنا عن القوانين الاشتراكية
والعلمانية والديمقراطية الشعبية
وحقوق العمال والفلاحين التي أُقِرّت
سابقاً، وكسرت سطوة الإقطاع
والبرجوازية والفكر الديني
والاستبداد في سورية التقدمية؟ هل
يمكن أن نعود فنرتكب جريمة النظام
الإيديولوجي الشمولي بالاحتكام
للشعار المجرد هرباً من كشف الواقع،
الجريمة التي جعلت بلداً كسورية يصر
على صورته الرافضة للطائفة والعشيرة
بينما تبني السلطة شبكات تَحَكُّمِها
اعتماداً على المكونات الطائفية
والعشائرية للمجتمع؟. ليس ما يعنيني هنا هو تبرير تسمية
الجمعتين، فالآلية التي تتم من خلالها
تسمية الجمع في سورية ليست ديمقراطية،
وأعتقد أنه من الصعب تقنياً وواقعياً
أن تكون ديمقراطية تماماً، لكن من
المتاح جعلها أكثر تشاركية، وهو ما
بدأت محاولاته عبر إجراء استطلاعات
رأي على موقع الفيسبوك لاختيار تسمية
يوم الجمعة. بيد أن المفيد هنا في نظري،
هو قراءة ما تكشفه حدة النقاش الذي
فجرته التسمية، والتي تعبر في جانب
منها عن الخشية الإيديولوجية من تسمية
تفاصيل الواقع بمسمياتها. لا يوجد ما يبرر، حتى الآن، اتهام صفحة
الثورة السورية على الفيسبوك بالسعي
إلى استعادة الانتماء العشائري أو
الطائفي، لكن المجتمع الذي فشل في
إحراز أي تقدم في هذا الإطار، لم تغب
عنه هذه الانتماءات يوماً، بل ازداد
حضورها وتأثيرها في العقدين الأخيرين
تبعاً لإرادة النظام الاستبدادي
المعارضة لمجتمع المواطنة، ولانهيار
الإيديولوجية على المستوى العالمي. من
ثم لا يمكن تحميل مسؤولية تفكك بنية
المجتمع إلى من يدعو الناس إلى التغيير
اعتماداً على انتماءاتهم الواقعية
التي يرضونها. فإذا كان هناك من يرفض
الانتماء العشائري والطائفي فإن
الكثيرين يعترفون به ولا يترددون
بتعريف أنفسهم تحت عباءته. وفي كل
الأحوال لا منطق يستقيم مع رفض مغازلة
هذه الانتماءات، والقبول بسواها في
الجمعة العظيمة وجمعة آزادي. جمعة لجميع العشائر هي تماماً كجمعة
لجميع الطوائف أو لجميع القوميات،
جميعها انتماءات نأمل أن تتراجع خطوات
تاركة المجال لدولة المواطنة والدستور
المدني. لكن حتى هذا الشعار لا يتحقق
بقانون ضد العشائرية والطائفية بقدر
ما يتخذ مكانه تدريجياً حين تستعيد
الدولة موقعها الضامن والحامي
للمواطن، تحت حكم قانون لا يميز بين
المواطنين، وحين تتقدم الحماية
الاجتماعية والاقتصادية للدولة لملء
المكان الذي تحتله العائلة والعشيرة
والطائفة. التحليل ذاته يصح في نقاش تسمية 'جمعة
صالح العلي' وهو أحد أبطال الثورة
السورية ضد المستعمر الفرنسي، وينتمي
إلى الطائفة العلوية. التسمية قصد منها
توجيه دعوة مباشرة للطائفة العلوية
للمشاركة في الثورة، ودفع تهمة
الطائفية التي يطلقها النظام على
الثورة. وإذ تخاطب التسمية من لا يضيره
التصريح بانتمائه إلى الطائفة
العلوية، إن لم نقل الاعتداد به، لا
تتجاوز حدود الاعتراف بواقع حال
المجتمع السوري. ولعل صالح العلي نفسه
لم يكن يشعر بأي حاجة إلى إخفاء
انتمائه الطائفي حين كان يدافع عن
استقلال سورية الموحدة ضد المستعمر.
ولا ضير من التذكير هنا، أن خوف
السوريين من التعبير عن انتماءاتهم
الطائفية والعشائرية ونقاشهم لها في
عهد الاستبداد، وبالتالي سحب هذه
المفردات من دائرة النقاش العام، كان
يسير بالتوازي مع امتداد فاعلية
وأولوية هذه الانتماءات على أرض
الواقع. أيحدث هذا في بلد الحضارة؟ الإعاقة التي تحدثها رواسب الإيديولوجيا
من جهة، وفداحة الانهيار المؤسساتي من
جهة أخرى، تبدو ميزة في المشهد السوري
الذي طالما حاصرت الإيديولوجيا فيه
الخطاب السياسي للنظام و المعارضة
الحزبية على حد سواء. لا شك أن تعرية الواقع السوري دفعة واحدة
يمثل تجربة صعبة لدى جميع السوريين،
فهو واقع راكم تناقضات ومظالم هائلة
منذ حكم الحزب الواحد، تُذهلُ حتى
مواطني دول عربية أخرى. كما أن علنية
وعالمية هذا التعري يحدث ردة فعل
إنسانية رافضة لدى الموالين للنظام،
ومرتبكة لدى بعض المعارضين المستقلين،
أما المعارضين المتحزبين فصناعتهم
تقوم على هذه التعرية، وربما المبالغة
فيها، ليبدو مشروعهم البديل واضح
الحسن والجمال. من هنا يمكننا تفهم حالة الصدمة المستمرة
التي يعيشها البعض عند الحديث عن
ممارسات الأمن وبعض وحدات الجيش غير
الإنسانية والمفزعة، والتي تجعل من 'المستحيل'
تصديقها لدى الفئة الصامتة حتى حين
تفقأ الصورة والصوت عين المشكك. وتجعل
من 'الصعب' تصديقها لدى بعض المعارضين..
لتتكاثر في هذا السياق جمل من قبيل: 'هل
هذه سورية التي نعرفها؟'.. 'كيف يحدث هذا
في بلد الحضارة؟'.. 'متى ظهرت هذه
الوحشية في بلد الأبجدية؟'. وهي
تعبيرات تتضافر فيها النرجسية القومية
ونزعة التخفف من المسؤولية. إذ تنسى
النرجسية القومية أن الجغرافيا
السورية التي كانت ساحة لحضارات
وأمجاد لا تحصى، ليست سورية الدولة
النامية التي خرجت قبل قرن من العصور
الوسطى، لتسقط في براثن الاستعمار
الأوروبي، ولتدخل منذ استقلالها في
محاولات متعثرة لإنجاز الدولة الحديثة
إلى أن سقطت في مستنقع الاستبداد. ولعل
ما يفسر وجود شريحة ميالة إلى إظهار
تصديقها دعاية النظام، مستحيلة
التصديق منطقياً، ليس اعتقادها بأن
عناصر الأمن هم مثال للتحضّر
والتفهّم، أو حسرتها على سقوطهم قتلى
وجرحى على يد العصابة المسلحة الأكبر
في التاريخ، وليس لأنهم لا يعرفون ما
معنى الشبيحة ومن هم بالضبط، وليس لأن
الاستبداد والديمقراطية كلمتان
فضائيتان بلا معنى بالنسبة إليهم، بل
لأن الاعتراف على الملأ بأنهم يعيشون
في جمهورية الرعب، وأن شراسة النظام
وبطشه صفات جوهرية فيه، يشوه في جانب
منه صورة بلدهم التي تشبه صورتهم،
ويحملهم المسؤولية عن صمتهم على إجرام
الاستبداد على امتداد عمره الطويل. إن عنف اللحظة الثورية التي تعيشها عدة
بلدان عربية، يدفع بكل تعفنات
المجتمعات العربية إلى السطح، لكن
ظهور هذه الأعطاب بفضل الثورة لا يمكن
أن يُسجّل كنقيصة في الثورة ذاتها. كما
أن استثنائية مكونات ومحركات ثورات
الربيع العربي تفرض علينا التمتع
بالليونة والحيوية في قراءتها. إذ حين
يتجاوز الواقع الخبرات السابقة، لا بد
من اكتشاف آليات جديدة موائمة، لا
محاسبة الثورة على اختلافها عما
اعتدناه. إن من يبحث عن إيديولوجية رصينة، أو نظرية
سياسية، أو حتى برنامج انتخابي في طيات
زخم الثورة، لن يجد ما يرضيه. إلا أن ما
تريده، وما تفعله الثورة، هو زعزعة عرش
الاستبداد وكل العلاقات والعناصر
المشكلة له. وحين تحقق هدفها بالتغيير،
سيكون للأحزاب، الجديدة منها على وجه
الخصوص، وللتيارات التي تتشكل وتستكمل
تشكلها في صيرورة الثورة، الالتحاق
بركب اللحظة وتجاوز الفوات التاريخي
الذي أصاب المجتمعات العربية. في عمل
أشبه ما يكون بتهيئة التربة لزرع جديد،
أما نوع الزرع ومواصفاته فقضايا
ستقررها حساسيات وإيديولوجيات
وتيارات المجتمع الحر حينذاك. ================ خضير بوقايلة 2011-06-21 القدس العربي مرة أخرى يخطئ
رئيس عربي آخر في التوقيت وفي استيعاب
ما يجري حوله. الرئيس السوري بشار
الأسد سكت شهرين ثم خرج على الناس
بخطاب أقل ما يقال عنه أنه فارغ ومستفز.
حتى الناطقون باسم النظام عجزوا عن
إعطاء الخطاب أكثر من جرعة معينة من
الإيجابية، وقد نشرت وكالة الأنباء
السورية أمس تقريرا شمل آراء النخب في
كامل المحافظات وكانت هذه مقدمته: (أكدت
مجموعة من المثقفين والأكاديميين
والفعاليات الاجتماعية والاقتصادية
أن السيد الرئيس بشار الأسد قدم من
خلال الكلمة التي ألقاها على مدرج
جامعة دمشق أمس تحليلا دقيقا للأحداث
التي تشهدها سورية وأعطى تصورا وطنيا
للتعامل معها). هل هذا هو ما يحتاجه
السوريون الآن، التحليل الدقيق
للأحداث والتصور الوطني للتعامل معها؟
هل كان السوريون الذين يحترقون منذ
ثلاثة أشهر وبلدهم على كف عفريت
ينتظرون من رئيسهم أن يطلع عليهم بعد
شهرين من الصمت المطبق وسقوط عشرات
المئات من القتلى ليحلل لهم الوضع
ويعطيهم تصورا لمستقبل البلد؟ الرئيس بشار اعترف بنفسه أنه تأخر في
الكلام، لكنه برر ذلك بكونه لم يكن
يريد الحديث عما سينجزه بل عما أنجزه،
أي أنه انتظر حتى تكتمل إنجازاته ليحدث
الناس عنها. فما هي هذه الإنجازات يا
ترى؟ تابعت الخطاب كغيري من المهتمين
وأعدت ذلك بقراءة متأنية بحثا عن
الإنجازات، فكان هذا ما وجدت أنقله
حرفيا: (وبدأنا بحل هذا النوع من
المشاكل)، (وبدأنا بحل هذه المشكلة)، (وسنقوم
بحلها نهائياً)، هل أنجز شيء؟ أم أن
الإنجاز الذي استحق خروج سيادة الرئيس
ليتحدث عنه هو البداية بحل هذا النوع
من المشاكل والعزم على حلها حلا نهائيا
مستقبلا؟ البلد يغلي والفساد مستشر باعتراف الرئيس
نفسه والظلم الذي يعانيه المواطن من
المحيط الرسمي أليم ومتواصل والرئيس
يؤمِّن على هذا أيضا مثلما يقر بأن
الذي دفع الناس إلى قلب البلد
بمظاهراتهم واحتجاجاتهم هو هذا الحيف
الذي يعيشه عامة الناس طيلة عقود
طويلة، أما رد الرئيس العملي على ذلك
فكان وعدا بأنه سيطلب (من وزارة العدل
أن تقوم بدراسة ما هو الهامش الذي يمكن
أن نتوسع به في العفو) عن الأعداد
الهائلة من الذين يقبعون في السجون
بغير وجه حق. ماذا أيضا؟ وعد أو إنجاز
آخر ورد بهذه الكلمات: (لا بد إذاً من
العمل فوراً لتعزيز المؤسسات
بالتشريعات المتطورة وبالمسؤولين
الذين يحملون المسؤولية). أما عن
محاربة الفساد فإن الإنجاز هو أن
اللجنة المشكلة لهذا الغرض قد انتهت
مؤخراً من دراسة آليات عمل هيئة مكافحة
الفساد. لاحظوا أننا لم نصل بعد إلى
تشكيل اللجنة ولا إلى بدء عملها فمتى
إن شاء الله يتلقى الفساد أول ضربة
ومتى يقبض على أول فاسد؟ أما الإنجاز الأعظم الذي كان الرئيس يعكف
على بنائه طيلة الشهرين الماضيين فهو (فكرة
إطلاق حوار وطني تشارك فيه أوسع
الشرائح الاجتماعية والفكرية
والسياسية في القطر) والعمل الآن جار
من أجل (وضع الأسس والآليات الكفيلة
بقيام حوار شامل لمختلف القضايا التي
تهم جميع أبناء الوطن). لا شيء مستعجلا
في سورية الأسد، فهو رئيس لا يحب
التسرع أبدا ويرفض العمل تحت الضغط
والأهم بالنسبة إليه هو أن تكون هناك
النية للعمل والإصلاح. فإلغاء قانون الطوارئ اتخذ سنة 2005 وأنجز
سنة 2011، ولكم أن تتوقعوا متى تنتهي
هيئة الحوار الوطني من عملها ومتى تتخذ
توصياتها طريقها إلى الإنجاز. سيادة
الرئيس أعطانا في خطابه بعضا من الجواب
عندما قال: (وسيكون من أولى مهام هيئة
الحوار الوطني التشاور مع مختلف
الفعاليات من أجل الوصول للصيغة
الأفضل التي تمكننا من تحقيق مشروعنا
الإصلاحي ضمن برامج محددة.. وآجال
محدودة). الهيئة أعلن عن تشكيلها منذ
أسابيع طويلة لكنها بدل أن تنطلق في
عملها وتتقدم في رواق الإنجازات قررت
عقد اجتماع تشاوري، متى؟ لا أحد يعلم
والرئيس نفسه يعتقد أنه سيكون خلال
الأيام المقبلة، وبعدها (متى؟ بالضبط؟)
يبدأ الحوار مباشرة، ليستمر شهرا أو
شهرين. البلد يغلي والناس يموتون بالمئات ومصالح
الناس متوقفة كليا تقريبا، ومع ذلك لا
يبدو المسؤول الأول عن البلد مستعجلا
في شيء رغم أنه يقول إنه التقى أطيافا
واسعة من المواطنين خلال شهري الصوم عن
الكلام الماضيين استمع خلال تلك
الفترة إلى هموم وانشغالات ومطالب
الناس وفهم منهم ماذا يريدون وماذا
ينتظرون من حكومتهم. وبدل أن يعلن عن
قرارات عملية تلبي هذه المطالب فضل أن
يترك ذلك للجان المختلفة، والخوف كل
الخوف أن تختلط الأمور على هذه اللجان
وتتداخل المهام والمواعيد فيدخل
المشروع الإصلاحي العظيم في متاهة
أخرى. لجنة قانون الانتخبات أنهت عملها
وسيادة الرئيس يعتقد (أنه سيكون
قانوناً هاماً)، لجنة مكافحة الفساد
ستقترح قانونا، وبعد أن يكون مشروع
القانون جاهزا سيطرح على النقاش العام
للأخذ بالملاحظات قبل إصداره. قانون الإدارة المحلية فلقد تم إعداده
كمشروع وهو قيد النقاش. أما الحديث عن
الدستور وتعديله أو تعويضه بالكامل
فتلك متاهة أخرى لم يتوان الرئيس عن
الدخول في تفاصيلها، ولعل نهاية العام
ستكون موعدا مقبولا لتجسيد هذا
الإنجاز. نعم إنها ستة أشهر كاملة
والبلد يعيش ظروفا غير طبيعية وإن شئنا
نزيد عليها مؤامرة كبرى تحاك في مخابر
أجنبية وتنفذها أياد محلية. كل هذا لا
يهم لأن (ما نقوم به الآن هو صناعة
المستقبل وصناعة المستقبل ستكون في
المستقبل عبارة عن تاريخ.. هذا التاريخ
أو المستقبل الذي نصنعه الآن سيؤثر على
العقود أو الأجيال المقبلة لعقود
قادمة)، الأمر ليس بهذه البساطة إذن،
ولو كان لي الحق في تقديم النصح لطلبت
من الرئيس بشار أن ينتظر وقتا أطول
ريثما تكبر الأجيال المقبلة لتقرر
ماذا يليق بها وإن شاءت أن تنتظر هي
الأخرى عقودا أخرى لتنمو الأجيال
اللاحقة. الرئيس الأسد في خطابه اعترف أيضا أن
اللقاءات التي جمعته بأطياف المواطنين
في الفترة الأخيرة هي (أهم عمل قمت به
خلال وجودي في موقع المسؤولية) منذ
إحدى عشرة سنة، لكن ذلك على أهميته لم
يتح له اتخاذ قرار يساعد على تخفيف
الاحتقان الموجود في البلد، فالمستعجل
الآن هو وضع حد لمسلسل الموت والقتل
الأعمى الذي يتعرض له المواطنون
ومحاسبة المسؤولين عن ذلك. الكثير من
السوريين الذين علقوا على الخطاب
استاءوا إلى أن رئيسهم لم يتحدث صراحة
عن المدنيين الأبرياء الذين قتلوا أو
عذبوا غدرا دون أي جرم ارتكبوه، كل ما
قاله هو وعد (آخر) بملاحقة ومحاسبة كل
من أراق الدماء أو سعى إلى إراقتها،
وإذا قلتم إن الأمر تأخر كثيرا
فاطمئنوا إلى أن ذلك ليس معناه (التسويف
ولا يعني التساهل)، لكن حتى هذا الوعد
جاء مبهما ولا يفهم منه إرادة في
الاقتصاص من قتلة الشعب، بل يوحي إلى
أن المقصود هم المندسون والتكفيريون
الذين ظهروا فجأة وشرعوا في قتل الناس. الرئيس وجه نداء إلى أبناء وطنه الذين
فروا إلى تركيا ليعودوا مطمئنين إلى أن
الجيش عندما تحرك إلى قراهم إنما كان
لحمايتهم وضمان أمنهم. لا أعتقد أن
أحدا سيستجيب لذلك، والمشكل ليس في
الآلاف الموجودين على الحدود مع
تركيا، بل ماذا عن الذين خرجوا عبر
المطارات والحدود البرية الأخرى وماذا
عن الذين يوجدون في الخارج والذين
ألغوا جميع مخططات عودتهم إلى البلد
نهائيا أو لقضاء إجازة الصيف وما
أعدادهم؟ إنجاز آخر يمكن أن نحسبه للرئيس في خطابه
هذا، وهو أنه لم يطلق العنان لضحكاته
الشهيرة، كنت أتوقع أن يستمر دون ضحك
إلى آخر الخطاب لكنه سمح لنفسه بذلك
مرتين، والمرتان خير من عشرة وأكثر. كل هذا والعالم لا يزال يلح على الرئيس
بشار أن يباشر الإصلاح قبل أن يفوته
القطار، ألم يفت بعد؟ وهل قادة تركيا
والآخرون جادون في أملهم أن يأتي
النظام الحالي في سورية بإصلاح؟ ' كاتب وصحافي جزائري ================ التدخل العسكري الغربي
في سورية... مستبعد الاربعاء, 22 يونيو 2011 جدعون راخمان * الحياة تزامن خطاب روبرت غيتس، وزير الدفاع
الاميركي، مع توجه الدبابات السورية
الى جسر الشغور الاسبوع الماضي.
والتزامن هذا يلقي الضوء على أفول فكرة
أن القوة العسكرية الغربية يسعها
تقويم أمور العالم وحماية حقوق الشعوب. وقبل أسابيع قليلة، بدا الكلام على أفول
الفكرة هذه في غير محله. فمؤيدو «التدخل
الليبرالي» رحبوا بقرار قصف قوات
العقيد القذافي في ليبيا، ورأوا أن
القصف هذا يفتتح مرحلة تقييد يد
المستبدين في ذبح شعوبهم. والاغلب على
الظن أن يكون اخفاق الغرب في التدخل
للحؤول دون سفك الدماء في الحملة
العسكرية السورية هو الراجح في رسم
صورة مستقبل التدخل العسكري الغربي،
وليس الحملة على ليبيا. والصلة وثيقة
بين التردد الغربي في التدخل بسورية
ومآل التدخل في ليبيا وتعذر الحسم
العسكري. ومرحلة التدخل الليبرالي بدأت في 1991، مع
انهيار الاتحاد السوفياتي وبروز
الولايات المتحدة قوة عظمى أحادية
وإحرازها نصراً خاطفاً في حرب الخليج
الاولى. وبرزت الحرب هذه أمارة على
سلطان القوة العسكرية الاميركية
وفعاليتها. ولم تنته فصول المناقشات
حول متى وأين تتوسل القوة العسكرية.
وحملت الحكومات الغربية أوزار اخفاقها
في حماية الاكراد وشيعة العراق في 1991،
والحؤول دون اعمال الابادة في رواندا
في 1994، وتعثرها في حماية سكان البلقان.
ولكن سلسلة من التدخلات العسكرية
الناجحة في البوسنة وكوسوفو وتيمور
الشرقية وسيراليون بعثت فكرة أن القوة
العسكرية الغربية يمكنها حسم النزاعات
وانقاذ المدنيين. وخلفت تجربتا العراق وأفغانستان
المريرتان أثراً بالغاً في خطاب
التدخل العسكري. والتزم كل من باراك
أوباما في أميركا ودايفيد كاميرون في
بريطانيا الحذر في المغامرات العسكرية
الخارجية. ومع اندلاع الربيع العربي،
اضطر القادة الغربيون الى توسل القوة
في ليبيا، على رغم تردد أوباما وحماسة
كاميرون والرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي. ويظهر مآل الامور في ليبيا كيف يلوي سير
الامور على ارض الواقع يد القادة
السياسيين، ويحملهم على تغيير مواقفهم.
ويرجح ألا يتدخل الغرب عسكرياً في
سورية. ومرد ذلك الى بلوغ مساعي ادانة
سورية في مجلس الامن أو اصدار قرار
يمهد لحملة عليها الى طريق مس دود جراء معارضة روسيا والصين. ويبدو أن
قدرة الغرب على التدخل العسكري
تقهقرت، وانحسرت رغبته في ذلك. والحق أن خطاب غيتس يطوي طموح الولايات
المتحدة لتحويل «الناتو» قوة عسكرية
دولية. فمنذ تعثر الحرب في أفغانستان،
تعاظم الاعتماد الاوروبي عسكرياً على
الولايات المتحدة. والاوروبيون دعوا الى حملة على ليبيا هم
غير قادرين على القيام بأعبائها في
معزل عن المساعدة الاميركية. وخلص
الاميركيون الى أن قوة أوروبا في «الناتو»
لا يعتد بها ولا يعتمد عليها. ويفاقم
قلق الولايات المتحدة انتقال عدوى
تقليص الموازنات الدفاعية الاوروبية
إلى عقر دارها. وأعلن الادميرال مايكل
مولن، أعلى قيادي عسكري أميركي، أن عجز
الموازنة الاميركية هو أكبر خطر يواجه
الامن القومي الاميركي. والعجز هذا هو
العقبة الاكبر أمام «التدخل
الليبيرالي». ولا شك في أن المشكلات لا تقتصر على كلفة
الحملات العسكرية. ففي العقدين
الأخيرين، بدا أن الحملات العسكرية
المجمع عليها تنتهي الى التزام عسكري
يدوم سنوات طويلة. فمهمات «الناتو» لم
تطو في كوسوفو، ويواصل الاتحاد
الاوروبي اداء دور عسكري في البوسنة
بعد أكثر من عقد على انتهاء المعارك
هناك وفي كوسوفو. ودامت الحرب في
أفغانستان ضعفي الحرب العالمية
الثانية. لذا، تبدو حظوظ شن حملة
عسكرية على سورية ضئيلة. * معلق، عن «فايننشل تايمز»
البريطانية، 20/6/2011، اعداد منال نحاس ================ الاربعاء, 22 يونيو 2011 عساف خزام * الحياة اشتركت الأنظمة العربية التي طالتها رياح
التغيير التونسية بتكرارها الممل
لمقولة إن مصر ليست تونس، وليست تونس
ومصر، وصولاً إلى أن سورية ليست تونس
ومصر وليبيا واليمن. البؤس الذي تحمله
هذه المقولة لا يتأتى من مضمونها
الصحيح نسبياً بقدر ما يكمن في الطريقة
التي توظف بها أو الغاية المرجوة من
اجترارها، وهي إنكار حقيقة أن هذه
الأنظمة باتت قديمة وعاجزة عن
الاستمرار بشكلها الحالي، نتيجة
تقادمها وفواتها البنيوي والتاريخي،
ووقوفها عائقاً طبيعياً أمام تاريخ
جديد بدأ بالتسلل عبر خطوط الإنترنت
ومواقع التواصل الاجتماعي. بعد ثلاثة أشهر على بدء الثورة السورية
يمضي السوريون (وليس النظام طبعاً) في
إثبات أن مسار حراكهم مختلف عن بقية
التجارب الأخرى، وإن شابهها في بعض
الملامح كالوجه الشاب للثورة وطابعها
السلمي، وأيضاً اعتمادها بشكل أساسي
على تظاهرات يوم الجمعة كرافعة تخلخل
بنية النظام، وصولاً لرفع الشعار
الأكثر تواتراً على لسان العرب هذه
الأيام: «الشعب يريد إسقاط النظام».
بخاصة وأن ما يشبه الصدفة جعل بن علي
وحسني مبارك يغادران كرسييهم الوثيرين
في يومي جمعة مشهودين حملا أسماء مثل
جمعة الرحيل أو الخلاص، مما أضفى مكانة
خاصة مختلفة ليوم الجمعة ضمن رزنامة
الشعوب العربية. يبدو قاموس الجمعة السوري إلى الآن
مختلفاً عما سبقه في تونس ومصر واليمن (وبذلك
تكون فعلاً سورية مختلفة... على ما ذكر
الرئيس الأسد في لقائه مع «وول ستريت
جورنال» في نهاية الشهر الأول من هذا
العام)، فهو يخلو من مفردات الرحيل
والخلاص والحسم والزحف والفرصة
الأخيرة، والتي تستهدف النظام ووجوده
على هرم السلطة. هذا رغم أن إسقاط
النظام كشعار لم يتأخر في الظهور
والانتشار في أغلب التظاهرات التي عمت
الشارع السوري وبمتابعة بسيطة يتكشف
أن لهذا القاموس إيقاعه الخاص، وأن
أسماءه ومفرداته لا تقتصر في خطابها
على النظام السوري فقط، وإنما هي تتوجه
حيناً للشارع السوري، وحيناً للنظام،
وأحياناً لهما معاً. فمن يتابع الأسماء
التي أطلقها السوريون على جُمَعِهم
يلاحظ أنها محاولات لقراءة الواقع
السوري بما فيه تاريخ النظام
وممارساته عبر عقوده الأربعة أو
الخمسة، وتقديم موقف من تفاصيل هذا
الواقع وتجلياته. فأسماء مثل الكرامة
والتحدي والإصرار وغيرها تريد أن تقول
للنظام إن الشعب أو الشارع السوري
موجود رغم ما فعله النظام من تغييب
وإجهاض وقمع لأي بوادر حياة سياسية،
وأن جدار الخوف قد تصدع مع أول صرخة
حرية أطلقها المتظاهرون السوريون. وهي
في ذات الوقت تحد لإنكار النظام
المستمر لهذا الشارع وحراكه، كما هي
فضح لهروب النظام من مواجهة الأزمة
باتجاه المفردات الأعز على قلبه، مثل
المؤامرة والأيادي الخارجية
والمندسين والسلفيين وغيرها. ولأن أهل الشام أدرى بشعابهم، كانت
مسميات الجمعة العظيمة وجمعة آزادي
وصالح العلي رسائل واضحة بأن سورية
الجديدة هي وطن للجميع على اختلاف
إثنياتهم وطوائفهم، وأن باب هذا
الحراك مفتوح منذ البداية للجميع على
عكس ما يحاول النظام تصويره بأنه حراك
إسلامي طائفي الصبغة، أو انه بأحسن
الأحوال مجرد مطالب مناطقية لا تعني
مجمل الشعب السوري، وهذه المسميات
تؤشر على إدراك الثورة السورية لأهمية
ترتيب بيت السوريين الداخلي قبل أي شيء
آخر، وأن النظام لم ولن يوفر جهداً في
زعزعة هذا البيت، وإظهار تناقضاته
واختلافاته الإثنية والدينية
والمذهبية، واللعب عليها كما اعتاد
طوال فترة حكمه. تريد الثورة السورية أن تحافظ على تفوقها
الأخلاقي الذي كسبت معركته منذ الأيام
الأولى بخاصة مع اعتماد النظام على
روايته الوحيدة بخصوص المؤامرة
والأيادي الخارجية، وبذلك كانت جمع
الحرائر وحماة الديار رسائل للشارع
والنظام معاً، وتعطي تصوراً أولياً
حول مسألة المرأة ودورها في مستقبل
سورية، وأن نساء سورية لهن الدور
والتحية ذاتها، وأن وجود المرأة في قلب
التظاهرات هو الشكل الطبيعي لهذا
الحراك، وأن تهامة معروف وطل الملوحي
ورغدة الحسن وغيرهن الكثيرات هن نموذج
المرأة السورية المختلف عن صورة
المرأة في المنظمات النسائية السورية،
المستنسخة كرتونياً عن حزب البعث. هذا
التفوق تعزز مع جمعة حماة الديار
المخصصة لتحية الجيش السوري الذي
اقحمه النظام في معركة ليست معركته
ودور أبعد ما يكون عما ينتظره السوريون
من هذه المؤسسة الوطنية التي ما زال
الشارع السوري يؤكد دورها الوطني. وهذه
الرسالة تقرأ ذاكرة الدولة السورية
بعد الاستقلال، وما كان للجيش من دور
كبير في الحياة السياسية السورية،
تغول بفعل فاعل باتجاه عسكرة الدولة
والمجتمع، لتعيده إلى مكانه الطبيعي
على حدود الدولة المدنية المنشودة لا
في قلب حياتها السياسية. هل تكفي قراءة المشهد من هذه الزاوية
لإدراك الخصوصية التي يتمتع بها
الحراك السوري ومعرفة ما يميزه عن
التجارب الأخرى في مصر واليمن مثلاً؟
وهل تفسر فكرة ترتيب البيت الداخلي
تأخر جمعة الرحيل أو الخلاص عن الظهور
في أدبيات الثورة السورية؟ أم أن
بإمكاننا الإضافة أن القراءة ذاتها
توحي بتقدير سديد لقدرة وإمكانات
الزخم الجماهيري للثورة، وإدراكها
أنها ما زالت في طور استراتيجية تهتم
ببناء القدرات، وأن عليها العمل
كثيراً لمواجهة مخلفات ومفاعيل
الثلاثين سنة الماضية، بما فيها من فقر
سياسي مدقع، وغياب أي شكل تنظيمي يتيح
للشباب وأفكارهم مجالاً للتلاقي
والحوار وتقديم قيادات ورؤى ناضجة
لمستقبل حراكهم وثورتهم. جملة هذه
الأسئلة ستجيب عنها الأيام والجمع
القادمة. ولعلنا سنتمكن من معرفة المدى
الأفقي والعمودي الذي وصله حراك
الشارع السوري من عناوين جُمَعِه التي
ربما يرغب السوريون في اجتراح أسماء
جديدة لها، تكون خاصة بهم دون غيرهم. لم
لا؟ أليست سورية مختلفة عن غيرها؟ * كاتب سوري ================ شبيحة ماهر الأسد في
مجمع النقابات ياسر أبو هلالة تاريخ النشر 21/06/2011 الغد الاردنية حتى لو تمكن ماهر الأسد وشبيحته من سحق
ثورة الشعب السوري، كما تمكن السفاح
رفعت الأسد من سحق الثورة الأولى في
حماة، فإن موقع الشعب الأردني هو إلى
جانب إخوانه المظلومين لا إلى جانب
النظام الظالم. فالمسألة ليست حسابات
ربح وخسارة، مع أن الرهان التاريخي هو
مع الشعوب الباقية، بل حسابات مبادئ
أخلاقية وقيم إنسانية عليا، تنطبق على
شعب نيبال في أقصى الأرض، تماما كما
تنطبق على الأشقاء في سورية. ما حصل في مجمع النقابات المهنية يبعث على
الفخر، فنقابة المهندسين الزراعيين
أثبتت أنها مع الحرية قيمة إنسانية لا
سلعة خاضعة للمقايضة والمساومة.
فعبدالهادي الفلاحات، الأخ المسلم
الشاب، أثار سخط أقاربه من بني حميدة
عندما رفض المشاركة في حكومة معروف
البخيت، مع أنه معذور في المنطق
الأردني على الأقل لحسابات التقاعد
لشاب في مقتبل العمر. في المقابل،
وجدنا من ركضوا إلى الوزارة ومستقبلهم
خلفهم بعد ان أشبعونا بخطاب قومي. خاضت النقابة معركة من أجل وقوفها مع
الشعب السوري، ليس مع محافظ العاصمة،
وهي معركة سهلة، وإنما مع أنصار النظام
السوري. وأولئك الذين يملؤون الدنيا
ضجيجا تضامنا مع مظاهرة يفضها الدرك
بالهراوات وقنابل الغاز (ومعهم حق في
ذلك) يتعامون عن مظاهرة تفض بالرصاص
الحي في سورية. تماما كما أثبتت النقابة، ومعها نقابة
المهندسين النقابة الأكبر، حرصا على
وحدة مجمع النقابات عندما وافقت على
اختصار فعاليات الجرح السوري إلى يوم
بدلا من ثلاثة، مع أن الأفضل كان
الانقسام الواضح والمفاصلة بين من يقف
مع شبيحة ماهر الأسد والفرقة الرابعة،
وبين من يقف مع شعب سورية وأيقونته
حمزة الخطيب. من الممل الدخول في سجال مع أجهزة النظام
السوري ومن يصدقها، فبفضل الثورة
التقنية وثقت تلك الجرائم، وعاجلا أم
آجلا سيقدم المجرمون إلى القضاء
ويحاسبون بعدالة لا بانتقام. المحاسبة
الأهم هي للذين يقفون خط دفاع عن
المجرمين ويقومون بدور التغطية
والتضليل، ولا تنقصهم الوقاحة في
إيجاد تبرير حتى لتشويه طفل ببراءة
حمزة الخطيب أو مدونة بنقاء طل الملوحي.
وهم صم بكم عمي عما يحل بالشقيق
السوري، ويمتلكون عيونا مجهرية في ما
يجري في الأردن. من يقف مع مجرم مثل ماهر الأسد وشبيحته،
وهو اليوم صاحب اليد الطولى في سورية،
يضرب الفكرة القومية بمقتل. تماما كمن
يقف مع عمر البشير اليوم بدعوى الدفاع
عن المشروع الحضاري الإسلامي. فلا يوجد
نظام أساء للفكرة القومية كالنظام
السوري. ولذا لم يجد مؤسسو البعث مثل
ميشيل عفلق والحوراني قبرا يضمهم في
سورية، وهو من الأنظمة القليلة في
العالم التي تضيق حتى بجثث المعارضين. المفارقة هي في وقوف البعثيين العراقيين
مع النظام السوري، مع أنه وقف مع إيران
في حربها مع العراق في حرب الخليج
الأولى، ومع أميركا في حربها مع العراق
في حرب الخليج الثانية. ونسوا بأن صدام
حسين ساند الثورة المسلحة على نظام
الأسد وليس الثورة السلمية كما اليوم. إن سورية اليوم محكومة من فريق أمني دموي
يقوده ماهر الأسد. وعدد من القيادات
الأمنية والعسكرية، ومنهم علي مملوك
مدير المخابرات لا يتفقون معه. صحيح أن
بشار ظل صاحب القرار الأول، إلا أن
المؤشرات ترجح أخذ ماهر وشبيحته لزمام
المبادرة، تماما كما فعل رفعت الأسد من
قبل. ثمة احتمال ضعيف وهو أن ينقلب بشار
على شقيقه كما انقلب والده، ويخرج
للناس محملا الشقيق الدموي مسؤولية ما
حدث. ماذا سيكون موقف أنصار الشبيحة في
عمان؟ ================ سمير المسالمة الشرق الاوسط 22-6-2011 الجانب التركي في خطاب الرئيس السوري
بشار الأسد كان في العلن لا يتجاوز
العبارة الواحدة من خلال مطالبته
النازحين إلى تركيا بالعودة، لكن
الرسائل المبطنة التي بعثها الرئيس
السوري إلى أنقرة وقيادة العدالة
والتنمية كثيرة وبالغة الأهمية ليس
مستبعدا أن ترد أنقرة على تحية من هذا
النوع بأحسن منها. هو تحدث أولا عن «المؤامرة الداخلية
والخارجية التي تستهدف سوريا» وتوقف
عند مسألة قطع رأس الأفعى وهي طروحات
رفضتها قيادات العدالة والتنمية منذ
انفجار الأحداث في سوريا، داعية
القيادات في دمشق إلى اعتماد أسلوب
وصيغة مختلفة عن الطرح السوري الرسمي
القائم. الرئيس السوري رد ثانيا على أنباء
ومعلومات نسبت إلى مصادر تركية حول طرح
تركي يطالب بعزل ورحيل شقيق الرئيس
السوري ماهر وضمانات تركية تقدم في هذا
الإطار من خلال استقباله في تركيا وعدم
التعرض له أو ملاحقته قانونيا «هي
شائعات خاطئة وغير صحيحة». الرئيس الأسد وفي مكان آخر وبدل أن يشكر
تركيا على فتح أبوابها أمام آلاف
الوافدين من المدن الحدودية السورية
ووضع خدماتها الصحية والاجتماعية
والغذائية تحت تصرفهم على جانب الحدود
المشتركة بين البلدين اختار أن يتجاهل
الموقف التركي بالاكتفاء بدعوة
المغادرين العودة إلى بيوتهم بضمانات
أن أحدا لن يتعرض لهم، وليس في هذا فقط
تجاهل للمبادرة التركية الإنسانية بل
الرد المباشر على وزير الخارجية
التركي داود أوغلو الذي قال إن
السوريين الموجودين في تركيا هم «ضيوف
مرحب بهم»، وإنهم أتوا بقرار ذاتي
منهم، ويعودون بالطريقة نفسها. النقطة
الأخرى التي شكلت رسالة مباشرة
للأتراك في خطابه كانت الرد على ما نشر
مؤخرا حول اقتراحات حملها نائب الرئيس
السوري حسن التركماني من أنقرة خلال
اجتماعاته المطولة مع كبار قيادات
العدالة والتنمية وهي عبارة عن 3
توصيات لا بد من تنفيذها كمدخل لأي حل
وهي: 1– وقف العمليات العسكرية، 2– سحب
القوات العسكرية من المدن، 3– الحوار
مع كافة شرائح المعارضة السورية في
الداخل والخارج. وقد رفضها الأسد كلها
من خلال إعلانه أن مهمة الجيش السوري
لم تنته بعد حتى يعود إلى ثكناته،
باستثناء قبوله لطرح الجدول الزمني
للإصلاحات الذي قال إنه قد يتبدل
ويتغير حسب الظروف والمعطيات القائمة
على الأرض. رجب طيب أردوغان نصح دمشق باعتماد لغة
الحوار مع كافة الشرائح داخل سوريا
وخارجها وتوسيع رقعة الديمقراطية
والإسراع بنشر الحريات وترجمتها
بتدابير عملية على الأرض، الرئيس
الأسد قال إن هناك مخربين وخونة
ومتآمرين لا بد من القضاء عليهم. وكأنه
يقول لآلاف اللاجئين إلى لبنان وتركيا
والأردن ابقوا حيث أنتم فهذا أفضل لنا
ولكم. مسألة أخرى عنت تركيا في كلمة الرئيس
الأسد وهي إعلانه أن سوريا ستعطي دروسا
لدول المنطقة ولن تأخذ دروسا من أحد.
فمن الذي كان يعطي الدروس لسوريا ويوجه
النصائح؟ تركيا هي المعنية بالدرجة
الأولى طالما أن معظم الدول والقيادات
العربية تجنبت الغوص في هذا الملف. الكثير من مواقف وعبارات الرئيس السوري
المبطنة تحتاج إلى تفسيرات فورية
تطمئن أنقرة وتبعدها عن خيار
السيناريوهات الأسوأ في العلاقات بين
البلدين. ربما زيارة عاجلة إلى مخيمات
اللاجئين السوريين في أنطاكية -
ومعانقة الطفلة ذاتها التي رفعها داود
أوغلو بين ذراعيه والعمل على إقناعهم
من هناك مباشرة بالعودة إلى منازلهم
فدعوتهم للعودة لا تكفي وهناك حاجة
لمناقشة وتحديد أسباب مغادرتهم
وإزالتها - قد تشكل الحل الأسرع لقطع
الطريق على ما يتردد في أنقرة حول
استعدادات تركية لإطلاق مشروع «المنطقة
العازلة داخل الأراضي السورية إذا ما
اتسعت رقعة الاحتجاجات داخل المدن
السورية وحاول النظام قمعها عسكريا،
وهي أمور في قمة الخطورة في مسار
العلاقات التركية السورية التي ستفتح
الأبواب على أكثر من احتمال يحول تركيا
إلى لاعب أساسي في أي تحرك دولي يحاول
أن يحسم الأمور على طريقته. ================ طارق الحميد الشرق الاوسط 22-6-2011 بينما شعر كثيرون، داخل سوريا وخارجها،
بالإحباط من خطاب الرئيس السوري في
جامعة دمشق، ومنهم أيضا أنصار الرئيس،
فإن كثيرين في المعارضة السورية
يشعرون بالتفاؤل. وعندما نقول إن هناك
إحباطا من خطاب الأسد الأخير، فالدليل
واضح، فها هو الرئيس نفسه يصدر عفوا
ثانيا وبعد خطابه بيوم، أي ليس ضمن
خطابه الأخير. ولكي لا نتهم من «محللي» النظام
المنتشرين في كل مكان، فقد قال الرئيس
الأسد في خطابه أول من أمس عن مسألة
العفو: «سأطلب من وزارة العدل أن تقوم
بدراسة ما هو الهامش الذي يمكن أن
نتوسع بالعفو فيه». فإذا كان العفو
الثاني جاء بناء على الدراسة، فلماذا
جاء العفو مباشرة ثاني يوم من الخطاب،
أي بسرعة البرق، وفقا لمقاييس السرعة
لدى النظام، بينما تتأخر دراسات باقي
الوعود؟ الإجابة الوحيدة أن النظام
أدرك أن خطاب الرئيس لم يكن مؤثرا.
والسوريون أكثر من غيرهم يعلمون أن
النظام يسير وفق النصيحة الشهيرة
للأسد الأب، والتي تقول: «أذعن قدر
اللزوم، وأصر قدر الإمكان»، لكن
الواضح أن النظام لم يذعن قدر اللزوم،
ويصر قدر الإمكان! أما لماذا تشعر المعارضة بالتفاؤل،
فالسبب هو أن كثيرين منهم يرون أن تأخر
الأسد في إلقاء خطاب لمدة شهرين لم يكن
للأسباب التي يتداولها البعض، داخليا
وخارجيا، مثل أن الرئيس مسلوب القرار،
وخلافه، بل يرون أن النظام كان يمارس
طريقته الشهيرة في التعامل السياسي مع
المجتمع الدولي وهي الابتزاز. فبحسب
المعارضة، فإن النظام كان ينتظر عروضا
تأتيه من الخارج، دوليا وعربيا، أي
افعل كذا مقابل كذا، وهي لعبة أتقنها
النظام مطولا في المنطقة، ومن أشهر تلك
الألاعيب، مثلا، قصة (س + س) في لبنان،
فأبرز أدوات السياسة الخارجية للنظام
هي الابتزاز السياسي. وعليه، فإن النظام كان يعتقد أن الوقت
لصالحه، فإما أن يقضي على الانتفاضة
الشعبية، أو أن يقدم تنازلات وفق أثمان
سياسية كبيرة تعرض عليه من الخارج.
ولذا انتظر النظام لمدة شهرين، لكن
العروض لم تأت، والأزمة بدأت تتفاقم،
من حيث ارتفاع أعداد القتلى واللاجئين
والمعتقلين، وتزايد الضغط الدولي،
وكثرة خروج المظاهرات في دمشق وحلب، مع
تردي الأوضاع الاقتصادية. كل ذلك دفع
النظام للتحرك، وعلى أثره جاء الخطاب
الثالث للرئيس. وما يزيد تفاؤل
المعارضة أن خطاب الأسد قوبل برفض
دولي، وإحباط داخلي، فرغم خروج
مظاهرات مؤيدة للنظام فإن المظاهرات
المناهضة قابلتها فورا، بل ونتج عنها
قتل بعض المتظاهرين ضد النظام، الأمر
الذي يزيد من الضغط عليه، ويهز
مصداقيته أكثر. واللافت للنظر أيضا هو ما قاله الرئيس
الروسي، فبعد أن كرر أن التدخل الخارجي
لن يؤدي لحل الصراع في سوريا، فإنه،
وهذا الأهم، أضاف قائلا: «ليس هناك شك
في أنه من الضروري ممارسة ضغط على
قيادة أي بلد تقع فيه فوضى كبيرة وتراق
الدماء بوجه خاص». وهذا يعني أن الروسي
قد وضع يده في جيبه بحثا عن مفتاح باب
مجلس الأمن! هذه هي القصة، ويبدو أن المعارضة السورية
تقرأ ذلك جيدا، ولذا تشعر بالتفاؤل. ================ حسين علي المحمداني الشرق الاوسط 22-6-2011 هل حمل الخطاب الثالث للرئيس بشار الأسد
لهجة جديدة؟ أم أنه استكمال للخطابات
السابقة؟ حاولت جهد الإمكان أن أستشف
الجديد فيه لكنني عجزت - كما عجز غيري
من الذين تابعوا الخطاب الذي كنا نتأمل
أن يحمل ما هو جديد أو ما يسمى بالإصلاح
- وخاب مسعانا في إيجاد رائحة من
الإصلاح في الخطاب الثالث الذي لم
يختلف كثيرا عن سابقيه. وخيبة الأمل هذه لم تصبني وحدي بل أصابت
رجل الشارع السوري وهو يرى موجات
التصفيق في البرلمان لكل كلمة يقولها «الريس»
أو يفكر في قولها، فما زالت الدبابات
في الشوارع، وما زال المهجرون في
معسكرات اللاجئين، وما زالت الماكينة
الإعلامية السورية الرسمية تعزف
معزوفة «المندسين والمؤامرة
والإرهابيين» وحتى الخطاب الذي ربما
يكون الأخير لبشار الأسد كان يحمل
ضبابية كبيرة في التعامل مع الأحداث في
سوريا، وظل ينظر للمتظاهرين على أنهم
يجب أن يلقوا السلاح ويحاسبوا على
جرائمهم! فمن الذي يحمل السلاح يا ترى؟
هل سمعتم بمظاهرات شعبية يحملون فيها
أسلحة؟ اللهم إلا إذا اعتبر الأسد
اللافتات المرفوعة هي الأسلحة! أو نظر
للمطالب الشعبية على أنها أسلحة يجب
تسليمها! خطاب الأسد كرس مفهوم الدولة الأمنية
المستبدة، الدولة التي تتعامل مع
الشعب على أنه «متآمر»، وبالتالي ترجح
كفة الحل الأمني على الحلول الأخرى
المطروحة والتي ربما تكون في فترة من
الفترات بالمتناول ويمكن تحقيق شيء ما
من خلالها. لكن ترجيح الحلول الأمنية،
ينسف بالتأكيد ما تبقى من الثقة بين
الشعب والنظام، وهذه الثقة من الصعب
استرجاعها، أو بصريح العبارة من الصعب
أن تكون ثمة علاقة إيجابية بين الشعب
والنظام بعد المعاناة الكبيرة للشعب
السوري، خاصة أن الخطاب صنف الشعب
السوري المنتفض إلى ثلاثة مكونات
اعتبرها الأسد مسؤولة عما يحدث في
الشارع السوري؛ أولها أصحاب حاجة لهم
مطالب مشروعة، من دون أن يحدد حجم
هؤلاء ونسبتهم في المجتمع السوري
ومدنه وقراه، وثانيها المطلوبون
للعدالة والذين يزيد عددهم على 64 ألف
شخص وهو ما يعادل خمس فرق عسكرية حسب
تعبيره، وهذا العدد الذي أطلقة يريد من
خلاله إعطاء صورة عن «الفوضى والتخريب»
ولكن لم يسأل نفسه هل هؤلاء مطلوبون
للعدالة قبل الأحداث أو بعدها؟ وطبعا
هنالك فرق كبير جدا بين أن تكون مطلوبا
قبل أحداث سوريا ومظاهراتها أو بعدها،
لأنه بعد الأحداث بات كل الشعب مطلوبا
للعدالة وفق مفهومها لدى السلطة
السورية. أما الصنف الثالث فهم أصحاب الفكر
المتطرف والتكفيري الذين اعتبرهم
الأخطر في كل ما يجري في سوريا. وهذه
التصنيفات للمجتمع السوري يراد من
خلالها خلط الأوراق وربما العزف على
وتر الشقاق بين مكونات الشعب، والأسد
يعرف ديموغرافية سكان سوريا قبل غيره،
وبالتالي تعامل مع هذه التركيبة مرة
أخرى برؤية أمنية بحتة كعادته. نعود للخطاب الذي لم يتناول القضايا
المطروحة في الشارع السوري والتي
أكدها الأسد بأنها أكثر من ألف ومائة
قضية استمع إليها شخصيا ولكن ما فائدة
الاستماع دون البحث عن الحلول
المطلوبة؟ هل يكفي أن يقول الرئيس «فهمتكم»
أو «إني أعي»، وكيف يمكن أن تكون
تعددية حزبية في سوريا والمادة
الثامنة ما زالت تتسيد المشهد السياسي
السوري لتجعل البعث في المقدمة دون
سواه من الأحزاب؟ وكل ما قدمه بشار
الأسد في خطابه الثالث هو مزيد من
الوعود الإصلاحية، هذه الوعود التي ظل
الشعب السوري يسمعها منذ سنوات طويلة. ولم ينس بشار الأسد أن يؤكد أن سوريا يجب
أن تعطي دروسا للآخرين في
الديمقراطية، ولا أدري طبيعة
الديمقراطية التي من الممكن أن تكون
موجودة في سوريا في ظل نظام قائم على
حزب واحد منذ أربعة عقود، وكيف يمكن أن
تتحقق هذه الديمقراطية وسط تزايد
حالات القمع والتهجير التي شكلت علامة
بارزة في المشهد السوري. ========================== فهمي هويدي 21/6/2011 الشروق الجديد وجهت الانتخابات التركية حزمة من الرسائل
التى ينبغى أن تقرأ جيدا، ليس فى تركيا
وحدها وإنما فى مصر والعالم العربى
أيضا، وهذه الأخيرة هى الأهم عندى. (1) الرسالة التى وجهها الأتراك إلى حزب
العدالة والتنمية الحاكم تقول ما
خلاصته إن الشعب التركى يريد أردوغان
رئيسا وليس سلطانا. لقد صوتوا له
ولحزبه بمعدل واحد من كل ناخبين اثنين.
وحين حصل على 50٪ من الاصوات فقد كانت
تلك هى المرة الثالثة فى التاريخ
التركى المعاصر. إذ لم يسبقه إلى ذلك
سوى اثنين هما عدنان مندريس فى عامى 1950
و1954 وسليمان ديمريل عام 1965، كما أنها
المرة الأولى التى يحتفظ بها حزب واحد
بالأغلبية، يشكل الحكومة منفردا فى
ثلاث دورات متتالية. وبشهادة الجميع
فقد كان أداء الحزب خلال الانتخابات
ممتازا، على الاقل من حيث حرصه على أن
يمثل مختلف شرائح الشعب التركى
واتجاهاته الفكرية والسياسية
والعرقية، خصوصا العلويين والأكراد، (كانت
له مرشحة يسارية فى استنبول هى عائشة
نور) واستطاع أن يدخل إلى البرلمان 78
سيدة، أغلبهن من انصاره (كن 50 فى
الانتخابات السابقة) ومن بين ممثليه عن
استنبول شاب عمره 26 سنة اسمه بلال مجيد)
وبهذه التركيبة الثرية قدم حزب
العدالة نفسه بحسبانه حزبا وطنيا يمثل
الأمة بمختلف مكوناتها وليس حزبا
إسلاميا يمثل فئة بذاتها. إذا أضفت إلى ذلك النجاحات التى حققها
الحزب على صعيد الاستقرار وفى مجال
التنمية الاقتصادية والفاعلية
السياسية، فإنك تستطيع أن تدرك لماذا
صوتت أغلبية الناخبين لصالحه ولماذا
حقق فوزه الكبير، لكن الواضح أن
المجتمع التركى أراد أن يجعل الفوز
مشروطا، بحيث يمكن حزب العدالة ورئيسه
من تشكيل الحكومة، لكنه لا يطلق يده فى
تعديل الدستور منفردا، كيف؟ كنت قد ذكرت من قبل أن أردوغان أعلن على
الملأ أن إحدى المهام الاساسية
للبرلمان الجديد هى اصدار دستور جديد
يؤسس للجمهورية الديمقراطية، بديلا عن
الدستور الذى اصدره العسكر فى عام 1982،
لترسيخ أقدام الجمهورية الكمالية
الخاضعة لسلطة العسكر والتطرف
العلمانى. وهو ما اعتبرته فى الاسبوع
الماضى ميلادا جديدا ينقل تركيا من
ولاية العسكر إلى ولاية الأمة، وإذا
كان الانفراد بتشكيل الحكومة يتطلب
الحصول على أغلبية، فإن اصدار الدستور
الجديد من جانب حزب العدالة يتطلب فوزه
بأغلبية الثلثين، والذى حدث أن حزب
العدالة والتنمية فاز بأغلبية الاصوات
حقا، لكنه لم يكمل نصاب الثلثين، الأمر
الذى يعنى ان طريقه أصبح ممهدا لتشكيل
الحكومة، أما طريقه إلى تعديل الدستور
فقد أصبح شائكا وملغوما. لقد كان حزب العدالة يرنو للفوز ب367 مقعدا
فى البرلمان (550 عضوا) لكى يعد الدستور
ولكنه فاز ب363 مقعدا فقط، الامر الذى غل
يديه فيما انتواه وتعين عليه ان يتفاهم
مع الاحزاب الاخرى فى هذا الموضوع،
ولكن ذلك ليس امرا سهلا وهو أكثر
تعقيدا مما يبدو على السطح. (2) تتحدث الطبقة السياسية فى استنبول عن أن
فكرة اعداد دستور جديد ينقل السلطة من
العسكر إلى الامة أمر لا خلاف عليه لكن
ثمة خلافا جوهريا حول مسألة التحول الى
النظام الرئاسى التى يتبناها رئيس
الوزراء الحالى رجب طيب أردوغان. وكما
قال لى نائب رئيس حزب الشعب أوغوز
ساليشى فإنهم متفقون مع الحزب القومى
الممثل فى البرلمان على رفض ذلك النظام
لسبب جوهرى هو انه يشكل خطورة فى بلد
ثقافته متأثرة بنظام السلطة العثمانية
الذى استمر ستمائة عام. ولهذا فإنهم
يعتبرون ان النظام البرلمانى يوفر
ضمانات لحماية الديمقراطية فى تركيا
بأكثر من النظام الرئاسى. فى هذا السياق فإن البعض يرون أن النظام
الرئاسى يشكل أحد الخيارات المتاحة
امام اردوغان، الذى لا يسمح له قانون
حزبه بتولى رئاسة الحكومة لثلاث مرات
متتالية. ولأن هذه هى فرصته الثالثة
والأخيرة فإن أمامه ثلاثة خيارات
لمستقبله، إما أن يترشح للرئاسة بعد
ذلك بما يخرج الرئيس الحالى عبدالله
جول من الساحة (يرشحه البعض لسكرتارية
الأمم المتحدة). وإما ان يخرج من السلطة
ويتفرغ للحزب مدة أربع سنوات ثم يعود
للترشح مرة اخرى لرئاسة الحكومة بعد
ذلك. الخيار الثالث أن يقر الدستور
النظام الرئاسى فيصبح هو رئيس الدولة
وهو رئيس الوزراء فى الوقت ذاته وذلك
هو الخيار الافضل بالنسبة له. يزيد من صعوبة تمرير التعديل الدستورى
بالصورة التى يريدها اردوغان أن
البرلمان الجديد يضم عناصر قوية من حزب
الشعب والحزب القومى إضافة الى قوة
الاكراد الصاعدة (لهم الآن 36 نائبا،
كانوا 20 فقط فى انتخابات عام 2007). لهذا
السبب فإن ثمة أصواتًا تحدثت عن أن
موضوع الدستور الجديد قد لا يصدر فى ظل
وجود البرلمان الحالى، وهو الذى عبر
عنه صراحة الكاتب التركى مصطفى اوزجان.
واذا صح ذلك فإنه قد لا يؤثر على قوة
وثبات حزب العدالة والتنمية، لكنه قد
يضع اردوغان امام خيارات صعبة لا يفضل
ايا منها بعد أن أدرك أن المجتمع
التركى يريده، لكنه ليس راغبا فى ان
يعطيه صَّكا للمستقبل على بياض. (3) ما خصنا من رسائل الانتخابات التركية
أقرب إلى الدروس التى يتعين استيعابها
والاعتبار منها. سأضرب ثلاثة أمثلة
مستقاة من سلوك حزب العدالة والتنمية
الذى يعرف الجميع جذوره الاسلامية،
باعتبار انه خرج من عباءة حزب الرفاه
ذى الاتجاه الاسلامى الصريح الذى اسسه
البروفيسور نجم الدين اربكان (توفى هذا
العام). وكان اردوغان مسئول الشباب فى
الحزب فى مدينة استنبول ثم رئيس الحزب
بالمدينة وبهذه الصفة رشح لرئاسة
بلدية استنبول فى عام 94، ودخل السجن
بسبب انتمائه للحزب، وحين خرج طور من
أفكاره وأسس مع بعض رفاقه حزب العدالة
والتنمية عام 2001، الذى فاز بالاغلبية
فى العام التالى مباشرة. ولأن حجاب الرأس يشكل علما ورمزا له
أهميته البالغة فى تركيا جعلته بمثابة
حد فاصل بين الانتماءين الاسلامى
والعلمانى، فإن تهمة الأسلمة ما برحت
تلاحق رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء
لمجرد أن زوجتيهما محجبتان وكذلك
الحال مع أغلب قيادات الحزب، مع ذلك
فتعال نَرَ كيف تعامل الحزب مع المجتمع
ومع الانتخابات. الملاحظة الاولى أن الحزب ظل يقدم نفسه
بحسبانه مشروعا لخدمة الناس وليس
منبرا لوعظهم. وقد فهم السياسة ليس
بحسبانها فن الممكن كما هو التعريف
السائد فى الغرب ولكنه تعامل معها من
منظور فقهائنا الذين قالوا انها كل ما
كان به الناس أقرب الى العلاج وأبعد عن
الفساد. بالتالى فإن الحزب اختار من
البداية أن يقنع الناس بأنه أنفع لهم
من غيره، وأنه مؤتمن على مصالحهم
ومشغول بهمومهم وأوجاعهم. ومن ثم ترجم
السياسة إلى ضرورة أن يكون حالهم أفضل
وحلمهم أقرب إلى التحقيق. وكان ذلك هو
الباب الذى دخلوا منه إلى البلديات،
حيث تنافسوا على خدمة الناس. الأمر
الذى أوصلهم بسهولة إلى قلوبهم. وهى
رسالة أهديها إلى التيارات الإسلامية
التى تتسابق الآن على تشكيل الأحزاب
وأعينها معلقة على المؤسسات السياسية
ومدارج السلطة، ولم نر أحدا منها
مشغولا بالمجتمع وخرائطه. الملاحظة الثانية تتمثل فى الجهد الذى
بذله حزب العدالة لاحتواء الأطياف
المختلفة على النحو الذى حوله إلى حزب
وطنى مهجوس بمستقبل الأمة وليس مشروع
الجماعة. إذ حين يستعرض المرء هويات
المرشحين واتجاهاتهم يدهشه أن قادة
الحزب كانوا مشغولين طول الوقت بقضية
النهوض بالوطن وليس تعزيز موقع
الجماعة، مدركين أن الوطن غاية والحزب
وسيلة، وهى المعادلة المختلة عندنا،
حيث تتعدد لدينا الشواهد الدالة على أن
الجماعة أو الحزب هو الغاية بينما
الوطن مجرد وسيلة تستخدم لتقوية
الغاية. الملاحظة الثالثة تتمثل فى موقف حكومة
حزب العدالة وقيادته من قضية الحجاب
الذى لا يزال العلمانيون المتطرفون
يعتبرونه خطرا يهدد الجمهورية
والعلمانية. ولا يزالون يرفضون تصديق
أن زوجتى رئيس الجمهورية ورئيس
الوزراء محجبتان، ويعتبرون ذلك من
الكوارث التى حلت بالبلاد منذ سنة 2002.
ومعلوم أن القوانين التركية تمنع دخول
المحجبات إلى دواوين الحكومة
والمؤسسات الرسمية، كما تمنع انتظامهن
فى المدارس والجامعات الحكومية. ولكن
هذه القبضة تراخت بصورة نسبية بضغط
المجتمع بالدرجة الأولى منذ تولى حزب
العدالة والتنمية للسلطة. ولكن الحجاب
لم يسمح به قانونا. وحين صوتت أغلبية
أعضاء البرلمان على الإلغاء فى عام 2007.
فإن ذلك استنفر أركان المعسكر
العلمانى الذين تحركوا لرفع قضية أمام
المحكمة الدستورية العليا لحل حزب
العدالة والتنمية بما يؤدى إلى إسقاط
الحكومة وإجراء انتخابات جديدة. وكانت
النتيجة أن تم سحب المشروع بسرعة لتجنب
أزمة سياسية كبيرة تهدد استقرار
واقتصاد البلاد. وحين طلبت بعض
المحجبات أن يترشحن للانتخابات
البرلمانية الأخيرة، فإن قيادة الحزب
آثرت عدم الاستجابة لطلبهن، لتجنب
تأزيم الموقف فى البرلمان، فضلا عن
التذرع بهذه الخطوة لحل الحزب وإخراجه
من المشهد السياسى. حين ناقشت بعض القيادات فى الموضوع فإنهم
قالوا إن ذلك القرار اتخذ فى ضوء
موازنات تمت بين الضرر الأصغر والضرر
الأكبر، وإن مسألة الحجاب تحل
بالتدريج وطول النفس. لأن المحجبات
دخلن إلى مجالس البلديات، وليس ثمة
عجلة فى إدخالهن إلى البرلمان. وهناك
مصلحة مجتمعية فى زيادة تمثيل النساء
فى البرلمان من 50 إلى 78 سيدة، وهذه
تتقدم على المصلحة التى تترتب على
ترشيح عدد محدود من المحجبات، فضلا عن
أن هذه الفرصة لابد آتية يوما ما، فى
الانتخابات القادمة غالبا، وذلك درس
فى التدرج والموازنة يصعب على كثيرين
الاقتناع به فى بلادنا. (4) الرسالة الأخرى التى يصعب على كثيرين
استيعابها فى المشهد التركى هى أن حزب
العدالة والتنمية رغم أنه يعتبر نفسه
حزبا وطنيا ومدنيا وليس حزبا إسلاميا،
فإن الباحث المدقق يستطيع أن يلحظ أنه
يتحرك فى إطار المقاصد الإسلامية،
التى توصف فى الأدبيات السياسية
بالمرجعية الإسلامية. وهذه نقطة تحتاج
إلى تحرير. وقبل أن استطرد أذكر بأن ما أسجله هنا هو
اجتهادى الشخصى وليس منسوبا إلى أحد من
حزب العدالة والتنمية. ذلك أننى أفرق
بين المقاصد التى هى الأهداف الكلية
والعليا، وبين الوسائل أو الأحكام
التفصيلية. ومحور المقاصد هو إقامة
العدل وتحقيقه بين الناس، باعتباره
أمر الله وكلمته بنص القرآن. ويدخل فيه
احترام كرامة الإنسان وحقه فى مقاومة
الظلم وممارسة الحرية والشورى، وتحرير
عقله وعصمة دمه وعرضه وماله.. إلى غير
ذلك من المقاصد التى تشكل ساحة رحبة
للقاء مع الآخرين، وطريقا واسعا
للنهوض بالمجتمعات. وهى هنا مرجعية
إسلامية لأن لها تأصيلا شرعيا يدعمها
ويؤسس لها. أما تنزيل تلك المرجعية على
أرض الواقع فيختلف من مجتمع إلى آخر.
فهناك مجتمع يقبل المقاصد وليس مهيأ
لاستقبال الوسائل كما هو الحاصل فى
تركيا، وهناك مجتمع آخر يحتمل الاثنين.
وفى كل الأحوال فإن الله لا يكلف نفسا
إلا وسعها والله أعلم. ===================== ثلاثة خطابات وإصلاح لم
يتحقق بسوريا ماجد أبو دياك (الجزيرة نت) 22/6/2011 بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على اندلاع
الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية
في سوريا، وبعد غياب طال نحو شهرين عن
خطابه الأول، ألقى الرئيس السوري بشار
الأسد خطابا ثالثا تحدث فيه مجددا عن
إصلاحات، ورفض فيه الحوار مع من أسماهم
المخربين. مرة أخرى، انتظر الأسد ربما أكثر من
اللازم قبل خطابه للشعب، ولكنه اعترف
هذه المرة بأن ذلك تسبب في شائعات، وإن
كان أشار إلى أنه انشغل في اللقاءات مع
الفعاليات الشعبية للوقوف على مطالب
المواطنين عن كثب، كما قال. المخربون والمسلحون ومنذ الخطاب الأول وحتى الثالث، ارتفع
سقف المطالب الشعبية في سوريا لتنتقل
من المطالبة بالإصلاحات إلى الدعوة
إلى سقوط النظام وبشار الأسد شخصيا
وحزب البعث الذي يترأسه، ولكن الرئيس
السوري أصر مجددا على تكرار مصطلح
المخربين أو المطلوبين الذين قال إن
عددهم وصل لنحو 64 ألفا إضافة إلى
المسلحين، رافضا الحوار مع هؤلاء،
وقال إنه سيهتم بمطالب المواطنين. وقد وعد الأسد في خطابه الثاني بإلغاء
قانون الطوارئ ومحكمة أمن الدولة ووفى
بوعده، ولكن القبضة الأمنية اشتدت على
المتظاهرين الذين قتلت قوات الجيش
والأمن والعناصر التي باتت تعرف
بالشبيحة أكثر من 1300 منهم، فيما انطلقت
آليات الجيش لملاحقة الانتفاضات
الشعبية، بدءا من درعا التي نكبت بحصار
طويل، ومرورا بتلكلخ على الحدود مع
لبنان، وليس انتهاء بجسر الشغور على
الحدود مع تركيا. ولم ينس الأسد الحديث عن "المؤامرات
الخارجية" التي تحاك ضد بلاده -وهي
المقولة التي رددها الإعلام السوري
كثيرا، في إشارة لموقف الممانعة الذي
اتخذته دمشق في التعامل مع الصراع
العربي لإسرائيل- إلا أن إجراءات
الرئيس الشاب على الأرض لم تأخذ بعين
الاعتبار صيانة الموقف السوري بتحصين
الجبهة الداخلية وتعزيز الحريات
والديمقراطية، وذلك كما يقول منتقدوه. ومن اللافت للانتباه أن أشد الإجراءات
الأمنية ضد المتظاهرين كانت تلك التي
تلت خطاب الأسد الثاني في أبريل/نيسان،
الذي تعهد فيه بحزمة إصلاحات واسعة.
وأدى ذلك إلى إشاعة المزيد من أجواء
الإحباط لدى الناس الذين ازدادت
جرأتهم في تحدي قمع النظام الذي قالت
منظمات حقوقية إنه وصل لمستويات
قياسية في قتل المتظاهرين والتنكيل
بهم، فضلا عن الصور التي نقلتها مواقع
على الإنترنت لتنكيل مسلحين بلباس
مدني بالمتظاهرين. ويلاحظ أيضا أن الرئيس السوري -الذي بدأ
خطابه الأول في 30 مارس/آذار وكان واثقا
من نفسه ومبتسما- بدا في وضع غير مريح
بعض الشيء في الخطاب الأخير، وهو يحاول
معالجة قضية أكثر من عشرة آلاف فروا
إلى تركيا، داعيا إياهم للعودة إلى
بلادهم دون الخوف من الانتقام. إصلاحات بالخطابات ورغم أن الإصلاحات تجاوزها الشارع
السوري، فإن الوعود الجديدة -التي
كررها الرئيس السوري بقوانين جديدة
للانتخابات البرلمانية والسماح
بإنشاء أحزاب سياسية وإطلاق حرية
وسائل الإعلام- ارتبطت بحوار وطني لا
يعرف مدى تمثيل المطالبين بالحرية
والديمقراطية فيه، فضلا عن التلويح
بإمكانية تأجيل انتخاب مجلس النواب
وفقا لهذه الرزمة. وكما حصل في المرات السابقة، فقد خرج مئات
الآلاف من السوريين للشوارع تنديدا
بالنظام بعد الخطاب، وهو أمر أشار له
المعارض السوري وليد البني الذي قال إن
"النظام لا يدرك أن هذه حركة جماعية
في الشوارع تطالب بالحرية والكرامة". ويرى المراقب العام للإخوان المسلمين في
سوريا محمد رياض الشقفة، أن هذه الكلمة
الأخيرة للأسد ستقوي حركة الاحتجاجات
فيما يتعلق بالرغبة في تغيير النظام،
مضيفا أن المتظاهرين يصبحون أكثر
حماسة بعد كل خطاب للأسد، لأنه "لا
يقدم لهم سوى جمل معسولة". عين على روسيا والصين جاء الخطاب الثالث للأسد في وقت ازدادت
فيه العقوبات الأميركية والأوروبية
على النظام السوري، وإن كانت هذه
الخطوات لم تصل إلى القسوة التي تهدد
النظام بأكمله أو تدفعه للإسراع في
التعامل مع الأزمة. ولكن يبدو أن الرئيس السوري سعى هذه المرة
لتعزيز موقف روسيا والصين الرافضتين
لفرض عقوبات أممية على النظام السوري،
والحصول بالتالي على المزيد من الوقت
لمعالجة الأزمة المتصاعدة في بلاده. ومع ذلك، يتجه النظام السوري إلى خسارة
حليف إستراتيجي، وهو تركيا التي
استمرت في دعوتها له إلى الجدية في
الإصلاحات والتوقف عن قمع المتظاهرين،
دون جدوى. ومع احتجاجات تتدحرج من مدينة إلى أخرى
ومن بلدة إلى التي تليها ومن قرية إلى
التي تجاورها، لا يبدو أن أسلوب
الخطابات -الذي أجاده الأسد في التعامل
مع القضايا الإقليمية- قادر على إقناع
جماهير الناس برغبته الجادة في
التغيير، أو إمكانية الثقة في نظام
أسال دم الكثيرين في الشوارع، الأمر
الذي يشير إلى أن أفق الأزمة ما زال
عصيا على الحل، ما لم تترجم مطالب
الناس إلى واقع ملموس على الأرض. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |