ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
2011-07-03 جواد البشيتي العرب اليوم شاءت الأقدار أنْ تكون الثورات العربية
على غير هوى روسيا, وأنْ يكون لموسكو من
المصالح (الإستراتيجية) ما يجعلها في
خندق واحد مع أنظمة حكم عربية
دكتاتورية شمولية ضدَّ شعوبها. وزير خارجية روسيا لافروف حذَّر المعارضة
السورية (أو قواها المتطرفة في عدائها
لنظام حكم بشار) من مغبَّة عدم التجاوب
مع ما أبداه نظام الحكم السوري (بالأفعال
والأقوال) من رغبة "حقيقية" في "الإصلاح
(السياسي والديمقراطي..)", فخاطبها
قائلاً: لقد جنح بشار للحوار, وللإصلاح
عبر الحوار, فاجنحوا له, وإلاَّ ثَبُت
وتأكَّد أنَّ لكم مآرب أخرى, أي أنَّكم
لا تبتغون إصلاحاً وإنَّما إسقاطاً
لنظام الحكم (وهذا إنَّما هو الإثم
بعينه!). هذا هو الكلام الروسي الذي تستحسنه ولا
تمجه أسماع نظام الحكم السوري; وقد
يَنْسَخ ويَجُبُّ ما قبله, فدمشق ساءها
أنْ يقول مسؤول روسي (أصغر وأقل مكانةً
وشأناً) لوفدٍ من المعارضة السورية زار
موسكو إذ دعته إلى زيارتها إنَّ لروسيا
صديقا واحدا فحسب في سورية هو "الشعب
السوري", وإنْ امتنع عن إجابة سؤال
"من ذا الذي يمثِّل هذا الشعب?". ولو كان لروسيا أنْ تفهم معنى "الشعب"
في سورية, بمنأى عن, وضدَّ, تعريف بشار
الأسد له, لقالت إنَّ هذا "الشعب"
هو ما رآه العالم بأسره معاينةً في
مدينة حماة التي خرجت عن بكرة أبيها
لتنادي بإسقاط نظام الحكم البعثي
الأسدي; فإنَّ أهل حماة أدرى بشعاب
سورية; ولقد عرف نظام الحكم السوري كيف
يجعلهم يؤمنون إيماناً لا يتزعزع
بأنَّ "ارْحَلْ" هي وحدها الإصلاح
الحقيقي, غايةً وطريقاً. "الحوار", أي دعوة نظام الحكم
المعارضة, أو المعارضة "الأصيلة",
بحسب تصنيفه لقوى المعارضة, إلى "الحوار",
أو إلى "الإصلاح" من طريق "الحوار",
وعلى ما يفهمه كل من له مصلحة في فهم
الأمور بما يوافق المصالح الحقيقية
للشعب, إنَّما هو "جزء" من "الخطَّة"
التي وضعها نظام الحكم السوري في صراعه
من أجل البقاء; وهذه "الخطَّة"
تتألَّف من ثلاثة أجزاء. نظام الحكم السوري كان يخشى خشيةً
حقيقيةً أنْ يمتدَّ "الربيع الشبابي
الشعبي الثوري الديمقراطي العربي"
إلى سورية; فسعى بما يملك من وسائل وقوى
لتزييف الحقائق, وفي مقدَّمها الإعلام,
إلى إظهار نفسه على أنَّه "الاستثناء"
لا "القاعدة" لجهة العواقب
النهائية لهذا "الربيع"; فهو
سيبقى; لأنَّه ليس من جنس الذاهبين
الذين لو كانوا من جنسه لَمَا ذهبوا,
ولبَقوا في الحكم خالدين فيه أبداً! إغراق الثورة, أو الحراك الشعبي, في بحرٍ
من الدماء, كان هو الجزء الأوَّل من
خطته; وقد ضمَّن هذا الجزء "إصلاحاً"
من نوع "سين" و"سوف"; فإذا
فشلت خطته, في جزئها الأوَّل, واضطَّر,
من ثمَّ, إلى أنْ يتنازل (تنازُلاً لا
يُفْقِده السلطة الفعلية) للشارع (الذي
صَمَد, وتأسَّد على الحكم الأسدي,
متخطِّياً نقطة اللاعودة) نجح, على ما
يتوهَّم, في إظهار تنازله هذا على
أنَّه أقرب إلى الوفاء بوعوده (في "الإصلاح")
منه إلى التنازل تحت ضغط الشارع. بعد "الإرهاب الخالص", أو ما يسمَّى
"الحل الأمني (الصرف)", وإذا ما
أخفق في إعادة الشعب, أو الشارع, إلى
"بيت الطاعة", يأتي "الجزء
الثاني" من الخطَّة نفسها, وهو "المزاوجة
بين العصا والجزرة", أي بين "الإرهاب
والحوار". وفي سياق هذا الجزء الذي بدأ ولم ينتهِ
بعد, جاءت موافقة نظام الحكم السوري
على عقد اجتماع لبعضٍ من قوى المعارضة
"الأصيلة" في دمشق, وعلى اتِّخاذ
هذا الاجتماع منطلقاً لحوارٍ بينه
وبين هذه المعارضة (وأشباهها). ويتوقَّع نظام حكم بشار, أو يعلِّل نفسه
بوهم, أنْ يأتي "الجزء الثاني" بما
يجعله الجزء الأخير, فتنتهي اللعبة
بنهاية هذا "الحوار"; وهذه "النهاية"
هي "حلٌّ إصلاحي", يتنازل فيه نظام
حكم بشار للشعب, عبر هذا المحاوِر من
المعارضة, بما ينهي الدافع إلى استمرار
الثورة, ويَحْفَظ له, في الوقت نفسه,
أسباب البقاء. في هذا "الحلُّ
الإصلاحي (الوهمي)" يُعْطي الشعب ما
"يحقُّ" له أخذه, ويأخُذ من الشعب
ما "يحقُّ" له الحصول عليه, ف¯ "يَنْعُم"
الشعب ب¯ "إصلاح" ليس بذي أهمية,
ولا يتناسب مع تضحياته, وتبقى له (أي
لبشار وعائلته وشركائه في الحكم)
مقاليد السلطة الفعلية الحقيقة. في الجزء الأوَّل, كانت الغاية, أي غاية
نظام الحكم السوري, هي البقاء من طريق
"الإرهاب الخالص", أو "الحل
الأمني الصرف"; وفي الجزء الثاني, أي
الحالي, أصبحت الغاية هي البقاء من
طريق المزاوجة بين "الحل الأمني"
و"الحل الحواريِّ", أي الحل من
طريق الحوار بين نظام الحكم وبعض قوى
المعارضة (الداخلية) التي لديها من
المخاوف والدوافع والمصالح ما يجعلها
قابلة للتجاوب مع "حلٍّ" يقوم على
"التصالح مع نظام الحكم إذا ما أصلح
نفسه بنفسه (أو من خلال التعاون مع بعض
خصومه)". أمَّا إذا انتهى "الجزء الثاني" إلى
ما انتهى إليه "الجزء الأوَّل";
وهذا ما سيحدث حتماً, فعندئذٍ لن يبقى
لدى نظام حكم بشار إلاَّ "الخيار"
الذي فيه من معاني "الاضطِّرار"
أكثر كثيراً ممَّا فيه من معاني "الخيار";
وهذا هو "الخيار الشمشوني", أي
خيار "عليَّ وعلى أعدائي". وفي هذا "الجزء الثالث (والأخير)",
يتفلَّت نظام حكم بشار من كل قيد وعقال,
ويخوض معركته الأخيرة, مضحيِّاً بكل
شيء, وبأيِّ شيء, في سبيل البقاء, ولو لم
يُبْقِ سعيه إلى البقاء على شيء من
سورية, الدولة, والوطن, والشعب; مقيماً
الدليل النهائي على أنَّ أي نظام حكم
عربي يريد البقاء في الحرب, وبالحرب, لا
يمكن أن يكون قابلاً للإصلاح, وعلى
أنَّ الطريق التي منها جاءوا إلى الحكم
هي عينها الطريق التي منها يغادرونه;
فهل لمُغْتَصِب السلطة اغتصاباً أنْ
يتخلَّى عنها ب¯ "الحوار" مع
ضحاياه, أو من خلال إبداء هؤلاء الرغبة
في مجادلته بالتي هي أحسن?! "الثورة" إنَّما هي "التغيير من
تحت"; و"الإصلاح" إنَّما هو "التغيير
من فوق"; وهذا "الإصلاح" لن يغدو
طريقاً إلى التغيير في سورية, أو إلى
تغيير يتَّسِع لمصالح ومطالب وحقوق
الشعب, إلاَّ إذا رأيْنا الرئيس بشار
يقود (بنفسه) ثورةً في داخل "قصره",
يَضْرِب بيدٍ من حديد أركان حكمه من
المعادين للشعب ومصالحه ومطالبه
وحقوقه, مادَّاً, في الوقت نفسه, يداً
ناعمةً إلى شعبه, محاوِراً إيِّاه,
ومتحالفاً معه, توصُّلاً إلى إعادة
السلطة إلى الشعب بصفة كونه صاحب
الحقِّ في امتلاكها كاملةً; لكن هذا
القول لن يصبح قولاً للسياسة في عالمها
الواقعي الحقيقي إلاَّ أثبت الرئيس
بشار أمرين في منتهى الأهمية, أوِّلهما
أنَّ له هو مصلحة فعلية (ورغبة من ثمَّ)
في هذا التغيير; وثانيهما أنَّه قادِرٌ
على تنحية كل عقبة في داخل نظام حكمه عن
هذه الطريق; فهل أقول "هلاَّ يفعلها"
أم "هلاَّ فعلها"? لن أقول إلاَّ الصحيح من القول, وهو "هلاَّ
فعلها".0 ============== نقد الثورات العربية
وتجاوزها... نحو بقاء الاستبداد الأحد, 03 يوليو 2011 حسام عيتاني الحياة منذ بداية الانتفاضة السورية، بدأت تظهر
في كتابات المؤيدين لنظام الحكم وفي
احاديثهم التلفزيونية، نبرة شك في
مقاصد الثورات العربية وفي ظروف
انطلاقها، بعد أيام قليلة فقط من اسباغ
الأشخاص ذاتهم صفات التقديس والتبجيل
على شباب الثورات والحاق شهدائها
بركاب شهداء المقاومة والممانعة
الامجاد. والحق ان النزعة التحريفية، إذا استخدمنا
مصطلحات من القاموس الايديولوجي، ظهرت
باكراً في سجالها مع الخط الثوري
العربي العريض. ويعتبر مؤيدو الثورات
انها، كلها ومن دون استثناء، ترمي الى
اجتثاث انظمة فاسدة تمثل اقليات
سياسية استبدت بالحكم من طريق العنف
والقهر وتعميم الفساد فترات مديدة في
الزمن وألحقت أضراراً بعضها غير قابل
للتعويض أو الترميم في النسيج
الاجتماعي وفي المستوى المعيشي
والتعليمي وعلى صعيد المكانة الدولية. ولا يقيم دعاة الرؤية هذه فرقاً بين
السياسات الداخلية والخارجية للأنظمة
المراد اسقاطها. فالأولى من الثانية
وهذه من تلك. وتفضي الاثنتان الى تأبيد
سلطات لا تعرف لتداول السلطة وللحوار
والاعتراف بالآخر معنى. ويجعل منطق
الثورات «الارتماء في أحضان الغرب
واسرائيل» الذي كان يؤاخذ عليه نظام
الرئيس المصري حسني مبارك، صنواً «للممانعة
والانضواء في معسكر المقاومة» الذي
يعلن انصار الرئيس السوري بشار الأسد
أنه درة التاج في سياساته كلها.
التساوي في النهجين الخارجيين، وفق
المنطق المذكور، ناجم عن تشارك «نظام
كامب ديفيد» و «نظام الممانعة» في
الصدور عن باعث واحد، سلطوي
واستبدادي، لا يرى في السياسة
الخارجية سوى أداة لتمديد حكم
المجموعة الممسكة بزمام السلطة
والثروة في البلدين، مصر وسورية، وليس
طريقاً لتحقيق المصالح الكبرى للدولة
الوطنية، على ما يفترض ان يكون الحال. أما نقاد الثورات العربية، من يسارها -
إذا جاز التعبير - فيقولون بوقوف قوى
الغرب وراء التحركات العربية الشعبية،
خصوصاً في سورية لتحطيم الصخرة
الواقفة في مجرى مشاريع تصفية الصراع
العربي - الاسرائيلي لمصلحة اسرائيل
ولفرض الهمينة الاميركية على الشرق
الأوسط للإمعان في نهب ثرواته، عبر
افتعال المشكلات للنظام الوطني في
دمشق ولحليفه الاسلامي في طهران.
والثورات العربية تحيي، في الرؤية
هذه، منطقاً يتمسك بحكمة «بقاء القديم
على قدمه» وأن «لا جديد تحت الشمس» سوى
تغييرات طفيفة في الوسائل التي يحركها
الغرب المعادي لفرض ارادته واسقاط
والغاء كل المعارضين له. وما الثورة
السورية سوى حلقة متقدمة من سلسلة
اجراءات باشرها الغرب في تونس ومصر
لازاحة نظامين بات فسادهما يعيقه عن
تسديد الطعنة النجلاء التي صمم،
أصلاً، على تسديدها الى ظهر النظام
الممانع الذي هزم الهجمة الاميركية في
العراق ولبنان وفلسطين، في العقد
الماضي وحده، أي النظام السوري. بيد ان في ما تخطه أقلام المنافحين عن
الحكم في دمشق ومقابلاتهم التلفزيونية
التي لا تنتهي، بذرة «ما بعدية» («بوست»
بحسب التعبير المشتق من اللاتينية).
فهؤلاء، ينعون الثورات العربية التي
كشفوا امرها وانحرافها عن تحقيق آمال
الجماهير في اسقاط معاهدة كامب ديفيد
في مصر والتصدي للتمدد الاسرائيلي صوب
تونس، ويعلنون أن المضمون الحقيقي
للثورات العربية تجسده إصلاحات الرئيس
بشار الأسد وأن اصرار من يحرك الشارع
السوري على رفض الاصلاحات والاستمرار
في تسيير التظاهرات وتنظيم الهجمات
المسلحة على قوات الامن السورية
واقامة الامارات السلفية هنا وهناك،
يمضي في طريق الانحراف عن الأهداف التي
كان يمكن للثورات العربية ان تحملها لو
كانت ظواهر شريفة وتقدمية على ما يقول
اهلها. والحال ان طروحات «ما بعد الثورات
العربية»، التي يفترض، على ما يدل
اسمها، ان تحمل نقداً وتجاوزاً لأفكار
الثورات، على غرار النقد والتجاوز
اللذين تحملهما كل النظريات «الما
بعدية» (ما بعد الحداثة، وما بعد
الاستعمار، وما بعد الاشتراكية ...الخ)،
تشير في العمق إلى عمق أزمة القائلين
بها وانتمائهم الى زمن يطوي صفحاته
الأخيرة. فاصلاحات الرئيس السوري التي
ما زالت حبراً على ورق او كلمات في
الهواء منذ خطاب القسم الذي القاه عند
تسنمه الرئاسة عام 2000، لا تفتح باب
تغيير جذري في داخل النظام او من خارجه.
ومن دون خوض في معنى الاصلاح وفق ما
تفهمه السلطات السورية، يجوز الجزم
بأن الاصلاح هذا مرفوض على مستوى شرائح
عريضة من السوريين. وسيراً على نهج معروف، ارتكس نقاد
الثورات العربية إلى ما قبلها، على ما
فعل بعض نقاد الحداثة الذين شرّعوا
الأبواب عريضة أمام بربريات متنوعة.
وحل الأزمات العربية المتكاثرة، في
رأي دعاة ما بعد الثورات هو في التمسك
بالأنظمة السابقة التي اثبتت وطنيتها
وعروبتها. لكن الأهم في العينة هذه من
التفكير، هو مداورتها المشكلات
الحقيقية وقرعها نواقيس أخطار كانت
تنكر منذ اشهر قليلة وجودها من أصل. فلا
حل لظاهرة الاقتصاد الطفيلي سوى في
تبرع أسوأ رموزه للأعمال الخيرية. ولا
معنى للمسألة الديموقراطية غير
اثارتها مخاوف الاقليات الطائفية
والعرقية والتلويح بتعرضها قاطبة
لابادات لم يسمع العالم بها منذ زمن
تيمور لنك. أما الأسس القانونية
والدستورية التي يتعين ان يقوم
الإصلاح عليها فيتعين الانتظار طويلاً
الى حين خروجها من مقابر اللجان. لقد فضّل كثر من السوريين «الثورة» وبقوا
عندها ولم «يرتقوا» مع محللي الصحف
والتلفزيونات الموالية للنظام السوري
الى «ما بعد ثورية» لا تفعل غير انتاج
النظام المتهاوي وقيمه وسلوكه الذي لم
يعد في حاجة الى من يقدم الشهادات في
عنفه وانكاره للحقائق السورية، أولاً،
ولحقائق المنطقة والعالم ثانياً. ============== تركيا وإيران والصراع
على سوريا د. رضوان السيد الاتحاد تاريخ النشر: الأحد 03 يوليو 2011 ما يزال علماء السياسة والمؤرخون للشرق
الأوسط الحديث يذكرون كتاب باتريك سيل
"الصراع على سوريا" (1972). والعام
المذكور هو عامُ صدور الكتاب، وقد كان
أُطروحةً أشرف عليها ألبرت حوراني
بسانت أنطوني بأوكسفورد، وكتبها
مؤلِّفُها عن سوريا في خمسينيات القرن
العشرين. وقد كانت سوريا في تلك الفترة
ساحةً لصراعٍ بين محورين عربيين:
المحور المصري السعودي، والمحور
الهاشمي (العراق والأردن)، ومن ورائهما
الطرفان الدوليان الرئيسيان في الحرب
الباردة: الولايات المتحدة وحلفاؤها،
والاتحاد السوفييتي. وعندما كتب "سيل"
أُطروحته المذكورة كان الصراع قد
حُسِمَ لصالح مصر عبد الناصر، وتفكَّك
المحورُ المصريُّ مع السعودية، واختفى
التحالُف الهاشمي، ثم ما عادت سوريا
ساحةً، بل دخلت في الحضن الدولي
السوفييتي، وصارت في عهد حافظ الأسد
دولةً مركزيةً في المنطقة وعلى مدى
عقودٍ أربعة. أما الساحات فتنقلت بين
لبنان والعراق. وها هي سوريا وبعد
تفاقُم الاضطراب في المنطقة العربية،
تعودُ ساحةً لصراعٍ بين أطرافٍ جديدة،
ويشاركُها في ذلك كلٌّ من العراق
ولبنان وربما دول عربية أُخرى على
مقربةٍ من سوريا أو في مبعدةٍ عنها. لقد
تكاثرت المستجدات بعد كتاب سيل إذن.
لكنّ الرجل كما راقب سوريا في تحولها
إلى ساحة صراع، عاد فراقبها وقد صارت
دولةً مركزيةً في المنطقة العربية
والشرق أَوسطية، فأصدر عام 1986 كتابه
الذي صار شهيراً مثل كتابه الأول،
بعنوان "الرئيس حافظ الأسد والصراع
على الشرق الأَوسط". لكنّ الشرق
الأوسط في ثمانينيات القرن الماضي، لم
تكن قد خرجت من الثنائيةُ الدولية
للهيمنة والانقسام (الولايات المتحدة
والاتحاد السوفييتي). لذلك بدا فيه ما
حقّقه الرئيس السوري، في التنافُس مع
عراق صدّام على الزعامة العربية، كما
بدا فيه صيرورة سوريا ضامناً
للاستقرار وشريكاً في صُنعه في لبنان
كما في الصراع العربي الإسرائيلي. وكان
لابُد من الانتظار حتى التسعينيات
لتبدأ الصورةُ الجديدةُ لتكوُّن منطقة
الشرق الأوسط ضمن العالم العربي
والعالَم الأَوسع. فقد سقط الاتحاد
السوفييتي، وازدادت الهيمنة
الأميركية رسوخاً وانتشاراً، واعترف
الأميركيون بشراكة الأسد في المنطقة.
وحدثت اندفاعةٌ ومتغيراتٌ أُخرى في
مطلع القرن الحادي والعشرين. إذ توفي
حافظ الأسد، وقرر الأميركيون بعد
هجمات 11 سبتمبر التدخل عسكرياً بشكلٍ
مباشر. وتجلَّى ذلك في أفغانستان
والعراق، كما تجلَّى في السحب
التدريجي من جانبهم للتكليفات من
سوريا في عهد الأسد الثاني وبالتوازي
مع تصاعُد التوتُّر بين الأميركيين
وإيران وحليفتها سوريا. كانت الوقائعُ
الجاريةُ تُعيدُ تظهير صورةٍ جديدةٍ
للمنطقة ترتكز على خمس دول: إيران،
تركيا، إسرائيل، مصر، والسعودية. أمّا
إيران فظهرت اهتماماتُها
الاستراتيجية في المنطقة ليس من خلال
نفوذها في سوريا ولبنان فقط؛ بل ومن
خلال فَرْض نفسها في مناطق التدخل
الأميركي في أفغانستان والعراق. ومنذ عام 2004 بدأت تركيا تُركِّزُ على
تغييراتٍ في اهتماماتها
الاستراتيجية، تتجاوزُ الملفَّ
الكرديَّ العالقَ بينها وبين العراق
وإيران. فقد عمل الأتراك على إقامة
علاقاتٍ مع النظام السوري، اعتبرها
الطرفان استراتيجية. وقد حفلت بمئات
الاتفاقيات على مدى خمس سنوات،
وبعشرات الزيارات المتبادلة بين كبار
المسؤولين من الجانبين، بل بلغت من
قوتها أنْ تدخلت تركيا في المفاوضات
بين سوريا وإسرائيل. وكما دخلت تركيا
على خريطة الحركة الإيرانية في سوريا،
دخلت أيضاً على خريطة إيران في العراق
وفي لبنان، وفي إقامة علاقات وثيقة مع
حركات الإسلام السياسي بالمشرق، ومنها
"حماس" بفلسطين، و"الإخوان
المسلمون" بالأردن ومصر. لقد بدا لأول وهلةٍ أنّ استراتيجية
أوغلو، وزير الخارجية التركي،
والمسمّاة "صفر مشاكل" لا تُزعجُ
أحداً، وعلى الخصوص لا تُزعجُ إيران.
بل إنّ الأتراك بدوا على تشاوُرٍ دائمٍ
مع الإيرانيين بشؤون العراق ولبنان
والتوتُّر بين طهران والمجتمع الدولي
على الملفّ النووي . فقد تدخلت تركيا
والبرازيل معاً للتوسط بين إيران
والمجتمع الدولي بشأن ذاك الملفّ. وما
أظهر الإيرانيون انزعاجاً بارزاً إلاّ
عندما حاولتْ تركيا التوصل إلى اتفاق
سلامٍ بين سوريا وإسرائيل عام 2008.
ويومَها أَنشب الإيرانيون النزاع من
جديد بين "حماس" وإسرائيل فحدثت
حرب غزّة، وانقطع التفاوُض الإسرائيلي
السوري بوساطةٍ تركية. ثم جرى نسيانُ
الموضوع أو تناسيه، وإن بقي الفتور
لحين حدوث الثورات العربية، والتي
رحَب بها الطرفان الإيراني والتركي
وإن اختلفت الأهداف، إلى أن امتدّ
الحراك الشعبي الثوري إلى سوريا
الأسد، الحليفة الاستراتيجية الباقية
لإيران ولربيبها "حزب الله"
بلبنان. فالأتراك مَضوا قُدُماً في
مطالبة النظام السوري بالتغيير؛ بينما
أصرَّ الإيرانيون على أنّ مطالب
التغيير بسوريا هي مؤامرةٌ على نظام
الممُانعة القائم، ولها أبعادٌ
أميركيةٌ وإسرائيلية. ومنذ شهرٍ ونصف
بدأت اللهجة الإعلاميةُ الإيرانية
والسورية تتغير إزاء تركيا. فقد تذكَّر
الطرفان أنّ تركيا عضوٌ في التحالُف
الأطلسي، كما تذكّر إعلاميو النظام
السوري بدمشق ولبنان أنَّ تركيا تدعم
الحركات الدينية بالداخل العربي ومنها
"الإخوان المسلمون" السوريون.
وترافق الإلحاح التركي على مطالب
الإصلاح بسوريا في الإعلام والتصريحات
وزيارات التواصُل والاستحثاث، مع
تدخُّل إيران أمنياً ولوجستياً
لمساعدة النظام في قمع حركة
الاحتجاجات. وبلغ التأزُّم إحدى ذُراه
في حالتين: الخلاف على التحركات
الإيرانية في العراق، والخلاف على
سلوك تركيا تُجاه لجوء آلاف السوريين
إلى تركيا بعد وقعة جسر الشغور. فمن
جهةٍ انعقد مؤتمرٌ للمعارضة السورية،
ومن جهةٍ ثانيةٍ أقام الأتراك مخيماتٍ
ضخمةً للاجئين السوريين، وأعلنوا أن
بينهم عشرات من الجنود والضباط الكبار
الذين رفضوا قمْع المتظاهرين من أبناء
شعبهم. وخلال الأيام الأخيرة جرى ما لم
يكن في الحسبان: فقد شجَّع الإيرانيون
الجيش السوري على التمدد مع الحدود
التركية، في مخالفةٍ للاتفاق بين
الطرفين منذ عام 1997. وقد أعلن السوريون
أنهم لا يقصدون إلى مخالفة الاتفاقيات
مع تركيا؛ بل إيقاف حركة اللجوء،
باعتبار أنّ هناك مطلوبين بين
اللاجئين من جانب السلطات! إنّ البارزَ الآن أنّ الإيرانيين
والسوريين يضغطون قمعاً واعتقالاً على
الحركة الاحتجاجية بالداخل السوري،
كما يضغطون على الداخل اللبناني من
خلال تشكيل حكومةٍ ذات لونٍ واحدٍ
لإزعاج أميركا وحلفائها كما قال
الجنرال عون. أما الأتراك فينسّقون
جهودهم للتغيير في سوريا مع الأطراف
الدولية من جهة، ومع مصر والسعودية من
جهةٍ ثانية. لقد عادت سوريا ساحةً للصراع بعد أنْ لم
تَعُدْ كذلك منذ السبعينيات القرن
الماضي. وكما ظهر الصراع بين تركيا
وإيران في سوريا؛ فالمنتظر أن تبدو
مظاهر منه في الأسابيع القادمة، في
ملفاتٍ أُخرى، وبلدانٍ أُخرى. ============== وحدة المعارضة السورية
شرط لديموقراطية سوريا المستقبل - الاحد 3 تموز 2011 العدد 4044 - نوافذ - صفحة 10 واشنطن ـ جهاد صالح تظل الثورة مستمرة والمظاهرات الشعبية
تتواصل وتتحول لحالة يومية تنافسية
تضامنية بين مكونات الوطن السوري،
بحيث لم يعد بالإمكان لثقافة القمع
السلطوية أن تسيطر على الإنتفاضة، أو
تكبح جماحها. هذه الحالة السورية
تحوّلت الى فلسفة ثورية أجتماعية
مدنية، تلبس ثوب العنفوان وتتحدي
الأسلوب المتّبع من السلطة، مجتمعيا
وإعلاميا وسلوكا. فالنظام بأدواته
القمعية من عسكر وأجهزة مخابرات
وشبّيحة، وإعلام مفبرك أمنيا، لتشويه
حقيقة الثورة على الأرض بأنها من
أصوليين وسلفيين، وجماعات مسلحة تتآمر
على ما يسمى بسوريا العروبة والممانعة
والمقاومة، وممارسة التخوين بحق كل من
يخرج ألى الشارع، أو يفكر بممارسة حقه
الطبيعي في التعبير عن الرأي
والاحتجاج على سلوكيات النظام من
القمة وحتى القاعدة. وبالنهاية فشلت
العقلية الأمنية القمعية أمام
المظاهرات السلمية ذات العقلية
المدنية التي ترفض العنف مبدأ وسلوكا. العقلية الأمنية تزداد تأججا لدى النظام
وقياداته، في اعتقاد منه أنها فترة
قصيرة نسبيا، ويمكن معالجتها بالقمع
والحل الأمني، وتخويف المواطنين
بالعصا والهرواة والبندقية. أمام هذه
الحالة المخيفة والخطيرة، والتي قد
تودي في نتائجها لضحايا أكثر، وعنف ذات
طابع همجي قد يتحول لحرب أهلية
ومذهبية، في ظل سلوكيات النظام،
ومحاولاته دفع المنتفضين للرد
بالسلاح، ووضع الرأي العام العالمي
بأن الثورة ليست ثورة مطالب ديمقراطية
وحريات، وأنما هي ثورة سنّية ضد
العلويين، تحت ثوب الطائفية، أو هي
فتنة ومؤامرة خارجية مشتركة مع تيارات
سلفية تهدد عروبة سوريا (حسب ما يروّجه
الاعلام السوري ذات الطابع الأمني). في ظل تشكيل لجان التنسيق المحلية التي
تشترك في رسم مسارات الثورة أو
الانتفاضة داخل سوريا، بقيت القوى
المعارضة مشتتة، وغير فاعلة في هذه
المرحلة الهامة من تاريخ سوريا، رغم
محاولات جماعات ناشطة معارضة في
المنافي بأوروبا وأمريكا أن تكون صوتا
للسوريين المنتفضين من درعا وحتى
القامشلي. لكن بقي الطابع الفردي
واللامتوازن يسيطر على الحراك السياسي
المعارض، فكان ما جرى في انطاليا
محاولة لشخصيات سورية معارضة أن تقدّم
دعما لوجستيا للثورة في الداخل،
بالمحصّلة لم تأت بشيء جديد، أو محوري،
وافتقدت برنامجاً ومشروعاً وطنياً
يزيد من زخم الثورة والحراك في الداخل،
أيضا مؤتمر بروكسيل للإخوان المسلمين،
واستبعادهما للحركة الوطنية الكردية
الفاعلة كرديا وسوريا. مازال الطابع السلوكي للمعارضة السورية
مخجلا، رغم أن جميع التيارات
والشخصيات الناشطة تحاول رسم مسارات
تسرّع من عملية تحويل سوريا
للديمقراطية، وتنهي الواقع السوري من
نظام العائلة والحكم الفردي، إلى واقع
مجتمعي مدني، يختار فيه السوري ما هو
مناسب له عبر صناديق الإقتراع في
المراحل القادمة. السبب الرئيسي في هذا
المشهد السوري المعارض هو افتقاد
المعارضة للمرونة السياسية
والبراغماتية في التفاهم والاتفاق على
تقاطعات مشتركة تكون أساساً لعمل وطني
داخل سوريا وخارجها، لتكوّن بالتالي
قوة ديمقراطية تملك برنامجاً وأجندة
وطنية، تضعه أمام النظام والمجتمع
الدولي، فإما أن يقبل به النظام
ويستسلم للربيع الثوري الشعبي، أو
تستكمل المعارضة مشروعها في الانتقال
بسوريا من التاريخ القمعي البوليسي
بحق الانسان، إلى نموذج ديمقراطي على
أساس من الشراكة الوطنية بين مكوّنات
سوريا، القومية والمذهبية والأثنية،
وتأسيس دولة القانون والمؤسسات
والدستور العادل والمراعي لحقوق
الانسان والحريات. الثورة السورية باتت حالة وطنية عامة،
نجد فيها العربي والكردي والمسيحي
والعلوي، كسرت كل أكاذيب النظام
ومحاولاته تقويض الثورة، واجهاضها
بشعارات الحوار والاصلاح، وترويجه
لثقافة الطائفية، كمبرر وذريعة للقمع
والقتل. وتطور المشهد السوري في
المطالبة بالتغيير واسقاط النظام،
لمأساة سورية انسانية، تمتلك لاجئين
هاربين لتركيا ولبنان من المجازر
وجرائم بحق الانسانية، ومسعى الدول
الكبرى والأمم المتحدة لإصدار قرار
دولي بمحاكمة الرئيس الأسد الوريث
وأتباعه عن جرائمهم بحق الشعب السوري
المسالم وثورته السلمية. لكن المجتمع
السوري بحاجة لتوافقات مدنية وسياسية
ووطنية بين التيارات السياسية
والثقافية داخل سوريا، وهذا من
مسؤولية الحركة الوطنية الكردية
واعلان دمشق والقوى الناشطة من منظمات
مدنية وحقوقية وشخصيات ثقافية وفكرية
في الداخل، يفضي الى مشروع وطني سوري
يحدد للنظام مطاليب الشعب السوري
ويضعه أمام خيارين، إما الانتقال
بالسلطة من الديكتاتورية الى
الديمقراطية، أو تسليم البلد للمعارضة
السورية ونشطاء ثورة الحرية لتقرير
مصيره، لما فيه سلام الشعب السوري
وسوريا، ويكون مخرجا لوقف حمّامات
الدم والمجازر الوحشية بحق المتظاهرين. الكرة الأن في ملعب القوى السورية
الديمقراطية وعليها التحرك سريعا
لإنقاذ سوريا من النظام وعنجهيته
العنفية الأنانية، وما يدعمهم هو
الغضب الدولي على نظام الأسد
وممارساته الوحشية بحق المواطنين
المنتفضين، ومساعي أوروبا وأميركا
لإخراج سوريا من حالة الحرب على
المواطنين المدنيين العزل المطالبين
بالديمقراطية لسوريا، وتأسيس دولة
مدنية تكفل الحريات للجميع وتكون
فاعلة لسلام وديمقراطية المنطقة، بدل
أن تكون محورا ومصدرا للشّر والفوضى
داخل سوريا ومحيطها. ============== لبنان الذي ينتظر محصّلة
ما يجري الآن في سوريا المستقبل - الاحد 3 تموز 2011 العدد 4044 - نوافذ - صفحة 9 دلال البزري تحكم لبنان الآن فئة هي التوأم الروحي
والجسدي لتلك التي تتمسك بحكم سوريا،
بالنار والحديد: فئة "ممانعة"
تمكّنت من تسخير سلاحها لتقبض على
السلطة فيه عبر "انقلاب دستوري"
بهلواني. أن تبتز اللبنانيين وهي رافعة
نفس هذا السلاح بـ"فتنة" تبثّها
كل مكوناتها. أن تستند، في "كفاحها"
من أجل الحكم والتحكّم على فكرة "المؤامرة
الامبريالية والصهيونية". ان تنفي
واقعها عبر اعلامها الموجّه ورجالاته
الافذاذ، أن تخلق محرّمات سياسية، ان
تفسد، ان تورّث... تماما مثل النظام
السوري البعثي الآيل الى السقوط. وحدة الصفات هذه بين قائدة الفئة التي
استلمت الحكم مؤخرا في لبنان، وبين
الفئة التي تبذل الغالي والنفيس من اجل
ان تبقى حاكمة في سوريا، ليست صدفة
تاريخية، انها بالأحرى نتيجة منطقية
لتاريخ من التلاقح السياسي بين الفئات
ومعها الطوائف والطبقات التي أمسكت
بتلابيب الحكم في البلدين الشقيقين
غير التوأمين. تلاقح غير ندّي، فيه طرف أقوى من طرف،
سوريا أقوى من لبنان... أيضا هنا، بفضل
تفوق عسكري أملاه حجم البلدين وظروف
نشأتهما، حداثة الأضعف، لبنان
وتاريخية الأقوى، سوريا. وربما أيضا
عقدة ذنب عريقة لدى الأضعف، لبنان، من
قدَم علاقته بالغرب... الحرب الأهلية اللبنانية حوّلت هذا الضعف
الى استلحاق، والسياسيون اللبنانيون،
أو كل من رغب بالحضور في معترك الحياة
العامة في لبنان كان عليه عبور القناة
السورية، حيث "الملف اللبناني"،
"الخطير والمهم"، والذي لا يستلمه
غير قادة السلطة السورية. لن تجد في سوريا اليوم جهة لبنانية تملي
على منتفضيها سياستهم، كما سوف تجد في
لبنان أبواقاً نافذة وحزباً حاكماً
بسلاحه، يدافعون عن قتلة المنتفضين...
كما لن تجد رئيساً سورياً فرضته بيروت
على دمشق، ولا لائحة انتخابية، ولا
عميداً للجامعة ومديراً لأحد اقسامها.
هذا خارج أي خيال سياسي لبناني وسوري. العلاقة واضحة بين سلطتي البلدين، وهي
قديمة الى حدّ انه حتى المعترضين عليها
يحتاجون الى جريمة مدوية كتلك التي
أودت بحياة رفيق الحريري لكي يشعلوا
ثورتهم عليها. ومع ذلك، فهل يمكن القول
ان هذه الثورة استطاعت ان تديم
انجازها؟ كلا بالطبع. بين نيسان 2005
واليوم حصلت ثورة مضادة، بفضل السلاح
الشبيه، واستعادت السلطة السورية
رجالاتها الخلص الى المواقع
التنفيذية، بسرعة قياسية... ليس اكثر من
ستة اعوام. الحديث من هذه الزاوية يطول... ولكن ما يهمنا ان لبنان هو في قبضة سلطة
تشبه السلطة السورية بكافة ملامحها،
حتى بحرياته الفردية، الآخذة في
الإنحسار، والتي طالما تشدّق بها
هؤلاء الابناء. بمعنى آخر، فان الهيكل
الاساسي لبنيانه مهدّد، وربما أكثر
مما هو مهدّد بنيان سوريا. ولكن مع فارق
غريب: انه، اي لبنان، الذي يعتدّ بنفسه
كبؤرة الديناميكية السياسية، كملاذ
للأحرار وكمنتج فذّ لثمرات حرية
التعبير والاعتقاد.... هو اليوم خامد،
خاضع، أخرس، أطرش... فيما سوريا تضجّ
بثورة حقيقية، بدأت تخطو بسرعة نحو
التنظيم والتأطير والتنسيق؛ وربما هي
الآن في طريقها الى ان تتحول الى أعظم
الثورات العربية، بما هي قادرة على
تقديمه من مواقف وافكار وشعارات
وممارات سياسية. أما المفارقات الناجمة عن هذا الاختلاف
فتكاد لا تُحصى: في مسألة الهويتين الوطنيتين: فيما لا
يكفّ المتظاهرون السوريون عن الترداد
بأنهم "واحد واحد واحد...! الشعب
السوري واحد!"، وانهم موحّدون
كطوائف ومذاهب على الرغم من تحريضات
السلطة السافرة، معتزون بسوريتهم،
رافعون هذه السورية الى مصاف العقيدة
الثورية.... يتمرّغ اللبنانيون
بطوائفهم ومذاهبهم، وبكيدياتهم، من
دون مواربة ايضا.... وذلك على الرغم من
عنصريتهم تجاه السوريين، وقد ملأت
الفضاء اللبناني تصورات ومواقف لا
تليق بشعب منقسم على نفسه كل هذا
الانقسام. هوية سورية متبلورة اذن،
مقابل هويات لبنانية نافرة ومتنافرة،
وفوق ذلك متعالية على الهوية الآخذة
بالتبلور. في مسألة "المقاومة": فيما الشعب
السوري يعيد اختراع معنى "المقاومة"،
بمعنى مقاومة ما هو ملموس ومندرج ضمن
العاديات من الايام؛ ويخترع مع "المقاومة"
معنى الشجاعة الحقّة، بما هي مواجهة
مسؤولية الكلمة، وتناغم الكلام مع
الأفعال.... يتقهقر اللبنانيون بمعانى
مقاومتهم، ويصلون بها الى حضيض اكتشاف
العمالة لاسرائيل او للاستخبارت
الاميركية، ثنائي "الامبريالية
والصهيونية" المفترض "مقاومته"....
ولكنهم أيضا يعيدون اختراع معنى "الشطارة"،
بصفتها طريقة لا تحتاج الى الاخلاق
لتنتصر على الواقع. فيما يتّجه المنتفضون السوريون في ثورتهم
الديموقراطية عراة الصدور واليدين،
ينبذون السلاح، ينكرون حملانه، يكذبون
ادعاءات السلطة حول اتيانهم به....
يحتفي اللبنانيون بهذا السلاح، منذ
انتفاضتهم الاولى، عام 1975 وحتى هذه
اللحظة التي يحتاجون فيها الى "حماية
سلاح المقاومة" بالسلاح، مروراً
باحتفالاتهم واعراسهم وافراحهم... المنتفضون السوريون يقومون بالتظاهرات،
وفي كل يوم جديد يزداد عددهم، ليكونوا
بذلك أصحاب المبادرة السياسية والدور
المركزي في ديناميكية بلادهم... وذلك
على الرغم من المنع والقتل بأشكاله
والفبْركات الاعلامية.... ترى
اللبنانيين، المستمتعين نظرياً
بالحرية، ينطلقون في تظاهرات اسقاط
نظامهم بأعداد تزايدت مرتين، ثم خبت،
لتأتي من بعدها آخر تظاهرتهم التي يقلّ
المشتركون فيها عن عدد المشاركين في
التظاهرة الاولى...! (بل روت الصحافة ان
عراكا قد حصل بين المشاركين في هذه
التظاهرة الاخيرة حول تأييد المنتفضين
السوريين.... فوقفت الغالبية ضد هذا
التأييد، ورفعت قيادة التظاهرة من صوت
الأغاني لكي لا تسمع شعارات هؤلاء
الخارجين عن سياقها الآمن). خلاصة الموضوع ان اللبنانيين ينتظرون،
وهم مكتّفو الايدي، ما ستسفر عنه "الاحداث
في سوريا" لكي "يرتّبوا"، على
ما يتصورون، أوضاعهم العامة، وربما
الخاصة ايضا. اللبنانيون ينتظرون....
هذا ما تفتقت عنه قريحتهم الفذة، أمام
انبثاق الشعب السوري في ساحة التاريخ
للمرة الاولى منذ اربعين سنة. وهم "يعملون
حسابهم" لليوم الذي سوف يلي هذا
الانبثاق؛ ولا يختلف بعضهم عن بعض في
توقع نتائج سلبية أو ايجابية منه. فاذا
انتصر النظام على هذه الديناميكية
الجديدة انتصر بعضهم، والعكس صحيح
أيضاً: أي انتصار الظاهرة الشعبية على
النظام، سيكون نعمة لبعضهم الآخر. والاثنان ينتظران، ويعتقدان بأن ثمرة
الانتصار أو الهزيمة سوف تهبط عليهم
بالصيغة التي يتصورون أو يرغبون.
الأكثر اشكالية من بين هؤلاء هم
المؤيدون للثورة: في المضمر من خطابهم
ان تحرير النظام السوري من قبضة القمع
والفساد سوف يعيد للبنان حرية قراره،
وبهذا يخرجون منتصرين... ناسخين بذلك
السلوك الاستتباعي نفسه. والأمر طبعا أكثر تعقيداً من هذا
الاعتقاد البسيط. صحيح ان أبرز أسماء هذه المعارضة هي من
الموقِّعة على إعلان "بيروت دمشق
دمشق بيروت" في آب من العام 2007، وهي
وثيقة ترسم التصحيح الجذري للعلاقات
بين البلدين "بما يلبّي المصالح
والتطلعات المشتركة للشعبين في
السيادة والحرية والكرامة والعدالة
والتقدم"... والى ما هنالك من كافة
العبارات التي ينشدها فريق 14 آذار
السياسي اللبناني، المؤيد للانتفاضة
الديموقراطية... ولكن، هل نتصور اننا يمكننا استعادة
استقلالنا بمجرد انتظار استقلال
الموقعين السوريين على البيان، لمجرد
التزامهم بكلمتهم عندما كانوا
معارضين؟ الأرجح لا، وإن كنا لا نشكك
ابدا في النوايا الصادقة لهؤلاء.
فالمسألة ليست عطاءات أو كلمات شرف
استنفدت دماراً وشهداء... لكي تشهد
تغيرا مطلوبا. المسألة ستكون أعقد من ذلك، سوف تطرح من
خلالها المصالح وشبكة العلاقات التي
سيبنيها الحكم الديموقراطي الجديد، لا
تدخل فيها رغبات الثوار الا بالقدر
الذي يحسبون فيه مصلحة بلادهم العليا.
وعندما سيجدون امامهم لبنانيين
اجتهدوا في معاني الصبر السلبي، لن
يكون وعد السيادة والاستقلال الا
كلاماً مؤجلاً، وفي أفضل احوال خطاباً
مغرياً غير قابل للحياة... فقط لأن
اصحاب المصلحة به لم يفعلوا شيئاً غير
الانتظار، اخترعوا، بشطارتهم الفذة،
معاني جديدة للانتظار... ============== مغالطات وتوضيح في
الشأنين السوري والعربي سالم الفلاحات الدستور 3-7-2011 دعونا نتفق ابتداء أن كل شيء في الأردن
وفي غيره محتاج للاصلاح الجدي
والجذري، وكما أن الأردن ليس استثناء
من الحالة العربية اليوم فالحركة
الاسلامية ليست استثناء من الحالة
الاردنية وهذا لا يضير الا صاحب هوى
ومصلحة فردية فاسدة أياً كان موقعه، أو
من كان ناقص الفهم عديم الادراك. نعم.. لدينا مراجعات منظورة وغير منظورة،
وجاهزة ناجزة أو هي على الطريق، ولدينا
استدراكات على ما اسلفنا لا نخجل منها
فلسنا معصومين ولا نؤمن بولاية الفقيه
أو كمال المسؤول، والعصمة لا تكون إلا
لنبي موحى إليه ومسدد بالوحي إن اخطأ،
فعبس (سورة في كتاب الله) تعاتب النبي
العربي عليه الصلاة والسلام لكنه لم
يتحسس منها أو ممن كان سبباً في نزولها
ذلك البصير ابن ام مكتوم « وما يدريك -يا
محمد- لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى
بل كان يقول له كلما لقيه اهلا بمن
عاتبني به خليلي. ليس منصفاً من يقابل الاحسان بالإساءة
والانسان عبد الاحسان، أحسن إلى الناس
تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الانسان
إحسان.موقف الاخوان المسلمين في
الأردن وسوريا -لو نظر اليه بتجرد- لكان
غاية في السمو والوطنية وتقدير
المسؤولية والقدرة على التقارب مع من
يقدم شبراً أو متراً أو كلمة فقد تناسى
الاخوان وبخاصة أهل سوريا المشردون
منها منذ ثلاثين عاماً أو تزيد الجريمة
بحقهم القانون (49) الذي يحكم عليهم
بالاعدام عند السماح لقوى المقاومة
الفلسطينية السياسية الاقامة في سوريا
وفي مقدمتها حركة حماس مع أن بعض
السوريين طلب أن يسمح بدفنه إن مات في
سوريا فلم يوافق له نسي هؤلاء ولم
يتحسسوا من اقامة حركة المقاومة
الفلسطينية ومنها حركة حماس ذات
الاصول الاخوانية الفكرية في بلد
يحرمون من دخوله هم. وكذلك الاخوان في الأردن وجبهة العمل
الاسلامي بشكل خاص، والتي حاولت مع
آخرين أن تقلب صفحة الخلاف الاسلامي
القومي بالرغم من الذكريات الآليمة
الدموية التي تعرضت لها في تاريخها
بأيد قومية. نحب سوريا ونحب المقاومة الفلسطينية ونحب
الاخوان المسلمين ولكن حبنا للأمة أشد
وأشمل وأبقى وأدوم، ونحن انطلاقا من
نبض الأمة ومن وحي القيم الراقية ومن
فقه المصالح العامة وليست الخاصة ونبض
الكتاب «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ
بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى
فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى
تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ
فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».
سورة الحجرات: 9. وإن كان الجهر برفع السيف عن رقاب الشعب
السوري وبقية الشعوب العربية من
الواجبات الوطنية والقومية والدينية
والحضارية فإن وقوفنا عِنْد مصلحتنا
الخاصة أو مصلحة اخواننا في حماس تصبح
رشوة لا نقبلها ولو قبلناها لشتمتنا كل
الكائنات، ونصرتنا لسوريا كلها بمنع
الظالم عن ظلمة هي السياسة التي صُحح
فيها المفهوم العربي الجاهل القديم
انصر اخاك ظالماً أو مظلوماً قيل كيف
تنصره ظالماً قال الرسول الصادق
المصدوق صلى الله عليه وسلم بمنعه عن
الظلم وذلك نصرك اياه. وللأمانة والانصاف وللتاريخ فلم نسمع
كلمة واحدة من حماس أو عن حماس أنها
تنتقد الموقف الاخواني الأردني
المسؤول من حيث مناصرة الشعب السوري
المظلوم المكلوم المهجر الهجرتين
الأولى والثانية ومناصرة الدولة ببيان
خطئها بل جريمتها بحق شعبها وبحق نفسها
وهذا ما تقتضيه المسؤولية الواعية
وليست المرتشية أو التي تدور حول
مصالحها الخاصة،لكن الانظمة اطغتها
امكاناتها الامنية وحرصها على استمرار
استعباد الشعوب ولم تستمع للناصحين بل
اتهمتهم ولاتزال حتى وصل الامر في
سوريا الى هذا الحد اليوم. إن السوريين جميعاً هم أهلنا واخواننا
ولا يصح خذلانهم وهم هذه المرة معظم
الشعب السوري وليسوا الاخوان المسلمون
فقط كما في بداية الثمانينيات في
الهجرة الأولى وللأمانة أيضاً فإننا
لم نسمع أن حركة حماس امتدحت أو وافقت
على قتل الناس أو وقفت مع النظام ضد
الشعب السوري مع أنها محرجة مطاردة
عربياً ودولياً لا لشيء إلا لأنها لم
تقبل المساومة على القضية الفلسطينية
ومع ان الارض تضيق بها وسيجعل الله لها
مخرجا بفضله وكرمه. ان تتطابق اهداف الشعوب مع أطماع الآخرين
من الدول الغربية وامريكا والعدو
الصهيوني فما ذنب المصلحين الغيورين
على شعوبهم واوطانهم والذين يبحثون عن
حريتهم وكرامتهم؟ ولم لا تستجيب
الأنظمة للإصلاح وتقطع الطريق على
التدخل الخارجي؟ وهل لا تكون الممانعة
وقوة الدول إلا بسلب حريات الناس
واراداتهم وظلمهم واستعبادهم؟، ومن
أين هذا التلازم وهل الشعب المستعبد
يمكن أن يقاوم عدواً أو يبني حضارة؟. أما استخدام القيم الراقية والمبادىء
السامية للإبقاء على الاستبداد والظلم
والفساد ومصادرة الحريات بحجة
الممانعة فتلك قضية قديمة الفرية
والكذب، أجاب عنها القرآن الكريم
بقوله «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ
الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ
قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ». البقرة. لقد فات القطار الانظمة العربية المصرة
حتى اليوم على منهج اما ان احكمكم
اذلاء صاغرين او اقتلكم وادمركم. وعليها ان تراجع نفسها قبل فوات الاوان
على من بقي لديه متسع من الوقت من
الحكام، ودوام الحال من المحال وهذه
سنة الحياة ولن ترحم احدا. ============== روسيا والصين: الصديق
الوحيد هو الدكتاتوريات العربية! الأحد, 03 يوليو 2011 خالد الحروب * الحياة التصريح النفاقي لرئيس لجنة الشؤون
الخارجية في الاتحاد الروسي، أنه لا
صديق لروسيا في سورية إلا الشعب، هو
رطانة بلاغية، ودبلوماسية التوائية
تحاول احتواء غضب الشعوب العربية
ومؤيدي الثورات العربية إزاء موقف
موسكو المؤيد للدكتاتورية في سورية،
كما كانه في ليبيا. ما يريده عشّاق
الحرية السوريون، الذين يواجهون
بسواعدهم العارية جبروت النظام
الباطش، وما يريده مؤيدوهم في كل مكان،
مواقف حقيقية في مجلس الامن وفي
المحافل الدولية، التي تضغط على
النظام لإيقاف مجازره التي يرتكبها
متدرِّعاً بالواقي الروسي والصيني.
ليس هناك إدانة ووصم بالعار للبلدين
أكثر تعبيراً ممّا حملته يافطات
شبِّيحة النظام في دمشق، اعترافاً
بالجميل على مواقف البلدين المتخاذلة
في مجلس الأمن، وتقول: «شكرا... روسيا
والصين»، هذا في الوقت الذي كان أحرار
المدن السورية الغاضبون يدوسون
الأعلام الروسية والصينية في الشوارع. روسيا والصين تقفان اليوم بكل صلف ووقاحة
ضد تطلعات الشعوب العربية وثوراتها،
وتحت ذرائع ومسوغات فارغة. بلدا
الثورتين البلشفية والماوية وقبلة
ثوار العالم في النصف الثاني من القرن
العشرين، تحولا إلى مناصرَين
للدكتاتوريين وأعداء للثوار
والثوريين الحقيقيين، الذين طلعوا من
معاناة الناس اليومية باحثين عن
الحرية والكرامة والعدالة
الاجتماعية، وليس عن أيديولوجيا
تصدرها هذه العاصمة او تلك بهدف تعزيز
نفوذها الإمبريالي او الكوني. من ثورتي
تونس ومصر، إلى ثورة سورية الآن،
مروراً باليمن وليبيا، انحازت روسيا
والصين إلى انظمة قائمة على الفساد
والقمع والاستبداد، وتحولت إلى
إقطاعيات عائلية للرئيس وأبنائه
وبناته ومن لفّ لفّهم. في ليبيا تشبثت
روسيا والصين بالعقيد ونظامه المجرم
إلى آخر لحظة، ولولا جنون رطانته
وصبيانية خطاباته، التي أعلن فيها
بأنه على استعداد لإبادة شعبه «زنقة
زنقة»، مُحرِجاً اصدقاءه الروس
والصينين إلى أبعد مدى، لما تحوَّل
موقف موسكو وبكين على حياء وخجل وتخلى
عن النظام الأرعن. لكن، هناك في سورية
نظام اكثر حيلة، ففي الوقت الذي تهاجم
دباباته المتظاهرين في المدن والأرياف
السورية، فإن خطابه يدور حول الحوار
والمصالحة والإصلاح. ليس هناك مراقب
يمتلك الحد الأدنى من الحصافة يمكنه
الاقتناع بأن نظام دمشق على استعداد
لإصلاح حقيقي يتخلى فيه عن سيطرته
المطلقة، فقد فات الأوان، وسالت دماء
كثيرة تحت الجسر، ورغم أن قادة موسكو
وبكين مقتنعون بذلك، تجدهم يدافعون عن
النظام وبطشه ويقفون إلى جانبه. صديقهم
الوحيد في سورية هو النظام القائم، حتى
إشعار آخر. تداعيات الموقفين الروسي والصيني على
الثورات العربية ومستقبلها كبيرة
جداً، بل ومقلقة. اول هذه التداعيات
تَمَثَّلَ في بروز اصطفاف بدت فيه
الثورات العربية والغرب في مربع واحد،
بينما تقف روسيا والصين والأنظمة
الدكتاتورية في المربع الآخر «الممانِع»
للسياسة الغربية. أضر هذا الاصطفاف
بصورة الثورات العربية، التي اصبحت
متهمة بأن الغرب يؤيدها، أي الولايات
المتحدة وأوروبا. الثورات العربية
الراهنة هي ثورات حقيقية بمعنى
الكلمة، ذلك أنها مثلت لحظات الانفجار
لاحتقان طويل المدى، تراكمت فيه صنوف
القمع مع انماط الفساد، والتهام ثروات
البلدان مع سياسات الفشل التنموي ورهن
مستقبل الشعوب تحت شعارات وصبيانيات
مدمرة. لم تكن هناك قوى خارجية او
مؤامرات او أيديولوجيات تحرِّك أيّاً
من هذه الثورات، بل إن قوى المعارضة
التقليدية، الحزبية وغيرها، فوجئت
بالقدرة الخلاّقة للشعوب وانتفاضاتها
بدرجة مفاجأة الانظمة نفسها. وبسبب
سمتها هذه، اي انطلاقها من صميم
الإرادة الشعبية ونقائها وقوة نطاق
الملتحقين بها واتساعه، فقد فرضت هذه
الثورات على القوى الخارجية تغيير
مواقفها التحالفية مع الأنظمة القائمة.
من الطبيعي ان تحاول تلك القوى إعادة
موضعة سياستها الخارجية بما يتوافق مع
التغيرات التي فرضتها الثورات
العربية، ولهذا رأينا التخلي الغربي
الذكي والتدريجي عن الأنظمة المنهارة،
ورأينا الانزياح الغربي المسيَّس
والبراغماتي من مربع التأييد والتحالف
مع انظمة بن علي ومبارك إلى تأييد
الثورات ضدهما. استندت هذه السياسة إلى
براغماتية ذكية، حيث كانت تراقب وضع كل
نظام عن كثب وتغيِّر موقفها تدريجاً
بحسب احتمالات بقائه او سقوطه، لكنها
في نهاية المطاف كانت «تقامر» بالتخلي
عنه، بخلاف المواقف المتحفظة
والمتلكئة لموسكو وبكين. والشيء الغريب ان هذا حدث في العواصم
الغربية المؤيدة والحليفة لهما، فيما
كان التكلس والشلل الروسي والصيني
يكبلان السياسة هناك، إذ بدا البلدان
وكأنهما الحليفان الأقرب لنظامي بن
علي ومبارك. وعوض ان تهبَّ موسكو
والصين، براغماتياً وانتهازياً على
الاقل، لالتقاط فرصة تداعي النظامين (المواليين
للغرب) وتأييد الثورات مباشرة ومحاولة
احتلال موقع جديد في المنطقة، تركت
الساحة كلها لواشنطن وبروكسل. وعوض ان
تتعلما الدرس من حالتي تونس ومصر، ها
هما تكررانه لكن ببشاعة أكثر في ليبيا
وسورية واليمن. التداعي الثاني للموقفين الروسي والصيني
في شرق اوسط ما بعد الثورات العربية هو
تعزيز النفوذ الغربي أكثر وأكثر، على
عكس ما تريدان. لن تستيطع الأنظمة التي
تراهن عليها موسكو وبكين الوقوف امام
حركة الشارع الثائرة، والتي يتسع
نطاقها وقوتها يوماً بعد يوم. الحالة
الليبية ربما كانت أكثر وضوحاً، إذ
قليلون يتوقعون بقاء العقيد او اي من
بقايا نظامه التافه في الحكم، او
قريباً منه في المدى القصير. هنا لنا ان
نتوقع ان السياستين الروسية والصينية
القصيرتي النظر أخلَتا الساحة للغرب،
وان ليبيا ما بعد الثورة لن تكون متاحة
لمصالح موسكو وبكين كما في السابق. في
سورية سوف يتكرر السيناريو، وإن كانت
الحالة أكثر التباساً وقد تستغرق
زمناً أطول، لكن أياً كانت النهاية،
فإن روسيا والصين تخسران ايضاً. ولو آلت الأمور إلى السيناريو المفضل
لموسكو وبكين، أي بقاء نظام الأسد على
رأس الحكم، فإن ذلك لن يتم من دون
تغييرات جذرية تقلب من طبيعته وشكله
الراهن وقدرته على السيطرة والتسلط.
إذا حدث ذلك، فإن النظام سيكون هو
الصديق الوحيد للبلدين، ولن تكون هناك
اي مشاعر صداقة او ودّ لهما على
المستوى الشعبي الواسع. سوف يتم تحميل
موسكو وبكين مسؤولية إفشال الثورة
السورية وطعنها في الظهر، وهذا سوف
يستمر إلى مرحلة اخرى قادمة، وربما
ثورة اخرى تكون نهايتها مختلفة. في مثل
هذا السيناريو، سوف يتغير مناخ
الحريات في سورية رغماً عن النظام
القائم، وكأحد التنازلات التي يقدمها
للبقاء في الحكم، وفي هذا المناخ
الجديد، فإن التعبير الشعبي عن النقمة
ضد روسيا والصين سيكون متاحاً. النظام
الذي تعوَّد ان يقف ضد حرية الشعب في
التعبير عن آرائه يكون قد انتهى،
وعندها يمكن لروسيا والصين اختبار مدى
«صداقتهما» مع الشعب السوري. أما في السيناريو الثاني، والذي يقود إلى
نهاية النظام القائم وإسقاطه، فإن
الخسائر تكون أكثر جلاء على الصعيد
الروسي والصيني، وكلاهما سيخسر منطقة
نفوذ أخرى، كما سيرى سياسة غربية أكثر
حضوراً. كل هذا نتيجة طبيعية لسياسة
قِصَر نظر إستراتيجي تقوم على التحالف
مع أنظمة مستبدّة وفي طريقها إلى
الفناء في العالم كله. الخلاصة النهائية للصورة، أنه في العالم
العربي بعد الثورات، وفي قراءة
استباقية لميزان الأرباح والخسائر
للقوى الدولية، فإن الولايات المتحدة
وأوروبا هما الرابحتان. وسوف ينعكس ذلك
على قضايا مختلفة في المنطقة، بما فيها
القضية الفلسطينية. في السنوات
القليلة الماضية شهدنا تراجعاً شبه
منتظم للدور الروسي والصيني في ما
يتعلق بقضية فلسطين. موقع روسيا في «اللجنة
الرباعية» كان مثل شاهد الزور، حيث لم
نرَ أيَّ تأثير او دور حقيقي. وهذا سوف
يتفاقم عندما تفقد روسيا أوراقاً اخرى
في المنطقة لا تستطيع ان تستخدمها،
فتضطر لأن تستخدم التنازل في ورقة
القضية الفلسطينية من اجل المقايضة في
قضايا وسياسات اخرى. أما الصين، المتوارية في سياساتها
الاقليمية، بما في ذلك على صعيد القضية
الفلسطينية، فقد ازداد اقترابها من
اسرائيل اقتصادياً وعسكرياً
وتبادلياً، ومواقفها في تردٍّ مستمر،
وكانت إحدى ذراه السيئة - في ايار (مايو)
من العام الماضي عدمَ قبولها بياناً
صينياً عربياً يؤيد قيام دولة
فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية. عندما تصر المواقف العملية لموسكو وبكين
على ان الانظمة المستبدة والمتهالكة
في العالم العربي هي صديقها الوحيد،
بالرغم من الادعاءات اللفظية، فإنهما
تقرران الوقوف ضد حركة التاريخ،
أخلاقيا ومعيارياً، وضد مصالحهما
الخاصة براغماتياً وانتهازياً. * محاضر وأكاديمي - جامعة
كامبردج، بريطانيا ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |