ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
"فاجأناكم مو؟" ..
سوريّة هذه المرة! المستقبل - السبت 2 تموز 2011 العدد 4043 - رأي و فكر - صفحة 19 خيرالله خيرالله من بين الشعارات التي رُفعت في تظاهرة
الرابع عشر من آذار 2005، وهي اكبر
تظاهرة شهدها لبنان في تاريخه شعار "فاجأناكم
مو؟". وقتذاك، فاجأ اللبنانيون من كل
الطوائف والمذاهب والمناطق النظام
السوري وذلك ردا على التظاهرة التي
نظمها "حزب الله" وتوابعه في
الثامن من آذار تحت شعار "شكرا سوريا".
ليس معروفا بعد لماذا كان على لبنانيين
توجيه شكر من هذا النوع الى النظام
السوري بعد ثلاثة اسابيع على اغتيال
رفيق الحريري ورفاقه في بيروت؟ في كلّ
الاحوال لم يمض شهر وعشرة ايام على
تظاهرة الرابع عشر من آذار حتى كانت
القوات السورية تغادر الاراضي
اللبنانية بعدما امضت فيها نحو تسعة
وعشرين عاما بحجة ان لبنان في حاجة الى
قوات تفصل بين اللبنانيين وتوقف
الحروب في ما بينهم! لم يكن النظام في سوريا يتوقع ردّ فعل
اللبنانيين على اغتيال رفيق الحريري.
كان الاعتقاد السائد في دمشق ان
الجريمة ستمرّ مثلما مرّ غيرها من
الجرائم التي شهدها لبنان بدءا
باغتيال الزعيم الوطني كمال جنبلاط في
العام 1977 وصولا الى اغتيال الرئيس
رينيه معوض في العام 1989 مرورا بالتخلص
من مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد
والرئيس بشير الجميّل وعشرات آخرين
معروف جيدا من يقف وراء قتلهم... كان متوقعا ان يستفيد النظام السوري من
تجربة الخروج من لبنان وان ينصرف الى
معالجة المشاكل الداخلية الضخمة التي
تعاني منها سوريا نفسها. بكلام اوضح،
كان مفترضا بالمسؤولين عن هذا النظام
التفرغ لسوريا ومحاولة تفهم تطلعات
الشعب السوري والسعي الى تلبيتها قدر
الامكان بدل البقاء في أسر عقدة لبنان.
المؤسف ان شيئا من ذلك لم يحدث. على
العكس من ذلك، يتبين كلّ يوم ان النظام
السوري في واد والشعب في وادٍ آخر وانه
يتمادى بالاساءة الى نفسه والى لبنان
عبر صرف كل وقته على الاهتمام بشؤونه
وتشكيل الحكومة فيه. يحصل ذلك هذه
المرة عن طريق السلاح الذي ترفعه
ميليشيا "حزب الله" والموجّه الى
صدور اللبنانيين. حسنا، كان من الصعب على النظام السوري فهم
طبيعة لبنان والتحولات الداخلية التي
شهدها الوطن الصغير في السنوات
العشرين الماضية، خصوصا بعد استعادة
بيروت وحدتها وعودة الحياة اليها اثر
اعادة اعمار الوسط التجاري فيها. وكان
يصعب عليه فعلا استيعاب ان اللبنانيين
من كل الطوائف، المسلمون قبل
المسيحيين، الذين اخذوا مبادرة الدعوة
الى انسحاب القوات السورية، متمسكون
بثقافة الحياة. كل ذلك كان صعبا على
النظام السوري ولذلك كانت تظاهرة
الرابع عشر من آذار 2005 وما طالب به
اللبنانيون مفاجأة حقيقية له. رفض
اركان النظام تصديق المشهد وظلوا
متمسكين بفكرة "المؤامرة" يهربون
اليها لتبرير تصرفاتهم غير المنطقية...
الى ان حلّت السنة 2011 وهي سنة باتوا
فيها على موعد مع الحقيقة والواقع.
عاجلا ام آجلا، لا مفرّ من الاعتراف
بالحقيقة والواقع والتعاطي معهما
بطريقة مختلفة. على غرار ما حصل في العام 2005 في لبنان، جاء
دور الشعب السوري ليفاجئ النظام. يحصل
ذلك لسبب في غاية البساطة عائد الى ان
رجالات النظام ما زالوا حتى اللحظة
يرفضون التعلم من تجارب الماضي القريب
ويرفضون التعرف الى المطالب الشعبية،
حتى لا نقول انهم يرفضون التعرف الى
السوريين والاعتراف بانهم شعب ينتمي
الى ثقافة الحياة وانهم ليسوا بالغباء
الذي يعتقدونه. ان خمسين سنة تقريبا من
حكم البعث لم تلغ الشعب السوري ولم تلغ
طموحاته ولا تطلعاته ولا توقه الى
التخلص من الذلّ لا اكثر ولا اقلّ. نصف
قرن من القمع والكبت لم يمنعا السوريين
من القول انهم يرفضون نظام الحكم
الواحد الذي قضى على كلّ ما هو حضاري في
سوريا. قضى حتى على الزراعة وعلى
المدرسة والجامعة... "فاجأناكم مو؟". هذا الشعار يطلقه
الآن السوريون الذين اثبتوا بعد ثورة
مستمرة منذ ما يزيد على مئة يوم انهم لا
يصدقون الشعارات المضحكة- المبكية من
نوع "المقاومة" و "الممانعة".
من يرفع هذه الشعارات وينصحهم بها لا
يدري، وربما يدري جيدا، ان السوريين
يعرفون ان "المقاومة" لا وجود لها
ما دامت جبهة الجولان مغلقة منذ 1974 وان
"الممانعة" لا تتجاوز مسألة
المتاجرة بالشعب الفلسطيني وقضيته.
ليس مسموحا ان تكون تركيا التي لا
تمتلك نفطا ولا موارد طبيعية اقتصادا
ناجحا يؤهلها لان تكون في صفوف الدول
المتطورة فيما طموح اكثر من مليون ونصف
مليون سوري العمل في بلد فقير اسمه
لبنان؟ هل مسموح ان يكون دخل الفرد في
الاردن اعلى من دخل الفرد في سوريا...
هذا حتى لا نتحدث عن لبنان وعن تركيا؟ في حال يستحيل على النظام السوري ان يتعلم
من الاخطاء الضخمة التي ارتكبها في
لبنان، في مقدّمها الاصرار على
التعاطي مع اسوأ الناس، لماذا لا
يتواضع قليلا ويطرح على نفسه اسئلة من
نوع لماذا الثورة مستمرة في سوريا
ولماذا تتسع مساحتها اسبوعا بعد اسبوع
ولماذا تجاوزت المطالب الاصلاحات
لتصبح القضية المطروحة قضية تغيير
النظام؟ الم يحن وقت التوقف عن ادارة
الظهر للشعب السوري تفاديا لمزيد من
المفاجآت؟ ================ حين يصبح «القمع
والاختفاء القسري» منهجاً للحكم د. عيدة المطلق قناة السبيل 2/7/2011 التصقت جريمة "الاختفاء القسري"
بالأنظمة الديكتاتورية، وخصوصا
العسكرية منها، حيث تتسم هذه الأنظمة
بسمات مشتركة منها: • الاستفراد بالسلطة. • قوانين استثنائية وقوانين طوارئ. • تجاهل القوانين الوطنية وعدم الأخذ
بالمواثيق الدولية. • حلول الأجهزة الأمنية محل الأجهزة
القضائية في المحاسبة. • ممارسات طائفية/ إثنية/ مناطقية
تمييزية. • قمع منظم يشتمل على الاختطاف والاعتقال
والاختفاء والتعذيب والموت تحت
التعذيب. ولعل من أبرز الأنظمة التي سجلت معدلات
عالية في "الاختفاء القسري" نظامي
بينوشيه في تشيلي ونظام العسكر في
الأرجنتين، وفي العالم العربي سجلت
أنظمة المغرب والجزائر وليبيا وسوريا
المعدلات الأعلى!! ولعل من المفيد في هذا السياق الإشارة إلى
أن "الدستور السوري الدائم عام
1973" ينص في المادة 25 على أن: "الحرية
حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين
حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم
وأمنهم.. وأن سيادة القانون مبدأ أساسي
في المجتمع والدولة"... أما المادة (28)
فنصت على أنه "لا يجوز تحري أحد أو
توقيفه إلا وفقا للقانون... ولا يجوز
تعذيب أحد جسديا أو معنويا أو معاملته
معاملة مهينة ويحدد القانون عقاب من
يفعل ذلك... كما أن "حق التقاضي وسلوك
سبيل الطعن والدفاع أمام القضاء مصون
بالقانون". كما تجدر الإشارة إلى أن "الحكومة
السورية" صادقت على منظومة المواثيق
والإعلانات الدولية بخصوص حماية
الأشخاص من "الاختفاء القسري"..
وكلها تجمع على تعريف هذه الجريمة
بأنها "اعتداء على الكرامة
الانسانية.. وانتهاك جسيم لحقوق
الانسان وحرياته الاساسية المعلنة في
الاعلان العالمي للحقوق الانسان... كما
تؤكد عدم جواز "التذرع بأي ظرف
استثنائي أو خاص" لممارسة هذه
الجريمة، فضلاً عن شمولية المسئولية
الجنائية لكل من له علاقة آمرا أو
مأمورا، مشاركا أو عالما بالأمر.. فهي
جريمة مستمرة باستمرار الاختفاء
القسري؛ ومستثناة من مبدأ سقوط التهمة
بالتقادم القانوني عليها.. وبذلك فإن
"الجناة" لا يستفيدون من أي قانون
عفو عام أو خاص!! إلا أن واقع الحال السوري يتناقض تماماً
مع هذه النصوص.. فالسجل السوري يبدو
بأنه الأشد سواداً.. فاستناداً إلى
المرسوم التشريعي (رقم 51/ تاريخ 22/11/1962)
المسمى بقانون حالة الطوارئ.. اعتقلت
أجهزة الأمن -خلال ما تعارف عليها ب"سنوات
الخوف"- ما يزيد على مئة ألف سجين، (منهم
المئات من اللبنانيين والأردنيين
والفلسطينيين).. وقد صدرت "مراسيم
اشتراعية رئاسية" بإنشاء المحاكم
العسكرية الشكلية.. وتمت إحالة جميع
المعتقلين السياسيين عليها، حيث جرى
تصفيتهم بشكل إعدامات جماعية منظمة
خلال سنوات طويلة روى فظائعها الناجون
منها والذين قضوا في الغالب أكثر من
عشر سنوات.. علماً بأن وزير الدفاع رئيس
المحاكم العسكرية مصطفى طلاس قد وقع
على كل الإعدامات التي كانت تتم بموجب
محاكمات صورية بين الأعوام 1980-1989.. وقد
اعترف بذلك في مقابلة مع مجلة دير
شبيغل الألمانية عام 2005! "الاختفاء القسري" جريمة مركبة
لأنها تعصف بمجموعة متكاملة من الحقوق..
وتشكل في الحالة السورية كارثة وطنية
مزمنة؛ ضحاياها بالآلاف، وآثارها
المباشرة تمتد لتشمل ما يتجاوز مليون
مواطن سوري ممن جردوا من حقوقهم
السياسية، وأكثر حقوقهم المدنية،
فضلاً عن التدمير النفسي والاجتماعي
والاقتصادي، وما تعرض له ذوو
المفقودين من ابتزاز المخبرين
والمرتزقة..على مدى أكثر من أربعين
عاماً.. ما جعلها حالة مأساوية وطنية
يتداخل فيها الجانب الإنساني مع
الحقوقي والسياسي!! لقد وثقت عشرات "التقارير والدراسات"
(التي أعدتها منظمات حقوقية وطنية
ودولية) تعرض ذوي المختفين لصنوف قاسية
من المعاناة.. كما وثقت لكثير من حالات
التفكك الأسري، وحرمان الأطفال من
التعليم وانخراطهم في "عمالة
الأطفال".. بكل ما يستجره هذا النوع
من العمل من ويلات انسانية واجتماعية
على الطفل والأسرة والمجتمع!! وفي الاونة الأخيرة -ورغم الإعلان عن وقف
العمل بقانون الطوارئ- إلا أن الآلاف
من المواطنين السوريين، بما فيهم
المئات من الأطفال، تعرضوا وما زالوا
يتعرضون على يد الأجهزة الأمنية و"
الشبيحة" للخطف والاعتقال وللضغوط
النفسية والجسدية مع عدة أساليب من
التعذيب الوحشي الحاطة بالكرامة
الإنسانية، و"الاخفاء القسري"..
وقد وثقت "المنظمات السورية لحقوق
الإنسان"، بأن عدد الاعتقالات
التعسفية التي يتم تنفيذها يومياً،
منذ انتشار القوات المسلحة والأمن في
عدد من المدن، يصل إلى 500 عملية.. ما
يجعل الحصيلة عدة آلاف من الأشخاص
المعتقلين... الأمر الذي تسبب في شيوع
حالة من الذعر دفعت بالآلاف من
السوريين إلى الهرب من جحيم انتقام
خبروه طويلاً طيلة "سنوات الخوف"!! إن ما يجري على الساحة السورية من "ممارسات
منهجية " للاختفاء القسري وغيره من
فظائع غريبة وغير معتادة في أي نظام
حكم، يؤكد ما قاله رئيس وزراء تركيا
"رجب أردوغان" بأن من يقوم بأعمال
العنف في سوريا هم "قوات خاصة"
تعودوا خلال السنوات الماضية على نمط
معين بالتعامل مع السوريين!! فما يشهده العالم -بالصوت والصورة- من
ممارسات السحق والتخويف وإرهاب
المواطنين، وقتل الأطفال والناشطين
السياسيين ومحركي الشارع والتمثيل
البشع في جثثهم بطريقة همجية مرعبة،
يفتح بقوة ملف الإبادات الجماعية
ومجازر السجون والمدن في "سنوات
الخوف" حين قررت "السلطة السورية"
ممارسة الحكم خارج دولة القانون
والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان..
بل يكفي لإدانة النظام السوري بارتكاب
"جرائم ضد الإنسانية".. كما يؤكد
بأن هذا النظام غير قابل للإصلاح، بل
يصر –هو وشقيقه الليبي- على أن يظلا
"الأكثر شمولية وطغيانا في هذا
العصر"!!.. ================ حسّان القالش* الحياة 1/7/2011 حين نرى، اليوم، وبعد مؤتمر المعارضة
الذي عُقد أخيراً في أحد الفنادق
الدمشقية، هذا الاختلاف في وجهات
النظر بين أفراد المعارضة، نكون أمام
ردّي فعل نفسيّين يفسّران هذا
الاختلاف. فإمّا أننا نرى فيه انقساماً
وفرقة وتشظّياً، وهي الحالة النفسية
الأسرع مباشرة ولحظيّة. أو أننا، إذ
نتمهّل، نرى فيه تعبيراً عن فاعليّة
المجتمعات السوريّة، بتنوعها وكثرة
مصادرها الثقافية. ذلك أنه سبق للكيان
السوري الحديث، إبّان الاستقلال، أن
شهد مثل هذا الاختلاف، الأمر الذي فرز
حياة سياسيّة نابضة ومتحرّكة، كانت
تأثيراتها تظهر في الشارع، وتمارس
دورها في بناء الهويّة الوطنيّة
السورية قيد التشكيل في ذلك الوقت،
لولا أن فتحت الأفكار الأيديولوجيّة
الكبرى الباب واسعاً أمام حكم عسكري
بامتياز. والقول بأن المعارضة الحالية في سورية،
الفاعلة والناشطة، تتشكل في جُلّها من
أفراد، يعبّر عن شكل أكثر اتساعاً
وانتشاراً لفكرة المعارضة والآراء
الحرّة، مما يوحي به مصطلح المعارضة في
الفهم العربي المعاصر، المتأثر
بالدعايات الرسمية وفقر المناخ
السياسي. ذاك أن الإقرار بأن المعارضين السوريين،
هم في معظمهم أفراد، مستقلون ومتنوّعو
الأفكار ويمتلكون قدراً هائلاً من
المبادرات والطاقات، يجعل الشعب
السوري، لا سيما الشباب المتعلم، أقرب
إلى المعارضة بدوره، إلى الفكر
المعارض الحديث، المتحرّر من أية
التزامات عقائديّة أو حزبيّة. وهذا ما نراه اليوم حقيقة في الانتفاضة
الشبابيّة السلمية في سورية. هؤلاء
الأفراد قادرون بمرور الوقت على أن
يشكلوا أحزاباً بالمعنى الحديث لفكرة
الحزب، ابتعاداً عن الأيديولوجيّات
الخلاصيّة وتفسيرات الكون ومحاربة
المختلف والتّعالي الحُلُمي على
الكيان السياسي الحالي وإهماله،
واقتراباً من أفكار العمل السياسي
اليومي والمواكب لإعادة تشكيل البلاد
وبناء دولة – أمّة حديثة ومتحضّرة. من هنا، يمكننا أن نفهم قضيّة الاختلاف
بين المعارضين، وعدم النظر إليها على
أنها انقسام ومخاصمة. وهذا أمر جيّد
وحيويّ في ما لو تسنّى للأفراد
المعارضين، في هذا الوقت العصيب
والضاغط، استيعابه، ومن ثم الاتفاق
على الإفادة منه واستثماره وقطع
الطريق على أي كان لجعله منفذاً لتفريق
الصفوف وبث العداوات، وهو ما ظهر خلال
تجربة العمل المعارض العلني الأول في
تاريخ حكم البعث، في لقاء سميراميس. والحال، أننا مسؤولون عن التعبير عن
ترحيبنا بهذا التنوع والاختلاف
البنيوي لأفراد المعارضة، ومطالبون
بواجب أخلاقي ووطنيّ بحماية هذه الروح
المعارضة الحرّة. من دون أن ننسى
التذكير بحساسيّة الموقف والأزمة
الوطنيّة الحادة والمتفجّرة. ذاك أن
التزاماً مبدئيّاً جامعاً بين أفراد
المعارضة على الخطوط العريضة الواضحة
لشكل الهويّة الوطنيّة ومقوماتها،
وتحديد خصوم هذه الهويّة والأخطار
التي تعترض إعادة تأسيسها وتجذيرها،
يفتح الباب أمام الاختلاف الحرّ
والخلّاق. ================ تبديد سورية أم إنقاذها:
الاعتراف والغفران علي جازو * الحياة 2/7/2011 كان النظام مزيجاً من العنف والصبر، أبّد
الرئاسة في شخص، وقلّص «الجمهورية»
إلى ملكية عائلية صرفة. انتفاضة
السوريين، في وجه من وجوهها، استعادة
لهذه «الملكية» وتشديد على قيم
الشرعية المستمدة من الشعب ضد قداسة
القائد وشخصنة الدولة. فالنظام أباح
الفساد ورقّى «عماله وفلاحيه»، وضخم
عديد الجيش «العقائدي» وقوّى سلطة
الأمن رافعاً إياها فوق أية مساءلة،
وفرّغ البرلمان السوري من وظيفته،
وأغلق فم من تسوّل القربَ الوضيع في
قناع «جبهة وطنية تقدمية»، مطلقاً
اليد لحديد الأمن وناره عند إلحاح
الحاجة. هكذا تمت عسكرة الدولة. سُلخت السياسة عن
جسم التعاطي العام. تبخّر الشأن السوري
الداخلي في ضباب قضية العرب المركزية
حتى عثر عليه أخيراً في جزر القمر التي
ذكّرنا بها وليد المعلم في معرض تذكيره
ب «الاستعمار»، تلك الكلمة السحرية في
قاموس البعث الملغز. إغلاق سورية من
الداخل، ومساومة عليها مع الخارج. والنظام استثمر في التوتر وجمّد الخطر «ملهماً»
الشعب وعلاقته بأجهزة الدولة وصولاً
إلى مناخ وبائي من العسف واللاثقة
والعقم والفقر وتراجع الوعي والتفتت.
في «مملكة الصمت» كانت الثروة العامة
قيد النهب. من لم يرض بفردوس الحظيرة
أُسكت بالعنف الوحشي، ومن لم يفسد ولم
يجد في الخنوع وظيفة غدا خارج الدولة.
مهمة الجهاز البعثي البوليسي تأديب «الخارجين»
ولفظهم وتلقينهم الدروس التي تدمر
العقل. كانت هذه محنة السوري: فصل السياسة عن
المجتمع الذي وجدت السياسة لأجل ضمان
حقوقه وحفظ كرامته الإنسانية. هكذا
أعدم النظام الزمن الإنساني بأبدية لا
إنسانية، وضمن ولاء العبيد وصمت
المذعورين. لكن صمت الأحرار كان أقوى من خسة العبيد،
ومن تدنت حاله لم يفقد قوة ضميره ولا
هانت عليه كرامته. الخائفون الصامتون
والفقراء أنجبوا بناتاً وأولاداً
داسوا الخوف وحطموا الأصنام. لعقود
زادت عن أربعة، طُحن معظم السوريين بين
فكّي الفساد والفقر، بين القمع والصمت.
جراح السوريين ستواصل النزف. لقد حسموا
أمرهم. جمعة إثر أخرى، ينهضون من
رمادهم ويصرخون. من يفترض به الإصغاء
والاستجابة لا يرد، وإن فكر بالرد لم
يجد غير العنف، يرجئ الحل إلى لا حل، أو
أن النظام هو الحل. يصعب إبقاء الحال على ما هو عليه، وتستحيل
عودته إلى الوراء. وفي هذه الفترة
القلقة والمؤلمة، يتراجع الخوف أمام
الحرية، وتهترئ قوى القمع التي كانت
شبه متفرغة للنهب. غير أن لهذا التقويم
بعداً عاطفياً وأخلاقياً لا يغير
كثيراً من موازين القوة على الأرض.
مدنيون في وجه قتلة وخبراء قنص، أطفال
تحت أقدام متوحشين، محاصَرون أمام
دبابات. في ظل انغلاق داخلي، يُخشى من تحجره
وانكماشه تحت ضغط مزيد من العنف، تتوجه
أنظار السوريين إلى قوى إقليمية
ودولية. لاجئو تركيا مثال عسير. أمثلة
ليبيا واليمن محبطة. لا يتمنى أي سوري
أن ينحدر به الحال إلى المجهول والفوضى.
يساهم تحجر النظام وافتقاره إلى
عقلانية تفضيل التنازل على المجابهة
في تعقيد الأزمة. يضع النظام نفسه خلف
الشعب، الشعب هو المستهدف بالعقوبات
والتهديدات الدولية، وعندما يفترض به
التحدث إليه يعود إلى تعاليه ولغته
المتاهية: مخربون، مندسون... الخ. هذه
متاهة النظام وقفصه وفضيحته. ينكر النظام أنه السبب المباشر في إيصال
الأزمة إلى ما هي عليه. تعديل فوري
للدستور كاف لدفن شبح البعث. كسر شوكة
قوى الأمن ومن يديرها مالياً وعنفياً
في شكل مباشر، التوقف عن القتل
والاعتقال والتعذيب، وإطلاق سراح جميع
المعتقلين، محاكمة القتلة وتعويض
الضحايا. كل ذلك بيد الرئيس. هو القادر
والمسؤول عن التحول الديموقراطي أو
الانحدار إلى مستوى الكارثة. سورية
ليست فقيرة في كفاءاتها السياسية
وخبراتها القانونية. يمكن وضع خطة
متكاملة وموحدة توقف القتل وتحفظ
الأمن، وتخفف من الإنهاك الاقتصادي،
وترسخ المبادئ التي على أساسها يجرى
تسليم السلطة تدريجاً. إذا اعترف
الرئيس ب «أخطاء» إدارة الأزمة،
واعتذر عمن «أخطأ» على مرأى منه، يمكن
الشعب أن «يغفر». يمكن قسماً غير قليل
أن يسكّن الألم ويتنازل عن جزء من حق
الضحية في العقاب، أمام الفوضى
والمجهول واقتراب الوضع من حدود
الكارثة والسقوط الكلي، يفضل الرضا
بالأقل لضمان الحصول على الأكثر.
أكثرية العدالة كمبدأ تحميه الدولة،
والسلطة تداولاً سلمياً والسياسة تعدد
أحزاب واختلاف آراء، والحرية كبديهة
يبتكر السوريون معجزة في سبيلها. ================ طارق الحميد الشرق الاوسط 2-7-2011 ما الذي تقوله لنا جمعة «ارحل» في سوريا،
وبعد 4 أشهر من الانتفاضة؟ تقول بكل
بساطة إن النظام السوري لم يستوعب
الدرس لحد الآن، بينما الشارع.. نعم
الشارع، أكثر مرونة، وتفهما، وتطورا،
ويعرف ماذا يريد بكل وضوح. فخروج المظاهرات الحاشدة في كل سوريا،
وخروج نصف مليون في حماه، يعني أن
السوريين مصرون على التغيير، وغير
آبهين بالقمع الوحشي، أو الحيل
السياسية، والأهم من ذلك أن سقف مطالب
الشارع بات أعلى من الجميع، سواء
المعارضة التي اجتمعت الاثنين الماضي
في دمشق، أو الحلول السياسية المقترحة
من الخارج. الشارع السوري لم يكن يصعد،
بل كان يتدرج، وهذا ما حدث في مصر أيضا،
وكان النظام المصري وقتها متأخرا،
وكما قلت مرارا، بفارق ثلاثة أيام،
بينما نظام الأسد اليوم متأخر بفارق 40
عاما! ما يجب أن يحسب للمتظاهرين السوريين أنهم
يظهرون انضباطا غير مسبوق على الرغم من
كل ما يفعله النظام بهم، فلا عنف، ولا
طائفية، ولا تخريب، ولا اندلاع لأعمال
نهب وشغب، ومهما قيل عن وجود مسلحين
إسلاميين فإنها تظل رواية مشكوكا
فيها، ليس في سوريا وحدها، بل وحتى في
ليبيا. فما نعرفه، ومنذ اندلاع إرهاب «القاعدة»،
أن بصمتها الأساسية التي لا تحتاج
لمعلومة أو تحليل هي العمليات
الانتحارية، ف«القاعدة» لا تدشن
إرهابها إلا بتلك الطريقة، لأنها
السلاح الأرخص، والخوف بالطبع أن تظهر
الآن عملية انتحارية في سوريا ليقال:
حسنا.. هنا «القاعدة»! لكن قبل أن تتفنن
الأجهزة المسخرة للقتل والخداع
بافتعال شيء، فلا بد أن نذكر أيضا أن «القاعدة»
عادة تستهدف بعملياتها الأهداف
السهلة، أو الرخوة، مثل التجمعات،
المساجد، الفنادق، وحتى العزاء، وهذا
ما لم يحدث سواء في ليبيا أو في سوريا.
كما أن مجرد ظهور أو وجود «القاعدة» في
سوريا إدانة للنظام، لا المتظاهرين،
فكيف توجد «القاعدة» في دولة بوليسية
صرفة؟ وعليه، فإن أخطاء النظام السوري وتلكؤه
هي التي أوصلته إلى هذا المستوى من
الورطة، بل قل إلى هذا الطريق المسدود.
فالأمر الوحيد الذي يشتهر به النظام في
دمشق، وبامتياز، أنه نظام لا يتعلم من
أخطائه أبدا، ولا يتوقف عن نسج
الألاعيب. بينما المتظاهرون السوريون
عكس ذلك تماما، فهم فطنون ومنظمون،
وبات لديهم عمق واضح، وكم هو لافت ما
نقلته صحيفة ال«نيويورك تايمز» عن أحد
الناشطين السوريين في حماه، حيث يقول
الناشط لقد «تعلمنا من أخطائنا»،
مضيفا أن «إشعال ثورة جزئية هو حفر
لقبورنا بأيدينا». ولذا، فلا غرابة أن
يخرج نصف مليون سوري في حماه، فقد كسر
حاجز الخوف، وتعلم المتظاهرون أساليب
ترهق الأمن السوري، بينما نجد أن
النظام في دمشق لم يتعلم من أخطائه،
ولم يقر أبدا بأن الحل الوحيد لأزمته
هو الإصلاح، ومن خلال حزمة مشاريع تفوق
توقعات الناس، إلا أن هذا الأمر لم يعد
ممكنا اليوم، لأنه تأخر كثيرا، وبات
الأمر صعبا. ومن هنا نجد، ولأول مرة
طوال الأزمة، أن اليد العليا اليوم هي
للمواطن السوري، وليس النظام، وها هو
مسؤول في الإدارة الأميركية يقول لل«نيويورك
تايمز» إن «الوقت يقف في صف المعارضة (السورية)». ================ أسئلة الدولة والمواطنة
في سورية د. عبدالله تركماني 2011-07-01 القدس العربي في دولة، تماهت
معها السلطة والحزب 'قائد الدولة
والمجتمع' والزعيم 'الرئيس القائد'
وحوّلتها السلطة الأمنية من فضاء عام
لكل مواطنيها إلى فضاء خاص لأهل
الولاء، من المؤكد أنّ تكون أسئلة
الدولة والمواطنة من أهم إشكالياتها
المعاصرة، ولكن بعد أن استفحل التعاطي
الأمني مع الحراك الشعبي السلمي
السوري المطالب بالحرية والكرامة منذ
15 آذار/مارس الماضي فإنّ هذه الأسئلة
تبدو أكثر أهمية. إنّ آليات السيطرة التي تكونت منذ سنة 1963
شكلت الغطاء للفساد العام والركود
العام على مدى سنوات عديدة، كما أعاقت
إمكانية التعامل العقلاني مع الموارد
الاقتصادية والبشرية السورية، وعطّلت
انطلاق مبادرات المجتمع السوري الذي
يتميز بالحيوية. فقد اعتادت السلطة،
منذ عقود، مصادرة المجتمع وإخضاعه
كلياً، وأقامت في سبيل ذلك منظماتها
الشعبية كامتداد لسلطتها، بحيث لم يعد
من الممكن الحديث عن دولة ومجتمع
بالمعنى الحديث. ففي هذا 'المجتمع
الشعبوي'، حيث رأينا كيف أنّ منتسبي
الاتحاد الوطني لطلبة سورية يساعدون
قوات الأمن ضد زملائهم المعتصمين في
جامعتي حلب ودمشق، تم تعميم قيم الوشاة
والمخبرين، و 'صار الأدنى يشي بالأعلى،
والأقل كفاءة يشي بالأكفأ، والمختلس
يشي بالنزيه والمستقيم، والجاهل يشي
بالعالِم، والأقل علما يشي بالأعلم،
وغير المؤهل يشي بالمؤهل، وعديم
الضمير يشي بصاحب الضمير...'. ففي سورية هذه، حيث سلطة الدولة لا تستند
إلى شرعية دستورية، وغير خاضعة لأية
مؤسسات رقابية حقيقية، بل بوجود
مراتبية تلعب فيها الأجهزة الأمنية
الدور الأهم في الحياة السياسية
والاقتصادية والاجتماعية والثقافية،
تقرّب أهل الولاء وتنفّر أهل الكفاءة،
من الضروري أن نذكّر أنّ الدولة مفهوم
لا معنى له إلا إذا اقترن بمفهوم
المواطنة، أي أن تكون إطاراً سياسياً
ومؤسسياً لإدارة شؤون الناس جميعاً
على أساس مبدأ المساواة بين المواطنين
ومن خلال حكومات منتخبة. إنّ سورية أحوج ما تكون إلى الدولة
الديمقراطية القادرة والعادلة
والفاعلة، دولة الحق والقانون
والمؤسسات الدستورية والتنمية
الشاملة المستدامة، بعد أن أضحت دولة
متأخرة، تتسلط فيها جماعات طفيلية على
مصالح البلاد والعباد، وحزب ومنظمات
شعبية وأحزاب مشاركة مترهلة تبحث
قياداتها عن مصالحها الذاتية، وإدارة
اقتصادية غير حكيمة في إدارة الموارد
بشكل عقلاني لإنتاج عناصر تطوير
وتعظيم لها، وسجل حافل بانتهاكات حقوق
الإنسان. لقد كان غياب الديمقراطية عن الحياة
السياسية والاجتماعية السورية العثرة
الكبرى أمام بناء الدولة الحديثة،
والثغرة الأساسية في عدم تقدم البنى
الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
والسياسية. ولعل مسألة الديمقراطية هي
من أهم الدروس التي يمكن أن نستخلصها،
فقد أدى إضعاف دور المواطن وتقليص
المشاركة الحقيقية في العملية
الإنمائية إلى ضعف الإنجازات التنموية
الحقيقية، إذ أنّ التقدم الشامل لا
يمكن تحقيقه واستمراره في ظل غياب
التغيير السياسي، والاستناد إلى قاعدة
ديمقراطية أوسع وتمتع فعال بالحريات
السياسية والفكرية. لذلك فمن غير
الممكن تصور سورية لكل مواطنيها بمعزل
عن عودة الروح إلى المجتمع المدني،
وضمان مؤسساته المستقلة عن سلطة
الدولة، كي يسترد المجتمع حراكه
السياسي والثقافي، بما يخدم إعادة
بناء الدولة السورية الحديثة. إنّ
الدولة التي لا تستمد مشروعيتها من
مجتمهعا المدني، وليد مفاهيم السياسة
المدنية والعقد الاجتماعي، تكون هشة
وضعيفة مهما ادّعت القوة. ومن أجل صياغة إطار تعددي لابد من إدراك
مخاطر الصيغ الواحدية القسرية التي
عرفناها، حيث أنها كانت أداة قمع
وتهميش للتعددية الفكرية والسياسية،
مما جعل إدراكنا الجمعي مقتصراً على
الإدانة الخطابية للمخاطر الخارجية،
بدل البحث عن مصادر الخلل في بنانا
الداخلية. إنّ التاريخ السوري المعاصر قد رتّب على
قوى الثقافة والعمل مسؤولية وطنية
كبرى، تتناسب مع الدور الهام الذي
تلعبه في الحياة الفكرية والمادية
للشعب السوري، فلذلك فإنّ إعادة بناء
الدولة الحديثة العادلة سوف تقع على
عاتق هذه القوى بالدرجة الأولى، خاصة
شباب ثورة الحرية والكرامة، فهي التي
ستكون القاعدة الاجتماعية الأهم
للتغيير في سورية المستقبل. ولاشك أنّ
تحوّل هذه القوى إلى كتلة مؤثرة مرهون
بقدرتها على جذب أوسع القطاعات
الاجتماعية التي تطمح إلى التغيير. كما
أنه مرهون بقدرتها على تجديد الثقافة
السياسية السورية من خلال: اعتبار ساحة
الفعل السياسي مفتوحة على الدوام على
قوى ومجموعات سياسية ذات توجهات فكرية
ومشارب سياسية متباينة، وضرورة التزام
الخطاب العقلاني والواقعي في العمل
السياسي، واعتماد ثقافة الحوار بديلاً
عن ثقافة التخوين ومصادرة الاجتهادات
المختلفة للبحث عن أقوم المسالك
للوصول بسورية إلى دولة لكل مواطنيها. ومن مظاهر عودة الروح إلى المجتمع المدني
السوري يمكن أن نذكر ما كتبته إحدى
الناشطات من مدينة حماه المحررة من
أجهزة أمن السلطة ورموزها: هناك حركة
جديدة مهمة في طور التشكل، إنها من أجل
سورية حرة وديمقراطية فتابعوها 'أود أن
أقول لك إنني قضيت يوم الجمعة (24 حزيران/يونيو
الحالي) في حماه وشاركت في المظاهرات،
وكنت السافرة الوحيدة، وأخذت الميكرو
وهتفت ضد الطائفية وللحرية والدولة
المدنية وردد الآخرون هتافاتي، أي
أنهم لم يرفضوني ودعوني للقدوم في
اليوم التالي للتظاهر'. إنّ صياغة معادلة جديدة في الحياة
الداخلية تأخذ بعين الاعتبار تعاظم
التحديات، في ظل علاقة قائمة على
القناعة والثقة والتفاعل الحر، علاقة
مقننة في إطار عقد اجتماعي جديد يوفّر
الشفافية والمؤسسية والقانون، هي
وحدها الكفيلة بوضع سورية على أولى
درجات الانتقال من الاستبداد إلى
الديمقراطية، وإلا فإننا أمام حالة
إعادة إنتاج الماضي بكل مآسيه. في كل الأحوال، وطالما أنّ كرامة وحرية
الإنسان هي التي تشكل أساس تطور أي
مجتمع، فإنّ الرقابة المُمَأسسة، التي
تمكّن من وضع الإنسان المناسب في
المكان المناسب، تشكل أحد أهم الشروط
لتحقيق الانتقال من الاستبداد إلى
الديمقراطية التعددية بأقل الخسائر،
واستئصال شأفة العنف من العلاقات
الاجتماعية والسياسية. إنّ الدولة الوطنية، بما هي دولة حق
وقانون، حقوق المواطنين فيها هي
واجبات الدولة، وبما هي دولة الكل
الاجتماعي، هي دولة كل مواطنيها بلا
استثناء ولا تمييز، يشارك فيها
الأفراد والفئات الاجتماعية مشاركة
فعلية من خلال المؤسسات. وفي المحصلة، يبدو أنّ لا حل دائماً في
سورية خارج تجاوز النظام الحالي
وإقامة دولة الحق والقانون التي تحمي
كرامة المواطنين بمواطنة كاملة. =========================== د. علي محمد فخرو القدس العربي 1/7/2011 أما وأن شباب الأمة العربية قد حقًّقوا
ثورة ناجحة في كلًّ من مصر وتونس،
وأنهم في طريقهم لتحقيقها في العديد من
الأقطار العربية الأخرى، فإنهم
يحتاجون أن يتعاملوا في الحال مع
أطروحات قيميَّة سياسية. هذا إن أرادوا
لثوراتهم أن لا تفقد ألقها الروحي
والأخلاقي في وحول الممارسات الخاطئة
التي قد تفرضها الظروف أو ضغوط
المناصرين أو استعجال قطف الثمار. أول أطروحة هي أن لا تكون مشاعر الكراهية،
التي وصفها الكاتب الايرلندي السَّاخر
برنارد شو بأنًها انتقام الجبان الذي
أهينت كرامته، هي منطلق ما يأتي بعد
الثورة. فالكراهية لمن أهانوا كرامة
هذه الأمة والكرامة الإنسانية للفرد
العربي قد تقود إلى قيم أخلاقية سلبيًة
أخرى سنأتي على ذكرها. وإذا كان
الإنسان يستطيع تبرير امتلاء قلوب
أبناء الشعب العربي بما يعرف بكراهية
العاجز، وذلك بسبب فداحة استبداد وظلم
وفساد الكثير من أنظمة الحكم العربية
عبر القرون، فان تلك المشاعر يجب أن
تستبدل بعد انتصار الثورات. وللعرب أسوة في نبل وتسامح مشاعر رسول
ونبٍّي الإسلام بعد فتح مكًة وهزيمة
رؤوس الظلم والفساد والعبوديًّة.
فانتصار مشاعر النبل والتسامح منعت
إنتقال مشاعر الكراهية عند المسلمين
إلى ممارسة القيمة السياسية المبتذلة
المتمثلة في الثًأر الأعمى. وإذن فمشاعر كراهية العاجز البالغة
السًوء، التي حملتها شعوب العرب تجاه
من أذلًوها وداسوا على حقوقها، يجب أن
لا تنتقل، بعد الانتصارات العربية
الشعبية المبهرة، إلى ممارسة الثًارات
العتيمة المبتذلة التي يمكن أن تشوه
روح ثوراتنا المنتصرة السلميًّة. ما
يدعونا للتنبيه لذلك أصوات بعض
الموتورين أو بعض المغرر بهم التي
تنادي بأن تكون مرحلة ما بعد الثورة
مرحلة ممارسة الثُّأر العارم. إن
التًّنديد بالثأر لا يعني إطلاقاً رفض
المساءلة والمجازات بموازين الحقٍّ
والقسط والميزان. إن المفكًر فرنسيس بيكون قد حذًّرنا من
زمن طويل بأن الذي يمارس الثأر يبقي
جراحه طازجة ومفتوحة والكاتب الإسباني
السًاخر ميجيل سيرفانتيس وصف الثأر
بأنه يعاقب ويشفي الغليل ولكنه لا يزيل
من الوجود الأخطاء والخطايا التي قادت
إليه ولذلك يجب أن تحلٍّ مكان ممارسة
الثأر ممارسة العدالة. وهنا يجب
التذكير بما نصح به منذ آلاف السنين
هيرودوتس اليوناني وهو أن النًّاس
الطٍّيبين يفضلون العدالة المتوازنة
على العدالة الممعنة في الشدًّة
والشًّطط. والواقع أن من ينادون بالثأر إنُما يدعون
الثوار العرب المنتصرين لممارسة العنف
السياسي الذي قال عنه الكاتب التركي
أورهان باموك بأن المجتمعات التي
تمارسه تموت الروح فيها رويداً
ورويداً. نقول ذلك بالرغم من معرفتنا
التامة بأن هناك مدرسة في الفكر
السياسي تؤكد بأن العنف حلٍّ مشاكل
وقضايا عبر التاريخ أكثر من أية وسيلة
أخرى، وبأن من أنكر هذه الحقيقة
التاريخية المرًة قد دفع ثمناً باهظاً
من حريته وحياته. لكننا نعرف أيضاً
بالمدرسة الفكرية السياسية الأخرى
التي مثًّلها قائد اللاعنف التاريخي
في الهند، المهاتما غاندي. ونعرف أيضاً
وأيضاً بأن الثورات العالمية التي
مارست العنف السياسي بعد انتصاراتها
قد انتهت إلى الإنحراف الأخلاقي
والقيمي وإلى إعطاء فرصة للمغامرين
الموتورين لاختطاف تلك الثورات. هذا الثالوث المترابط، الكراهية والثأر
والعنف السياسي، قد مارسته وما زالت
تمارسه بعض الأنظمة العربية ضدًّ هذه
الجماعة أو تلك لأسباب دينية أو مذهبية
أو قبلية أو عرقية أو مصلحيه. وسيكون من
المفجع لو أن الثورات العربية وقعت في
نفس مطبٍّ من سبقوها من المستبدٍّين أو
الظالمين والفاسدين. القضية القيمية الأخلاقية السياسية يجب
أن لا تغيب عن بال من صنعوا ويصنعون
ثورة العرب الكبرى الحالية المباركة،
شباب هذه الأمة وأملها. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |