ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 10/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مؤتمرات المعارضة الصفرية

السبت, 09 يوليو 2011

غازي دحمان *

الحياة

انتهى اجتماع المعارضة في دمشق على جملة من التوصيات تركزت على ضرورة العمل لبناء الدولة المدنية الديموقراطية في سورية، عبر آليات لم تتم الإشارة إليها في البيان الختامي للاجتماع، مع إصرار أركانه على وصفه بالتشاوري، عطفاً على تأكيدهم محدودية تمثيلهم التي لا تتجاوز ذواتهم الشخصية!

وبالطبع، لم يحدد البيان الصادر عن الاجتماع آلية واضحة لتحقيق توصياته، وإن بدا أن التوجه العام للمؤتمر يميل باتجاه الانتقال السلمي الى الدولة المدنية الديموقراطية عبر الحوار، علماً أن المناخ السائد لا يشير إلى مثل هذه الإمكانية على رغم إعلان السلطات في دمشق نيتها عقد جلسات حوار لم تتحدد حتى اللحظة مضامينها وأطرافها وحدود الحوار الموعود وسقفه.

وسبق للمعارضة السورية أن عقدت اجتماعات أثيرة، في تركيا وبلجيكا، وأصدرت توصيات وبيانات، كما سبق ان سمع الشارع السوري المعزوفة ذاتها التي تصر على أن المجتمعين لا يمثلونهم ولا يتحدثون باسمهم، فلماذا إذاً تلك الجهود والمبادرات غير المنسقة، ومن هو الذي يمثل السوريين، طالما يتنصل الجميع من هذه المهمة الصعبة؟

الواقع أن تعدد هذه المؤتمرات لا يعكس حالةً صحية، على ما يذهب أركان المعارضة، بقدر ما يعكس اختلافاً عميقاً بين مكونات المعارضة، في الداخل والخارج على السواء... وهذا الاختلاف، كما هو واضح، لا يقتصر على الموقف من الحراك وطرق أو أساليب إدارته، بل يطاول حتى الموقف من سورية المستقبلية، بتوجهاتها وشكل الحكم فيها وصولاً إلى نمط الحكم والأيديولوجيا الحاكمة، وحتى ثقافة المجتمع وأنماط الحياة فيه.

كان ذلك واضحاً من رفض جماعة الإخوان المسلمين المشاركة بصفتهم الحزبية في اجتماع انطاليا، الذي ضم طيفاً واسعاً من تلونات المعارضة السورية، وبخاصة تياراتها اليسارية والقومية، التي تختلف الجماعة معها في الرؤى والأيديولوجيات، ثم قيامهم بعقد مؤتمر بروكسل، الذي اقتصر على الجماعة والجهات الإسلامية القريبة منها. وقد كشف ذلك أول مؤشرات التصدع داخل الهيكل المعارض.

ويأتي اجتماع دمشق في إطار هذا السياق الخلافي. فالواضح أن معارضة دمشق، والتي تتكون في الغالب من نشطاء مدنيين وأصحاب رأي، وقوى حزبية يسارية، تتخوف من تأثير معارضة الخارج في الحراك وتوجهاته، وتالياً التأثير في نتائجه المستقبلية، كما أن للطرفين، معارضة الداخل والخارج، مقاربات مختلفة في شأن طرق إدارة الحراك، وسبل الخروج من الحالة التي تصفها معارضة الداخل ب «الأزمة»، في حين تعتبرها معارضة الخارج «ثورة». ففي حين تتوجس معارضة الداخل من تطور الامور إلى حد الانزلاق إلى نزاع داخلي، وبالتالي تؤيد إيجاد حلول من داخل النظام، فالمعارضة الخارجية، ربما لا تتأثر كثيراً بمثل هذا الاحتمال، ولذا تصعّد الى درجة المطالبة بإسقاط النظام في الشارع.

الواضح أن هذه المعارضات في واد والثورة في واد آخر. فقد بات جلياً أن من يقود هم شباب أفرزتهم الثورة، لهم نشاطات ميدانية ولهم تأثيرهم الكبير في الشارع، وهم من يسمّون الجمعات ويحددون شكل الحراك ويؤثرون في زخمه، ويؤدون أدواراً إعلامية وتنسيقية وتنظيمية.

ولا شك في أن تعدد مؤتمرات المعارضة والبيانات الصادرة عنها، يعكس أول ما يعكس، الواقع الصعب لممارسة السياسة في سورية منذ عقود، وهذا الواقع هو المسؤول عن هذا التشتت والضعف في المعارضة السورية.

================

الشعب السوري هو الذي يحتاج الى لجان شعبية مساعدة

2011-07-09

د. رحيّل غرايبة

العرب اليوم

الشعب السوري الاعزل, الذي يخرج بمئات الالاف في معظم المدن السورية بمظاهرات سلميّة منضبطة, يطالب بحقوقه المشروعة التي تقرها شرائع الارض والسماء, يطالب بالحرية والكرامة الانسانية, يطالب بالديمقراطية وإنهاء عصر احتكار السلطة ويطالب بإرجاع السلطة للشعب ليكون قادراً على اختيار الحاكم بلا قهر ولا اكراه, ويطالب بمحاربة الفساد ووقف ايدي الفاسدين والقطط السمان التي سطت على مقدرات الدولة, وأثرت ثراءً فاحشاً على حساب جيوب المواطنين, ويطالب بوقف مهزلة توريث السلطة, ووقف منهجية ادارة الدولة بسطوة الحزب الاوحد, ووضح حد للشبيحة والمليشيات المسلحة التي تنتهك الحرمات وتعيث فساداً في ارض الشام على امتداد (40) عاماً ونيّف, هذا الشعب يستحق تشكيل لجان المساندة من اشقائه العرب لا الخذلان والانحياز الى الجلاد.

امّا النظام الذي يملك الجيوش والاجهزة الامنية والاسلحة الفتاكة, والقنّاصة والشبيحة, وأجهزة الاعلام والسجون وآلات التعذيب, والزبانية المدربين على اذلال المعتقلين وإهدار انسانيتهم, فهو ليس بحاجة الى لجان مساندة شعبية.

وهنا يجب ان نقرر جملة من القواعد نحتكم اليها جميعاً, بغض النظر عن الاختلاف الفكري والايدولوجي.

- من حق الشعب السوري وكل الشعوب العربية ان تقرر مصيرها وتمتلك السلطة الكاملة في اختيار الحكومات ومراقبتها وعزلها.

- من حق الشعب السوري وكل الشعوب العربية ان تطالب بالديمقراطية الكاملة غير المنقوصة, وإنهاء عصر الاقطاع والاستبداد, واحتكار السلطة وتوارثها.

- من حق الشعب السوري وكل الشعوب العربية ان تبسط رقابتها على مقدرات الدولة وأموالها العامّة, ولا يحق لاحد التصرف بالمال العام الا من خلال تفويض شعبي, ومن خلال قوانين وتشريعات وجدت بطريقة صحيحة, تأخذ شرعيتها من الشعب.

- من حق الشعب السوري وكل الشعوب العربية ان تطالب بالحريّة وإطلاق الارادة واستعادة الكرامة المهدورة, والاعتراف بالتعددية السياسية والفكرية.

- نرفض جميعاً استخدام العنف والقوّة سواء من الشعب او من النظام والجيش والاجهزة الامنية.

- على النظام الاستجابة الفورية لمطالب الجماهير المشروعة, والكف عن اسلوب تلفيق التهم للمتظاهرين والمنادين بالاصلاح.

- نرفض جميعاً التدخل الخارجي, والتدخل الدولي في الشؤون الداخلية لجميع الدول العربية بلا استثناء, وأن نحول جميعاً دون دخول قوات اجنبية الى اوطاننا, عن طريق الشروع الفوري بإعادة السلطة للشعوب.

- اتخاذ موقف الممانعة, وتأييد المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني, لا يتعارض مع الاصلاح السياسي, والسير بطريق اعادة السلطة الى الشعب بمنهج ديمقراطي كامل.

ليس معقولا ولا منطقياً ان يتم توجيه التهمة الى الشعوب العربية البطلة التي انتفضت بأسلوب سلمي حضاري على انظمة التسلط والاستبداد والفساد التي مكثت في احتكار السلطة ما يقارب نصف قرن, ولم تورث شعوبها الا التخلف والفساد والقهر والكبت والسجن والاحتلال والديون, والضعف والاستخذاء للعدوّ, ولم تقدم لشعوبها سوى الجعجعة والشعارات الفارغة, والعدوّ الصهيوني يلتهم الارض ويعربد في الاجواء العربية, ويستهين بكل النظام العربي الفاسد المتهالك, حتى اصبح العرب اضحوكة امام العالم.

الموقف السليم ان نقف مع مبادئنا الثابتة, ومع الحريّة وإعادة الحقوق المسلوبة للشعوب وحقها في السلطة والاختيار, وأن نقف مع الشعوب لانّها هي الباقية والانظمة زائلة لا محالة وليحذر الذين يحاولون تزييف الحقائق وطمسها, والتدليس على الاجيال, فالتاريخ يسجّل ولا يرحم.

================

لماذا يفشل الحوار

تاريخ النشر: السبت 09 يوليو 2011

د. خليفة علي السويدي

الاتحاد

مع بزوغ ربيع التغيير في الوطن العربي، ومع ازدياد الضغط على الحكومات التي فشلت في التنمية الإنسانية للفرد، برزت أهمية الحوار مع الشعب من أجل مستقبل أفضل لتلك الدول.

وفي حقيقة الأمر أن بعض الأقطار العربية صادقة في حوارها مع الشعب، ويتمثل هذا الصدق في طيب العلاقة فيها بين الحاكم والمحكوم والهدف العام من ذلك الحوار المعلن الاستقرار لتلك الدول، وفي الوقت نفسه مزيد من الإصلاح السياسي الذي يجعل المواطن جزءاً غير مغيب من العملية السياسية في وطنه. وفي المقابل هناك حوار في دول شمولية كان الهدف منه بقاء الوضع على ما هو عليه، فمع مَنْ مِنَ الناس يكون الحوار ناجحاً، ولم يفشل الحوار مع البعض الآخر.

من أول عوامل فشل الحوار على المستوى الإنساني تأتي سمة العلو والكبر، فالمتكبر يرى الناس صغاراً في عينه، وأنه تنازل كثيراً عندما وافق على الحوار معهم، لقد سمعنا بعض الزعماء العرب يصف شعبه بأسوأ الصفات فهم "جرذان" عند البعض وفئران، كما صرح زعيم آخر. وسمعنا ألفاظاً لا أريد أن أزعجكم بها، ويبدو لي أن قائمة الشتائم التي انهالت على بعض الشعوب العربية بينت نفسية الاستكبار، التي كان الزعيم ينظر من خلالها لشعبه.

وفي المقابل رأينا قادة آخرين يستخدمون ألفاظاً راقية مثل أخواني أبنائي وقس على ذلك مرادفات رائعة.

نفسية الاستعلاء والكبر، تبين للطرف الآخر أن الهدف من الحوار ليس التطوير والبناء بل البقاء. ففرعون من قبلهم كان يقول لقومه: "ما أريكم إلا ما أرى". ومع هذا، فقد حاوره موسى في سبعة مواطن، ولكن نفسية الاستكبار أعمت عقله حتى هلك. ومن بعده جاءت أقوام من أهل الكِبر، قال عنهم الله تعالى في القرآن الكريم:"وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً، وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين" سورة النمل 14.

السبب الآخر لفشل الحوار يكمن في التطرف، فهو من السمات التي تغلق العقل عن الحوار الناجح. وقد تبين بالاستقراء أن المتطرف في فكره لن يقبل منك إلا ما ناسب عقله، لأن الهدف من الحوار لديه، لا يكمن في الوصول للحق، بل في إقناع الطرف الآخر بوجهة نظره القاصرة في جل الأوقات عن استماع النصح.

التطرف يجعل ذلك الإنسان سلبياً في توجه تجاه الطرف الآخر، فهو لا يرى منه إلا كل قصور، ويعتقد دائماً أن الحق لن يكون مع الآخر، هذه النفسية تجعل الحوار فاشلاً، وتدفع صاحبها في بعض الأوقات إلى الكذب الذي يضحك العقلاء منه، فهو يزور الحقائق كما رأينا في إعلام بعض الدول العربية، حتى بات الناس يضحكون عليهم من كثرة كذبهم. حولت بعض الأنظمة العربية مواطنيها إلى قطاع طرق، وشلة مخربين مندسين بين المواطنين الذين يريدون الحرية. ومتى ما بدا المحاور في اختراع الفريات، وبث الإشاعات، فهذه علامة واضحة على فشل طريق الحوار معه.

================

الدولة الأمنية في الأنظمة الشمولية

حسين العودات

التاريخ: 09 يوليو 2011

البيان

ربما جاءت تسمية (الدولة الأمنية) من سيطرة أجهزة الأمن على مرافق الدولة الأساسية والثانوية، وهيمنتها على المجتمع، واستيلائها على صلاحية اتخاذ القرار بدلاً عن الشعب، بل وتسلطها على الحكومة نفسها، ولا تكتفي أجهزة الأمن في الدولة الأمنية بقمع المواطنين فقط، بل تهيمن أيضاً على الحياة والمجتمع وفعالياته ونشاطه، أي تحل محل السلطات جميعها.

عندما تتماهى أجهزة الأمن مع الحكومة تهمل العمل بمفاهيم الدولة الحديثة جميعها، أعني مفاهيم مرجعية المواطنة واحترام الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وتداول السلطة وفصل السلطات وغيرها، وتتحول الحكومة إلى حكومة سلطوية، والسلطة إلى سلطة قمعية فقط، وتتلاشى أية علاقات مدنية أو مجتمعية بمعزل عن السلطة الأمنية، أو علاقات ديمقراطية أو تمثيلية في إطار الدولة، ذلك لأن أجهزة الأمن، في مثل هذه الدولة، تعطي لنفسها الحق بتولي كل شيء بالنيابة عن الشعب، وإقرار كل شيء مجتمعي أو رسمي، حسب معاييرها ومفاهيمها التي لا ترى في المجتمع سوى التآمر واستعمال العنف والقهر.

تبدأ تطبيقات الدولة الأمنية عادة عندما تتسلم فئة الحكم بطريق غير مشروعة وغير ديمقراطية، وبالتالي لا تمثل الأكثرية، خاصة إذا وصلت بطريق الانقلابات العسكرية، ويخشى النظام من الآخر صاحب الحق في السلطة أو في الشراكة فيها، ويرى أن يحصن نفسه ضد أي محاولة من هذا الآخر لتولي السلطة وسلبها منه، فتتماهى عندها الحكم والسلطة وأجهزة الأمن بعضها مع البعض الآخر، وتصبح جميعها كتلة واحدة متحفزة للمواجهة، ولأن المواجهة بالطرق الديمقراطية لها شروطها وتحتاج لتأييد شعبي يصعب تأمينه فتوكل هذه المهمة إلى أجهزة الأمن، التي تضاعف عندها أعداد العاملين فيها من جهة وتوسع مهماتها لتشمل جوانب عديدة من حراك الإدارة والمجتمع السياسي والاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى، وتجدها فرصة للابتزاز والمصادرة والقمع والتحكم بحياة الأفراد والمجتمع ومؤسسات المجتمع المدني فضلاً عن الأحزاب والتيارات السياسية.

تلغي هذه الأجهزة مفهوم المواطنة كمرجعية وحيدة وأساسية للمواطنين لأن هذه المرجعية تؤكد المساواة التي لا ترغبها الأجهزة الأمنية. وتستعيض عنها بمرجعيات أخرى قادرة على التلاعب بها كالمرجعيات المذهبية والطائفية والإقليمية والعشائرية وغيرها، ويتم لها ذلك بتوزيع الامتيازات بحسب مصالحها ورغباتها، وإفساد الناس وكسب ولائهم، وينتج عن ذلك انتهاك المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وغيرها، ولئلا تقع مسؤوليات قانونية ما على هذه الأجهزة تعمل على إصدار قوانين مناسبة لها والتلاعب بهذه القوانين.

وتعطي لنفسها حق اختيار ممثلي الشعب في المجالس التشريعية والمجالس البلدية أيضاً لإبعاد معارضتهم لها من جهة وتحويلهم إلى وسيلة بيدها من جهة أخرى، والأمر نفسه بالنسبة إلى السلطة التنفيذية وإدارات الدولة ومسؤوليها، ويصبح اعتماد ولاء الشخص على حساب كفاءة الآخر تقليداً يشبه القانون، وهكذا يُعزل الأكفاء ويبجل الموالون مهما كانت إمكانياتهم متواضعة.

ويسعى هؤلاء بطبيعة الحال إلى إرضاء الأجهزة الأمنية التي اختارتهم فيطلقون يدها في السيطرة والوساطة والابتزاز والرشوة ومخالفة القانون في الإدارات التي يرأسونها. وتتدخل أجهزة الأمن في شؤون القضاء لتجبره على معاقبة المعارضين، فتذهب استقلالية القضاء أدراج الرياح ومثلها الفصل بين السلطات. وفي الوقت نفسه تعطي لنفسها الحق باستخدام وسائل القمع بلا حدود وبدون رقابة أو خشية من العقاب أو المحاسبة، كما تمنح لنفسها الامتيازات التي تريدها وتوزع هذه الامتيازات على عناصرها بدون حق طبعاً، وتتحول إلى فئة متميزة عن غيرها من خلال هذه الامتيازات (السيارات والرواتب والتعويضات والمهمات والهيمنة والنفوذ وامتلاك العقارات والمزارع بدون حق) وغيرها.

تتحالف أجهزة الأمن في الأنظمة الشمولية عادة مع الأغنياء الجدد (أغنياء الصفقات والفساد) الذين يعملون جاهدين لإدخال ضباطها وقادتها في أوساطهم ويرشدونهم على أفضل السبل للاستثمار والغنى غير المشروع كي يصبحوا جزءاً منهم، فيدافعون عن مصالح هؤلاء الأغنياء بالمرحلة الأولى من خلال السياسات التي يطبقونها، ثم يساعدونهم على أن يكونوا شركاء حقيقيين في السلطة واتخاذ القرار مباشرة أو مداورة.

وهكذا نلاحظ أن الدولة الأمنية تتكون تدريجياً من خلال نقطة انطلاق بسيطة هي حماية نظام غير ديمقراطي و(أقلوي) شعبياً، ومن خلال إطلاق يد أجهزتها بزعم أنها ستحمي هذا النظام وتتيح له رسم حياة الناس والمجتمع والسياسات وغيرها. وقد تبدأ هذه الأجهزة بممارسة القمع في المرحلة الأولى لتخويف الناس وإسكاتهم والسيطرة عليهم ثم تتحول إلى دولة أمنية ذات أذرع عديدة تصل إلى جميع جوانب الحياة السياسة والإدارية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد.

تعمد أجهزة الأمن، لتخويف المعارضة أو المنتقدين وإسكاتهم، إلى قمعهم المباشر وتلفيق التهم لهم والإساءة إلى سمعتهم بطرق غير أخلاقية أو بطريق الإشاعة، وإن تعذر ذلك تتهمهم بالعمالة للأجنبي، ودس الدسائس لديه، بدون تحقيق أو محاكمة أو بطريق محاكمات صورية، لا تستوفي أي شرط من شروط المحاكمة العادلة، وعندما تغرق أجهزة الأمن في الفساد والقمع وتصل درجات متقدمة فيه لا يعود يؤثر عليها لا قانون ولا ضمير ولا منطق، ولا تتورع عن أية تهمة تتهمها للغير أو ارتكاب أية جريمة مهما كانت قاسية أو مضحكة أو كاذبة. لعل هذه هي بعض المواصفات النمطية العامة والرئيسة للدولة الأمنية في الأنظمة الشمولية التي تكون عادة من نوع واحد لكنها تختلف بالدرجة، وبشكل عام فإن مفهومها لا يعني أنها أجهزة قمع فقط بل أجهزة تمتلك نظاماً كاملاً مسيطراً على إدارات الدولة وجوانب الحياة الاجتماعية كلها.

================

هل النظام السوري قابل للتحول إلى الديموقراطية؟

المستقبل - السبت 9 تموز 2011

العدد 4050 - رأي و فكر - صفحة 19

شمس الدين الكيلاني

يجري جدل واسع، في سورية، حول الموقف من احتمال (الحوار الوطني) بين المعارضة والسلطة كمدخل لمعالجة الأزمة السياسية الكبرى، التي افتتحتها الانتفاضة السورية، وباتت تهدد النظام وآليات اشتغاله. فعادت أسئلة الحوار تُطرح من جديد، ولاسيما بعد (مرسوم العفو) الرئاسي، وتشكيل لجنة للحوار، تزامن ذلك مع استشهاد حمزة الخطيب وما خلفه من أسى وغضب ، ومع مؤتمر المعارضة في أنطاليا، واقتحامات الرستن وتلبيسة. وتصريح بخيتان الذي قرن عرضه للحوار برفضه إلغاء المادة الثامنة من الدستور. غير أن مشهد الانتفاضة السورية وضحاياها من دماء ودموع وإرعاب، وهي تكلفة هزّت ضمير المجتمع السوري وحميته، جعل المعارضة السورية متهيبة أمام قبول هذا الخيار. فتوزعت مواقفها تبعاً لأجوبتها على ما إذا كان النظام في تركيبته البنيوية ،وحمولاته الاجتماعية قابلاً للإصلاح أم لا، أو فيما إذا كان بإمكانه أن يرعى مرحلة انتقال سورية إلى الديموقراطية !؟

هناك قوى من المعارضة وفي مقدمتها قادة الانتفاضة الميدانيين، ترى إلى جانب اعتقادها بأن السلطة لم تقترح برنامجاً جدياً للحوار، أن التركيبة الاستبدادية البنيوية للنظام، تمنعه من التحول (داخلياً) إلى نظام ديومقراطي تعدُّدي، والنظامان يقفان على طرفي نقيض. فالدولة بمؤسساتها كافة (الجيش الشرطة،السلطة القضائية والتشريعية، المؤسسات التربوية العمومية)، في نموذجها الديومقراطي، هي كيان مجرد، متعالية تمثل الإرادة والمصلحة العموميتين للجماعة بكل فئاتها ،مستقلة عن مجال الصراع السياسي والاجتماعي، بينما السلطة(الحكم) هي مجال للتنافس والصراع في سياق المجال السياسي الديومقراطي، تنتقل فيه هذه الفئة الاجتماعية أو تلك إلى الحكم (السلطة) بطريقة سلمية ديومقراطية، لتطبق برامجها الانتخابية في إطار الدستور ،مع احترام شديد لاستقلالية مؤسسات الدولة ووظائفها الثابتة.حيث لا يحق لها،بما هي سلطة، التطاول على مؤسسات الدولة أو تغيير وظائفها ناهيك عن تحويلها إلى أداة بيدها لتسخيرها لمصالحها الخاصة .

والحال، أن القوى التي استولت على السلطة باسم حزب البعث لم تكتف بالاستيلاء على الحكم (السلطة) فقط، بل عملت على تسخير مؤسسات الدولة (الجيش الشرطة،المؤسسة التشريعية وعلى رأسها القضاء،المؤسسات التربوية والعلمية والجامعية والثقافية) لمشاريعها الحزبية والفئوية وألحقتها ب(سلطتها) .فبدلاً من أن تكون تلك المؤسسات الدولاتية لكل المواطنين، أصبحت مؤسسات ملحقة بالحزب الحاكم وأجهزته، وبدلاً من أن تكون حيادية (غير مُتحَزِّبة سوى للدستور) حيال الصراعات والمنافسات السياسية الاجتماعية، أصبحت تابعة للحزب ولأجهزته المخابراتية.

وعلى هذا، أصبح الجيش والشرطة عقائديين (بعثيين)، وأصبحت المؤسسة القضائية مُتَحَزِّبة للبعث: عضوية وسياسة ووظيفة، والحال نفسه ينطبق على المؤسسات الثقافية والتربوية (المدرسة والجامعة مجالات النشر الثقافي والتربوي، والإعلام المسموع والمرئي) فصار من الضروري أن يكون الضابط والقاضي والمعلم والموظف وأستاذ الجامعة ومدير الجريدة والمجلة والمؤسسة الثقافية بعثياً إن لم يكن مُخبراً. ولا تقتصر هيمنة السلطة على مؤسسات الدولة، بل طالت بهيمنتها المجتمع نفسه ،طالما أن الدستور في مادته الثامنة ينص على (قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع). فغدت الهيئات النقابية والحزبية مُلحقة بقيادة الحزب وبأجهزته(عمال فلاحين حرفيين، ومهنيين من أطباء ومهندسين وصيادلة، وهيئات المجتمع المدني ). وانخرط المجتمع برمته في منظمات تابعة للسلطة وحزبها لتلقينه حب القائد وحزبه: الطلائع (للصبية)، اتحاد شبيبة الثورة (لطلاب الثانوي)، واتحاد الطلبة (للجامعيين). فانخرط المجتمع برمته في مؤسسات سلطوية للضبط والمراقبة، ومن ثم التصق الفساد بالهيكلية التسلطية وارتكز عليها،وانفتحت إمكانيات اكتناز الثروة على من يرتقي في السلَّم السلطوي .

وعلى هذا، فإن الخطوة الأولى التي لابد منها لانتقال سورية من النمط التسلطي إلى النموذج الديومقراطي للدولة، عليها أن تبدأ بتحرير مؤسسات الدولة من طابعها الحزبي (البعثي)، ومن هيمنة( السلطة) وأجهزتها، لتصبح مؤسسات لكل السوريين،حامية للحق العمومي من تعديات السلطة السياسة التنفيذية ومن الفئات الحاكمة ، ومراقبة لشرعية سلوكها، بدلاً من أن تكون خادمة لها. بمعنى آخر،عليها إلغاء ما هو مُتَّبع حتى الآن من (تبعيث) القضاء والتعليم والجيش، والنقابة والمجتمع المدني والفضاء الاجتماعي برمته، وتحريرها من التبعية القسرية للحزب وأجهزته القمعية. فليست مسألة الانتقال إلى الديموقراطية مسألة قانونية أو حقوقية فحسب بل هي مسألة عملية أساساً، فإذا اكتفى المتحاورون في صياغة أفضل القوانين الديموقراطية، دون أن يعملوا على تفكيك الأجهزة القمعية، وأن ينزعوا(عملياً) علاقة التبعية القائمة بين الأجهزة الحزبية والقمعية للنظام وبين مؤسسات الدولة التي من المفترض أن تكون ملكاً لكل المواطنين، فسيصبح الإصلاح عندئذ نوعاً من العبث.

هذه الحجج (النظرية )تسوقها المعارضة المُتشككة ،في صدق نوايا السلطة ،و في إرادتها وقدرتها على تحويل النمط السلطوي إلى النموذج الديومقراطي،وتضيف إليها الشواهد (التجريبية )لممارسة السلطة المبثوثة أمام الأعين ،والتي باتت سلوكاً إلغائياً ثابتاً تجاه المجتمع ،ويُعزِّز وجهة نظرها المُتشككة تلك اندفاع وثبات الحركة الاحتجاجية التي ازدادت اتساعاً وعمقاً وثقة بالذات ،فتصل إلى نتيجة مفادها :أن التحول الديومقراطي مشروط بتفكيك البنية الاستبدادية برمتها ،وهو ما يصعب على السلطة القيام به.

من الجهة الأخرى ،فإن أغلبية المعارضة الديموقراطية (القديمة) كانت تميل ،قبل انطلاق الانتفاضة السورية، إلى الحوار مع السلطة ،كحال(التجمع الوطني الديومقراطي) ذي الأصول القومية واليسارية، وأصحاب الاتجاهات الليبرالية الذين برزوا في العقد الأخير من الزمن ، وشكلوا لهم ندوات وتجمعات مدينية في بداية عهد الأسد الابن وأُجهضت في حينها.ومن ثم أسست المعارضة (إعلان دمشق) اكتوبر 2005 ،وعقدت (المجلس الوطني) ل(إعلان دمشق) في أواخر 2007، ضم أغلب القوى السياسية السورية ، ودعا السلطة إلى عقد (مؤتمر وطني) للحوار، يجمع كل أطياف المعارضة مع ممثلي النظام بحثاً عن مخرج لتحول سورية إلى الديموقراطية بطريقة سلمية، فجُوبهت هذه الدعوة بالاعتقالات حتى طالت أمينة المؤتمر السيدة فداء حوراني ،ابنة الزعيم الكبير أكرم حوراني،فآذن ذلك بإنغلاق أية نافذة للإصلاح ناهيك عن الحوار،وبات كل ما يُحيط السوريين يُذكرهم بحقبة الثمانينات من عسكرة المجتمع والمراقبة (الأمنية) للناس من المهد إلى اللحد .

وعلى هذا، يصبح من المتوقع أن تتجه بعض قوى المعارضة، لاسيما من أوساط (التجمُّع الوطني) وبعض الناشطين والمثقفين، إلى القبول بالحوار إذا توفرت البيئة المناسبة لنجاحه،وفي مقدمتها: الإفراج عن المعتقلين السياسيين، سحب الجيش والقوى الأمنية من المدن والشوارع،السماح للتظاهر السلمي ، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور كمدخل لابد منه لنجاح حوار يفضي إلى صياغة خريطة طريق للانتقال من نظام الحزب الواحد إلى نظام تعددي ديومقراطي. وحجتهم في ذلك أن هذا السبيل كفيل،إذا صدقت نوايا السلطة، بتحويل سلمي إلى الديموقراطية .و تراهن أوساطهم على دور موقع (الرئاسة) بهذا التغيير ،مُذكِّرين بتجربة غورباتشيف في الإطاحة بالبناء السلطوي الشمولي للدولة السوفياتية وفتح الطريق للتغيير الديموقراطي.

================

جمعة "لا للحوار" في سوريا... ولبنان

علي حماده

النهار

9-7-2011

يشكل الحوار مطلباً محورياً وحاجة ضرورية عندما تصل البلاد الى منعطف خطير، ولا سيما عندما تبدأ بملامسة الخطوط الحمر التي تهدد الكيان. في لبنان أُطلقت فكرة الحوار سنة 2006 في عزّ اندفاعة الحالة الاستقلالية، وبتواز مع حملة الاغتيالات التي استهدفت الاستقلاليين. كان لرئيس مجلس النواب نبيه بري مبادرة هدفت الى امتصاص قوّة ثورة الاستقلال وإدخالها في متاهة حوار حول القضايا الخلافية. أقرت طاولة الحوار الوطني في لبنان دعم الحكمة الدولية وبنوداً أخرى، وتوقفت عند موضوع سلاح "حزب الله" مع تورط الأخير في حرب تموز 2006. وبعد الحرب انتقل "حزب الله" والنظام في سوريا الى مرحلة هجوم على الاستقلال اللبناني، وجرى تعليق الحوار مع تحول موازين القوى في الساحة اللبنانية. استمر القتل وما عاد من حاجة الى حوار جدي، وجرى التنصل من البنود التي جرى الاتفاق عليها استنادا الى موازين القوى الجديدة.

في سوريا، ما كان في حسابات النظام ان يحاور اياً كان. ففي مطلع السنة الجارية كان الرئيس بشار الاسد يعتبر ان الاصلاحات تتطلب اجيالا حتى يتم تطبيقها في سوريا، مستندا الى فكرة ان النظام قريب من تطلعات الشعب، حازماً ان سوريا لن تشهد تحركاً شبيهاً بالتحركين التونسي والمصري. في منتصف آذار خرجت عدة ناشطات، امثال سهير الأتاسي، الى الشارع في دمشق للمطالبة بإطلاق سجناء رأي من عائلة واحدة، فجرى الاعتداء عليها وعلى رفيقاتها، وأمسكتهن المخابرات من شعورهن في الطرق، وأتى بهن الى فرع مخابرات حيث رمين في السجن بعد اتهامهن بأنهن عميلات اسرائيليات. وفي الاطار نفسه جرى اقتلاع اظفار اطفال من درعا. ثم اطلقت النار على ابناء درعا المعتصمين في مسجدها. ومنذ ذلك اليوم ومن "جمعة" الى "جمعة" تحركت الارض السورية من تحت اقدام النظام، الى ان اطلق اركانه فكرة الحوار، علهم يمتصون الثورة. عقد مؤتمران في فندق السميراميس، الاول ضم مجموعة من النشطاء المعارضين وضع مطلب ايقاف القتل في الشوارع في طليعة اللائحة للدخول في حوار لانقاذ سوريا من أزمة كبرى، ولكن الشارع ردّ على المؤتمر ب"جمعة اسقاط شرعية النظام" باعتباره الشعار الوحيد المطروح في الشارع. واستمر قتل الناس في الشوارع. اما المؤتمر الثاني الذي نظمه مؤيدو النظام فلا يستحق التوقف عنده. وفي النهاية انضم نشطاء "سميراميس واحد" الى المقتنعين بأن الحوار مع النظام غير ممكن، فكانت أمس وبعد "جمعة ارحل"، "جمعة لا للحوار" التي خرج فيها الملايين في كل انحاء سوريا. صار مؤتمر الحوار برئاسة فاروق الشرع المزمع عقده غدا الاحد غير ذي جدوى، فالشارع ادرك ان النظام يطلب الحوار ويستمر في اطلاق النار، ولا يسعى إلا الى امتصاص ثورة الشارع، ريثما يعود ليأخذ زمام المبادرة في مرحلة لاحقة. فعند الشعب السوري ان العودة الى المنازل من دون اسقاط النظام معناها تجديد الحياة في ظل ستالينية حافظ الاسد وابنه. وفهموا ان الثورات اما ان تكون ثورات حتى النهاية واما لا يكون تغيير. لعلهم استفادوا من دروس الحوار المزعوم في لبنان.

================

أردنيون يتضامنون مع النظام السوري ضد المؤامرة!!

ياسر الزعاترة

الدستور

9-7-2011

نرجو من إخوتنا السوريين ألا يؤاخذونا كأردنيين وفلسطينيين بما فعله ويفعله بعض أبناء قومنا هنا ممن يرفعون شعار التضامن مع النظام السوري ضد ما يسمونه المؤامرة، لأن الغالبية الساحقة منا تقف معهم ضد الظلم والفساد والطغيان، بمن في ذلك من كان منا يعتبر النظام جزءًا من معسكر المقاومة والممانعة (كنا من هؤلاء لاعتبارات منطقية)، والسبب أننا لا نرى المقاومة والممانعة مبررا لوضع الناس رهن العبودية، وعموما فإن فلسطين أشرف وأجلُّ من أن تكون مبررا لقمع السوريين وسلب حريتهم، لاسيما أنهم ينحازون لها ولشعبها أكثر بكثير من أي جهة أخرى.

بوسع هؤلاء الأحبة الذين التقينا معهم في دعم الكثير من قضايا الأمة أن يضعونا في مربع الذين لا يفقهون شيئا في القضايا الوطنية والقومية لأننا رفضنا الانحياز للنظام في معركته مع شعبه، ورفضنا اعتبار ما يجري مؤامرة خارجية، حتى لو ركب موجتها أو أيدها أقوام نعاديهم ويعادوننا كل العداء.

أن يؤيد أشقياء ومعتدون ومتآمرون ثورة شعب ضد الظلم، فذلك لا يعني أن الثورة خاطئة، أو أنها محض مؤامرة. فكيف حين يقف ألد الأعداء موقفا مترددا منها (الموقف الأمريكي والغربي)، فيما يرى كثيرون منهم أن وجود النظام خير من رحيله لأن شيطانا تعرفه أفضل من شيطان لا تعرفه كما يردد قطاع من الساسة والكتاب الإسرائيليين؟!

وقف كثيرون في مرحلة من المراحل مع ثورة الشعب المصري، وقبلها ثورة الشعب التونسي، فهل يعني ذلك أن الجماهير كانت متآمرة وأن نظامي حسني مبارك وبن علي كانا شريفين ووطنيين؟! وهل إن تردد السلطة «العسكرية» التالية بعدهما في اتخاذ مواقف تعبر عن ضمير جماهير الشعب يعني أن الثورة كانت مؤامرة، ولماذا إذن يواصل المصريون الاحتجاج من أجل تصحيح مسار الثورة؟!

بوسع الأحبة الذين يدافعون عن النظام السوري أن يلتقطوا واقعة من هنا وأخرى من هناك لتأكيد رؤيتهم مثل الحديث عن المؤتمر الذي نظمه الصهيوني برنار ليفي في باريس، والذي أخطأ الإخوان بمشاركة أحدهم فيه (رفض المشاركة قطاع كبير من المعارضة، ومن ضمنهم رموز من الإخوان، وعموما هو مجرد مؤتمر عابر من مؤتمرات كثيرة أكثر أهمية للمعارضة)، ومثل الاستشهاد بتصريح (نعتبره خطأ على أية حال) لمراقب الإخوان السوريين السابق (البيانوني) وُضع له عنوان مزور على «يوتيوب»، لأن الرجل لم يعترف بإسرائيل، وإنما قال إنه «إذا طبقت قرارات الشرعية الدولية يمكن أن تعيش المنطقة بسلام». مع ضرورة الإشارة إلى رفض ذات الرجل المشاركة في مؤتمر برنار ليفي بسبب مواقفه الصهيونية.

كل ذلك لا يمنحهم (أعني من يدافعون عن النظام) الحق في التشكيك بالشعب السوري الذي تقف غالبيته الساحقة ضد النظام، في ذات الوقت الذي يقف مع قضايا الأمة ولا يساوم عليها، وفي حال تمكن هذا الشعب من الإطاحة بنظام أمني شرس، فلن يكون من الصعب عليه الإطاحة بأية مؤامرة، إذ صحّ أن ثمة مؤامرة بالفعل. وعموما فإن الوصاية على الشعوب بهذه الطريقة المتعالية هي مرض يستوطن عقول بعض النخب مع الأسف الشديد، ولو حكّموا عقولهم لرفضوا الانخراط في سلك «الشبيحة» بشتى أصنافهم.

ليس بوسع هؤلاء النظر إلى موقف الإسلاميين من النظام السوري بوصفه انحيازا للإخوان السوريين الذي يشكلون طيفا من الناس، لأن الموقف هو في جوهره انحياز للحرية أكثر من أي شيء آخر، وإذ صحّ أنهم (أي الإسلاميين) قد ترددوا بعض الشيء في موضوع البحرين فلاعتبارات تتعلق بموقف شعوب الخليج كلها مما يجري، وربما سائر الشعوب العربية الأخرى بسبب الحشد المذهبي الذي يجتاح المنطقة، والذي لا تتردد إيران في منحه المزيد من الوقود بممارساتها، ومن ضمنها هذا الانحياز السافر للنظام السوري الذي تفوح منه رائحة الطائفية.

الغريب أن التيار القومي واليساري هنا في الأردن هو المدافع الشرس عن النظام السوري، بينما لم نعثر على شيء من ذلك في مواقف التيار ذاته في مصر على سبيل المثال، ولا نعرف إن كان أولئك يعانون مثلنا من نقص هرمونات الوطنية والقومية، أم أن انحيازهم للحرية يتفوق على انحياز أصحابنا هنا إليها؟!

المثير للدهشة أن بعض القوميين واليساريين المنحازين للنظام السوري (نكرر بعض)، يدافعون عن النظام الليبي أيضا، وهنا تتبدى المفارقة، لأن الأخير ليس مقاوما ولا ممانعا، بل تسوّل بقاءه في السلطة عبر الدوس على كل المعاني القومية والوطنية، وهو اليوم يملك الاستعداد للمزيد من الانبطاح لو مُنح الفرصة.

وما دام أصحابنا شطارا في التقاط التصريحات وتوظيفها، فإننا نجد من الواجب تذكيرهم بتصريحات رامي مخلوف (ابن خال الرئيس) لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، والتي قايض فيها أمن سوريا بأمن الكيان الصهيوني.

هناك نقاط كثيرة لا تستحق الرد في كلام أصحابنا مثل حديثهم عن البعد الطائفي الذي يتورط فيه النظام وليس الشعب، أو تآمر الجزيرة (كانت عظيمة قبل ذلك) أو مؤامرة تفكيك المنطقة، لكن ما قلناه يبدو كافيا، لا لإقناعهم بالعدول عن موقفهم، بل لتوضيح الموقف لمن يمكن أن يُخدعوا بمثل هذا الخطاب.

================

أسطورة المؤامرة في الإعلام السوري

د. عبد الله تركماني

القدس العربي

9-7-2011

في عصر المعلوماتية والفضائيات المفتوحة على حقائق الصور المعبّرة يبدو واضحاً، منذ بداية اندلاع التظاهرات الشعبية السورية في 15 مارس/آذار الماضي، أنّ إصرار السلطات على استبعاد وسائل الإعلام العربية والدولية من الحضور، وكذلك منع منظمات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية من رصد الانتهاكات في المدن السورية، وإصرارها على أن تكون الراوي الوحيد والمعتمَد على ما يُرتكب من فظائع الشبيحة وقوات الأمن، تعني أنها ترتكب من الآثام الكبيرة مما لا تريد 'له أن يصل إلى العرب والعالم الخارجي فيُفتضح أمرها' وتتأكد جرائمها، وتفتقد شرعيتها، وتدنو ساعة رحيلها.

فور اندلاع الحراك الشعبي بادرت الماكينة الإعلامية الى اعتماد نظرية المؤامرة، وهي نظرية لا تغيب عن الأدبيات السياسية السورية الرسمية إلا لتطل كلما لاحت بوادر أزمة ما، كما أنها تنفق الكثير من وقتها وأموالها وكوادرها لتضليل الناس والتشويش على الإعلام الحر: تبتدع شهود عيان مزورين، وتنتج مواد مصورة ملفقة، وتضع واجهات مراكز دراسات استراتيجية لتسويق نظريتها في وسائل الإعلام العربية والأجنبية، بل تحاول اختراق المؤتمر التشاوري لنشطاء ومثقفي الشأن العام المعارضين في فندق سمير أميس بدمشق.

وعندما تلجأ السلطة إلى منع وسائل الإعلام العربية والعالمية من تغطية الأحداث كشاهد محايد، وعندما تمنع هيئات حقوق الإنسان من الوصول إلى ميادين المدن والبلدات التي استخدمت فيها الدبابات والمدافع الثقيلة والمروحيات واستُخدم فيها الرصاص الحي والتعذيب - حتى ضد الأطفال - لنقل الصورة الحقيقية، فإنها في حقيقة الأمر تؤكد أنها عقدت العزم منذ بداية الحراك الشعبي - على ارتكاب جرائم بشعة، مما يقتضي إبعاد الشهود ومنع كاميرات الفضائيات.

فقد أعقب سياسة الرد بالقوة والاعتقال البدء بحملات إعلامية، ركزت فيها الأجهزة الإعلامية الرسمية على فكرة المؤامرة والتدخلات الخارجية، قبل أن تبدأ الحملة الكلام عن 'العصابات المسلحة' و'الإمارات السلفية' ذات الشعارات الطائفية، وصولاً إلى الكلام عن عمليات استهداف الجيش والقوى الأمنية.

إنّ الإعلام السوري يعيش في العصور الحجرية وكأنه لا يعلم بأنّ العالم أصبح قرية صغيرة بفضل التقدم الهائل في تكنولوجيا وسائل الاتصال المتطورة والحديثة، خاصة المواقع الإلكترونية للتواصل الاجتماعي. ومما يؤكد فشل هذا الإعلام أنه إما جاهل في كيفية التعامل مع الأحداث أو أنه أداة تستقبل ما يؤمر به وينفذ فقط، أي أنه جهاز لا يختلف عن أجهزة الأمن التي تفرض عليه ما يقول وما يرسل عبر التلفزيون السوري. وعلى سبيل المثال نسمع كثيراً أنّ بعض 'المتآمرين' نفّذوا في بعض المدن السورية أعمالاً تخريبية، أو أنّ بعض 'المندسين' في صفوف المتظاهرين استخدموا الرصاص ضد التظاهرات، أو أنّ بعض 'العملاء' قاموا بحرق المنشآت العامة واعتدوا على أملاك الدولة. ولم يضع الإعلام الرسمي في اعتباره أنّ مثل هذه الادعاءات - إن صحت - لابد من توثيقها بالصوت والصورة وهي مهمة الإعلام الحديث اليوم، أما أن يكتفي بهذه الأقوال في ظل غياب الشفافية فإنّ مصداقيته ضعيفة. وبين يدي الإعلام العربي والعالمي اليوم ما يكفي من الوثائق والأرقام والأسماء والفيديوهات التي تكذِّب السلطة السورية وإعلامها.

ففي البداية ادعى الإعلام السوري أنّ وراء التظاهرات جهات خارجية، فاعتُقِل أحد الناشطين المصرين وأُجبِر على الاعتراف، كما نقل التلفزيون السوري الرسمي، بأنه عميل لجهات أجنبية، ولكنّ السلطة السورية اضطرت لإطلاق سراحه بعد أيام لأنّ لديه جنسية أمريكية، وقد تحدث الرجل حين وصل إلى القاهرة عما حدث معه فسقطت ألاعيب السلطة السورية.

كما قدم مراسل وكالة ' رويترز ' للأنباء سليمان الخالدي، في 27 مايو/أيار الماضي، شهادة عما يجري في سورية من تعذيب للمتظاهرين، قائلاً: 'كان الشاب معلقاً من قدميه ومتدلياً رأساً على عقب وتسيل رغاوي بيضاء من فمه وكان أنينه غير بشري. هذا مشهد من مشاهد كثيرة للامتهان الإنساني التي رأيتها خلال استضافتي بالإكراه في المخابرات السورية حين اعتقلت في دمشق بعد أن قمت بتغطية أنباء الاحتجاجات في مدينة درعا بجنوب سورية'.

أما الباحثة البولندية باتريسيا ساسنال فقد قالت في رسالة خاصة أرسلتها لرئيس تحرير الموقع الإلكتروني 'كلنا شركاء في الوطن' في 3 يوليو/تموز الجاري: أود أن ألفت انتباهكم لكيفية قيام وكالة الأنباء الوطنية السورية 'سانا' بتشويه تعليقات حول حلقة دراسية عقدت في وارسو الأسبوع الماضي حول 'ربيع العرب'. إذ أشارت ساسنال، التي تختص في سياسات الشرق الأوسط في المعهد البولندي للشؤون الدولية، إلى أنها قالت بأنّ النتيجة الأكثر احتمالاً هي 'أن ينجو النظام السوري من هذه المرحلة، رغم أنه سيكون أضعف بشكل كبيرô'. لكنّ 'سانا' نقلت عن لسانها 'إنّ سورية ستجتاز الأزمة التي تمر بها وهي أكثر قوة'.

وهكذا كان التضليل ينضح من كلمات الإعلام السوري الرسمي، ومن أشداق محطاته التلفزية والإذاعية، وكان جهد العاملين فيه، وجهد من يقف وراءهم، يتركز على فبركة واقع لا يمت إلى واقع سورية بصلة، ينقسم السوريون فيه إلى 'أقلية مضلَلة ومجرمة وقاتلة' لا بد من تصفيتها، وأغلبية مخلصة طيبة قدر ما هي بريئة، من الضروري إنقاذها، ب'سفك دماء الأقلية المجرمة'. وهذا الواقع المصطنع والوهمي تترتب عليه نتائج عملية على قدر استثنائي من الخطورة، أقله أنه يدعو السوريين إلى قتل بعضهم بعضاً.

لقد خسرت السلطة الأمنية معركتها الإعلامية، إذ أنها لدلالة رمزية بالغة الأهمية أنه لأول مرة في تاريخ سورية المعاصر يستطيع إعلام الثورة الشعبية أن يفضح الإعلام الرسمي ويهزمه بأدوات بسيطة، ولكنها عصرية وذكية وماهرة وذات مصداقية عالية. فقد امتلك الثوار الشباب الأداة التي تمكّنهم من نقل صورتهم وصوتهم على نحو لم تعد فيه هذه الصور داعمة لخطاب أيديولوجي ما، بل باتت هي الخطاب في حد ذاته. وهكذا فالعالم اليوم يعرف حقيقة ودموية وفظائع ما تقوم به السلطة وأمنها وشبيحتها ضد الشعب السوري الموحد والأعزل والمسالم، ولذلك لم يعد في إمكان العديد من دول العالم تجاهل ردود فعل شعوبها.

وعليه، لا بد من وقف إعلام الدم والتحريض، إذا كان يراد للأزمة السورية الراهنة أن تُحل في أجواء من العقلانية والتوافق والحوار، وكانت هناك رغبة جدية في تفكيك البنية الأمنية للسلطة والانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية بما يرضي الشعب السوري.

إنّ منع الإعلام العربي والعالمي من مواكبة انتفاضة الشعب السوري العظيمة سمح ويسمح بتجاوز عتبة المصداقية المهنية، ويضع السلطة السورية أمام أشباح تقاتلها بأدوات الإعلام الرسمي العقيمة. وفي الواقع فإنّ التركيز على نظرية المؤامرة من قبل الإعلام السوري لا يخدم النظام، بل العكس تماماً، ففي هذا القول الدائم إشارة ضمنية إلى تخلّي السلطة عن مسؤوليتها الأساسية في حماية مواطنيها، وملاحقة الشبيحة، لأنها هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن حماية المواطنين، واستتباب الأمن والنظام، بدلاً من الانخراط في صراع عقيم مع أدوات المؤامرة الافتراضية، والوسائط المتعددة.

وفي هذا السياق يمكن طرح مجموعة أسئلة: لماذا لا يُقتل أحد ولا تظهر العصابات المسلحة خلال التظاهرات المؤيدة للنظام، بل لماذا يُقتل الناس فقط خلال التظاهرات المعارضة ولماذا تظهر العصابات المسلحة في الأماكن التي شهدت تظاهرات واحتجاجات ضد النظام والرئيس بشار الأسد أو طالبت بإسقاطه ؟ ولماذا يصف الإعلام السوري التظاهرات المعارضة بالقليلة العدد ويقدر المشتركين فيها فقط بالمئات، فيما يصر على مليونية أية تظاهرة مؤيدة للنظام؟ ولماذا يصور التلفزيون السوري، وهو تلفزيون الدولة السورية يشارك كل السوريين في ميزانيته من خلال الضرائب التي يدفعونها، في تصوير التظاهرات المؤيدة على الهواء مباشرة بينما لا يصور تظاهرات الجزء الآخر من الشعب السوري؟ ولماذا لم تسمح السلطات السورية للصحافة العربية والدولية بالدخول إلى سورية إذا كان هناك متطرفون وسلفيون وعصابات مسلحة، أليس السماح للصحافة ووسائل الإعلام الأجنبية أفضل وأكثر فائدة للحكومة السورية التي 'تتصدى' للإرهاب والمسلحين التكفيريين؟

إنّ هذا الإعلام يستمد أسلوبه وتوصيفاته الجاهزة ولغته الخشبية وتعابيره الجوفاء المكررة، التي حفظها الناس ويتوقعونها في كل مرة يظهر مقدم النشرات الإخبارية على شاشة التلفزيون السوري، من فكر النظام نفسه وبنيته الأمنية ونظرته الوصائية لمطالب شعبه وإنكاره لوجود معارضة مستقلة، واستعداده الدائم لنسبة أي تحرك يطالب بالتغيير الديمقراطي إلى نظرية الاستهداف الخارجي.

إنه يعيش عالمه الخاص ولا يوحي بتعاطٍ يرتقي إلى أزمة عميقة تطال جميع جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وتهدد مستقبل الدولة السورية، فلا يكفيه أن ينقل موقف السلطة وروايتها كمن يغني في غرفة مغلقة فلا يسمع إلا نفسه. وأمام إصراره على روايته واتهام وسائل الإعلام باستهداف سورية، فإنّ المطلوب من السلطة أن تسمح لوسائل الإعلام بأن تغطي الواقع السوري، وفي هذه الحالة لا يمكن لوسائل إعلام متعددة أن تجمع على تزوير الحقائق، حتى لو أرادت. ومن المؤكد أنه لا يمكنها تجميل وجهها الخارجي بواسطة بضعة مراسلين ينتمون إلى مؤسسات إعلامية بريطانية وأمريكية مختلفة، سمحت لهم مؤخراً بالتغطية الإعلامية برفقة مراقبين أمنيين.

إنّ الثورة السورية تتصاعد وهي تشطب كل يوم أساطير شاعت عن المؤامرة الخارجية، وعن الجهات الداخلية التي كادت تبدو كأنها ميليشيات علنية مسلحة، أو خلايا سرية نائمة استفاقت فجأة لحظة اندلاع الحراك الشعبي. ويبحث نشطاؤها عن أفضل السبل لتفكيك 'مملكة الخوف' وإعادة بناء جمهورية المواطنة، والانتقال بسورية إلى دولة مدنية ديمقراطية لكل أبنائها.

================

سورية: تدخل امريكي مرفوض

عبد الباري عطوان

2011-07-08

القدس العربي

 بعد خمسة اشهر من انطلاقة فعاليات الانتفاضة الشعبية المطالبة بالتغيير الديمقراطي، مازال المشهد السوري على حاله، مئات الآلاف من المحتجين ينزلون الى الشوارع رافعين شعارات تطالب بسقوط النظام، بينما تقوم قوات الامن في المقابل باطلاق النار لتفريق الاحتجاجات، مما يؤدي الى سقوط العشرات من الشهداء.

رهان السلطات السورية على 'تعب' الشعب او استسلامه بسبب شراسة الحلول الامنية، وتزايد اعداد ضحاياه، نتيجة لتغولها، ثبت فشله، فمن الواضح ومن خلال التصاعد المطرد في اعداد الضحايا اسبوعياً، ان الشعب لم يتعب، ولم يرفع الراية البيضاء، ومستعد للسير في الطريق نفسه مهما تضخم حجم التضحيات.

مدينة 'حماة' التي شهدت المجزرة الاكثر بشاعة في التاريخ السوري بمختلف حقباته، استعادت زمام المبادرة، واصبحت الميدان الرئيسي للمواجهة بين الشعب والسلطات الحاكمة، وينعكس ذلك بوضوح من خلال نزول نصف مليون انسان كل يوم جمعة في ميادينها، وشوارعها الرئيسية، للمطالبة بالتغيير الديمقراطي.

حدثان رئيسيان يمكن ان يحدثا انقلاباً رئيسياً في المشهد السوري، الاول: زيارة سفيري الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا للمدينة 'حماة' يوم امس بهدف التضامن مع المحتجين والاتصال بقادتهم حسبما جاء في البيان الرسمي الامريكي. الثاني: اغتيال 'مغني الثورة' ابراهيم قاشوش مثلما يطلق عليه في المدينة، بطريقة بشعة باستئصال حنجرته، والقذف بجثته في نهر العاصي.

السلطات السورية اتهمت السفير الامريكي روبرت فورد بتقويض جهود الحكومة السورية الرامية الى نزع فتيل الاحتجاجات، وقالت الدكتورة بثينة شعبان الناطقة باسم الرئيس بشار الاسد ان المستر فورد اجرى اتصالات واقام صلات مع المسلحين، ووصفت هذه الزيارة التي قالت انها غير مرخصة بانها 'تنتهك الاعراف الدبلوماسية'.

الدكتورة شعبان استخدمت تعبير 'غير المرخصة' في الاشارة الى زيارة السفير الامريكي لمدينة حماة، ربما للتفريق بينها وبين زيارة سابقة قام بها السفير الامريكي الى جانب عدد من السفراء الاجانب الآخرين الى مدينة جسر الشغور قرب الحدود التركية، بدعوة من الحكومة السورية للتعرف على حقيقة الاوضاع فيها، وخاصة وجود مسلحين متطرفين اطلقوا النار على قوات الامن وقتلوا العشرات منها.

' ' '

السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة، هو حول اسباب عدم منع قوات الامن السورية للسفيرين الامريكي والفرنسي من زيارة المدينة، وانتهاك الاعراف الدبلوماسية بالتالي، فالامن السوري يعرف 'دبيب النملة'، ومن غير المنطقي القول بانه لم يعلم مسبقاً بهذه الزيارة، واذا لم يكن يعلم فعلاً فانها كارثة وان كنا نشك في ذلك.

التقليد المتبع في العرف الدبلوماسي، هو استدعاء الدولة المضيفة لاي سفير يخترق القواعد والقوانين، ويخرج عن مهامه المحددة له وفق المعاهدات الدولية بشأن العمل الدبلوماسي، وخاصة التدخل في الشؤون الداخلية، يتم استدعاؤه وتوبيخه، وقد يلحق ذلك ابعاده من البلاد، في غضون مدة محددة، غالباً ما تكون ساعات، عقاباً له.

لا نعرف ما اذا كانت السلطات السورية ستذهب الى هذا الحد في تعاطيها مع اختراق السفيرين الامريكي والفرنسي، ام انها ستكتفي بانتقاداتها الاعلامية لهما، تجنباً لازمة دبلوماسية قد تنشأ مع حكومتيهما، خاصة انها بذلت جهداً كبيراً لعودتهما الى دمشق، وفي حالة السفير الامريكي على وجه التحديد.

الانتفاضة الشعبية الديمقراطية السورية ليست بحاجة الى تضامن السفير الامريكي معها لانها قامت بشكل عفوي، ورداً على ممارسات ديكتاتورية قمعية اذلت اجهزتها الامنية الشعب السوري وصادرت حرياته وحقوقه المشروعة في التعبير والمشاركة في الحكم في اطار مؤسسات تنفيذية وتشريعية منتخبة عبر صناديق اقتراع في انتخابات حرة ونزيهة.

بمعنى آخر، هذه الانتفاضة لم تكن بايعاز من امريكا او تحريض من فرنسا، وكان المفجر لها إقدام قوات الامن في مدينة درعا على اعتقال اطفال صغار، وتعذيبهم، واهانة ابائهم لانهم كتبوا شعاراً على حائط يطالب باسقاط النظام.

السفيران الامريكي والفرنسي الحقا ضرراً كبيراً بهذه الانتفاضة الشعبية العفوية بزيارتهما الى مدينة حماة، واظهار التضامن مع اهلها، وقدما في الوقت نفسه هدية ثمينة للسلطات السورية يمكن ان تستخدمها ضد الانتفاضة وقيادتها، وقد بدأت عمليات 'التوظيف' لها بالايحاء بان قوى خارجية وامريكا على وجه التحديد، تقف خلف هذه الانتفاضة.

الشعب السوري، بشقيه في الداخل والخارج اكد دائماً على رفضه اي تدخل خارجي في شؤون ثورته، وقاطعت الغالبية الساحقة من جماعات المعارضة السورية في الخارج المؤتمر الذي اشرف على تنظيمه برنارد هنري ليفي الفيلسوف الفرنسي المدافع الاشرس عن اسرائيل وسياساتها العدوانية وجرائم حربها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة واللبنانيين في جنوب لبنان.

من الواضح، وبعد احتجاجات امس، ان فرصة الحوار التي طرحتها السلطات السورية على شخصيات وفعاليات المعارضة الداخلية، قد تبخرت ووصلت الى طريق مسدود حتى قبل ان تبدأ الخطوات العملية لتطبيقها على الارض. فالهوة واسعة بين السلطة والمعارضة، بل وتزداد اتساعاً جمعة بعد اخرى مما يعني ان الامور تتجه وبسرعة نحو المزيد من التأزم، فالمعارضة في غالبيتها الساحقة مصرة على شعارها بحتمية تغيير النظام، والنظام متمسك بالحلول الامنية، اعتقاداً منه انها الطريق الوحيد للوصول الى بر الامان والبقاء بالتالي.

الحوار يحتاج الى تهيئة مناخات الثقة بين جميع الاطراف حتى يبدأ ويعطي ثماره امناً واستقراراً وشراكة ديمقراطية حقيقية، ولا نعتقد ان هذه المناخات موجودة الآن، او ان اياً من الطرفين يسعيان لايجادها، وان كان النظام يتحمل المسؤولية الاكبر في هذا المضمار.

فكيف يمكن ان ينجح هذا الحوار عندما نشاهد 'مطرب الثورة' ابراهيم قاشوش وقد اغتيل بهذه الطريقة البشعة التي توحي بان النظام غير مستعد لتحمل حنجرته واغانيه الانتقادية، وكيف يمكن ان يثمر هذا الحوار مناخات للثقة، واحد رجالات النظام ينهال ضرباً ولكماً على احد المشاركين في لقاء سميراميس للمعارضة وامام عدسات التلفزة لانه هتف باسقاط النظام.

الشعب يطلق اسم 'لا للحوار' كشعار لاحتجاجات يوم امس، والنظام يواصل استخدام حلوله الامنية بالشراسة نفسها، والسفيران الفرنسي والامريكي يحاولان ركوب الانتفاضة دون ان يطلب منهما احد اي تضامن او مساندة، فالخلاصة التي يمكن التوصل اليها هي القول بان ايام سورية المقبلة صعبة واكثر دموية، وهذا امر مؤلم بكل المقاييس.

================

سورية ولبنان معاً في «الممانعة» والصراع على الديموقراطية

السبت, 09 يوليو 2011

بهاء أبو كروم *

الحياة

يكاد مشهد التغيير في سورية يفرض نفسه على لبنان بقدر لا يقل عما تشهده مجريات الأحداث هناك، ويُستدل من التطورات التي شهدها لبنان أخيراً أن هذا البلد قد وُضع في مسار مترابط مع مصير النظام في سورية. فالحكومة التي تشكلت برئاسة نجيب ميقاتي دخلت في شكل مباشر في معترك سياسي موضوع سلفاً في خانة المصلحة السورية التي تتحضّر لمرحلة طويلة من الحصار الدولي سيكون لبنان متنفساً لها فيما إذا نجا هو من العزلة الدولية أو العقوبات التي تزداد مبرراتها بعد الإطلالات الأخيرة لأمين عام «حزب الله» حسن نصر الله الذي رسم معالم المواجهه المقبلة مع المجتمع الدولي ودوله الرئيسة.

ولبنان «الرسمي» أُقحم في استراتيجية النظام السوري منذ اليوم الأول للأحداث هناك وتعاطت سلطاته مع موضوع اللاجئين السوريين الذين عبروا الحدود بطريقة تدل على مستوى التنسيق القائم بين البلدين، وهو تنسيق منحاز إلى خدمة النظام وتطلعاته الأمنية التي يظللها المجلس الأعلى اللبناني - السوري الذي تشكل بعد اتفاق الطائف وشرّع مرحلة الوصاية السورية التي فُرضت على لبنان.

في الشكل، فقد ارتبط لبنان بسورية تاريخياً، ومعادلة الارتباط هذه نشأت وفقاً لقواعد تمثلت بشروط الجغرافيا والتاريخ المشترك وبالتسويات الدولية التي حصلت على حساب لبنان والتي قطفت سورية ثمارها حتى عام 2005، إضافة إلى أن هشاشة الواقع اللبناني أمدت نفوذ القبضة السورية وخلقت كيانات محلية شبيهة بها وبطبائعها حيث تآلفت معها في مشروع إقليمي ذي وجهة واحدة. أما في المضمون، فقد ارتبطت أيضاً بالنمط الاستبدادي الذي تمدد باتجاه لبنان مستفيداً من مبررات كان له الفضل باختلاقها. إضافة الى أن الفارق بين النظامين اللبناني والسوري ألحق ديموقراطية لبنان بتبعية لا تراعي شروط تنوعاته.

بالتأكيد لم يكن لبنان ليشعر بثقل العلاقة بين البلدين لولا بقي السياق الذي حكم هذه العلاقة يصب في إطار العلاقات المتكافئة، وبالتالي كان لذلك أن يعتمد على إدارة سورية مختلفة عما نراه اليوم وتنتهج مقاربة أكثر احتراماً للتنوعات السياسية.

أما وقد ثبت بعد تجربة استمرت ل 29 عاماً من الوجود السوري في لبنان وبضع سنوات تلت خروجه أن المقاربة السورية تجاه هذا البلد لم تطوّر نفسها، فإن ما يخبره السوريون هذه الأيام يخلص إلى النتائج ذاتها. ولذلك، فإن بداية حلم اللبنانيين بديموقراطية سورية؛ تخفف من التحاقهم بالمدى الاستبدادي؛ قد تكون في محلّها وتستحق منهم الانتظار، لكن ليس أكثر من ذلك! فالسؤال اللبناني لم يعد ليقتصر على هذا الأمر، والمشكلة الداخلية التي تعصف بلبنان لا تقل شأناً ولا تختلف عن جوهر الصراع الذي تعيشه سورية، إذ إن الموضوع بات يتعلق بالديموقراطية في شكل عام في وجه محاولات الاستعصاء عليها أو تكبيلها في أبسط الأحوال. فبعد إسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي ترأسها سعد الحريري وترنّح التسوية على موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي، أتى القرار الاتهامي الذي يتهم عناصر من «حزب الله» وآخرين ليفتتح مرحلة جديدة من الصراع الداخلي يتكشّف عنها نمط في التعاطي يتماهي مع العقلية التي تسير وفقها أنماط الاستبداد في المنطقة. وهو اقتباس لا يختلف بتفاصيله بين نموذج وآخر لأنه يعمل وفقاً لآلية واحدة ويعتبر أن غبار معاركه الخارجية لا تتيح رؤية العناصر الداخلية من المشهد. وهو تقدير يعاكس اتجاه الربيع العربي الذي يولي الداخل أهمية رئيسة.

من هذه الزاوية، فالأطراف التي ترفض التعاون مع المحكمة أهدرت فرصة تحييد البلد عن تداعيات القرار الظني وعن التدويل لأنها أسقطت تفاهماً كان يرتكز على تنازل غير مسبوق من سعد الحريري يصل به إلى حدود التخلي عن كل شيء، لكن حتى ذلك لم يكن ليُرضي أصحاب الشأن الذين يستسهلون مقارعة الشرعيات الداخلية والخارجية بأخرى تشرّع لهم كل أدوات «المواجهة» التي تحوم حولها إشكاليات كثيرة!

من البديهي اعتبار الجرح الذي يخلفه القرار الاتهامي في اللبنانيين عميقاً لأنه يكشف حقائق لا يريد معظمهم تصديقها، إنما الموضوعية تقتضي القول إن قواعد العيش المشترك تقوم على المصارحة والتسامح وليس على فرض النسيان بالقوة، فإذا خلّف اتهام عناصر من «حزب الله» مظلومية ما وراءه، فإن مسلسل الاغتيالات الذي بدأ مع كمال جنبلاط عام 1977 ولم ينته مع اغتيال رفيق الحريري عام 2005 خلّف مظلومية أكبر بكثير، وصحيح أنه لا يمكن إدارة البلاد على قاعدة رمي المظلوميات واحدة تجاه الأخرى إنما أيضاً لا يمكن أن يكون هناك اتهام بهذا القدر من التعقيد يقابله تجاهل بهذا القدر من التبسيط، ومن دون تقديم حلول جدية لمشكلة واجهت اللبنانيين طيلة عقود ولا تزال أدواتها قائمة لحد الآن.

ثمة ربط نزاع قائم بين ما يحصل في سورية وما يشهده لبنان، وعلى رغم أن لذلك تأثيره في مجمل المشهد في المنطقة، إنما وضع الساحة اللبنانية في خانة واحد من الخيارات الإقليمية المتصارعة وإغفال عناصر تمايزه عن المحيط فيه شيء من الدخول في المجهول، خصوصاً أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تحمل من الأعباء قبل انطلاقها ما يجعل ترنحها أمام التحديات مسألة وقت ليس إلا، فإغفال التسوية الداخلية في هذه المرحلة يعني الذهاب إلى صراع مفتوح اكتملت شروطه مع صدور القرار الاتهامي الذي لا يمكن مواجهة تداعياته بالإطلالات الخطابية وحدها.

================

الحوار أو التفاوض: حل ممكن للسوري الحسن النية... ولسيئها أيضاً

السبت, 09 يوليو 2011

جمال أحمد خاشقجي *

الحياة

عندما تسفك دماء المتظاهرين في الشوارع، ويهانون ويعتقلون بالمئات، وعندما تقاد التظاهرات من الشباب، وتتعدد القوى السياسية وتتداخل بين محترفة معارضة وجديدة طارئة، وناس في الداخل وآخرين في الخارج، يصبح التنسيق والاتفاق صعباً على التفاصيل إلا على «الشعب يريد إسقاط النظام»، وعندما تصبح الفضائيات ساحة للمزايدة ورفع سقف المطالب، حينها يسيطر على الجميع شعار «لا حوار حتى إسقاط النظام».

كل هذا حصل ويحصل في سورية، وليتهم يتعظون بفشل أسلوب كل شيء أو لا شيْء الذي وقعت فيه الثورتان اليمنية والليبية.

الحوار أو التفاوض تكتيك جيد دائماً لكسر الجمود، وتدوير الزوايا، وأداة ضرورية للمناورة، ولا يكون عادة بين أصدقاء، بل بين أعداء يكيد كل طرف منهم العداء للآخر. يمكن أن تدخل طاولة الحوار حاملاً أسوأ النيات بينما تبدي أحسنها، والغريب أن الحوار والتفاوض ميزة ترفع من قيمة المعارض الذي كان النظام لا يتعامل معه إلا بالجلب إلى دائرة الاستخبارات، فإذا به يرتفع بفضل الثورة فيجلس مع رؤوس النظام الذي يخفضهم الحوار من عليائهم وهم القادمون من نظام قمعي شمولي لا يحسن غير سياسة «ما أريكم إلا ما أرى»، وإذا برئيس الاستخبارات أو نائب الرئيس يتواضع ويخاطب المحامي أو إمام المسجد الذي كان معتقلاً تحت رحمته قبل أيام قائلاً: «يجب أن نعمل معاً يا أستاذ من اجل مصلحة البلد».

حصل هذا في مصر عندما دعا نائب الرئيس عمر سليمان وفوداً من الأحزاب والقيادات الشبابية للحوار معه، في الأيام الأولى للثورة المصرية. لم يتم الاتفاق على شيء يذكر. الجميع كان يناور. النظام يريد أن يقسم المعارضة وإضعاف جذوة الغضب في ميدان التحرير، والأحزاب بخاصة «الإخوان المسلمين» يومها كانوا يريدون كسر «تابو» عمره نصف قرن جعلهم جماعة محظورة وهم من هم على الساحة السياسية.

ذلك اللقاء الشهير غطي في شكل واسع حتى من الفضائيات العربية، أحد نتائجه هو أنه أرسل رسالة الى المحتشدين في التحرير بأن هذا النظام يتهاوى بعدما شرع في قبول ما كان يحرّمه ويمنعه.

هذه هي الرسالة التي يحتاج إليها السوريون بعدما عجز عنها الليبيون واليمنيون ما أدى إلى تكلس حال الثورة عندهم وانسدادها إلا على العنف. النظام السوري لا يجيد الجلوس الى طاولات المفاوضات. يجيد الجلسات الاستعراضية الشكلية ذات البرنامج المحدد والهتافات المتفق عليها سلفاً، أما الحوار الحر، فهذا شيء جديد، ولعل ذلك يشرح تعطل لغة الحوار في اجتماع الأحد الماضي بين مثقفين وسياسيين واعضاء في مجلس الشعب في فندق بالعاصمة السورية. بدأ الاجتماع برفض من إدارة الفندق لعقده، ثم تلاسن وضرب بين أنصار النظام، ومن هم ليسوا تماماً من أنصار النظام وليسوا تماماً من المعارضة، فإذا كان اجتماع قريب من النظام يلتئم بصعوبة فكيف باجتماع تحضره المعارضة من الداخل والخارج بما في ذلك «الإخوان»؟ بالتأكيد سيرسل ذلك أكثر من رسالة الى سكان دمشق الذين ما زالوا يركنون إلى الدعة والسلامة في بلد جلّه منتفض.

هناك فوائد عدة لدفع النظام نحو الحوار، فإن كنت حسن النية، قد يؤدي الحوار إلى فتح آفاق أوسع للرئيس بشار الأسد من أجل تطبيق إصلاحاته، مثل انتخابات حرة أوائل العام المقبل، تحت رقابة دولية تطلق فيها حرية الأحزاب والتجمع والإعلام. ما سبق سيكون ثورة في سورية المغلقة لو تحقق، ويكفل نقلها إلى عالم آخر من دون كلفة الدم والتدخلات الأجنبية، ولكني أسمع سورياً فقد الثقة في رئيسه ونظامه يصرخ: «مستحيل أن يقبلوا بانتخابات حرة، ستقضي عليهم، لن يفوز منهم أحد». كلامه صحيح ولكن بذلك يتم التدافع السلمي حتى يقبلوا بقوة التاريخ.

هنا يأتي أيضاً توظيف التفاوض من سيء النية، ولكن بمقاصد حسنة. دفع النظام إلى التفاوض يفككه. ينثر الخلافات في صفه الموحد. هناك من سيعارض الحوار بقوة. هل يحتمل ماهر الأسد من يطالب بمحاسبته؟ هل يقبل الرئيس بنقل الكلام القاسي الذي سيقوله عارف دليلة أو المراقب العام ل «الإخوان» على التلفزيون السوري؟ التفاوض يكشف الأنظمة الديكتاتورية ويفضحها.

التفاوض فرصة لفرض الشروط: لن نقبل بأي حوار إلا بعد وقف تام لإطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، وأن يكون الحوار علنياً وبحضور الإعلام العربي والعالمي، وأن تشارك فيه الحكومة التركية كمراقب، وأن نحصل على ضمانات بسلامة المشاركين وأن يشارك الرئيس شخصياً وفلان وفلان. شروط عالية؟ أبداً، إنه زمن الشعوب.

مصادر أكدت لي أن النظام اتصل بقيادات من المعارضة السورية بما في ذلك «الإخوان»، ولكن كلاً على حدة ودعاهم إلى زيارة دمشق للحوار. هذا تكتيك قديم لتقسيم المعارضة. البديل أن تخاطب المعارضة النظام وهي متحدة وتدعوه الى التفاوض وفق شروطها.

بالتأكيد ستعجز المعارضة المتباينة أصلاً عن الوصول إلى إجماع حول الدخول في حوار مع النظام، أو تشكيل الوفد. هذا أمر طبيعي، سيخرج أحدهم من استوكهولم على قناة «الجزيرة» يحذّر المتاجرين بدماء الشهداء، وآخر من باريس على قناة «العربية» يصف الحوار بأنه خيانة لأنه يجري مع حكومة غير شرعية. هذا كله جزء من طبيعة الثورات ولا ينبغي أن يدعو للقلق.

الميزة الأهم لورقة الحوار هي الدعم الخارجي. الدول المستقرة من حول سورية كالأردن والسعودية وتركيا تفضل حلاً توافقياً، ومعها أوروبا والولايات المتحدة، وقد قيل إن الأخيرة قدمت ورقة عن حسنات الحوار تم تسريبها الى صحيفة «الغارديان» الأسبوع الماضي، وهو ما سيشجع هذه الدول على التورط. أقصد الاهتمام أكثر بالشأن السوري وهو ما يزيد الضغط على النظام.

* كاتب سعودي

================

السوريون في حماية السفراء

طارق الحميد

الشرق الاوسط

9-7-2011

ليس من السهل التصديق أن السفيرين الأميركي والفرنسي في دمشق قد انتقلا إلى محافظة حماه لمتابعة ما يحدث هناك من مظاهرات شعبية، وتطويق أمني مكثف من قبل الجيش السوري للمدينة، من دون علم السلطات السورية.

فالنظام السوري كان يحشد قواته حول مدينة حماه طوال الأسبوع، تحسبا ليوم أمس الجمعة، وضمان عدم تكرار ما حدث في جمعة «ارحل» الماضية، وكان العالم كله يراقب، عن كثب، ويحذر من أن دخول القوات السورية إلى حماه بالشكل المرتقب من شأنه أن يُحدث كارثة إنسانية بتلك المدينة.. وعليه فقد تحرك المجتمع الدولي، وبالطبع السفراء الغربيون لدى سوريا، للحيلولة دون حدوث ذلك.

من هنا، فإن المتابع لا يملك إلا الاستغراب من التصعيد السوري ضد السفيرين الأميركي والفرنسي، خصوصا البيان الذي أصدرته الداخلية السورية وقالت فيه: إن «السفير الأميركي التقى، في حماه، بعض المخربين، وحضهم على التظاهر والعنف ورفض الحوار». وأضاف البيان أن الوزارة «استغربت وصول السفير الأميركي إلى حماه بشكل يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية، على الرغم من وجود الحواجز التي يسيطر عليها المخربون وقطع الطرقات ومنع المواطنين من الوصول إلى أعمالهم ووظائفهم».

فإذا كانت الداخلية السورية تستغرب وصول السفير الأميركي إلى حماه، على الرغم من قطع الطرق والحواجز، كما قيل في البيان، فإن المتابع لا يملك أيضا إلا الاستغراب من كيفية تمكن السفيرين الأميركي والفرنسي من مغادرة دمشق والوصول إلى حماه من دون أن تشعر الداخلية السورية بذلك. فسوريا دولة بوليسية بمعنى الكلمة، فكيف لم يتنبه أو يعلم الأمن السوري بوصول السفيرين إلى حماه؟ فهل هذا يعني أن قبضة النظام السوري قد بدأت تهتز في سوريا؟ وهذا ليس كل شيء بالطبع، فعندما يقول النظام السوري إن السفير الأميركي يقوم بعملية تحريض، فقط لأنه قام بزيارة حماه، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة هو: إذن، لماذا أخذ النظام السوري السفراء الأجانب، ومنهم السفير الأميركي، إلى منطقة جسر الشغور قبل أسابيع، ما دام مجرد وجود السفير الأميركي بأي منطقة يعتبر «خيانة» و«تحريضا»؟

الأمر المؤسف الذي لم يتنبه له النظام السوري، والمنافحون عنه، أن أهل حماه ينعمون اليوم بالأمن بسبب وجود السفيرين الأميركي والفرنسي، وليس بسبب حكمة النظام، وهذا أمر لا يسجَّل ضد السفيرين، بقدر ما يسجَّل ضد النظام السوري الذي لم يتنبه إلى حجم ورطته في أعين السوريين؛ حيث قام النظام بعزل محافظ حماه الأسبوع الماضي لأنه ضمن لأهل المدينة أمنهم، واليوم يقوم النظام نفسه بتخوين أهل حماه نظرا لوجود السفيرين بينهم، فما لا يريد النظام رؤيته أن السوريين اليوم باتوا أكثر أمنا في حماية السفراء الأجانب، وليس بوجود الأمن السوري!

وبالطبع، فإن لذلك مدلولات كثيرة، داخليا وخارجيا، والأهم هنا هو البعد الداخلي، فبالنسبة للسوريين بكل شرائحهم وتوجهاتهم، فإن الرسالة التي وصلت لهم هي أنه لولا وجود السفراء الأجانب في حماه لفتك الأمن بالمواطنين، وهذا يعني ببساطة أن شرعية النظام السوري تتآكل بشكل كبير!

========================

ليس هو النظام فقط من يقتل الشعب السوري

09-7-2011

د.مصطفى حميد أوغلو / كاتب أنقرة

مجلة العصر

الشعب السوري هو الشعب الوحيد الذي صمد لمدة أربعة شهور دون أي دعم خارجي، ومع تباطؤ وتواطؤ وتجاهل المجتمع الدولي برمته، الرسمي والمدني، خرج وهو يدرك أنه لا يعول إلا على الله ثم قوة شبابه الذاتية وصلابة عزيمته، عاقدا العزم على نيل الحرية مهما كان الثمن غالياً، وهو يدرك اليوم أن مواقف الدول والمؤسسات المدنية والرسمية سترضخ في الأخير للأمر الواقع، لما يحققونه بثباتهم على سلمية الثورة وزيادة زخمها..

نعم قد يكون العنوان قاسياً وربما متجنياً برأي البعض، لكنها الحقيقة المرة التي يتجرعها الشعب السوري وهو يدفع ثمن الحرية غالياً من دمائه الزكية.

دخلت الثورة السورية شهرها الرابع، وضحت بما يقارب الألفين من خيرة شبابها، ومن أطفالها ونسائها، عدد المعتقلين والمفقودين زاد على الخمسة عشر، وعاش الآلاف من الشعب السوري لأول مرة في تاريخ بلادهم حياة الذل في مخيمات اللاجئين.

ورغم كل مظاهر القتل والتشريد والتعذيب التي تجري أمام الأعين، وفي وضح النهار، ظلت المواقف الشعبية والرسمية، الحكومية منها والمدنية، دون الحد الأدنى المطلوب، صمت عربي وإسلامي مخجل، تواطؤ روسي وصيني واضح، تباطؤ يصل لحد التواطؤ من بقية الدول الأوربية والأمريكية.

كتبت مقالا بعنوان الأغلبية الصامتة خائفة أم خائنة، بينت فيه أهمية الأغلبية في حسم الموقف في كل الثورات وحركات التحرر، ثم جاء خطاب الأسد الثالث، ليراهن هو الآخر على هذه الشريحة، وقال بالحرف الواحد: إن الحياد يزيد طول الأزمة.

وأعود لأقول إن هذه المواقف الحيادية، كما يدعي أصحابها، تسهم ليس في إطالة الأزمة فقط، بل تتحمل وزر كل مواطن سوري قتل، أو تعرض للتنكيل والاعتقال والتعذيب والتشريد، وهو ينادي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

فمن هم الذين يتحملون يحملون هذا الوزر الكبير:

1- الصامتون والمترددون والخائفون حتى الآن من الشعب السوري والعربي والمسلم، الذين يريدون الحرية من دون تضحية، والذين لم يكسروا حاجز الخوف والتردد، ومن غلَّب مصلحته الشخصية، ومركزه ومنصبه، وتجارته على المصلحة العامة، مصلحة الوطن والحرية والكرامة.

2- الدول العربية وحكامها الذين لم يفكروا يوما بإخراج رؤوسهم ليقرؤوا حقيقة ما يدور حولهم، متذرعين بحجة عدم التدخل.

ينتظرون ما يقرره البيت الأبيض، حتى يتململوا من رقادهم، وكأن الدماء التي تنزف ليست عربية ولا تعنيهم، وقد يتعدى الأمر لمساعدة النظام ودعمه ماديا ومعنوياً.

3- جامعة الدول العربية التي سارعت للتنديد بما يجري بليبيا، ولا تزال متفرجة على الدماء تنزف والتشريد والتنكيل. وعجزت عن إيفاد مندوبها لمشاركة شعب عربي أصبح لاجئا في بلد مجاور.

هذه الجامعة التي ظلت لأربعين سنة ترعى لقاءات وزراء الداخلية لإعداد الخط ضد شعوبها، كان عليها أن تغتنم الفرصة لمسح هذا العار على الأقل.

4- منظمة المؤتمر الإسلامي وقد وعدتنا بالتغير والتحرك ونفض الغبار عن الماضي، ولكن هاهي لا تزال تسمعنا جعجعة من دون طحين، ومن أراد العمل لا يعدم الوسيلة. البيانات والتنديد والشجب لم تعد مقبولة لدى الجماهير بعد اليوم.

5-الأمم المتحدة التي لم تحرك ساكناً حتى الآن سوى استهلاك الكلمات والمناداة بالإصلاح، الشعب يريد الحماية وهي تطلب من الجلاد الرأفة بالقتل. تسارع لمواقف ضد السودان وغيره، وتحشد قواها لأبسط الأمور بأماكن أخرى، لكن عندما يتعلق الأمر بدماء المسلمين، فالتأني والحكمة وعدم التسرع صفاتهم وديدنهم.

6- أمريكا والدول الغربية بمواقفها المتباطئة لدرجة التواطؤ العلني، وإعطاء الفرصة تلو الفرصة للنظام ليمعن بالقتل والتشريد ولتنكيل.

7- روسيا والصين المستنكفتان عن فهم طبيعة ونفسية الشعب العربي، وارتهنت مواقفها بالمصالح المادية البحتة الحالية، حتى هذه الناحية لم تفهمها وهاهي تحاول إصلاح مواقفها مع المجلس الانتقالي الليبي بعد أن فقدت الأمل ببقاء العقيد الفذ، ولم تعتبر من الدرس الليبي.

8- الدول الصديقة التي عول الشعب السوري عليها كثيراً، يكن لها المحبة ولقادتها الإجلال والتقدير، التي لا تزال مواقفها ضبابية ومترددة، متأثرة بنظرية المؤامرة، وتنتظر وضوح الموقف الأمريكي أيضا، تأمل أن يصلح العطار ما أفسده الدهر، تخشى الانحياز للشعب خشية عواقب بقاء النظام، ولا تريد معاداة الثورة، فلعلها هي المنتصرة.

هذا الموقف يؤلم الشعب السوري كثيرا، وهو يرى المواقف تتحدد وتقاس بموازين القوى، هاهو يعلن خيبته اليوم من هذه المواقف التي لم تشف غليله، بعد أن كان يرفع صور قادة وأعلام هذه البلاد. الشعوب تريد الدعم في الوقت الحرج، وليس بعد النصر، وشتان شتان بين الاثنين.

والمحزن أن هذه الدول تعول على إرضاء الثورات ببعض المساعدات والمواقف الداعمة حينها. موقف يحتاج لكثير من الجدية والمكاشفة، والجرأة والأقدام في توضيح المواقف قبل فوات الأوان، وعدم الاكتفاء بأدوار ذر الرماد بالعيون، وليس من أنفق قبل الفتح كمن أنفق بعده.

9- المعارضة والشخصيات التي تلهث وراء المظاهر والبروز والمناصب، وتركض وراء التحزب، وتريد اختزال المعارضة في وجهة نظرها.

الشعب السوري هو الشعب الوحيد الذي صمد لمدة أربعة شهور دون أي دعم خارجي، ومع تباطؤ وتواطؤ وتجاهل المجتمع الدولي برمته، الرسمي والمدني، خرج وهو يدرك أنه لا يعول إلا على الله ثم قوة شبابه الذاتية وصلابة عزيمته، عاقدا العزم على نيل الحرية مهما كان الثمن غالياً، وهو يدرك اليوم أن مواقف الدول والمؤسسات المدنية والرسمية سترضخ في الأخير للأمر الواقع، لما يحققونه بثباتهم على سلمية الثورة وزيادة زخمها وتغطيتها الإعلامية الصحيحة.

المعارضة الداخلية والخارجية هي أحوج ما تكون لنبذ أي خلاف، وتأجيل أي مطامع شخصية وحسابات حزبية، عليها تنقية صفوفها من الأنفس المريضة، فالمرحلة مفصلية ولا تحتمل أي تأخر أو تباطؤ، هي صدى للثورة، فعليها أن لا تخيب آمالها، ولا يحق لها وئد الثورة بسبب حسابات خاطئة.عليها أن تكون عند ثقة الجماهير ومحط آماله وتطلعاته.

الوقت يمر والقافلة تسير والثورة تحقق المكاسب يوما بعد يوم، وعلى كل من سبق ذكره، دولا وأفراداً، أن ينظر للمرآة ليرى نفسه، ويعيد حسابه ويحدد موقفه دون أي لبس ولا غبار عليه قبل فوات الأوان.

أعود لعنواني الذي أظنه أغضب وأغاظ الكثيرين، لأتساءل هذه المرة بالعنوان الصحيح، هل من يقتل الشعب السوري هو النظام وحده؟

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ