ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 29/06/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

إلى أين يتجه الوضع السوري؟

الاخبار 28-6-2011

سلامة كيلة

رغم شدّة القمع الذي يمارس ضد المتظاهرين، واستخدام القوة العسكرية والرصاص الحي، لا يبدو أنّ الانتفاضة في سورية تتراجع. فالأعداد تتزايد، والمناطق تتوسع، حتى المدن التي تستباح عسكريّاً تعود لتتظاهر من جديد. هناك قطاع من الشعب، يتوسع باستمرار، قرر التظاهر من أجل التغيير، وهو لا يزال مصمماً على ذلك، رغم كل العنف الذي يواجه به. وهناك السلطة التي قررت منذ البدء استخدام كلّ قوتها العسكرية من أجل ألا تتوسع التظاهرات، وأن يُرعَب الشباب من خلال القتل والاعتقال والتعذيب العنيف في السجن.

ولا شك في أنّه ليس كلّ الشعب يتظاهر، بل إنّ نسبة الذين يتظاهرون ربما تصل إلى 10% من الشعب مثلاً (وهذا مهم إذا قارنا ذلك بنسبة الذين انتخبوا كل مؤسسات الدولة، إذ لم تبلغ النسبة تلك)، لكن قيمة هذه النسبة تتمثل في أنّها تقوم على تراكم احتقان يطاول ما يقارب ال80% من الشعب. ذاك الذي أفقر نتيجة البطالة (30% من القوى العاملة)، والفقر نتيجة الأجر المنخفض جداً (ربما 40% من القوى العاملة، وربما أكثر). وبالتالي، فإنّ عدم المشاركة هو نتاج «الرعب» الذي يوجده العنف الذي يمارس، لكن يمكن أن يشارك هؤلاء في لحظة ما. وهو ما يظهر في المدن التي تعرّضت للعنف وتمردت، إذ نجد أنّ الشعب كلّه يشارك في التظاهرات. إلى الآن، هناك ما يمكن أن نطلق عليه توازناً بين قوة الشعب المشارك وقوة السلطة. ولهذا لا تزال التظاهرات على قوّتها، بل تتصاعد وتتوسع. لكن لا يزال العنف على أشده، إذ تنتقل القوى العسكرية من مدينة إلى أخرى.

اللافت هو أنّ المدن التي تجري السيطرة عليها عسكرياً تعود إلى التظاهر حال انسحاب الجيش منها، أو تبقيها السلطة تحت الحصار العسكري/ الأمني لمنع تظاهرها. ولهذا بات واضحاً أنّ هناك مناطق «خارج السيطرة»، بمعنى أنّ كل سكانها باتوا يشاركون في الانتفاضة، مثل حوران، والرستن وتلبيسة، ومعرّة النعمان ودير الزور وحماة. في ضوء ذلك، كيف يمكن أن تتطوّر الانتفاضة؟ هل سينكسر وضع التوازن لمصلحة السلطة أم لمصلحة الشعب، أم لن يكون ممكناً كسره؟ وبالتالي، هل يمكن أن ينحرف الصراع إلى دهاليز الطائفية، أو ينجرّ إلى ما يسمح بالتدخل الإمبريالي؟ المسألة تتعلق بقوة الشعب وصلابته، وهذا ما يظهر واضحاً، وبالتالي بالزمن الممكن لاستمرار هذا التوسع في الحراك. فتلك الصلابة ستفتت قوة السلطة بنحو طبيعي، حيث القدرة المالية للدولة باتت مهزوزة، وتوسيع فرق الجيش التي تدخل الصراع سوف يظهر العجز عن السيطرة عليها أمنياً، فهي تخضع لسيطرة أمنية في تحركاتها، وفعلياً، نتيجة كون هؤلاء الجنود والضباط هم من الشعب الذي بات يُسحق في كلّ المدن والبلدات التي ينتمون إليها. بمعنى أنّ السلطة لن تبقى على قوتها التي بدت عليها خلال الفترة الماضية، وإذا كانت قوتها لم توقف الشعب عن الحراك فإنّ تراجع قوّتها سوف يدفع الحراك إلى التصاعد أكثر. لهذا تكمن الأولوية الآن في الدفع بالانتفاضة إلى الأمام، وعدم استعجال تقديم الحلول، فهذا يربك الانتفاضة ذاتها لأنّه يزيد من تردد المترددين، بدل انخراطهم فيها. ولا شك في أنّ كلّ حديث السلطة عن الحوار هو من أجل ذلك، أي من أجل القول بأنّ الأمور تصل إلى حل عبر الحوار، وليبقى المترددون في أماكنهم. وهنا لا بد من ملاحظة مجمل المشكلات التي تعوق التوسع الشامل للانتفاضة من أجل حلّها، هذا هو المهم الآن.

إذن، في إطار التوازن الراهن نلمس أنّ الزمن يدعم تصاعد قوة الانتفاضة رغم كلّ ما يمارس من عنف. وهذا يفتح على تغيير مهم في ميزان القوى، لمصلحة الانتفاضة. لكن هنا تُطرح مسألة الشكل الممكن للتغيير، هل هو الشكل المصري أم الشكل اليمني أم شكل جديد؟ وما هي البدائل؟ هل طرح مسألة الدولة الديموقراطية كافٍ، أم أنّ الوضع يفرض أكثر من ذلك؟ هذا ما يمكن أن يُفتح النقاش حوله. لكن ما يلفت الانتباه هو وجود نخب تعتقد بأنّ الأمور تنجرف إلى الفتنة، كما سماها الصديق ميشيل كيلو، أو إلى الصراع الطائفي، كما يشار في الغالب، أو تسير نحو مأزق لأنّ طرفي الصراع لن يستطيعا الحسم، وبالتالي تدخل سوريا في نفق من التآكل. يفرض هذا التحليل الاستعجال في المبادرة إلى تقديم حلول، والمبادرة إلى فتح خطوط من أجل انتقال سلس للسلطة، تحت إشراف السلطة ذاتها (أو بالتعاون مع بعض أفرادها). وإذا كان من الخطأ الفادح على تطوّر الانتفاضة التخويف والاستعجال لأنّه يزيد من تردد المترددين في المشاركة، فلا بد من أن نلمس أنّ الوعي الماضي يتحكم في تحليل الحاضر لدى تلك النخب. فلا يبدو أنّ النخب لمست أساس الانتفاضة، وظلّت تنطلق من أحلامها، ففهمت الانتفاضة انطلاقاً من ذلك (الحرية والكرامة)، وبالتالي ظلّت في وعي ماضوي، لتصل إلى تحليل ماضوي، أي تجاوزه الواقع. فلا شك في أنّ مشكلات تقف في وجه توسع الانتفاضة، منها تخوف بعض الفئات الاجتماعية من المآل الذي يمكن أن تؤدي إليه. فما بديل إسقاط النظام؟ وما الأهداف التي يتظاهر كل هؤلاء من أجلها؟ ولماذا تخرج من الجوامع، وتكرر شعارات «دينية»؟ لقد لعب الإعلام الرسمي دوراً في التخويف، من خلال فيلم المجموعات السلفية والإمارات السلفية، ومن خلال تخويف الطوائف. ويمكن أن يصعّد في هذا السياق دفاعاً عن سلطة المال والأمن. لكن هل هذا الاحتمال ممكن؟ وهل، بالتالي، ليس من خيار سوى الإصلاح، أو الحوار أو أي كلمة يمكن أن توضع في هذا الموضع؟

حين تكون الفرضية خاطئة، ستكون النتيجة فاسدة. إنّ سوء فهم الظروف التي أفضت إلى الانتفاضة، سيقود حتماً إلى استمرار التحليل القديم الذي ظلّ يرى الصراع الطائفي أو التبلور الطائفي، حتى دون تحديد في ما إذا كان أساسه قائماً. لكن حين يصل الوضع إلى مرحلة القول إنّ الفئات المفقرة والمهمشة تبادر إلى الانتفاض، سيصبح واضحاً أنّ الصراع سياسي بامتياز، وهو صراع مع السلطة، ومن ثم يسقط كل الحشو الثقافي الذي تفرضه الأديان والطوائف، ويصبح الهدف هو إسقاط السلطة. ما هو في قاع الانتفاضة هو الإفقار والبطالة والتهميش، وهو الذي فرض منطقاً جديداً بات يحكم وعي الشباب الطبقات الشعبية. ويشمل ذلك كل الطبقات دون ميل إلى تصنيف طائفي أو ديني، لم تعد هناك حاجة إليه، نتيجة توضّح الصراع، كصراع ضد سلطة تمثل فئات راكمت الثروة. وإذا كان هناك من شك بدايةً في هذا الأساس، وتخوّف طائفي، فإنّ صيرورة الصراع ستوضح أنّ المسألة تتعلق بذلك تحديداً، أي بأن الانتفاضة هي نتاج الوضع المتشابه لدى كل هؤلاء، بغض النظر عن لغو النخب، وتخويف السلطة، والخوف الكامن الذي يسمح في لحظة بنجاح خطاب التخويف. الخوف الكامن من مواجهة حقيقة أنّ المطلوب بات يتمثّل في الانتفاض من أجل التغيير. لهذا لن تقود التخوّفات، وربما التعصب الأوّلي، التي برزت في الفترة الماضية، إلى تطوّر يفضي إلى صراع طائفي. على العكس، سوف يتوضح في سياق تطور الانتفاضة أنّ المسألة المطروحة هي مسألة سلطة ونهب وفساد، تعانيها كلّها كل الطبقات المفقرة، بغض النظر عن طوائفها وأديانها، وأنّ المسألة بالتالي تتعلق بنظام بديل. نظام اقتصادي وسياسي، وليس تغيير شكل السلطة فقط، أو ترقيعها. فالإفقار العام نتج من استغلال شكل السلطة الاستبدادي، من أجل النهب الاقتصادي وتركيز الثروة بيد قلّة تتحكم بالقرار الاقتصادي والسياسي والأمني. هذا الفهم هو الذي يزيد من توسّع الانتفاضة، ويوصلها إلى مفاصل قاتلة تفرض التغيير. بالتالي، ما لا بد منه هو التركيز على تطوّر الانتفاضة وتجاوز التخوفات، ووقف التخويف النخبوي. الأفق لا يزال مفتوحاً، والتغيير حتمي، بعد كلّ هذه الصلابة والقوة التي تمتلكها الطبقات الشعبية. فلم يعد من خيار سوى التغيير.

* كاتب عربي

===================

الثورة السورية.. وخصوصية سلميتها

سمير مطر

ايلاف

28-6-2011

نحن السوريون وغيرنا كثيرون يعرفون جيداً سوريا ما قبل 15 آذار، ذلك البلد الرازح تحت حكم حزب البعث منذ عام 1963 وحكم الأسد الأب والابن منذ 1970، بغض النظر عن دور هذا الحزب بعد انقلاب 8 آذار أو بعد السيطرة الأمنية عليه وعلى البلاد لاحقا، سوريا كانت مع شقيقتها البعثية، العراق، البلد القمعي لكل إنسان يتوق إلى الحرية، كانت بلد الأجهزة الأمنية بامتياز، وبلد تغص بالمعتقلين السياسيين، مئات الآلاف منهم ملئوا سجونها فلم تفرغ يوما من معتقلي الرأي والتواقين للحرية. كانت بحق بلاد قمعستان على حد تعبير الشاعر السوري الراحل نزار قباني.

على أن الذي ميز حال سوريا، هو أن هذا القمع الأمني اقترن بانتهاج سياسية إعلامية دعائية مجدت الرئيس وحزبه وإنجازاته الوهمية، و كرسوا لهذه السياسة كل وسائل الإعلام، المرئية والمسموعة والمكتوبة، هذا عدا عن حضور القائد في الساحات العامة في معظم المدن السورية من خلال تماثيله التي لم تكن تحصى، و صوره التي وزعت و علقت في كل محل ودكان وقاعة ومدرسة ومعهد وجامعة وحتى بعض المساجد والكنائس كانت تحتوي على صور الرئيس الراحل حافظ الأسد، التي أصبحت مألوفة لنا واعتدنا عليها..!. أرادت الأجهزة الأمنية أن يكون الأب القائد كالإله الذي يمشي على الأرض موجوداً في كل مكان، إنها سياسة الثقافة المستترة لترسيخ صورة القائد في عقول السوريين وذاكرتهم، وحتى الدفاتر والكتب المدرسية والورق النقدية كان لها نصيبها من صور الرئيس.

لا يبدأ الإنسان عادة بفهم السياسة بسن مبكرة ولكننا و من باب الافتراض و جدلا أن البعض يبدأ وعيه السياسي بالتشكل في ربيعه الخامس عشر، وبما أن الانقلاب الذي جاء بحافظ الأسد ( تسميه بروبغاندا النظام حركة تصحيحية ) كان قد حدث في عام 1970، وطالما أن نصف عدد سكان سوريا الآن أي حوالي 11 مليونا عمرهم أقل من 25 عاما على ذلك يكون عدد السوريين ممن بلغت أعمارهم 55 عاما و مادون ذلك حوالي 17 مليون سوري على الأقل، إذن كل السوريين الذين ولدوا بعد عام 1955 و قرابة 77 بالمائة من المجتمع السوري لم يسمعوا برئيس للدولة في حياتهم السياسية سوى بالرئيس حافظ الأسد و ابنه من بعده، كل هؤلاء لم يعرفوا على رأس السلطة في سوريا منذ بلوغهم مرحلة الوعي السياسي إلا الرئيس حافظ الأسد ووريثه السياسي، و لم يشاهدوا خلالها سوى صور الأب القائد أو صور ابنه تملأ كل الأنحاء و الزوايا و الجدران في سورية كدلالة لا تخطئ على معايشتهم نظاما أمنيا قمعيا كانت سمعته السيئة منتشرة في كل المنطقة، لكن على الرغم من هذه الحقائق المدعمة بالأرقام و رغم كل هذا القمع و التضليل و تشويه الوعي و قولبته، استطاع الشباب السوري إشعال الانتفاضة أولا على خوفهم الداخلي المزروع فيهم منذ ولادتهم و ثانيا على الواقع الآسن القمعي الفاسد كله بشموليته و كليته. انطلقت شرارة الثورة في 15 آذار بالعشرات أولا وأصبحت بعد ذلك بعشرات الآلاف ولم يعد الخوف يشكل أي حاجز عند شرائح شعبية كبيرة تتزايد أعدادها من أسبوع تلو آخر.لم يحد من ذلك سقوط أكثر من 1500 شهيد وإصابة الآلاف واعتقال عشرات الآلاف. بعد مضي 100 يوم على الثورة فشل النظام إلى حد بعيد في جر الثورة السورية إلى مستنقع العنف و رد الفعل على القمع الذي تتعرض له، الثورة السورية حافظت على سلميتها و لا طائفيتها بالرغم من كل محاولات النظام في إثارة النعرات الطائفية وتسليح أناس وإهانة آخرين وقتلهم، بل بالعكس كلما ازدادت أساليب النظام السوري قمعية ازدادت لحمة السوريين تماسكا و اتساقا و ألقا، و تعمق تضامنهم و ازداد رسوخا و صلابة.

فهل سيقتنع النظام أخيرا بفشل سياسة التفرقة و عقم حله الأمني القمعي، وهل سيستمر السوريون بالتماسك حول بعضهم، بكافة أطيافهم ومذاهبهم حتى تتحقق كل مطالب ثورتهم السلمية؟ كل الدلائل تشير إلى ذلك، وهذا ما سيعطي الانتفاضة السورية سماتها الخاصة و الاستثنائية و يضمن لها النجاح.

===================

الدولة والهرم التاريخي عند ابن خلدون

د.طيب تيزيني

العرب اليوم

2011-06-28

يتحدث العالم العربي ابن خلدون عن الدولة, عن نشأتها وازدهارها ونهايتها, في كتابه الكبير "المقدمة" وقد فصل في تلك المراحل, يشي بانه قد يعتبر واحدا ممن اسس لمنظومة الدولة علميا وبالصيغة التاريخية الواضحة, وبغض النظر عن تفصيلات المسألة التي قدمها ابن خلدون, فان ثمة نقطة حاسمة في ذلك تسمح بالقول بان الرجل, في نظرته للدولة, يتجاوز ما كان سائدا في عصره وقبله من اراء وتصورات حولها وحول غيرها.

فهذه الاراء والتصورات ترى نشأة الدولة ومصائرها من مواقع الاساطير والمعجزات والاوهام. ولا يعني ذلك ان ابن خلدون حقق - على هذا الصعيد - قفزة كبرى نقلته من تلك المواقع الى موقع العلم الاجتماعي والسياسي, لكنه عنى في حينه اقترابا شبه حثيث من هذا الموقع.

اما ما يمكن اعتباره حاسما في هذا الحقل فلعله يتجلى في رؤيته التاريخية النقدية لتاريخية الدولة, اي لكونها حالة لا يمكن اعتبارها ذات مصادر لاهوتية, بقدر ما كانت تغوص في السياق التاريخي البشري وبتعبير آخر, رأى ابن خلدون في الدولة حالة تنمو وتزدهر, وتدخل مرحلة الموت السريري, وبعد ذلك تنتهي الى الموت. وهي بذلك كائن حي يخضع لما يخضع له البشر. ومن ثم, اذا كانت الدولة ما هي عليه, فهي لم يعد النظر اليها على انها "قدر كوني قاطع محتمل" فهي كائن حي خاضع للسياق الذي تنطلق منه وفيه, اي التاريخ.

على ذلك النحو, فان عناصر التكون والتقدم والهرم تنطبق عليها, كما على اي كائن حي آخر, وبالتالي, لم يعد من دواعي العجب ان تطرأ عليها مظاهر العجز والفساد والتقهقر, اذا ما اهملها القائمون عليها, ومن شأن هذا ان تكون مسألة الاصلاح امرا مهما في حسابات هذه الدولة, ولا بد ان ابن خلدون وغيره من البشر قد ادركوا ان منزلا يهمله اصحابه, يتعرض للمخاطر, اذا اهمل من قبلهم, فكيف اذا, يكون الامر اذا تعلق بالدولة: ان التنظيم والعدل والمساواة والحرية ومتابعة دائمة ومطردة لشؤونها الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والصحية والسياسية والتعليمية.. الخ, ستبقى واجبات امام المسؤولين لمتابعتها في الدولة العتيدة. واذا ما حدثت الامور على غير هذا النحو من الاهمال والفساد والظلم لصالح الاستئثار والتملك غير الشرعي, مع استقطاب السلطة والثروة والمرافق المتعددة, فان حالا من الاضطراب والخلل والنشاز, تصبح واردة. اما اذا اهمل المسؤولون ذلك كله, فان مخاطر تحيق بالدولة, مما يفتح ابواب التصدع للنعرات أمام التغيير وامام احتمالات اخرى قد تتحدر من الخارج.

هكذا نكون امام استحقاق الاصلاح الجدي والفاعل والشامل, واكثر من ذلك بالتوقيت المناسب للقيام بذلك, وحيث يكون الامر على غير هذا النحو, فان مخاطر التدمير والفوضى والاضطراب اضافة الى احتمالات التدويل, تهدد الدولة المعنية وتجعل اصحاب المصالح الضيقة والمكائد قادرين على الوقوف في وجه الاصلاح, وحين ذلك, يصبح القيام باصلاح حقيقي, معادلا لوجود الدولة ذاتها, ولوجود الوطن, ذلك هو واقع الحال, التي تسيطر في سورية الان, ومن هنا فان الوعي العميق بهذه المخاطر والعمل على التغلب عليها, هما ما يجب انجازه.

==================

أسئلة السوريين البسيطة

زين الشامي

الرأي العام

28-6-2011

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على بدء الاحتجاجات ضد النظام الحاكم في سورية وبعد ثلاثة خطابات وكلمات للرئيس بشار الأسد، وبعد الكثير من المواقف لبعض المسؤولين الرسميين، لوحظ أن هناك لغتين مختلفتين، واحدة تقنع المستمعين وتجلب مزيداً من التعاطف الداخلي والعربي والدولي وهي لغة المحتجين والمعارضين، وأخرى، هي لغة رسمية لكنها غير مقنعة ويعوزها المنطق والواقعية.

سنضرب أمثلة على ذلك من خلال طرح أسئلة، وهي أسئلة بسيطة جداً، ورغم أنها بسيطة فلا يبدو أن النظام السوري أو المدافعين عنه يملكون إجابات شافية أو مقنعة عنها. من بين هذه الأسئلة:

- لماذا لا يقتل أحد ولا تظهر العصابات المسلحة خلال التظاهرات المؤيدة للنظام، بل لماذا يقتل الناس فقط خلال التظاهرات المعارضة ولماذا تظهر العصابات المسلحة في الأماكن التي شهدت تظاهرات واحتجاجات ضد النظام والرئيس بشار الأسد أو طالبت بإسقاطه؟

- لماذا لا يسمح للمعارضين بالتظاهر وهل يحصل المؤيدون على إذن من الجهات المختصة لتنظيم التظاهرات؟

-لماذا يصف الإعلام السوري التظاهرات المعارضة بالقليلة العدد ويقدر المشتركين فيها فقط بالمئات، فيما يصر على «مليونية» أي تظاهرة مؤيدة للنظام؟

- لماذا يصور التلفزيون السوري، وهو تلفزيون وطني يشارك كل السوريين في ميزانيته من خلال الضرائب التي يدفعونها، في تصوير التظاهرات المؤيدة على الهواء مباشرة بينما لا يصور تظاهرات الجزء الآخر من الشعب السوري؟

- هناك إصرار على ان المعارضين للرئيس الأسد هم قلة قليلة، لماذا لا يسمح لهم بالتظاهر، وخاصة في دمشق، ليرى العالم كله أنهم قلة؟

- لماذا يخاطر الشبان السوريون ويذهبون الى الشوارع للتظاهر رغم معرفتهم أنهم قد يقتلون؟

- لماذا يتم التعامل مع «المتطرفين والإسلاميين»، وهي مسألة أمنية، من خلال إرسال الدبابات الثقيلة ومن خلال الحل العسكري واقتحام المدن والبلدات وإرسال الشبيحة، فيما عودتنا أجهزة الاستخبارات السورية على مدار العقود المنصرمة على طريقة تعامل مختلفة مع «الإسلاميين» تقوم على المتابعة الأمنية السرية والرقابة الدائمة للحالات الفردية المشتبه بها، ومن ثم اعتقال الأفراد المتورطين أو الذين يشتبه بانتمائهم لفكر «تكفيري» أو سلفي؟

- ذكر الرئيس بشار الأسد في كلمته الأخيرة أن هناك 64 ألفا من «الخارجين عن القانون في سورية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين وكيف ومتى صار لدى سورية عشرات الآلاف من الخارجين على القانون رغم وجود 17 جهازا أمنيا تغطي كل الخارطة السورية وتعرف كل شاردة وواردة عن السوريين، وتحصي أنفاسهم أيضاً، ثم ما هو المقصود بالخارجين عن القانون، هل المقصود بهم المتظاهرون الذين خرجوا للشوارع وهتفوا للحرية؟ إذا كانوا هم المقصودين فإن الرقم قليل جداً، لأن من خرجوا يقدروا بمئات الآلاف.

- يقول الإعلام الرسمي، والرئيس بشار الأسد نفسه، إضافة للمسؤولين السوريين، قالوا جميعهم أو لمحوا إلى وجود مؤامرة خارجية تستهدف المواقف السياسية السورية. السؤال، ما هي تلك المؤامرة، وهل توجد وثائق تثبت ذلك، وما هي الدول الخارجية أو الأشخاص في الخارج المتورطون في هذه المؤامرة، كذلك من هم السوريون في الداخل الذين قبلوا بالتآمر ضد بلدهم؟

- لماذا لم تسمح السلطات السورية للصحافة العربية والدولية بالدخول إلى سورية إذا كان هناك متطرفون وإسلاميون وعصابات مسلحة، أليس السماح للصحافة ووسائل الإعلام الأجنبية أفضل وأكثر فائدة للحكومة السورية التي «تتصدى» للإرهاب و«المسلحين التكفيريين»؟

- لماذا هرب السوريون في منطقة جسر الشغور نحو الأراضي التركية إذا كان هناك عصابات مسلحة تروع الأهالي ولم يهربوا إلى الداخل السوري، أليس من الأجدى أن يلجأ الناس عادة إلى حكومتهم وجيشهم في مثل هذه الحالات؟ هذا السؤال ينطبق أيضاً على أهل درعا الذين هربوا إلى الأردن، وأهالي تلكلخ الذين هربوا إلى لبنان.

- إذا كانت هناك عصابات مسلحة، هذا يعني أن هناك فكرا سياسيا، ويعني أن هناك تنظيمات وحركات سياسية سرية لها أهداف معينة، لماذا لم يظهر أي بيان سياسي عن هذه العصابات أو الجماعات يعلن عن مسؤوليته عما يجري على الأرض أو يتبنى على سبيل المثال العمليات العسكرية التي أدت الى مقتل بعض عناصر الجيش والشرطة حسب رواية السلطات والاعلام الرسمي؟

- لماذا انزعج وزير الخارجية وليد المعلم من تركيا لأنها عملت تجهيز مخيمات للاجئين السوريين بعد أن توقعت السلطات فيها حركة نزوح من الأراضي السورية، نسأل ذلك لأن السلطات السورية سجنت الصحافي إبراهيم حميدي مراسل صحيفة «الحياة» في دمشق عام 2003 بسبب نشره معلومات نقلاً عن مصدر أمني سوري قال فيها إن السلطات السورية قامت ببعض التجهيزات الفنية واللوجستية على الحدود السورية العراقية لأن دمشق تتوقع حصول حرب على العراق وحركة نزوح كبيرة باتجاه الأراضي السورية؟

- لماذا لم يقم الرئيس بشار الأسد إلى اليوم بزيارة الى محافظة درعا التي قتل المئات من أبنائها ليعزيهم، أليس من واجبه أن يعبر عن مواساته وتعاطفه مع شعبه خلال الازمات والملمات الكبرى؟

- لماذا لم يزر الرئيس الأسد مخيمات النازحين السوريين في تركيا، أليس هناك أكثر من عشرة آلاف سوري قال الإعلام السوري انهم هربوا من المسلحين والعصابات، لماذا لم يتصرف الرئيس السوري مثل اي رئيس في العالم حين تقع كارثة انسانية لشعبه؟

- لماذا لم تسجن السلطات السورية رجل الأعمال رامي مخلوف حين أدلى بتصريحات «توهن نفسية الأمة» لصحيفة أميركية حين قال انه «لا يمكن لإسرائيل ان تنعم بالأمن ما لم يكن هناك استقرار في سورية» في حين ان السلطات السورية سجنت غالبية أعضاء المعارضة السورية وسجنتهم بتهمة «وهن نفسية الأمة» لمجرد أنهم أدلوا بآراء مختلفة عن الحكومة وطالبوا بمطالب محقة؟

- هناك مليون سؤال وسؤال... لكن المشكلة أن السوريين ومنذ عقود لا يسمعهم أحد ولا يتلقون أي إجابة عن أي سؤال.

==================

ماذا فعل المسؤول الأوروبي في دمشق قبل أيام قليلة؟

نبيل هيثم

السفير

28-6-2011

قبل نهاية الأسبوع الماضي كشف السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى ان مسؤولا في الخارجية الاميركية طلب اليه نقل رسالة الى الرئيس بشار الأسد تتضمن عددا من المطالب مقابل تغيير الموقف الاميركي تجاه النظام. وكان واضحا ان السفير تكتم على تلك المطالب، ولم ينف او يؤكد ما اذا كانت مندرجة في سياق حملة الضغوط على سوريا لحملها على تقديم تنازلات في موقفها من قضايا وطنية وإقليمية ولا سيما علاقتها بإيران و«حزب الله» و«حماس».

لكن الوقائع السورية تشي بأن كلام السفير السوري الذي قاله في مدينة ديربورن الاميركية، يتقاطع مع حراك دبلوماسي اميركي اوروبي غير معلن في العاصمة السورية منذ ثلاثة أسابيع، وخاصة بعد احداث جسر الشغور وسقوط الضحايا من الجيش وقوات الامن السورية.

وعلى ما تكشف «مصادر ثقة» فإن هذا الحراك الدبلوماسي غير المعلن، قد توّج قبل ايام قليلة بزيارة سرية قام بها مسؤول كبير في وزارة خارجية دولة اوروبية تتصدر جبهة فرض العقوبات على سوريا في مجلس الامن الدولي وعلى مستوى الاتحاد الاوروبي، وسعى من خلالها الى نقل اشارة ايجابية من تلك الدولة الاوروبية تؤكد فيها رغبتها «بعلاقة جيدة لا بل متميزة مع دمشق».

وبحسب ما يؤكد المصدر نفسه، فإن المسؤول الاوروبي فاجأ مضيفيه حينما اعرب عن امل دولته في «ان تتجاوز سوريا الازمة التي تمر بها لتعود الامور الى طبيعتها»، قبل ان يكشف عن «تلقف ايجابي» لخطاب الاسد الأخير في جامعة دمشق، وينقل تمنيات حكومة بلاده «بأن يقترن الخطاب والوعود التي تضمنها ب«خطوات عملية» سريعة تلغي نهائيا مقولة «الافعال والاقوال»، وذلك لكي لا يشكل التأخير ذريعة تستخدم ضد سوريا».

وبدا ان في جعبة المسؤول الاوروبي المذكور ما هو ابعد من اللغة الودية، فهو يمثل دولة عضوة في الاتحاد الاوروبي ما يفرض عليها الالتزام بما يقرره الاتحاد من خطوات وعقوبات قاسية وخاصة تجاه سوريا، وبناء على هذا الالتزام فإن دولته فرضت عقوبات على سوريا ومن ضمنها وقف التعاون في مجالات مشتركة، لكن المسؤول المذكور كان صريحا جدا حينما نقل رغبة حكومته واستعدادها لأن تعيد النظر «سرًّا» في قرار وقف التعاون «ولكن بشرط وقف اطلاق النار على المتظاهرين».

وإذا كانت زيارة المسؤول الأوروبي قد عكست في بعض جوانبها «التعاطي الجدي» مع المنحى الإصلاحي للقيادة السورية، فإن الدافع إلى هذا التعاطي وإلى تلك الجدية وإلى الزيارة بحد ذاتها، هو المشهد السوري غداة أحداث جسر الشغور، وهو الأمر الذي عبر عنه المسؤول الاوروبي بقوله «ان ما جرى في جسر الشغور كان مشهدا بشعا».

يؤكد المصدر ان ما قاله المسؤول الاوروبي، ليس معزولا عن حركة دبلوماسية انطلقت في العاصمة السورية اثر أحداث جسر الشغور، وانطوت على «تفهّم ضمني» للوضع الذي نشأ واضطرار الجيش السوري للتدخل لحسم الامر، «لأن ما جرى ليس تظاهرة سلمية بل جريمة أدت الى مقتل أكثر من مئة أمني فضلا عن اكتشاف مقبرة جماعية، ولكن المهم أيضا اتخاذ إجراءات تحول دون تعريض حياة المدنيين العزل لأي خطر».

ولعل القاسم المشترك بين الرسائل المتتالية التي تلقتها دمشق من جهات خارجية وتحديدا أميركية وأوروبية، بالاضافة الى عضو الكونغرس الأميركي النائب دنيس كوسينيتش والنائب البريطاني بروكس نيومارك هو الآتي:

أولا: ليس لدى الإدارة الأميركية تحديدا، اية خطط لتغيير النظام في سوريا. كما لا توجد اية نية لأحد من الأوروبيين في ملاقاة أي توجه من هذا النوع. وثمة اشارة بالغة الدلالة اطلقها قبل ايام امين عام حلف شمال الأطلسي من أن الحلف لا يعتزم التدخل في الشؤون السورية، ولا ينوي شن عمليات عسكرية على سوريا مماثلة لتلك التي قادها على ليبيا منذ ثلاثة أشهر.

ثانيا: ان النظام امام امتحان إثبات مصداقيته، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولدينا قناعة تامة بأنه ليس في الامكان حل كل الملفات في وقت واحد، ولكن يجب البدء من «نقطة ما»، وإرسال اشارات ايجابية فورية بوقف اطلاق النار على التظاهرات السلمية.

ثالثا: لا حل الا بإطلاق العملية السلمية في سوريا، خاصة ان ما يحصل هو نتيجة طبيعية ومباشرة لبطء العملية السياسية وتأخر اطلاق الحوار الوطني، فالظرف استثنائي يتطلب اجراءات استثنائية، من شأنها ان تؤدي الى الاصلاح المنشود فيها.

رابعا: اذا كان الحوار الذي أعلنه الرئيس بشار الاسد قد بات يشكل اولوية ملحة، فإن الأهم هو ان يشرف الرئيس السوري مباشرة على هذا الحوار وعلى إدارته شخصيا، لا أن يتم اسناد تلك المهمة الى آخرين يمكن ان يدخلوه في غياهب التمييع وتقطيع الوقت، قبل أن يصار الى اعادة المعارضين (المحاورين) الى السجون.

خامسا: ثمة تمييز بين المعارضة المعتدلة وبين المعارضة المتطرفة، وما قام به المتطرفون من انتهاك لحرمات بعض الكنائس من خلال الكتابة على جدرانها، وغيرها من التصرفات، يحفز على جذب المعارضة المعتدلة وتقويتها لكي تقوم بدورها مع الحكومة في مواجهة المتطرفين.

سادسا: اننا اذ نشجع المعارضة المعتدلة على البدء بحوار جاد مع النظام السوري، نؤكد ان هذه المعارضة عبرت عن اهتمامها بالحوار وبالحل السياسي مدخلا للاستقرار الذي يريده الجميع..

سابعا: ان تغيير النظام ليس بندا للحوار، وهناك تأكيدات ان من سيشارك في هذا الحوار هو معارضة الداخل حصرا، ولن يشارك احد من معارضة الخارج، وتحديدا تنظيم «الإخوان المسلمين».

ثامنا: ان الأداء الامني وإن كان مبررا في بعض الحالات، ولكنه في معظم الحالات كان المساهم الرئيسي في مفاقمة الامور وتوتيرها.

تاسعا: ان الاستقرار السياسي في دمشق من شأنه ان يعيد الاستقرار الاقتصادي والامني والاجتماعي، لكن الشلل الاقتصادي الذي تشهده سوريا خطير ومن شأن استمراره ان يفرز تداعيات اكثر خطورة، ولذلك هناك مصلحة لا سياسية وحسب بل اقتصادية في نجاح الحوار بما يؤدي الى فتح آفاق الاستقرار السياسي.

===================

سورية... حين يقرر النظام إسقاط نفسه

حازم سليمان

القدس العربي

 28-6-2011

من الأيام الأولى لموجة الاحتجاجات قرر النظام الدخول في حرب ضد نفسه. أكثر المعارضين تفاؤلا لم يكن يتوقع أن يقدم النظام نفسه للداخل والخارج على طبق من ذهب. بدا النظام مستعدا لإسقاط نفسه وهذا ما حدث. لن يخرج النظام من معركته رابحاً. سيفرض واقعا عسكرياً، لكنه لن يتخلص من اللعنة الأخلاقية التي ستطارد أركانه وشخصياته وإعلامه، خاصة مؤسسته الأمنية التي أدخلت البلاد في أزمة إنسانية واجتماعية لن يكون حلها سهلا. السؤال المهم اليوم إلى متى سيستطيع الجيش ترقيع مصائب الأمن وبشاعته؟ وإلى متى سيصمت الجيش عن اضطراره الدخول في حرب داخلية تورط فيها بسبب جهل الأجهزة الأمنية وفسادها ودمويتها؟

لن تستطيع سورية أن تكمل مشوارها مع أجهزة أمنية من هذا النوع. وبدا واضحاً في أكثر من موقع شهد ازمات دامية، أن سحب الأمن من المدن هو الحل لإنقاذ أرواح الناس ووقف الموت. في الجمعة الوحيدة التي انسحبت فيها القوى الأمنية من درعا لم يتم تسجيل إي قتيل. في الجمعة الماضية التي انسحب فيها الأمن من مدينة حماه خرجت أكبر مظاهرة ولم يمت شخص واحد. في كل جمعة يقتل الأمن الناس وبوحشية بشعة، تخلق دافعا ومبررا لحمل السلاح، تتفاقم المشكلة، ويكون المجال سانحاً لمخربين ومجرمين دخول اللعبة، فيضطر الجيش إلى الدخول. لم يعد خافيا على أحد أن عنصر الأمن صار عدواً لن يتردد الناس في قتله والتمثيل بجثته. الناس تحمل حقدا مضاعفاً على الأمن السوري. آلاف الشهادات والأفلام الموثقة والمخفية جيدا الآن ستظهر لاحقا لتقدم للعالم ما فعله الأمن بالناس. اللجان الشعبية والقانونية تعمل بشكل محترف هذه المرة، حيث قامت بجمع الرصاص الذي قتل به المئات من الأبرياء في الشوارع سعيا إلى إجراء تحقيق جنائي محلي ودولي يمكنه تعقب مصدر الرصاصة والجهات التي اشترتها وقتلت بها.

ثمة فضائح أخلاقية وإنسانية كبيرة بانتظار النظام. ماذا سيفعل النظام وقتها؟ هل سيدافع أيضا عن القتلة؟ هل سيدخل في حرب جديدة لإنقاذهم؟ أم يسلمهم للعدالة والقصاص منهم؟ الجرح السوري سيظل مفتوحا إلى أن يقرر النظام الاعتراف بأخطائه الأمنية ويتجه لتأسيس مؤسسة أمنية وطنية هدفها حماية سورية وليس النظام. ويبدو أن هذه المؤسسة فشلت في الامتحانين، فلا هي استطاعت حماية الوطن من الاختراق الفادح حسب الرواية الرسمية، ولم تستطع أيضا حماية النظام لانها لطخته بالدم والثأر والكراهية ودقت المزيد من المسامير في نعشه.

الارضية الشعبية التي يقف عليها النظام لم تعد كافية لاستمراره، وهي الآن قائمة على أغنياء سورية وأصحاب المصالح الاقتصادية والاجتماعية، والأقليات الدينية التي تحمل في وجدانها الكثير من الانتقادات للنظام لكنها تتمسك فيه لأسباب خوفها من الذهاب إلى مجهول سياسي. هذا المجهول سببه أن المعارضه السياسية لم تطرح نفسها كبديل ولم تقدم حتى الساعة بدائل. هذا لن يطول كثيرا. وضوح المستقبل السياسي لسورية سيسحب البساط كاملا من أسفل النظام وهو كابوسه الحقيقي.

عقلاء النظام الذين فرحوا لعدم خروج مظاهرات في دمشق وحلب، واقتصار موجة الاحتجاجات على الأرياف لم تسعفهم عقولهم المبرمجة إدراك أن هذه الظاهرة تحمل في عمقها ومعانيها انهياراً لبنية أساسية من أركان النظام (الذي قام، تاريخياً، على أكتاف أبناء الريف، على المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية). الريف الذي كان سلة النظام التي يلجأ إليها في المحن صار عدوا وكارها له وطالبا للتغيير الجذري وليس مجرد إصلاحات شكلية. 'الركون إلى تأييد تجار المدن يمثّل نوعاً من الأمل المخادع، فهؤلاء لا يستطيعون أن يمدوا النظام بأسباب البقاء حتى لو كسب المواجهة، وصمتهم ليس دليلاً على تأييد النظام، بل هو انتظار للحظة التي تميل فيها الكفة، لكي ينحازوا ويعلنوا موقفهم'.

لا تعترف الأنطمة القسرية بالزمن. ولذلك تسعى دائما لصناعة زمنها الوهمي الخاص الذي يتناسب مع مزاجها وضرورات وجودها. تاريخياً اتسمت هذه النوعية من الأنظمة بعدائية تجاه الزمن الحقيقي، وإصرار على إنجاز تاريخ مواز يتوافق مع رغبتها العبثية في الخلود. ولذلك يتأخر الزعماء الشموليون (التاريخيون) في إدراك أخطائهم، ويتسم تعاملهم مع رفض الناس لهم بأبعاد عاطفية لا تخلو من مأساوية انتحارية ونكران وعدم التصديق. الأنظمة القسرية التي تديرها ذات العقلية الأمنية والإعلامية والدفاعية تشاركت وعلى مر التاريخ، النهاية نفسها باستثناء بعض التفاصيل المحلية التي تميز شعباً عن آخر.

هذه العقلية التي تعيش خارج الزمن الحقيقي لا تستطيع قراءة الواقع وتظل قراراتها متأخرة وعاجزة عن خلق تغيير ملموس ومقنع في الواقع الذي تنكره ولا تعترف به. في وضع معقد ومتسارع مثل الأزمة السورية يصير اللجوء إلى حلول بيروقراطية سبباً إضافياً لتفاقم الأزمة. لا يحتمل الوضع السوري هذا الترقيع لبطانة مهترئة. لا مجال بعد اليوم للمزيد من التحريف لجوهر المشكلة التي مهما حاولنا التماس الأعذار للنظام، يظل ما حدث من صنيعة إسلوبه القمعي الوحشي، ورفضه منذ اللحظة الأولى اللجوء إلى لغة العقل متأثرا ربما بانتصاراته القمعية السابقة. ولأنه يعيش خارج الزمن الحقيقي لم يدرك أن لغة العنف لن تبقى هذه المرة من جهة واحدة، وأن الكراهية الشعبية للنظام الأمني ستتيح المجال واسعاً لعمليات انتقامية ثأرية، وستؤسس لأرضية تقبل رفع السلاح في مواجهة الدولة وقوى الأمنية التي لم تكن في يوم في الأيام مصدر أمان للناس، وليس في ذاكرة السوريين أي انطباعات إيجابية عنها.

النظام الذي يعيش خارج الزمن الحقيقي لا يمكنه الاعتراف بالخطأ. واستطاع عبر إعلامه الفاشي قيادة حملة تخوين لجميع الأصوات التي كانت تدعو إلى لغة العقل والحوار. جيشه الإلكتروني الذي تعقب وقمع بعنف معنوي غير مسبوق كل المدركين لحقيقة الأزمة السورية نجح في إسكات هذه الأصوات ليحل محلها لغة لا تقل عنفا عن لغة النظام. وها نحن نحصد نتائجه على أرض الواقع.

العقلية التي قرأت قيام المحتجين بحرق وتخريب مقار حكومية على أنها مجرد أعمال شغب، تجاهلت الرسالة الحقيقية لهذه العدائية والكراهية للدولة وما تمثله على أرض الواقع. العقلية المحدودة التي تقرأ طريقة القتل الوحشية والبشعة لأحد رجال الأمن على أنه مجرد عمل عنيف يمكن توظيفه إعلامياً لرفض سلمية الاحتجاجات، تجاهلت الكراهية الشعبية المتنامية لها وهذا أمر على درجة كبيرة من الخطورة. العقلية التي سارعت إلى تخوين الشعب وإلى اعتبار احتجاجات أهالي عدرا بأنها سلفية وتكفيرية، متجاهلة أن خروج الناس هناك كان طلبا لحقوق سرقتها الدولة التي استملكت أراضيهم بمبلغ 19 ليرة سورية للمتر، وبيع المتر لاحقاً ب 19 ألف ليرة سورية. وعلى هذا المنوال يمكننا إيراد مئات الحكايا والمظالم الشعبية في المعضمية، ودوما، التي تمت مواجهتها بالتجاهل وبالعنف والتكبر والركون إلى أن هذا الشعب الخائف لن يكون بمقدوره فعل شيء.

العقلية التي لا تريد أن ترى الحقائق في صورتها العارية، يصعب عليها الاعتراف بأن هناك سورية جديدة تريد أن تولد رغم الكلفة الباهظة، ورغم المخاوف من طبيعة سورية الجديدة هذه. ولكن بعد كل هذه المدة من تجربة الدم والاعتقالات الواسعة، تبيّن أن فاتورة مواصلة هذا النهج عالية التكاليف محلياً وخارجياً، عدا عن أنها قلّلت من هيبة النظام وعمّقت الهوة بينه وبين الشارع، وزادت الإصرار الشعبي، ودفعت بمناطق جديدة إلى ساحة المواجهة، بأشكال جديدة بدأ بعضها يأخذ شكلا مسلحا وعنيفا في مواجهة عنف مسبق. ولا نريد هنا العودة إلى درعا التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات بسبب غباء أمني لا يغتفر.

بعد كل ذلك هذا الدم والقتل والتخوين لا يأتي التشكيك في جدية النظام السوري الدخول في حوار وطني حقيقي من فراغ. انعدام الثقة بين الشعب والنظام أمر تأصل وتكرس على مدى سنوات طويلة من التهميش والتغول والاستهتار بالعقول والشرفاء. الاستهتار بمخاوف الناس وسؤالها عما اذا كان هذا الحوار ليس مجرد مناورة سياسية أمر بشع ومرفوض لأنه يفاقم المشكلة. بناء الثقة المفقودة أصلاً لا يستعاد بالمزيد من التشكيك والتخوين المبطن. أليس مشروعا التساؤل لماذا رفض النظام الدعوة إلى الحوار منذ بداية الأزمة وقبل أن تتراكم كل هذه المآسي الإنسانية؟ لماذا قوبلت دعوة النظام إلى حوار وطني قبل عشر سنوات من قبل مثقفين ومعارضين سوريين بالتنكيل والاعتقال وتضييق سبل العيش. ما هو الأمر المقنع الآن في أن نفس النظام الذي لم يعترف يوماً بمفهوم الحوار يريده اليوم وبشفافية حقيقية.

لا شك أن العقلاء من أتباع النظام لم يزوروا في حياتهم قبوا أمنياً، ولم يختبروا حجم الكراهية التي يحملها هؤلاء الذين تداس كرامتهم ويتعرضون لأبشع أنواع التعذيب. ولذلك ليس لهم إدراك منسوب الكراهية في النفوس. السوريون المدعوون للحوار، وقفوا مطولا أمام طرفة صناديق الاقتراع بين النظام والمعارضة التي قالها الأمين القطري لحزب البعث قبل يوم واحد من الدعوة للحوار. السوريون المدعوون إلى الحوار اكتشفوا بعد قرار العفو العام أن السياسيين وأصحاب الرأي في سورية يحاكمون كمجرمين وبموجب قانون الجنايات. وأن النظام الذي كان ينفي وبشدة وجود معتقلين سياسيين في سجونه كان يضلل الناس، فلماذا على الناس المسارعة الآن إلى تصديقه والارتماء في أحضان الحوار.

تبدو اللحظة السورية معقدة وصعبة إلى درجة كبيرة. وتبدو المطالب التي ستوضع على طاولة الحوار من قبل اللجان التي قد تدخل الحوار مستحيلة التحقق. هل سيقبل النظام مطلباً ملحاً وجوهريا فورياً بالبدء الجاد في محاكمة الأجهزة الأمنية ليس فقط على خلفية قتل الناس، بل لفسادها والاختراق الأمني الذي تعيشه البلاد بسببهم؟، وطبعا هذا الكلام طبقا للرواية الرسمية.

هناك أسئلة مطروحة على الشكل التالي:

*إذا كانت دولة القانون واستقلالية القضاء ستضر بمصلحة النظام ومستقبله فهل سيقبل بها؟

*إذا كان الإعلام المستقل والحر سيتسبب بفضائح وبالجملة للنظام وأركانه وفساده. هل سيقبل به؟

* إذا كانت دولة الأحزاب الحرة ستفتت بنية حزب البعث الحاكم وبالتالي سلطته المطلقة وسيطرته على الدولة. هل سيقبل بذلك؟

النظام السوري في موقف لا يحسد عليه أبدا. بعد كل هذا الدم والاخطاء يمد يده إلى المعارضة الوطنية التي خونها واعتقلها واتهمها بالعمالة، ولا ادري إن كانت هذه المعارضة ستهرع إليه. لن تستمر سورية على هذه الحالة، ولن تستطيع قوى الأمن فعل أي شيء لأنها صارت هدفا وعدواً. قد يكون لدى الجيش الذي يحظى بمحبة الناس شيء من الحل في فرض الأمان على أرض الواقع. لكنه وباحسن الأحوال سيكون حلا مؤقتا. سورية تحتاج إلى انقلاب كامل على بنيتها ومنظومتها.

إما أن يبادر النظام بفعل ذلك ويكون بشكل من الأشكال شريكا وهذا لن يكون ضامنا لاستمراره، او ستذهب سورية إلى حالة كاملة من الانهيار والفواجع وسيتحمل هو وزر ذلك أيضا تاريخياً.

' كاتب من سورية

===================

امتحان صعب للمعارضة السورية

رأي القدس

2011-06-27

القدس العربي

 لا نستغرب حدوث بعض التباين في وجهات النظر بين المعارضة السورية في الداخل ونظيرتها في الخارج، على ارضية الاجتماع الذي شاركت فيه بعض الشخصيات السورية المستقلة المعروفة بمواقفها المعارضة للنظام الديكتاتوري الحاكم، فما يحدث في سورية حالياً من انتفاضة شعبية وصدامات دموية ادت لوقوع اكثر من الف شهيد حتى الآن، امر غير مسبوق، واضخم مما توقعه الكثيرون سواء داخل النظام او خارجه.

من الطبيعي ان يكون سقف الحريات لاجتماع المعارضة في دمشق اقل من سقف المعارضة الخارجية الموجودة في الغرب على وجه الخصوص، فهؤلاء يعرضون حياتهم واسرهم للخطر بالاقدام على هذه الخطوة التي تشكل تحدياً لنظام لا يتسامح مع معارضيه مطلقاً، وتكفي الاشارة الى ان بعض الرموز المشاركة في هذا الاجتماع مثل السادة ميشيل كيلو واكرم البني ولؤي حسين وفايز سارة قد امضوا سنوات طويلة خلف القضبان، وتعرضوا للتعذيب بسبب مطالباتهم بالتغيير الديمقراطي واطلاق الحريات والتعددية السياسية وانهاء هيمنة الحزب الواحد.

مثل هذا الاجتماع غير مسبوق، كما ان مطالبه هذه كانت كفيلة بان يقضي اصحابها ما تبقى من حياتهم في اقبية التعذيب في ظروف اعتقال غير انسانية، وقد لا يخرجون من هذه الاقبية الا الى المقابر، مثلما حدث للكثيرين من امثالهم الذين طالبوا بما هو اقل من مطالبهم هذه، بل ان بعضهم اعتقل وعذب بسبب تقرير مزور، او وشاية كيدية، او لان احد افراد اسرته ينتمي الى حزب سياسي محظور.

ما نريد التأكيد عليه ان سورية بحاجة الى جميع ابنائها، وان المعارضة الخارجية تكمل المعارضة الداخلية، بل هي امتداد شرعي لها، ولا بد من العمل من اجل الاصلاح عبر جميع القنوات المتاحة، ومن خلال روح تسامحية تؤجل الخلافات في وجهات النظر وتركز كل الجهود نحو الهدف الاهم وهو التغيير. فمن غير المنطقي مطالبة النظام بالتعددية السياسية، ثم عدم التصرف على اساسها، واقصاء الآخر لان اجتهاداته مختلفة.

كان لافتا ان وثيقة العهد، او البيان الختامي الذي صدر في اعقاب الاجتماع اكد على دعم الانتفاضة الشعبية السلمية، وانهاء كل انواع اللجوء للحلول الامنية، وسحب قوى الامن والجيش من القرى والمدن، وتشكيل لجنة تحقيق في قمع المظاهرات المناهضة للنظام، وشدد على الانتقال الى دولة ديمقراطية تعددية، والافراج عن جميع المعتقلين، وادان التحريض الطائفي واي ممارسات تشجع على التدخل الاجنبي، معتبرا ان الحلول الامنية المتبعة هي التي تشجع هذا التدخل.

ولعل النقطة الابرز في البيان تأكيد المشاركين على انهم ليسوا بديلا لاي تنظيم معارض في اشارة الى المعارضة الخارجية، وهذا رد ضمني على اتهام بعض المعارضين في الخارج للمجتمعين بانهم مسيرون من النظام.

ان اكبر ضربة يمكن ان توجه لهذا الحراك الديمقراطي السوري هي احداث 'فتنة' بين المعارضة لتشتيت صفوفها وتقسيمها الى معارضة داخلية واخرى خارجية، وهناك قوى عديدة داخل النظام السوري تريد احداث هذا الشرخ.

لا بد من اعتراف الجميع من جماعات المعارضة، داخلية كانت ام خارجية، انه لولا الانتفاضة الشعبية العارمة، ومئات الشهداء الذين سقطوا خلال الاشهر الاربعة الاخيرة منذ انطلاقتها، لما استطاعوا ان يجتمعوا علانية ويطالبوا بالتغيير الديمقراطي، وانهاء وجود النظام بصورته الديكتاتورية الحالية، واستبداله بنظام تعددي يحترم كرامة الانسان السوري، ويعترف بكل حقوقه في حكم نفسه واختيار قيادته عبر صناديق الاقتراع.

فبفعل هذه الانتفاضة الشعبية المباركة وشهدائها بات من المؤكد ان الاوضاع في سورية لا يمكن ان تعود الى سابق عهدها، وان النظام لا يمكن ان يستمر من خلال اساليب القمع والترهيب واعتقال الآلاف من المعارضين وتعذيبهم واذلالهم مثلما كان عليه الحال في الماضي.

اجتماع دمشق يكمل اجتماعات بروكسل وانطاليا، وهو مجرد خطوة، او بداية، في طريق التغيير الذي نأمل ان لا يكون طويلا، فأمن سورية واستقرارها ووحدتها الترابية والوطنية يجب ان تكون هدف الجميع حكومة ومعارضة، لان الانظمة تذهب وتبقى سورية دائما.

===================

في اختبار خطاب الممانعة

عيسى الشعيبي

 27/06/2011

الغد الاردنية

لم يعد خطاب الممانعة الذي سار على قدمين قويتين لفترة طويلة من الوقت قادراً على المضي إلى الأمام في هذه الآونة التي بان فيها الغث من السمين، وانكشفت فيه كذبة الراعي والذئب، وأعرض المشترون عن تلك الحلوى كثيرة الذباب، إن لم نقل إن هذا الخطاب لم يعد في وسعه اليوم الوقوف على ساقيه إلا على عكازتين خشبيتين نخرهما السوس وصارتا آيلتين للانكسار.

ذلك أنه في أول اختبار حقيقي لهذا الخطاب، الذي شنَف آذان الكثيرين، وأطرب منشدوه من في الحيَ آناء الليل وأطراف النهار، انفرط الكلام فيه فرط عنقود من الحصرم، وفقدت بلاغته سحر البيان، وذلك حين تولت الانتفاضة السورية غربلة المواقف والمزاعم والإدعاءات، فلم تجد في غربالها الناعم سوى كم هائل من الزيوان والحصى والقتاد.

ومن غير أن يجهد الأحرار السوريون أنفسهم في كتابة نص مقابل، والدخول في سجالات عقيمة مع ذوي الصوت العالي، تكفلت المشاهد المبثوثة عن طوابير الدبابات المتجهة بعيداً عن مرابضها إلى الشمال، من دون أدنى التفاتة إلى ما قد يتربص بها من أخطار ماثلة في الجنوب، بتقويض كل ما كان قد تبقى من صدقية في خطاب المقاومة التي لا تقاوم والممانعة التي لم تمنع شيئاً.

ولعل تشديد النظام الذي يقتل القتيل، ولا يتورع حتى عن قتل من يمشي في جنازة القتيل، وتمسكه المفرط بنظرية المؤامرة الخارجية، ما هو إلا من قبيل المكابرة وعماء البصيرة، وتطبيقاً عملياً من تطبيقات الإنكار، والهروب إلى واقع افتراضي لا محل له من الإعراب في عصر الصورة التي لا يمكن دحضها بالكلام المرسل عن العصابات المسلحة والمندسين، ولا حتى طمسها بالحديث المسهب عن الممانعة والممانعين.

وقد يكون حديث السيد حسن نصر الله الأخير، الذي حسم فيه انحيازه الكامل لصالح النظام السوري، خير مثال على الذرائعية المطلقة، وأفضل شاهد على التوظيف السياسي والاستخدام الداخلي لخطاب الممانعة، حيث لم يجد زعيم الحزب الذي لم يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل منذ نحو خمس سنوات، من ميزة لحليفه الذي لم يطلق بدوره رصاصة منذ سبع وثلاثين سنة، سوى أنه نظام مقاومة وممانعة يتوجب على السوريين التسامح معه.

وهكذا، تجلى خطاب الممانعة في زمن الربيع العربي كخرقة بالية تصلح لمسح زفر أنظمة القمع والقهر، وتلميع زجاج واجهات دكاكين البضاعة السياسية البائرة، بعد أن فقدت هذه البضاعة منفعتها وانتهت مدة صلاحيتها، فيما تجلت صور الممانعين كأنظمة بوليسية متوحشة، وجماعات ذات نزعات استبدادية متأصلة، ترى في الحرية والديمقراطية وتداول السلطة نقائض كاملة لمشروع المقاومة والممانعة.

وعليه، لم يعد السؤال الذي كنا نطرحه فيما مضى من زمن حول ماهية هذه الممانعة، أي ممانعة ماذا، قابلاً للطرح من جديد، ولا للتداول على أي صعيد، بعد أن أماط رامي مخلوف اللثام عن ترابط أمن إسرائيل بأمن النظام السوري، وكشفت الواقائع الحسية الملموسة شدة انفصام شعارات الممانعة عن الحقائق العيانية المنقولة عبر فيض من أشرطة الفيديو المرعبة، ومشاهد القتل والترويع والفظائع، وفوق ذلك كله صور الدبابات المبتعدة أكثر فأكثر عن الجهة الحقيقية.

يبقى أنه إذا كان المقصود بشعار الممانعة هذا، منع حدوث أي تقدم محتمل على جبهة المفاوضات وعملية السلام الميتة، فإنه يمكن القول أن بنيامين نتنياهو قد بات منذ نحو عامين على الأقل، هو الممانع الأول وزعيم الممانعة الفعلية لكل تقدم موهوم على هذه الدروب التي أغلقتها إسرائيل بإحكام، فيما اكتفى الممانعون على الجانب العربي بتدبيح هكذا خطاب متهافت، لم يمنع في واقع الأمر أي شيء، سوى منع شعوبنا من نيل حقها في الحرية، والإمعان في اضطهادها أكثر فأكثر كشرط لازم من شروط تأكيد خطاب الممانعة.

===================

سورية: الديموقراطية الطفولية

الثلاثاء, 28 يونيو 2011

حسام عيتاني

الحياة

معارضو مؤتمر انطاليا ومؤيدو اجتماع بروكسل، منتقدو لقاء «سميراميس» ومنتقدو المنتقدين ... أهلاً بكم إلى متاهة الديموقراطية.

لم يجرِ أي من هذه اللقاءات من دون اعتراضات وتحفظات. ولم يعقد اجتماع إلا وانسحب احد المدعوين منه. ولم تطرح مسودة نقاش إلا وقوبلت باحتجاجات وانتقادات. الاعتراضات والتحفظات تتركز على استحالة الحوار مع الحكم في سورية قبل وقف الحملة الأمنية – العسكرية التي اختارها النظام كرد على الانتفاضة السلمية. ويخشى المعترضون من أن يشكل أي مؤتمر في الداخل حبل إنقاذ للرئيس بشار الأسد والحلقة المحيطة به والتي تزداد عزلة وتخبطاً. كما يحاذر ناشطو الداخل من وجود أي ارتباطات للمعارضة في الخارج، مع جهات أجنبية قد تبيّت نية التدخل العسكري في سورية.

التحفظات والمخاوف مفهومة ووجيهة كلها. فبعد ثمانية وأربعين عاماً من فرض حالة طوارئ قاسية، بات الشك والريبة هما العنصران الأبرز في تشكيل مضمون التعامل السياسي السوري. لقد دمرت «الطوارئ» ومفاعيلها الحياة السياسية والعامة في سورية وحولت جميع العاملين في الحقلين السياسي والعام إلى مشتبه في وطنيتهم، وفق تعريف السلطة، وإلى فارين ومطاردين. غنيّ عن البيان أن التعسف السلطوي هذا أدى إلى تدمير النخب الثقافية والسياسية وإلى التسبب في تصحر الممارسة السياسية وانعدام القدرة على تطويرها والارتقاء بها.

وإذا وضعت لائحة بأسماء كل الناشطين السياسيين السوريين، من مؤيدي النشاطات المذكورة ومن المتخوفين منها، والذين ينتمون إلى طيف المعارضة الواسع، لظهر بسهولة أن لجميعهم تاريخاً من المعاناة والاعتقال والسجن والتعذيب في أجهزة الحكم الأمنية والقضائية. المقصود هنا، أن ما عاناه السوريون العاديون والمنخرطون في الشأن العام، هو من الهول ما يكفي لزرع كل أنواع الهواجس والشكوك في نفوسهم حيال أي مبادرة كانت. التحفظات على مؤتمر انطاليا تبدو على طرف نقيض من الاعتراضات على لقاء «سميراميس»، بمعنى التخوف من الاستغلال الخارجي للمعارضة مقابل الخشية من الوقوع في أشراك النظام. وبين هذين الهاجسين تسير المعارضة السورية اليوم.

دعونا نقر أن البحث عن اطر ناظمة لقوى سياسية وشعبية وأهلية تعرضت إلى القمع الممنهج منذ حوالى الخمسين عاماً، ليس بالأمر الهين. وأن الارتباك والأخطاء والشبهات والمبالغات، هي جزء مكون من مسيرة الشفاء من مرض الديكتاتورية. وأن هذه لم تلقِ أسلحتها بعد ولم تستسلم وإنها تتحين الفرص للانقضاض على الثورة وسحقها.

لكن الأهم هو أن المعارضة السورية، بأطيافها المختلفة وبالملايين من المنضوين في نشاطها اليومي في الشوارع والمدن، من القامشلي (قامشلو) في أقصى الشمال الشرقي إلى درعا في الجنوب ومن مخيمات اللاجئين في تركيا إلى أحياء ركن الدين في دمشق، ورغم بعض الحدة في تبادل الاتهامات بخيانة دماء الشهداء وتضحيات المعتقلين، أصبحت قادرة على التفكير بصوت عال وعلى البوح ببواعث قلقها على ما حققته الثورة من مكاسب على طريق بناء سورية ديموقراطية، آتية لا ريب فيها.

ومن الملحّ القول إن الشكوك والطروحات المتناقضة والنشاطية المفرطة لدى البعض والخمول لدى البعض الآخر، عوارض لما قد تصح تسميته «مرض الديموقراطية الطفولي». لكن على السوريين ومن ينتظر معهم تحقيق أهداف انتفاضتهم، ألا يعتريهم الذعر من المرض هذا. فهو، في أسوأ الأحوال، مما يرافق نمو الديموقراطية وانبثاقها من تحت ركام الديكتاتورية وانقاضها.

نعم. الحذر واجب في هذه اللحظات الحساسة. لكنها في الوقت ذاته لحظات تأسيسية لممارسة ديموقراطية لا مفر من مرورها في عدد من الطرق الإجبارية الوعرة. المهم أن تتابع السير والتقدم.

===================

الاستعصاء السوري: البيضة أولاً أم الدجاجة؟

الثلاثاء, 28 يونيو 2011

أكرم البني *

الحياة

الاستقرار قبل الإصلاح أم الإصلاح قبل الاستقرار، هي أحجية مؤلمة تفرض نفسها اليوم في حوارات السوريين، فأهل الحكم يحذرون من استمرار التظاهرات والاحتجاجات التي تبطل برأيهم الإصلاحات السياسية أو على الأقل تعيقها وتبطئها، وتشغل الناس وتعطل الأعمال والاقتصاد وتشجع أطرافاً خارجية على التدخل في الشأن الداخلي، ويطالبون تالياً بفسحة من الهدوء والاستقرار لإنجاح ما اتخذ من قرارات وخطوات إصلاحية، بينما يجد المحتجون والمعارضون على العكس، أن الانتظار والركون للوعود والمناشدات أو للضغوط الخارجية حتى في أوج شدتها لم تسفر عن أي تغيير، وأن التحركات الشعبية هي التي خلقت الجديد السوري ووضعت النخبة الحاكمة أمام خيار الإصلاح السياسي المنسي والمؤجل دائماً، بل ويذهبون إلى أبعد من ذلك، إلى اعتبار التراجع عن هذا الفعل الضاغط يشجع النظام على مزيد من المماطلة والتسويف وعلى الإيغال في استخدام القمع والعنف كي يعيد الأمور إلى سابق عهدها، إلى سنوات الخوف والركود!.

وراء الأكمة ما وراءها، يقول المشككون بصدقية أهل الحكم وبأسباب دفاعهم عن أولوية الاستقرار، فثمة نيات لا تخفى على أحد، أهمها تسويغ الحل الأمني لكسر إرادة المتظاهرين عبر تحميلهم المسؤولية على ما يحصل والتشكيك بدوافعهم الإصلاحية طالما لم يذعنوا للرغبة في الانتظار والخضوع لقواعد اللعبة القديمة والتوقف عن الاحتجاج وإرساء الهدوء لقاء الوعود بتحقيق مطالبهم، فضلاً عن توظيف ما يشاع عن متآمرين ومسلحين مندسين بين المتظاهرين، لتغطية القمع الشديد وتخفيف حدة ردود الأفعال السياسية والإعلامية ضد ما يجري من انتهاكات لحقوق الإنسان، وفي الطريق الرهان على شق صفوف المتظاهرين والمعارضين، بين من يميلون إلى منح النظام مهلة زمنية ومناخاً مستقراً لاختبار صدقه في تنفيذ تعهداته، وبين من يعتبرون الأمر مجرد مناورة لإجهاض الحراك المدني والسياسي وتدمير تطلعاته نحو الحرية والكرامة، مؤمنين باستمرار التحركات الشعبية حتى تحقيق غايتها في التغيير، خصوصاً أن من بينهم من نفضوا أياديهم من دور السلطة الإصلاحي بعد مراوحة في المكان دامت سنين، وبعد أن نكثت بوعودها تجاه مطالب كانت أقل بكثير مما يطالبون به الآن، ولديهم من التاريخ القريب محطات كثيرة في حالتي الاسترخاء والاستنفار، تثبت ما يذهبون إليه، وأن سياسة السلطة استمرت على منوال واحد، هو الإهمال المتعمد للإصلاحات السياسية وعدم إعارة الانتباه لحقوق الناس وحرياتها ولتوسيع هوامش النشاط المدني والسياسي.

وإذا كان من المفهوم أن ترتبك رؤية البعض جراء وضوح ردود فعل المجتمع الدولي وتزايد الضغوط والعزلة واحتمال تطور الدور الخارجي إلى ما لا يحمد، وتتردد مواقفهم بين الاستمرار في الحمية ذاتها دفاعاً عن التغيير الديموقراطي أو التريث وأخذ المعطيات الجديدة بعين الاعتبار! وإذا كان من المفسر أن تحكم البعض الآخر مشاعر متناقضة بين الخوف والأمل، خوفاً من نتائج الفوضى والحرب الأهلية واحتمال تفكك الدولة وضياع وحدة الوطن السوري، والأمل بأن تكسر هذه الاحتجاجات السلمية تردد السلطة وإحجامها المزمن عن الإصلاح السياسي وتدفعها لتقديم تنازلات لا تزال ترفض تقديمها لتصحيح علاقتها مع الدولة والمجتمع، فان من غير المفهوم أو المفسر أن يتناسى هؤلاء ما حل بالوعود الكثيرة عن الإصلاح وثمار التغيير الهزيلة التي نجمت عن سنوات طويلة من الراحة والاسترخاء والانفتاح على العالم قبل سنوات العزلة والحصار التي عشناها وبعدها، وشهدنا خلالها مزيداً من تردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية لقطاعات واسعة من الناس ومزيداً من إشاعة الفساد والتمييز، ومن حضور القبضة القمعية ودرجة استئثارها بالثروة وأنشطة الحياة السياسية والاقتصادية.

التجارب التاريخية أكدت مراراً أن مناخ الحريات واحترام حقوق الإنسان هو القادر على ضمان أفضل الشروط الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية، والمنطق يشير إلى أن ثمة تناسباً طردياً في المجتمعات التعددية بين ضرورة الانفتاح السياسي وأسباب الأمن والاستقرار، وأن من الطبيعي، في ظروف الأزمات والنهوض الشعبي، أن يتوقع المرء مبادرات سياسية عميقة حتى عند الأنظمة التسلطية، لإزالة أسباب التوتر والاحتقان والعمل الجدي على احترام مطالب الناس وحقوقهم، لكن يبدو أن الاستعصاء السوري لا يزال يسير، وللأسف، عكس التجربة وضد المنطق، ولا يزال أهل الحكم يرفضون أصلاً الاعتراف بوجود أزمة عامة، ويحيلون كل ما يجري إلى مفهوم المؤامرة، وإلى مشكلات جزئية يمكن معالجة كل منها على حدة، مثلما يراهنون، بحجة أولوية الاستقرار والحوار، على ربح الوقت وعلى سياسة المماطلة والتسويف ومنح الحل الأمني والعسكري فرصة تلو الأخرى عسى أن يتمكن من حسم الصراع وتجديد إخضاع المجتمع وإحكام السيطرة عليه.

وفي هذا الإهاب إذ يتضح إصرار القوى والفعاليات المعارضة على أولوية الحل السياسي وأسبقية السير بخطوات التغيير الديموقراطي على ما عداها، فلعل السبب يكمن في أنها جربت ما يكفي من سبل أخرى وعادت بخفي حنين، وربما لأنها تجد هذه الطريق أقل تكلفة وآلاماً على الجميع، وربما بسبب يقينها بأن مجتمع الأحرار هو الأقدر على ضمان الأمن والاستقرار ومواجهة مختلف التحديات، ولاعتقادها بأن استمرار الاحتجاجات الشعبية ودورها الضاغط هو الذي يسرع تنفيذ مطالبها المشروعة.

ويبقى الأهم إنه في حال افترضنا جدلاً أن ثمة موجبات مقنعة لوقف التظاهرات موقتاً، ومنح النظام فرصة لتنفيذ تعهداته، لكن في خصوصية الحراك الشعبي السوري، وعلى رغم أنه نهض من معاناة واحدة، ثمة تباينات وافتراقات في مواقف الأطراف التي تستطيع التأثير على قرارات المتظاهرين والمحتجين يصعب توحيدها حول هذا المطلب، هذا ناهيكم عن ارتفاع سقف شعارات اليوم، والتي يبدو معها الحديث عن أحجية الإصلاح والاستقرار أشبه بلعبة أطفال، أمام الدعوات لتنحية النظام القائم وتغيير الواقع بصورة شاملة.

ونسأل أخيراً، ألا يساهم البدء بخطوات إصلاحية جريئة تتلاقى مع مطالب الناس في إعادة بناء بعض الثقة المفقودة وتالياً تخفيف حدة احتقان الشارع وإزاحة أهم الأسباب التي تدفع المتضررين الى الاحتجاج والتظاهر، ثم ألا يخفف ذلك في الوقت نفسه من قوة الذرائع والحجج التي تستند إليها بعض الدول الإقليمية والعالمية للتدخل في الشأن السوري؟! ونسأل أيضاً، إذا كان المتظاهرون قلة قليلة كما يشيع الإعلام الرسمي وينفذون أجندة خارجية تخريبية معادية للإصلاح السياسي، وهو الضروري والحيوي باعتراف الجميع، فلماذا تحرم الأكثرية الشعبية المؤيدة للسلطة من نعمه وثماره؟! ألا تكشف هذه المفارقة بأن ثمة من يضع نفسه، عند رفضه أولوية التغيير السياسي، في حقل الاتهامات ذاتها التي يدين على أساسها حراك المحتجين والمتظاهرين؟!

==================

إصلاحية بشار: رئيس بلا مشروع سياسي

غسان الامام

الشرق الاوسط

28-6-2011

ما هو المشروع السياسي؟

لكل دولة حديثة، كبرى أو متوسطة، منهج عريض في خطوطه العامة، تطبقه في سياستها الخارجية. أو ممارستها الداخلية. الأحزاب التي تتداول السلطة، تلتزم بهذا المشروع السياسي، مع تعديلات جانبية لا تمس جوهره، إلا إذا طرأ تغيير ثوري. أو آيديولوجي. مشروع أردوغان السياسي أدار تركيا نحو المشرق العربي سياسيا واقتصاديا. وعمق الديمقراطية، بالحد من تدخل الجيش في السياسة، وبمكافحة الفساد.

حتى في الدولة الديكتاتورية (ألمانيا النازية. إيطاليا الفاشية. إسبانيا الكتائبية)، كان هناك مشروع سياسي محدد. وواضح الملامح. تحت حكم الثالوث (الأب. الابن. الطائفة)، فسوريا دولة معاصرة. لكن ليست عصرية. أو حداثية.

مع ذلك، كان هناك مشروع سياسي للأب غير معلن، إلا أنه انكشف بالممارسة مع الوقت: تمكين الطائفة من إقامة نظام سلطوي يبتلع الدولة، في غمرة إطلاق شعارات قومية. شعارات مسيلة للدموع. فهي تتناقض كليا مع تحالفاته مع إيران وامتداداتها في لبنان.

في نظام يبتلع الدولة، يتحتم على حاكمها أن يكون له مشروعه السياسي الذي يفرضه على الدولة المغيبة. هل امتلك الوريث السعيد مشروعا سياسيا؟ أبدا! في ضآلة ثقافته الاجتماعية، لم يكن بشار ينطوي على رؤية متكاملة، تنتج مشروعا سياسيا يختلف، بحكم الظروف، عن مشروع أبيه السلطوي/ الطائفي الذي استمر أكثر من ثلاثين سنة.

كانت وفاة الأب (2000) فرصة نادرة للوريث الشاب، للتغيير. بدلا من ذلك، فقد قال فورا إنه «لا يحمل عصا سحرية» و«ليس آتيا لنسف الواقع»! تحدث عن طرح «أفكار جديدة»، و«تطوير أفكار قديمة». كان عليه هو شخصيا، كرئيس، أن يصوغ هذه الأفكار ويطورها، في إطار مشروع سياسي محدد. واضح. ومفصل، يطرحه للتداول والحوار. ثم للاستفتاء، كما فعل ملك المغرب محمد السادس، أخيرا.

مع الاستدارة نحو قرن جديد، كان الوعي السياسي في سوريا قد تطور. بادر دعاة المجتمع المدني، من ليبراليين ويساريين، إلى طرح «أفكار جديدة». فأدخلهم الرئيس الجديد سجونا لها باب دوار. دخلوا وخرجوا على مدى عشر سنوات. ضرب المعارضة الليبرالية أدى إلى ازدهار المدارس السلفية. رد الرئيس بالتقوى والتقية، صلوات رئاسية وابتهالات في المساجد، بمباركة المرجعية السنية التقليدية.

في غياب المشروع السياسي، توجهت أصابع الاتهام إلى حزب السلطة بالمسؤولية عن الجمود. فانعقد المؤتمر العاشر للحزب (2005) تحت شعار «رؤية متجددة، فكر يتسع للجميع». خرج الحزب - من المعمعة سالما. واتخذ قرارات أعرض هنا ما نفذ منها، وما لم ينفذ:

استقلال القضاء (لم يحدث). مكافحة الفساد (لم يحدث). قانون الانتخابات (لم يحدث). قانون الإعلام (لم يحدث). قانون الإدارة المحلية (لم يحدث). إلغاء الطوارئ (ألغيت خلال الانتفاضة، مع تهديد بشار باختراع قوانين بديلة تعويضا عنها). اعتبار المواطنة أساس العلاقة مع الدولة والمجتمع (لم يحدث). حل مشكلة البطالة (لم يحدث). قانون للأحزاب (نشرت قبل أيام مسودة له على استحياء في موقع النظام على الإنترنت). تكريس اقتصاد السوق الاجتماعي (حدث). مع الإبقاء على «الاشتراكية» في شعار الحزب.

وهكذا، انتهت «الرؤية المتجددة» بتأكيد بشار، في نهاية المؤتمر، بالإبقاء على دور الحزب «كقائد للدولة والمجتمع». ثم بالإعلان عن أن «الأولوية» هي لاقتصاد السوق الاجتماعي. وقد تحدثت بإسهاب سابقا عن فشل تطبيق ليبرالية سورية، بلا قلب. وبلا عدل.

في إلغاء السياسة وحرية الصحافة، ومع صمت برلمان يصفق. ولا يصفر ولا يحاسب، ازدهر الفساد (عمولات. خوّات. رشاوى. تجاوزات لرجال البزنس حلفاء البطانة العائلية).

هناك تقديرات لخبراء اقتصاديين سوريين تفيد بأن سبعين ليرة سورية تذهب إلى مؤسسات نظام الطائفة (الحزب. الأمن. الجيش. الرئاسة) من أصل كل مائة ليرة يدفعها المواطن كضريبة. تبقى ثلاثون ليرة فقط للتنمية. للتربية. للصحة. للمدرسة. للأجور. للكهرباء. للمياه. للبنى الأساسية. مع ذلك، ما زال الرئيس يصر علنا على أن مكافحة الفساد «يجب أن تتم من خلال المؤسسات (العاجزة)، وليس من خلال محاسبة الأشخاص»!

بعد هياط ومياط، وشفاعة من أوروبا. وأميركا. وتركيا، أخرجت النظام من عزلته التي أعقبت اغتيال رفيق الحريري، كانت راحة البال فرصة ذهبية أخرى، للإعلان عن مشروع سياسي، يفتح سوريا على عصر الحداثة.

بدلا من ذلك، أعلن بشار أن لا مصالحة مع المعارضة (كل من يفتح فمه في الداخل، فهو عميل للخارج). ثم قلد مسيرة أبيه بالقول «إن الأمن والاستقرار أولا»! وبالفعل، تم تعزيز الأجهزة الأمنية، ورفدها بضباط أقرباء أو مقربين من الرئيس.

راح دق الصدور والطبول يتعالى في «أفراح» الخروج من العزلة الخارجية. باتت المزايدة على «عرب الاعتدال»، تملقا وكسبا للشارع العربي، بشعارات المقاومة. والممانعة، بحيث غدت هراوة للضغط والتهديد في الداخل، بعدما برزت مقدمات الانتفاضة الشعبية: استفحال التضخم. البطالة. البؤس. التذمر. الإهانة والمهانة. إهمال الريف. سوء التطبيق الزراعي الذي هجر نحو مليون فلاح ومزارع، إلى أحزمة البؤس التي تزنر المدن.

النظام العربي تمكن، بالملاينة والمسايرة والردع، من استيعاب انتفاضات تونس. مصر. البحرين. لماذا بشار لم يتمكن. ولم يعرف؟! لأنه أسير نظامه. وأجهزته. وطائفته. وبطانته. واحتكاره للمسؤولية من دون مشاورة. لا يدرك بشار أن شرعية الحزب قد انتهت. هناك اليوم شرعية جديدة. شرعية انتفاضة تعمدت بالدماء. مع ذلك، لم يطرح بشار مشروعا سياسيا متكاملا، ينهي كل التناقضات. والألغاز.

ما زال بشار يطرح أفكارا عامة. بلا تحديد. بلا عناوين. بلا تفاصيل. وعود بلا التزام بعهود. يؤلف. ويفض لجانا. يشكل هيئة للحوار. حوار على ماذا؟ لا جواب. عشر سنوات من المراوحة في المكان. عشر سنوات من كلام مكرر، عن قوانين لم تصدر.

ما كان مقبولا، أمس، غدا مرفوضا اليوم. بصراحة، السوريون يريدون أحزابا حرة. لا استئصال. ولا اجتثاث للبعث. إنما حزب ديمقراطي. منفتح. ينافس أحزابا مماثلة في انتخابات حرة. السوريون يريدون جيشا للوطن. لا للطائفة. ولا للعائلة. يريدون ميزانية فيها أرقام حقيقية، لمعرفة ماذا تنفق الرئاسة. والأجهزة. والحكومة. والقوات المسلحة.

في رفض المعارضة لحوار غامض، وفي غياب مشروع سياسي محدد، تنفتح سوريا على احتمالات خطيرة: حرب أهلية. اشتباكات طائفية. صراعات طبقية بين برجوازية بازارية حليفة لبطانة مستغلة، وطبقة فقيرة في قاع المدن. وأحزمة البؤس. وفي ريف مهمل. جائع. غاضب.

في حروب كهذه، يصبح التدخل الخارجي احتمالا كبيرا. تركيا تهدد باحتلال أراض سورية حدودية، لإقامة منطقة عازلة، بحجة إيواء مئات ألوف السوريين الهاربين من الفوضى.

وليد المعلم الذي شطب أوروبا من الخريطة، ربما لا يعرف أن تركيا (ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو، بعد ألمانيا) باتت مفتاح أوروبا وأميركا، لحل الإشكالية السورية المعقدة.

===========================

الرؤية البديلة لسوريا المستقبل جاهزة وبانتظار التطبيق

*مصطفى الكحيل

الاثنين, 27 يونيو 2011

الشبكة العربية العالمية

الشبكة العربية العالمية - قد يكون من المبرر القول في بلاد حكمها حزب واحد لسنوات ألغى خلالها كل أشكال المساواة بين فرقاء الحياة السياسية أنه لا يوجد بديل لهذا الحاكم .

وتأسيسا على ذلك سيكون من المبرر لهذا الحاكم أن يدعو وجهاء المدن للقاء بهم وعرض مطالبهم دون أن يتم تنفيذ شيء منها .بكل بساطة لأن هذا الحاكم لا يعرف إلا منطق الوصاية لا الولاية على أبناء شعبه .لم يكن من الممكن لعلماء مدينة حمص السورية الرد بعدم القبول على دعوة وجهها رأس السلطة ليلتقي بهم لا معهم فما كان منهم إلا أن استبقوا اللقاء بإصدار بيان أعلنوا فيه مطالبهم الواضحة .

 

لم تكن مطالب شخصية إنما مطالب كان من شأنها لو تمت تلبيتها حقن الدماء ومنع البلاد من الذهاب إلى المجهول في ذلك الوقت كانت المطالب الواردة في بيان العلماء تشكل خارطة طريق حقيقة كان التعتيم عليها أمرا منهجيا للتأكيد على غياب البديل .

رغم أن هذا البديل لم يكن يستبعد رأس السلطة غير أن العقلية الاستعلائية ترفض كل ما يقدمه الآخر (دعك من الحديث عن الطريقة التي تمت بها عملية سحق المعتصمين في ساحة الحرية وسط حمص بعد ذلك البيان ) يبدو أن الغالبية غير المعترف بها اقتنعت بأنها لا تشكل بديلا مناسبا لذلك كانت مبادرة أخرى لا تستبعد رأس السلطة عبر تأسيس مجلس انتقالي لم يمانع المنادون به أن يكون برئاسة رأس السلطة السورية الذي منع بالقول لا بالفعل إطلاق الرصاص على المتظاهرين .

قطار القمع كان يجوب البلاد طولا وعرضا مع الاحتفاظ بمحطة ثابتة في درعا .هكذا كان الأمر يزداد سوءا مع كل مبادرة بديلة ،وكل رحلة لدبابات الجيش كان يسبقها كلام عن الحوار . تاريخيا كانت هناك عدة مبادرات ورؤى سلمية إصلاحية قدمتها أطياف متنوعة من أبناء الشعب السوري أوصدت الأبواب بوجهها بقوة .

مبادرة واحدة وضعت حسب الحاجة تارة على الطاولة وتارة في الأدراج هي مبادرة الترويج لتوريث الحكم دون أن يتحقق منها شيء على الإطلاق وهي اليوم خارج سياق الزمن.

وهذا يعني أن الموجود اليوم لم يعد يصلح بديلا لنفسه فلم تعد الرؤية الإصلاحية لبشار الأسد صالحة اليوم حتى لو كانت صادقة النوايا هذا إن سلمنا بحقيقة وجودها وكونها تزيد عن مجرد حملة دعائية تغطي توريث الحكم .وبمثال بسيط لايمكن أن تصلح الرواتب والأجور دون أن تصلح أدوات ومخرجات العملية الإنتاجية وهذه حقيقة علمية .تعيدنا إلى جدلية معالجة النتائج دون معالجة الأسباب .

أما خاتمة الرؤى البديلة وهي تدل على مستوى عال من النضج لدى أبناء الشعب السوري المنتفض الذي يثبت أنه يقدم البديل الحضاري والتاريخي للوصول بسوريا وبأبنائها بر الأمان هي تلك التي صدرت مؤخرا عن هيئة اللجان التنسيقية لائتلاف شباب الثورة السورية ،هي مبادرة منهجية تفصيلية واضحة تعتبر الأكثر ملائمة لما وصلت عليه الأوضاع في سوريا تنطوي على ما يؤكد عمقها الفكري ومضمونها الأخلاقي وتتضمن مبادىء الحياة العامة في سوريا الجديدة وهي تدعو لعقد مؤتمر وطني له موضوع واحد هو التحول نحو نظام ديمقراطي تعددي قائم على الحريات العامة والمساواة الحقوقية والسياسية بين السوريين ،يضمن تنح سلمي وأمن للنظام القائم يجنب البلاد مخاطر الانهيار العنيف ويحدد فترة انتقالية يتولى خلالها الحكم مجلس انتقالي مكون من مدنيين وعسكريين ،وانتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد .المطلع على ذهنية السلطة السورية يعلم يقينا أن هذه المبادرة لن تلقى بالا ،لكن ماهو استراتيجي فيها أنها تغلق دفعة واحدة الطريق أمام فرضيات عدم وجود البديل .

الرؤية البديلة لسورية المستقبل جاهزة وبانتظار التطبيق

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ