ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 12/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

ممانعة المؤامرة... أم ممانعة التغيير؟!

د.عبدالله القفاري

المدينة

11-7-2011

  بعض هاجس المؤامرة يتحول إلى حالة مرضية تضعف القدرة على بناء المواقف إذا ظلت تعيش وتعشعش في الاذهان باعتبارها المعبر لفهم حالة حراك أو قضية تحول أو تغيير. الذاكرة العربية المتخمة بهاجس المؤامرة تساهم بوعي أو بدونه في إضعاف الثقة بالقدرة على إحداث التغيير الايجابي

ما يحدث في الشارع العربي منذ مطلع هذا العام، أحدث انقسامات سواء على مستوى الشارع أو النخب داخل وخارج تلك البلدان التي انتفضت شعوبها على أنظمة أنهكتها طويلًا.

بعض تلك التجاذبات تحاول أن تعيدنا لجدلية الاحتمالات المفتوحة على كل المخاطر بغض النظر عن درجات تلك الاحتمالية ووجاهتها، وهي غالباً مثقلة بحمولة أيديولوجية، لايمكن فصلها عن رؤية تلك النخب لهذا الحراك الشعبي الواسع الذي كسر حاجز الخوف والصمت الطويل.

ثمة مواقف وقراءات تصطف الى جانب الارتياب من هذا الحراك وآثاره وارتباطاته واحتمالاته، وهي لازالت تعيش فصول المؤامرة والخطر المحدق بالمقاومة والممانعة، والخوف المفتوح على كل الاحتمالات. بعضها يُحمل على حجم القلق النابع من عجز الذات عن اكتشاف قدرتها على صناعة مستقبلها دون التورط مع أطراف صراع دولي وإقليمي، وبعضها لم يبرح بعدُ منطقة الرماد التي يثير في العيون كثيراً من غبش الرؤية إذا لم ينهكها بعاهة العمى المستديمة. بعضها مشفق على حال هذا الشارع وقلق من مستقبل مجهول، وبعضها متورط في تحالفات مشبوهة ومتضرر من حالة تغيير تطل على أفق المنطقة بعد عقود من التوقف والتسليم.

لم يقف هؤلاء من ثورتيْ تونس ومصر، ليثيروا الكثير من الغبار حول اهدافهما وتطلعاتهما، بل حظيتا منهم بكثير من الاهتمام والدعم والتقدير والاشادة والتحليق في فضاء كان الاصطفاف فيه واضحا جليا. إلا انه بمجرد أن تحركت الاحداث في ليبيا على وقع انتفاضة شعبية غير متوقعة، بدأت تظهر (لكن) مترددة، خاصة بعد تدخل حلف الناتو لدعم انتفاضة شعبية كادت تُسحق في مهدها.

إلا ان الانكشاف الأكبر ظهر في الموقف من الانتفاضة الشعبية في سورية. حيث بدأت تظهر تلك اللاءات، وتعمل بلا تردد في استدعاء هاجس المؤامرة، ومخاطر التفتيت وإجهاض الممانعة في خضم حراك لا مثيل له ولا شبيه للقسوة التي أبداها النظام في مواجهته.

وعلى الرغم من المؤشرات التي تؤكد أن هناك قدرا كبيرا من تحييد الخارج، ناهيك عن حالة الانقسام الدولي تجاه التعاطي من الشأن السوري، إلا توظيف المؤامرة الخارجية تظل الرمزية التي تعمل عليها تلك الرؤى في محاولة - لم توفق حتى اليوم - في إضعاف الحراك الشعبي او تطور وسائله، او تنامي قوى الداخل المؤيدة له.

ومن يتتبع المواقف الدولية سيجد أنها فعلا لا تعمل في صالح استدامة مشروع الحراك الشعبي، أو أنها جادة في طلب رحيل النظام. إنها تتحدث عن تغيير سلوك النظام!!. إنها حالة مدهشة من التوافق بين فريق الممانعة، والموقف الامريكي تحديدا، وهو الموقف الاكثر تأثيرا في سياق التحولات في المنطقة العربية والاكثر تضررا منها ايضا. أما الموقف الاوروبي فهو ايضا ليس متطابقا تماما، وإن كان الصوت الفرنسي هو الاعلى، ولكن مهما كانت قدرات فرنسا او بريطانيا فهي لن تكون حاسمة في مشهد التحولات الكبرى في المنطقة، ولنا في المشهد الليبي ما يكفي من دلالات على ضعف اوروبا في مواجهات الحسم حتى مع نظام العقيد الاقل تعقيدا من النظام السوري. ثمة صراع خفي بين الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا حيال المواقف من هذه التحولات بعد عقود طويلة من الهيمنة الامريكية.

توظيف نظرية المؤامرة لإجهاض مشروع تغيير، يمكن أن تُمرر على الذين لا يقرأون هذه التحولات إلا من منظار الدعاية الإعلامية للنظام وتحالفاته الاقليمية، وهم مسكونون بهاجس لا يثق بقدرة هذه الشعوب على التغيير، ولا يرون هذا الحراك العفوي الذي يطور من قدراته كل يوم ويواصل إصراره على التغيير، إلا من خلال دعم لابد أن يكون بمستوى مؤامرة كبرى تستهدف إجهاض جبهة الممانعة او نظام المقاومة!!.

بعض هاجس المؤامرة يتحول الى حالة مرضية تضعف القدرة على بناء المواقف اذا ظلت تعيش وتعشعش في الاذهان باعتبارها المعبر لفهم حالة حراك او قضية تحول أو تغيير.

الذاكرة العربية المتخمة بهاجس المؤامرة تساهم بوعي أو بدونه في إضعاف الثقة بالقدرة على إحداث التغيير الايجابي.

هل تقوى أي مؤامرة مهما كانت قدرتها على خلق هذا الحراك الكبير الممتد جغرافياً وشعبياَ.. هل هذه المؤامرة/الانتفاضة تعمل لصالح الولايات المتحدة الامريكية، وهي الضامنة لأمن اسرائيل وحلفائها في العراق، أم أن هذا الحراك مفتوح على احتمالات قد تكون هي الاخطر على جبهة نعمت بهدوء لا نظير له منذ اربعة عقود؟!

إن التغيير في سورية سيعني التأثير على معادلة الصراع مع الكيان الاسرائيلي، كما يعني حتما التأثير على لبنان والعراق وربما أدى إلى انهيار التحالفات الإقليمية في المنطقة .. ثمة فارق بين حالة حراك تغيير تقودها مجموعات أو شخصيات او قوى لها مواقفها وارتباطاتها، ويمكن قراءة أبعاد مشروعها، وبين حالة انتفاضة شعبية بلا حاضنة دولية حتى اليوم، لم تتبلور بعد سوى عن مطالب سلمية حقوقية، وإذا لم يكن من مسلّمات العقل والحق الوقوف في طريقها، فإن ثمة طريقاً آخر لهزيمة فصول التغيير عبر الخوض في وحل المؤامرة، والذي لا يعني سوى حالتين، إما توجيهاً وارتباطاً مباشراً، وهذه تهمة بالعمالة والخيانة الوطنية تكفي لإجهاض مشروع التغيير، أو أن نتائج هذه الانتفاضات والحراك لن تكون سوى في صالح مشروع استعماري جديد، وهذا يؤدي الى النتيجة الأولى بطريق غير مباشر!!. فهل هذا ما يريد ان يصل إليه هؤلاء؟

لا يعني أن هذه المنطقة لم تكن مسكونة بقلق تاريخي أصل البلاء فيه المؤامرة الاستعمارية، التي ترتب عليها تقسيم هذه المنطقة وتجزئتها، وغرس أعتى كيان استيطاني في خاصرتها.. إلا ان هذه الشعوب ادركت أيضا انها وقعت في حبائل مؤامرة داخلية حطمت قدرتها، ودمرت نسيجها الاجتماعي الوطني، والتهمت أحلامها وحاصرت تطلعاتها بالقمع والالغاء بعد أن غيبت مشروع استنقاذها، وتفرغت لحماية سلطاتها بكل الوسائل والطرق والاساليب المشروعة وغير المشروعة. كما أن محاولة فهم الاصطفاف إلى جانب لا يخدم مشروع التغيير، ليس فقط لأنه مفتوح فقط على احتمالات مجهولة وهذه قد تكون مبررة ومفهومة، ولكن لأنه يتم أيضا خارج اصطفافات وأيديولوجيات تلك النخب.

السؤال هنا، وهو سؤال مشروع ومنطقي جدا، ولنسلّم جدلًا بأن ثمة احتمالات مفتوحة على المجهول، إلا أننا هنا ايضا امام حالتين يجب النظر إليهما باعتبارهما مجالين للبحث في مستقبل لا حالة طارئة وعابرة.

تتمثل الاولى في حالة نظام، جاء ثمرة انقلابات عسكرية لمجموعات من الضباط تحالفت مع قوى سياسية في حينه، استهلك اكثر من نصف قرن من عمر هذه الشعوب، التهم الاحلام والمبادئ، وتحول إلى سلطة قمعية أحكمت حصار المجتمع، وقتلت روح المبادرة والتجديد، وخلال مسيرتها الطويلة اغلقت بإحكام الطرق المحتملة لبناء نظام يمكن ان يمثل حالة استحقاق والتفاف شعبي واسع عبر تغوّل أجهزتها القمعية من جهة، وعبر تدمير النسيج الاجتماعي من جهة اخرى. نظام خبرته هذه الشعوب وجربته وعاشت في ظله اجيالاً.

هل ثمة مبرر للاحتفاظ به او الدفاع عنه؟! أليست تلك انظمة آيلة بحكم التاريخ للانهيار، وسقوطها كلما تأجل سيكون اكثر فداحة واعظم ثمناً وربما يكون على حساب البقية الباقية من مقومات الدولة والمجتمع؟

وهناك بالمقابل انتفاضة او ثورة او سمها ما شئت، مفتوحة على مستقبل مجهول. إلا انها تحمل مبادئ كبيرة بلا تفاصيل تؤكد على حقوق لا يمكن معاندتها او تجاهلها. انها حتى اليوم لم ترفع سوى شعار الحرية والكرامة والكفاية والحق في اختيار مستقبلها والمشاركة في صنعه. أليست حالة بكل محاذيرها افضل من البقاء في مربع التوقف المريع في ظل نظام معروف ومعلوم اين يمكن أن يمضي بهذه المجتمعات.

بالتأكيد لو تحقق المسار الثالث، الذي يعبر عن استجابة نظام لاستحقاقات مرحلة وحقوق لايمكن تجاهلها أو الاستمرار في مواجهتها بأدوات أثبتت فشلها، وضعف تأثيرها.. وقدم مشروعا إصلاحيا حقيقيا بضمانات تلتقي حوله القوى الوطنية من اجل تغيير جدي وحقيقي وجذري... فسيكون أفضل حالًا من التباسات البقاء بين حضن النظام بجموده وتوقفه ومعالجته القمعية الدموية الباهظة الكلفة، وبين إعادة بناء نظام جديد على انقاض نظام قديم ستكون ايضا شاقة ومكلفة وليست متأتية بسهولة..

===============

إلى معارضة سورية..لا تفقدوا الشرعية

د.فاطمة الصمادي

العرب اليوم

2011-07-11

أن يُستقبل السفير الأمريكي روبرت فورد في حماة بالورود ليس عملا ثوريا, ورفض النظام السوري وتحديه لتحقيق مطالب الشعب السوري العادلة والمحقَة لا يكون بأن ينام فورد بين ظهراني أهل المدينة ويتجول في طراقتها وكأنه واحد منهم, لأنه ببساطة ليس ذلك الواحد, ولا يزورهم مسكونا بثقافة الأخوة الثورية والنضال الإنساني..و سواء كانت الزيارة قد تمت بتنسيق مع الحكومة السورية أم لم تتم, فإن ثوار سورية يرتكبون خطأ فادحا عندما يربطون مسار حراكهم المشروع بمباركة الأمريكي ودعمه.

لقد أثبتت تجربة تونس وكذلك مصر واليمن وليبيا أن المواطنين العرب عليهم أن يدركوا أن قدرهم مع الحرية وأن الوصفة الوحيدة لدمقرطة عالمهم, هي تلك التي يتحرك أصحابها وهم واعون بأنها ستكون عملية طويلة الأمد, معقدة, ومغموسة بالتضحيات, وهم مدركون كذلك أن أيادي كثيرة ستمتد لتعبث وأن الدول ذات المصالح والأطماع لن تقف متفرجة لتفاجأ بمخرجات الثورات كما فاجأها حدوثها. إن"الذات العربية" التي جرحت وأهينت مرات عديدة,واستعادت احساسها بالكرامة ببركة الثورات العربية, لا مفر أمامها اليوم من الخوف مجددا وبشدَة على الهوية واستقلال القرار. والقضية هنا ليست حالة عداء مع الغرب, وموقفا مسبقا,لكن معارضة سورية عليها وهي تقول للسفير الأمريكي "لك صدر البيت", أن تضع ما حل بالعراق نصب عينها حيث سجل "التبشير الأمريكي بالديمقراطية" سقوطه الكبير, وعليها أن تراقب بشكل واع وحذر الأداء الأمريكي تجاه ثورة تونس ومصر واللعب المكشوف الذي تقوم به اليوم في اليمن, كما عليهم أن يدركوا أن فورد لا يحمل حلا عجائبيا للمعضلة في سورية. صحيح أن الديمقراطية والحرية ليستا شأنا محليا, لكنهم سيدخلون أنفسهم في مأزق أخلاقي عندما يغلبون مصالحهم الحزبية وما يطمحون له من السلطة على مصلحة سورية الوطن.

لا شك في أن الرسالة وصلت إلى جميع الأنظمة الإستبدادية العربية, وهي إن كانت تراوغ حتى هذه اللحظة في فهم مقتضياتها, وتحاول مستميتة دفنها والتظاهر بأن الأمور تسير على مايرام, إلا أن قوة المهمشين والضعاف ممن وصفوا بأن "لا حول لهم ولا قوة " تقض مضاجعها,وهي تراهم يسقطون طغاتها, ويهزون عروشها. وهذه سبب وجيه آخر لجعل المعارضات العربية والسورية على وجه الخصوص تكف عن مد يدها للخارجي وتفسح له المجال بالتدخل,لأنها بذلك تعطي ذريعة وسببا لإطالة عمر الأنظمة المستبدة وتشد مفاصلها الواهنة.

مرة أخرى للمعارضة السورية:ربيعكم بدأ..فلا تجعلوه ربيعا قصيرا سرعان ما ينتهي!.

================

الربيع السوري... والموقف التركي

الاتحاد 11/7/2011

فاروق حجي مصطفى

كاتب سوري

ينشر بترتيب مع خدمة "منبر الحرية"

ربما يعتقد بعض الاتجاهات في المعارضة السورية أن تركيا بوسعها أن تجلب حلاً مناسباً للأزمة السورية، بحكم أنها هي صاحبة الهندسة التي خلّصت النظام من أزمته مع المجتمع الدولي في مرحلة ما بعد 2005، ولذا فهي قادرة اليوم على التدخل الفعال من جديد، أو كما يقول المثل الكردي إن "من بنى شيئاً يمتلك لغز هدمه"! أمّا السلطة في دمشق فهي اليوم تراهن على إحداث تغيير في موقف تركيا لأنّها جاوزت الانتخابات ظنّاً منها أنّ موقف أردوغان مردّه الاستحقاق الانتخابي، من خلال توظيف حركة الاحتجاجات في سوريا لصالح حزبه الذي يتقدّم على الأحزاب الأخرى لثلاث دورات متتالية ودائماً بغالبيّة الأصوات هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا يريد النظام أن تتضرر علاقته بتركيا، لعلّ وعسى أن يغيّر الطرفان الأوروبي والأميركي موقفهما من حركة الاحتجاجات، ومن النظام الذي ما زال يصرّ على تغليب الخيار الأمنيّ على الخيار السياسيّ.

والحقّ أن ثمّة رهاناً من قبل أنصار السلطة في دمشق على تغيير الموقف التركي من الاحتجاجات في سوريا، وقد بدأ البعض يتحدّث عن موقف تركي مفاده أنها لن تبقى على الموقف الذي اتّخذته قبل الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة، فقد تغيّر موقفها وهو ومعرّض للتغيير بشكل أوضح في الأيام القادمة، والكراّس الذي قدمته تركيا إلى السلطة في سوريا دليل على أنّ تركيا تودّ الإصلاح وليس التغيير في بنيّة النظام السوري، مع أن المعارضة تريد التغيير.

أمّا المعارضة السورية التي تبدو أقرب إلى الموقف التركي فتستطيع استثمار العلاقة الوطيدة التي تربط أردوغان بالأسد للحيلولة دون الانزلاق في الانقسامات المجتمعيّة، حتى لا تُلام المعارضة من قبل النخب في الدول العربيّة التي ما انفكّت تعاني من نفس "تسونامي التغيير" وتداعيات عدم الاستقرار المصاحبة له. ويمكن القول إنّ ما سلف يشكل اليوم أرضيّة العبور للمعارضة الخارجيّة إلى الساحة السياسيّة في سوريا من خلال تركيا.

ويوحي الأفق عموماً بأنّ تركيا هي الوحيدة التي بإمكانها أن تلعب دوراً مهمّاً بالنسبة للمعارضة والسلطة معاً بعد أن أصبح جليّاً أنّهما تعوّلان عليها.

وفضلاً عن الحراك تطرح من هنا وهناك مبادرات للحل من قبل المثقّفين والمعارضة وكانت آخرها مبادرة منسقيّة الثورة السورية الداعيّة إلى "مؤتمر الإنقاذ الوطني" إضافة إلى خريطة الطريق للمعارض "ميشيل كيلو" والمبادرة الكرديّة للحلّ التي وصفت ما يجري في سوريا ب"النهضة"، وفي المقابل نلاحظ بطء النظام في تفعيل ما صدر من المراسيم والقوانين والتعاميم، رهاناً على أن الشارع سيهدأ فور تغيير الموقف الخارجي الإقليمي والدولي.

والحال أنّ حكومة أردوغان ومنذ اليوم الأوّل من الاحتجاجات السورية كانت تعيش بين طرفي الرّحى، طرف الشارع التركي الذي كانت غالبيّته تطلب من أردوغان اتّخاذ موقف أكثر صرامة تجاه السلطات السوريّة، والطرف الآخر هو طبقة الأثرياء الأتراك التي عزّزت مواقعها في سوريا وهذه الطبقة ما فتئت ترى مصلحتها في ظلّ هذا النظام وهي بحاجة إلى بيئة اقتصاديّة مستقرّة.

ولذلك نلاحظ أن ثمّة موقفاً جديداً يتبلور في تركيا، وخصوصاً لدى أردوغان، ومن يدري؟ فربّما يكون الموقف الجديد الذي ينتظره البعض من تركيا ملائماً جدّاً لرؤية أثرياء الأتراك الذين يريدون الاستقرار على عكس ما تودّه المعارضة السوريّة من تغيير للنظام!

================

متى يستريح الشام؟

الإثنين، 11 تموز 2011

د. أحمد نوفل

السبيل

صيحة أطلقها منذ ست وسبعين سنة بلبل دمشق وغريد سوريا وعالمها وكاتبها ولسانها وشيخها: الشيخ علي الطنطاوي، فقد كتب تحت عنوان: إلى دمشق بلدي الحبيب، يقول: "متى يعود بلدي كما برأه الله دار السلام، ومعرض الجمال، ومثابة المجد والغنى والجلال؟ متى يرجع بردى يصفق بالرحيق السلسل؟ متى تثوب الأطيار المروعة إلى أعشاشها التي هجرتها؟ (لم يدر الشيخ أنه سيكون أحد الطيور المهاجرة، ولم يدر أن سيفوق عدد مهجري سوريا في الثمانينيات سيفوق المليون، وأن عشرين ألفاً من جسر الشغور وقرى حمص سيهجرون قراهم تحت القصف وهدير دبابات جيشهم الذي مولوه من دم قلبهم. إنها الموافقات العجيبة!)

متى تثوب الأطيار إلى أعشاشها التي هجرتها، ورغبت عنها حين سمعت المدافع ترميها بشواظها؟ متى تؤوب تلك الحمائم فتشدو في أفنان الغوطة تنشد أغنية السلام؟ متى يستريح الشام بلدي الحبيب؟ ما رأيتك استرحت يا بلدي الحبيب ساعة واحدة، فهل كتب عليك أن تظل أبداً في تعب وعناء؟

إني لم أكد أتبين نور الحياة وأبصر وجه الدنيا، حتى رأيت المدرس يدخل علينا معشر الأطفال مربد الوجه.. قال: إنها الحرب. (يقصد الحرب العالمية الأولى كما لا يخفى!) ولقد رأيناها في أسواق دمشق، وإن لم نر القتال. رأيناها عندما رأينا القتال يدور كل صباح من أجل رغيف من الخبز.. والفرن مغلق، وما فيه إلا كوة واحدة مفتوحة يقوم عليها الخباز والجندي إلى جانبه يدعو واحداً بعد واحد من الناس الذين سدوا الشارع بكثرتهم.

وما شحت السماء بالقطر ولا أجدبت الأرض ولكن حلفاءنا الألمان استأثروا بأطايب القمح وتركوا لنا شر الحنطة والشعير وليتنا وجدناه.

رأينا الحرب حين رأينا الرجال في شوارع دمشق يأكلون قشور البطيخ وينبشون المزابل من الجوع. ثم لم نعد نبصر في الشام رجالاً. لقد أكلتهم الحرب. ثم رأيناها أشد ظهوراً بطلعتها الكالحة القبيحة، حين تعودنا مرأى جثث النساء والأطفال الذين ماتوا من الجوع، نراها في غدونا إلى المدرسة ورواحنا.. عرفت الحياة في بلدي الحبيب نصفه مقبرة للأموات ونصفه مستشفى لمن ينتظر الموت.

ثم ما لبثنا أن سمعنا النذير (بعد ما هزم الألمان) فقالوا: انهضوا دافعوا عن استقلالكم الوليد، لقد جاءت القوة العاتية تخنقه في مهده (يقصد غزو فرنسا لسوريا بعد اتفاقية سايكس-بيكو وقيام هذه الدول بتنفيذ ما اتفقت عليه. واتفاقيتنا نحن مع بريطانيا ذهبت أدراج الرياح أو في مكان آخر!). وعصفت النخوة في رؤوس بنيها، فلم تمض العشية وينبثق الفجر حتى كانت دمشق كلها في بقعة الشرف في ميسلون، ولم يؤذن الظهر حتى رجعت دمشق من ميسلون، وقد تركت فيها استقلالها الوليد، وقائدها الشاب (يقصد يوسف العظمة)، صريعين مجندلين على وجه الثرى، هذا قتيل شهيد، وذاك جريح مريض، وفقدت دمشق كل شيء، ولكنها لم تفقد الشرف..

وعاد بلدي الحبيب إلى حياة الرعب والأسى والنضال. ولكنه لم يخف ولم يجبن. لقد خسر في ميسلون، ولكنه حفظ الدرس الذي ألقته عليه الحياة في ذلك اليوم. (قد يقال: كيف حفظ الدرس وهذه نكبة 67 لحقت به في سرعة ومض البرق؟ ونجيب عن الشيخ، لا كجوابه ولا بلغته السامية وفكره النفاذ، ولكن بعجزنا وعلى قدنا فنقول: الحياة مدرسة وليست درساً واحداً يكفي لكل شيء. وثانياً: إن الشعب لم يخض حرباً، ولم يخلّ بينه وبين عدوه، بل حيل بينه وبينه، ولو خلي لرأيتم! وثالثاً: رصيد التجربة والخبرة لا يضيع سدى ولكنه يتجمع رشداً وخبرة وحنكة وحكمة، ومواقف. وها إن هذا الرصيد يتجلى اليوم عزيمة وإصراراً ومقاومة ومداومة فلا تذهبن بكم الظنون بعيداً فيما قال الشيخ تظنونه إنشاء لا يطابقه الواقع!) (ونواصل مع الشيخ، وإنما نستخدم كلماته ولغته لأنه لا يلخص التاريخ قلم كقلمه ولا فكر كفكره، ولا يختزله في كبسولات مركزة باقتدار مثل الشيخ علي أعلا الله قدره في الجنان). يقول: "واستراحت دمشق حيناً، ثم قفزت قفزة اللبؤة الغضبى، فإذا هي في العرين، في الغوطة الخضراء، وإذا الأقوياء بجيشهم كله وعتادهم يقفون أمام الثائرين، وهم بضع مئات، يقودهم رجل أمي من دمشق، كان خفيراً من خفراء الأحياء، فلا يستطيع الأقوياء الظفر بهم، فيعودون حنقين، فيسلطون نيران مدافعهم على المدينة الآمنة المطمئنة، (لأنه قد اندس فيها بعض المسلحين المندسين) (ربما بررت فرنسا فعلتها وقتذاك بهذه التبريرات وهذه الذرائع وربما استخدمت اللغة نفسها من مصطلح المندسين والمسلحين.. ما أجبرها كارهة على قصف دمشق لإخراج المسلحين ألا يفعل اليهود اليوم في فلسطين هذا الفعل ويتذرعون بالذرائع إياها؟ فما الجديد في الصورة؟).

نعود إلى الشيخ يوجز وجبة من التاريخ دسمة ومرحلة حاسمة فيقول: "فلا يروعها إلا جهنم قد فتحت أبوابها من فوقها، ويمسي المساء على دمشق وثلثها خرائب كخرائب بابل، وقد كانت في الصباح أجمل وأبهى وأغنى قصور دمشق.. وتعيش دمشق سنتين وسط الرعب والنار والحديد، ثم يحل السلام، وتخرج دمشق من المعركة وقد نجحت في الامتحان الثانوي في الغوطة، كما نجحت من قبل في الامتحان الابتدائي في ميسلون.. وأحسب أنك استرحت يا بلدي الحبيب! أحسب أنك استرحت، وإذا النار تسري في أحشائك. وإذا المعارك في أسواق دمشق.. حول صناديق الانتخاب الذي أراده الأقوياء صورياً شكلياً (يقول الشيخ أعني انتخابات سنة30 وكنت يومئذ رئيس اللجنة العليا لطلاب دمشق، التي تولت هي إبطال ذلك الانتخاب). (أقول: لعبة الديمقراطية هي ذاتها والانتخابات المزورة هي عينها، بمباشرة من المستعمر أو من الوكلاء.. هي هي، لا فرق. ولا ترى ولن ترى منطقتنا انتخابات حقيقية، إلا أن تكون هناك حرية حقيقية واستقلال حقيقي، أما في ظل الاستعمار الباطن والمبطن فلا شيء حقيقي!).

نعود إلى الشيخ: "أراده –أي الانتخاب- الأقوياء صورياً.. وأباه الشعب إلا انتخاباً حقيقياً، فلما لم يكن ما يريد الشعب حطم الصناديق، وهدم قاعات الانتخاب، وانطلق ثائراً مرعداً مبرقاً، يهزأ بالحديد ويفتح صدره للبارود.. وظفر الشعب، وكيف لا يظفر وقد امتحن مرتين..

فقلنا: قد استراح، ولكنه لم يسترح، وإنما دعي إلى الامتحان العالي. (تأمل كيف يصنف الشيخ مراحل النضال إلى مراتب كمراتب الامتحانات: ابتدائي، ثانوي، دراسات عليا، يقصد الترقي في هدف النضال ودرجة الوعي، وديمومة وحرارة المواجهة، ورصيد التجربة المتحصل).

ونواصل: دعي إلى النضال الصامت المرعب، فثبت وناضل، ولبثت دمشق خمسين يوماً كاملة، وهي مضربة، ليس فيها حانوت خباز أو بقال، وليس فيها قهوة مفتوحة، ووقعت المعارك في الأسواق وعلى أبواب الجامع الأموي فأقبل النساء على الرصاص، وهجم الأطفال على الدبابات، وعزمت دمشق على الموت أو الظفر. وعرف العدو أنها لم تفل عزيمتها أبداً، ولن تلين قناتها.. فلانت قناته ودعاها إلى الصلح..

وهتفنا هذه المرة من أعماق القلوب: لقد استراحت بلادنا العزيزة، ولكن الأعراس لم تتم فهذه ألسنة النيران ورجة البركان، فماذا يحمل الغد يا زمان؟ أي مصيبة جديدة يأتينا بها؟ أكتب علينا ألا نستريح ولا نهدأ أبداً؟

ولو قدر للشيخ أن يواصل لتكلم عن الحرب الثانية، وعن نكبة48 بعدها، وعن تجربة الوحدة وفشلها وعن التأميم، وما رافق ذلك من قحط مرت به سوريا، ثم تجربة الانقلابات التي كأنها حبات مسبحة وقد انفرطت، فتتابعت انقلاباً في إثر انقلاب. والشعب يدفع الثمن. إلى أن جاء البعث بشعارات: وحدة. حرية. اشتراكية. فلا رأى الشعب لا حرية ولا وحدة ولا اشتراكية ولا عدالة اجتماعية، ولا سياسة ولا من نوع من الأنواع. وإنما رأى حزباً يستغل من طائفة تستأثر هي بكل المقدرات. ومرت دمشق وسوريا كلها بما يروع الحر ويكلم الفؤاد. واستمرت المعاناة تحت ظل البعث حكماً مباشراً ومن قبله غير مباشر قرابة نصف قرن، فما بعثت إلا الفتن، وما حورب إلا الدين والنهضة والانبعاث الحقيقي، ولقد قاسى الشعب ما قاسى وهم يقاسون ما زالوا تحت سفح قاسيون وفي كل مكان يقاسون قسوة القاسين.. وحقد الحاقدين المعتق الدفين.. (ومضى العهد السابق بدمويته وعنفه وبطشه وجاء جيل شاب قلنا معه: لعل البلد يستريح فكان ما لم يكن في الحسبان من نكال وعذاب وهوان.) فمتى تستريح يا بلدنا الحبيب، مثلما كان الشيخ يهتف من أعماق قلبه المكلوم على بلده الجريح.. متى يا بلدي تستريح؟ ولا جزع.. ولا ضجر ولا استكثار من التضحيات فالحرية غالية والأوطان تفتدى بالمهج. والتحرر من وكلاء المستعمر أصعب من التحرر من المستعمر المباشر نفسه.

وفي كل جمعة للشام كلها ولدمشق درتها ودرعا وحماة وحمص.. لكل قرية وكل ريف وكل مدينة موعد مع التحدي والشهادة والثبات والرجولة، وموعد مع المراوغين المزيفين.. المستحلين الدماء بدعوى الوطن وحريته وكرامته، وأبسط بدهيات حب الوطن حفظ كرامة من يعيشون على أرض الوطن، فما الوطن إلا ناس الوطن وأهل الوطن! فكيف تدمر هؤلاء وتزعم الإبقاء على الوطن. ولأضرب مثلاً يقرب الصورة الكاريكاتورية لهذه المزاعم: شخص بنى بيتاً لأولاده وجمله ورسمه رسماً، ثم زيّنه بحديقة فيها من كل الثمرات، وأجرى النوافير وأثث المكان بأحسن الفرش، ثم قتلهم جميعاً.. هذه صورة مثل هذا النظام. زينة الوطن شبابه. وهؤلاء مطلوبون على كل المحاور. والموت أو السجن والإذلال بانتظارهم ويقعد لهم كل مرصد! فما بقي من الوطن؟

متى يستريح الشام؟ سؤال مفعم برجاء وأمل ودعاء إلى رب الأرض والسماء أن يا رب، هذه الأرض.. أرض الشام أنت الذي باركتها، وجعلتها مهد الأنبياء والنبوات ومهبط الكتب والرسالات، وأرض الدين والدعوات، وجعلتها رباطاً إلى يوم القيامة.. وجعلتها الأقرب إلى قلوب المؤمنين بما وصفتها في كتابك وأثنى عليها رسولك ودعا لها بالبركة والخير، فأرنا في أعدائها يوماً قريباً تقر به عيون المؤمنين، وتنتقم فيها لكل الشهداء والمشردين والمعذبين، وأرنا لأهلها يوماً يستريحون فيه من ظلم القريب والبعيد.. حتى ينتهي السؤال الذي بدأه الشيخ منذ ثمانين سنة قمرية وصاح من أعماق قلبه: متى يستريح الشام.. بلدي الحبيب؟

وأختم مقالي بما ختم الشيخ به مقاله إذ قال: "إننا بنو المجد والحرية والحياة، فلا أمتعنا الله بالحياة إن لم ننتزعها من بين فكي الموت انتزاعاً.. وستحيا أنت يا بلدي الحبيب ماجداً حراً، ولو متنا نحن ماجدين أحراراً".

================

النظام السوري يستنكر زيارة السفير الامريكي لحماة قبل تهجير أهلها!!

محمود ماهر الزيبق

2011-07-10

القدس العربي 

لا تعجبوا أبدا من العنوان.. فهنا تكمن المشكلة.. أن يزور السفير الأمريكي روبرت فورد مدينة فيها سكانها الأصليين. تعالوا لنرجع معا إلى كلمات الوزير المعلم والتي قال فيها في مؤتمره الصحفي الاخير 'إن السفراء كانوا شهود عيان لما حصل في جسر الشغور' إذن فما المشكلة ان يكونوا شهودا أيضا في حماة.. المشكلة أن جسر الشغور التي طاف عليها السفراء بما فيهم السفير الامريكي كانت خاوية على عروشها إلا من بعض سكان مصطنعين جلبتهم باصات الأمن للمنطقة وعنصر من الاستخبارات العسكرية قال السفراء أنه كان مرافقا لهم في رحلتهم ليخبرهم رواية النظام الرسمية عن الأحداث بينما كان سكان المدينة الأصليون يصفون للعالم من تركيا مرارة اللجوء في المخيمات.

تلك هي المصيبة الكبرى من الزيارة أن يشاهد احد في سورية صورا غير التي يحاول النظام إظهارها للعالم برواية كتاب قصصه ومخرجيه الفاشلين الذين يخطون أغبى الروايات وأسوأ السيناريوهات يفصلونها لباسا يغطي سوءات النظام وجرائمه.

في غياب كثير من الحقائق عن الإعلام لا تبدو زيارة السفير إشكالية لو كانت من باب الاطلاع فقط.. ولكني أظن أن الجميع يتفق على أن بوصلة التحرك الأمريكي هي المصلحة الأمريكية وحسب ذلك علينا أن نعاين الامور من خلال التصريحات الأمريكية الأخيرة من السفير فورد نفسه والتي أشار فيها إلى دعمه للحوار بعد أن سربت صحيفة 'الغارديان' البريطانية أخبارا عن ضغطه على المعارضة للجلوس على طاولة واحدة للحوار مع النظام.. وهي تصرفات تتناغم بوضوح مع خارطة التصريحات الأمريكية التي تغزلت بالنظام السوري وقدرته على الاصلاح خلال الأشهر الماضية بينما لم تعط حليفها مبارك في مصرإلا أسابيع قليلة للرحيل وفقدان الشرعية مع الفارق الهائل في مستوى الجرائم بين نظامي مبارك والأسد.

كل ما قدمته الولايات المتحدة في الفترات الماضية من تصريحات ضد النظام لم تكن أكثر من محاولات لامتصاص الغضب العالمي من المجازر في سورية وتماهيا مع حركة الصحافة الامريكية والمنظمات الحقوقية الدولية مع بقاء الحرص على النظام ودعم مسيرة الاصلاح في ظله.. وهي معطيات تجعلنا نشكك في حقيقة المهمة التي كان فيها السفير الامريكي في حماة إذ تبدو محاولة لإنقاذ النظام السوري من غباء بعض أفراده ومنعه من ارتكاب مجزرة كبرى في حماة تحرج الموقف الأمريكي الداعم للحوار لا سيما مع اتخاذ النظام مؤخرا خطوات شبيهة بتلك التي حدثت في درعا وقدمت لمذبحتها وهي إقالة المحافظ وحصار حماة بالدبابات.. وإلا فالسفير الامريكي كان في دمشق طوال الفترة الماضية ولا تبعد الاعتقالات التي جرت في المهاجرين والصالحية وساحة عرنوس سوى أمتار عن نافذة سفارته.. دماء الشهداء جرت قريبا منه في دمشق أيضا في برزة والقابون والميدان والقدم الحجر الأسود ناهيك عن المجازر و الدبابات والحواجز التي يستطيع مطالعتها بجولة قصيرة في سيارته في ضواحي دمشق وريفها ومع ذلك لم يزد السفير وحكومة بلاده على طرح الاصلاح..

ما أظنه أن الغالبية العظمى من المعارضة مصحوبة بدعم الشارع السوري لا تعبأ بتحركات الولايات المتحدة وسفيرها لا أدل على ذلك من حوار فاروق الشرع لنفسه في مؤتمر الصحارى المنعوت بمسمى الحوار الوطني مع ما ذكرناه من ضغط أمريكي يطالب المعارضة بقبول الدعوات الرسمية للحوار.

إعلام النظام الذي لم يعد لديه إلا اجترار بعض المفردات المكررة على شاشاته وجد في الزيارة صيدا ثمينا وصاغ على خطواتها الاتهامات والروايات وكان السفير لم يكن في دمشق أصلا وحضر ليقدم اوراق اعتماده لحماة.

المفاجأة أن وليد المعلم لم يخرج ليلغي الولايات المتحدة من الخارطة كما تشي حملة النظام الشعواء على الزيارة.. وبينما كانت واشنطن توبخ السفير السوري عماد مصطفى على تصوير موظفي السفارة السورية للمتظاهرين في الولايات المتحدة كان السفير الأمريكي فورد يتهكم على ادعاءات النظام بان زيارته كانت غير مصرح بها في حين يفترض طبيعيا في ظل هذا التصرف ان تتخذ الخارجية السورية خطوات عقابية تتراوح بين استدعاء السفير ومساءلته او توبيخه أو حتى طرد بعض موظفي السفارة أو طرده شخصيا إذا ثبتت رواية النظام بتحريضه على التظاهر.

لكن الحقيقة ان الموقف السوري المهلهل والذي يبدو جعجعة لا طحين فيها تقاصر عن مثل هذا الاحترام للذات لأسباب أولها إدراك النظام لحقيقة المسرحية ودورها الدعائي وببساطة أقول لكم إن صحيفة 'الوطن' السورية تحدثت في العشرين من الشهر الماضي أي قبل أكثر من 20 يوما على الزيارة عن طلب أمريكي لزيارة حماة.. في الأسباب الاخرى يبدو النظام أضعف من اتخاذ أي خطوات تصعيدية والصور تلتقط لرئيسه إلى جانب نائب امريكي صغير من هنا وهناك وروسيا تستقبل المعارضة بديلا عن خارجية النظام والقصر الرئاسي يستعطف الرئيس الفنزولي هوغو تشافيز لزيارة دعم للنظام تخفف عنه وطاة العزلة واختفاء اوروبا عن الخارطة. اما آخر الأسباب واهمها فهو طبيعة العلاقة بين النظام والولايات المتحدة التي لا تعدو في جوهرها وحقيقتها علاقة التابع بالمتبوع.

' كاتب من سورية

===============

جوهر التوافقات السورية: تغيير النظام

الإثنين, 11 يوليو 2011

فايز سارة *

الحياة

يكاد يتفق السوريون جميعاً على فكرة تغيير النظام في سورية، ولهذا التوافق ضرورات أبرزتها الاحداث الاخيرة، رغم ان تغيير النظام، كان بين أمور مطلوبة منذ سنوات طويلة، غير ان ذلك لم يصل الى ما فرضته تداعيات الأزمة السورية الراهنة من ضرورات للتغيير ومن دفع اطراف سياسية واجتماعية مختلفة للسير في هذا الاتجاه.

لقد بدت مطالب المتظاهرين الاولى عندما انطلقت حركة الاحتجاج في آذار الماضي محدودة. اذ ركزت على الحرية والكرامة، والتي تندرج في اطار مطالب اصلاحية، كان يمكن للنظام تحقيقها، وتكريسها واقعاً في الحياة السورية، غير ان الوقائع دفعت في اتجاه آخر، اذ ان رد السلطات القمعي والدموي على تلك المطالب الاصلاحية التي وصفت رسمياً بأنها «مطالب محقة» في وقت لاحق، دفعت المتظاهرين الى توسيع قوس مطالبهم في اتجاه المطالبة باسقاط النظام، الامر الذي يعني مغادرتهم مطالب الاصلاح الى التغيير.

وتغيير النظام، وان بدا مطلباً سياسياً، فانه في الواقع يتجاوز ذلك الى الابعد، ليصل الى تغيير انماط الحياة والتفكير والتدبير، وهو أمر ينعكس على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اضافة الى انعكاساته على السياسة بوصفها علم وفن ادارة المجتمعات، مما يعني ان توسيع المتظاهرين مطالبهم، جاء تعبيراً عن عدم رضاهم عن مختلف جوانب حياتهم التي باتوا يودون استبدالها كلياً او جزئياً حسب الاستطاعة.

ولا يقتصر التوجه الى تغيير النظام على حركة الاحتجاج والتظاهر في سورية، بل قطاع من النخبة السورية الثقافية والاجتماعية، اضافة الى الجماعات والاحزاب السياسية، يتبنون مطلب تغيير النظام، وهو أمر مثبت في برامجهم وشعاراتهم المعروفة قبل انطلاق الاحداث الحالية، والتي أعطت مطلب تغيير النظام زخماً اكبر، مما دفع هيئة تنسيق المعارضة السورية التي تشكلت أخيراً، وجمعت قسماً كبيراً من المعارضة السورية الى تأكيد توجهها نحو تغيير النظام من خلال تبني مشروع مؤتمر وطني، ينقل النظام باتجاه الديموقراطية والتعددية، وهو ما كان قد اشار الى توجه يماثله الاجتماع التشاوري الذي عقده مثقفون سوريون معارضون أخيراً بصورة علنية في دمشق، وقد صدرت اشارات اخرى للتغيير عبر فكرة مؤتمر انقاذ وطني طرحتها شخصيات وطنية وفاعليات سياسية، وكذلك عبر مبادرة لجان التنسيق المحلية، التي ابرزت رؤية قطاع من المتظاهرين لتغيير ديموقراطي مطلوب للنظام في سورية.

ان توجه الجماعات السياسية والحراك الشعبي العام نحو تغيير النظام، يستند الى نشاط سوري عام، تكرس في سنوات العقد الماضي من خلال حراك عام، اطلقت فيه وثيقتا ال 99 والالف لعامي 2000 و2001 بما فيهما من مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية وحقوقية، تمثل توجهاً الى نظام مغاير وبديل للنظام القائم في البلاد،

وجرى تكريس مطلب تغيير النظام لدى الجماعات السياسية المعارضة على نحو واضح في اطلاق تحالف اعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي في اواخر العام 2005، وأكدت مقررات مجلسه الوطني اواخر 2007 مطلب التغيير.

لقد قابلت السلطات السورية مطالب التغيير في العقد الماضي بمستوى كبير من التجاهل من جهة وفي الدخول بمواجهات مع المطالبين بالتغيير، فتم اغلاق المنتديات والتضييق على الحريات العامة بتصعيد السلوك الامني اضافة الى توالي الاعتقالات ضد النشطاء من المثقفين والمعارضين السياسيين، غير ان ذلك لم يمنع من اشارات الى ضرورات الاصلاح من جانب النظام والحزب الحاكم في مؤتمر حزب البعث عام 2005، لكن من دون ان تجد التوجهات الاصلاحية طريقاً للتنفيذ.

ان تصاعد الازمة الراهنة، دفعت النظام الى استعادة الحديث عن الاصلاح، بل للمضي في خطوات اعتبرت بمثابة خطوات اصلاحية من طراز رفع حالة الطوارئ والسماح بالتظاهر، وبالتوجه نحو اصدار قوانين بينها قانون للاحزاب السياسية، وقانون جديد للاعلام، ثم تطور الامر في الخطاب الاخير للرئيس الى قول بامكان تغيير الدستور كلياً او جزئياً في ضوء الحوار المرتقب، وباعتبار ان الدستور هو الناظم العام للحياة الوطنية بقطاعتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبسياقاتها السياسية، فان ذلك يعني التوجه الى تغيير النظام عند عتبة معينة.

خلاصة الامر اليوم ان السوريين متفقون على مبدأ تغيير النظام بما يعنيه من تغيير انماط حياتهم في التفكير والتدبير، غير ان ثمة تمايزاً في المستويات التي ينبغي ان يذهب اليه هذا التغيير. فالنظام يرى ان التغيير لا ينبغي ان يتعدى اصلاحات واسعة محكومة في حدوده، وتحت قيادته. فيما يطالب الآخرون بانتقال نحو نظام مغاير يقوم على الديموقراطية والتعددية والمواطنة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون. وفي ظل واقع الاختلاف هذا يظهر كلام سوري، اخذ يتردد كثيراً في الآونة الاخير، عن نظام انتقالي يكون حلقة وسيطة بين النظام الحالي والنظام المقبل. وسؤال المرحلة يتجسد في قول: هل يكون النظام الانتقالي مفتاحاً لتوافق سوري عام على محتوى التغيير المقبل، وفسحة لانتقال سلمي وهادىء نحو نظام جديد في سورية؟

* كاتب سوري

================

لماذا يتشبثون بالأسد؟

حمد الماجد

الشرق الاوسط

11-7-2011

هل مئات الألوف من المواطنين السوريين الذين خرجوا تأييدا لحكم بشار الأسد كلهم مأجورون؟ وهل نصف المليون ليبي من الذين احتشدوا مؤخرا في باب العزيزية نصرة للقذافي كلهم من أزلام السلطة المنتفعين بأعطياتها وهباتها؟ وهل الحشود اليمنية الملايينية التي مافتئت تخرج أمام قصر الرئاسة اليمني مؤيدة لعلي عبد الله صالح وتطلق الأهازيج فرحا بأي «مبشرات» تطمينية عن صحته قد دفع لهم صبيحة كل مظاهرة؟ بل هل الذين، كل الذين، لا يزالون يدافعون إلى هذه اللحظة عن الرئيس حسني مبارك أو يتمنون لو أن الشعب نال شرف توريث ابنه السلطة هم من الحاشيات المقربة من مبارك أو التي ارتبطت مصالحها به وبابنيه وجودا وعدما؟ الجواب بالتأكيد لا، وهل كانت الملايين المصرية التي تظاهرت بعفوية لثني الرئيس جمال عبد الناصر عن قرار، أو بتعبير أدق «مسرحية»، استقالته بعد هزيمته في حرب 67 مدفوعة بالقهر والقوة أو مدفوع لها؟ الجواب مرة أخرى لا.

وبطبيعة الحال، هذا لا ينفي مطلقا وجود المنتفعين والمأجورين والمنافقين والمندسين والمتمصلحين والمتزلفين من الذين يدعون زعماءهم رغبا ورهبا. هذه الشريحة المتزلفة من البشر موجودة في كل زمان ومكان وليس في ثورات «الربيع العربي» فقط، لكنها لتفاهتها لا تعنينا في مقالة اليوم، إنما الذي يعنينا في الثورات العربية ظاهرة الحشود الجماهيرية الكبيرة التي بحت حناجرها هتافا تأييدا لزعماء سقطوا أو آيلين للسقوط، وهي التي لم تقبض مليما واحدا، مثل ذلك العامل اليمني الكادح الذي التقيته في مغسلة للثياب في حينا بالرياض يقضي فيها ما لا يقل عن 14 ساعة من أجل قوت عياله، لقد كان «يتلذذ» في الحديث عن علي عبد الله صالح وكأن الذي يتكلم ابن الرئيس من فرط حبه له وشفقته على اليمن بدونه. هذه الجماهير لا تكترث أبدا بما يقال عن استئثار الزعيم بالسلطة عشرات السنين وتوزيعه للمناصب الحساسة على الأولاد والأنساب، وكذلك نهب ثروات البلاد والبطش والقمع وسفك الدم، ولو حدثتهم عنها برروها، وفي أحسن الأحوال اعتبروها «كبوة» بسيطة لجواد أصيل. هذه الجماهير ترى من قلبها صادقة أن الزعيم إذا بطش فلعدله وإذا منح فلكرمه وإذا منع فلحكمته وإذا استبد فمن حقه، فهو الأدرى والأسلم والأعلم والأحكم.

هي إذن ظاهرة تستحق التأمل والدراسة، ولو دققنا في حال هذه الشريحة من الجماهير العربية التي هتفت وصفقت وتظاهرت بصدق لزعاماتها المستبدة لوجدنا أن ثمة عاملا مشتركا يجمع بين هذه الزعامات، وهو طول فترة الرئاسة لتبلغ الثلاثين والأربعين سنة. ولا شك أن طول المدة أحد عوامل تحلل الشخصية من كرامتها وعزتها لتبقى من حيث لا تشعر أسيرة ذليلة لشخص الزعيم الباطش تدعوه إما رغبا وإما رهبا، ولا تتصور حياة مستقرة إلا به، ويتمثل لها المستقبل مشؤوما مكفهرا بدونه، أشبه بالعبد الذي تظلم الدنيا في يوم عتقه لا يعرف إلى أين يذهب ولا كيف يسترزق ولا يتصور حياة إلا تحت كنف مولاه مهما طغى وفتك واستبد وتجبر. ولهذا فهناك بعض العبيد يرجع إلى مولاه بعد عتقه يمارس نفس مهام العبودية ولو كان مكتوبا في هويته حر طليق. لقد تنبه الغرب مبكرا لهذه الظاهرة فكبح جماح الاستبداد والاستئثار بالسلطة فوضع نظاما للانتخابات لا يجيز مطلقا للزعيم، كما في أميركا، أن يترشح أكثر من فترتين رئاسيتين مهما بلغت عظمته وذكاؤه وحنكته وقيادته وحاجة الأمة إليه، وهذا بالتحديد ما يتطلع إليه «الربيع العربي».

================

نظام الأسد وحكمة معاوية!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

11-7-2011

خرجت السيدة بثينة شعبان، مستشارة الرئيس بشار الأسد، على «بي بي سي»، مهاجمةً أميركا، وتحديدا سفيرها في دمشق، بعد زيارته الأخيرة لحماه. لكن شعبان استدركت قائلة: «إن سوريا لا تريد قطع شعرة معاوية مع الإدارة الأميركية»!

فيا سبحان الله.. الآن تذكر نظام دمشق، الحليف الوثيق لإيران، معاوية وحكمته؟ الآن أصبحت حكمة معاوية ضالة نظام الأسد الذي لم يترك فرصة إلا وطمس فيها معالم معاوية، وغيره، من تاريخ سوريا؟ فإذا كان النظام، ومستشارو الرئيس، يعون حكمة معاوية، خصوصا مقولته الشهيرة «لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها»، فكان من الأولى ألا يقطع النظام الشعرة التي بينه وبين شعبه الأعزل الذي لم يطالب إلا باحترام حقوقه وحمايتها، ولو كان النظام يعي حكمة شعرة معاوية لما قتل قرابة 72 طفلا سوريا!

ولو كان النظام يؤمن بحكمة معاوية لما تمتع أهل حماه بحماية السفير الأميركي، وليس الأمن السوري، وكم كان محقا، وذكيا، أحد قراء صحيفتنا عندما كتب مخاطبا النظام السوري على موقع الصحيفة معلقا على خبر إدانة النظام لزيارة السفير الأميركي لحماه: «أليس هذا السفير الذي بذلتم الغالي والنفيس لتعيدوه إلى دمشق؟ أليس هذا السفير الذي أرسله أوباما متجاوزا الكونغرس؟». ثم يضيف القارئ: «الظاهر أن السحر انقلب على الساحر!».

مشكلة نظام دمشق أنه يتعامل مع الداخل بالأسلوب نفسه الذي استخدمه طوال أربعة عقود تقريبا؛ أي: الحيل، والوعود. كما أن النظام يتعامل مع السوريين اليوم بالأسلوب نفسه الذي اتبعه، ويتبعه، في لبنان والمنطقة: وعود، وابتزاز، وتحايل، وخلط أوراق. فنظام دمشق لم يثبت مرة أنه وفَّى بوعد قطعه، إلا في حالة نادرة، وهي الهدوء على الحدود السورية – الإسرائيلية. وعندما أراد النظام نقض ذلك الوعد، حيث قام بإرسال الفلسطينيين إلى الحدود قبل أسابيع، فإنه قدم شبه إشعار للإسرائيليين، وذلك من خلال تصريحات رامي مخلوف، الذي قال إن إسرائيل لن تنعم بالأمن إن لم ينعم به النظام السوري. عدا عن هذا الأمر، لم يتقيد نظام دمشق، وتحديدا في السنوات العشر الأخيرة، بوعد قطعه داخليا أو خارجيا!

المؤسف أن دمشق، وبالطبع سوريا كلها، غنية بالتاريخ والتجارب، والعقول، التي بمقدورها أن تصنع سوريا حضارية، وأكثر إنسانية ورحمة بمواطنيها، بل وأكثر عقلانية سياسية، وعلى غرار شعرة معاوية بن أبي سفيان، وليس بثينة شعبان. لكن النظام قرر أن يجعل سوريا مجرد قصة أخرى من قصص التنكيل والقمع بتاريخنا الحديث! فكم هو لافت الفرق بين منظر، وهيئة، القلة التي تدافع عن نظام الأسد في الإعلام الغربي اليوم، ومن يتظاهرون ضده، وتلك قصة أخرى.. لكن المراد قوله إنه لو أدرك النظام حقا حكمة معاوية لما وصل حال سوريا والسوريين إلى ما هو عليه اليوم، ولما احتمى السوريون بالسفير الأميركي، خصوصا أن السوريين كانوا ضد أميركا قلبا وقالبا يوم احتلت العراق، لكنهم اليوم يلقون الورود على سفير واشنطن في بلادهم.. فيا سبحان مبدل الأحوال!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ