ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
د. عبد الباسط سيدا القدس العربي 30-6-2011 وأسقط شعبنا شرعية النظام؛ شرعية لم
يمتلكها الأخير قط من منظور الشعب
وبإرادته، وإنما كانت شرعية الأمر
الواقع التي تكون عادة نتيجة تقاطع
المصالح بين مراكز القرار الدولية
ونزوع حفنة من الدكتاتوريين؛ هؤلاء
الذين يستسهلون عادة قمع شعوبهم
بمختلف الأساليب الوحشية - إن لم نقل
القذرة - ليتمكنوا من التفرّد بالسلطة
والثروة والسلاح والوطن وأهل الوطن؛
تفرّد لا يريدون له سقفاً حقوقياً، ولا
أمداً زمنياً، بل ينشدون التأبيد عبر
زرع الوطن بالأصنام واليافطات
المسبّحة بحمد القائد الملهم، ومزاياه
السامية. كل ذلك وسط تراتيل التنزيه
والتشبيه التي يرفعها السدنة من
مواقعهم المختلفة؛ من المنابر
والمسارح والصحف والإذاعة والتلفاز،
من النقابات وأحزاب الترويض، وحتى مما
يُسمى باتحاد الكتاب العرب، من دور
الحضانة ورياض الأطفال والمدارس
والجامعات. ولم يكتف النظام بسدنة
الداخل، فألزم سدنة الخارج أيضاً
بتأدية جملة من المهام من مواقعهم التي
صنعها لهم بالأساليب ذاتها التي قمع
بها السوريين؛ فانطلق هؤلاء مصدقين ما
أسبغ عليهم من هالات كاذبة، ليوجهوا
النصح إلى السوريين والتذاكي عليهم،
وذلك في محاولة لإقناعهم بضرورة
الخضوع للجلاد المقاوم الممانع. إننا هنا لسنا في وارد المماحكات التي فات
وقتها، وذلك بعد أن قال الشعب السوري
كلمته بكل مكوّناته وشرائحه، بشبابه
وشيبه، برجاله ونسائه، بأطفاله وشيوخه
في الداخل والخارج؛ قالها الشعب
السوري كلمة مباركة أبدعها المظلومون،
نعم قالها الشعب السوري بكل وضوح وثقة
بالنفس: 'الشعب يريد إسقاط النظام'.
قالها وهو مدرك أن ذلك سيكلفه كثيراً،
ولكنه مدرك أيضاً أن قوله هذا سيمنح
مستقبلاً واعداً زاهراً لأجيالنا
القادمة التي لا نريد لها معايشة
معاناتنا وآلامنا وعذابات تشردنا. 'الشعب يريد إسقاط النظام'، شعار معبر
ينبثق من العقل، ويلامس شغاف قلب كل
سوري وسورية؛ شعار تحوّل إلى فعل مادي
على الأرض تجسّده بطولات السوريين
والسوريات في كل يوم، بل في كل ساعة
ولحظة. لقد خرج السوريون في سائر المناطق، في كل
المدن والبلدات ليؤكدوا للعالم قاطبة
أنهم قد أسقطوا الشرعية عن النظام
الأمني القمعي، نظام العائلة والبطانة
المتملقة، نظام الاستبداد والإفساد؛
وهي شرعية لم يمنحوها له في أي زمان أو
مكان؛ وإنما هي شرعية القرصنة التي
فرضتها عليها أدوات بث الرعب في النفوس. لكن الزمن تغيّر، والشعب تغيّر، والعالم
تغيّر، وحدها زمرة القرار اللامرئية
في سورية تصر على ألاّ تتغير؛ فهي ما
زالت تعيش الماضي، ما زالت تحاول إقناع
الثائر لكرامته برشوة بخسة خسيسة، ما
زالت ترفض الإقرار بواقع لا يختلف حوله
عاقلان: سورية تعيش ثورة شعبية عارمة،
عامة. هذا ما يراه العالم كله، ما عدا
زمرة القرار التي ما زالت تراهن على
ولي الفقيه وجنوده الميامين، وهي بذلك
تتجاهل أن أزمتها بنيوية مسدودة
الآفاق، وأن ما تواجهه هو حالة ثورية
غير مسبوقة، حالة لا تنفع معها
الصواريخ، ولا ما هو أبعد من الصواريخ.
إنها الحالة ذاتها التي ترك بفعلها
الشاه إيران؛ وهي الحالة عينها التي
سيغادر نتيجتها كل الطغاة أوطانهم،
بعد أن أثبتوا بالممارسة المديدة عدم
أهليتهم لقيادتها، وعدم جدارتهم بها. لقد اتخذ شعبنا العزيز قراره وعمده بالدم:
لم تعد هناك سلطة شرعية في سورية. إنها
مجرد سلطة الأمر الواقع التي فقدت كل
مسوّغات وجودها، وما عليها سوى الرضوخ
لإرادة الشعب التي لا تعلو عليها سوى
إرادة الله؛ وذلك يتم عبر آليات واضحة
محددة، تمحورت حولها مبادرات السوريين
في الداخل والخارج. الكل يقول: لم يعد
بيننا وبين هذه السلطة/النظام سوى
الاتفاق على توقيت وكيفية الرحيل؛
وخلاف ذلك هو كله مجرد سفسطات، لن تؤدي
سوى إلى سراب خادع لا يوليه شعبنا أي
اهتمام. نحن نعلم أن السلطة تلهث راهنا خلف
الجميع، لتعمل المستحيل - عبر وسطائها
أو من دونهم - من أجل إقناع بعض الرموز
بضرورة الانضمام إلى مبادرات تبدو
وطنية، عامة تخص السوريين، كل
السوريين؛ لكنها في حقيقة الأمر
مبادرات تقدم طوق النجاة لسلطة أغرقت
الوطن وأهله في بحر من الدماء، وأرهقت
السوريين بالآلام والعذابات والديون،
وستأخذهم إلى المجهول في قادم الأيام،
إن لم تخضع لمنطق العقل، وتقر بأن
اللعبة انتهت. ما يحتاج إليه السوريون في يومنا هذا -
أكثر من أي وقت - هو رص الصفوف، وتجاوز
الخلافات العبثية، والاتفاق على آلية
تجاوز الاختلاف. لا بد من اعتماد أسلوب
نكران الذات، والعمل بعقلية الفريق
الواحد المتكامل. كل يؤدي واجبه في
نطاق عمله ومسؤوليته؛ والحصيلة ستكون
في صالح الجميع من دون شك. كل ما نحتاج
إليه هو الصبر والمثابرة والعمل
المتواصل، بعيداً عن بهلوانيات
المتسلقين، ومكائد مقتنصي الفرص. سيخرج شعبنا في الأيام القادمة بعزيمة
أشد، وزخم أكبر، ليؤكد للجميع أننا
بلغنا نقطة اللاعودة مع هذا النظام
الذي بات وبالاً على السوريين
والمنطقة بأسرها؛ ولعل هذا ما بدأنا
نتلمسه في تصريحا المسؤولين الدوليين
الذين أجبرتهم بطولات شعبنا على
الإقرار بالحقيقة؛ لقد أقروا أخيراً
بصدقية ما كان السوريون يتحملونه بغية
الإفصاح عن مخاطر التغييب والتعذيب
والتهجير. بقي أن نقول: نحن ما زلنا في انتظار موقف
عربي شعبي أقوى، وموقف رسمي معلن، نأمل
ألاّ يتأخر العرب في مساندة ثورة شعبنا
الأبي، ثورة الحرية والكرامة والعدالة
الاجتماعية. فشعبنا لم يقصر مع العرب
بشيء، وطبيعي أن يبحث من يقول آخ أولاً-
وقبل أي كان - عن الأخ. ================= المشروع التركي بين
سوريا ومصر! د. وحيد عبد المجيد تاريخ النشر: الخميس 30 يونيو 2011 الاتحاد ربما لا يكفي الانتصار الذي حققه "حزب
العدالة والتنمية" في الانتخابات
البرلمانية التركية الأخيرة للحد من
القلق الذي يشعر به زعيمه رئيس الوزراء
أردوغان جرّاء ما يحدث على حدود بلاده
الجنوبية. فقد أصبح مشروعه الإقليمي
الطموح في الشرق الأوسط مهدداً بمقدار
ما تتدهور الأوضاع في سوريا التي
اختارها بوابة لهذا المشروع. وعبر هذه البوابة، نفذت حكومة أردوغان
إلى لبنان والأردن ووضعت أساساً قوياً
لسوق مشتركة صغيرة تتوسع تدريجياً
وتشمل دولاً أخرى. وبدا هذا الأساس
مبشراً بالفعل عبر التقدم السريع الذي
تحقق على صعيد تحرير التجارة وتطوير
العلاقات الاقتصادية وإلغاء تأشيرات
الدخول لتسهيل انتقال الأفراد والسلع
والخدمات. وكان ازدياد حضور تركيا في العراق
بالتوازي مع التحول الكبير في
علاقاتها مع سوريا ولبنان والأردن،
والسعي في الوقت نفسه إلى دعم العلاقات
مع دول مجلس التعاون الخليجي، دليلاً
على طموح مشروعها الإقليمي الذي يواجه
مأزقاً تاريخياً الآن بسبب توسع نطاق
الاحتجاجات في سوريا وما يقترن بها من
توتر على الحدود بين البلدين. فقد أخذ أردوغان يفقد الأمل يوماً بعد
الآخر في استجابة الرئيس السوري
للمطالب الإصلاحية، بما فيها النصائح
التركية. وكان واضحاً أن اهتمام أنقرة
البالغ بالوضع في سوريا يدفعها إلى عدم
الاكتفاء بالنصح العام بشأن ضرورة
الإصلاح والاستماع إلى صوت الشعب. لذلك
حاولت مساعدة دمشق عبر اقتراح خريطة
طريق نحو حل سلمي. غير أنه مع دخول الاحتجاجات شهرها
الثالث، بدأ أردوغان ينأى بنفسه
تدريجياً عن الأسد الذي كان قد راهن
عليه وأقام علاقة حميمة معه. وكان
ملحوظاً أن الزعيم التركي يرفع جرعة
تحذيراته مع كل تصريح يدلي به، لكن مع
الحرص على عدم حرق الجسور. فقد استثمرت
تركيا سياسياً، وليس فقط اقتصادياً
ومالياً، في بناء هذه الجسور التي لا
يزال أردوغان حريصاً عليها. غير أن هذه الجسور، أو ما سيبقى منها، يظل
مهدداً إذا اضطرت تركيا إلى دعم إقامة
منطقة عازلة في داخل الحدود السورية
حتى لا تضطر لاستقبال أعداد من الفارين
تفوق قدرتها على الاستيعاب إذا تفاقم
الوضع. ورغم أن تركيا لن تشارك على
الأرجح بشكل مباشر في أية عمليات
عسكرية لحماية المنطقة العازلة حتى
إذا أقيمت عبر قرار دولي من مجلس
الأمن، فالأكيد أنها ستكون حاضرة بقوة
في أعمال الإغاثة الإنسانية لنجدة من
يهرعون إليها هرباً من العنف. وقد بدأ
دور تركيا في هذا المجال عندما تحركت
منظمات إغاثة تابعة لها منذ يوم 19
يونيو الماضي لمساعدة السوريين الذين
هربوا إلى المنطقة الحدودية لكنهم
ظلوا داخل بلدهم. ورغم صعوبة إيجاد بديل لدور سوريا في
سياسة تركيا الإقليمية الراهنة، ربما
يكون التغيير الذي يحدث في مصر الآن
دافعاً لحكومة أردوغان إلى الاقتراب
منها. وقد يسعى هذا الاقتراب إلى أن
تصبح مصر بوابة ثانية لتركيا إلى
العالم العربي. وربما لا تخفى دلالة أن
عبد الله غول كان أول رئيس دولة زار مصر
بعد ثلاثة أسابيع على تنحية الرئيس
السابق مبارك، وحرص على استقبال وفد من
شباب الثورة المصرية زار تركيا في
أبريل الماضي. كما بادر باقتراح عقد
مؤتمر دولي لدعم الاقتصاد المصري، وحث
الإدارة الأميركية على ذلك. غير أن العلاقة التركية مع مصر تختلف
بالضرورة عنها مع سوريا. تعرف القيادة
الحالية في أنقرة أهمية دور مصر في
المنطقة. ويرى وزير خارجيتها أوغلو، في
كتابه المشهور "العمق الاستراتيجي"
الذي تُرجم إلى العربية العام الماضي
بعد عشر سنوات على إصداره، أن تركيا
وإيران ومصر هي العمد الرئيسية
الثلاثة للشرق الأوسط. لكن مصر لا تعوّض دور سوريا إذا ازداد
الاضطراب فيها. فغلق الحدود مع سوريا
يعنى إقفالها مع لبنان والأردن أيضاً.
ومنطقة المشرق العربي هي البداية
الطبيعية لبناء نواة السوق المشتركة
الإقليمية التي تطمح تركيا لتحقيقها
تدريجياً في الشرق الأوسط. ولا يمكن
لهذه النواة أن تستمر من دون سوريا. ومع ذلك ربما تستطيع تركيا المحافظة على
مقدار معقول من الوهج الذي تميزت به
سياستها الإقليمية في الفترة الأخيرة
إذا حدثت نقلة في علاقتها مع مصر. فقد
سعي أردوغان وفريقه من قبل إلى علاقات
أقوى مع القاهرة، التي وضع نظامها
السابق سقفاً لهذه العلاقات أقل مما
تطلعت إليه تركيا. ويعود ذلك إلى سببين زالا مع التغيير الذي
حدث ويحدث في سياسة مصر الخارجية الآن.
كان الأول موضوعياً ويتعلق بنهج محافظ
اختارته مصر التي رأى نظامها السابق أن
مصلحتها تكمن في وضع حد لدورها خارج
حدودها، لذلك فعندما نشطت
الديبلوماسية التركية في الشرق
الأوسط، لم تتجاوب مصر مع هذا النشاط
إلا في حدود معينة، خصوصاً عندما بدا
لها أن أردوغان يزاود عليها في قضية
الصراع العربي الإسرائيلي. أما السبب
الآخر الذي دفع مصر إلى وضع سقف للتطور
في علاقاتها مع تركيا فهو أمني. كانت
القاهرة قلقة من علاقات وروابط
اقتصادية قائمة بين بعض الشركات
المملوكة لأعضاء في جماعة "الإخوان
المسلمين" التي كانت محظورة وملاحقة
وشركات أخرى تابعة لبعض قادة وأعضاء
"حزب العدالة والتنمية". وقد شملت
المحاكمة العسكرية التي أجريت في عام
2007، أحد قادة "الإخوان المسلمين"
الذين أقاموا شراكات اقتصادية مع
أتراك، لكن ليس لهذا السبب بطبيعة
الحال. أما وقد تغير الوضع ولم تعد جماعة "الإخوان
المسلمين" محظورة، بل أصبح الحزب
الحاكم السابق الذي فرض عليها الحظر هو
الممنوع، وأخذت القيادة المصرية
الانتقالية تنشط إقليمياً على نحو قد
يزداد بعد الانتخابات وتشكيل حكومة
منتخبة سيكون الإسلاميون طرفاً فيها،
فلم يعد ثمة ما يمنع حدوث نقلة كبيرة في
العلاقات مع تركيا. ولن يكون صعباً تحقيق ذلك إذا أرادت تركيا
أن ترفد مشروعها الإقليمي برافد يعوضه
شيئاً، مما يخسره جرّاء الوضع في
سوريا، وأبدت مصر استعداداً لبناء
علاقات مميزة ستكون أجدى وأكثر فائدةً
لها وللمنطقة عموماً، إذا قورنت
بإعادة العلاقات مع إيران. فهناك أساس مادي يمكن البناء عليه بعد
التوسع الذي حدث في التبادل التجاري
منذ توقيع الاتفاق الذي استهدف تحريره
وإزالة الحواجز أمامه عام 2005. كما أن
الخط الملاحي المنتظم الذي تم الاتفاق
في نهاية العام الماضي على تسييره يمكن
أن يساعد في دعم العلاقات رغم أنه لم
يُختبر بعد بسبب الركود الذي ضرب
الاقتصاد المصري منذ ثورة 25 يناير. والحال أن آفاقاً رحبة تنتظر العلاقات
المصرية التركية في الفترة القادمة
على نحو يجعل للقاهرة مصلحة في إعطائها
أولوية في سياستها تجاه القوى
الإقليمية غير العربية. ================= أجواء انتخابية في سورية
الجديدة... سهيل كيوان 2011-06-29 القدس العربي وأخيراً نجحت
الثورة السورية الحديثة، تحققت مطالب
المنتفضين بانتخابات ديمقراطية حرة
ممهورة بجداول من الدماء الطاهرة، ستة
عشر حزباً سُجلت للتنافس على مقاعد
مجلس الشعب بما فيها حزب البعث العربي
الإشتراكي الذي تشرذم إلى عدة أحزاب،
بعثيون، إسلاميون، ديمقراطيون،
قوميون في عدة طروحات ووجوه،
اشتراكيون، ممثلو شرائح متوسطة، ممثلو
عمال وفلاحين، أحزاب كردية، عربية
كردية، الملصقات تملأ الجدران بصور
المرشحين وشعاراتهم، نقاشات صاخبة في
البيوت والأحياء وأمكنة العمل، انتهى
حكم الحزب الواحد والأسرة والشلة
الواحدة، حزبيون سابقون يخوضون
الانتخابات في قوائم جديدة محاولين
تجديد وجوههم وتلميعها، إنهم يدفعون
ملايين الدولارات إلى سوق المنافسة،
هناك تجاوزات قانونية واضحة بالنسبة
لتمويل الأحزاب، رموز النظام السابق
يستميتون للعودة إلى الحكم لأسباب
مفهومة، لقد خرجوا هروبا من شباك
الدكتاتورية ويريدون العودة من باب
الديمقراطية، هناك من وضع في برنامجه
الانتخابي محاكمتهم وملاحقتهم
ومساءلتهم حتى النهاية. مع انطلاق المعركة الإنتخابية تسلّم
الموظفون رواتبهم مع زيادة (حبّة مسك)،
ووصلت لكل موظف بضع بطاقات معايدة
بمناسبة العام الجديد، بطاقات معايدة
من شتى الأحزاب والمرشحين، سُرّ
الموظفون بهذا الطارئ الجديد على
حياتهم بعدما اعتادوا لغة وبطاقة
واحدة وتوجهاً أحادياً منذ عقود، حتى
ألوان البطاقات تنوعت، أسماء أشخاص
وعائلات في مواقع متقدمة لأول مرة تدخل
معترك السياسة، أين كان مختبئاً كل
هذا؟ لأول مرة يشعر الناس بمنافسة حقيقية،
انتخابات غامضة غير محسومة مقدماً، لا
يستطيع أحد أن يؤكد فوز أحد أو خسارة
أحد، لأول مرة تناقش برامج انتخابية
بجدية وبأمل في تحقيقها، رغم أنهم ما
زالوا غير واثقين من إمكانية تحقيق هذه
البرامج، اختفت الرقابة الحديدية على
الأنفاس، حتى المسؤول الحزبي السابق
في المكتب صار أكثر الموظفين
ديمقراطية، وكلما ناقش زملاؤه فكرة
تنطّح: 'أنا حذرت من نتائج الفساد
الوخيمة.. وتوقعت ما يحدث الآن...لو
سمعوا استغاثتي لما حصل كل الذي حصل،
ولما سفكت كل هذه الدماء'. ويرد عليه
زملاؤه...أين حذرت وأين قلت؟ بلاش نكذب
على بعضنا، كلنا كنا منجرفين في نفس
هذا العفن، ألم نتهم الثوار بأنهم
مندسّون..ألم نخوّنهم.. ألم نقل إنهم
عملاء أمريكا وإسرائيل..والله هذا ظلم
وعيب'.. على كل حال يجب تجاوز الماضي والنظر إلى
مستقبل البلد، مستقبل أبنائنا، وليس
مستقبل شلة أو فئة أو عائلة، كم كنا
سخفاء بهتافنا لواحد اختزلنا البلد في
شخصه، حتى الأنبياء والخلفاء الراشدين
وأعظم الفاتحين لم يحظوا بمثل هذه
الهتافات التي وضعتهم مباشرة بعد اسمه
جل وعلا، لا حول ولا قوة إلا بالله، هل
تذكرون رامي مخلوف الذي أصبح فاعل خير
في آخر الزمان، كل هؤلاء اللصوص صاروا
فاعلي خير..من زين العابدين بن علي إلى
علي عبد الله الصالح مرورا بالعقيد
الليبي ومبارك وزوجته وجماعته...جميعهم
يقولون إنهم خدعوا...لماذا لا يؤسّسون 'جمعية
اللصوص المخدوعين الخيرية'. اجتماعات انتخابية في جميع الأحياء، رجال
غامضون يتحدثون بشكل مدروس وبالأرقام
والمعطيات عن التنمية الاقتصادية
وقدرات البلد، برامج خالية تماماً من
الشعارات، رغم أن قلة ما زالت تظن أن
فرقعة الشعارات ما زالت سارية المفعول....عندما
بدأ أحدهم بالصراخ بالشعارات التي
سئمتها الآذان وصارت تسبب المغص
للسامعين ووجه بعاصفة من التصفيق
والضحك، ولم يسمحوا له بإنهاء خطابه،
أسكتوه بالتصفيق المتواصل، وبهتافات..
الله..حرية.. سورية وبس. تحولت حفلات الزفاف إلى ملتقى
للمتنافسين، الجميع يريد أن يشارك
ويخدم ويتطوع في فرحك كي لا تنساه في
وحدتك وراء الستارة وصندوق الانتخاب...
ياه.... حتى حياة المرضى تغيّرت، إذا
احتاج أحدهم لوجبة دم لا سمح الله صار
يجد عشرات المتبرعين ممن يعرفهم وممن
لا يعرفهم، جمعيات خيرية كثيرة وأحزاب
جديدة متحمسة للعمل الخيري والتطوعي،
بالإضافة إلى هذا يلاحظ أن أعداد
المشيعين في الجنازات تضاعفت، جهات
كثيرة تعرفها ولا تعرفها تعزي
بالفقيد، يا جماعة تغيّر شيء أساسي في
البلد، إنها تشبه شجرة شاخت تم قطع
الفروع اليابسة منها وها هي تطلق
فروعاً وأغصاناً خضراء يانعة. الأمر يتعدى الشعارات الانتخابية، حتى
مشكلة البطالة هناك من يقترح برامج
جدية لحلها وبواقعية. الانتخابات الحرة أتت بالخير لطلاب
العلم، الجميع مهتم بتجنيد الدعم
للطلاب والخريجين كي يكسب أصواتهم،
حتى كرة القدم لم تنج، فهي مجال كبير
للمنافسة بين الأحزاب، واضح أن بعض
أصحاب الكروش والأرداف الهائلة
يحاولون إقناع الناس بعشقهم للرياضة،
فليكن فالمهم أن يعود هذا بالفائدة على
الرياضة. هناك من ذهب إلى جمهور المسنين يطلب
ودّهم، فبادر لرحلات مجانية لهم، وهو
يعدهم برعاية أفضل، ويدّعي أنه لا يطلب
منهم سوى الدعاء والبركة، وأصواتهم
إذا أمكن، المنافسة جدّية وطاقات
الشعب تنطلق، كثير من المسنين يقسمون
أنهم سيدلون بأصواتهم لمن أخذهم رحلة،
هناك من يطالب بمساءلة قانونية حول
مشروعية هذه الرحلات، وهناك حزب
الخُضر،هدفه بالأساس كما يقول الحفاظ
على مياه سورية، وإعادة الحياة الى
بردى الذي صار مجرى آسناً، طبعا هناك
القضية القومية، الجميع يؤكد التزامه
وأن الحل أسهل بكثير مما كان يعتقد حتى
الآن، خصوصاً بعد رحيل أنظمة الفساد
العربي، الجميع يضرب المثل الشعبي
البسيط...قيل لفرعون يا فرعون من فرعنك..' هكذا تستمر الأجواء الجديدة في نهار
الانتخابات، ياه إنها حقاً انتخابات
ديمقراطيةً، حتى في الأسرة الواحدة
تجد اتجاهات مختلفة ونقاشات عميقة،
الجميع متحمس للوصول إلى مراكز
التصويت، هناك مرشدون يوجهون
الناخبين، كثيرون لم يستوعبوا الأمر
الجديد بعد، هناك حوادث مضحكة، البعض
يسأل إذا كان عليه أن يضع علامة (إكس)
مقابل كلمة نعم أم لا، الجميع يقول هذه
انتخابات حقيقية وليست مسخرة (الإكس)،
كيف كنا نقف طوابير كالأغنام كي نضع
علامة إكس مقابل كلمة (نعم) ليحصل
الرئيس على 99' من الأصوات، هناك من لم
يتحرر بعد من عقدة الخوف، ما زال يظن
أنه مراقب وأنه سيحاسب على صوته، مراكز
الأحزاب تقدم القهوة والمرطبات
للناخبين، حتى أن بعضهم يقدم
الساندويتشات...يقال إن أموالا وصلت من
الخارج ولكنها دعاية، ويقال أيضاً إن
هذه أموال الشعب المنهوبة، ويقال كذلك
إنها تبرعات جمعتها الأحزاب، الجميع
إخوان وبلدنا خالد إلى آخر الزمان.
تستمر التحيات والمصافحات وحتى
القبلات حتى تأزف لحظة فرز الأصوات..
وتبدأ الصورة بالاتضاح رويدا رويدا
وتبدأ الأعصاب بالتوتر خصوصا بين
نشطاء الأحزاب، وتعود كل عنزة الى
قطيعها وتتمترس في حظيرتها أو مقر حزب
مرشحها أو بيته... وفجأة تنتشر الأخبار.. يا سلام فلان سقط....
كيف سقط!... هذا وزع أموالا لا تأكلها
النيران... فلان فاز... والله مفاجأة
حلوة.. من توقع لهذا المسكين أن يفوز..!
وينتشر خبر مؤسف في آخر الليل، مجهولون
أطلقوا النار على مقر أحد المرشحين
وسقوط قتيل وجرحى، يبدو أن هناك من لا
يريد التسليم بقرار الشعب، إنها
الثورة المضادة كما هو الحال لدى
الأشقاء في مصر، الشعب قال كلمته وخرج
إلى الشوارع مدافعاً عن الديمقراطية...
هذا هو خيار الشعب ومن لا يريد العيش في
سورية الديمقراطية الجديدة فليبحث له
عن نظام دكتاتوري وليرحل إليه.. ================= الشباب السوري ومكتسبات
المرحلة الخميس, 30 يونيو 2011 محمد العطار * الحياة أكثر من ثلاثة أشهر هي عمر الحراك الشعبي
في سورية الذي لا يبدو أنه سيتوقف قبل
تحقيق أهدافه كاملة. ولكن بعيداً من قراءة المستقبل، ماذا عن
اللحظة الراهنة؟ ما هي المكتسبات التي
انتزعها الشباب السوري أصلاً والتي
يبدو من المتعذر تخيل فقدانها أياً
كانت ملامح المرحلة المقبلة؟ إن عقوداً من تغييب العمل السياسي
المستقل، بصفته جزءاً لا يتجزأ من
مفهوم المواطنة (المُغيب بدوره)، وضعت
الشباب السوري، في موقع المتفرج إزاء
كل ما يخص إدارة مقدرات البلاد ورسم
السياسات الاقتصادية والاجتماعية
وحتى التعليمية والتي تعني مباشرةً
وبالمقام الأول جيل الشباب. فيما تحولت
شريحة الطلاب، والتي تدفع عادةً عجلة
العمل السياسي إلى شريحة مُعطلة
ومُبعدة من العمل السياسي، فأُفرغت
الجامعات من أي حراكٍ سياسي بل وحتى
معرفي حقيقي، وتحولت مؤسسات مترهلة
محكومة بأيدولوجيا الحزب الواحد وليست
بعيدة بالطبع من آفات البيروقراطية
والفساد. إضافة إلى أن النظام كان
دوماً أكثر شراسة في التعامل مع أي
بوادر حراك طالبي، ليقينه بأن أي حراك
من هذا النوع قد يجمع الحيوية والوعي
معاً، ولا أدل على ذلك من الكيفية التي
تم التعامل بها أخيراً مع تحركات
الطلاب في بعض أقسام جامعة دمشق أو
المدينة الجامعية في حلب. قد يبدو من المدهش حقاً لمن لم يعايش هذه
الظروف، تصديق الطريقة التي تحولت
خلالها علاقة شريحة الشباب بالعمل
السياسي (كممارسة أو حتى كتنظير)، وكيف
يمكن أن تصل غالبية ساحقة من الشعب
السوري إلى نتيجة مفادها أن «السياسة
وجع راس» أو «أنا ما دخلني بالسياسة»
أو «أنا لا أتعاطى بالسياسة» وكلمة
تعاطي هنا ذات دلالة لا يمكن تجاوزها
إذ إنها تحيل كما نعلم إلى «تعاطي
المخدرات أو الممنوعات»، وبهذا المعنى
الدارج، أصبح حتى الحديث «بالسياسة»
يندرج تحت خانة المحظورات ذاتها، بل
إنه غالباً قد يفوقها قسوة من حيث
نتائج العقاب. وهكذا تحول ما هو
بالأصل، حق مكفول دستورياً إلى غولٍ
مرعب اسمه «سياسة» قد تروى عنه حكايات
ما قبل النوم. وبالطبع فإن التجربة
المريرة لمعتقلي الرأي في نهاية
السبعينات وعقد الثمانينات، كان
كفيلاً ببث مزيد من الرعب في قلوب
الأجيال اللاحقة التي كانت تملك أصلاً
قوتها الكافي منه. كل ذلك جاء ممهداً لخلو أروقة الجامعة
وقاعاتها الدراسية وصولاً إلى المقاهي
وبقية الفضاءات العامة، من أية نقاشات
سياسية حقيقية ناهيك عن تكتلات طالبية
أو حتى نقابية قد تحتج على هذا القرار
أو ذاك، أو حتى تطالب بدور أكثر فاعلية
في صناعة القرار نفسه. تحول لعب الورق
الذي لا يقاطعه إلا متابعة المسلسلات
التلفزيونية ومباريات كرة القدم إلى
نشاط شبه وحيد في المقاهي، والنقاشات
حول الطرق المثلى للنجاح في
الامتحانات المقبلة أو إيجاد أي فرصة
عمل هي الأحاديث الغالبة في أروقة
الجامعات والمعاهد الأكاديمية. اليوم وبعد أسابيع على بدء الاحتجاجات،
لا يبدو المشهد مشابهاً بالمرة. قد
يكون من باب المبالغة القول بانهيار
جدار الخوف السميك الذي هيمن على صدور
السوريين لعقود. إلا أن الحديث عن
ارتفاع سقف الخوف هو توصيفٌ موضوعي من
دون أدنى شك، كذلك الأمر فيما يتعلق
بالعودة التدريجية لتداول السياسة
كشأن يخص أولاً عموم السوريين
ومستقبلهم قبل أن يكون حكراً على نخب
بعينها. هذا الغليان الشبابي، وإن لم يكتسب دوماً
شكل الأفعال الملموسة أو حتى العلنية
كتلك التظاهرات التي يقودها الشباب في
شوارع المدن السورية، إلا أنه يُفصِح
عن استعادة لامتيازات حرم منها الشباب
مطولاً: مناقشة الشأن العام، إبداء
الرأي في ما يحدث، بل ومحاولة تقديم
المخارج والحلول. تعج الفضاءات الافتراضية (بصفتها الأكثر
رحابةً حتى اللحظة) بالمبادرات
والبيانات وأوراق العمل والنقاشات.
بينما يندر أن تدخل المقاهي أو أن
تصادف مجموعة من الشبان اليوم في أي
مكان من دون أن تسمعهم يتكلمون أو
يهمسون (فنبرة الصوت ما زالت مرتبطة
بالموقف السياسي) بما يخص الأوضاع
السياسية الراهنة. من المعلوم أن أكثر
من قسم في جامعة دمشق شهد تظاهرات أو
وقفات صامتة وكذلك المدينة الجامعية
في حلب على رغم علم الطلاب المسبق
بالتكلفة العالية لهذه التحركات، التي
قد تصل حد الفصل بعض الأحيان. وينسحب الأمر على الشباب السوريين كافةً،
بتنوع شرائحهم الاجتماعية ومواقفهم من
النظام، بمعنى انخراط الجميع بين مؤيد
ومعارض في نقاش الشأن العام، الذي كان
حتى الأمس القريب من المحظورات. هنا
بالطبع لا بد من التمييز في ما يخص حجم
الحرية والمساحات المتاحة أمام كل طرف
للتعبير عن رأيه في غيابٍ واضح للعدالة
والتوازن، إلا أن المؤكد أن خرق
المحظور باستعادة النقاش السياسي بات
أمراً واقعاً لا محالة، وهو بكل تأكيد
قد انتُزع ولم يُمنح، فليس من سبيل
المصادفة أن يستعيد الشباب السوري هذا
الفعل في الوقت نفسه الذي يدفعون به
ثمناً باهظاً لاستعادة الفضاء العام (التظاهر
في الشوارع والساحات). فكما تُمهد
استعادة ملكية هذا الفضاء نحو انتزاع
الحرية المنشودة، فهي كذلك تهدم حاجز
الخوف وتعيد «تعاطي» الشباب بالسياسة
إلى منطقه الطبيعي كحق إن لم يكن
واجباً، كما تنزع عن النظام قدسية
وهمية لطالما حرص على إسباغها على
بنيته وممارساته. يبدو من المتعذر اليوم تخيل أن الشباب
السوري وبتنوع أطيافه (حتى أولئك
الموالين للنظام)، سيقنع بالعودة إلى
الركود الذي عهده طويلاً قبل ثلاثة
أشهر فقط، الجميع يعترف الآن بأن هناك
أموراً تغيرت ولم يعد بالإمكان معاندة
حركة التاريخ أكثر من ذلك. على الأقل
بات واضحاً للجميع الآن، أن التغيب
القسري «لتعاطي» السياسة كجزء من
تغييب أعم لمفهوم المواطنة، وخنق
المجتمع المدني الكفيل وحده بإتاحة
الفرص المتساوية لإبداء الرأي
والمشاركة في الشأن العام، قد جلب
الويلات على البلد. وهل هناك أفضل من
استعادة هذه الحقوق الطبيعية من أجل
تجنيب البلد خطر التمزق الطائفي
والفتنة (لمن يعتقد أنها البديل الحتمي
للنظام) ودحر جميع المؤامرات الداخلية
والخارجية وحتى الكونية (لمن يؤمن
بوجودها)؟ اليوم تبدو بوادر استعادة حراك الشباب
مترافقة مع انتزاع صكوك احتكار تداول
الشأن العام والشروع في العمل السياسي
على الأرض، حتى وإن لم يتبلور بعد على
شكل تنظيمات أو تيارات ناجزة، مكاسب
عظيمة ولا عودة عنها أياً تكن ملامح
المرحلة المقبلة، ليس فقط لأن
السوريين دفعوا ثمناً باهظاً
لاستردادها، الأهم أن السوريين أعادوا
اكتشاف إمكاناتهم ومقدراتهم، وعليه
يصعب التصديق أنهم سيرضون بالقليل بعد
اليوم. ================= سورية في طريق عودتها
إلى ذاتها الخميس, 30 يونيو 2011 شفيق ناظم الغبرا * الحياة إبان الاحتجاجات الشعبية السورية التي
بدأت في آذار (مارس) الماضي كان المطلوب
أن يسعى النظام إلى فتح مسامّ
الديموقراطية وأن يتعلم ممّا وقع في
كلٍّ من تونس ومصر. لكن النظام السوري
لم يعرف أسلوباً في التعامل مع
التظاهرات والاحتجاجات إلا من خلال
القبضة الأمنية. الرد العنيف ليس
جديداً، فعبر تاريخ النظام كانت تلك هي
اللغة الوحيدة التي يجيدها في التعامل
مع مطالب الناس وكل اختلاف. ويبدو
جلياً أن سورية ركزت في معظم الوقت على
المحيط العربي فيما عرف بسياسة
الممانعة والمقاومة وقبل ذلك الصمود،
بينما أطلقت العنان في الداخل السوري
لسيطرة الأجهزة الأمنية والمتنفذين.
غريب التاريخ، فهذه السياسة في سورية
ليست سوى نسخة مكررة لسياسة الاتحاد
السوفياتي قبل اندثاره: مواجهة مع
الخارج وقمع وملاحقة في الداخل. لقد
أضاع النظام في سورية منذ بدء الثورة
فرص التعامل مع الأزمة في إطار انفتاح
ديموقراطي وتعددية. مع كل جمعة وكل أسبوع تقترب سورية من
تحقيق تغيير هو الأكبر في تاريخها
الحديث منذ الاستقلال. فالنظام الراهن
في ظل سيطرة عائلة الأسد في طريقه إلى
النهاية، وحزب «البعث» انتهى كحزب
أحادي مسيطر. هكذا بعد أكثر من ثلاثة
أشهر من الاحتجاجات الشجاعة من قبل
متظاهرين سلميين وبعد أكثر من 1300 شهيد،
لن يعيد لسورية استقرارها سوى نظام
ديموقراطي تعددي ودستور جديد وحريات
مكفولة، وقضاء مستقل، ورئيس ومجلس شعب
منتخبين في ظل تنافس علني شفاف بين قوى
سياسية وتيارات وأحزاب. إن أفضل ما
يستطيع الرئيس السوري بشار الأسد
القيام به الآن هو تسهيل مهمة شعبه عبر
فتح الطريق الديموقراطي وإيقاف العلاج
الأمني للوضع، والسماح للشعب بالتظاهر
والتعبير عن نفسه. سيبقى السؤال: هل
يخرج الرئيس ويتغير النظام بثمن أقل
وبضمانات متفق عليها للانتقال السلمي
للسلطة، أو يتم الانتقال الحتمي بثمن
أكبر وبمواجهة تتحول كل يوم إلى مزيد
من الدموية؟ هذا الخيار بيد النظام وهو
في طريقه للخروج في ظل التحول الشامل. إن تاريخ سورية أثناء العقد الماضي هو
المفتاح لفهم طبيعة الثورة القائمة
فيها الآن. فنجاح التوريث عام 2000 عمّق
الأزمة التي يعاني منها النظام. ففي
الأنظمة التي تتشابه والنظام السوري
يتحول التوريث إلى مقتل وبداية نهاية،
لهذا ليس غريباً أن الثورات وقعت في
أنظمة التوريث. لنتذكر أن التوريث
السوري تم في ظل تعديل دستوري لم
يستغرق سوى دقائق بعد وفاة الرئيس
السابق حافظ الأسد عام
٢٠٠٠، وأن هذا التعديل تم
بلا استشارة المواطنين. وبينما شكّل التوريث بداية تحول، إلا أنه
تزامن مع وعود إصلاحية أطلقها الرئيس
السوري بشار في بدايات حكمه ما ساهم
برفع آمال السوريين. لقد نجح الرئيس
السوري الشاب في حينه في إقناع غالبية
السوريين بأن عهده سيكون مختلفاً عن
عهد والده حافظ الأسد ذي الطابع الحديد.
رفع الآمال في ظل الجمود وانتشار
الفساد وزيادة القمع بينما ينشأ جيل
سوري جديد يعي ذاته ويعاني من ضيق
الخيارات والبطالة، كل هذا وضع الأساس
للثورة السورية التي تتدفق اليوم. ولقد أدى التوريث من الأب إلى الابن إلى
جعل السلطة بيد فئة أصغر من تلك التي
تحالفت مع النظام في زمن الرئيس حافظ
الأسد، وقد ساهم هذا بتحويل الاقتصاد
الوطني والقطاع العام لمصلحة
المتنفذين الجدد الذين استفادوا من
سياسات الخصخصة المرتبطة بالفساد.
لهذا تحولت ظاهرة رجال الأعمال
المرتبطين بالرئيس وأقربائه إلى رمز
للفساد الذي ساد سورية في السنوات
الماضية. ليس غريباً أن هذا الوضع نشأ
كذلك في مصر وتونس وليبيا واليمن ودول
أخرى. من جهة أخرى، أعطت قدرة النظام على إدارة
الوضع الخارجي، أكان ذلك في لبنان أو
مع الفصائل الفلسطينية ومع «حزب الله»
وإيران والعرب والغرب، مزيداً من
الثقة التي حولها باتجاه التحكم
الأمني والاحتكار في الداخل. إن قدرة
النظام على الخروج، مرحلياً على
الأقل، من أكثر من مأزق، بما في ذلك
نتائج اغتيال الحريري والمحكمة
الدولية والاغتيالات التي وقعت في
لبنان بحق مفكرين ومثقفين وسياسيين،
ساهمت هي الأخرى في زيادة ثقته بقدراته. ويصح القول إن حتمية تاريخية إنسانية
كانت في طريقها إلى التعبير عن نفسها.
ففي كل نظام من النمط السوري ليس من
المنطقي ألا تنفجر تناقضاته في لحظة
وعي جماعي وتآكل داخلي. الأنظمة ذات
الطابع التسلطي تشبه جهاز كمبيوتر لم
يعد يمتلك آلية لتطوير أجهزة تشغيله،
ولهذا تبدو الأمور جيدة على السطح،
وتبدو الأوضاع مستقرة ومنتظمة وهادئة
للمراقب، وهذا يعطي انطباعاً مضللاً
عن الوضع. فالأنظمة الديكتاتورية تموت
فجأة وبلا مقدمات بفضل عوامل تآكل
داخلي وضيق سكاني يزداد انتشاراً.
فالمرض الذي يغزو النظام قلما يكون
بادياً للعيان كحال السرطان الذي لم
يتم اكتشافه في الجسد. في ظل
الديكتاتورية لا أحد يقول شيئاً، ولا
أحد يعبر عن رأيه، لهذا فكل الآراء غير
مرئية ومخفية في الأقبية أو السجون. إن
أول من صُدم من هول المفاجأة عند
اندلاع الثورة السورية هم قادة
الأجهزة الأمنية الذين مارسوا القمع
ضد الشعب السوري على مدى سنوات طوال.
وبالطبع كان الرئيس والمقربون منه أول
من اختبر تلك المفاجأة. في هذه الأنظمة
يكون الاستخفاف بالشعب والحقوق
والمطالب والمعارضة والمختلفين
والمثقفين والجيل الصاعد فلسفة حياة
وطريقة تفكير متأصلة. إن الفارق بين الديموقراطية
والديكتاتورية كبير. في الديموقراطية
هناك استشعار مبكّر برياح التغير، أما
في الديكتاتورية فيعيش النظام حالة
عمى تحجب عنه الكثير مما يقع حوله.
ويزيد من تراجع قدرة النظام أن كل من
يحيط به يخادعه بسبب الخوف. لهذا
بالتحديد تفوقت الديموقراطية على
الديكتاتورية عبر التاريخ. من خلال
الديموقراطية وصناديق الاقتراع
بإمكان المعارضة أن تصل إلى السلطة
بينما في الدول الديكتاتورية لا توجد
فرصة لوصول المعارضة إلى السلطة إلا
بالثورة وشعارات إسقاط النظام. وفي ظل عجز النظام والأجهزة الأمنية في
سورية عن تفسير ما حدث بل واستيعابه
يصبح من الطبيعي القول بوجود مؤامرة
خارجية سلفية وإسلامية أوغربية.
فالنظام في سورية لم يفهم حتى الآن
طبيعة الثورة أو طبيعة ما يحيط به من
عوامل تردٍّ وإسقاط. لا زال النظام
السوري أسير رؤية لمندسين وفئات
خارجية، ولا زال يطرح خطاباً إعلامياً
ركيكاً، وهذا ساهم أيضاً في إضعاف
قدرته على استيعاب كل التحولات التي
طرأت على المجتمع السوري. ولو كنا في الستينات من القرن العشرين
لكان التعامل الأمني السوري بقوة
نيرانه وقدرته على الفتك بالناس
قادراً على إنهاء الوضع خلال أيام، لكن
العصر اختلف والتكنولوجيا لديها
مكانتها في نشر المعلومات على الملأ،
والشعب السوري اكتسب وعياً وسلوكاً
ومناعة لم يكن يتمتع بها في السابق،
كما أن أساليب النضال السلمي جعلت أقوى
الديكتاتوريات قابلة للاهتزاز. إن
الحالة الشعبية السورية تمرّ الآن
بمرحلة التحول نفسها التي عبرتها شعوب
جنوب أوروبا وأميركا اللاتينية
وأوروبا الشرقية وآسيا. على النظام
السوري أن يدرس وضع البرتغال
والفيليبين والأرجنتين وكوريا
الجنوبية وتايوان والبرازيل وبولندا
واليونان، ويوغوسلافيا وجنوب أفريقيا
وعشرات الدول الأخرى التي مرت
بالثورات والتغيرات الشاملة قبل أن
يمضي قدماً في معركة خاسرة سلفاً. في كل
من هذه الدول بدأت الأزمة باغتيال زعيم
معارض كما حصل في الفيليبين أو بحادثة
كبيرة بين المجتمع والناس كما حصل في
معظم الدول، أو أن الأحداث تبدأ
أحياناً بحرب كما حصل لليونان مع تركيا
أو للأرجنتين مع بريطانيا. الحادثة أو
الأحداث التي تقع في البداية تتحول إلى
سلسلة من التحركات والتظاهرات
والإضرابات والتجمعات ذات الطابع
الشعبي والسلمي في مواجهة الأجهزة
الأمنية للنظام، ما يؤدي إلى إسقاطه
كما حصل في تشيكوسلوفاكيا، أو الاتفاق
معه على شروط تسليمه الشامل للسلطة كما
حصل في دول عدة في أميركا اللاتينية
وفي جنوب أفريقيا. الخيار الأمني
بالتحديد هو الذي يعجل من سقوط النظام.
ما يقع في سورية اليوم يؤسس لنظام
سياسي جديد وحياة ديموقراطية حرة في ظل
دولة مدنية مصدر شرعيتها الشعب السوري.
سورية بدأت تعود إلى تاريخها وأمتها
ولكنها وهذا هو الأهم في طريق عودتها
إلى ذاتها. ================= كأبيه.. هل ينجح الأسد
الابن في لعبة «حافة الهاوية»؟! صالح القلاب الشرق الاوسط 30-6-2011 خابت آمال كل الذين راهنوا على أن الرئيس
السوري بشار الأسد في إطلالته
الأخيرة، بعد غياب طويل أثار
الاستفسارات والتكهنات، سيأتي بجديد
يضع هذه الأزمة الطاحنة على بداية طريق
الحل المقبول، لكن كل مراهنات هؤلاء
اصطدمت بحقيقة أن هذا النظام لا يستطيع
تغيير اتجاه سيره حتى وإن هو رغب في ذلك
وأن شرايينه باتت متصلبة وأنه لا يصلح
العطار ما أفسد الدهر. ظن المنتظرون لخطاب الأسد الأخير أن
تجربة ثلاثة أشهر من العنف وحمامات
الدماء وفشل حلول جنازير الدبابات
ربما أقنعت هذا الشاب، الذي ورث نظاما
أقيمت أركانه على الجماجم والتصفيات،
بأن عليه، حتى يبقى نظامه قائما، أن
يخضع للأمر الواقع وأن يقدم لشعبه
تنازلات حقيقية وعلى أساس أنه لم يعد
هناك أي بقاء للأنظمة الستالينية وأنه
لا بد من التلاؤم مع معطيات واستحقاقات
القرن الحادي والعشرين وأهمها
الديمقراطية الحقيقية بمواصفات هذا
العصر وحقوق الإنسان والحريات العامة. لكن هذا لم يحصل، بل إن الرئيس الشاب بعد
غيبته الطويلة هذه عاد بما هو أسوأ،
حيث جاءت دعوته للحوار على أرضية أن
هناك مخربين لا بد من تصفيتهم وأن «القطر
العربي السوري» يتعرض لمؤامرة خارجية،
والأسوأ أن وزير خارجيته وليد المعلم،
الذي أشاع رفاقه المعجبون به أنه
مترنيخ العرب، قد بدا في مؤتمره
الصحافي المكمل لخطاب رئيسه أنه يعيش
في عصر غير هذا العصر، وأنه يعتقد أن
هذا النظام، الذي بات كحصان منهك
ومتهالك وفي نهاية الشوط، قادر على شطب
أوروبا من خريطة الكرة الأرضية وقادر
على تغيير المعادلة الكونية واستبدال
واقع القطب الواحد بواقع العالم
المتعدد الأقطاب تحل فيه البرازيل
وجنوب أفريقيا والهند والصين وروسيا
محل الولايات المتحدة. في كل الأحوال يبدو أن هذا النظام، ورغم
التظاهر بالقوة وبأنه ماض بالشوط حتى
آخره، قد بات يستعد لأسوأ الخيارات،
والدليل هو أن هناك معلومات توصف بأنها
على جانب كبير من الصحة تتحدث عن ترحيل
كل العائلات العلوية، وللأسف التحدث
بهذه اللغة المريضة، من دمشق ومدن
الأكثرية السنية إلى مناطق جبال
النصيريين ذات اللون العلوي الواحد
وتتحدث عن نقل موجودات البنك المركزي
إلى مدينة القرداحة ونقل طائرات سلاح
الجو ومعدات القوات المسلحة الحديثة
إلى هذه المناطق لتكون الأساس الذي
ستبنى عليه الدولة المذهبية في حال
وصلت الأمور إلى هذا الخيار المدمر ليس
لسوريا وحدها وإنما للمنطقة كلها، أي
بلاد الشام وما حولها. ولعل ما يشير إلى أن هذه المعلومات
والتقديرات غير بعيدة عن الصحة، أن كل
العالم شاهد عمليات إخلاء تماثيل حافظ
الأسد من مدن الأغلبية السنية التي
تجذرت فيها الثورة المضادة لهذا
النظام والمصممة، كما واضح، على
إطاحته مثل درعا ودير الزور وحماه وحمص
ونقلها ربما إلى القرداحة، وهذا يعزز
معلومات صحيفة «الغارديان»
البريطانية التي تحدثت عن أن حزب الله
اللبناني قد بادر أخيرا إلى نقل
صواريخه وأسلحته الإيرانية المتطورة
من مخابئها في عمق الأراضي السورية إلى
لبنان خوفا من وقوعها في أيدي بديل
نظام بشار الأسد، وقبل ذلك في أيدي «ثوار»
الانتفاضة السورية في حال وصول الأمور
إلى المواجهة العسكرية المفتوحة. والغريب أن نظام بشار الأسد، بدل أن يبذل
الجهود الممكنة للإبقاء على أزمته في
الإطار الوطني الداخلي، بات يدفع في
اتجاه تحويلها إلى أزمة إقليمية، على
غرار ما كان يفعله والده عندما كان
يهرب من مشاكله الداخلية إلى افتعال
مشكلة في الإقليم كله إن في اتجاه
لبنان أو في اتجاه الأردن أو في اتجاه
العراق وأيضا في اتجاه تركيا. وذلك
عندما كان يلعب مع هذه الجارة الشمالية
ورقة عبد الله أوجلان، وهذا كله أطلق
عليه مصطلح «حافة الهاوية»، وهي لعبة
كان يلعبها الرئيس السوري السابق حتى
مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة ونجح
فيها مرارا لكنه فشل أكثر من مرة. وإن مما يرجح بل يؤكد على أن بديل بشار
الأسد، في حال أن تتجاوز الأمور في
بلده الخطوط الحمراء ويصبح نظامه
مهددا بالسقوط بالفعل، هو نفس البديل
الذي سعى إليه صدام حسين والبديل الذي
وفره معمر القذافي لنفسه، وهو تحويل
الحدث الداخلي إلى حدث إقليمي ودولي
واستدراج مواجهة مع الولايات المتحدة
أو مع قوة إقليمية متحالفة مع الولايات
المتحدة، والهدف هو الظهور بمظهر
البطل القومي المتصادم مع الاستكبار
العالمي ومع القوى الكبرى التي تستهدف
الوطن وأهله وخيراته. ولهذا فإننا نرى
كل هذا التحرش بتركيا ودفع وحدات من
الجيش السوري حتى آخر نقطة تماس حدودية
في اتجاه أنطاكيا التركية، فالهدف
واضح وضوح الشمس وهو الهروب من المشكلة
الداخلية المتفاقمة التي باتت مع
الوقت مستعصية إلى افتعال مشكلة
خارجية. وفي هذا الاتجاه، فإن هناك معلومات
متداولة في أوساط كردية (سورية) مطلعة
تتحدث عن أن هناك توجها جديا من قبل
نظام الرئيس الأسد لاستعادة مجموعات
من بقايا مقاتلي حزب العمال
الكردستاني التركي بزعامة عبد الله
أوجلان، المعتقل الآن في سجن في إحدى
الجزر القريبة من اسطنبول، يقدر عدد
أفرادها بنحو سبعمائة مقاتل يوجدون في
جبل قنديل بالقرب من مدينة السليمانية
الشهيرة الواقع في قلب مثلث الحدود
العراقية – الإيرانية – التركية،
وتركيزهم في قواعدهم القديمة على
الحدود الطويلة في نقاط التماس بين
البلدين المتجاورين سوريا وتركيا. ويقينا أنه إذا صحت هذه المعلومات،
والواضح أنها صحيحة، فإن هذا سيكون
أكبر استفزاز لرئيس الوزراء التركي
رجب طيب أردوغان ومجموعته وسيكون سببا
كافيا لتحريك القوات التركية، التي
اقتربت كثيرا في الأيام الأخيرة من
خطوط التماس مع سوريا، في اتجاه الجنوب
في عمق الأراضي السورية وعلى غرار ما
كاد يحدث في عام 1998 عندما هدد كبار
الجنرالات الأتراك الرئيس حافظ الأسد
بأن قواتهم ستصل إلى مدينة درعا على
الحدود السورية - الأردنية خلال ثمان
وأربعين ساعة إذا لم يطرد عبد الله
أوجلان من دمشق على الفور وينهي علاقات
نظامه بحزب العمال التركي الكردستاني
ويبعد مقاتليه عن الأراضي السورية
وينهي قواعده في منطقة البقاع
اللبنانية، وهذا هو ما حصل بالفعل. كان جمال عبد الناصر قد برز كبطل قومي
عربي بعد أن أثمر الضغط الأميركي أيام
الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور في وقف
العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956
وإجبار القوات الإسرائيلية
والبريطانية والفرنسية المعتدية على
الانسحاب من قناة السويس ومدنها ومن كل
الأراضي المصرية، وحاول صدام حسين أن
يلعب هذه اللعبة في عام 2003 لاعتقاده
بأن الغزو الدولي الذي تقوده الولايات
المتحدة سيتوقف عند مشارف بغداد وأن
مساومات كمساومات حرب السويس ستجري
وأن اتفاقات سياسية وعسكرية ستبرم
وأنه بالتالي سيغتنم الفرصة ليكرر ما
كان فعله الرئيس المصري الأسبق ويظهر
كزعيم للأمة العربية على أساس أنه
انتصر على أميركا وحلفها الدولي وأنه
استطاع أن يمرغ أنف أكبر قوة كونية
بالتراب، لكن حسابات الحقل لم تتطابق
مع حسابات البيدر فانتهت الأمور إلى ما
انتهت إليه. إن على بشار الأسد أن يعد للألف قبل أن
يقدم على أي مغامرة غير محسوبة
العواقب، لا في اتجاه تركيا ولا في
اتجاه غيرها. فواقع اليوم غير واقع 1956
ثم إن سياسة «حافة الهاوية» إذا كانت
ممكنة أيام والده فإنها غدت مستحيلة
الآن، فالمعادلات اختلفت ورياح
التغيير التي أزاحت حكاما عن مواقعهم
ستزيحه هو أيضا سواء طال الزمان أم قصر
إذا لم يرضخ لرغبة شعبه. ======================= محمد علي الأتاسي* * النص العربي لمقالة محمد علي
الأتاسي - ابن الرئيس السابق نور الدين
الأتاسي - والمنشورة في جريدة "نيويورك
تايمز" الأمريكية. نقلا عن شبكة سورية الحرة 29/6/2011 في نوفمبر من العام 2009 نشرت مجلة ناشيونال
جيوغرافي، مقالة لموفدها الخاص إلى
سورية دون بيلت الذي حظي بلقاء مع
الرئيس السوري بشار الأسد، ونقل عنه
حادثة تصلح لتكون عبرة عن حال سورية
على مدى 41 عاما من حكم عائلة الأسد. روى
الرئيس للصحافي كيف أنه حتى تاريخ
توريثه السلطة دخل مرتين فقط إلى مكتب
والده الرئيس الراحل حافظ الأسد. المرة
الأولى كانت وله من العمر سبع سنوات،
حيث جاء راكضاً من شدة فرحه ليخبر
والده عن درسه الأول في اللغة
الفرنسية، ولفت انتباهه يومها زجاجة
كولونيا كبيرة موضوعة على الخزانة
بجانب المكتب. أما المرة الثانية التي
دخل فيها المكتب فكانت في أعقاب وفاة
والده في العام 2000، ليفاجأ بذات زجاجة
الكولونيا الكبيرة لا تزال تقبع في
مكانها على الخزانة، بعد 35 عاماً. وإذا كان الرئيس السوري، يروي هذه
الحادثة لدلالة على تقشف والده، وحرصه
على عدم الانجرار وراء التغيرات
المتسرعة، فإن هذه القصة تصلح في ذات
الوقت للدلالة على حال "سورية أخرى"
تم وضعها على الرف وتم تناسيها على مدى
عقود طويلة تحت مسميات الاستقرار
والممانعة بوجه إسرائيل، وهاهي اليوم
تطل علينا من جديد لتذكرنا أن سورية
الحقيقية ليست زجاجة كولونيا وأن
أبنائها ليسوا من أهل الكهف! ولكنهم
كبقية شعوب الأرض، شعب حيً يطمح للعيش
بحرية وكرامة في وطن عادي كبقية
الأوطان. في كل مرة أتذكر هذه القصة، تصيبني غصة
وأتذكر والدي الرئيس السوري السابق
نور الدين الأتاسي الذي أمضى 22 عاما في
زنزانة ضيقة في سجن المزه من دون أن
يحاكم أو توجه له أي تهمة. 22 عاما
وزجاجة الكولونيا لا تتحرك من مكانها
على الرف ووالدي لا يتحرك من مكانه في
السجن، ومأساتنا ومآسي آلاف السورين
تزداد أتساعا. 22 عاما من القهر والعجز
عن فعل أي شيء. 22 عاما والأيام تمضي
هاربة من عمرنا على إيقاع زياراتنا له
في السجن مرة واحدة كل أسبوعين ولمدة
ساعة واحدة في كل مرة. 22 عاما غادرت
فيها أنا وأختي طفولتنا وغادر والدي
الحياة بعد أن أصيب بالسرطان ومنع عنه
العلاج وأطلق سراحه في النهاية ليموت
في باريس في كانون الأول 1992 بعد أسبوع
من وصوله إليها محمولا على نقالة. 22
عاما هي عمرنا المسروق وهي زجاجة
الكولونيا المهملة على الرف وهي
سوريتنا المنسية. أما سورية المنسية بالنسبة لمعظم الشعب
فمعناها، الدولة البوليسية والبلد
الممسوك بقبضه من حديد. سورية المنسية
معناها سنوات الثمانينات المشرعة
كغطاء دم على الذاكرة السورية. سورية
المنسية معناها، بلد ملّزم دوليا بقضه
وقضيضه إلى سلطة مستبدة، حرصا على
الاستقرار الإقليمي. سورية المنسية
معناها أمن إسرائيل المستتب على حدود
هضبة الجولان المأمنة والباردة كبرودة
ثلوج جبل الشيخ. سورية المنسية معناها
ألوف المعتقلين السياسيين الذين زجوا
لعشرات السنيين في غياهب السجون
والمعتقلات. سورية المنسية معناها،
ألوف المفقودين الذي لا يعرف أهاليهم
عنهم شيئا إلى يومنا هذا ولا يملكون من
أثرهم ولا حتى شهادة وفاة. سورية
المنسية معناها، آلام ودموع آلاف
الأمهات والزوجات اللواتي ينتظرن منذ
الثمانيات وإلى اليوم عودة أبنائهم
المختفين ولو في أكفان. سورية المنسية
معناها إذلال يومي وكرامات مستباحة
وعصا غليظة وعبادة فرد وصمت مطبق وخوف
مستشري. سورية المنسية معناها قرارات
مؤجلة وخطوات ناقصة وشبكات فساد
ومحسوبية وبيروقراطية مترهله وأجهزة
أمن مطلقة اليدين من دون حسيب ولا رقيب.
سورية المنسية معناها إقصاء السياسة
عن المجتمع و تدجين القضاء وخنق
المجتمع المدني وسحق المعارضة. سورية
المنسية معناها هذا الشعار المخيف في
دلالاته " قائدنا إلى الأبد الأمين
حافظ الأسد"، الذي ظل يزين مداخل
المدن وواجهات الأبنية الرسمية ليقول
للشعب السوري أن التاريخ مات على حدود
بلدهم. وإذا كان صحيحا أن التاريخ لم يمت، بل كان
يطل برأسه بين الفينة والأخرى على
الواقع السوري مذكرا ومحذرا بأن هذا
البلد لا يمكن أن يكون خارج التاريخ،
فإن السلطة كانت تسارع في كل مرة إلى
دفن رأسها بالرمال متوهمة أنه
باستخدام الأساليب الفظة ستتمكن من
إيقاف مجرى التاريخ على عتبات السجن
السوري الكبير. حدث هذا الأمر خلال
أحداث الثمانيات الدموية التي انتهت
بمجزرة حماه. وحدث في بداية التسعينات
مع انهيار الكتلة السوفيتية وسقوط
نموذج الحزب الواحد في العالم
والإصرار على استمرار تطبيقه في سورية.
وحدث مع وفاة الرئيس حافظ الأسد في
العام 2000 وابتداع سيناريو التوريث في
محاولة للهروب إلى الأمام في مواجهة
استحقاق الموت والحياة. وحدث مع وأد
"ربيع دمشق" وسجن أبرز ناشطيه
كجواب على مطالبتهم بطي صفحة الماضي
والبدء في عملية التحول الديمقراطي. لقد عاندت السلطة على مدى الأربعة عقود
الماضية، وتمنعت عن إدخال أي تعديلات
جدية على بنيتها السياسية والأمنية،
وأتى سيناريو التوريث من الأب إلى
الابن ليبين بما لا يدع مجالا للشك،
إصرار الدوائر الضيقة في السلطة على
أبقاء التوازنات السلطوية وآلية صنع
القرار وهالة القداسة على حالهم من حول
أعلى هرم السلطة. في مقابل هذا الجمود
السياسي، حدثت تغيرات هائلة في البنى
الديموغرافية والاقتصادية
والاجتماعية للمجتمع السوري، وتضاعف
عدد السكان عدة مرات وتوسعت الفئة
الشبابية على حساب بقية الشرائح
العمرية، إلى الحد الذي وصل فيه عدد
شباب سورية ما دون العشرين عاماً إلى
حدود 60 % من إجمالي عدد السكان. وترافق
هذا مع هجرة ريفية واسعة وانفجار سكاني
في ضواحي المدن الكبرى كدمشق وحلب
وتفشي كبير للبطالة، وخلل واسع في
توزيع الثورات من جهة وتمركز الجزء
الأكبر منها في يد فئة قليلة من رجالات
السلطة وحاشيتهم. لقد اعتادت بعض الأوساط الدبلوماسية
الغربية وبعض الأقلام الإستشراقية، أن
تشكك على الدوام في إمكانية أن يثور
الشعب السوري للمطالبة بحريته وحقوقه،
وكأن هذا الشعب لا ينتمي إلى الإنسانية
بل إلى فصيلة غريبة من الكائنات
الفضائية، وبالتالي لا يحق له ما يحق
لغيره من شعوب الأرض. وعمدت هذه
الدوائر إلى التقليل من شأن مظاهر
المقاومة الخفية والانشقاق السياسي
التي لم ينفك المجتمع السوري يظهرها
بشكل متقطع على مدى العقود الماضية.
لكن كون سورية لا تقع على كوكب المريخ،
وأبنائها كما بقية البشر العاديين
يطمحون أن يعيشوا بكرامة وحرية في بلد
ديمقراطي، فكان طبيعيا عندما أتت ساعة
الحقيقة أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم
لرياح الربيع العربي التي هبت مع تداعي
حائط برلين العربي الذي شيًد بالقمع
والخوف ليفصل بين الشعوب العربية وبين
الديمقراطية، بخيارات واهية من مثل
الاستقرار أو الفوضى، الاستبداد أو
الإسلاميين. إن سورية الأخرى التي تناستها السلطة، لم
ينسها التاريخ! وهاهي تعود اليوم
لتطالب بحقوقها المستلبة ويعود
التاريخ معها ليطالب بفواتيره
المستحقة. وإذا كانت الثورة السورية هي
الأقسى من بين الثورات العربية لجهة
وحشية السلطة واستعدادها لارتكاب
الفظائع بحق أبناء شعبها وتهديدها له
بالحرب الأهلية، فمما لا شك فيه أن
إصرار الشعب السوري على الطابع السلمي
لتحركه وعلى وحدة مكوناته الوطنية
سيكون كفيلا في النهاية بتمكينه من
استعادة حريته وبناء تجربته
الديمقراطية. إن شعبا لا يزال يواجه
بشجاعة نادرة وصدور عارية رصاص
القناصة الذي ينهمر عليه من كل حدب
وصوب كلما خرج ينادي بالحرية، هو أول
من يعرف معنى هذه الحرية لأنه دفع
غاليا ثمنها من أرواح أبنائه، وهو قادر
ان يمارس هذه الحرية بمسؤولية ورشد من
دون أي أستذة أو وصاية من أحد. عندما سجن والدي في العام 1970 في أعقاب
الانقلاب الأبيض الذي نفذه الجنرال
حافظ الأسد على رفاقه في حزب البعث،
كان لي من العمر ثلاث سنوات. كطفل
أستغرقني الأمر فترة قبل أن استوعب أن
السجن ليس للمجرمين فقط ولكن أيضا
لسجناء الرأي والضمير. لم أرث من والدي
الذي حكم أربع سنوات لا سلطة ولا جاه،
كان كل ما ورثته منه كان عبارة عن حقيبة
ثياب صغيرة أعيدت لنا من السجن بعد
وفاته، وكانت هذه الحقيبة هي كل ما
يملك حرفيا بعد 22 عاما قضاها في ذات
الزنزانة وذات السجن. كل ما أتذكره من
هذه الحقيبة اليوم هو رائحة رطوبة
السجن التي تغلغلت في نسيج ثيابه
وحوائجه. في مقابلته مع المجلة الأميركية فات
الرئيس السوري أن يخبر ما الذي فعله
بزجاجة الكولونيا المنسية على الرف في
مكتب والده! والحقيقة أن الجواب لم يعد
يعني الكثير بعد اندلاع الثورة
السورية. من جهتي سأخبر والدي في المرة
القادمة التي أزور قبره فيها أن الحرية
انبعثت من جديد في الشعب السوري، وهي
أكبر بكثير من القبور التي حاولوا دفنه
فيها. وسأطمئنه أن هذا الشعب تمكن
أخيرا من كسر زجاجة الكولونيا، فإذا
بعطر الحرية الذي فاح منها، أقوى بكثير
من روائح الدم الذي يحالوا إغراقه فيه. ======================== أَمَلُ الأُمَّةِ ...
أَصْحَابُ الهِمَّةِ د. أشرف نجم المصدر : دلتا اليوم نقلاً عن المختصر 26/6/2011 كان كافور الإخشيدي وصاحبه عبدين أسودين
... فجيء بهما إلى قطائع بن طولون أمير
الديار المصرية وقتها ليباعا في أسواق
العبيد ... جلس كافور وصاحبه يتحدثان ...
وبدأ كل منهما يسأل الآخر عن أمنيته
وطموحه .. قال صاحبه: أتمنى أن أباع لطباخ ... لآكل ما
أشاء وأشبع بعد جوع. وقال كافور: أما أنا ... فأتمنى أن أملك مصر
كلها .. لأحكم وأنهى .. وآمر فأطاع. وبعد أيام ... بيع صاحبه لطباخ ... وبيع
كافور لأحد قادة مصر ... وما هي إلا أشهر
حتى رأى القائد المصري من كافور كفاءة
وقوة .. فقربه منه ... ولما مات مولى
كافور ... قام هو مقامه ... واشتهر بذكائه
وكمال فطنته حتى صار رأس القواد ... وما
زال يجد ويجتهد حتى ملك مصر والشام
والحرمين. بعدها .. مر كافور يوماً بصاحبه ... فرآه عند
الطباخ .. يعمل في جد وقد بدا بحالة سيئة
.. التفت كافور إلى أتباعه وقال: " لقد
قعدت بهذا همته فكان ما ترون ... وطارت
بي همتي فصرت كما ترون ... ولو جمعتني
وإياه همة واحدة ... لجمعنا مصير واحد
". تحتاج الأمم جميعها إلى أصحاب الهمم
والطموح، فهم صناع الحياة وقيادات
المستقبل في أي أمة من الأمم في القديم
والحديث .. وحتى في موازين الله تعالى
في الدنيا والآخرة، فضَّل الله أصحاب
الهمم العالية والطموح والمثابرة على
غيرهم .. وإن كانوا مسلمين من أصحاب
الحسنى ... قال تعالى: ) لاَ يَسْتَوِي
الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ
وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ
الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ
دَرَجَةً وَكُلاَّ وَعَدَ اللَّهُ
الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ
الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ
أَجْرًا عَظِيمًا( (النساء – 59). قال أبو فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم
رسول الله r - ومن أهل الصفة –: كنت أبيت مع
رسول الله r ..
فآتيه بوضوئه وحاجته ... فقال لي r: (سلني) .. فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة ....
فقال الرسول r: (أو
غير ذلك)؟ ... قلت: هو ذاك ... فقال r: (فأعني على نفسك بكثرة السجود) ... همة
عالية وطموح كبير .. تطير بصاحبها إلى
الجنة. قال المتنبي: إذا غامرت في شرف
مروم فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر
عظيم يرى الجبناء أن العجز أمن وتلك خديعة
الطبع اللئيم يقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز
رضي الله عنه: ( إن لي نفساً تواقة ...
وإنها لم تعط من الدنيا شيئاً إلا تاقت
إلى ما هو أفضل منه ... فلما أعطيت ما لا
أفضل منه في الدنيا – يعني الخلافة -
تاقت نفسي إلى ما هو أفضل من الدنيا
كلها ... الجنة). قال شوقي: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ
الدنيا غلاباً وما استعصى على قوم منالٌ إذ الإقدام كان
لهم ركاباً وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقف
أمام العرب كلهم، وأصر على قتال
المرتدين، حتى أن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه تعجب من موقف أبي بكر، وطلب
منه أن يتريث، فقال أبو بكر: "والله
لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة"
... فقالوا له: ومع من تقاتلهم؟ .. فقال:
" وحدي حتى تنفرد سالفتي". ولما فرّ عبد الرحمن الداخل – صقر قريش –
من العباسيين ... عرض عليه أهل المغرب أن
يقيم عندهم ويحمونه ... فقال: "إن لي
همة هي أعلى من ذلك" ... وتوجه تلقاء
الأندلس ... ثم أهديت إليه جارية جميلة،
فنظر إليها، وقال: " إن هذه من القلب
والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها
بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت
بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي
بها الآن" ... وردها على صاحبها. وهذا نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله
صنع منبر المسجد الأقصى، وذلك قبل
تحرير القدس بعشرين عاماً، حيث كان له
مطلب سام، وهمة عالية تمثلت في تحرير
المسجد الأقصى من قبضة النصارى، برغم
أن الأمة الإسلامية كانت مفككة آنذاك
والخلافات شديدة بين قيادات المسلمين
.. هيأ القوة اللازمة للتحرير.. وبنى
مصانع للسلاح .. ووحد أقطار المسلمين من
شمال أفريقيا إلى مصر واليمن وبلاد
الشام وشمال العراق .. وجعل الناس
يعيشون مرحلة التحرير وكأنها أمامهم ..
وما بناء المنبر إلا نوعاً من هذه
التهيئة .... وعندما توفي نور الدين جاء
تلميذه من بعده صلاح الدين الأيوبي
فأتم التحرير.. ووضع منبر نور الدين في
مكانه في المسجد الأقصى. وأحمد ياسين الشيخ المقعد، استطاع أن
يوقظ الأمة، وان يحيي فيها معان كثيرة
وعظيمة .. بدأ حياته معلماً يركز على
تربية الطفل المسلم كنموذج رائع
ومدرسة عظيمة تتعلم فيها الأجيال ... لم
تمنعه الإعاقة من أن يكون متفوقاً
متميزاً وقائداً فذاً .. أمله في الحياة
أن يرضى الله عنه.. كان يقول: "يخوفوننا
الموت .. نحن طلاب شهادة .. ونحن ننتظرها".
أقول ... وحين تريد هدم أمة من الأمم، فإن
الأمر يبدو سهلاً ميسراً ... ضع في مواقع
التأثير فيها، ومواطن القوة ومكامن
المنعة، كل ذي همة متدنية، وطموح هزيل،
من تمتلئ نفوسهم باليأس والقنوط،
ويسهل استسلامهم لعوامل الهزيمة
النفسية .. إنك إن فعلت .. أصبت أمتهم في
مقتل .. وقل أن تنجو أمة يفعل بها أعدؤها
مثل ذلك ... عندما استلم شارل ديغول رئاسة الجمهورية
الخامسة في فرنسا كانت الشبهات تحوم
حول أحد كبار الموظفين في قصر الرئاسة
بأنه يعمل لمصلحة دولة كبرى معادية ...
وقد عجزت كل الأجهزة المختصة عن الوصول
إلى دليل مادي واحد يدينه. وفى النهاية رفع الأمر إلى الرئيس ديغول
... فقام باستدعاء الموظف المشتبه به
إلى مكتبه ... واستثمر ديغول عنصر
المفاجأة وهيبة الرئاسة .. ففاجأه
بسؤاله: منذ متى وأنت تعمل لصالح
الدولة كذا؟ .. فأجابه الموظف لفوره:
منذ سنوات يا سيدي الرئيس ... ثم دار
بينهما حوار سريع: - الرئيس: كيف تتلقى التعليمات؟ - الجاسوس: لا أتلقى أي تعليمات. - الرئيس: كيف ترسل تقاريرك؟ - الجاسوس: لا أرسل أية تقارير. - الرئيس (مندهشاً): كيف يتصلون بك إذن؟!! - الجاسوس: لا يوجد أي اتصال. - الرئيس (مندهشاً): كيف تعمل إذن لصالح
الدولة المعادية؟ - الجاسوس: إن مهمتي تنحصر من خلال موقعي
بأن أختار دائما أقل الموجودين
طموحاً، وأدناهم همَّةً، وأسوأهم من
حيث الكفاءة والاختصاص لعضوية اللجان
الحساسة والمهمة .. لتصبح توصيات هذه
اللجان تفتقد الطموح والهمَّة العالية.
من أجل هذا كله ... لابد أن نبحث في أبنائنا
والشباب من حولنا عن أصحاب الطموح
الكبير، والهمم العالية، ونعتني بهم
أيما عناية .. ففي مثل هؤلاء يكمن الأمل
في مستقبل الأمة، ويسطع اليقين في
عزتها وكرامتها ... وبغيرهم .. لا أمل ..
ولا عزة .. ولا كرامة. ويمكننا التعرف في أبنائنا ومن حولنا من
الشباب على أصناف ثلاثة من حيث الطموح
.. والأهداف .. والهمة للعمل: 1. شباب بائس يائس: طموحه متواضع ، وأهدافه
هابطة ... سواء كانت له همة تحمله لتحقيق
أهدافه الدنيئة التي هي صوت شهواته أم
لم تكن له همة. 2. شباب حالم : يحلم بأهداف كبيرة ، وطموحات
عظيمة ... ولا يعمل لأحلامه ... فلا همة له
تحمله على العمل ... بل يكتفي بالأحلام
ويعيش فيها. 3. شباب طموح: يحلم بأهداف كبيرة ، ويخطط
لأحلامه وأهدافه ... وينفذ وينتج ..
ويعمل بجهد ومثابرة ... إنه يتمتع بهمة
عالية تحمله إلى المعالي. والآن يأتي السؤال: كيف نرتفع بهمة الشباب
والأبناء وننمي طموحهم؟ ... ولا يمكنني
أن أدعي أنها مهمة سهلة .. أبداً .. على
العكس .. هي واحدة من أكثر المهام
التربوية صعوبة وتعقيداً ... غير أني
أبشرك رغم ذلك أنها ليست مستحيلة .. فقط
.. اتبع هذه الخطوات لتصل لما تريد بإذن
الله ... 1. الاستعانة بالله .. ودوام الدعاء: فعلى
الرغم من أهمية الوسائل التربوية
وفاعليتها، إلا أن الأمر كله موكول لله
تعالى، بيده القلوب يقلبها كيف شاء ...
فلا تنس – في زحمة التربية –
الاستعانة بالله دائماً ... والتوجه
إليه بالدعاء ليعينك ويسددك. 2. الصحبة الصالحة: فلا يمكن تنمية أي من
الجوانب الإيجابية دون أن تهيئ صحبة
صالحة، تذكره إذا نسي، وتشجعه إذا
أقدم، وتعينه إذا همَّ ... والصحبة ليست
ضرباً من ضروب الحظ، تأتي كيفما اتفق ...
بل لابد للمربي أن يعمل على ذلك ... من
خلال الوسائل التالية: * اغرسه منذ الصغر في مجتمع نافع صالح ..
استغل مجتمع شباب المسجد. * شجعه على مصادقة الصالحين منذ نعومة
أظفاره. * انتبه لأصدقائه ... راقب الأمر دائماً ..
وتدخل عند الحاجة. * انصحه بشكل دوري ... علمه فن اختيار
الأصدقاء. * تعرف على أصحابه عن قرب .. اسأل عنهم .. ولا
تغفل. * شاركهم بعض أنشطتهم .. دون فضولية أو تطفل.
* شجعهم على التخطيط المشترك ... خاصة في
الدراسة وأيام الأجازات. 3. علمه مجاهدة النفس .. ومحاسبتها: لا
تكتسب الهمة العالية إلا بمجاهدة
النفس ومخالفتها ... علمه أهمية استشعار
الأجر والثواب في كل عمل ... وجهه إلى
محادثة النفس دائما بأهمية الطموح
وعلو الهمة ... دربه على مراجعة برامجه
اليومية ومحاسبة نفسه عليها ... بث في
نفسه روح الطموح وتحدي المهام الصعبة
وإنجازها ... اجعل محاسبته لنفسه
ايجابية تدفعه لتطويرها. 4. عَوِّده الابتعاد عن سفاسف الأمور:
أصحاب الطموحات الراقية والهمم
العالية لا ينغمسون في الأمور التافهة
فتشغلهم عن معاليها .. عن الحسين بن علي
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يحب
معالي الأمور وأشرافها .. ويكره
سفسافها" (صحيح الجامع الصغير). علمه الجدية وعدم الانشغال بتوافه الأمور
... دربه على الاستغناء عن الكماليات في
حياته ... علمه أن يشغل نفسه بمعالي
الأمور لتلهيه عن السفاسف ... فالحق إذا
استنفد ما لدى الإنسان من طاقة مختزنة
لم يجد الباطل بقية يستمد منها ... يقول
الإمام الشافعي في بعض حكمه: " إذا لم
تشغل نفسك بالحق ... شغلتك بالباطل ". 5. شاركه خططه: لا شيء أكثر فاعلية في رفع
الهمم من التخطيط الجيد الذي يدفع إلى
التنفيذ الدقيق ... فإن كنت مربي حاذق
اهتم بهذا الجانب من خلال: * اسأله دائما عن خططه المستقبلية. * حثه على وضع خطط لكل مرحلة من حياته. * لا تترك الأجازات الطويلة تمر دون أن
يكون لديه خطة لها. * تشارك معه في وضع خططه .. اصنع معه
أهدافاً مشتركة تنفذونها سوياً. * علمه فنون التخطيط ورسم الأهداف و فن
ترتيب الأولويات والعمل بناء عليها. * تأكد أن أهدافه طموحة ... يحقق من خلالها
إنجازاً. 6. أشركه في مشكلات الأسرة .. وخططها: لابد
أن يشعر الابن أنه جزء من كيان الأسرة ..
ولابد للابن الطموح أن يشعر بأهمية
رأيه وقيمته ... ولابد للابن صاحب الهمة
العالية أن يكون فرداً في فريق مواجهة
المشكلات التي تعترض الأسرة ... لذا ...
يعمل المربي الحاذق على ذلك كله من
خلال: * الحرص على "لقاء البيت" بشكل دوري ..
لتدارس أحوال الأسرة ومشكلاتها. * طرح المشكلات التي تعترض الأسرة وخطط
الأسرة المستقبلية على الأبناء –
لاسيما الكبار منهم – وطلب المشورة. * أخصص ابنك الطموح ذو الهمة العالية
بجلسات مشورة خاصة. * ادفعهم إلى تبني دور ما في مواجهة مشكلات
الأسرة. * ادمج بين خطط الأسرة وبعض أهداف الأبناء.
7. تدارس معه سير أصحاب الهمم: يتقمص
الأبناء والشباب عادة شخصية محببة
إليهم ... يقلدونها ويتخيلون أنفسهم
مثلها ... فالمربي الناجح إذاً يستغل
هذه الحقيقة ليدفعهم إلى تقمص شخصية
طموحة، ذات همة عالية ... وذلك من خلال: * تشجيعه على القراءة ... أو نقرأ سوياً في
كتب العظماء من التاريخ. * استغلال أوقات الطعام والنوم وغيرها
للحكاية في قصص عظماء الأمة. * دراسة السيرة وقصص الأنبياء وقصص
الصحابة والتابعين. * استغلال وتوفير الوسائل الفنية
والإعلامية (أفلام – مسلسلات –
مسرحيات ... الخ) التي تتحدث عن عظماء
الأمة. * شجعه على اختيار واحد من العظماء ليتقمص
شخصيته. 8. عزز لديه روح المنافسة: أصحاب الطموح
والهمم العالية ... يتمتعون بروح عالية
من المنافسة .... احرص على تعزيز هذه
الروح في نفوس أبنائك ومن حولك .. من
خلال: * تشجيعه على منافسة القمم ... في كل مجال
يتقنه. * إشراكه في المسابقات .. الصغرى ثم الكبرى.
* حثه على قبول التحديات .. مهما بدت صعبة. * تقديم المحفزات له عند المنافسة ..
والجوائز بعدها. * تعويده على منافسة نفسه ... لتطويرها ..
بأهداف طموحة. 9. علمه كيف يكتشف إمكانياته ... ويستغلها:
إذا كنا طموحين أصحاب همم عالية فلابد
لنا من استثمار أفضل ما لدينا من
إمكانيات ... فلدي الإنسان طاقات هائلة
لم يكتشفها بعد ولم يستغلها ... إن
المبدعين على مر التاريخ لم يستخدموا
سوى 10% من قدراتهم الذهنية!! ... علمه أن
يقوم بالخطوات التالية ليكتشف
إمكانياته ويحسن استغلالها: * وضع خطة لتحقيق الأحلام الشخصية (التخطيط
السليم قبل التنفيذ). * قبول التحديات .. رغم ما بها من مخاطر ..
فهي خطوة نحو النجاح. * الاستفادة من آراء وتجارب الآخرين. * تحديد الأهداف بدقة .. في ضوء الإمكانيات
والقدرات ... فذلك يساعدك على تنظيم
وهندسة عقلك بفاعلية. * كن رفيقا بنفسك .. لا تحط من قدرك ولا تغرق
في تأنيب نفسك . * أنت كما تظن بنفسك ... لذا حدث نفسك حديثا
تنشيطيا عدة مرات في اليوم ... وكن على
يقين أن الإنسان عادة يستطيع أن يفعل
أكثر مما يقوم به فعلا ، لأنه يميل
دائما أن يبذل مجهود أقل مما يتوفر
لديه لذا عليك بتحفيز وتشجيع وتنشيط
نفسك يوميا. 10. ساعده ليتغلب على التسويف والتأجيل:
فالتسويف هو العدو الأول للطموح ...
والقاتل الكبير للهمم العالية ... خذ
بيد ابنك خطوات كثيرة بعيداً عن
التأجيل ... وذلك من خلال النصائح
والخطوات التالية: * علمه أن يضع وقتاً للانتهاء من كل مهمة. * دربه أن يأخذ على نفسك عهداً أن لا يسوف
أبداً. * علمه كيف يشجع نفسه وأن يجعل لها حافزاً. * دربه أن يتعرف جيداً على مهامه جيداً
ليتشجع على إنجازها. * علمه أن يبدأ في العمل الآن .. وبالمهام
التي يؤجلها دائماً. * دربه أن لا ينتظر الإيحاء أو المزاج
المتلائم .. فهو لا يأتي إلا بالعمل. * علمه عدم التردد .. فيتعرف على وقت اتخاذ
القرار ولا ينتظر نتائج مثالية. سأل العالم ابنه النجيب: يا بني .. أي غاية
تطلب في حياتك؟ وأي رجل من عظماء
الرجال تحب أن تكون؟ ... فأجابه: أحب أن
أكون مثلك يا أبت. فقال العالم: ويحك يا بنيّ! ... لقد صغرت
نفسك، وسقطت همتك ... فلتبك على عقلك
البواكي ... لقد قدرت لنفسي يا بني في
مبدأ نشأتي أن أكون مثل علي بن أبي طالب
رضي الله عنه ... فما زلت أجد وأكد حتى
بلغت المنزلة التي تراها، وبيني وبين
علي رضي الله عنه ما تعلم من الشأو
البعيد والمدى المستطيل ... فهل يسرك
وقد طلبت منزلتي أن يكون ما بينك وبيني
من المدى مثل ما بيني وبين على رضي الله
عنه. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |