ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإثنين, 27 يونيو 2011 عادل محمود * الحياة ويل لكم ان لم تقولوها، وويل لنا ان لم
نسمعها! سأبعثر شهادتي كيفما اتفق، عن هذه
البلاد، التي لفرط حبنا لها، نبعثر
مصيرها، في عبث يقترب من القتل غير
المتعمد، المألوف بين الدببة! تفتخر سورية في خطابها الرسمي الدائم،
بأنها وطن الحضارةٍ، وموطن المؤامرات.
أم المآزق الدائمة، والانتصارات على
المآزق الدائمة. بأنها تمجد الاستشهاد
في شاخصات الطرق، والإنشاء
التلفزيوني، ولكنها لا ترى أسئلة
أجيالها في عيونهم وهي تقول: متى نعيش؟ ويفتخر النظام السوري منذ خمسين سنة
بصموده في وجه الغزو وإسرائيل، وعندما
يتعرض البلد للأخطار الكبرى، كما
الآن، يرى المسألة على النحو التالي: «النظام»
في خطر! بينما كون مواطنوه جميعاً،
بالغريزة والمعرفة، يدركون ان «الوطن»
في خطر! ولذلك هو يستنفر الأجهزة
الأمنية بدلاً من إيقاظ الأعضاء
البشرية. ويستهين بالمؤشرات الناطقة،
لان لديه يقين المعلومات الصامتة! ويقع الشعب السوري، كما هي الحال الآن،
بين مسننات الوضوح والغموض، المؤامرة
والمظاهرة، اليقين السادي والشك
المازوشي. بين هدير البشر وزئير
الأسلحة. بين سقوط النظام وسقوط البلد.
وتخرج من الجسد السوري دمامله
الطائفية، كما تخرج من حناجر محتجية
نداءات العافية الوطنية. فنرى في
اللوحة شيوخاً وشبيحة، قتلة مجرمين،
وقاتلين مأجورين. ونرى مدنا مسالمة
ومدناً محاربة. أملاً بالتغيير ويأساً
من الإصلاح. فيما تحزن السوريين جميعاً
هذه الكآبة يوم الخميس، وهذا التوتر
الدموي يوم الجمعة. حتى لم يبق لنا سوى
يوم السبت، كمشترك هزلي، بالصدفة، مع
اليهود! البلاد تقدم كشف خسائرها من أبنائها.
ويبقى المجهول من الكشوف الأخرى... حيث
تصمت، في صبر او خوف، غالبية تعلم حجم
الكارثة، ولا تستطيع ان تفعل شيئاً،
سوى التقدم في السمنة اما تلفزيون
يكذب، وآخر يغبرك، وثالث يفتح المكلمة
اليومية، ليدلي بدلوه، في بئر الصحراء:
منوهون، وجهلة، ودعائيون... ومسوقو
أزمات. وبينهم بضعة « ملائكة» يرفرفون،
بكلماتهم، على أفاريز الخراب. وتبقى الغالبية الصامتة موضع رهان
الطرفين: المتظاهرون يأملون بتغذيتهم
منها، والسلطة تأمل بنزيف المتظاهرين
الى صفوفها. ويبدو ان لا احد يفهم الآخر
على الأرض المشتبكة والمشتركة في لعبة
قديمة لميزان القوة... هي لعبة «عض
الأصابع» البدائية! لكن ثمة هناك
أمثولات أخرى: منها معاندة القرصان
الذي اختطف رجلاً وطلب منه دفع مئة
دولار، أو التهام كيس ملح. النظام
السوري متهم بوجه شبه مع بطل القصة:
التهم معظم محتويات الكيس بصمود
وإصرار... وعند آخر حفنة ملح مستحيلة
دفع المئة دولار! منذ البداية... منذ درعا، قلنا له، لهذا
السوري أمام القرصان: ابدأ بتنفيذ كل
شيء دفعة واحدة، في خيار غير شمشوني،
عاقل ويعرف، منذ اللحظة الأولى... الى
أين تسير الأمور: تظاهرة كانت ام
مؤامرة! نصف الأشياء المطلوب تنفيذها هي: إعادة
حقوق، وإزالة مظالم، وتحسين شرط معيشي
مبتذل في سوئه. والنصف الآخر هو: كسر هذا البيت الخشبي
لسلطة متخشبة ومغرورة، ولنظام لم يبق
له مثيل بعد زوال الكرتون النمطي
لأنظمة السوفيات، لم تصمد في وجه رياح
التغيير، حتى وهي مدججة بملايين
البطاقات الحزبية، الأفضل مما لدينا
بقوة المادة (8) من الدستور السوري،
مدعومة بأجهزة امن تسترق السمع لمعرفة
ما يدور في أسرّة العشاق في بيوتهم! (اسألوا
ميلان كونديرا). هذا البيت الذي ليس المطلوب ان يتجدد، بل
ان يزال ما لا يصلح منه، وظيفياً
وجمالياً، في هدوء، ورقي وهندسة
معمارية حديثة، من دون غش وعشوائيات. بيت معافى، مهوّى، بنوافذ مفتوحة على كل «صهيل
الجهات» السورية. من دون الحاجة الى
مزيد من الدم، ومن دون الحاجة الى قرع
الطبول (التي تصنع عادة من الشجر
المقطوع - كما البغضاء التي تصنع من
الرجال المقتولين!) من دون الجوقة
الخارجية الكونية الغيورة، كذباً على
حقوق الإنسان! منذ الأسبوع الأول للأحداث، كتبت في
جريدة محلية: اقترح ان يكون آخر عمل
للسجناء السوريين هو عقوبة جمالية: «تبييض
زنازينهم، وكتابة ذكرياتهم وأسمائهم
على الجدران، قبل الخروج الى الحرية...
بقرار رئاسي». وقد تأخر هذا، أشهراً، وجاء حين جاء،
ناقصاً. وامتلأت السجون بنزلاء جدد،
معظمهم في سن العطالة من العمل من شباب
سورية بين ال 18 والثلاثين! هكذا لم تصبح
السجون بيضاء بل حمراء مرة أخرى! ان مصطلح الإصلاح جرى التعامل معه بخفة
مقصودة، من قبل السلطة السورية،
وأحياناً في غش مقصود. إذ لا يمكن ان
يكون إصلاحاً تغيير دولاب في عربة
معطوبة. وحتى إصلاح العربة المعطوبة هو
تغيير لها، بمجرد صلاحيتها الهندسية
للسير الى هدف وأحياناً لا هدف، كما في
قصيدة لبرتولت بريخت: اجلس على قارعة الطريق، بينما السائق يغير العجلة. لا أحب المكان الذي جئت منه، ولا أحب المكان الذاهب اليه. لماذا، اذاً، ارقب تغيير العجلة بفارغ
الصبر؟ واذاً فالإصلاح تغير جذري للهياكل التي
سكن فيها وتعايش معها الشعب السوري،
منذ كان ستة ملايين وحتى صار 23 مليوناً:
الحزب الواحد. الأمن. الرأي الواحد.
وظلت «دولة الشعب» هذه تخطئ في كل شيء،
حتى في توفير الصلابة الحقيقية للبيئة
الإستراتيجية... ولا يحاسبها أحد. بينما
يعاقب فرد واحد. شخص واحد، اشد العقوبة
على رأي، كانت محكمة هزلية تصوغ، بشكل
هزلي، حيثيات العقوبة على النحو
التالي: «إضعاف الشعور القومي!». بهذا المعنى لم تكن الدولة لا أماً رؤوماً
ولا أباً رحيماً... بل أصبحت، بسبب
النقص الفادح في الضمير، تسرق القوت
اليومي لأبنائها على طريقة الغول الذي
لا يشبع، واللص الذي لا يرتدع. متفاخرة
بأنها دولة الاستقرار (ما يعني انه...لا
مشكلة أبداً) أنا لم أفاجأ بالعنف الذي مارسه الأمن على
المتظاهرين فلأقل من هذا السبب كان
العنف يمارس بوصفه دواء يصلح كل
انحرافات وظائف الأعضاء. حتى أصبح
سائداً في اللغة اليومية لشرطي السير،
ورئيس مخفر شرطة، ومدرس تربية وطنية،
وحوار مسلسل عاطفي، لغة بلا مجازات،
وتوسطّات، وعيش مشترك! كما لم أفاجأ بوجود أسلحة بكميات قتالية،
لأن خطوط التهريب تباع بالساعات
وبالدقائق، في مصطلح شائع اسمه «شراء
الطرق» وكل منافذ حدود سورية بلا
استثناء كانت تشترى وتباع. بل ان كبار
المهربين هم من علية القوم جهاراً
نهاراً وبأسلحتهم. لكن الأمر الغريب، انني لم أفاجأ أيضاً
بدخول المسلحين، القتلة، الإرهابيين
إذا شئتم، على خطوط التماس، في المناطق
الحدودية (جغرافياً وطائفياً!) فما كان
يبدو مستبعداً في مسألة الطائفية، كان
واقعاً، بتدقيق النظر في انعدام
الاندماج الاجتماعي، الثقافي،
السكاني. فضلاً عن الشعور السائد العام
بوجود أنواع من الوظيفة الطائفية
تستخدم لاختراقات القانون، أو الحصول
على امتيازات. والطائفية، بطبيعتها،
مرض مصالح، وليس عافية أديان ومذاهب.
وكما نعلم هناك بلدان محاصصة طائفية (كلبنان
والعراق مثلاً) مقوننة ومدسترة كمصدر
للشرعية! في الستينات لم نكن نعثر على المحجبات في
الجامعة - مثلاً - الا في كلية الشريعة.
والآن لا تعثر الا على المحجبات. وليس
في سورية وحسب، بل في مصر (انظر حفلات
أم كلثوم القديمة في التلفزيون، ليس في
الصالة محجبة واحدة). وهناك، طبعاً،
أسباب عديدة، من بينها غياب اي مشروع
ثقافي اجتماعي جمالي، معرفي، سياسي،
غير مشروع تأييد السلطة، وشرعنة
وجودها الذي يعني تهميش سواها... فتصبح
الأديان والتدين والتعصب ملاذ حالات
انعدام الأمل والكرامة! أما الشكل الذي رأيناه من العنف... فله
مرجعية حديثة، عمرها من عمر ال «بن
لادنية» وخريجي مدرستها الحربية التي
سوقت القتل. (انظر عشر سنوات قتل في
الجزائر... البارودة على الكتف والبلطة
باليد) ولا حاجة للتذكير بالوالد
الحقيقي، الأميركي لها! ال «بن لادنيه» و «طالبان» كلتا منظومة،
كاملة الأوصاف، منظومة فتاوى، تسبح في
منظومة اكبر تطاول الثقافة كلها
والموقف من الآخر اياً كان، على طريقة
اليهود حيث هناك: اليهودي والغوييم (الغريب)
اي الآخر! فاليهودي المتعصب مثل نظرائه المتعصبين،
في الأديان، عبر التاريخ، ينظر الى
الأخر كموضوع للإقصاء، في حالة السلم -
كحد ادنى، وللقتل، في حالة الصراع، كحد
أقصى، والتقطيع والتمثيل، كسادية
ملمظة. هكذا نعثر على حطام تماثيل بوذا في
أفغانستان، عرين «طالبان». وعلى محنة
العذاب التي عاشها صديق، كاتب سوري، في
معرة النعمان... اختطفه مسلحون، عرفوا
انه ورفاقه شكلوا دروعاً بشرية لحماية
قبر ومكتبة وتمثال أبو العلاء المعري،
في مدينة معرة النعمان السورية. نكلوا
به جسدياً وهم يقولون: «تريد ان تحمي
الصنم الزنديق الطاغوت أبو العلاء؟ يا
خنزير، يا علماني ملحد... هذه زوجتك شبه
عارية (سفور) في موبايلك، يا قليل الشرف!»
الى آخره. طبعاً هذا يشبه شريط فيديو (لم يتوفر دليل
على صحته الآن) يرفس فيه رجل امن رجلاً
على الأرض ويقول له: «تريد حرية ... يا
كلب!» «الوطن في خطر»... ليس الآن حالة الوطن... بل
منذ زمن بعيد، منذ الثمانينات. وفي تلك
الأيام (يا للمصادفة!) كتبنا بياناً.
ووزعناه عنوانه «الوطن في خطر» وقعه
مثقفو سورية قد دفع أصدقاء عديدون ثمن
توقيعهم، على ذلك البيان، سنوات سجن
طويلة. «النظام في خطر» ليس الآن حاله... بل منذ
زمن بعيد... زمن كامن، مضمر، انتظر
فرصته في الربيع العربي، وأمام النظام
الآن ان يكون شجاعاً ويدفع الثمن، (لا
كمخذول أو مهزوم) بإحدى الطريقتين:-
الطريقة الراقية (ولا بديل لهذه الكلمة
العامة الملتبسة)، وهي التخلي
التدريجي المتدرج عن احتكار السلطة
وتوارثها وتأييدها، في عملية مشتركة
بين المجتمع والنظام... بين من لديهم
قوة الاعتراف بالأخطاء وبالأخطار - في
السلطة - وبين من يحتفظون بجلال ونظافة
قوة الحق في المعارضة. - أو الخيار الشمشوني... (عليّ وعلى أعدائي).
وهذا الخيار عثماني: وهو الدفاع عن
النظام، حتى آخر طلقة. لقد كان بوسع
العثمانيين توفير دماء الناس الذين
ظلوا يقاتلون، في يأس، على خط الانسحاب
من قناة السويس الى إسطنبول في أواخر
الحرب العالمية الأولى! قلت في مقال محلي: ان خريطة الطريق
موجودة، حتى في الصيدليات، ومن دون
وصفة طبية. وهذه الخريطة لا تحتاج الى عبقرية في
التنفيذ، ولا الى تضحية في المصائر...
تحتاج الى التخلي عن المبادئ المبتذلة
ل «ميكيافللي» حيث نصح في تلك الأزمنة
الغابرة، إمبراطوراً رومانياً
معتوهاً قائلاً له: «خير ان يخافوك من
ان يحبوك» و «ماذا يهم ان كان تسعة من
أصل عشرة ضدي... ما دام العاشر معي و...
مسلح؟». في هذه البلاد العزيزة سورية، الجميلة،
العظيمة، العريقة... نحتاج، مرة أخرى،
إلى التبصر بهذه الجملة المكررة: «ان
الوطن في خطر!». =================== خطاب الأسد.. عش رجباً تر
عجباً الشرق القطرية خالد هنداوي 27-6-2011 في ثالثة الأثافي بعد ثلاثة أشهر من
الاحتجاجات المشروعة المحقة كما ذكر
الرئيس بشار في أول خطاب له نهاية مارس
الماضي أخرج اليوم ما في جعبته مما خف
حمله من كنوز الإصلاح السحرية هذه
المرة التي أراد بها أن يطلع علينا بعد
غياب محير فكشف المستور بعد أن بلغ
السيل الزبى، ورفع عقيرته واقفا على
مدرج جامعة دمشق التي لم يكن الطلاب
فيه حضورا اللهم إلا من كان مؤيدا أو له
عذر الإحراج في الحضور ثم الإزعاج
بالتصفيق، إلى أن انتهى الخطاب على
حصان طروادة وسمعنا من قال: لافض فوه
وإن من البيان لسحرا ومن قال: يا جماعة
لا تنسوا أننا في شهر رجب وحالة: عش رجبا تر عجبا إن البلاء موكل بالمنطق تسمع بالمعيدي خير من أن تراه وبين هؤلاء وهؤلاء قرأت ما يقال أن الرئيس شنَّف أسماع الأمة
بما أصاب كبد الحقيقة في الحديث عن
الوضع السوري الراهن وطرح الإصلاحات
المطلوبة فقلت: لقد أطنب القائد في
كلامه ليعرف كل من في شوارع الشام أنه
أوجس خيفة منهم ولكنه حريص عليهم ولذلك
طبخ للجميع اليوم طبخة شهية في اعتباره
وأراد منهم أن يأكلوا منها حتى لو لم
تعجبهم ولم يستشر أحدا منهم في نوعها
وطعمها، فهي من الرئيس الأوحد ولابد أن
تكون لذيذة طيبة نافعة وفي عهد الفكر
الشمولي للأب والابن فلابد للقطيع أن
يستسلموا فالآخر لا مكان له إلا في
نفسيهما حتى لو لم تكونا على حق وفضيلة. فماذا قال صاحبنا في بعض هذا الخطاب وأتى
به من جديد، طبعا إن الأسطوانة التي
تعود عليها شعبنا منذ أكثر من أربعة
عقود هي الاتهام بالمؤامرة فما يقوم
الأحرار به من احتجاجات سلمية فعلا
ضده، إنما هي جارية في هذا السياق،
إنها مؤامرة خارجية من سلسلة
المؤامرات الكثيرة التي تعرضت لها
سورية في تاريخها الطويل بسبب مواقفها
السياسية، أي المشرفة، أي ليست
المظاهرات عفوية انطلق بها الشارع
نتيجة الاحتقانات والمظالم التي مر
عليها قرابة نصف قرن وليست متأثرة
باحتجاجات تونس ومصر وليبيا، ثم دعا
إلى تقوية المناعة الداخلية والبحث عن
نقاط الضعف وترميمها. أجل: أما المؤامرة فهو ومن لف لفه يدركون
أن هذا ليس صحيحا البتة وأن الشعب
المهضوم لم يطالب في بداية هبته إلا
بالإصلاح والحرية والكرامة والتخلص من
حياة القهر والذل والاستعباد
والاستبداد وممن يا ترى: من فئة قليلة
في أسرة وحيدة ومن يلوذ بها ممن سخروا
أي تطوير أو تحديث في البلد لمصلحتهم
لا لمصلحته ولا يوجد دليل واحد على
أنها مؤامرة خارجية إذ ولدت هذه الثورة
في بلادنا ولادة قيصرية ورغم أنها في
طريق مخاض عسير فقد ولدت لأن طبيعة
السنن الكونية والتاريخية أرادت لها
أن تظهر إلى حيز الوجود بعد هذا الكمون
الهائل من ضيق الخناق، أما العلاج
بتقوية المناعة الداخلية لحل المشكلات
فهو ووالده قبله هما اللذان أضعفا هذه
المناعة حتى هزل الجسم القوي وتسببا في
إلحاق الذل بكل سوري حر أصبح يخجل في
عهدهما أن يقول إنه سوري لما لسورية من
تاريخ عريق عظيم ومن أعلام بارزين
بمواقفهم في جميع جوانب الحياة ولكن: لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس ومع ذلك فإن طبيبنا الذي انتقل من العيادة
إلى القيادة أي من نطاسي إلى سياسي
يبدو أنه نسي حقيقة التشخيص في العيادة
العينية وأصبح جراحا بل جزارا يجيد
الذبح والجرح والركل والعفس بل
واغتصاب الفريسة الذي قام بها شبيحته
دون غيره ومازالوا وبالرغم من هذا وبعد
فساد أحد عشر عاما يحدثك عن الحل
الداخلي وإصلاح الأحياء والأموات
لتقوية المناعة إذ بهذا وحده أي الحل
الأمني الأنجع تحل الأمراض وتنتعش
الجسوم والنفوس من جديد، أما في باب
السياسة التي هي حسن التدبير فأي تدبير
أحسن من مخالفة المنطق وسحق أبجديات
هذه السياسة من أجل السلطة والمغنم،
وقد صدق الرافعي الأديب إذ يقول: إذا
كانت المشكلة بين الذئب والحمل فلن
يكون حلها إلا من أحد اثنين إما لحم
الخروف أو عصا الراعي، وإذا كانت
المصلحة في السياسة هي المبدأ فمعنى
ذلك أن عدم المبدأ هو في ذاته مصلحة
السياسة. وإن همّ مثل أولئك الساسة أن
يقدموا دائما الكلمة الملائمة للوقت.
أي تمويها وخداعا أقول: ولكن نسي
الرئيس ومن معه أن الوعي بالحرية أصبح
أمنع سد أمامهم وأكد القائد الذكي أن
الحل الأمني أثبت فشله بإنزال الجيش
والأمن لقمع الاحتجاجات بالنار مهما
كان كلفة ذلك من ثمن ولكن بعد ماذا، بعد
الصرخات والويلات والانتهاكات وقتل
النفس التي طالت الجميع بما فيهم
الشيوخ والنساء والأطفال والشباب
الذين هم بأعمار الزهور، فهل قال هذا
الملهم: حسبنا ما أجرمنا به، كلا إنه
برر ضرورة إبقاء الجيش والأمن في المدن
والأحياء لأن طبيعة المشكلة الآن
تقتضي ذلك اعترافاً منه أن حكمه كما
كان حكم أبيه لا يمكن أن يدوم بغير
الدبابات والقمع وأن على الشعب أن
يحاور جلاده مجبرا في هذا المناخ وإلا..
ونحن نعرف أن الجيش والأمن منذ عهد
أبيه كانا الجهازين اللذين أشرفا على
كل التحولات في الحياة وأرادا لها أن
تأتي على صورتيهما وقد تحولت وزارة
الدفاع وكذلك الداخلية إلى مركز تقرير
للحياة العامة أي أصبحتا القوة
الحاكمة وليستا من أدوات الحكم فحسب،
وما الحزب الذي تسمى بحزب البعث العربي
الاشتراكي، إلا تابع لهما وممنوع من
القرارات المهمة وإن كل سوري نظيف شريف
يعرف هذا كما يعرف الإنسان نفسه وأباه
وأمه. وقال الأسد: إن العفو الذي أصدره
مؤخرا لم يكن مرضيا للكثيرين على الرغم
أنه جاء أشمل من غيره، إن جلدك وشعر
رأسك يقشعر عندما تسمع هذا الكلام
وتتساءل بحق: من يحاسب من ومن يعفو عن
من؟ أبعد كل هذه الجرائم والفظاعات
السابقة واللاحقة الحاضرة يتجرأ على
مثل هذا المن والأذى، لقد اقترف الأسد
بحق الضحايا ما يصلح حقيقة أن يعتبر
جرائم ضد الإنسانية واليوم يريد أن
يتصدق بالعفو على الأحرار أو يعفو
المجرم عن غيره، أفبعد هذا المنطق منطق!
نعم إننا نقول هذا بمعنى أنه هو
المسؤول الأول والأخير عما جرى ويجري
من المآسي وإن اشترك معه أخوه ماهر
وأركانه وشبيحته الأوغاد.. وقال الأسد:
إنه سوف يعرض قوانين للإصلاح السياسي
ويكلف لجنة وهيئة للإعداد لحوار وطني
يشترك فيه الجميع وسوف يستشير وزارة
العدل في ذلك.. ما شاء الله!! متى كان
الديكتاتور يأخذ برأي غيره ويحترم رأي
القضاة، بل إن هؤلاء القضاة ليعرفون
ذلك لأنهم ما داموا أصحاب دين وذكاء
وضمير حي فإنهم يعرفون أنهم محكوم
عليهم قبل أن يحكموا على الناس،
والجدير بالذكر أن حرف "سوف" تكرر
في خطاب الأسد كثيرا حتى سماه بعضهم:
مستر سوف، أي لأنه لا يمكن أن يكون
مصلحا كما يريد الحق وأهله وإنما يعمل
ذلك لكسب الوقت أو عمل ديكورات وزخارف
لا تنفع حين يهوي البناء. وأضاف الأسد: لا مبرر لأعمال القتل
والتخريب في الاحتجاجات، وهذا كمن
يقولون ضربني وبكى وسبقني واشتكى،
أهكذا تورد الإبل يا سعد نعم إن الحرب
خدعة ولكن مع العدو الإسرائيلي وسواه
لا مع الشعب الذي لو كذبت في سبيله فلا
مانع أما أن تكذب عليه وتقلب له ظهر
المجن فهذا من صفات النعامة وإن كنت
أسدا حقا وما من وسيلة إعلامية وشهود
عياد وضحايا سقطوا وجرحى ومسجونين
وفارين إلا ويشهدون أن الاحتجاجات "سلمية"
وقد زورت أنت وحزبك وعصابتك الحقائق
بجماعات مسلحة مزعومة لتبرر قمعك ولكن
الشمس لن تغطى بالغربال وقد تمت
الفضيحة للباطل على رؤوس الأشهاد
عالميا. وقال المؤيدون: ألم يقدم الرئيس التعازي
للضحايا واعتبرهم شهداء لأهيلهم
وللوطن وحزن عليهم؟!! قلت إذا لماذا
اعتبرهم مخربين وهو الذي ناقض نفسه لما
قال بداية إن مطالبهم مشروعة هذا من
جهة ومن جانب آخر، إنما يقول ذلك كي
ينجو مستقبلا من قصاص المحاكم
الدولية، حيث إنه منع إطلاق الرصاص
ولكن لم يستطع فأخذ يترحم على الشهداء
ليكون إثباتا له أيضا أنه لا يرضى
بقتلهم! وقال الأسد: إنه تعجب لما فوجئ بعدد
المطلوبين للعدالة في سوريا إذ بلغ 64
ألفا أي ما يعادل خمس فرق عسكرية،قلنا
وهل هذا تم في غير عهدك المفسد وإن الله
لا يصلح عمل المفسدين ولو فرضنا أن
هؤلاء لم يكونوا كذلك ووجهناهم إلى
جبهة الجولان اما يحررونها ولكن ماذا
تقول للمكابر الفوقي المغرور المتعجرف
المتجبر الذي لا ينظر بعين البصيرة،
أما ما ذكره عن جوازات السفر وأنه أمر
هو والمعلم بفتح اللام وزير الخارجية
بمنح الوثائق للممنوعين فهذا حقهم لا
منة لهما فيه ومع ذلك لم تنفذ الأوامر! مشكلتنا العويصة معك ومع نظامك أيها
الرئيس الوريث أنكم قوالون غير فعالين
بكل ما ذكرتم من أمور أخرى وردت في
الخطاب، أما شأن النازحين إلى تركيا
ولبنان والأردن فعليكم من الله ما
تستحقون في إجرامكم الشامل وعودا على
بدء فكما قال مصطفى الرافعي: إن النصر
أخيرا لمن يحتمل الضربات لا لمن يضربها! =================== غسان زقطان الايام 27-6-2011 كمن ينفذ حلماً، هكذا يبدو السوريون منذ
أكثر من مائة يوم، يُعيدون تذكّر الصور
القديمة على جدران بيوتهم ويمسحون
الغبار الذي تراكم على أحزمة الرصاص
التي تزنّر أولادهم القدامى، ويعيدون
علينا رواية تاريخ سورية وجغرافيتها،
الأسماء والوقائع التي مر وقت طويل على
تذكّرها للمرة الأخيرة، البلدات
والقرى والقصبات البعيدة جداً التي
بقيت في أماكنها بعد جراحة الاستعمار
الفرنسي والاقتطاع التركي والاحتلال
الإسرائيلي وسيادة الحزب الواحد وحكم
العائلة وملكية الفرد وعبادته!. هكذا يهبط فجأةً من الإطارات القديمة
صالح العلي بكل نبله وزهده وترفعه عن
السلطة، سيداً نبيلاً قاد ثورةً
حقيقيةً ورفض ملكاً طائفياً على حساب
وحدة وطنه، وعندما تأكد من جلاء
الاستعمار الفرنسي عاد إلى منزله
ليعتني بأشجاره، لا أظن أن هناك
نموذجاً ورمزاً أقدر من هذا الأمير
السوري على تغذية ثورة شعبه بالصلابة
والنبل والشجاعة، هكذا يهبط سلطان
باشا الأطرش ليقود ثورة جبل العرب
وليبايعه السوريون من كافة مواقعهم
وعقائدهم على قيادة ثورة بلادهم... هكذا
تتذكّر سورية وتذكّرنا ب يوسف العظمة
وإبراهيم هنانو وآخرين كثر، هم في
النهاية روح ما يحدث الآن في سورية،
سورية التي لم تكن في يوم طائفيةً
وكانت أم الشام الكبير الممتد من لبنان
إلى فلسطين والأردن المطلة على بغداد.
هكذا وصل الشيخ القسام من جبلة إلى
فلسطين ليؤسس لثورتها ويبايعه
الفلسطينيون على امتداد أجيالهم
قائداً لثورتهم في ال36 وملهماً
لثورتهم المعاصرة، وعبر هذا الدرب عبر
سليمان الحلبي ليخلص الشرق ومصر من "كليبر"
وعلى الدرب نفسها عبر فيما بعد جول
جمال... . القنيطرة المهجورة بوابة الصاعد إلى
الجولان كانت دائماً ممر الثوار
السوريين إلى فلسطين عبر الشمال، قبل
تقطيع الأرض وتفكيك الحكاية واختزال
التاريخ، كانوا يعبرون من هناك فرادى
وجماعات ببنادق قديمة معتنى بها
وبذكريات زوجاتهم في أحواش دمشق وقرى
الكرد وجبال العلويين ومدائن الساحل،
مندفعين بحمولاتهم نحو البحيرة. درس طويل في الجغرافية الأولى للشام
الكبير، درس غير مقصود ولكنه ضروري
لنهوض ثورة حقيقية في سورية، هكذا يبدو
سهل حوران بيتاً كبيراً للأردنيين
والسوريين ونتذكر أسماء إخوة لنا في
الشمال والشرق، أسماء أليفة وبيوت
كدنا ننسى أصوات أهلها وغناءهم...هذا هو
الفرق الكبير بين انقلاب بضعة ضباط
وبين ثورة شعبية، الثورة تذكّر بالبيت
والأخت والأغنية ورائحة الطعام
المنزلي، الثورة تذكّر باللغة ودلالة
الأسماء والأشقاء الغائبين، تذكّر
بالطرق والعتبات والشبابيك المنخفضة
على الدروب، الثورة هي ذكريات عميقة
تتفتح في الشوارع مثل ينابيع صافية طال
انحباسها، هي أيضاً أمانات الغائب
والراحل والمفقود وحنينهم وهي أحلامهم
التي راكموها وواصلوا ذلك عبر عقود
قاسية وطويلة. كمن ينفذ حلماً، هذا هو ما يبدو أن
السوريين يفعلونه منذ أكثر مائة يوم. =================== الفرصة الذهبية التركية
للخروج من الأزمة السورية محمد زاهد غول السفير 27-6-2011 إن المتابع للموقف التركي من الأحداث
الأليمة التي تقع في سوريا يندهش من
شدة اهتمام الحكومة التركية، ويتصور
أن الحكومة التركية والبرلمان التركي
والرئاسة كأنها جميعها تعالج أمرًا
تركيًّا داخليًّا على مستوى عالٍ من
الخطورة والأهمية، لكن الدّهشة الأكبر
هي في التجاوب السوري غير المتعاون مع
الموقف التركي الدّاعم لسوريا،
والداعم لشخص الرئيس السوري بشار
الأسد نفسه وحكومته ومشاريعه
الإصلاحية، رغبةً من تركيا في الحفاظ
على سوريا ووحدتها وصمودها وقوتها،
وأكثر ما يؤسف في الأمر أن السلطات
السورية تغمض عينها عن حقيقة ما يجري،
وتحاول تفصيل الواقع كما تتمنى، ولا
تعترف بالواقع وتستبدله بصورة خيالية
ترغب أن تكون عليها الأمور، وتطالب
تركيا والعالم أن يراها بعيون النظام
السوري فقط، كما ظهر ذلك جليًّا في
خطابات الرئيس الأسد. ولا شك أن الثورة السورية قد تأثرت
بالثورات الشعبية العربية التي انطلقت
في تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها،
ولكن هذا التّأثر ليس تأثر المقلد
للثورات السابقة، وإنما تأثر المتألم
الذي عانى مما عانته تلك الشعوب من
أنظمتها المستبدة وسطوتها الأمنية
المخيفة، واستئثارها بالمال والثروة
والسلطة والنفوذ، فالشعوب العربية في
الهم سواء، وقد كانت فرصة للدول
العربية التي لم تفاجأ بالأحداث مثل
تونس ومصر أن ترتّب أوراقها الداخلية،
وأن تستجيب لمطالب شعبها العدالة في
الحرية والديموقراطية والدولة
المدنية التي تساوي في الحقوق
والواجبات بين كل المواطنين، وأن
تتجنب مزالق الانحراف عن مطالب
المظاهرات العادلة، وعدم استعمال
العنف ولا إدخال الجيش في محاربة
الشعب، طالما أن الشعوب قد عبّرت عن
مطالبها سلميًّا، وخرجت إلى الشوارع
علانية وبصدور عارية تطالب بالإصلاح
والتغيير والحرية والديمقراطية، لقد
كان هناك فرصةٌ تاريخيةٌ للسلطات
السورية أن لا تدخل تجربة الصدام
الأمني والعسكري ضد المتظاهرين من
الشعب السوري، وأن لا تريق الدماء
السورية على الأرض السورية، على
الطريقة الليبية ولا اليمنية ولا
غيرها، لأن هذه الطرق مسدودة المنفذ،
ولا تؤدي بالبلاد والعباد إلا إلى
الخسارة والانهيار. لقد تابعت الحكومة التركية أحداث الثورات
العربية في تونس ومصر وليبيا وتفاعلت
معها على قدر المساواة من الاهتمام،
لأنها تتعامل مع المطالب الشعبية
المحقة، المطالب الشعبية الباحثة عن
الحرية والديمقراطية والدولة المدنية
والدستور العادل، وبالرغم ما قيل عن
تلكؤ موقف الحكومة التركية من الثورة
الليبية إلا أن الموقف التركي أخذ دوره
الداعم لكل المطالب الشعبية التّواقة
للحرية على قدم المساواة، ولم تكن
الثورة السورية لتختلف عن تلك
الثّورات، بل سعت الحكومة التركية
وقبل اندلاع الأحداث بتوجيه النصح
للسلطات السورية باستباق الأحداث
واتخاذ إجراءات تقارب مع قوى المعارضة
السياسية، وطيّ صفحة الماضي وبالأخص
مع حركة الإخوان المسلمين، التي
اصطدمت مع السلطات السورية قبل ثلاثة
عقود في مدينة حماة ومدن سورية أخرى،
وبالرغم من المجازر التي قامت بها
الحكومة السورية تجاه المعارضة آنذاك،
فإن المعارضة دعت إلى فتح حوار جديد مع
النظام منذ تسلم بشار الأسد السلطة
وقبله، ولكن النظام السوري ظلّ يرفض
الحوار، بل إنه حمّل الأجيال التي لم
تشهد تلك الأحداث من الأبناء والأحفاد
وزر ما وقع مع آبائهم وأجدادهم، ومنع
عودتهم إلى بلادهم إلا بعد المحاكمة
والسجن والتعذيب. لقد كانت مساعي الحكومة التركية صادقةً
وغير مخادعة لأحد بضرورة الانفتاح
الداخلي السوري، وإجراء مصالحة وطنية
تطوي مشاكل الماضي، وفتح صفحة جديدة من
المشاركة السياسية والعمل المشترك في
الإصلاح على كافة مستوياته، لقد كانت
الحكومة التركية مدركة لمجريات الأمور
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وتغيّر
معادلات السياسة الدولية، ولذلك دخلت
بنفسها مع الحكومة السورية بطيّ صفحة
الماضي وفتح علاقات صداقة متينة
وتعاون اقتصادي لم يشهد له التاريخ
الحديث مثيلاً، وكانت الحكومة التركية
في عهد حزب العدالة والتنمية صادقةً
بكل خطوة تخطوها نحو جارتها سوريا،
وكانت على أتم الاستعداد لجعل
المواطنين الأتراك والسوريين يشعرون
أنهم يعيشون في وطنٍ واحد، وكانت تنتظر
من السلطات السورية أن لا تخشى
الانفتاح السياسي ولا الازدهار
الاقتصادي، فحرية المواطن وراحته
المعيشية من أكبر أسباب استقرار الوطن
وتقدمه. لقد تلكأت الحكومة السورية في اتخاذ
الخطوات الضرورية في الانفتاح الداخلي
على الطريقة التركية، وتلكأت أكثر في
سماع النصائح التركية قبل اندلاع
الأحداث في سوريا، وبعد اندلاع
الأحداث أرسلت الحكومة التركية الوفود
تلو الوفود لإجراء المباحثات ومساعدة
الحكومة السورية بإتباع خطوات هامة
وضرورية لوقف التدهور والشروع في
إصلاح تقوده الحكومة السورية وتساعد
فيه الحكومة التركية بكل إمكانياتها
الوطنية والدولية، وقد كان عند
الحكومة السورية رصيدٌ من الثقة
بمصداقية الحكومة التركية، فقد عمل
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان
على إخراج سوريا من عزلتها الدولية
الخانقة في العهد الأخير من رئاسة بوش
الابن، وعمل على إنقاذ سوريا من حبائل
المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وعمل
على إجراء وساطة عادلة بين سوريا
وإسرائيل قبل حرب غزة، وأصلح من علاقات
سوريا مع الحكومة العراقية بعد أن
اتهمت الحكومة العراقية سوريا بدعم
تهريب الثوار والأسلحة إلى العراق بعد
احتلاله من أميركا، وغيرها. ومنذ عام 2005 والحكومة التركية تساعد
سوريا وتتبنى قضاياها العادلة، ومنذ
اندلاع الثورة السورية عرضت تركيا
إرسال لجان تركية مختصة في تعديل قانون
الانتخابات وقانون الإدارة المحلية
وتعديل الدستور، وطالبت الحكومة
السورية بإلغاء فعلي لقانون الطوارئ،
وإلغاء محكمة أمن الدولة، وسن قوانين
تنظم العمل السياسي وتسمح بحرية
الأحزاب وتسمح بانتقال ديمقراطي مقبول
يناسب سوريا، بشكلٍ يحافظ على النظام
السوري وقيادته، ولا تدعو إلى إسقاط
النظام ولا قيادته، فدعته إلى
ديموقراطية أشبه بالديمقراطية
الإيرانية في عهد محمد خاتمي، يسمح فيه
للجماهير التعبير عن رغبتها في
التغيير والإصلاح والمشاركة السياسية
الحرة على مستوى مجالس البلديات
المحلية ومجلس الشعب وتشكيل الوزارة
وغيرها من قطاعات المؤسسة السياسية
الديموقراطية. إن الموقف التركي لا يخادع سوريا ولا
يداهنها ولا يحابيها، وإنما كما عبر
أكثر من مسؤول تركي، فإن تركيا تنظر
إلى الأحداث في سوريا على أنها أحداث
داخل تركيا نفسها، والقضايا العالقة
في المشاكل التركية الداخلية تكاد
تكون مشتركة مع المشاكل السورية
الداخلية، وبالأخص المسألة الكردية،
فالأكراد في سوريا يبلغ عددهم حوالى
230000 مواطن، وهذه مشكلة تعاني منها كلا
الدولتين بأشكال مختلفة، ولا تستطيع
إحداهما حلّ هذه القضية دون التعاون مع
الأخرى، وحل المسألة الكردية لا تتوقف
على منح الجنسية أو جوازات السفر إلى
عدد منهم مهما بلغ عددهم، لأن المسألة
أكبر من ذلك بكثير كما يدركه النظام
السوري، فهي مسألة حقوق ثقافية
واجتماعية واقتصادية وسياسية وهوية
قومية ولغة وتراث وعادات وتقاليد، وقد
شرعت الحكومة التركية في ظل حكومة
العدالة والتنمية على إيجاد الحلول
المرضية والتوافقية بين الطرفين
الكردي والتركي في ظل مواطنة كاملة لكل
أفراد الشعب التركي، وهذا نفسه ينبغي
أن يتم في الجانب السوري أيضا، فسوريا
لا تستطيع حل المسألة الكردية بمعزل عن
الحل التركي والعكس صحيح. إن سوريا أمام فرصة تاريخية قدمتها تركيا
لها للخروج من الأزمة بحلول توافق
عليها كافة قوى الشعب السوري دون إملاء
من النظام، وبما يحفظ النظام أيضاً،
وإن إضاعة سوريا لهذه الفرصة ستكلف
سوريا أثماناً باهظة، ليس أقلها خسران
دولة صديقة وجارة أن تكون في جانبها في
أشد اللحظات والأزمات، والباب لا يزال
مفتوحاً أمام الحكومة السورية
والسلطات الفعلية فيه أن تسير وفق
الرؤية التركية وتوافق سوري داخلي،
قبل أن تأتيها الحلول من القوى الكبرى
والدولية، وعندها لن يجدي عفوٌ عامٌ
يصدره الرئيس، أو لجان يشكلها، لأنه في
تلك اللحظة سيبحث عمن يمنحه العفو،
والعاقل من اتعظ بغيره. =================== لماذا أطلق نصر الله
أخيراً موقفه الحازم من الوضع في
سوريا؟ هل يأتي في سياق الهجمات
المعاكسة التي تقودها دمشق؟ ابراهيم بيرم
النهار 27-6-2011 ينطوي الخطاب الأخير للأمين العام ل"حزب
الله" السيد حسن نصر الله، كعادته
دوماً على رسائل "بعيدة المدى"
وفي اكثر من اتجاه، ولكن الأكثر
استرعاء للانتباه هو الكلام الذي
تضمنه هذا الخطاب في جزئه الأخير عن
الوضع في سوريا، اذ للمرة الاولى منذ
اندلاع الازمة هناك، يكون سيد "حزب
الله" حازماً وجازماً في انحيازه
الى جانب النظام السوري، ولا سيما
عندما قال إن اسقاط هذا النظام هو خدمة
جليلة لأميركا واسرائيل. منذ منتصف
آذار الماضي، اي عندما اشتعلت الشرارة
الاولى في هشيم الوضع السوري، كانت
الانظار مصوبة باستمرار نحو الحزب
تنتظر سلوكه حيال هذا التطور، انطلاقا
من أمرين: - عمق العلاقة الاستراتيجية بين نظام
الرئيس بشار الاسد و"حزب الله"
وتوافقهما التام على جملة عناوين
استراتيجية وتفصيلية، وخوضهما في
السابق معاً حرب تموز عام 2006، الى درجة
ان بين المراقبين المقربين على وجه
الخصوص من يربط بين الاثنين حتى
الاتحاد، مما يوحي للبعض بأن مقولة
انهيار النظام السوري، معناها انفتاح
الباب امام احكام الطوق على الحزب
وبوابة افول دوره ووزنه وتأثيره في
المنطقة. - ان اي سلوك او خطاب او موقف يصدر عن لدن
قيادة الحزب، ولا سيما رمزه الاول
بالنسبة الى الوضع في سوريا هو في نظر
الكثير من المراقبين مؤشر لمسار
التطورات في هذا البلد من جهة، ودليل
كاشف لخريطة الطريق التي يمكن ان
يسلكها على المستوى القريب والبعيد،
المحور المعروف الذي ترتبط به سوريا
ارتباطاً عضوياً، وتعتبره أكثريته
الثانية الاساسية وهو محور ايران –
سوريا، قوى المقاومة والممانعة
الممتدة بين لبنان وفلسطين بلوغاً
لبعض المواقع "الاحتياطية" في
العراق وفي دول أخرى. وبناء على هاتين المسلمتين فإن بعض الذين
يعدون أنفسهم خبراء في خطابات السيد
نصر الله يخرجون باستنتاج فحواه ان
الركن الرابع والأخير من خطابه
الحديث، والمتصل بسوريا ينطوي على
وقائع موضوعية تتصل برؤية الحزب لمسار
الوضع السوري بعدما يزيد على اربعة
اشهر على عيش الساحة السورية على صفيح
حار، واستطرادا بخط سير محور "الممانعة"
حيال هذا الوضع. في أعقاب اربع اطلالات
كانت للسيد نصر الله منذ اندلاع
الاحداث في الساحة السورية، اتسم
خطابه المتعلق بسوريا فيها بالتدرج،
فهو اولا كان واثقا من قدرتها على
الخروج من محنتها، وثانياً مشيداً
بتوجهات الرئيس بشار الاسد الجادة نحو
الانفتاح على افق الاصلاح والتطوير،
وثالثا دعوة ضمنية الى الشعب السوري
للتجاوب مع توجهات الاسد، وحراكه نحو
الاصلاح واعطائه فرصة لبلوغ هذه
التوجهات نهاياتها القصوى المنشودة،
فضلا عن ايراده مداخلة تنطوي على رؤيته
وحكمه على "وطنية" اي نظام عربي
انطلاقا من ارتباطه بالقضية
الفلسطينية، ومدى انخراطه في الصراع
العربي – الاسرائيلي. وفي الخطاب الرابع، بدا الانحياز الى
جانب النظام السوري "حازماً"
وجازماً لا التباس فيه، وخصوصاً لجهة
ادراجه الدعوة الى إسقاط النظام في
خانة خدمة التوجهات الاميركية –
الاسرائيلية، والسعي الى اسقاط آخر
مواقع الاعتراض على الاستسلام للمشيئة
الاسرائيلية وتصفية القضية
الفلسطينية. وبالطبع ثمة من يسأل بإلحاح لماذا الآن،
بعد كل هذا الوقت يكون الحزب على مثل
هذا الحزم في الموقف من الوضع السوري؟ وفق القريبين من "العقل الباطني"
للحزب، ثمة أكثر من سبب وداع يجعل رأس
الحزب يضع كل ثقله ورصيده في خانة دعم
نظام الاسد ووصمه "المتمردين"
عليه بأنهم بشكل او آخر اداة من ادوات
المشروع الغربي الاسرائيلي ولعل
أبرزها: - ان القيادة السورية اجتازت شوطاً
متقدماً في مواجهة الهجمة عليها
وتجاوزت مراحل الخطر العسكري السياسي،
فهي بعدما نجحت في سحق بؤر التمرد
العسكرية في المحافظات والتي بدأت في
درعا المتاخمة لحدود الاردن ثم الى
تلكلخ المجاورة للحدود اللبنانية،
فإلى جسر الشغور القريبة من الحدود
التركية، نجحت ايضاً في الحفاظ على
مثلثها الذهبي في الداخل، وهو دمشق
وحلب والقوى الامنية على اختلافها.
فالمدينتان الاساسيتان في سوريا
واللتان تحويان ما يزيد على نصف السكان
بقيتا هادئتين، فيما بقي عصب النظام (اي
القوى الامنية موحداً) ومتماسكاً. وبعد كل هذه الانجازات على المستوى
الميداني كانت هجمات النظام السوري
المعاكسة على خصومه، فبعد ابرازه
الورقة الفلسطينية من خلال جبهتي
الجنوب والجولان، في مناسبتي 15 ايار و5
حزيران، كانت اليد السورية الطولى في
ولادة الحكومة اللبنانية في لحظة غير
محسوبة لها وقع المفاجأة المدوية، ثم
كانت "الرسالة" القوية الى تركيا
التي دخلت في لعبة استدراج عروض للغرب
ليكون لها دور "الوصي" على سوريا
او صفة "الوكيل" الغربي في
المنطقة، وذلك من خلال التحرك العسكري
على الحدود التركية – السورية لمنع
تنفيذ فكرة المنطقة الآمنة في داخل
الاراضي السورية، مرفقا بدعوة صريحة
للنظام التركي بأن عليه اعادة النظر في
مواقفه لأن لدى سوريا تأثيرات
وادواراً تعرفها أنقرة. - في هذا السياق ثمة من يرى ان مؤدى "رسالة"
السيد نصر الله الأخيرة، المبثوثة في
طيات خطابه الأخير بمحاوره الأربعة
انه بعد اليوم ثمة شأن آخر في الموضوع
السوري، ولا سيما بعدما "أحكم
المحور" الحليف لسوريا قبضته على
الوضع السياسي والحكومي في بيروت.
وعليه، فإن في كلام نصر الله ابعاداً
يدركها الراسخون بخلفيات هذا القائد
المدروسة، وقد تعمد ان يبدأها بالحديث
عن الحكومة المولودة حديثا في بيروت،
ثم رسالة موجهة للمرة الاولى الى
السفارة الاميركية في عوكر، وبعدها
الى الداخل الاسرائيلي ليكون "مسك
الختام" بالموقف الحازم حيال الوضع
في سوريا. ================== الحرية المؤجّلة تبرير
للاستبداد الحاضر المستديم؟ مطاع صفدي 2011-06-26 القدس العربي من العبث ترداد اللازمة العامية القائلة
أن النهضة العربية لم تفكر
الديمقراطية بما يكفي لكي تصبح مطلباً
جماهيرياً مستديماً، عبر مختلف
المتغيرات السياسية المؤدية في
جُملتها إلى سيادة نظام إقطاع الحكم في
أقطار العرب جميعها. فالحجّة المكرورة
أن التخلّف والديمقراطية ضدان لا
يجتمعان. لا تقدم سوى تبرير للحالة الديكتاتورية
التي اتحدت بها مؤسسة الدولة القطرية
منذ انقضاء عهد الاستعمار الأوربي
العسكري. فلن تنتظر شعوب العالم الثالث
بلوغَ درجات التقدم (الحضاري) حتى
يمكنها أن تفوز بحريات إنسانها. هذا في
الوقت الذي يدَّعي البعض عكس هذه
النظرية، أي كون الديمقراطية هي
المُحَرِرة من إكراهات التخلّف. فمنذ
أن تبدأ الشعوب المقهورة إذن طريق
النهوض، من الحرية نحو التقدم، أو من
خلْق معجزة التقدم أولاً، ومن ثم ينبثق
المجتمع الحرّ. لكن التاريخ، وتجارب
الشعوب الناهضة، تقدم نماذج التحرّر
من دون هذا الوقوع في شباك الأسئلة
القبْلية المجرّدة. ذلك أن الظلم هو أعدى أعداء الإنسان فرداً
وجماعة. ولا يحتاج الشعور بنوائبه،
وبالتالي الثورة عليه، إلى أكاديميات
الوعي والتوجيه، بقدر ما يحتاج
المظلومون أنفسهم إلى استنهاض إرادة
الرفض من أعماق لاشعورهم الجمعي. الظلم يتحدّى (الضعفاء) كيما يعيدوا
اكتشاف قواهم المجهولة أو المقموعة أو
الضائعة. فليس الظالمون هم الأقوياء
دائماً بل تُثبت سيكولوجيا الثورات أن
الطغاة الأشدّ ظلماً هم الأكثر خوفاً.
والخوف هذا لا ينتاب الطغاة إلا لكونهم
يدركون محدودية قواهم. حين يُمعن
طاغوتٌ في العنف المجنون ضد خصومه،
فإنه يعلّل ذلك بضرورة الدفاع عن
وجوده، هذا النوع من الوجود الذي لم
يعد موضوعَ ثقةٍ من قبل صاحبه نفسه،
كأنما يُمارس الطاغية ظلمه ضدّ نفسه
أولاً، إنه يُقسر ذاته، يجبرها على
ارتكاب أفظع المحرّمات، يجعلها تستبق
انتقاماً كيّديّاً هائلاً من هؤلاء
الأعداء قبل أن يُنزلوا به الضربة
القاضية. تُدهشنا كلَّ يوم مشاهدُ وأخبارُ
الفظاعات المرتكبة عن طريق زبانية
سلاطين الأمر الواقع العربي؛ يكاد
الوعي العادي يرفض التصديق، فكيف يمكن
لهؤلاء الطُغمة من ناس السلاطين أن
يكونوا وحوشاً نظاميين بكل معنى عبارة:
انتظام الجماعة لتأدية مهمة عامة. ومع
ذلك هؤلاء بشر عاديون قد تراهم كل لحظة
في شارع أو مقهى أو مكتب. لكنهم في لحظة
أخرى سوف يصوّبون بنادقهم إلى صدور
الشباب العارية، قد يقتلون أو يعذبون
أطفالاً، قد يغتصبون فتيات وأمهات
وجدّات، يحرقون بيوتاً، ويشردون آلاف
العائلات إلى براري الوطن الآخر ما
وراء الحدود. سلاطين العرب لم يعودوا مجرد حكّام،
صاروا مُلاكاً للبشر والحجر في
بلادهم؛ والمُلاّك يستبيحون رقاب
عبيدهم، يدوسون كرامتهم منذ عشرات من
سنوات الاضطهاد والعسف الهمجي.
فالشعوب التي يطول استعبادها، يعتقد
سلاطينها أن مجتمع العبيد صار قطيعَ
خرافٍ، وقد حان أوان ذبحها. ما أن أنكرت
حالَها تلك. ثارت مجتمعاتنا العربية، المذلّة
والمهانة، قبل أن تنجز مرحلة انتقالها
من خانة العبودية المكبوتة إلى خانة
خرفان الأضاحي التي ستتناثر لحُومها
ودماؤها على أرصفة الشوارع الغاضبة. لم
يعد أمام الشباب العربي ثمة اختيار
آخر، إلا أن يتابعوا عبودية آبائهم أو
يعلنوا ثقافة التضحية وليس مصير
الأضحية المرسوم، والمتناوب من جيل
نهضوي خائب إلى جيل يلحق به. في سورية لم تحدث الثورة بعد، وإن وقع
قَمْعُها قبل أن تولد. لكن في سورية
تتأجج كل دواعي الثورة الحقيقية، وإن
لم تنتصر مبادراتها المشتتة بعدُ.
فالتظاهرات ليست دليلَ إثبات كاف، ولا
دليلَ نفي حاسم. لكنها تظل أشبه
بتمارين استطلاع عما سيجري بعدها. ههنا
تنجح السلطة في طرح تعويضات عن النتائج
غير المتحققة بإرادة الجماهير وحدها.
إذ يصبح رجال الحكم فجأة هم دُعاة
الإصلاح. وهم اللائمون للآخرين على
التردد والتقاعس. كأنما وصل الحاكم
والمحكوم معاً إلى موقع متشابه، من حيث
أن أيَّاً منهما لم يحقق انتصاراً
منجزاً على الآخر. فالسلطوي قد تحرك
قليلاً من ما وراء متاريسه.. لعلّه يصبح
هو الداعية الأول للمصالحة تحت ستار
القبول بمواعيد، ومشاريع عن إصلاحات
قادمة، لكن الجمهور المتقاعس حتى الآن
عن تلبية النداء، كأنه يردد الحكمة
القائلة: إن الحرية المؤجلة تصير
مبرراً للاستبداد الحاضر. فالتاريخ لم
يحدثنا أبداً عن سادة قرروا الثورة أو
الإصلاح بالنيابة عن عبيدهم، من فوق
رؤوسهم، أو ما وراء ظهورهم. ما لا
تستطيع سلطة الطغيان أن تفهمه أن
الإصلاح لا يمكن ان يسير جنباً إلى جنب
مع القمع، وإلا أصبح مناورةً قمعية
أخرى، بألفاظ وممارسات أخرى مضلّلة. من حق الجمهور ألا يقبل دعوة طارئة
لاستعادة الشراكة مع السلطة. لكنه
يُطالبها بالرد على تحديها المصيري،
أن تنفكّ عن القمع. تُرى هل هي قادرة
حقاً على الاستجابة. ذلك هو السؤال
المبدئي في كل همروجةٍ عن إصلاحات
وحوارات ولقاءات مع أنداد أو معارضين
أو ثائرين أو فوضويين... إلخ. فالحالة
الراهنة التي وصل إليها كل من الحاكم
والمحكوم بعد حمامات الدم المُراق، لا
تسمح لأحدهما بالتخلي عن سلاحه قبل
الولوج إلى أية قاعة للمفاوضات. فلا
السلطة تترك قمعها وراءها، ولا
المحكوم سوف ينقطع عن جماهيره
المحتشدة في شوارع الإنتظار والخيبات
المتلاحقة. إذن، ليست هي الثقة المفقودة بين
الطرفين، وحدها التي تشكّل أساس
الاستعصاء المسيطر، بل أصبح الأمر
يتعداها إلى السؤال الأخطر: هل ستعيد
الجماهيرُ إلى السلطة مشروعيتها
المهدورة بأفعالها، هل ستقبل بها
حليفاً أميناً في مشروع تغيير بنية
الدولة المهترئة، وليس المجتمع المحبط
وحده. ذهنية الطغيان عمياء عمّا يحيط بها من
مهالك. وقد يذهب بها بعض غرورها القديم
إلى أن تطرح التهديد الأخطر: إما
الإنصياعُ لها أو ضياع سورية كوطن!
بالمقابل تعاني حركاتُ الاحتجاج
الشعبية من مختلف اعتداءات الثورة
المضادة على أفكارها وأشكال ممارساتها
اليومية. فالغرب وأدواته لا يكفون عن
قذف الحركات الشارعية بالشبهات
القاصدة إلى تشويه محركاتها العفوية،
وتحريف مقاصدها النبيلة. هذا التبني (الأجنبي)
الخبيث لأنبل التطلعات الوطنية براءة
وحماسة، يتجنَّى على صدقية الحالة
الثورية العربية عامة. ويكاد هذا
الالتباس المفتعل بين الوطني
والأجنبي، يحقق أسوأ مصير كذلك
للانتفاضة السورية ، فيما لو تابع
النظام تمسّكه بتهديده الأرعن ذاك: إما
هو أو تمزيق سورية كوطن! ما يعانيه كلُ نظام ديكتاتوري انه سريعاً
ما يقع أسيرَ أجهزته الأمنية. لا
يمكنه، بين عشية وضحاها، التفريطُ
بتفوّقه، بأُحادية قراراته،
والانخراط الفعلي في أية حوارات جدّية
مع القوى الاجتماعية، بدءاً من مقارعة
المعارضة بمنطق الحجة والمصلحة
العامة، بديلاً عن إملاءات الغطرسة
المطلقة. فليس لأية سلطة أن تعقد صفقة
المواقف الوطنية اللفظية في الخارج،
مقابل خضوع المجتمع لمصادرة حرياته
ومصالحه الحيوية لجهة الزبائنية
الحاكمة.. سورية التاريخُ والوطنُ هي
التي تُملي إرادة أفعالها القومية
المتميزة، من فوق إرادة ساستها. وقد
قدمت أجيالُها المتلاحقة أعلى معايير
المقاومة عن كرامة الشخصية المفهومية
للأمة العربية في أصعب مِحَنها
ومنعطفاتها المصيرية، إذ لم تنتصر
المقاومة إلاّ لأنها لم تكن يوماً، ولن
تكون بضاعةً للبيع والشراء بين أيدي
الأنظمة. فليس لأية سلطة أن (تمون) على
شعبها بدعم المقاومة لقاء تنازله عن
حقوق مواطنيه جملةً وتفصيلا. ثم من
يقول أن سورية الشعب لم تكن هي
السبّاقة، وهي المعلّمة والقائدة
الشرعية لقادتها، الشرفاء العظام منهم
تحديداً. ما تعنيه (المقاومة) في قاموس القيم
الإنسانية، أنها هي الأداة الشرعية
لرفع الظلم، فلا يحقّ لحكّام ظالمين
لشعوبهم أن يدعوا وحدهم أنهم أبطال
العدالة المضطهدة. وإلا فكيف يتأتى
لأية حوارات مجدية أن تصلح ما أفسدته
تجارب العلاقات غير المتكافئة أصلاً
بين المقاومة وأعدائها. ما يحتاجه كيانُ سورية الوطني والحقوقي
والسياسي هو إعادة صياغته كلياً،
بدءاً من حسم الدولة الأمنية في سبيل
دولة المواطنة السوّية، التي قلما
نجحت نهضةُ الاستقلال العربي، في
التعرّف إلى هويتها والسعي المخلص إلى
تثبيت أسسها الاخلاقية في تربية
الحاكم والمحكوم معاً. ما جدوى الثورة العربية في أمسها
وحاضرها، إن لم تنتفض على أصول
الاستبداد وليس على نتائجه وحدها، على
أشكاله المادية المُصَنَّمة؛ فما دامت
هذه الاصول خافية، متوارية وراء
حدثيات الصراع اليومي المباشر للفعل (الثوري)،
لا شيء يضمن ألا تتابع هذه الأصولُ
إعادةَ إنتاج المستبدين الجدد، في
نواحي الحياة السياسية وسواها. لعلّ
هذه الإشكالية هي التي تعطي تجربة
الانتفاضة السورية طابعها المختلف،
حتى الآن. فالجماهير المعبأة في المدن
الكبرى ممتنعةٌ عن النزول إلى
الشوارع، ليس ذلك خوفاً من بطش السلطة،
ولا تردداً منها في قرار الحسم أو
عدمه، مع الثورة أو ضدها، لكنها هي
إشكالية البحث عن أصول الحرية
الحقيقية ما بعد الخلاص من الاستبداد
وبعض أسبابه أو ادواته. فأهل الكهف لا
يصدقون أن هناك عالماً منيراً،
مختلفاً كلياً عن ظلمات الكهف وأشباحه..
إلاّ عندما ينتزعون ظلمة الكهف من
عقولهم أولاً. إذا كان ثمة خشية من الحياة الحرّة
وأعبائها، فذلك لأن المخيال العاميّ
لم يكتشف بعد أصولَ الاستبداد في
كينونة المحكومين، وليس في جبروت
الحكام فحسب. هنالك نوعٌ من طاعةٍ تجهل
اسمَها. قد تستبد بالمجاميع البشرية،
كتعويض صامت عن رفض الاعتراف بالعجز
القبْلي، السابق على تحدي المواجهة؛
لكنه عجز موهوم يتخفَّى وراء دعاوى حفظ
البقاء، ولو في أدنى شروطه من الكرامة
والصحة الإنسانية والذهنية. ليس لنا أن نضع كل اللوم على عاتق
الظالمين وحدهم، في عصر الثورة
العربية، هؤلاء لم يسقطوا على قمم
السلطات من الفضاء؛ فقد نبتوا
وترعرعوا وتصاعدت قاماتهم من تربة هذا
الوطن الذي علينا أن نحبه ونقدسه، ورغم
كل شيء، وإن كنَّا لا ندري كيف نغيّره
ونحميه... إلا بقتلى شوارعنا الكئيبة
وصراخها الدائم: الشعب يريد إسقاط
النظام! ' مفكر عربي مقيم في باريس =================== الإثنين, 27 يونيو 2011 غسان شربل الحياة حدث ذلك قبل عقود. التفتت سورية حولها
وعادت قلقة. إسرائيل دولة عدوانية
محتلة وحليفها الأميركي يضمن تفوقها
العسكري. السلاح السوفياتي يساعد على
المقاومة والممانعة ولا يكفي لتحرير
الأرض. تركيا دولة كبرى بمقاييس
الإقليم سكانياً. وبين سورية وتركيا
نزاع على أرض ومخاوف قديمة ومستجدة.
بلاد أتاتورك تعيش في ظل دستور علماني
وترتدي قبعة الأطلسي وتقيم علاقات مع
إسرائيل. الشقيق العراقي ينام على ثروة استثنائية
من الذهب الأسود. العراق يقلق أيضاً
كلما نظر الى تركيا وإيران. طموحات
حاكم العراق تفيض أحياناً عن حدود
البلاد. وبين بغداد ودمشق تنافس قديم
على الأدوار تحوّل صراعاً مريراً بين
البعثين. على الحدود أيضاً يقيم الأردن. مملكة قلقة
محدودة الموارد. مملكة تحتاج دائماً
الى صيغة تحمي استقرارها: مظلة دولية
وجيش مدرب وملك متحرك يداري العواصف
ويقرأ التحولات. على الحدود أيضاً لبنان الذي حالت
تركيبته دون وقوعه في فخ الانقلابات
العسكرية وفخ الحزب الواحد. أحياناً
يبدو رئة لدول المنطقة لكن حرياته
وصحفه ونوافذه تطرح الأسئلة وتثير
القلق. بين جيران قلقين ومقلقين راحت سورية
تحاول العثور على دورها واستقرارها
وصيغة للاحتماء من الصراع عليها. انتهى
البحث بصيغة صارمة في الداخل وبنقل
المعركة الى خارج الحدود. صار الدور
مرتبطاً بامتلاك الأوراق داخل حدود
الدول المجاورة وبالحضور المؤثر في
القرار الفلسطيني والنزاع العربي –
الإسرائيلي وبالقدرة على عرقلة مشاريع
مطروحة أكثر من القدرة على طرح حلول.
سورية حليفة للاتحاد السوفياتي من دون
أن تعطيه قرارها ومن دون أن تنسى أهمية
واشنطن. وسورية حليفة لإيران الخميني
من دون أن تنسى أهمية المثلث المصري –
السعودي – السوري على رغم كامب ديفيد.
اصطدم الدور السوري المتنامي بأدوار
الآخرين وباللاعبين الكبار. تحولت
الدولة القلقة دولة مقلقة. تحولت عقدة
في ملفات المنطقة. تسلّم بشار الأسد رئاسة دولة صاحبة دور في
الإقليم. أضاف الى التحالف مع إيران
علاقة وثيقة مع تركيا. لكن تنامي الدور
الإيراني أدخل الاضطراب الى علاقات
بلاده داخل المثلث العربي. أرسل باكراً
إشارات الى أن استقرار الداخل لا يكفي
لحماية الدور مدركاً ضعف اقتصاد بلاده
وحاجتها الى التحديث واللحاق بالعصر.
لم تكن مهمته سهلة. قاومت شبكة المصالح
المترسخة محاولة التغيير الخجولة. بدت
آلة الحزب قديمة وبدت آلة الأمن أقوى
مما اعتقد. ولعبت مخاوف التركيبة دورها.
وانشغل الأسد بمعارك الخارج بعد غزو
العراق وحرب تموز فتزايدت صعوبات
الداخل في عالم متغيّر أدرج سورية على
لائحة الدول المقلقة. تأخرت الإصلاحات في الداخل. التزايد
السكاني كبير والبطالة مرتفعة
والإدارة مترهلة والحزب يغرف من قاموس
قديم. وبعد انطلاق «الربيع العربي»
انتقلت الشرارة الى سورية. الدول
الغربية التي كانت تشجع النظام السوري
على تغيير سلوكه في الخارج باتت اليوم
تطالبه بتغيير سلوكه في الداخل أيضاً.
سورية صاحبة تجربة في مقاومة ضغوط
الخارج لكنها كانت تستند الى داخل
مستقر. الصورة مختلفة الآن. قراءة هادئة لمئة يوم من الأزمة في سورية
باحتجاجاتها والوعود الإصلاحية
والممارسات الأمنية المفرطة والخسائر
في الداخل والخارج تدفع الى الاعتقاد
بأن لا مخرج إلاّ عبر مشروع يعيد سورية
دولة طبيعية لا قلقة ولا مقلقة. دولة
تعيش في نظام يرتكز على تعددية حزبية
ترسي مصالحة في الداخل وتدعم دوراً
طبيعياً يُسهّل مصالحة في الخارج. ويسمع الصحافي الزائر في أنقرة أن تولي
الرئيس الأسد قيادة هذا التحول يبقى
الخيار الأقل كلفة ذلك أن سورية القلقة
الغارقة في الاضطراب ستكون مقلقة
للمنطقة أيضاً. ================ حمد الماجد الشرق الاوسط 27-3-2011 جزى الله الشدائد السياسية كل خير، عرفت
بها صديقي من عدوي، لم أجد للزعامات
الإيرانية ولقائم مقامهم في لبنان بعد
مواقفهم وتصريحاتهم الأخيرة عن
انتفاضة الشعب السوري إلا الحكمة
الشهيرة «إذا كان الكلام في الانتفاضة
السورية من فضة، فالسكوت من ذهب»، كل
مرة يصرح فيها نصر الله بعد الهبة
الشعبية السورية نتمتم ب«يا ليته سكت»،
أراد زعيم الحزب الإلهي، حسن نصر الله،
بتصريحاته الأخيرة أن يقنع الشعب
السوري، ويقنعنا معهم، بأن النظام
السوري هو الحصن الأخير المقاوم
لإسرائيل، وعليه فعلى الشعب السوري أن
يهدأ، وعلى جموع المتظاهرين أن تعود
إلى بيوتها كي تفوت الفرصة على
المخططات الصهيونية في هدم آخر حصون
الممانعة. وبما أننا، معشر الشعب العربي، شريحة
مستهدفة لتصريحات وفهلوات المفوه حسن
نصر الله، نود أن نقول لرجل إيران في
لبنان إننا تحولنا من درجة الاختلاف
معك إلى درجة الاستسخاف والاستخفاف
بتصريحاتك، فانتبه لما تقول، نحن لا
نفهم من تصريحاتك إلا أنك - باسم مقاومة
إسرائيل - تريد منا أن نتفهم دموية
النظام السوري في تعامله مع
الاحتجاجات الشعبية، وباسم الممانعة،
تعطي رخصة الذبح لماهر ولكتائبه
الشرسة، لتقتل وتفتك بالشعب السوري.
وباسم المقاومة تريدنا أن نسكت عن
تشريد الآلاف من الشعب السوري ذي النفس
الأبية، ليكون عالة على الأتراك
ومؤسسات العالم الإنسانية، وباسم
الممانعة على السوريين أن يقبلوا أن
يجثم النظام «الوراثي» القمعي على صدر
الشعب الصابر لتتوارث الأسرة «الجملوكية»
مقاليد الحكم أبا عن جد، وباسم مقاومة
إسرائيل على المتظاهرين السلميين أن
يتحملوا ركل وجوههم والدعس بالجزم
الغليظة على بطونهم الجائعة، وباسم
الممانعة يجب أن نتفهم سجن عشرات
الآلاف من المواطنين الذين ليس لهم ذنب
إلا المطالبة بالحرية والإنسانية
والكرامة، وباسم المقاومة على الشعب
أن يرضى باحتكار الطائفة الأقلية لكل
المناصب السيادية ومفاصل الحكم، وباسم
الممانعة توصم الأكثرية المحرومة
بالطائفية لو طالبت بكسر هذا
الاحتكار، وباسم المقاومة علينا أن
نستسلم للمخطط الإيراني الذي يتخذ من
النظام السوري وحزب الله مخلبين حادين
له في المنطقة. يوجه حسن نصر الله خطابه للسوريين، ويقول
إنكم بمطالباتكم بإسقاط النظام تعملون
على تكريس المخطط الإسرائيلي الأميركي
للسيطرة على المنطقة، وهذا فيه
استخفاف بعقول السوريين وعقولنا معهم،
فلا نعلم على كوكبنا الأرضي جهات تضررت
بصورة مباشرة من ترنح النظام السوري
إلا ثلاثة أطراف: إيران وحزب الله
وإسرائيل، كل العالم لاحظ الوجوم
والقلق الذي ظهر على وجوه القادة
الإسرائيليين خوفا على مستقبل الحدود،
التي كفل النظام السوري أمنها بكل
أمانة، من يقاوم من؟ ومن يمانع من؟ الاستخفاف بعقول البشر، كما هي تصريحات
زعيم الحزب الإلهي الأخيرة، سمة تتسم
بها القيادات الديكتاتورية أثناء
الأزمات، فتهذي بما لا تدري، بشار
الأسد، رئيس أكثر الأنظمة ديكتاتورية،
يقول إن نظامه سيعطي دول العالم دروسا
في الديمقراطية، ووزيره المعلم قرر أن
يقتلع الدول الغربية من الجغرافيا
والتاريخ، وقبلهما القذافي وصف شعبه
بالجرذان، وها هو الآن يختبئ كما تختبئ
الجرذان، الشيء الوحيد الذي صدق فيه
القذافي حين قال: «أنا معي الملايين»،
نعم معه الملايين، لكن من الدولارات
التي يشتري بها ذمم المرتزقة لقتال
شعبه، الجميل في تصريحات القذافي ونصر
الله ورموز النظام السوري أنها أصبحت
نكات تتندر بها الشعوب العربية، كما
تتندر بطرائف الكوميديين، جحا وغوار
الطوشة وعادل إمام. ======================== أوروبا والثورة السورية
: إذا شطبتمونا من الخارطة فأين
تنفقون الأموال التي نهبتموها؟ إغناطيوس غوتيريث دي تيران مستعرب إسباني، جامعة أوتونوما
بمدريد كلنا شركاء 27/6/2011 أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم
قبل أيام أن نظامه قادر على تدبير أمره
دون أوروبا، بل ذهب أبعد من ذلك إذ أعلن
شطب القارة العجوز –والمقصود الاتحاد
الأوروبي الذي يضم أغلبية الدول
الواقعة فيها- من الخارطة، معبرا
بطريقة علنية وضمنية عن نوع من اللا
مبالاة إزاء الانقتادات الأوروبية "الظالمة"
وإنزعاج بروكسيل تصاعد حدة القمع
والبطش في سورية. وأثارت هذه التصريحات
تساؤلات عدة أقلقتني شخصيا بطريقة لا
يمكن الاستخفاف بها، بل يجب الاعتراف
بأن كلمات تحولت بسرعة إلى شغل شاغل
بالنسبة لي وغيره من الإخوة
الأوروبيين. فمحو قارة بكاملها من
الخارطة أمر لا ينبغي أن يمر دون
عواقب، خصوصا إذا كان من اتخذ قرار
التشطيب هو نظام ممانع يستحق قائده أن
يتزعم العالم كما قال أحد نواب برلمان
دمشق. وبصرف النظر عن جدية هذه الأقوال
وفعاليتها أو مدى اتصالها بمعجم
العنتريات البلاغية السخيفة التي تزخر
بها خطابات الانظمة العربية المتخلفة
فكريا وماديا فإن الصحيح أن الملايين
من الأوروبيين توكلوا على الله مثبتين
أقدامهم على الأرض مستعدين لمواجهة
المجهول المرعب بعد أن يكون العلامة
المعلم صاحب الرسم والترسيم قد أطاح
بواقعيتنا الجغرافية. ولم يفت البعض ما
يحمل ذلك القرار من المفارقة المحملة
بدلالات رمزية كثيرة لأن العلماء
العرب هم أول من رسموا بدقة وعناية
موقع أوروبا على خارطة البلدان في
العصور القديمة… عليه فإني أتخيل المواطن الأوروبي العادي
يتناول المسألة من الجوانب وعبر
مقاربات مختلفة، ويظهر لي كذلك أن نسبة
لا بأس بها من دبلوماسيي بروكسيل
يحسبون لتطور الاوضاع في سورية ألف
حساب خاصة وأنهم -وكذلك رؤسائهم
والشركات الكبرى والدوائر الموالية
وجهات محددة كتلك المهتمة بسلامة نظام
تل أبيب- تخاف الثورة السورية
وتداعياتها أكثر مما يخشون نظام الأسد
وزمرته. إلا أني جابهت القضية من منظور
مختلف تماما بحكم جنسيتي الإسبانية
وانشغالي بالأزمة الاقتصادية الخانقة
التي تجتاحنا نحن والكثير من دول
الجوار منذ فترة، وهو منظور حاولت طرحه
على شكل سؤال هو التالي: إذا قرر النظام
السوري أن أوروبا لا وجود لها وأنه (النظام)
متجه بشكل حاسم نحو الشرق (وذلك،
للإفادة، لمجرد تلويح الاتحاد
الأوروبي بعقوبات تافهة لا تعالج لب
المعضلة) فأين ستنفق النخبة الحاكمة
الأموال والعوائد والخيرات التي
نهبتها وسلبتها من المواطن السوري منذ
عقود طويلة؟ إن السؤال ليس بريئا لأن
إسبانيا كانت الوجهة المفضلة لعدد من
أفراد العائلة الحاكمة في بلاد الشام
لاسيما في المناطق الجنوبية المطلة
على كل من المتوسط والمحيط الأطلسي.
فلم يكن من النادر مشاهدة رموز ذلك
النظام يمرحون ويرفلون في شواطىئ
إقليم الأندلس وملاهيه الليلية إسوة
بعدد من وجهاء دول الخليج. كما لم يكن
من غير المألوف أن نصادف زوجة الرئيس
أو زوجات أخوته وأبناء أعمامه وأخواله
وكذلك أشبال الأسر المقربة إليها
تسرفون "البلاوي" في المدن
الراقية كلندن أو باريس أو روما أو
مدريد أو برشلونة. ولا يخفى على أحد أن
النخبة الحاكمة في سورية أنجزت
أغلبيتها الدراسات العليا، في حالة ما
إذا أنجزوها، في الجامعات والمعاهد
الراقية الأوروبية والأمريكية كما هو
الشأن، مثلا، مع النخبة القذافية في
ليبيا، وخير مثال على ذلك الرئيس بشار
الأسد نفسه. ولم يفتنا كذلك أن السيدة
الأولى والثانية والثالثة، إذا رغبن
في الاستجمام والتسوق والترويح عن
النفس، توجهن نحو الغرب وليس الشرق
بحثا عن المتاجر الفاخرة والبيئة
الثقافية الحضارية المتميزة واللياقة
الغربية البعيدة كل البعد عن "جلف"
الرعاع الشرقي الجاهل الفاقد إلى الحس
والرقة والذوق. أو الحثالة والجراثيم
المصابة برذيلة التظاهر "غير
الحضاري العمراني". لذلك أرعبني إصرار الوزير الأصيل على قطع
قنوات البذخ والحياة الراغدة مع عواصم
أوروبا ومنتجعاتها لأن الحكومات
الأوروبية، وإن كانت هناك استثناءات،
تعاملت دائما مع رموز النظام السوري
بلطف شديد، وهي معاملة مخملية لم يحرم
منها سوى العناصر الأكثر مشاغبة
وإلحاحا على الإخلال بالنظام العام
وتجاوز الخطوط الحمر بسبق الترصد
والإرصاد كما هو الحال مع جماعة رفاعة
الأسد التي أدت مغامراتها أثناء "الليالي
المجنونة" في بلدة ماربيليا (إقليم
أندلسيا) وغيرها من مناطق اللهو
والرفاهية إلى تقارير صحافية حاولت
الدبلوماسية الإسبانية التغاضي عنها
بطريقة أو أخرى حرصا منها على حسن
العلاقات مع نظام عصابة الأسد (وهو
الحرص نفسه تقريبا الذي تعاملت به
سلطات أوروبية مع أبناء والحكاية
معروفة). والحق يقال إن كلمات المعلم لا تنم سوى عن
العنترية المجانية المعهودة عند انظام
السوري فأوروبا مصدر الصادرات
والواردات الأكثر أهمية والقروض
والاستثمارات والسياح والشركات
النفطية والاتفاقايت التجارية،
وبالتالي فإن التخلي عنها بمثل هذه
البساطة ليس بالأمر الهين على دولة
منهوبة مفلسة كالسورية دأبت الفئة
المستطلة فيها على امتصاص خيراتها
بطريقة منظمة مستديمة أنهكت البلد
فجعلتها مضطرة لمراعاة روابطها
الخارجية. والصحيح أيضا أن استبدال
الوجود الاقتصادي والمالي والتجاري
والثقافي الاوروبي بالصديق الإيراني
أو الشريك الصيني القوي الجديد أو
بالحليف الروسي القديم أو بالقوى
العالمية الصاعدة كالهند أو البرازيل (ومجازا
فلنعتبر هذه الدولة الجنوب أمريكية
جزءا من الشرق الموسع) ليس بالمستبعد
أو الاحتمال غير الوارد ولكني لا
أستطيع أن أتصور الأغنياء الجدد من ثلة
الأسد والمخلوف والشوكة والشاليس
والطلاس وإلخ ينفقون أموال السوريين
المسلوبة في بيكن أو موسكو فما بالكم
بطهران، إذ أن مجموعة الأسد تزدري
أنماط الحياة "الشرقية" المتبعة
في إيران حيث الشرب والتخدير في السر
الزهد والكبت الجنسي في العلن
ويتحفظون كذلك على الأحواء المنغلقة
في الصين وبرودة الطقس في روسيا لأنها
ليست، باختصار، أماكن "شيك" يعتد
بها إذا كان السارق ينوي صرف الملايين
المحققة بعرق جبين الغير. وبعد
التفكير العميق والتأمل الرصين خلصت
إلى أن رسالة الوزير المعلم لا تهدف
سوى إلى تذكير الأوروبيين بواجب
التغاضي والابتعاد عن المشهد السوري
كما فعلوا طوال الأشهر الثلاثة
الأخيرة. ولكن القيادة السورية
الحالية مغفلة وواهمة إلى درجة أنها
تؤمن بأن سياسة القتل الجماعي
والتهجير والتلفيق يمكن أن تستمر دون
أن ترتفع أصوات الاحتجاج لدى الجانب
الغربي. لقد شهدنا الخاتمة نفسها
تقريبا في أفلام بوليسية لا تحصى: عراب
العصابة الإجرامية تضطر في النهاية
ورغم أنفه أن يأمر بتصفية أحد الأعوان
الكبار لأنه أصبح يشكل خطرا على
العائلة بكاملها نتيجة لتصرفاته
الإجرامية الزائدة عن اللزوم وعدم
قدرته على كتمان تجوازاته وأفعاله غير
القانونية. يبدو أن مظاهر الترف
والخمور المعتقة الراقية وتلك السهرات
الحالمة التي تفضل فيها المسؤولون
الأوروبيون أصحاب الرياء والوقاحة
بالمناجة دفعت هؤلاء الجناة إلى
الاعتقاد بأنهم فوق المساءلة الغربية
مهما أساؤوا… وربما قد نسوا أنهم لا
يملكون حتى القلم الذي يزعمون أنهم
قادرون على إزالة أوروبا من الخرائط! ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |