ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 14/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المساعي الايرانية والتركية في سورية

الاربعاء, 13 يوليو 2011

شايسته أسدي *

الحياة

يرجح أن ترتقي زيارة وزير الخارجية التركي، احمد داود اوغلو، الى جدة وطهران الى نقطة تحول في مواقف الحكومة السورية. ويفترض الا نستخف بنتائج الزيارتين هاتين. فوزير الخارجية التركي يسعی الى تبادل وجهات النظر مع دول المنطقة من اجل اعادة الاستقرار الى سورية، إثر نزوح عدد من السوريين الى الاراضي التركية.

ويعتقد كثر من المحللين السياسيين ان سقوط النظام السوري لا يصب في مصلحة دول المنطقة أو الدول الغربية. وفي الواقع، لن تحصد المعارضة السورية التي تدين المسؤولين الايرانيين والسوريين، من الدول الغربية ما تنتظره. والدول الاقليمية المؤيدة للمعارضة السورية لا تريد اسقاط النظام السياسي في سورية على قدر ما تريد اركاعه. فزعزعة الاوضاع في سورية تؤثر في النظام الامني بالمنطقة. وتشير التوقعات الی ان بعض الدول الاقليمية يسعى الى اضعاف محور المقاومة، وتقويض نفوذ ايران في المنطقة.

وتخشى تركيا اتساع دائرة الاضطرابات وانتقالها الى اراضيها، والى المناطق الكردية على وجه التحديد، علی رغم ادعائها دعم المحتجين السوريين. وهو ادعاء يهدد الامن التركي بالاضطراب. ولن يغض التحالف الايراني - السوري مع «حزب الله» اللبناني النظر عن تأزيم الوضع السوري واتساع رقعة الاضطرابات.

وقبل يومين، أعلن وزير الخارجية الايراني، علي اكبر صالحي، قبل لقائه وزير الخارجية التركي، ان تركيا وايران تسعيان الى عدم استغلال الحوادث السورية، علی رغم اعترافهما بالمطالب المشروعة للشعب السوري.

ويدور الكلام على ان الحكومة السورية تسعی الى الحوار الوطني، علی رغم مقاطعة بعض شخصيات المعارضة هذا الحوار بسبب تجاربها مع النظام وموقفها من تجارب الدول المؤيدة للنظام السوري ومن تعامل الدول هذه، ومنها ايران، مع الاحزاب السياسية.

ويشير المعترضون علی «الحوار الوطني» الى انه يضم الأطراف المقربة من النظام والتي تدور في فلكه. ويرون أن مثل هذا الحوار لا يرسي مصالحة وطنية داخلية، علی خلاف رأي الحكومة أنه يعبد الطريق أمام انتخابات برلمانية تشارك فيها جميع الاحزاب السياسية في اطار نظام جديد لعمل الاحزاب السياسية، وينهي حالة الطوارئ التي تشهدها سورية منذ اربعة عقود.

ولكن المعارضة السورية تعتقد ان مثل هذه الخطوات هو وصفات الاتراك والايرانيين وبعض أطياف النظام السوري، الذين لا يشغلهم غير مصالحهم في المنطقة. وترى المعارضة السورية ان زيارة وزير الخارجية التركي طهران لا تساهم في تحقيق مطالبها. ولا تخفي قلقها ازاء الخطوات الاقليمية التي تصب في مصلحة بقاء النظام السياسي في سورية.

وعليه، لا يستخف بأهمية محادثات اوغلو في طهران التي تناولت التطورات الاقليمية وما يجري في سورية وعلاقة ايران بالمملكة العربية السعودية. فهي مؤشر الى مرور طهران في مرحلة صعبة جراء ملفها النووي ومشكلاتها الداخلية. واليوم، تواجه الجمهورية الاسلامية مصدر قلق اضافي نتيجة حوادث سورية. والحق أن جبهة المقاومة التي تجمع ايران وسورية و «حزب الله»، هي رئة طهران. وبعث وقوف رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، الی جانب «حزب الله» والوطنيين اللبنانيين نوعاً من الارتياح في طهران. ولكن صدور قرار المحكمة الدولية، واتساع دائرة المعارضة السورية، فاقما سوء الاوضاع. وحريّ بنا انتظار مدی نجاح المساعي الايرانية والتركية في ترتيب الاوضاع في سورية.

والنجاح هذا هو مدعاة ارتياح الايرانيين. ولكن ما موقف المعارضة السورية اذا تبين أن الاصلاحات التي وعد بها الرئيس السوري تحاكي الاصلاحات الايرانية والحوار مع الاحزاب الايرانية؟ وما السبيل الى تثبيت الاستراتيجيات التركية والايرانية أقدام النظام السوري؟ ونتائج زيارة اوغلو المهمة الى طهران ستظهر في الايام والاسابيع المقبلة.

=====================

الرئيس يريد إسقاط النظام!

الاربعاء, 13 يوليو 2011

الياس حرفوش

الحياة

لا شك في أنها تجربة فريدة، تلك التي يريد الرئيس بشار الأسد أن يقنع السوريين أنه يُقدم عليها. محاولة تغيير النظام من داخل النظام وبناءً على أوامر من رأس النظام نفسه. ذلك أن ما يجري الحديث عنه، إذا كان ما نسمعه هو ما تتّجه النية فعلاً إلى تحقيقه، ليس مجرد «إصلاح» للنظام. فإلغاء تفرّد حزب «البعث» بالسلطة، وفتح الباب أمام انتخابات تعددية، بما فيها إتاحة التنافس على مقعد الرئاسة، وتحرير وسائل الإعلام من سلطة الدولة وحريتها في تقرير المسموح والممنوع، وما يشكل نشره خطراً على «امن الوطن» وما لا يشكل، كل هذا ليس «إصلاحاً» وحسب. انه تغيير، بل انقلاب للنظام على ذاته، بوسائله وتحت إشرافه. أو كما عبّر المعارض لؤي حسين، مشككاً في نوايا النظام: السلطة تريد أن تفرض شكل الحوار الذي تريده هي، كما اعتادت أن تفرض شكل القمع الذي تريده.

لكن، وبعيداً عن الشكوك، هل يمكننا القول إن نظام الرئيس بشار الأسد يمهّد، بالخطوات التي يقول انه ينوي اتخاذها، لولادة سورية جديدة؟

اللقاء التشاوري الذي عقد في الأيام الماضية في مجمع «صحارى» أراد أن يرسل هذه الرسالة، رسالة الاستعداد للتغيير إلى حدود الانقلاب. وبصرف النظر عن نوعية بعض الحضور، الذين اطلق عليهم الزميل طلال سلمان في «السفير» لقب «الكتبة والفريسيين»، فقد كانت هناك إشارات لافتة: صورة الرئيس بشار الأسد لم تظلّل الكرسي الذي كان يجلس عليه نائبه فاروق الشرع. هذه بادرة قد تكون، إذا لم تخنّي الذاكرة، الأولى، ليس في عهد الرئيس السوري الحالي فقط، بل في عهد والده أيضاً. أن يُعقد لقاء سياسي في سورية، من أي نوع، من دون أن يكون تحت صورة الرئيس، ليس أمراً عادياً.

كان لافتاً كذلك أن المتشاورين «تواضعوا»، فقرروا استبدال عبارة «اللقاء التشاوري» بمؤتمر الحوار أو ما شابه، للدلالة إلى انهم يحترمون قرار الغائبين بالغياب، ولا يريدون الاستئثار بالتوصيات. ومن هنا كانت الإشارة في البيان الختامي إلى إبقاء الاتصالات مع مختلف القوى السياسية في الداخل والخارج، للتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيعقد فور إكمال هذه الاتصالات «وبالسرعة الكلية». كل هذا من دون أن ننسى أن مشاهدي التلفزيون الرسمي السوري، الذي كان ينقل المداخلات، سمعوا للمرة الأولى عبارات من نوع «تفكيك الدولة الأمنية» أو «إلغاء المادة الثامنة» أو «إخراج السجناء الذين بقوا سنوات مديدة في السجون وهم بالآلاف».

«إصلاح» نظام كالنظام الذي أقامه حزب البعث في سورية، منذ عام 1966، بكل مؤسساته ووظائفه الحزبية والأمنية والقضائية والتعليمية، ليس أمراً بسيطاً. انه امتحان، في الوقت ذاته، لجدّية النظام أولاً، وهذا امتحان صعب، بعد مسلسل التجارب والخيبات التي مُنيت بها مطالب المعارضة السورية، وخصوصاً منذ العام ألفين. وهو امتحان، ثانياً، لقدرة النظام على التغيير الموعود، حتى لو أراد وصدقت نواياه، في وجه الأجهزة الأمنية النافذة. وما يبرر هذا الشك، الذي تتداوله جهات سياسية عليا في سورية وخارجها، هو البون الشاسع بين الوعود والالتزامات التي اعلنها الرئيس بشار الأسد في خطبه الثلاث الأخيرة، وما استمر ارتكابه في الوقت ذاته على الأرض، في مختلف المدن السورية، من أعمال قتل واستباحات واعتقالات.

جرّب رجل يدعى ميخائيل غورباتشوف «إصلاح» آلة حزبية كانت تدير الاتحاد السوفياتي، شبيهة إلى حد بعيد بالآلة التي يدير بها حزب «البعث» الدولة السورية. اطلق على تلك العملية «غلازنوست»، التي تعني «الانفتاح». لكن أجهزة الحكم في موسكو لم تكن مهيأة ولا مجهزة لانفتاح كهذا، فانهار الحزب وانهارت معه الدولة بكاملها ومعها توابعها، وصارت جزءاً من التاريخ.

ولا شك في أن الرئيس بشار الأسد يدرك معنى إدخال عبارة «الإصلاح» إلى القاموس السوري، وأكلافها المحتملة. وبقراره اللجوء إلى الجراحة، بعد فشل المسكّنات، قد يكون أدرك، بخبرته الطبية، أنها باتت الخيار الوحيد لإقناع المعارضة بجديته، ولإتاحة المجال أمامه للبقاء على رأس الحكم.

أما الاحتمال الآخر، والأكثر خطراً، وما يتخوف منه قسم كبير من المعارضين المشكّكين في جدية الإصلاحات الموعودة، فهو أن يلعب النظام لعبة الوقت، بانتظار مرور العاصفة الهوجاء الداخلية والخارجية التي تهبّ عليه، ثم تعود حليمة ... لكن الرهان على الوقت لن يكون قراراً حكيماً هذه المرة.

=====================

سورية والسفارات الغربية

الاربعاء, 13 يوليو 2011

رندة تقي الدين

الحياة

في ١٤تموز (يوليو) ٢٠٠٨ كان الرئيس بشار الأسد يستعرض إلى جانب صديق غربي جديد هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي القوات الفرنسية بمناسبة عيد الثورة الفرنسية على جادة الشانزيليزيه. واليوم يرسل الرئيس السوري مناضلي حزب «البعث» عشية ذكرى عيد الثورة الفرنسية ليهاجموا سفارة صديقه الفرنسي السابق لأن سفيره أريك شوفالييه الذي كان اشد المدافعين عن النظام السوري الحالي، زار مدينة حماة التي شهدت تظاهرات شعبية ضخمة ضد النظام. إن النظام السوري الذي شجعه كل رئيس فرنسي منذ عهد فرنسوا ميتران على الإصلاح والتغيير لم يبالِ يوماً بمثل هذه النصائح. واليوم لم تعد ممارساته السابقة في اقتحام السفارات والهجوم عليها مقبولة. فالهجوم على سفارة الولايات المتحدة في ١٩٩٨ في دمشق كانت نتائجه سيئة جداً على العلاقة السورية الأميركية آنذاك، ولكن الأمور عادت وتحسنت بعض الشيء لأن الولايات المتحدة كانت على قناعة أن سورية أساسية للمسار السلمي المعطل. إلا أن الأيام تغيرت الآن وأصبحت الممارسات الماضية للنظام السوري من عصر ولى، لأن الشعوب العربية تغيرت والديموقراطيات الغربية تعلمت من أخطائها في دعم الأنظمة القمعية التي سقطت لأن جدار الخوف لدى الشعوب العربية سقط وثار الشباب في مصر وتونس واليمن ضد القمع والفساد ومن اجل القيم التي احتفل بها الرئيس بشار الأسد عندما كان وصديقه السابق ساركوزي يحتفلان بما أرسته الثورة الفرنسية من قيم لا علاقة للنظام السوري بها وهي الحرية والمساواة والأخوة.

واليوم نرى أن الرئيس الفرنسي الذي أعطى فرصة حقيقية للرئيس الأسد للخروج من عزلته رغم كل النصائح التي أعطيت له، يرى انه لم يعد هناك أمل في قيام النظام السوري بأي إصلاح حقيقي.

فالشعب السوري الشجاع لم ينتظر لا السفير الأميركي ولا الفرنسي ليثور. فهو شعب متعطش لحياة افضل ولحرية يطمح كل إنسان إليها، وهو شعب لا يخاف القمع وقد خرج في المدن ليطالب بأدنى حقوق الإنسان في الحرية والحياة الكريمة.

إن الهجوم على السفارات الأجنبية لن يغير في مطالب الشعب الشرعية. فالادعاء بأن كل شيء مؤامرة هو حجة أصبحت من العصور الماضية ولن تمنع الشعب عن التظاهر من اجل التغيير. إن ما قاله الوزير ألان جوبيه عن عدم قدرة النظام على القيام بالإصلاحات هو وليد خبرة طويلة بنظام بذل الغرب جهوداً كبيرة لإخراجه من عزلته لكنه لم يسمع، وبقي يردد أن كل شيء مؤامرة. فهكذا ذهب الرئيس رفيق الحريري شهيداً بحجة انه كان يعد مؤامرة. ثم وقع انقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري لأنها في نظر دمشق كانت تعد لمؤامرة. أي مؤامرة؟ لا احد يعرف. لقد فقد النظام السوري أصدقاءه العرب والأتراك، وبالأخص قطر التي عملت الكثير من اجل مساعدة الرئيس الأسد، وكل هذه الدول حاولت من دون جدوى إقناع النظام السوري بأنه ينبغي أن يضع نفسه على الطريق الصحيح على صعيد السياسة الإقليمية واللبنانية، ولكن لم يتغير شيء بل تدهورت الأمور إلى أوضاع داخلية خطيرة على النظام.

فكفى هذه الممارسات العقيمة لأنها تخبّط لنظام يعتمد القمع والقتل لصموده، وهذا غير مجدٍ للبقاء مثل نظام القذافي الذي يقتل أبناء شعبه للبقاء في سدة سلطة هشة.

=====================

رأيان حيال الحوار الوطني في سورية

الاربعاء, 13 يوليو 2011

شمس الدين الكيلاني *

الحياة

لم يتوقف الجدل في سورية، بعد مؤتمر سميراميس، حول مسألة حوار المعارضة مع السلطة في شأن مستقبل سورية، وآفاق تطورها السياسي، بل إن هذا المؤتمر المثير للجدل أفسح المجال لاتضاح وجهتي نظر في صفوف المعارضة. هناك قوى من المعارضة وفي مقدمتها قادة الانتفاضة الميدانيون (التنسيقيات ..)، والعديد من النشطاء والمثقفين، والمعارضة في الخارج التي عبر عنها مؤتمر انطاليا وبروكسل، فهي إلى جانب اعتقادها بأن السلطة لم تقترح برنامجاً جدِّياً للحوار، واستمرت في اعتماد العنف في معالجة الأزمة الوطنية العامة، ترى أن التركيبة الاستبدادية البنيوية للنظام التي هي على النقيض من النظام الديموقراطي، تمنعه من التحول (داخلياً) إلى نظام ديموقراطي تعدُّدي. إذ أن مؤسسات الدولة في النظام الديموقراطي (الجيش، الشرطة، السلطة القضائية والتشريعية، المؤسسات التربوية العامة)، هي مؤسسات تمثل الإرادة والمصلحة العموميتين للمجتمع بكل فئاته، ولا تخضع للتغير والتبدل مع تغير النخب الحاكمة، وهي مستقلة عن الصراع السياسي والاجتماعي، بينما السلطة (الحكم) هي المجال الذي تتنافس عليه وتتصارع حوله القوى السياسية في المجال السياسي الديموقراطي، فتتداول السيطرة عليها هذه الفئة الاجتماعية بطريقة سلمية ديموقراطية، لتطبق برامجها الانتخابية في إطار الدستور، مع احترام شديد لاستقلالية مؤسسات الدولة ووظائفها الثابتة. حيث لا يحق للسلطة ورجالها التطاول على مؤسسات الدولة أو تغيير وظائفها، ناهيك عن تحويلها إلى أداة تسخّرها لمصالحها الخاصة.

والحال، أن القوى التي استولت على السلطة باسم حزب «البعث» لم تكتفِ بالاستيلاء على الحكم (السلطة) فقط، بل عملت على تسخير (مؤسسات الدولة) كافة لمشاريعها الحزبية والفئوية وألحقتها ب (سلطتها) وبأجهزتها. فبدلاً من أن تُبقي تلك المؤسسات الدولاتية لكل المواطنين وغير متحيزة، جعلتها مُلحقة بحزبها وأجهزتها الاستخبارية. فأصبح الجيش والشرطة والمؤسسة القضائية والتربوية والثقافية والتشريعية مُتَحَزِّبة ل «البعث» وتابعة لأجهزة سلطته. ولم تنحصر هيمنة السلطة على مؤسسات الدولة، بل طالت بهيمنتها المجتمع نفسه، طالما أن الدستور في مادته الثامنة ينص على (قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع). فغدت الهيئات النقابية والحزبية مُلحقة بقيادة الحزب وبأجهزته. فانخرط المجتمع برمته في منظمات تابعة للسلطة وحزبها لتلقينه حب القائد وحزبه: الطلائع (للصبية)، اتحاد شبيبة الثورة (لطلاب الثانوي)، واتحاد الطلبة (للجامعيين).

وعلى هذا، فمن الضروري كي تنتقل سورية من النمط التسلطي إلى النموذج الديموقراطي للدولة، أن تبدأ بتحرير مؤسسات الدولة من طابعها الحزبي (البعثي)، ومن هيمنة (السلطة) وأجهزتها، لتصبح مؤسسات لكل السوريين، تحمي حقوقهم العمومية من تعديات السلطة السياسية وأصحابها، وتراقب شرعية سلوكها، بدلاً من أن تكون خادمة لها. بمعنى آخر، يتوجب إلغاء ما هو مُتَّبع حتى الآن من «تبعيث» القضاء والتعليم والجيش، والنقابة والمجتمع المدني والفضاء الاجتماعي برمته، وتحريرها من التبعية القسرية للحزب وأجهزته القمعية. وبذلك يختفي التمييز في المجتمع السوري بين مجموعة من «السادة» (البعثيين) لهم وحدهم حق الحكم والقيادة للمجتمع والدولة، وجماعة أخرى (الشعب السوري) عليه الطاعة والخضوع لهذه القيادة في المجالين الاجتماعي والسياسي. عندها يتوافر الشرط اللازم وغير الكافي لتأسيس الديموقراطية. فمسألة الانتقال إلى الديموقراطية ليست مسألة قانونية أو حقوقية فحسب، بل هي مسألة عملية أساساً، فإذا اكتفى المتحاورون بصياغة أفضل القوانين الديموقراطية، من دون أن يعملوا على تفكيك الأجهزة القمعية، وعلاقة التبعية القائمة بين الأجهزة الحزبية والقمعية للنظام وبين مؤسسات الدولة، فلن يغيروا شيئاً في آلية النظام القائم.

فضلاً عن ذلك، فإذا لم تتبدل موازين القوى بشكل جذري لمصلحة الشعب والانتفاضة، بدلالة ظهور إشارات جدية على تفكك النظام وتراجع ثقته بنفسه، كإعلان الاستقالة، أو الوعد بعدم التجديد، فلن تستطيع قوى المعارضة أن تحصل بالحوار، في أحسن الأحوال، سوى على نمط شبيه بنظام مبارك الذي سمح بتعايش الاستبداد مع (ديموقراطية مقيدة)، تقتصر على بعضٍ من:حرية نسبية للصحافة، وتعددية حزبية وانتخابات نيابية، وحريات عامة منضبطة تحت قبة النظام، أو كما تقول السلطة السورية (تحت سقف الوطن)!

تسوق المعارضة المُتشككة في صدق نوايا السلطة، وفي إرادتها وقدرتها على التحول إلى النموذج الديموقراطي، هذه الحجج (النظرية) في رفضها للحوار حالياً، وتعزِّز وجهة نظرها تلك الحركة الاحتجاجية التي ازدادت اتساعاً وعمقاً.

أما أغلبية المعارضة الديموقراطية (القديمة)، فكانت تميل، قبل انطلاق الانتفاضة السورية، إلى الحوار مع السلطة كسبيل للإصلاح الديموقراطي، (كحال «التجمع الوطني الديموقراطي» ذي الأصول القومية واليسارية، وأصحاب الاتجاهات اليسارية والليبرالية الذين برزوا في العقد الأخير، وشكلوا ندوات وتجمعات مدنية في بداية عهد الرئيس بشار الأسد وأُجهضت في حينها). وأيضاً أصحاب «إعلان دمشق» الذي أسسته المعارضة في تشرين الأول (أكتوبر) 2005، و»المجلس الوطني» ل «إعلان دمشق» الذي عقد في أواخر 2007، وضم أغلب القوى السياسية السورية، ودعا السلطة إلى عقد (مؤتمر وطني) للحوار، يجمع كل أطياف المعارضة مع ممثلي النظام بحثاً عن مخرج لتحول سورية إلى الديموقراطية بطريقة سلمية، فجُوبهت هذه الدعوة بالاعتقالات حتى طالت أمينة المؤتمر السيدة فداء حوراني، ابنة الزعيم أكرم حوراني، فأذن ذلك بانغلاق نافذة الإصلاح ناهيك عن الحوار.

وعلى هذا، يصبح من المتوقع أن تتجه بعض قوى المعارضة، لاسيما «التجمُّع الوطني الديموقراطي» وبعض اليساريين والعديد من الناشطين والمثقفين، الذين أعلنوا عن تشكيل «هيئة التنسيق الوطني» التي تجمع ممثلين عن المعارضة في الداخل والخارج، أبرزهم المفكر برهان غليون، إلى القبول ب (الحوار) إذا توافرت البيئة المناسبة لنجاحه، وفي مقدمتها: الإفراج عن المعتقلين السياسيين، سحب الجيش والقوى الأمنية من المدن والشوارع، السماح بالتظاهر السلمي كحق وضمانة، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور كمدخل لا بد منه لنجاح حوار يفضي إلى صياغة خريطة طريق للانتقال من نظام الحزب الواحد إلى نظام تعددي ديموقراطي. وحجتهم في ذلك أن هذا الأسلوب كفيل، إذا صدقت نوايا السلطة، بالتحول السلمي إلى الديموقراطية، ويجنب البلاد الأخطار والمآسي.

=====================

النظام في أزمة وهو مَن عليه التراجُع

الاربعاء, 13 يوليو 2011

ياسين الحاج صالح *

الحياة

علام يدور الصراع في سورية اليوم؟ على تغيير النظام السياسي. قد يسمى هذا نظام الحزب الواحد أو النظام الأسدي. وقد تسمى سورية دولة البعث أو سورية الأسد. ما يتطلع إليه سوريون كثيرون هو طي صفحة هذا النظام، والتحول نحو أوضاع سياسية وقانونية جديدة، أقل عدوانية، وأكثر احتراماً لإنسانية السوريين.

وإذا تكلمنا بلغة تحليلية أكثر، فإن النظام القائم ينهض على مركّب سياسي - أمني - اقتصادي، هو ما لا معنى لأي تغيير سياسي في البلد من دون تفكيكه. اندغام السلطة السياسية بالأمنية بالاقتصادية هو الواقعة التي تُعرِّف النظام السوري في السنوات الأخيرة. فهو نظام حاكم متحكم مالك. في وقت سابق كان نظاماً حاكماً متحكماً، مهيمناً على العمليات الاقتصادية في البلد، من دون أن يكون مالكاً. المرحلة الأقدم من عمر النظام تشكل الطبقة الأعمق من تكوينه، أو نواته الصلبة: المركب السياسي الأمني.

هذا المركب هو ما يتعين تغييره. ويعني التغيير في هذا المقام شيئين. أولهما طي صفحة الحكم الأبدي الوراثي واستعادة الجمهورية، وثانيهما رفع الحصانة عن الأجهزة الأمنية وإخضاعها للمساءلة السياسية والاجتماعية، وتغيير عقيدتها بحيث تمسي معنية بأمن السكان والبلاد، لا بأمن النظام. ونحو هذه الدلالات للتغيير السياسي اتجهت أوضح مطالب السوريين أثناء الانتفاضة. وعبّر عنها الشعار الشهير: «الشعب يريد إسقاط النظام»! المعنى الملموس لهذا الشعار هو التخلص من المركب السياسي الأمني. أي مرة أخرى: لا حكم أبدياً، ولا حصانة أمنية.

هذا هو المطلب الجوهري للانتفاضة، بل هو تعريفها ومعناها. وهو مطلب عادل وطنياً وسياسياً وأخلاقياً، لأن الحكم الأبدي متعارض مع معنى الجمهورية، ولأنه امتياز غير عادل ولا مبرر له. ولأن حصانة الأجهزة الأمنية شيء غير عادل بدوره وغير إنساني، وقد اقترن بالعدوان على المحكومين، وبأشكال إجرامية من ممارسة السلطة.

ولأن هذا المطلب عادل وشرعي، فإن كرة التغيير في ملعب النظام. على النظام أن يبادر، الآن قبل الغد، إلى الإقرار بأن منصب الرئاسة ليس لفرد بعينه، ولا هو محصور بأسرة معينة، وبأنه ليس هناك من هم فوق المساءلة والمحاسبة.

لا يقبل النظام بذلك. يقمع ويناور ويتحايل. يريد التملص من المطالب الجوهرية التي تطرحها الانتفاضة. هذا مفهوم وغير مفاجئ. لكنه لا يغير في الأمر شيئاً. ما ليس مفهوماً أن يجعل أيٌ كان من ممانعة النظام لهذه المطالب الجوهرية مسوّغاً لإعادة النظر فيها والتفكير بمطالب أخرى. هذا لا يستقيم. هناك طرف معتد، وعليه أن ينتهي عن عدوانه. وهذا الطرف هو النظام... وأن يكون قوياً، وأن يرفض الانتهاء، وأن يمعن في الاعتداء على من يقاومون عدوانه، لا يجعل العدوان بِرّاً ولا الامتياز شرعياً. وتالياً، ليس للانتفاضة، وليس للمعارضة، أن تتعب نفسها في اقتراح أفكار مغايرة، أو أن تغير مطالبها، أو حتى تصوغها بلغة أخرى، لمجرد أن النظام لن يستجيب لها. طبعاً النظام لن يستجيب ما استطاع، لكنه ليس الحكم العادل في شأن السياسة الصحيحة والمطالب الصحيحة للشعب السوري. ومن الخرق وسوء التفكير والتدبير معاً أن نفكر في تغيير الحلول في حين ان المشكلة ثابتة لا تتغير. هذه مكافأة لعناد النظام، لا تجوز من خصومه. النظام في أزمة، وعليه هو أن يقترح على المعارضين، وعلى عموم السوريين، مخارج من هذه الأزمة، وليس على المعارضين أن يطرحوا عليه عدداً من المخارج ليختار من بينها ما يناسبه.

هذا من باب نقد طريقة شائعة في تفكير معارضين سوريين، يلحظون عناد النظام وتصلبه، فيظنون أن عليهم أن يغيروا مقارباتهم واقتراحاتهم، بدل أن يغير هو عقليته ومنهجه. لكنهم بهذا يتطوعون لنقل أزمة النظام إليهم هم. ويتسببون في اضطراب الأفكار في أوساطهم وفي انقسام صفوفهم.

الخلاصة أن النظام في أزمة بفعل تفجر الانتفاضة الشعبية منذ شهور. والمطلوب هو أن يتغير، فيكف عن كونه حكماً مطلقاً. وهو يرفض ذلك من دون وجه حق أخلاقي أو وطني في رفضه. لكن هذا لا يغير من المطلب الجوهري، أي تغيير النظام.

ربما يقال إن سورية في أزمة. هذا صحيح. لكن منبع الأزمة هو النظام. والانتفاضة هي الحل، أو المدخل إلى تغيير البيئة السياسية في البلاد، بما يتيح للسوريين فرصاً أفضل لمواجهة مشكلاتهم السياسية والاجتماعية والوطنية. والانتفاضة مستمرة، وتزداد اتساعاً وصلابة، ومطلبها ثابت من حيث معناه، ويزداد تجذراً من حيث أسلوبه. فليس لأحد أن يجشم نفسه عناء فك الحصار عن النظام وتقديم نسخة منقحة عن مطلب تغيير النظام. غاية المطلوب هو دعم الانتفاضة والمساهمة في توسعها وتعزيز صفوفها، وفي تنظيمها الفكري والسياسي. وحين يعرض النظام شيئاً يتصل بمطلبها الجوهري، لن يفوت أحداً أن يأخذ علماً بذلك ويرى فيه رأيه.

* كاتب سوري

=====================

الحوار في سورية.. بين الجد والمناورة

د يحيى مصطفى كامل

2011-07-12

القدس العربي

 الثورة عملٌ خلاق ، لا أستطيع إحصاء عدد المرات التي سمعت فيها هذه المقولة، بل و رددتها مع الآخرين بإيمان...إلا أننا في غمرة الحماس ننسى ما لا يقل عن ذلك أهميةً ألا و هو أنها عملٌ كاشفٌ فاضح...

أجل.. إن الثورة إذ تحرر الواقع و تستخلصه من ستر الزيف الإعلامي و الأوهام الكثيفة المنسوجة من قبل الأنظمة تظهره على حقيقته العارية بكل قبحه و قسوته، لينجلي ما كان غامضاً مبهماً و يتيقن ما كان موضع شكوك...

من هذا المنطلق، فلعل ثورةً لم تعرِ نظاماً و تفضحه مسلطةً الضوء على كمٍ مذهلٍ من الالتباسات الفكرية العميقة و ازدواجية المعايير كالثورة السورية المجيدة؛ في يقيني الشخصي أن مرد ذلك الخلط يرجع إلى الطبيعة المنفصمة للنظام و المسافة الفاصلة بين ظاهرٍ داعمٍ و منادٍ بالقضايا الوطنية و باطنٍ معدنه و جوهره الاستبداد و القمع الرهيب، و لئن كان يشترك في ذلك مع سائر الانظمة التي استولت فيما يشبه القرصنة على مفاهيم التقدم و الحداثة فإن له طبيعةً و نكهةً خاصة نابعة من خصوصية سورية التاريخية و تركيبتها الاجتماعية، و الأهم من ذلك من شخصية و عقلية الأسد الاب و النظام الذي اوجد و كرس طوال اربعة عقود... و عليه فإني لأعتقد أن أي تحليلٍ في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة يقف في منتصف الطريق دون النفاذ إلى صلب بنية و تكوين هذا النظام يتسم بالنقصان، بل لنكن صريحين باللاجدوى.

لم تفتقر سورية إلى الأحزاب و الأفكار و القادة و المنظرين حين اعتلى سدة الحكم، و إنما إليه يرجع الفضل في وفاة هذا الحراك و تغير شكل البلاد... و إذ ترسخت لديه قناعة ،أنا الدولة و الدولة أنا، التي يشارك فيها إخوانه من طغاة العالم و الشرق بصفةٍ خاصة فقد شرع في إعادة تشكيل الدولة و المجتمع و الحزب (ذلك الذي اعتبره إرثاً و ملكيةً خاصةً له و لأسرته) ليكونوا انعكاساً و امتداداً وتجلياً لشخصه و لذهنه.. أنا لا أعني هنا رؤاه الاستراتيجية و إنما ما هو أعمق و أهم و أكثر ظلاماً من ذلك، إلى نسيج عقله بمكوناته و ما تأثر به من خلفيته العسكرية و قشور الافكار و كناسة النظريات التي حصدها في سني خدمته مشفوعة بفهمٍ غوغائي لتفسيراتٍ مبتسرة و مشوهة للاشتراكية و عروبية شوفينية على خلفيةٍ أسياسيةٍ و صلدة من موروثات العشيرة و الجبل... الملفت أن ذلك الرجل لم يكن طاغيةً صنعته أو ساعدته الظروف فحسب و أنما كان ذا مزاجٍ مستبدٍ متأصلٍ في نفسه يؤمن فقط بالولاء له و ليس للحزب و الدولة... رجل صبور صموت ذو موهبةٍ فريدة في التآمر يجمع بين القسوة الهائلة التي لا مثيل لها و الحرص الشديد و الأناة، فهو لم يكن بالمتهور أبداً شأن غيره و في حين أنه قد يسترسل لساعاتٍ في أحاديثٍ سياسية و محاضرات مدرسية عن الحقوق التاريخية معادة أبداً و لا طائل من ورائها مع زائريه مما قد يندرج تحت باب ،طق الحنك، فقد كان قليل الكلام فيما يهم، و على رأسه التخلص من أعدائه ( الذين غالباً ما كانوا أصدقاءه بل و رفاقه في مرحلةٍ ما...) و في عقد و نقض تحالفاته المتغيرة أبداً في بيئةٍ مختلفة دائماً.. و لأنه أدرك إما حدساً أو اعتباراً من سابقيه بأن أي نظامٍ لا يمكن له أن يستقر على العنف وحده فقد عمد إلى تصنيع ما يشبه قاعدةً سياسيةً لنظامه المرعب، فئة من المنتفعين المصفقين ممن يحتاج إليهم من البورجوازية التجارية العريقة في المدن الكبرى أما الخطوة الحاسمة فتمثلت في استبدال و إحلال من يمتون إليه بصلة قرابة من الدم أوالعشيرة في كل المفاصل و القيادات الامنية و الاستخباراتية الهامة التي تشكل عقل وعيني و إرادة حركة و قبضة النظام في ظل منظومةٍ أمنيةٍ عنكبوتيةٍ متغولةٍ هي عين الكابوس..و هم نفسهم الذين ما لبثوا أن احتكروا الاقتصاد مجردين نفس البورجوازية التي ذكرنا من امتيازاتها..

لقد نجح في أن يصبح هو كل شيء و ظل الله على الارض متوحداً في سلطته و قراره ثم تحيط به، و إن على مسافة، تلك الحلقة من الأعوان في بلدٍ بات ديدنه تراتبية ً هرميةً صارمة تحكمه بالحديد و النار...الأهم من ذلك أنه لاكتساب شرعيةٍ نهائيةٍ لنظامه قام بقفزةٍ مضمونةٍ للأمام بالتصدي للقضية الوطنية و الفلسطينية متفرغاً إلى لعبته المفضلة في السياسة و التحركات الإقليمية التي استغرقت جل وقته.

و هبت رياح الثورة...و فاض بالشعب السوري الذي سئم التهميش و القمع و الاستنزاف و تلال الأكاذيب و الشعارات الجوفاء و العنتريات فخرج إلى الشارع متحدياً آلة القمع الأسطورية و مطالباً بحقه في الكرامة و الحرية التي لا يستحق دونهما...و كالمتوقع، لم يجد النظام أمامه سوى الأسلوب الوحيد الذي يخبرُه للتصدي لهم: العنف اللامحدود، حتى أتت تصريحات السيد رامي مخلوف الحمقاء و تحركات الإسرائيليين لتسقط عن النظام قناع القضايا الوطنية المصيرية و الحداثة بحيث يبرز على حقيقته العارية...نظامٌ قمعي دموي كرس العشائرية و حكم طائفةٍ بعينها رغم الادعاءات المتزايدة بنبذها و تخطيها، لا يختلف كثيراً عن لبنان الذي طالما زايد عليه مع فارق أنه لا يسمح بأية محاصصة أو مشاركة للسلطة و أنه يسيطر على بلدٍ بحجم و قدرات سورية و يسخرها لمشروع بقائه، و ما كل تحالفاته سوى أوراق ضغطٍ لتعزيز موقفه الإقليمي بعيداً عن المبادئ...إن نظاماً يبيد شعبه للبقاء لا مبادئ لديه...

لقد وصل هذا النظام لنهاية الطريق وما كل الحديث عن الحوار في رأيي سوى مناوراتٍ لإضعاف و تقسيم المعارضة و كسب الوقت، فنظام كهذا متضخم العضلات الأمنية و فاسدٌ حتى النخاع يدرك تماماً أن أي تنازلٍ مهما كان ضئيلاً أو مشاركةٍ في السلطة و لو حتى شكلية يعني نهايته فضلاً عن نشر غسيله القذر و فظاعاته و ما أكثرها...

أما الالتباس و الازدواجية فناجمان إما عن قصورٍ في فهم طبيعة النظام التي أسلفنا ممن انطلت عليهم الأكاذيب ( أو يرغبون في تصديقها) و إما لأن الأطراف الإقليمية التي تقاطعت مصالحها معه تخشى غياب دعمه و خاصةً لورقة المقاومة بمطالبها المشروعة ناسيةً أو متناسيةً أن النظام لم و لن يكون أكثر بذلاً للقضايا الوطنية و انحيازاً للعروبة من الشعب السوري الذي لم تكن انحيازات النظام العروبية المزعومة سوى محاولةٍ هزيلة لمجاراة مزاج ٍ شعبي اصيل شكل الفكر القومي العربي إحدى تجلياته و مطالبه الحيوية ، كما أن سورية طليقة القدرات و المواهب من نيرهذا النظام المسخ لهي بكل تأكيد أكثر مقدرةً على البذل و العطاء ... و قد لا يخلو الأمر من كون بعض الأطراف ببساطةلا يكترث لمأساة الشعب السوري...

تبقى الكلمة الأخيرة و الأهم أتوجه بها إلى أحرار سورية الذين يتصدون و يقعون شهداء لا آلة البطش بكل قضها و قضيضها فقط و إنما الإهمال المشبوه المتلكئ و مؤامرات شتى الأطراف الخارجية التي مازالت تفضل التعاون مع هذا النظام المجرم رغم كل ادعاءاتها..إني لأدهش إذ أراهم يستشهدون في هذه المواجهة الغير متكافئة و مع ذلك لم ينوا يخرجون بآلاف متزايدة يبتكرون أساليب جديدة للمقاومة السلمية كل يوم و يواجهون الموت بصدورهم العارية... و على الرغم من نفوري و ريبتي الفطريين من أحاديث العواطف و الحماسة إلا أنها كلماتٌ صادقة من القلب :

أنت الأجمل،أنت الأروع، أنت الأنبل ، أنت الأعظم، أنت الأنقى، أنت الأرقى، أنت الأبقى ، فالمجد كل المجد للشعب السوري العظيم...

' كاتب مصري

=====================

سوريا وتركيا والتدخل الخارجي!

الأربعاء، 13 تموز 2011 01:56

فرج شلهوب

السبيل

الأوضاع في سوريا تزداد تفاقما، وكما يبدو أن هناك عجزا حكوميا في استيعاب الوضع، وفي الوقت ذاته رغبة في إدخال الأحداث إلى مربع التورط الخارجي لنزع الشرعية عن الحراك الشعبي، وإطلاق اليد للذهاب بعيدا في تنفيذ الخيار الأمني.

وهذا أمر يعني أن النظام السياسي في سوريا، غير قادر على إبداع حل سياسي يستوعب ويستجيب للحراك الشعبي، وأن استنتاجه وبما يلائم طبيعته الامنية، أن يستمر في اختبار الاستخدام المفرط للقوة، ولكن في ظل وصم الحراك الشعبي بالارتباط الخارجي، وما السماح للسفيرين الأمريكي والفرنسي بالوصول لحماة، ثم إظهار الغضب وصولا لتسيير المظاهرات لإنزال أعلام السفارتين، إلا محاولة لنسج خيوط المشهد التآمري المفرط، كمقدمة للاستمرار في تصعيد المعالجات الأمنية الفاشلة.

والمشكلة أن الرغبة الحكومية السورية بتلطيخ الحراك الشعبي، تلتقي مع رغبة أمريكية موازية، تريد الاستثمار في سوريا، وتأكيد أن لها يدا طولي في التقرير والتأثير على الأوضاع هناك، ولو بالادعاء والزور والبهتان. ولا يمنع هذا أن هناك من بين المعارضين للحكم في سوريا من يتطلع لدور لواشنطن، أما رغبة وارتباطا أو لحسابات مغلوطة، لا ترى امكانية للتغيير دون ضوء أخضر، أو دعم كبير من البيت الأبيض، وهناك أيضا من يخطئ التعبير ولا يحسن عرض قضيته!

هذا المشهد المختلط قد لا يساعد على الخروج بأقل الخسائر مما يجري هناك، ولا أعظم المكتسبات، وربما دفع التعنت وضيق الأفق والحسابات الصغيرة من جهة النظام، وشهوة التدخل وحب السيطرة وإدمان التآمر من جهة واشنطن والغرب، إلى إعادة إنتاج المشهد الليبي، وبصورة أكثر إزراء وأعلى كلفا، وعلى نحو يخسر فيه السوريون والمطقة في الجوار خسارة قاسية، بينما تجني واشنطن وتل أبيب كسبا صافيا، سواء نجح الحراك الشعبي بالوصول لأهدافه أو أخفق، في الأولى: عبر توفر بيئة خصبة للاختراق، بفعل سد النظام لسبل الإصلاح وممارسته القمع العنيف الذي يدفع الناس لاستسهال الاستعانة بالشيطان.

والثانية: عبر إضعاف النظام وحشره في الزاوية، وربما ممارسة سياسة مستمرة من الابتزاز السياسي إزاءه. وكل حادب على سوريا حراكا شعبيا إصلاحيا، أو نظاما سياسيا يتفق معه في الرؤية والمصالح، سيدرك أن الاستمرار في السياق الراهن، المتمثل بالحل الأمني وتلطيخ المطالب الإصلاحية، واستجلاب أمريكا للانخراط المباشر في تداعيات المشهد، سيكون قاتلا ووصفة كبيرة للخراب.

وانطلاقا من أن عودة الأوضاع في سوريا إلى ما كانت عليه، حكما شموليا وحزبا قائدا وقبضة أمنية متحكمة، بعد الحراك الشعبي أمر غير ممكن، وبعد سقوط الحل الأمني وعجزه عن توفير إجابة للنظام تمنع تفاقم الأوضاع، واستحضارا لمصلحة سوريا الكلية، دورا ومنعة وتوحدا، فإن المطلوب اجتراح مبادرة، تنجز لسوريا إصلاحا حقيقيا، وتجنبها دفع كلف باهضة من استقرارها ودماء أبنائها وبناها التحتية، وتسحب البساط من تحت أقدام المتربصين الذين لا يهمهم إلا مصالحهم.

المبادرة تنطلق من تأكيد ضرورة إنجاز الإصلاح الحقيقي، والشراكة بين كافة أبناء سوريا دون تهميش أو إقصاء، وعلى قاعدة عادلة من إدارة النظام السياسي، وإنهاء حقبة التدخلات الأمنية في الحياة المدنية والسياسية، وما يستتبع ذلك من إجراءات عملية تنهي ملفات المعتقلين والمنفيين والمفقودين، والسماح بحرية الإعلام وحق التعبير وفتح العمل السياسي للجميع وضمان الحق في التظاهر السلمي، والاتفاق على جدول زمني للاستجابة لتنفيذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة، من تعديل للدستور وإجراء للانتخابات.

ولعل حساسية الأوضاع في سوريا وحجم تأثير ما يجري فيها على الإقليم، في فلسطين والصراع مع المحتل الصهيوني، أو على لبنان وصياغة المشهد السياسي هناك، أو إيران وتركيا، الأولى: بسبب من الارتباط العميق بين دمشق وطهران سياسة ومصيرا، والثانية: بسبب الجوار الجغرافي واعتبار تركيا ما يجري في سوريا بأنه يمس بصورة مباشرة المجال الحيوي لأمنها.

وعلى خلفية من وجود تطلعات وأطماع لكل من تل أبيب وواشنطن في سوريا، وفي كل ما يتصل بتحديد سياستها ومستقبلها، كل ذلك يستدعي عدم ترك الأوضاع تتفاقم دون تدخل جاد، يسهم في وضع العربة على سكة الحل الذي ينجز لسوريا استقرارا وتقدما، ويجنبها تفجرا وتمزقا وتدخلا غير محمود في شؤونها.

ولعل تركيا تشكل حجر الزاوية في دفع مبادرة الحل المنشود، وبالتنسيق مع طهران، فإصرار النظام على المراوحة ضمن حدود سياسته القائمة، لن يقود إلا لواحد من طريقين، إسقاطه أو إضعافه إلى حد أسوأ من السقوط، أو فتح الباب واسعا للتدخل الأجنبي، الذي بات يتأهب لخطوة على هذا الصعيد لحاجة في نفس يعقوب، ما يعني أن النظام وأصدقاءه على شاكلة طهران معنيون بإيجاد مخرج، على قاعدة الاستجابة للمطالب الشعبية، وإغلاق الطريق على واشنطن وتل أبيب من ممارسة العبث في الملف السوري.

طهران وانقرة ، كل من زاوية معنيتان بإنجاز صيغة الحل، وصيغة يتفق عليها البلدان وتلبي المطالب الشعبية في الإصلاح الحقيقي، هي الطريق للخروج من الأزمة ومنع التدخل الغربي ذي الحسابات الاستعمارية، وهي الضمانة لقبول الأطراف السورية في الحكم والمعارضة بالمبادرة، فإيران مقبولة على النظام وتركيا مقبولة على المعارضة، والدولتان معا تملكان قدرة عملية للضغط على النظام للاستجابة لمتطلبات الحل، خصوصا إذا ما انفتحت المبادرة على حالة من التشاور مع جامعة الدول العربية ومصر والعربية السعودية وروسيا كطرف دولي.

مبادرة حقيقية تقودها تركيا بالتنسيق مع طهران التي تخشى على نفسها من تداعيات ما يجري في سوريا، تعني أن تركيا ستؤكد وزنها الإقليمي وستحفظ مصالحها الحيوية مع سوريا المستقبل، فيما طهران ستكسب قطع الطريق على التدخل الغربي، وستمنع أمريكا من التدخل العميق في صياغة المستقبل السوري، بما يمنع التأثيرعلى وضعها كدولة مستهدفة امريكيا تماما مثلما هو حلفها مع دمشق، وقد تسهم هذه الخطوة في إعادة إنتاج صورة إيران التي تضررت كثيرا بسبب انحيازها للنظام في مواجهة مطالب الشعب.

قطع الطريق على التدخل الأمريكي، بكل مساوئه وانعكاساته المستقبلية، تبدأ من استجابة الحكومة السورية للمطالب الشعبية لا تجاهلها وممارسة المزيد من القمع. وبالنسبة لحلفاء النظام السوري، تبدأ من طرح مبادرات الحل العادل، لا الانحياز للنظام ودعمه في حربه ضد شعبه، فهذه وصفة أكيدة لخسارة بقاء النظام الصديق، ولخسارة العلاقة مع الشعب، الذي هو أبقى من الحكومات والنظم الزائلة.

المبادرة لإنزال النظام السوري عن الشجرة، والتأثير الإيجابي في مسار الحراك الشعبي بتأكيد سلميته، والتأكيد على مشروعية المطالب الشعبية العادلة، وتجريم التدخل الأجنبي، وحرمة إطلاق الرصاص على المتظاهرين، هي عناوين مهمة لتجنيب سوريا الأسوأ، أما تراشق الاتهامات والانحياز للحل الأمني ودعم سياسات النظام بعجرها وبجرها، وإدارة الظهر للإرادة الشعبية، فهي خارطة طريق سيئة لجلب أمريكا وشرورها، ولتمزيق سوريا وإضعافها ولإهدار مصالح الجميع في الإقليم.

تركيا معنية أن تبادر، وطهران معنية بأن تساعد نفسها قبل مساعدة دمشق، والحكم في سوريا معني بأن يضع عقله في رأسه، وأن يكف عن المكابرة، والعرب وجامعتهم معنيون أن يكون لهم كلمة حق وإنصاف، فالفراغ وغياب المبادرة هو من يجلب أمريكا وشرها. واستمرار القمع وإغلاق الآذان هي سياسة الأغبياء لا الأذكياء، وعلى الدوام كان الشعب أهم من حكومته وحكامه، ودوام الاستبداد لم يعد ممكنا ولا مقبولا!!

=====================

بين كلنتون والأسد

الأربعاء، 13 تموز 2011 03:12

جمال الشواهين

السبيل

لا ينبغي المرور على تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون حول الرئيس السوري بشار الأسد دون التمحيص والبحث فيها ومعرفة ما خلفها، إذ ما قالته بشأنه ليس مسبوقاً بالصورة التي خرج بها، ولم يعهد بالصراحة الأخيرة.

فيما قالته كلنتون عن الأسد أنه لم يعد الشخص الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وأن لا فائدة لواشنطن من بقائه بالسلطة، وعليه يكون فاقداً للشرعية. والتي هي هنا أمريكية دون لبس، بحكم ما في التصريح من وضوح.

لا يمكن أن يكون الأمر في سوريا على ما ذهبت وأشارت إليه كلنتون، رغم إمكانية ربطه بما صرح به رامي مخلوف قبل حول أمن العدو الإسرائيلي ومثله إتاحة المجال لشباب من الوصول إلى السياج الفاصل بالجولان.

حتى لحظة هذه الكتابة لم يصدر رد سوري على تصريحات كلنتون، وإذا ما استمر الصمت عليه، فإن ذلك يعني قبولاً به، وهذا ما لا يريد أن يصدقه أحد ممن آمنوا بالمقاومة والممانعة وكانوا إلى جانب سوريا من أجل ذلك، وسيظلون طالما استمرت.

الإدارة الأمريكية تسعى إلى استمرار مصالحها، وتخشى مما يجري بالمنطقة العربية، وتعمل لسرقة الثورة في كل من مصر وتونس، وبطبيعة الحالة فإنها تتابع كل ما يجري بسوريا، إذ هي الأكثر خطراً على مصالحها وأمن العدو الإسرائيلي.

وهي تريد الآن أن تستغل اللحظة التاريخية، وأن تسرق التحرك الشعبي فيها ومحاصرة النظام معاً.

وإذا ما تيسر لها ذلك، فإنها ستنهي تحالف دمشق، طهران، حزب الله، حماس، الجهاد، وهذا ما تريده بالضبط فوق كل ما حصلت عليه بالتفاهم، وهذا يفسر تصريحات كلنتون، ولا يبرر صمت دمشق عليه.

=====================

ذبحوا المغني... لكن السوريين استمروا في ترديد الأغنية

زين الشامي

الرأي العام

13-7-2011

هل تتخيلوا أن تذبح العصافير عقاباً على شدوها، ويمنع العطر خوفاً من رائحته من الانتشار، هل تتخيلوا أن تعاقب الشمس لأنها تنثر الضوء، والسماء لأنها ترسل المطر للأرض؟

هكذا حصل تماماً في مدينة حماة السورية حين ذبح «الشبيحة» التابعون للنظام السوري المطرب الشعبي إبراهيم قاشوش الذي صدحت حنجرته بأغان ضد النظام الديكتاتوري في ساحة العاصي وسط المدينة، وردد مئات الآلاف من المتظاهرين أغانيه وهتافاته، ليس فقط في حماة بل في أغلب المدن والقرى السورية.

منذ أيام وقبل جمعة «ارحل» استيقظ أهالي حماة لتفاجئهم جثة المغني تطفو على نهر العاصي، ووفق ما نشره أقاربه على صفحته على موقع الفيس بوك أنه وفي صباح يوم الخميس 7 يوليو خرج الشهيد متوجهاً إلى عمله، وفي طريقه الى مكان عمله تم اختطافه من قبل قوات الأمن، ليذبح بطريقة همجية حيث شقت حنجرته بالسكين من الوريد الى الوريد، ومزق جسده بالرصاص المتفجر، ومن ثم رموه في نهر العاصي.

وفي جمعة «ارحل» أي قبل يومين من اغتياله قاد هذا المغني عراضة حموية غنى فيها بصوته الأجش أجمل الشعارات التي تدعو للوحدة الوطنية وتطالب نظام «البعث» بالرحيل.

لم تمض ساعات على إعلان نبأ اغتيال المغني حتى سارع أصدقاؤه بإنشاء صفحة خاصة به على الفيس بوك «كلنا الشهيد البطل ابراهيم قاشوش» متأثرين بالحدث، وتكريماً لروحه الطاهرة التي اغتيلت بغدر، وانضم إليها أكثر من أربعة آلاف عضو في أقل من 24 ساعة.

قاشوش لم يحمل السلاح، ولم ينضم إلى العصابات المسلحة، لكن صوته أزعج النظام السوري فقرر كتمه إلى الأبد، وهو صاحب أجمل المقاطع الغنائية التي رددت في مدينة حماة، حيث ردد خلال مظاهرات الأسابيع المنصرمة أجمل شعارات وأغاني الحرية في ساحة العاصي، حتى أصبح يقود مئات الآلاف من المتظاهرين في حماة.

ذنب إبراهيم قاشوش الوحيد أنه صدح بصوته في ليالي الحرية في حماة، كتب وأطلق الأهازيج الثورية التي تناقلها السوريون وأصدقاؤهم عبر العالم، لينال لقب مغني «الثورة السورية» من قبل الملايين.

ما حصل لهذا المطرب السوري، لم يكن اول حادثة اغتيال لفنان في التاريخ فقبل أن يقتل النظام السوري و«شبيحته» هذا المغني، وقبل نحو أربعين عاماً، قتل نظام الديكتاتور بينوشيه في تشيلي المطرب فيكتور جارا، الذي غنى للحرية والثورة وردد مئات الآلاف قبل وبعد موته أغانيه في تشيلي وفي بقية دول أميركا اللاتينية. وقد قيل عنه «حين يغني كان يرتفع مدّ العشق في دمه حتى يغطي غابات المطر، ومدن الصفيح، وأجساد الأطفال العارية، حين كان يغني، كانت أوتار الغيتار تدمي أطراف أصابعه، حتى يصحو فلا يصحو الكون، كان حين يغني تنكسر السماء، ويسيل خيط من الدمع نحو الأرض فيخصب التراب، وتتلون الضياع البعيدة بالألق».

بين جثث الشهداء السوريين في حماة اليوم، وهي المدينة التي تعرضت قبل ثلاثين عاما لمجزرة مروعة راح ضحيتها نحو ثلاثين الف شخص من ابناء المدينة وسويت بيوتها بالأرض، تنبض تحت الأرض آلاف القلوب، وفي السماء يصدح صوت ابراهيم قاشوش، يمتد إلى كل المدن والبلدات السورية، من درعا جنوباً إلى جسر الشغور شمالاً، الى القامشلي شرقاً، واللاذقية غرباً، يمتد صوته في الأفق فتمتلئ السماء بالعصافير والبلابل.

حنجرة ابراهيم قاشوش، التي مزقتها يد الظلم، منحتنا نسائم الحرية، ورغم أن القتلة قادرون على ذبح الحنجرة وصاحب الحنجرة لكنهم لن يستطيعوا منع حناجرنا من ترديد الأغنية، لأنهم لن يقدروا على منع الريح من حمل الأغاني. والحمقى «الشبيحة» منحوه في جريمتهم، ألف عمر، منحوا أغانيه الخلود والشباب والجمال والنقاء. الطغاة و«الشبيحة» لا يفهموا الأغاني والأناشيد، لا يفهموا أنه لو قتلوا المغني ستبقى الأغاني كما قال وغنى يوماً الفنان سميح شقير:

«لو رحل صوتي ما بترحل حناجركم

عيوني على بكرا وقلبي معكم

لو راح المغني بتظل الأغاني»

=====================

الأزمة السورية: حوار النظام مع ذاته

تاريخ النشر: الأربعاء 13 يوليو 2011

د. برهان غليون

الاتحاد

بعد أشهر طويلة من اختيار الحل العسكري لقهر احتجاجات الشعب السوري وتدجين معارضته، طرح النظام في الأسابيع الأخيرة على الطاولة فكرة الحوار الذي أراد له حسب تعبيره أن يكون وطنياً وشاملا. والواقع أن الحوار بالصيغة التي طرح بها يفتقر إلى الصفات الثلاث المذكورة. فهو ليس حواراً لأن السلطة الحاكمة هي التي أوكلت لنفسها، من دون استشارة أحد، خاصة أطراف الحركة الاحتجاجية والمعارضة، تنظيمه وتحديد أهدافه وجدول أعماله، وحررت وثائقه وحددت نوعية الأطراف المشاركة فيه، وضمنت بالتالي نتائجه، ولو لم تعرفها مسبقاً لما قبلت الدعوة له.

وليس وطنياً لأن هدفه لايزال كما هو واضح الدفاع عن النظام القائم، وعدم القبول بأي تنازل يمس بأدواته الضاربة التي تمثلها سيطرة الأجهزة الأمنية والمخابراتية التي لا يكاد أحد يحصي عددها اليوم.

وليس شاملا لأنه قائم بالعكس على استثناء من هم الأصل في طرح مسألة الحوار الوطني بالفعل، أي تلك الجماهير الغفيرة الشابة أساساً التي اكتشفت أنها من دون وطن ومن دون حقوق ومن دون مستقبل، وأرادت استعادة حقوقها، وفي مقدمتها أن تكون سيدة قرارها والمتحكمة بمصيرها.

إن أي حوار في الأزمة السورية الراهنة لا يمكن أن يكون جدياً وينتهي إلى نتائج مرضية إذا لم يقم على أسس واضحة:

1- إن الهدف من الحوار ليس الوصول إلى تسوية مع النظام أو توسيع دائرة المشاركة فيه أو تزيينه، وإنما التفاوض من أجل الانتقال بسوريا نحو الديمقراطية وإنهاء نظام القمع والاستبداد والفساد.

2- بناء الثقة المفتقدة بالطرف الآخر. بعد ثلاثة أشهر ونصف من القتل العمدي للمتظاهرين السلميين، وتشويه صورة الانتفاضة وخلطها بالمؤامرة الخارجية وبالمندسين والمسلحين وغيرهم، أصبح من المستحيل الجلوس على طاولة واحدة مع أطراف النظام من دون تراجع هؤلاء، رسمياً وعلنياً، عن سياستهم القمع والتشويه تلك، والاعتذار للشعب عنها، والاعتراف علناً بأن الشعب السوري هو مصدر السلطات، وتأكيد حقوقه المترتبة على ذلك وأولها الحق في الأمن وفي التظاهر السلمي من دون قمع، وفي اختيار ممثليه بحرية.

3- خلق بيئة مواتية للحوار، مما يستدعي سحب قوات الجيش والأمن، ووقف استخدام القوة والعنف، وإزالة الطوق عن المدن المحاصرة، وكف أيدي جميع المسؤولين عن وضع البلاد على شفير الحرب الأهلية وإقالتهم من مناصبهم، وفتح وسائل الإعلام الوطنية للمعارضة ولجميع السوريين بالمساواة، وضبط أجهزة الأمن والمخابرات ووضعها تحت إشراف وزارة الداخلية والقضاء، وحل الميليشيات الخاصة التي استخدمت في قمع المتظاهرين، وإلحاق جميع القطاعات العسكرية المستقلة بالجيش الوطني النظامي، ووضع حد لتغول المخابرات وما تقوم به من اعتقالات وتعذيب، وإطلاق سراح المعتقلين وإزالة القيود عن تنقل الأفراد السوريين، وعودة المنفيين، وتشكيل لجنة تحقيق محايدة للنظر في قضية أوامر إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، وكل ذلك من خلال بيان رسمي يعتذر عما حدث ويطمئن الشعب ويؤكد التزام النظام بعدم العودة إلى استخدام العنف ثانية.

4- تحديد هوية الأطراف المدعوة للمشاركة إلى جانب الحكومة في الحوار وحصرها في ممثلي الشباب والتنسيقيات أولا، وقوى المعارضة الحزبية المنظمة ثانيا، والتفاهم بين الحكم والمعارضة على أسماء الشخصيات المستقلة المشاركة أو المطلوب دعوتها للحوار وعدم ترك تحديد هوية المتحاورين بيد النظام أو حزبه أو اللجنة التي شكلها والتي لا تمثل إلا طرفاً واحدا هو النظام ذاته. ورفض توكيل حزب "البعث" أو "الجبهة التقدمية" العاملة تحت إمرته على الحوار، أو مشاركتهما إضافة إلى الحكومة. فالمعارضة لا تعترف بشرعية احتكار "البعث" للسلطة ولا تماهي الحكومة مع الحزب. الحوار ينبغي أن يكون مع الحكم وحده حتماً، وهو الذي يمثل "البعث" وأحزاب "الجبهة".

5- مشاركة الحكم والمعارضة مسبقا في إعداد جدول أعمال الحوار بين الطرفين، الحكم والمعارضة، والاتفاق عليه مسبقاً، وعدم قبول المعارضة بالدخول في حوار يحدد جدول أعماله النظام وحده.

6- لأن تجربة الشعب والمعارضة مع النظام كانت سلبية للغاية نتيجة إصرار النظام على المراوغة الطويلة والالتفاف على القرارات والوعود الكاذبة، لا يمكن للمعارضة الدخل في أي حوار مع النظام من دون وجود ضمانات عربية ودولية تراقب الحوار وتضمن احترام نتائجه. كما ينبغي أن يحضر المفاوضات ممثل عن الأمين العام الأمم المتحدة وجمعيات حقوقية عملت في سوريا.

وبغياب هذه المقومات الأساسية لأي حوار بنّاء، لن يكون مضمون الحوار سوى تمرير قرارات السلطة باسم إجماع وطني هو مجرد غلالة تخفي استمرار السلطة في إملاء قراراتها. وعلى السلطة في هذه الحالة أن تتحمل وحدها أمام الشعب وقواه المنتفضة مسؤولياتها عن العمل الانفرادي الذي لا تزال تصر عليه.

ومن حق المعارضة أن تنظر إلى هذا الحوار على أنه فخ يهدف إلى توريطها في حوار لا يمكن أن يخرج منه سوى ما تريده السلطة. وأن هدفه الرئيسي، بالصيغة الراهنة التي يطرح بها، لا يعدو أن يكون شق المعارضة السورية وتقويض مصداقيتها أمام جمهورها، والفصل بينها وبين الحركة الشعبية الاحتجاجية التي يشكل قهرها الغاية الأولى والأخيرة لكل ما يقوم به النظام وما سوف يقوم به مستقبلا. وهو يستخدم وهم الحوار منذ الآن ليغطي، أمام الرأي العام العربي والعالمي، على التصعيد المستمر لعمليات التنكيل والعقاب الجماعي التي يمارسها منذ أشهر لكسر إرادة الحركة الاحتجاجية الشعبية، بعد أن لم يعد أحد يصدق خرافة المؤامرة الخارجية ووجود عصابات مسلحة تطلق النار على الأمن والمواطنين.

وبالتأكيد فإن أي معارضة تحترم نفسها سترفض حواراً لا يتوفر على الحد الأدنى من المقومات الموضوعية التي تضمن نجاحه وعدم تحوله إلى فخ يطبق عليها. لكن النظام السوري لن يعدم وجود أناس قادرين على ملء مقاعد المعارضة الشاغرة، من أصحاب المصالح والطامحين إلى لعب دور أو اقتناص فرص لا تتوفر دائما، وإذا كانت هناك ضرورة لن يكون من الصعب اختلاق معارضة من العدم. لكن في هذه الحالة لن يكون الحوار حواراً بين سلطة ومعارضة أو بين أطراف مختلفة الرأي بهدف الخروج من الأزمة، وإنما حوار النظام مع ذاته، وبالتالي قطع الطريق على الحل السياسي والتحضير لسياسة التصعيد العسكري الذي لايزال وحده البارز في الأفق اليوم.

=====================

حسابات أوباما إزاء سوريا

دويل مكمانوس

كاتب ومحلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "أم. سي. تي. إنترناشيونال"

تاريخ النشر: الأربعاء 13 يوليو 2011

الاتحاد

عندما اندلعت المظاهرات المطالبة بالديمقراطية في سوريا، وفر الرئيس الأميركي أوباما للرئيس السوري بشار الأسد فرصة إضافية أخرى لتبني الإصلاح، عندما قال في كلمة له في مايو الماضي: "يستطيع الأسد قيادة الطريق نحو الديمقراطية، وإلا فليتنح عن الطريق". وبعد مرور شهرين على تصريح أوباما، لم يقد الأسد الإصلاح نحو الديمقراطية كما لم يتنح عن الطريق، وإنما عمل بدلا من ذلك على إنهاك المعارضة عبر مزيج من القمع والتسامح المتقطع.

وقد أبدى الأسد استعداداً ظاهرياً للتغيير من خلال السماح لجماعات المعارضة بالاجتماع علنا، ودعوة بعضها لحضور "الحوار الوطني" الذي عقد في دمشق الأحد الماضي، بينما أطلق قواته الأمنية ضد المتظاهرين، ما أدى إلى قتل حوالي 1500 شخص منذ بداية الاحتجاجات حتى الآن، بالإضافة إلى القبض على مئات غيرهم.

ومن الأمور المحبطة لمنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان أن إدارة أوباما لم تطلب من الأسد صراحة التنحي عن الحكم، حيث اكتفى مسؤولوها حتى الآن بإصدار تحذيرات متتالية؛ فمثلا قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في بداية هذا الشهر "إن الوقت يمضي سريعاً بالنسبة للحكومة السورية... وإن تلك الحكومة يجب أن تبدأ تحولاً حقيقياً نحو الديمقراطية". لكن الإدارة لم تصل إلى الدرجة التي تقول عندها للأسد صراحة إن نظامه بات غير شرعي. فما الذي يدعو الإدارة لذلك؟ الإجابة عن هذا السؤال تكشف عن حدود قوة أميركا من ناحية، والإشكالية التي تواجهها في سبيل الترويج لتغيير النظام كجزء سريع التقلب من العالم من ناحية أخرى.

والظاهر أن المسؤولين الأميركيين أدركوا أن نظام الأسد ليس من المرجح أن يبقى طويلا، لكنهم لا يعلمون إلى متى سوف يظل صامداً. وهم يدركون أن المطالبة بإطاحته علناً قد تمنح انطباعا بأن هناك تدخلاً أميركياً مباشراً في الشؤون السورية، وهي خطوة لا ترغب فيها الإدارة حالياً لأن مطالبة أوباما للأسد بالتنحي وعدم انصياع الأخير لذلك سوف تجعل الإدارة تبدو ضعيفة، وهو درس تعلمته القوى الغربية في ليبيا هذا الصيف.

وقد قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بفرض عقوبات اقتصادية على سوريا، وطالبوا روسيا والاتحاد الأوروبي بعمل المزيد. لكن ليس من المتوقع أن يكون لمثل هذه الإجراءات تأثير فوري وحاسم.

ونظراً لأن أهم الفاعلين في الدراما السورية هم السوريون أنفسهم الذين تحدوا الرصاص والهراوات، وتظاهروا دون خوف في العديد من المدن، فإن محور تركيز السياسة الأميركية، فيما يتعلق بسوريا، قد تحول الآن إلى المعارضة التي ما زالت غير منظمة نظراً لكونها تعكس الموزاييك السوري المتعدد والشديد التنوع.

ومن الوسائل التي تتبعها الإدارة الأميركية من أجل تقديم العون للمعارضة، إتاحة الإمكانية للمعارضين السوريين للدخول على مواقع إنترنت غير خاضعة لرقابة الحكومة السورية، وكذلك تكثيف الضغط على الحكومة السورية للسماح بالمظاهرات والاجتماعات.

وفي يوم الجمعة الماضي مثلا أقدم السفير الأميركي في دمشق على شيء يعد جريئاً للغاية بالنسبة للدبلوماسيين ،حيث ذهب بنفسه إلى مدينة حماة التي تسيطر عليها المعارضة والتقى بزعماء المتظاهرين هناك. وكان الغرض من هذه الخطوة من قبل "فورد" هو ردع النظام عن إطلاق النار على المتظاهرين، وهو ما حدث بالفعل حيث لم ترد تقارير عن إطلاق نار من قبل قوات الأمن التي حاصرت المدينة.

وفي غضون ذلك أدلى مسؤول أميركي عقد محادثات مع شخصيات من المعارضة السورية بتصريح قال فيه: "ما نحاول القيام به حالياً هو دفع الحكومة السورية للسماح بفتح حوار موثوق به، والسماح للمعارضة بعقد اجتماعات تنسيقية، وإيجاد منتديات يمكن للناس التحدث فيها".

بيد أن الشيء الأكثر إثارة للجدل في هذا السياق هو أن الإدارة ما زالت تأمل أن تثمر حوارات المعارضة التي ترعاها حكومة الأسد عن شيء مفيد، وهو ما يتبين من خلال تصريح المسؤول المذكور الذي قال: "ينبغي أن تكون هناك محاولة للحوار... وأن تتم تجربته".

ويتبين من الخطوات الأميركية أن الهدف الجوهري لإدارة أوباما هو إتاحة الظروف التي تساعد على التفكك البطيء لنظام الأسد بدلاً من السعي لإسقاطه بشكل مفاجئ. وسبب ذلك أن سوريا تختلف عن تونس ومصر، حيث أيدت الإدارة هناك ثورتين كانتا قد بدأتا بالفعل، كما تختلف عن الظروف في ليبيا أيضاً حيث أيدت الولايات المتحدة انتفاضة كانت قد بدأت من دون مساعدتها.

وعلى العموم فإن ذلك التأييد للمعارضة السورية قد يأتي في نهاية المطاف، إذا ما أدرك البيت الأبيض أن نهاية الأسد قد باتت قريبة، وبدت المعارضة أكثر استعداداً مما هي عليه الآن لتولي زمام الأمور.

وأحد أهم الدروس التي استخلصها البيت الأبيض من ثورتي تونس ومصر، أن بيانات التأييد الصادرة عنه ليست في الحقيقة على ذلك القدر من الأهمية التي تبدو عليها.. وأن الأهم منها هو ما يحدث على الأرض.

===========================

هيثم المالح: حكومة الظل ستكون جاهزة لتسلم السلطة.. ولدينا أدلة على مشاركة إيران في القمع .. «شيخ المعارضين» ورئيس مؤتمر اسطنبول في حوار مع «الشرق الأوسط»: نصر الله خوننا وقد انتهى في سوريا.. وخذلته الحذاقة في خطابه

ثائر عباس

الشرق الأوسط 12/7/2011

تستعد المعارضة السورية ليوم مفصلي السبت المقبل، في المؤتمر الذي سوف تعقده في دمشق والعاصمة التركية في الوقت نفسه، سوف تخرج عنه «حكومة ظل» سورية تكون مستعدة لاستلام السلطة فور سقوط النظام، بل وتعمل على إسقاطه، كما يؤكد رئيس المؤتمر هيثم المالح المعروف بـ«شيخ المعارضين» لـ«الشرق الأوسط» من العاصمة التركية التي وصلها ليل أول من أمس بعد أن سمحت له السلطات السورية بالمغادرة بشكل مفاجئ - حتى بالنسبة إليه - فبدأ جولة محادثات في تركيا يستكملها اليوم بزيارة الاتحاد الأوروبي ولقاء رئيسة الاتحاد، قبل أن يعود إلى اسطنبول في اليوم نفسه لترؤس المؤتمر الذي يؤكد أنه سيكون إعلانا لقفل بابا الحوار مع النظام.

المالح، نفى وجود أي تسوية مع السلطة لخروجه، مؤكدا أنه رفض ويرفض الحوار مع سلطة «تقتل شعبها»، معتبرا أن الحوار معها هو «خيانة للشعب». وأكد المالح أن «حكومة الظل» السورية سوف تضم وزراء للدفاع والداخلية والمال والاقتصاد، وأنها ستحاور العالم. وأشار المالح، البالغ الثمانين من العمر، إلى أنه كان أكثر من أعطى الفرصة للرئيس السوري بشار الأسد وحاول محاورته لكن من دون جدوى، متوقعا سقوط النظام في وقت قريب جدا.

 

واتهم المالح إيران بالمشاركة في قمع الاحتجاجات، وأخذ على الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله أنه «خون» المعارضة، مؤكدا أن الثورة السورية «ممانعة»، مشيرا إلى أن نصر الله فقد شعبيته في سوريا وأن إيران سوف تخسر جراء دعمها النظام.

 

وفيما يلي نص الحوار:

* كيف خرجت من سوريا؟

 

- الأمر كان مفاجئا لي أكثر من غيري. أنا لست محاصرا فقط، بل إنه في الفترة الأخيرة اتخذت السلطة قرارا بتصفيتي جسديا. وأمروا المجموعة التي كانت تحاصر منزلي بإطلاق النار علي ما إن يلمحوني، على أن يقال أن «مندسا» ما قد قتلني. هذا نظام كاذب امتهن الكذب منذ مجيئه إلى الحكم.

 

نحن دولة خارج القانون، أي قانون. تمترس النظام منذ وجوده بحالة الطوارئ المعلنة، وتحت ذريعة الطوارئ تم تعطيل الدستور وإطلاق يد الأجهزة الأمنية لتعيث في الأرض فسادا، من قتل وتشريد وإهانة للأعراض والكرامات. قد تستغرب إذا ما قلت لك إنه بين عامي 1980 و1990 كان لدينا 50 ألف معتقل في سوريا وأكثر من 60 ألف قتيل، وهؤلاء القتلى ما زالوا أحياء في سجلات الدولة. بين «سجني» تدمر والمزة أكثر من 15 ألف سجين قتلوا. والنظام لا يكترث لا للقتل ولا لأي شيء آخر، فاستراتيجية (الرئيس السوري السابق) حافظ الأسد قامت على إطلاق يد المحيطين به في كل شيء، والشرط الأساسي هو المحافظة على الكرسي. ومع الزمن طالت أظافر هؤلاء، وحتى الأسد نفسه في آخر أيامه لم يعد قادرا على فعل شيء معهم لأنهم أصبحوا حماة السلطة، وتشابكت مصالحهم مع الفساد في قمة هرم السلطة، فأكثر من 85 في المائة من الدخل السوري هو في يد شخصيات في السلطة، و15 في المائة المتبقية للشعب السوري. ولهذا نجد أن 60 في المائة من الشعب السوري تحت خط الفقر و30 في المائة من قوته العاملة بلا عمل.

 

* لماذا لا تتجاوبون مع دعوات الحوار من قبل السلطة، هل تريدون أكل العنب أم قتل الناطور؟

 

- أنا أدعي أنه لا يوجد أحد آخر في سوريا حاول محاورة النظام بقدري منذ مجيء بشار الأسد إلى السلطة. أنا قلت إنه بغض النظر عن كيفية وصوله إلى السلطة بتعديل الدستور من أجله، سأخاطبه كرئيس للجمهورية، فأرسلت إليه 8 رسائل. الأولى قلت له فيها إني رجل مسن لا مطالب لي في الحياة وأنت شاب سمعت أن لديك رغبة بالإصلاح وأقدم إليك رؤية للمستقبل. لم أتكلم في السياسة بل بحقوق الإنسان وبالقانون. رؤية كان يمكن أن تغير طبيعة الوضع المزري في البلد من دون أضرار. نحن لدينا قوانين لا يمكن لعاقل أن يتوقعها. وأحد هذه القوانين هو المرسوم 14 الصادر عام 1969 وموقع من نور الدين الاتاسي ويوسف الزعيم، تقول المادة 16 منه إنه إذا ارتكب أحد عناصر الأمن جريمة أثناء تأديته مهامه، لا يمكن محاسبته عليها، إلا إذا وافق رئيسه. وضعت لبشار الأسد النص كما هو وقلت له كيف يمكن أن يوصف القانون فعلا معينا بأنه جريمة ولا يحاسب المجرم، هذا غير معقول. وهذا القانون ليس منشورا. إنه قانون سري لا ينشر، لكن يتم تطبيقه منذ صدروه. وهناك قانونان آخران تحت عنوان «حماية الثورة» و«حماية حزب البعث». وكلها قوانين جائرة أسست للجريمة بإطلاق يد الأمن وحصنوه. فإذا ارتكب عنصر أمن جريمة قتل شخص تحت التعذيب أصبح مصيره بيد رئيسه الذي سيطلب منه المزيد من الجرائم. لم يستجب الرئيس لأي رسالة أرسلتها، وفي آخر واحدة تكلمت بالسياسة فقلت له إنك تقول إنك تستشير من حولك ثم تتخذ القرار، فهناك فئة أخرى من المواطنين هم من المعارضة، فلماذا لا تفتح بابك لتسمع منهم ما يريدون؟ ولم يحصل أي شيء. لقد أعددت مذكرات حول حقوق الإنسان وحول منع التعذيب وقد بعثت بها إلى 5 وزراء رئيسيين، هم وزراء الدفاع والداخلية والتربية والعدل والتعليم العالي، ليتعلموا ما هي الحقوق الأساسية للمواطنين. نحن من الموقعين على اتفاقية منع التعذيب، لكن السلطات لا تكترث إلى شيء. لم يأتني أي جواب، لكن في أحد اللقاءات مع وزير العدل قال لي إنه اشترى كتبا عن حقوق الإنسان ووضعها في مكتبة معهد القضاة، والتقيت وزير الداخلية وطلبت منه حل موضوع المفقودين، فهؤلاء لديهم عائلات لا بد من حل أمورها في ما يتعلق بالإرث وانتقال الممتلكات، وكذلك ملف البيوت المصادرة حيث لدينا 20 ألف بيت مصادر بحجة أن مالكيها من الإخوان المسلمين. ولدينا ملف المغيبين، فلدينا نحو 250 ألف سوري خارج البلاد ولا يمكنهم العودة بسبب الملاحقات أو الإبعاد.. لكن لا حياة لمن تنادي، فأنا أتحاور مع طرشان لا يسمعون؟ لا أمل في هذه السلطة في أن تتخذ أي إجراء في اتجاه إيجابي. بالعكس فوجئنا في بداية الثورة، أنهم كانوا يرسلون إلينا بالرسائل مع دبلوماسيين للأسف. فوليد المعلم كلم السفير البريطاني وقال له إننا نتفاوض مع هيثم المالح ورياض سيف، ولما سألني السفير قلت له إنه لا علم لي بالموضوع. كانوا يكذبون على السفراء ليقولوا إنهم يحاورون. رفع الرئيس حالة الطوارئ بمرسوم، بعد أن كان قال إنه يجب إنشاء لجان لبحث كيفية رفع حال الطوارئ، وهو هنا كان إما يكذب أو يتغافل. وبدل حالة الطوارئ استعاض عنها بما هو أسوأ، فاصدر المرسوم 55 الذي عدل المادة 15 من قانون العقوبات الجزائية، الذي نقل صلاحيات التحقيق من النيابة العامة إلى الضابطة العدلية في وزارة الداخلية، فأصبح بإمكان الشرطي أن يطرق باب أي إنسان دون مذكرة قضائية ويعتقله لمدة أسبوع قابلة للتمديد 60 يوما. هذه أخطر من حالة الطوارئ لأنه قانون فيما لا أحد يعترف بحالة الطوارئ.

 

* إذن لا إمكانية للحوار مع النظام؟

 

- النظام غير قادر على تغيير أي شيء. ولا أعتقد أن هذا النظام وعلى رأسه بشار الأسد لديه أي رؤية للمستقبل، ولا يملك إرادة التغيير، وبالتالي لا يوجد أمل. اتصلوا بي على البيت لدعوتي إلى مؤتمر الحوار «تبعهم» فردت عليهم أخت زوجتي وقالت لهم إني غير موجود، فأبلغوها أن بطاقتي مع ملف الدعوة في مكتب فاروق الشرع وبإمكاني المرور لأخذها. لم أذهب، بل أصدرت بيانا برفض هذه الدعوة لأني «لا أخون الشعب»، فمن يحضر حوارا كهذا، مع سلطة ترتكب الجرائم بحق شعبها يخون هذا الشعب. بعد 200 شهيد و1500 مفقود و15 ألف مهجر، أي حوار يمكن أن يحصل. هناك 3 آلاف دبابة في كل مكان في سوريا اشتريناها من أموالنا لمحاربة إسرائيل. هم لا يحاربون إسرائيل، بل الشعب. فعلى ماذا أتحاور مع هذا النظام. لقد اشترطنا للحوار أساسا إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وكف يد الأجهزة عن مضايقة الناس وسحب الجيش من الشوارع والمدن، وقلنا لهم إذا طبقتم هذه الشروط نبدأ الحوار. فكيف يمكن أن أتحاور مع شخص يوجه المسدس إلى رأسي. هذا النظام يحاور نفسه. حزب البعث الذي خرب العراق يخرب الآن سوريا، كما يخرب اليمن. أنا لا أتحاور مع نظام كهذا، نحن ماضون في طريقنا والنظام آيل للسقوط لا محالة بإذن الله، وليس بعيدا.

 

* ما الفكرة وراء هذا المؤتمر؟

 

- سوريا في حالة ثورة. وفي حالة الثورة الأمور هي غير الحياة العادية. الآن نحن لدينا طروحات كثيرة. المعارضة ليست واحدة، من حق كل الناس أن تجتمع ويقدم كل امرئ رؤيته. حصلت لقاءات علنية وغير علنية، وتوصلنا إلى رؤية مكتوبة للمستقبل. وأجرينا دراسة كاملة لما طرح على الساحة، وخلصنا إلى ورقة واحدة.

 

* ورقة واحدة؟

 

- نعم، لسنا بحاجة إلى توصيف الوضع في سوريا فالجميع يعرفه، ولسنا بحاجة إلى تعداد اعتداءات النظام. الرؤية هي من أجل ما نريده في المستقبل. ودعونا كل أطياف المعارضة السورية إلى مؤتمر يعقد في دمشق، يضم الأحزاب، التجمع الوطني الديمقراطي، إعلان دمشق، وشخصيات هامة. دعوناهم إلى حضور الاجتماع وإبداء الرأي في هذه الورقة، حيث سيجري مناقشتها ثم يصار إلى تعديل هذه الورقة إذا كان ثمة حاجة، فإذا تم ذلك نكون وصلنا إلى رؤية موحدة.

 

* حكومة منفى؟

 

- سنشكل حكومة ظل، لأننا نريد أن نتعامل مع الأحداث بعقل صحيح وببرنامج عملي. لا بد من أن يكون هناك عمل منظم، فإذا سقط النظام كما نتوقع تكون لدينا رؤية لما بعده.

 

* ستسعون إلى اعتراف عالمي في هذه الحكومة؟

 

- هذا ليس مطروحا بسرعة، المهم أن نحدد نحن ماذا نريد.

 

* ماذا سيكون دور هذه الحكومة في المرحلة المقبلة؟

 

- متابعة الأحداث من وجهة نظر المعارضة، وسيكون هناك وزراء للاقتصاد والمالية والدفاع والخارجية وغيرها. سيكون هناك عمل علمي غير غوغائي.

 

* وتكون جاهزة للحكم عندما يسقط النظام؟

 

- نعم، يكون هناك شيء موجود على الأرض.

 

* كيف تأملون بحصول اجتماع مماثل في دمشق؟ أليس في الأمر «طموح» كبير؟

 

- اتركوا الأمر لنا. ليس بالأمر السهل، لكننا سنسعى قدر استطاعتنا، وسنعقد المؤتمر إن شاء الله مع هذه الظروف السيئة.

 

* ماذا عن اجتماع اسطنبول؟

 

- سيكون مكملا، فهما اجتماع واحد، ومن لا يستطيع أن يكون في الداخل سيكون هنا في اسطنبول. وسيكون بيننا اتصال مباشر.

 

* والعنوان الكبير؟

 

- هو الإعداد لما بعد سقوط النظام، فنحن اختلفنا عن بقية المعارضين بوضعنا خطوات عملية للمرحلة التالية.

 

* يبدو أن لديك عتبا على تركيا لتراجع اهتمامها بالوضع السوري؟

 

- صحيح.

 

* لماذا تراجع هذا الاهتمام برأيكم؟

 

- أنا أعتقد أن هذه المرحلة انتقالية. ليست فقط تركيا، بل الغرب أيضا. لقد حصل نوع من الفرملة، بعد ما تردد عن وجود حوار. لكن بعد مؤتمرنا سوف ينتهي الحوار، ونبدأ خطوات أخرى. وأعتقد أن تركيا والاتحاد الأوروبي سوف يتغير موقفهما نحو التصعيد بوجه النظام.

 

* إلى أي مدى تشبه حكومتكم المزمع إنشاؤها عن المجلس الانتقالي الليبي أو تختلف عنه؟

 

- لا نريد أن نكون مثل هذا المجلس ولن نكون مثله. المجلس الانتقالي الليبي هو عبارة عن هيئة تنفيذية لمواكبة أحداث الثورة على الأرض. المعارضة والمفكرون في سوريا لم يصنعوا الثورة. الثورة صنعت من قبل الشباب. الآن هؤلاء بحاجة إلى الدعم السياسي. ونحن نريد أن نرافقهم في هذه الثورة.

 

* ألا توجد في سوريا ثورة مسلحة؟

 

- قصة العصابات المسلحة التي خرج بها النظام، طرحت سابقا في تونس وفي مصر. نحن لم نحمل السلاح، وأنا أجزم - لأني أعيش في الداخل - أنه لا يوجد مسلحون في سوريا. المسلحون هم جماعة السلطة، هم الشبيحة. ففي المناطق السورية، غير اللاذقية، توظف السلطة عمال النظافة وعمال المصانع والموظفين الصغار وتزودهم بالسلاح والعصي والسكاكين لمهاجمة المتظاهرين. لدي حالة أعرفها، جندت السلطات فيها الأب والأبناء، فتعطي الأب 1000 ليرة سورية لحمل العصي ومهاجمة المتظاهرين، وتعطي الأبناء 500 ليرة لكل منهم للخروج في مظاهرات مؤيدة للنظام.

 

* في المقابل ثمة شائعات تطلق في سوريا عن مشاركة إيران وحزب الله في قمع الاحتجاجات، فما هو دليلكم على ذلك؟

 

- أنا أعتقد أن النظام الإيراني يساعد في القمع و(الأمين العام لحزب الله السيد) حسن نصر الله قال شخصيا إنه يدعم النظام سياسيا. أنا أعتقد أن إيران ترسل أشخاصا من حرس الثورة. لقد عرفنا ذلك من روايات لبعض الناس في درعا عن مسلحين في الشوارع كانوا يتحدثون العربية الفصحى لا اللهجة السورية العامية. ولدينا معلومات عن وجود معسكرات قريبة من منطقة الضمير ومنطقة عدرا. لدينا أدلة شبه مؤكدة على مشاركة إيران بقمع الثوار وذلك بنسبة 90 في المائة. إيران لن تربح من وراء ذلك، بل تخسر، الآن حسن نصر الله انتهى في سوريا بعد أن كانت له شعبية كبيرة فيها، إنهم يحرقون صوره الآن. لقد خوننا، بقوله بضرورة الحفاظ على النظام لأنه نظام ممانع. ألسنا ممانعين؟

 

* أجبني عن هذا السؤال.. هل ثورتكم ممانعة؟

 

- الشعب السوري كله شعب مناضل. القضية الفلسطينية منذ بدايتها كانت محتضنة من الشعب السوري. نحن لا نقبل بأن يزايد علينا أحد في هذه المسألة. مع الأسف نصر الله الحاذق في الكلام، خذلته الحذاقة في خطابه. في عام 2006 بعثت إليه بكتاب تأييد، فيأتينا كلام التخوين.

 

* ماذا عن مستقبل الوضع الطائفي في سوريا؟

 

- في مذكرات معروف الدواليبي كنت أقرأ روايته عن مطالبة بعض الكتاب اليهود لفرنسا في عام 1936 بعدم الخروج من سوريا، وإلا فإن الدروز والمسيحيين والعلويين سوف يقتلون. والكلام نفسه يتردد الآن. لم يحصل شيء في ذلك الوقت، والآن لن يحصل أي شيء. الشعب السوري واعٍ، وما يطرح في المظاهرات هو شعار «الشعب السوري واحد».

 

*على ماذا تستندون في ثقتكم بقرب سقوط النظام؟

 

- سقط النظام عندما أطلقت الرصاصة الأولى على الشعب. ويوجد شيء آخر مهم جدا، هو الوضع الاقتصادي. فبعد شهرين لن يكون بإمكانهم أن يدفعوا رواتب الموظفين. لا يوجد سائح واحد في سوريا، والفنادق فارغة والتجارة متوقفة والناس لا تدفع الضرائب والمستحقات. الاقتصاد سوف يخنق هذا النظام.

 

* لماذا لم تتحرك حلب ودمشق؟

 

- حلب مدينة صناعية، وهناك عدد كبير من الحلبيين الذين تشابكوا في مصالحهم مع النظام. كما أن لحلب طابعا عشائريا، وقسم من العشائر يمشي مع النظام. وهؤلاء نسميهم نحن «الشبيحة الحلبيين». المجتمع الحلبي لم يخضع لمتغيرات كثيرة وحافظ على طبيعته المتجانسة بخلاف دمشق التي أصبح عدد سكانها الأصليين لا يتجاوز العشرين في المائة، وبالتالي فإن اللحمة المجتمعية غير موجودة. ومع ذلك فإن دمشق خرجت قبل حلب. فخرجت مظاهرة بخمسة آلاف شخص، أما الأسبوع الماضي فقد خرجت 5 مساجد كبيرة، أي بحدود 20 ألف متظاهر. أطراف دمشق تشهد الكثير من المظاهرات، وكذلك بعض مناطق قلب العاصمة. وأنا في تصوري أن دمشق وحلب ليستا بعيدتين عن الاندفاع المفاجئ نحو التظاهر بوجود الأزمات المعيشية والاقتصادية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ