ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 16/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مثقفون سوريون في الشارع... والسجن

 الاخبار 14-7-2011

وسام كنعان, محمد الشلبي

دمشق | مع بداية الثورة المصرية، اعتصم عدد من المثقفين السوريين، معظمهم كانوا من فئة الشباب، أمام السفارة المصرية في دمشق، في حركة عُدّت الأولى من نوعها منذ زمن بعيد عندما كان للمثقف حضوره مع عامة الشعب، أكثر منه على صفحات الجرائد والكتب وغيرها. اُتبع هذا الحراك الاستثنائي باعتصام مماثل أمام السفارة الليبية عشية الأحداث الدامية والمجازر التي ارتكبها معمر القذافي بحق شعبه الأعزل، لكن سرعان ما غاب دور المثقف السوري على أرض الواقع، مع بداية الأحداث السورية، واقتصر حضوره على إطلاق عدد من البيانات المتباينة، بين مؤيدة ومعارضة للطريقة التي تعامل معها النظام السوري في مواجهته للانتفاضة الشعبية، كانت حصيلتها خلق انشقاق واضح بين الفنانين والمثقفين السوريين، لا تزال تبعاته حاضرة حتى اللحظة.

وبعد مرور نحو أربعة أشهر على الانتفاضة السورية، قرر عدد من المثقفين السوريين أخيراً، الخروج في أول تظاهرة سلمية «والنزول إلى الشارع إلى جانب أخوتنا الذين قدّموا من دمائهم وعذاباتهم الكثير ليجلبوا لنا الحرية، هذا الحقّ الذي أقرّته كل الشرائع السماوية، والمواثيق العالمية»، حسب ما جاء في بيان «معاً إلى الشارع» الذي نشره المثقفون الناشطون والمنظمون للحدث في صفحة «مثقفون لأجل سوريا» على موقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك».

وأكدت السيناريست السورية ريما فليحان، إحدى المنظمات لهذه التظاهرة، أن الهدف الأساسي من مشاركتها هو «تأكيد انتمائنا نحن المثقفين إلى جماهير الشعب، ومشاركتنا في الحراك الشعبي المطالب بالحرية والعدالة والمساواة».

ولدى سؤالها عن الأسباب الكامنة وراء تأخر هذا الحراك، قالت فليحان إن «هناك العديد من أصدقائي المثقفين يشاركون دورياً في التظاهرات، لكن من دون إعلان ذلك للصحافة ووسائل الإعلام، والعديد منهم تعرضوا للاعتقال، كما حدث أخيراً مع المخرج المسرحي أسامة غنم في المكان نفسه الذي دعينا للتظاهر فيه، ومنهم من لا يزال معتقلاً لأسابيع عدة مثل الصحافي عمر الأسعد والناشط أدهم القاق وغيرهم».

على الأرض انتشرت قوات أمن سورية وشرطة حفظ النظام بكثافة منذ ظهر أمس في منطقة الميدان، وتحديداً عند جامع الحسن، المكان الذي اتفق أن تنطلق منه التظاهرة. ومع اقتراب عقارب الساعة من السادسة، كانت تقريباً جميع الطرق المؤدية إلى الجامع مغلقة بالنسبة إلى السيارات، ما اضطر الجميع إلى النزول من سيارات الأجرة في أماكن بعيدة والمشي نحو المسجد. لكن مع اقتراب الناس من المسجد، طلبت منهم قوات حفظ النظام الموجودة التراجع، فأصبح التجمع قبل الجامع بنحو مئة متر، فبدا أن التظاهرة هي حدث اعتيادي وخالية من عدد كبير من المثقفين، لكن الواقع أنه كان هناك عدد من الناس وصلوا باكراً وتجمعوا أمام المسجد غالبيتهم من المثقفين، انضم إليهم فايز سارة، أحد رموز المعارضة السورية، وتجمع مع مجموعة من الصحافيين والكتاب، منهم يعرب العيسى وراشد عيسى ومحمد الأمين وعثمان جحا وإيمان الجابر. وعند ازدياد العدد، طلب الأمن بكل هدوء من الجميع التفرق حالاً ومغادرة المكان. وبمجرد سير الناس، تجمعوا على نحو عفوي بعدد يقارب ثلاثمئة شخص وبدأوا بترديد النشيد السوري الوطني وأعادوا ترديده مرة ثانية ثم انطلقت الهتافات «الله سوريا حرية وبس» و«واحد واحد واحد الشعب السوري واحد»، فيما رفع نحو عشرة شبان لافتات وصور مؤيدة للنظام وهتفوا بحياة الرئيس.

بعد دقائق معدودة، وصلت تعزيزات أمنية مكثفة وهاجمت المتظاهرين الذين تعالت أصواتهم «سلمية سلمية»، قبل أن يلوذ معظمهم بالفرار أثناء حملة اعتقال لنحو ثلاثين شخصاً ممن وصلوا في البداية. وقد تأكدت «الأخبار» من أسماء عدد منهم، وهم: الممثلة مي سكاف والكاتبة ريما فليحان والكاتبة يم مشهدي والمخرج السينمائي الشاب نضال حسن والمخرج التلفزيوني شادي علي والممثلان الأخوان ملص والصحافي إياد شربجي رئيس تحرير مجلة «شبابلك».

ويقول الكاتب والسيناريست الشاب عثمان جحا لـ«الأخبار» إن «الوقفة كان مقرراً لها أن تكون وقفة اعتصامية مع دماء شهداء الوطن والمعتقلين السياسيين في السجون السورية ومحاولة لدعم المطالب المحقة والمشروعة للشباب السوري والشارع عموماً». ويضيف: «الهدف أن نقول إن الإصلاح يجب أن يحصل سريعاً دونما تسويف وانتظار صدور مراسيم، ولا بد للسلطات السورية من السماح بالتظاهر السلمي حتى تفرز شباباً قادرين على الحوار إذا بقىت فسحة ما للحوار للوصول إلى بر الأمان، ولا بد من دمج البعثيين في المجتمع بعدما صاروا شلة منغلقة على نفسها».

جحا كان يتوقع الحل الأمني وينفي أن تكون التظاهرة قد حققت هدفها أو أوصلت صوتها، لأن «كل التظاهرات في سوريا لا يصل صوتها، ولا تحقق أهدافها، فلو حقق شيء من هذا لما اضطر المتظاهرون إلى النزول إلى الشارع من جديد».

إذاً باختصار، يمكن القول إن التظاهرة تفرقت بدقائق، ومنظموها باتوا ليلتهم في السجن.

================

طهران وأنقرة والمأزق السوري

محمد السعيد ادريس

الخليج

14-7-2011

لعبت سوريا دوراً محورياً في تمتين علاقات التعاون والشراكة بين إيران وتركيا، بسبب الكثير من التطورات الداخلية في البلدين وبسبب تطورات إقليمية شديدة الأهمية، ولكن تبدو سوريا الآن، بسبب أزمتها السياسية الداخلية، سبباً مهماً من أسباب الدفع بعلاقة الشراكة الإيرانية  التركية إلى مراجعة لا فكاك منها من جانب البلدين، بسبب تباعد الرؤى والمصالح بين مواقف البلدين من هذه الأزمة .

فسوريا التي انخرطت مع إيران في علاقات تحالف بمشاركة حزب الله في لبنان، واستطاعت من خلال هذا التحالف أن تواجه الكثير من التحديات ضمن ما سمي ب”محور الممانعة” في مواجهة “محور الاعتدال” العربي، استطاعت أيضاً أن تؤسس علاقة شراكة غير مسبوقة مع تركيا في ظروف شديدة الدقة والحساسية للبلدين، وهي شراكة جاءت مقترنة بتحولات مهمة في السياسة الإقليمية التركية وبالذات إزاء دولة الكيان الصهيوني، برزت بقوة أثناء الحرب “الإسرائيلية” على لبنان صيف ،2006 وبرزت أكثر أثناء العدوان الإجرامي “الإسرائيلي” على قطاع غزة (ديسمبر 2008 - يناير 2009)، ثم في الصدام التركي  “الإسرائيلي” حول “أسطول الحرية -1” صيف 2010 . كانت سوريا في هذه التحولات التركية المحور الأساسي، ومنه فوسعت وامتدت أدوار تركيا الإقليمية خصوصاً مع إيران .

فقبل علاقة الشراكة السورية  التركية كانت علاقة إيران مع تركيا محصورة في إطار يمتد من التعاون  إلى التنافس، لكنه كان إطاراً محفوفاً بمشاعر الشك وعدم الثقة في ظل ارتباطات تركيا مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفي ظل علاقة الشراكة الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني . لكن التقارب السوري  التركي، وتنامي الأداء التركي المميز في ملفات عربية ساخنة تهم إيران حفزا طهران على مزيد من الانفتاح نحو تركيا، تجاوز العلاقات الاقتصادية إلى التعاون الشامل الطامح في الشراكة الاستراتيجية، وتوحدت طموحات البلدين من خلال “المحفز السوري” لتأسيس محور استراتيجي رباعي يمتد من إيران إلى تركيا عبر العراق وسوريا .

هذا الطموح معرض الآن للتداعي بسبب اتساع فجوة الإدراك والتقييم الإيراني والتركي للأزمة السورية، خصوصاً بعد تفاقم هذه الأزمة ودخول قوى دولية وإقليمية أطرافاً في تطوراتها المتلاحقة والمتصاعدة . ففي حين التزمت إيران بتبريرات النظام السوري، ورأت أن ما يحدث فتنة ومؤامرة مدعومة من الخارج، حسمت تركيا موقفها بالانحياز إلى مطالب الشعب السوري بعد إخفاقها في إقناع الرئيس السوري بالتفاعل الإيجابي مع هذه المطالب والأخذ بمشروع سياسي وطني للإنقاذ، بدلاً من الاعتماد المفرط على القوة والحل الأمني .

ومع تفاقم الأزمة داخل سوريا أخذ الفتور يسيطر على العلاقة مع تركيا التي وجدت نفسها معنية بحماية المدنيين الهاربين من بطش أجهزة الأمن والجيش السوريين على الحدود بين البلدين، فضلاً عن استضافة مؤتمر للمعارضين في محاولة للضغط على القيادة السورية، لكن التحول الحقيقي في موقف تركيا جاء بعد إعلان رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية، أن بلاده لم يعد بمقدورها الدفاع عن دمشق في المحافل الدولية .

علاقات تركيا مع سوريا وصلت إلى مفترق طرق، ما دفع الكثيرين إلى التساؤل عن مدى تأثير ذلك في علاقة إيران بتركيا، وهل يمكن أن تصل هذه العلاقات أيضاً إلى مفترق طرق؟

السؤال مهم لأنه يأتي في وقت بدأت تظهر فيه ملامح تنسيق تركي  أمريكي حول الملف السوري، وهو التنسيق الذي تزامن مع مؤشرات تقارب تركي  “إسرائيلي” .

فحسب تقرير نشره موقع “ديبكا” الاستخباراتي “الإسرائيلي” نقلاً عن مصادر أمنية واستخباراتية “إسرائيلية”، فإن وساطة أمريكية قادت مؤخراً للقاءات سرية بين مسؤولين “إسرائيليين” وأتراك اتفق خلالها على تحسين العلاقات بين البلدين من جهة، ومواجهة الرئيس السوري بشار الأسد من جهة أخرى . وبحسب المصادر أيضاً فإن اتصالات أجراها الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع رئيس الوزراء التركي أردوغان قادت إلى لقاء بين الأخير ونائب رئيس الوزراء “الإسرائيلي” موشيه يعلون الذي زار تركيا مؤخراً، والتقى أردوغان سراً، ورئيس الاستخبارات التركية فيدان جاكان المسؤول عن الملف السوري، واتفق في هذه اللقاءات على عودة التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين، وجاءت رسالة التهنئة “الدافئة” و”الحميمة” التي بعث بها نتنياهو إلى أردوغان بمناسبة الفوز الجديد لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وكذلك اعتذارات تركيا المفاجئة عن عدم المشاركة في “أسطول الحرية 2” الذي كان من المقرر أن يتوجه إلى قطاع غزة في مطلع الشهر الجاري، لتزيد ولتدعم من تكهنات بوجود تنسيق تركي  أمريكي، ربما تدخل “إسرائيل” طرفاً فيه بخصوص الأزمة السورية .

هل ستغير تركيا تحالفاتها مجدداً؟ وهل يمكن أن تكون إيران أول من سيدفع أثمان هذا التغيير في التحالفات التركية بعد سوريا؟

السؤال يزداد أهمية إذا أخذنا في الحسبان خيارات إيران الصعبة والمحدودة في حالة سقوط الحليف السوري، أو في حالة اضطرارها إلى التدخل العسكري المباشر لحماية سقوط هذا الحليف . البعض يتحدث عن العراق حليفاً بديلاً يمكن من خلاله محاصرة أي نظام سوري جديد بديل لنظام الأسد، في حال تبنى هذا النظام سياسات معادية للمصالح الإيرانية، ويمكن من خلاله أيضاً مواصلة أو مداومة التواصل الإيراني مع حزب الله . وهناك من يتحدث عن توجه إيراني نحو كل من أفغانستان وباكستان لتأسيس شراكة استراتيجية بديلة، يمكن من خلالها إرباك أي تحالفات يجري تدبيرها أمريكياً ضد إيران . وهناك خيار ثالث أو بديل هو أن تراجع إيران سياساتها وأن تتقارب مع دول محور الاعتدال العربي، في محاولة لإنقاذ الموقف في سوريا وضبط التداعي في السياسة التركية .

================

شرعية... مفقودة

علي حماده 

النهار

14-7-2011

كان لتنظيم التظاهرة لتحطيم سفارتي اميركا وفرنسا في دمشق وقع سيئ على النظام السوري وبالتحديد على رئيسه بشار الاسد. فالاحتجاج على زيارة سفيري البلدين لحماه يوم الجمعة الفائت، ما كان يستأهل رد فعل من هذا القبيل، ولا سيما ان كل الدلائل تشير الى ان النظام كان على علم بالزيارتين. فالمسافة بين دمشق وحماه تتجاوز المئتي كيلومتر، وفي بلد أمني مخابراتي كسوريا لا يعقل ان يكون السفيران اجتازا المسافة المذكورة من دون ان تعترضهما حواجز المخابرات والقطعات المضمونة الولاء في الجيش. فلو ان النظام اراد منع الزيارة لكان قطع الطرق وأجبرهما على العودة أدراجهما، ولما كانا وصلا الى الفندق الموجود على ساحة العاصي الكبرى ليناما يومين بين أهالي حماه الثائرين. ومن جهة أخرى، لا يعقل ان يكون جرى مهاجمة السفارتين من دون علم المخابرات، لا بل ما كان ممكنا ان يفتعل هذا الهجوم من دون إجازة شخصية من أعلى المراجع كالرئيس أو شقيقه، ولا أحد دونهما رتبة. ففي بلد تختصر فيه الدولة والسياسة الرسمية بالمخابرات والامن السياسي، لا تقوم مظاهرة عفوية مؤيدة للنظام، لا يحتج الناس على زيارة سفيرين ذهبا الى حماه للاطلاع على حجم الثورة السورية ضد النظام. وربما أدى وجودهما الى حماية المتظاهرين لفترة معينة، مع أننا نعتبر ان الحماية الحقيقية للثورة هي في استمرارها، وتوسعها، وفي أعداد المتظاهرين، وفي المشروع السياسي البديل الذي تحمله لمرحلة ما بعد نظام آل الاسد.

وفي هذا السياق يمكن القول ان خطوة مهاجمة السفارتين يستحيل بيعها في سوق العلاقات الدولية، ولا تمثل قيمة مضافة للنظام، بل هي سقطة جديدة من سقطاته في مرحلة هبوطه، وأدت الى تطور في الخطاب الاميركي وموقفه من النظام بتناول الرئيس بشار الاسد شخصيا من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والقول إنه فقد شرعيته. ثم قول باراك اوباما شخصيا أن الاسد فوت الفرصة تلو الاخرى وفقد شرعيته. ولهذا الموقف الاميركي وقع كبير كونه يعطي مؤشراً واضحاً لقطاع الاعمال السوري المتحالف مع النظام، والمؤثر في المدن الكبرى على ان السفينة غارقة لا محالة، وأنه لا بد من التفكير جدياً في مرحلة ما بعد بشار الاسد والعائلة!

أكثر من ذلك، يمثل اعلان "شيخ المعارضين" هيثم المالح من اسطنبول ان المعارضة سوف تعلن يوم السبت المقبل عن ولادة "حكومة ظل" سورية تكون بديلا من النظام بعد سقوطه، دليلا ساطعا على ان النظام ساقط لا محالة ولا بد من البحث في مرحلة ما بعده.

ان جوهر ازمة النظام في سوريا يتعلق بانعدام قابليته على الاصطلاح والاصلاح. وعلى الرغم من بعض المظاهر السطحية التي اريد منها ان تعكس تطوره و نفسه التحديثي، لا يزال نظاما ستالينيا قديما لا ينتمي الى روح العصر، وهو متخلف عن ركب مواطنيه. ومن هنا قصوره عن فهم ما يريده الشعب، وسقوطه في وهم القوة الاجرامية. والحق ان شرعية النظام كانت انتهت منذ منتصف آذار.

================

النظام ومعركة المصداقية في سورية؟

د. بشير موسى نافع

2011-07-13

القدس العربي

  افتتح السيد فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري، يوم الأحد 10 تموز/يوليو، جلسات اللقاء التشاوري للحوار الوطني. التحق بالجلسة الأولى زهاء 180 من السوريين، ولكن قلة بينهم تحسب على المعارضة الصريحة للنظام، سواء التجمعات الشبابية والتيارات الجديدة على الساحة السياسية، التي تلعب الدور الرئيسي في الحراك الجماهيري، أو القوى التقليدية للمعارضة. يوم الجمعة السابقة للقاء التشاوري، كانت سورية تشتعل بمظاهرات حاشدة تحت شعار 'لا للحوار' وقد اختتم فعاليات الجمعة بـ 16 شهيداً وعشرات الجرحى.

في يوم اللقاء نفسه، كانت وحدات عسكرية وأمنية تقتحم أحياء في مدينة حمص والرستن، وتحاصر حماة، ووحدات أخرى تهاجم تجمعات المتظاهرين المسائية في مدن وبلدات سورية متعددة، بما في ذلك أحياء دمشق. الواضح، بعد مرور أربعة أشهر على اندلاع الثورة الشعبية، أن سورية تقف الآن أمام مفترق طرق. فأي وجه للنظام سيراه الشعب أكثر حقيقية ومصداقية، وجه المحاور من أجل بناء سورية جديدة، أو الوجه القمعي المستهدف إخماد حركة الشعب بأي ثمن كان.

في كلمته أمام اللقاء التشاوري، أكد فاروق الشرع على أن هدف مشروع الحوار الوطني بناء سورية تعددية وديمقراطية. لم يتحدث الشرع بأي تفصيل ممكن عن ملامح النظام الجديد، ولكن مجرد الإشارة من نائب الرئيس إلى التعددية السياسية والديمقراطية كان تطوراً جديداً في لغة القادة السوريين. من جهة أخرى، لم يكن بين الجالسين في قاعة اللقاء من لفت الانتباه بشكل خاص. لم يكن هناك أي من الشخصيات المعارضة المستقلة في الخارج، وبخلاف واحد أو اثنين، لم يكن هناك أحد من شخصيات الداخل المستقلة، أو من الهيئة التنسيقية لأحزاب المعارضة الليبرالية والقومية التي شكلت مؤخراً. لم يكن بين الجالسين أي من المجموعة الداعية لمؤتمر الانقاذ الوطني، ولا من اللجان التنسيقية للشباب الذين ينظمون الحراك الشعبي. وبالطبع، لم يكن هناك أي من قادة الإخوان المسلمين، الذين لم يدع أحد منهم أصلاً. ولكن القول بأن النظام كان يحاور نفسه، يحمل شيئاً من المبالغة؛ فليس كل من حضر يمكن أن يحسب كلية على النظام، بالرغم من وجود أكثرية من هؤلاء. وقد حملت كلمات المتحدثين توجهات مختلفة، من الدعوة إلى وضع نهاية لسيطرة الأجهزة الأمنية على الحياة السورية، إلى التخلص كلية من الدستور السوري الحالي. وهذا بالتأكيد مجرد لقاء تشاوري وليس بداية الحوار نفسه، ولهذا اللقاء أن يضع أولويات وآليات الحوار. فلماذا التسرع في إطلاق الأحكام؟

على نحو ما، يمكن لأنصار النظام القول بأن انعقاد اللقاء التشاوري مؤشر على إيفاء الرئيس الأسد بوعوده الإصلاحية، وقد قالوا هذا بالفعل. بعد رفع حالة الطوارئ وتغيير الحكومة ووضع قانون للتظاهر السلمي، سارع النظام إلى إطلاق الحوار الوطني، على الأقل في صيغة لقاء تشاوري أولي، داعياً له طيفاً واسعاً من القوى والشخصيات السياسية السورية. وليس هذا مجرد مشروع لتبادل الرأي، ولكنه يستهدف الوصول إلى تصور وطني للتعامل مع قضايا كبرى للإصلاح، بدءاً من تعديل دستوري، أو حتى الاتفاق على وضع دستور جديد للبلاد، إلى قوانين تنظيم الحياة السياسية الجديدة، مثل قانوني الأحزاب والإعلام.

صحيح أن حركة النظام نحو الإصلاح السياسي وبناء حياة سياسية جديدة تبدو بطيئة، يقول هؤلاء، إلا أنها حركة حثيثة باتجاه وضع الأسس التي يتطلبها إصلاح النظام والدولة، بعد خضوع سورية زهاء نصف القرن لحكم استبدادي ـ أمني. وإن كان النظام يخطو كل هذه الخطوات باتجاه الإصلاح والتغيير، فعلى قوى وتيارات المعارضة السياسية، التقليدي منها والجديد، أن تأخذ هذه الخطوات في الاعتبار، وأن تمد يد الحوار والعون للنظام. ليست سورية بالدولة الهامشية في المشرق العربي - الإسلامي، ودفع سورية نحو الانفجار الكلي، على الطريقة الليبية أو اليمنية، سيترك أثراً بالغاً على الجوار كله، ناهيك عن إضعاف دولة القلب العربية، التي وقفت بصلابة طوال عقود في مواجهة التوسع الإسرائيلي ومشاريع السيطرة الإمبريالية الجديدة.

بيد أن هذا ليس الوجه الوحيد للنظام السوري. فمنذ بداية الحراك الشعبي، لم يتوان النظام عن استخدام أقصى مقدراته الأمنية والعسكرية لقمع الشعب وقواه السياسية.

لا أحد يعرف على وجه اليقين عدد الشهداء والقتلى الذين سقطوا بنيران قوات النظام وأعوانه، ولكن الرقم لا يمكن أن يكون أقل من ألفين. وبالرغم من إلغاء حالة الطوارىء، فإن أعداد المعتقلين تزيد عن الـ 15 ألفاً، يتعرض عدد كبير منهم لتعذيب منهجي، أدى إلى استشهاد أعداد تحت التعذيب. ولم يزل عشرات الألوف من السوريين ممنوعين من السفر أو العودة إلى بلادهم، ناهيك عن أصناف الحظر الأخرى التي فرضت على حياة وعمل الكثيرين بينهم. ومنذ اقتحام درعا، تقتحم الفرق المدرعة وقوات الأمن المدن والبلدات السورية ضمن مخطط أمني ـ عسكري قمعي شامل، حيث تتعرض البيوت والمحال للنهب والدمار، والشبان للاعتقال العشوائي، والكبار للإهانة وإهدار الكرامة. وحتى لحظة انعقاد اللقاء التشاوري كانت الأجهزة الأمنية والوحدات العسكرية الموالية تقوم بعملها كالمعتاد في أنحاء سورية المختلفة: لم يزل السوريون يتعرضون للقتل والإصابة كلما خرجوا للشارع لإعلاء أصواتهم ضد النظام وسياساته، بينما تجري الاعتقالات على قدم وساق، وتبذل العناصر الأمنية ومجموعات الميليشيات المرتبطة بها كل جهد ممكن لتدمير روح السوريين وكسر إرادتهم. لهذا النظام وجهان، يقول معارضوه، وجه تحاوري طارىء، اضطر إلى تبنيه بفعل فشله في إخضاع الشعب وخشيته من الضغوط الخارجية، يريد به تغطية وجهه الآخر، القمعي الأصيل، الذي يعمل بكل طاقته وبدون حدود ولا ضوابط من أجل إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل منتصف آذار/مارس.

الواضح، بالطبع، على الأقل من متابعة ردود الفعل الأولى على اللقاء التشاوري أن الأغلبية العظمى من القوى والشخصيات السياسية المعارضة، ناهيك عن مئات الألوف التي شاركت في تظاهرات جمعة 'لا حوار،' لا تأخذ مشروع الحوار الذي أطلقه وينظمه ويقوده النظام مأخذ الجد. قطاع واسع من الشعب والمعارضة السياسية يقول بأن الحوار الحقيقي لابد أن يبدأ بتنحي الرئيس والمجموعة الصغيرة الحاكمة من حوله، وقطاع آخر يقول بأن ثمة شروطاً للحوار لابد أن تتحقق قبل أن ينطلق مثل هذا الحوار. وإن كان لموقف الفئة الثانية أن يمثل الحد الأدنى لمتطلبات إبعاد سورية عن حافة الهاوية، فأمام النظام مهمة شاقة لإقناع السوريين بمصداقية وجهه الإصلاحي. يستطيع قادة النظام، مثلاً، الإفراج عن آلاف المعتقلين في السجون وأقبية الأجهزة الأمنية، وإيقاف الحملة الإعلامية المستمرة ضد ثورة الشعب، والاتهامات الساذجة التي لم يعد يصدقها أحد بأن الجماهير المطالبة بالحرية وقعت أسيرة مؤامرة أجنبية؛ يستطيع قادة النظام سحب قوات الجيش العربي السوري من هاوية المأساة المؤلمة والمدمرة التي دفعوه إليها، ووضع نهاية لسيطرة المؤسسة الأمنية على مقدرات سورية وشعبها، وإعادة المنظمات الأمنية إلى الحجم والوظيفة التي يتطلبها أمن سورية الوطني. ويستطيع قادة النظام فتح أبواب سورية لعودة أبنائها المنفيين منذ عقود ورفع القيود المختلفة على حياة الآخرين ممن هم داخل سورية. كما يستطيع النظام، إضافة إلى هذا كله، الوقوف بوضوح وصراحة للاعتذار للسوريين البواسل عن حفلة الموت والقمع القاتل التي تعيشها سورية منذ أربعة شهور. مثل هذه الخطوات، وليس ما هو أقل، يمكن ربما أن يوفر مناخاً حقيقياً لانطلاق حوار وطني.

بيد أن مصداقية التوجهات الإصلاحية تتطلب ما هو أكبر، تتطلب وعياً أعمق لدى قيادة النظام للحظة التاريخية التي يعيشها العرب والسوريون على السواء؛ فما تشهده سورية، على أية حال، ليس استثناء ولا غريباً. إن كانت سورية هي 'قلب العروبة النابض' (هذا الكليشيه الذي نردده أحياناً بدون إدراك كاف لمدلولاته)، فقد كان من الطبيعي والمتوقع أن تكون سورية أكثر العرب تحسساً لوطأة الأزمة التي أخذت تثقل كاهل الشعوب العربية كافة. فبعد أكثر من نصف قرن على الاستقلال الوطني، تعيش البلاد العربية جميعها تقريباً تحت سيطرة أنظمة استبداد وقهر وقمع لا مثيل لها في العالم، وفي ظل حالة من الخراب الاقتصادي والفروق الطبقية الفادحة، وقد انهارت مؤسساتها القضائية والتعليمية، ويروج في فضائها لأصناف من الثقافة الرخيصة التي تصطدم بكل موروثاتها القيمية. ليست هذه أمة من الشاكين، وهي تحمل ضميراً نشأ أصلاً لينفر من الفتنة ودواعيها. ولكن حجم الإهانة التي تعرض لها العرب في القرن الماضي، وخلال النصف الثاني منه على وجه الخصوص، لا يمكن أن تقارن بأية حقبة أخرى في تاريخهم. وقد جاء الوقت لوضع نهاية لهذه الإهانة. ليست هذه حالة تونسية أو مصرية أو يمنية، هذه حالة عربية شاملة، وسورية في القلب منها.

بإمكان القيادة السورية أن ترى هذه الحقيقة، وأن تتعامل مع الشعب السوري على هذا الأساس، ليبدأ بالفعل تغيير جاد، ينقذ سورية من المزيد من المخاطر التي تهدد سلمها الأهلي واستقرارها. وبإمكانها، كما يردد بعض أنصار النظام، التصرف على أساس أن هذه معركة حياة أو موت للطبقة الحاكمة، وإن كان القذافي وعبد الله صالح قد صمدا كل هذا الوقت، فلماذا يجب على النظام أن يتنازل لمعارضيه. لم يعد ثمة جدل في أن السوريين كشعب قد اختاروا، ما تبقى أن تختار الطبقة الحاكمة طريقها.

================

حقيقة المعارضة وزيف الموالاة في سورية

علي جازو

14-7-2011

القدس العربي

يسمح بعض محللي الأخبار والصحف، ممن يسهّلون النظر المجرد، تصنيف الحالة السياسية السورية المعقدة والمتحركة إلى معارضة وموالاة ثابتتين، كأن الأمر محض اختيار سهل ونهائي بين جسمين سياسيين مميزين وبلا تقاطعات وتنقلات من أحدهما إلى الآخر.

فكثير ممن يعدون في حزب البعث أعلنوا استقالاتهم، وعشرات العسكريين انشقوا عن الجيش في خطوة بالغة الجرأة والأهمية، وهؤلاء المعلنون أقل بكثير من العدد الفعلي الذي أبدى معارضة موزعة بين العلنية والسرية، وعشرات الآلاف ممن يعدون نظرياً في ركام البعث لم يحضروا اجتماعاً حزبياً منذ سنوات، يضاف إليهم منتسبو النقابات والاتحادات، ويرى معظم المنتسبين الإجباريين أن الحزب، مع النقابات والاتحادات، لا يمثلهم في شيء بعد أن غدا أداة في يد أجهزة المخابرات. والحال أن المعارضة تتسع أفقياً، جمعة إثر أخرى، لتشمل مناطق جديدة وأعداداً أكبر، وتتعمق فكرياً وسياسياً نحو رؤى جذرية تعيد رسم خريطة توزيع السلطة السورية بعد نظام الحكم الواحد، ومثل هكذا تصنيف، بجعل المعارضة في حقل مغلق وساكن والموالاة مقابلها، وكأن ليس هناك جهازاً قمعياً يدير الأزمة بطريقة شنيعة، يغفل أن كلتا المعارضة والموالاة، ترمزان إلى ميول مختلفة ودوافع متنازعة وطبيعة اجتماعية يختلط فيها الأخلاقي مع السياسي والطائفي مع المدني والقومي مع الاقتصادي، وكل ذلك يجعل من التصنيف المفتقر إلى الدقة عملية فوق واقعية وبعيدة عن ما يجري على الأرض حقيقة، فالجمهور السياسي في سورية عريض لكنه مشتت، وليس من المصيب دائماً اعتبار تشتته صفة سلبية، فبه القوميون والمتدينون وسكان البلدات والمدن، المثقفون والكتاب، وفقراؤه أكثر من أغنيائه، ويسود الشباب الطامح إلى حكم مدني عصري، الذي لا يجد تمثيله الفكري السياسي في كل ما ذكر، معظم حراكه، ويقود تنسيقه في ظروف بالغة الخطورة، وهم الغالبية من الضحايا والمعتقلين، وقوته أخلاقية وإنسانية أكثر مما هي منظمة فكرياً وبشرياً، ومعظم من وقف ضد حكم البعث الاستبدادي، اختار الموقف المعارض لا من وجهة نظر سياسية وحسب بل هي أقرب إلى معارضة ذات جذور أخلاقية وإنسانية، ولهذا تبدو بعيدة عن التحزب السياسي وقريبة من قاع المجتمع ببعده الشعبي والتضامني العميقين.

الاحتقار والإهانة اللتان قوبل بهما أهالي درعا ساهمت في تأجيج رفضهم والإعلان صراحة عن عدم تحملهم أجهزة حكم تقتل أطفالهم لمجرد كتاباتهم شعارات مناوئة للنظام. وإذا تأملنا تواتر التوزع الجغرافي للاحتجاجات السورية وثقلها البشري المتفاوت، رأينا مدى ابتعاد الحال عن معارضة بالمعنى السياسي المنظم، وهذا لا يقلل من قوتها وصبرها الكبيرين وأحقية مطالبها.

فحركة الاحتجاجات انطلقت من درعا، التي لم تكن من المناطق المتوقع فيها حركة بهذا الزخم والاستماتة، ودعوات الخروج على نظام الحكم المفترضة خروجها في الخامس من شباط /فبراير الماضي لم تلق استجابة، رغم احتقان الشارع المديد، وعودة الثقة إلى الشعب بعد انتصار مصر وتونس، وكثير من الشباب السوريون كانوا يناقشون الأمر على أنه فكرة، ولم يتوقع أحد أن تتطور الأمور الى الحد الذي بلغته الآن.

وريف دمشق (دوما وداريا والمعضمية والقابون وحرستا والبرزة ..) إضافة إلى الميدان وحي الأكراد 'ركن الدين'، ومعظمها مناطق أناسها فقراء، دفعوا ثمنا باهظاً، تلته بانياس وحمص وإدلب وحماه ودير الزور، ومدينتا الحسكة في الشمال الشرقي والسويداء في أقصى الجنوب مثالان على التردد السلبي وافتقار حس الانتماء إلى الإنسان السوري المقهور، ولم تظهر الرقة حركة احتجاج قوية كالتي أبدتها جارتها دير الزور.

ولا يجمع الموالين للحكم سوى التنفع والخوف ، وكثير من ساكني دمشق وحلب يرون أنفسهم بعيدين عما يحدث، ومثل هكذا حال ستؤذيهم في المستقبل، فلن يساعد المظلومين في سورية سوى السوريين، وأهالي درعا ودير الزور والقامشلي وريف دمشق وسواها، يحرضون دمشق وحلب على دعمهم، لأن الوقت يمر صعباً عليهم وسيزداد ثقلاً إن تركوا وحيدين، وما يقال في المظاهرات واضح: 'يا أهالي الشام، يا أهالي الشام، عندنا في حماه سقط النظام'، وأظهرت حلب مؤخراً جزءاً ضئيلاً من قوة رفضها الكتيم، ولم يتحرك قلب دمشق بعد لتخفيف الجراح عن حوافها المخنوقة، وينتظر منهما أن تقدما المزيد حتى تجبر النظام على الخنوع.

فأكثر من عشرة ملايين سوري يسكنون المدينتين الأكبر في سورية، وهما اللتان ستقرران مصير الأزمة لصالح الشعب التائق للحرية ونيل كرامته غير منقوصة، ومحاسبة القتلة والمجرمين. موالو الحكم القائم إما مجبرون أو خانعون أو هم بشر بلا صفات. ويحسن بهم أن يدركوا أن الثورة كسرت حاجزي الصمت والخوف، وعلى هؤلاء الصامتين أن يبرروا موقفهم الآن، بشكل علني ودون مواربة، فلا ينفع تصفيقهم أمام كاميرات النظام، وهم يعلمون أن ذلك لا يمثل موقفهم الحقيقي، لكنه يسيء إساءة معنوية بالغة إلى أسر الضحايا والشهداء، ويقدم للنظام غير الشرعي دعاية غير شريفة ولا مقبولة تبرر استمراره في القتل والتعذيب وإهانة عموم الشعب الذي برهن دوام حركته الاحتجاجية عن بطولة خارقة وقوة تحمل فريدة.

' كاتب من سورية

================

سورية والسفارات الغربية

الاربعاء, 13 يوليو 2011

رندة تقي الدين

الحياة

في ١٤تموز (يوليو) ٢٠٠٨ كان الرئيس بشار الأسد يستعرض إلى جانب صديق غربي جديد هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي القوات الفرنسية بمناسبة عيد الثورة الفرنسية على جادة الشانزيليزيه. واليوم يرسل الرئيس السوري مناضلي حزب «البعث» عشية ذكرى عيد الثورة الفرنسية ليهاجموا سفارة صديقه الفرنسي السابق لأن سفيره أريك شوفالييه الذي كان اشد المدافعين عن النظام السوري الحالي، زار مدينة حماة التي شهدت تظاهرات شعبية ضخمة ضد النظام. إن النظام السوري الذي شجعه كل رئيس فرنسي منذ عهد فرنسوا ميتران على الإصلاح والتغيير لم يبالِ يوماً بمثل هذه النصائح. واليوم لم تعد ممارساته السابقة في اقتحام السفارات والهجوم عليها مقبولة. فالهجوم على سفارة الولايات المتحدة في ١٩٩٨ في دمشق كانت نتائجه سيئة جداً على العلاقة السورية الأميركية آنذاك، ولكن الأمور عادت وتحسنت بعض الشيء لأن الولايات المتحدة كانت على قناعة أن سورية أساسية للمسار السلمي المعطل. إلا أن الأيام تغيرت الآن وأصبحت الممارسات الماضية للنظام السوري من عصر ولى، لأن الشعوب العربية تغيرت والديموقراطيات الغربية تعلمت من أخطائها في دعم الأنظمة القمعية التي سقطت لأن جدار الخوف لدى الشعوب العربية سقط وثار الشباب في مصر وتونس واليمن ضد القمع والفساد ومن اجل القيم التي احتفل بها الرئيس بشار الأسد عندما كان وصديقه السابق ساركوزي يحتفلان بما أرسته الثورة الفرنسية من قيم لا علاقة للنظام السوري بها وهي الحرية والمساواة والأخوة.

واليوم نرى أن الرئيس الفرنسي الذي أعطى فرصة حقيقية للرئيس الأسد للخروج من عزلته رغم كل النصائح التي أعطيت له، يرى انه لم يعد هناك أمل في قيام النظام السوري بأي إصلاح حقيقي.

فالشعب السوري الشجاع لم ينتظر لا السفير الأميركي ولا الفرنسي ليثور. فهو شعب متعطش لحياة افضل ولحرية يطمح كل إنسان إليها، وهو شعب لا يخاف القمع وقد خرج في المدن ليطالب بأدنى حقوق الإنسان في الحرية والحياة الكريمة.

إن الهجوم على السفارات الأجنبية لن يغير في مطالب الشعب الشرعية. فالادعاء بأن كل شيء مؤامرة هو حجة أصبحت من العصور الماضية ولن تمنع الشعب عن التظاهر من اجل التغيير. إن ما قاله الوزير ألان جوبيه عن عدم قدرة النظام على القيام بالإصلاحات هو وليد خبرة طويلة بنظام بذل الغرب جهوداً كبيرة لإخراجه من عزلته لكنه لم يسمع، وبقي يردد أن كل شيء مؤامرة. فهكذا ذهب الرئيس رفيق الحريري شهيداً بحجة انه كان يعد مؤامرة. ثم وقع انقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري لأنها في نظر دمشق كانت تعد لمؤامرة. أي مؤامرة؟ لا احد يعرف. لقد فقد النظام السوري أصدقاءه العرب والأتراك، وبالأخص قطر التي عملت الكثير من اجل مساعدة الرئيس الأسد، وكل هذه الدول حاولت من دون جدوى إقناع النظام السوري بأنه ينبغي أن يضع نفسه على الطريق الصحيح على صعيد السياسة الإقليمية واللبنانية، ولكن لم يتغير شيء بل تدهورت الأمور إلى أوضاع داخلية خطيرة على النظام.

فكفى هذه الممارسات العقيمة لأنها تخبّط لنظام يعتمد القمع والقتل لصموده، وهذا غير مجدٍ للبقاء مثل نظام القذافي الذي يقتل أبناء شعبه للبقاء في سدة سلطة هشة.

================

ما بعد تشاوري الحوار السوري؟

فايز سارة

الشرق الاوسط

14-7-2011

لعل أسوأ ما رافق انعقاد الاجتماع التشاوري لهيئة الحوار الوطني، هو استمرار فعاليات الحل الأمني الذي تتابعه السلطات السورية في مواجهة الحراك الشعبي، وقد أدت مجريات الحل الأمني بالتزامن مع انعقاد الاجتماع إلى سقوط قتلى وجرحى، واعتقال أشخاص ومطاردة آخرين وإلحاق أذى بممتلكات سوريين ربما لم يكن ذنبهم سوى حضورهم في مناطق العمليات الأمنية، وأدى استمرار الحل الأمني ومجرياته إلى جانب أسباب أخرى، إلى غياب ممثلين عن جماعات المعارضة السورية من أحزاب وشخصيات مستقلة عن الاجتماع التشاوري، بعد أن رفضت السلطات توفير البيئة المناسبة للحوار، وأصرت على استمرار الحل الأمني للأزمة القائمة.

ورغم المؤشرات السلبية التي رافقت الاجتماع، فلا بد من قول، إن فكرة الاجتماع، الذي كان أغلب المشاركين فيه ممثلين عن النظام وقريبين منه، تمثل فكرة مهمة، تستمد أهميتها من قيام سوريين بالبحث في شأن عام هو بمثابة محنة تتعرض لها البلاد وأهلها، وقد زاد في أهمية الفكرة ما ظهر في الاجتماع من كلمات ومطالبات ونقاشات متعارضة طرحها المشاركون فيما بينهم، أكدت وجود اختلافات، جعلتهم عاجزين عن التوصل إلى توصيات متوافق عليها بسبب مواقف المتشددين من ممثلي النظام، لولا التدخل المباشر من جانب رئيس الاجتماع، وقد أدى تدخله إلى إصدار توصيات اقترب بعضها إلى مرتبة الأطروحات الإصلاحية، خاصة فيما يتعلق بتوصية تغيير الدستور، الذي هو الأساس السياسي والحقوقي للدولة والمجتمع في سوريا.

ورغم أهمية هذه التوصية، التي لم تكن يتيمة في توصيات الاجتماع، فإنه لا يمكن الركون إلى التوصيات. إذ هي لا تلزم أحدا، ليس لأنها توصيات فقط، إنما أيضا لأنها نصوص، وقد اعتدنا على أن النصوص، لا سيما النصوص التي تصدر بشكل طارئ، لا يتم احترامها حتى لو كانت في مستوى قوانين، وفي المثال، فإن في الدستور السوري نصا لا يتصل به أي التباس أو اشتراط، يمنع تعذيب أي مواطن سوري، لكن هذا النص لم يجد من يطبقه، ويحترم وجوده طوال نحو أربعين عاما، هي سنوات عمر الدستور الحالي.

إن تجربة السوريين العملية مع النصوص، تخفف من أهمية توصيات الاجتماع التشاوري، وتجعل قيمة هذه التوصيات مثل غيرها، إذ لم تذهب إلى التطبيق العملي والإجرائي، بحيث تصدر محتوياتها في قوانين، حيث احتاج الأمر، كما في مشروعي قانوني الإعلام والانتخابات المرتقبين، أن تتخذ إجراءات فيما يتصل بموضوعات تحسين بيئة الحياة العامة في سوريا كما في مثال إطلاق سراح السجناء والمعتقلين وبينهم معتقلو الأحداث دون استثناء، والأهم مما سبق كله وضع دستور جديد للبلاد بعد استشارات ونقاشات واسعة، تتوج بعرضه على الاستفتاء الحر للجمهور، ليقول السوريون رأيهم فيه، فيتم اعتماده أو رفضه.

ولا يحتاج إلى تأكيد قول، أن المضي في الخطوات التنفيذية والإجرائية لتوصيات الاجتماع التشاوري من شأنها تحسين بيئة الحياة الوطنية والتمهيد لحوار جدي ومنتج إذا توفرت إرادات في هذا الاتجاه، ولعل التعبير الأول والأساسي عن مثل هذه الإرادة من جانب السلطات السورية، يمثل وقفا نهائيا لمجريات الحل الأمني العسكري وإعادة قوى الأمن والجيش إلى مراكز تموضعها الأساسية، ووقف الاعتقال والملاحقة والتعذيب، والتوجه إلى الخيار السياسي لمعالجة الأزمة باعتباره الخيار النهائي، لأنه لا يمكن السير باتجاهين مختلفين ومتناقضين لمعالجة الأزمة السورية، والتي هي أزمة مركبة تتداخل عواملها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وليست قضية تتم معالجتها بطريقة أمنية.

إن فترة ما بعد اللقاء التشاوري بالنسبة للسوريين، هي فترة اختبار للنوايا التي رسمت ملامحها توصيات المشاركين في اللقاء، إذ تضع النظام بين استمرار الحل الأمني أو الذهاب إلى حل سياسي، وهي بالنسبة للنظام فرصة تمهد لانتقاله من خيار الحل الأمني، الذي أثبت عدم قدرته على معالجة الأزمة، والتوجه إلى حل سياسي. غير أنه وفي ضوء تجربة الأشهر السورية الأربعة، فإن ثمة قلقا ومخاوف من أن تتأخر التفاعلات الإيجابية مع تلك التوصيات وما سيتبعها، لدرجة تفقد فيها التوصيات أثرها على واقع الأزمة في سوريا، وتكون نتائج الاجتماع التشاوري وكأنه لم يكن.

================

هل أصبحت سوريا ساحة معركة بين إيران وخصومها؟

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

14-7-2011

ليس بالمقاومة والممانعة تحيا شعوب دولة بعدما تكون قد أخذت استقلالها، وليس بالمقاومة والممانعة تحيا شعوب دولة، جزء من أرضها محتل؛ إنما ترتبط بمواثيق دولية وتنتشر قوات حفظ السلام الدولية بينها وبين الدولة العدو.

ينسجم مفهوم المقاومة والممانعة مع النظام، ليقاوم منح شعبه أي نوع من الحرية، وليمانع في السماح لأحزاب أخرى بالوجود ومنافسة الحزب الحاكم ولو عبر برامج انتخابية.. وينسجم مفهوم المقاومة والممانعة مع احتلال دولة شقيقة تحت اسم قوات الردع العربية أولا، ومن ثم مقاومة وجود قوات الدول الأخرى، وممانعة حق شعب الدولة الشقيقة في التمسك بحريته واستقلاله.. مفهوم المقاومة والممانعة سمح لسوريا بالتدخل في شؤون دول عربية أخرى على أساس أنه لا حرب من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا.

هذا المفهوم، أو تلك المعادلة، حجب الرؤية عن النظام السوري، بأن الدجاج سيعود يوما ليبيض.

عام 2006 اتهم النظام السوري متشددين مرتبطين بـ«القاعدة» بشن هجوم على مجمع السفارة الأميركية في دمشق. لكن، هذا أثار شكوك خبراء أمنيين، بأن النظام نفسه متورط بشكل ما، وأراد استخدام الهجوم لإظهار تعاونه مع الولايات المتحدة ضد تنظيم «القاعدة»، وإحباط الهجوم كان لتحسين العلاقات مع واشنطن. ويبدو أن النظام يوم الاثنين الماضي اتخذ مخاطر محسوبة في إنتاج أزمة دبلوماسية مع أميركا وفرنسا. يقول لي مرجع غربي مطلع: «من المهم أن نتذكر أن زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي روبرت فورد وإريك شوفالييه إلى حماه لن تكون قد حدثت من دون موافقة الحكومة السورية، رغم أن الحكومة اشتكت واعتبرتها (تدخلا سافرا في الشؤون السورية)»، والسبب كما يضيف، أن «الحكومة أرادت التسبب في أزمة دبلوماسية مع واشنطن وباريس لتدعيم وجهة نظرها بأن السوريين سيقفون مع النظام في إدانة المتآمرين الأجانب لتدخلهم في الشؤون الداخلية السورية». ويشير إلى عنوان صحيفة «الثورة» التي تديرها الدولة: «فورد في مدينة حماه والسوريون غاضبون».

يضيف محدثي: «هل سيعطي هذا التكتيك النتيجة المرجوة؟ إن المناهضين للنظام حريصون على جذب انتباه الخارج لقضيتهم، وحذرون من محاولة النظام استخدام حجة المؤامرة الخارجية (الدولية) لتبرير ممارساته». ويؤكد أن «التوترات الدبلوماسية بين أميركا وسوريا سوف تتصاعد نتيجة الهجوم على السفارة ومنزل السفير الأميركي، لكن، لا توجد حوافز كثيرة من جانب أميركا لاتخاذ إجراءات مهمة ضد نظام الرئيس بشار الأسد. لأنه إضافة إلى إظهار أميركا عدم موافقتها على الحملات الأمنية السورية ضد المتظاهرين، فإن زيارة السفير روبرت فورد إلى حماه كانت تهدف إلى التعرف على نظرة المعارضة، وأن قوى المعارضة السورية لا تزال بعيدة جدا عن كونها البديل العملي لنظام الأسد، فالنظام البعثي لا يزال متماسكا، ولم يُكشف أن هناك انقسامات داخل الجيش من شأنها أن تدل على أن النظام عند حافة الانهيار، لذلك، فإن الرد الأميركي لن يكون أكثر من توبيخ دبلوماسي وفرض المزيد من العقوبات المحتملة».

إذا راقبنا وتابعنا ما يجري في حمص وحماه من مظاهرات وردود فعل النظام، نتذكر بنغازي ومصراتة في ليبيا. هذا التشابه لا بد أنه يلقي بظل ثقيل فوق تفكير الأسد، خصوصا أنه بدأ ينعكس في نهج وخطاب المجتمع الدولي، فالحديث عن تدخل دولي، كعملية توغل محدودة من جانب تركيا لإقامة منطقة عازلة داخل سوريا، عاد يتكرر بحجة توفير مناطق محمية للمعارضة السورية على غرار مدينة بنغازي في سوريا.

يوم الأحد، الثالث من يوليو (تموز) الحالي، تساءل مقال في صحيفة «حرييت» التركية عما إذا كانت القوات التركية قادرة على الدخول إلى سوريا من دون الحصول على موافقة دمشق أولا.. وأجاب: نعم. وأضاف المقال: «هناك احتمال أن تصبح سوريا أسوأ من العراق (...) مجازر جماعية وانهيار النظام والقانون قد يجعل التدخل التركي لا مفر منه، وإقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية هو الخيار الأفضل لتركيا لتجنب تدخل عسكري مباشر. المهم أن لا يقدم الأسد على ارتكاب مجازر».

وفي السادس من هذا الشهر، اتهمت منظمة العفو الدولية النظام السوري بارتكاب جرائم ضد الإنسانية تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

يبدو هذان التطوران، وكأنهما بداية لتكرار السيناريو الليبي. في الفترة الأخيرة اتهم الرئيس الليبي معمر القذافي، من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وحملة الأطلسي ضد القذافي وضد نظامه مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

ما تجدر ملاحظته أيضا أن القذافي لا يزال صامدا وإن كان غير مسيطر بالكامل. ويوم الاثنين الماضي قال وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه: «الغارات الجوية على ليبيا فشلت ويجب أن تتوقف وتبدأ محادثات سلام حتى لو بقي القذافي وعائلته في السلطة أو مشاركين فيها». وكان قائد الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية اللواء أبيب كونشافي قال: «أعتقد أن الأسد لا تزال لديه فرصة. ويجب عدم التقليل من حزمة الإصلاحات التي دعا إليها».

من ناحيتها، تجد حركات المعارضة السورية صعوبة في توحيد مواقفها. هناك العديد من الانقسامات بين المعارضين للنظام. انتقد قسم مثقفي دمشق الذين طالبوا بتطبيق تعميق الإصلاحات والحوار مع النظام دون إسقاط الأسد، وقسم، خصوصا سوريي الخارج، يطالب بإسقاط النظام. وكان لافتا ما نقلته هالة جابر مراسلة صحيفة الـ«صنداي تايمز» يوم الأحد الماضي التي كانت تغطي مظاهرات حماه يوم الجمعة، وكيف تقدمت منها فتاة صغيرة في نحو السابعة من العمر عندما كانت تمسح العرق عن وجهها وقالت لها: «بعض شعر رأسك ظاهر، وهذا ممنوع»!

بسام القاضي، رئيس مرصد «نساء سوريا»، كتب: «الإصلاحات ضرورية، إنما يجب أن تتحقق من دون عنف، وسوف يستغرق تنفيذها بعض الوقت، وأي انتخابات لن تكون حرة، ما لم يكن مضى عام على وضع القوانين الديمقراطية الجديدة المتوقعة: قانون الأحزاب، قانون الإعلام، قانون تجمعات عامة وحرة» وأضاف: «أي شيء أقل من هذا، فإن الانتخابات ستكون مقتصرة على موالين للنظام بطريقة عمياء، ومعادين للنظام بطريقة عمياء».

الصورة في سوريا حتى الآن معقدة جدا. الغرب يدافع عن الشعب السوري ويعاقب شركات ومؤسسات مملوكة للدولة ويعتمد عليها عشرات الآلاف من السوريين لتأمين لقمة عيشهم. وهناك النظام ووسائل قمعه، وهناك من هم ضده واستعملوا السلاح بهدف الإطاحة به. ثم هناك الذين ينتقدون كلا الجانبين، وإن كان بعض منهم انضم أحيانا إلى الاحتجاجات، لكنهم لم يلقوا بعد بثقلهم ضد أي من الطرفين. هؤلاء يمثلون الأغلبية ولا يزالون يمثلون «الوسط».

يمكن القول، إنه تقنيا، لا يواجه نظام الأسد خطرا وشيكا، فالركائز الأساسية لحكمه كالجيش ووحدة العائلة والطائفة لا تزال قائمة، لكن التهديد يأتي من عوامل أخرى تغذي عدم الاستقرار، وهناك خطر حقيقي من أن النسيج الاجتماعي السوري قد يبدأ في الانهيار قريبا.

وهناك قناعة بأن سوريا أصبحت ساحة معركة بين إيران وخصومها الغربيين والعرب.

خلال الأسابيع الماضية حاولت إيران جس النبض لبدء مفاوضات مع دولة عربية محددة، بهدف الحصول من العرب على الاعتراف بمجال النفوذ الإيراني مقابل أن تتخذ إيران خطوة إلى الوراء، ووضع حد أو على الأقل وقف تدخلها في الشؤون العربية الداخلية. والمعلومات الأخيرة تشير إلى أن المفاوضات بدأت، وعلينا مراقبة علامات التنازل التي سيُتفق عليها في المفاوضات في أماكن مثل البحرين، ولبنان، وسوريا والعراق!

==========================

الشهيدة غنية حمدو.. من أوائل حرائر سورية في انتفاضة الثمانين

بقلم يحيى بشير حاج يحيى

رابطة أدباء الشام

28/5/2011م

هل سمعت (بمرج الخوخة) تلك القرية الغائرة في تلافيف الجبال والذاكرة فلا يكاد يعرفها غير أهلها ومن حولهم من سكان منطقة (الحفة) في جبال اللاذقية.

من تلك القرية المغمورة المجهولة وأمثالها تفجرت ينابيع العقيدة بالبطولة والأبطال. وفي تلك القرية المغمورة المجهولة ولدت (غنية) لأبيها الذي لم يرغب عن قريته، فعاش للشقاء والكدح في سبيل تحصيل لقمة العيش لأولاده..

وتدخل (غنية) مع أبيها مدرسة الأرض، وتحصل على شهادة الكدح، وتنال مكافأة الرضا.

وتعلو صيحة الجهاد تملأ السهل والجبل: فيا خيل الله اركبي، ويلبي شباب ريف اللاذقية النداء، وينطلقون يثأرون لشرف الأمة، ويذودون عن حمى العقيدة..

هنا وعلى قمة الجبل امرأة جاوزت السبعين، تسترجع ذكرياتها أحداثا واقعة حية، تنظر إلى حفيدتها(غنية) تروح إلى الجبل وتغدو تحمل إلى الأبطال الزاد والخبر، فتبتسم من وراء عينيها الغائرتين، فها هي صبية من جديد، تتحرك بقلبها ونفسها مع حفيدتها، تود لو أسعفتها القوة لتنضم إلى الركب.. ركب الجهاد..

وتحتمي (غنية) ببسمة جدتها من أراجيف المرجفين، وتحذير المحذرين، فتكون بسمة العجوز الغائرة أقوى في نفسها من كل الدعاوى والأراجيف.. كانت إذا هددها المشفقون أجابت: لن يصلوا إلي إنني أريد الشهادة!!

أنت يا ابنة الريف.. من أغراك بهذا؟! من روى لك حديث الشهادة، ومن أين سمعته؟!!

وتسترجع (غنية) آيات من كتاب الله حفظتها من تلقين جدتها وأبويها: ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون))

وتمضي (غنية) بنت الثامنة عشرة، كما مضت من قبلها (أسماء) تحمل على عاتقها الزاد والخبر، راضية بما تعمل، مبتسمة للنتائج كلما لاحت لبالها، وتتبعها عيون المخبرين، ترصد حركاتها..

فتاتان في الثالثة عشرة، وصبية في الثامنة عشرة يتحركن على طريق الجهاد تمضي الفتيات الثلاث في أشرف مهمة تقوم بها امرأة، في عصر الشهداء. وتحاصر الأعين الخائنة الفتيات، وتشعر (غنية) أن ساعة الحصاد، قد اقتربت وأن المجرمين لابد قادمون، فتنطلق مع صاحبتيها إلى مغارة بعيدة عن القرية.

ويشتد الطلب على (غنية)، وتمرّ سبعة أيام بلياليها و(غنية) تحرس نفسها ورفيقتيها في مغارة في الجبل ثم لا يلبثن أن يتحولن إلى بيت في مزرعة قريبة.

وفي فجر أحد الأيام، تتوقف عقارب الساعة، لترمق عشرات الرجال المدججين بالسلاح، يحيطون بالبيت، وتصوب عشرات البنادق من زنود الرجال (لتتصدى) لامرأة و(لتصمد) لبندقيتها!!

ويرفع أحدهم صوته مطالبا بالاستسلام، فترد (غنية) عليه بطلقات صائبة، فلا خوف ولا وجل ولا اضطراب. وتحتدم المعركة وتطول. غنية ترمي، وصاحبتاها تملآن المخازن. وتمضي ست ساعات كانت طويلة رهيبة في القلوب المتقطعة.

وتدور سخريات شامتة من أفواه أهالي القرى المجاورة، الذين كانوا يرقبون المعركة مشدوهين لبطولة الفتاة وصمودها، ولعجز الجبناء وخورهم.

وتبتسم (غنية) للشهادة وتطبق أجفانها على الحلم والأمل، حين يخضب عنقها عقد عقيقي حلمت يوما أن يطوق عنقها في الجنة.

وتهوي اللبؤة، ولا عيب فيها، غير أن صمودها أذل الرجال، يتوقف إطلاق النار، وتستسلم الطفلتان، ويدخل الجنود على جثث أصحابهم مزهوين بالنصر:

فليفخر الجيش العظيم بنصره وبكسرهنه

وينطلق صناديد الأقبية ليبحثوا عن الرجال الذين كانوا يقاتلونهم طوال ست ساعات، فلا يجدون أمامهم سوى جثة فتاة لا حراك فيها.

وتحمر الحدق، ويشتد الغيظ، هل يكفي أن تستشهد (غنية)؟ لا بد من الثأر للشرف والكرامة ولو من الكوخ الذي نشأت فيه (غنية). ويهرع المدججون بالسلاح لينهبوا كل ما في البيت الريفي الفقير من أثاث ومتاع.

وتمتد يد الأم الثكلى لتخفي في ثوبها الفضفاض منديلا كان آخر ما طرزته يد (غنية)، و يصرخ بها عتل زنيم: ماذا سرقت أيتها العجوز؟ فتجيب أم غنية العجوز بسخرية بالغة: لسنا لصوص لنسرق منكم ما أخذتموه منا، هذا منديل طرزته (غنية) أشمه فهو من رائحتها. و ترفع المنديل إلى أنفها، وتعبق منه ريح الولد، وريح الشهادة ، وريح الجنة.

وتمتد يد الزنيم لانتزاع المنديل، فتتشبث العجوز به: لن أعطيه لكم ولو وضعتموني إلى جوار (غنية).

يطرق الزنيم رأسه ذلاّ لا خجلا، وتنسكب على المنديل من عيني العجوز دمعتان حارتان.

=========================

الغرب معروض للبيع... من يشتري؟

محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

الخميس 14 يوليو 2011

المصدر : الاتحاد الإماراتية

"ما سرقة بنك بالمقارنة مع إنشاء بنك"؟ يسأل الأديب الألماني برتولد بريخت، ونعثر على جواب سؤاله في عناوين الأخبار العالمية. فالسجال الذي لا ينتهي بين أوباما والجمهوريين حول سقف الدين، هو في الحقيقة تقاسيم على العود، كذلك بيع الأقطار الأوروبية ممتلكاتها العامة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية في جميع البلدان. والتقاسيم على عود النظام المصرفي الدولي المنهار عقدة الأفاعي في الأزمة المالية العالمية. اليونان هذا البلد الجميل، و"الجمال قاسٍ، أنت لا تتفحصه، بل هو الذي يتفحصك ولا يغفر"، يقول ذلك الروائي اليوناني نيكوس كازنتزاكي. وكيف يغفر البلد الذي يعتبره الغرب مهد حضارته، وتُباع الآن ممتلكاته العامة لتدبير 50 مليار يورو في غضون ثلاث سنوات المقبلة؟ 1400 جزيرة يونانية ساحرة معروضة للبيع، عدد سكان كثير منها لا يزيد عن 200 نسمة، وللبيع موانئ اليونان الرئيسية "بيريه" و"سالونيك"، و39 مطاراً، بينها مطار أثينا، وللبيع مصلحة البريد العامة، وخدمات الماء والكهرباء والغاز، وملايين الأمتار المربعة من سواحل اليونان الساحرة.

 

وهل هناك إفلاس كمشاريع إنقاذ إيرلندا من الإفلاس؟ مطاراتها الدولية معروضة للبيع، وكذلك الموانئ، ومحطات الطاقة، وحتى مجموعة خيول وكلاب السباق المشهورة، والخطوط الجوية، وشبكات النقل العام، والغابات. هجوم المعارضة في برلمان إيرلندا على ما اعتبرته بيع الدولة بالتجزئة لم يكن سبب وقف عملية البيع، بل السبب أزمة سوق العقارات، ومن يشتري في الأزمة التي خلقتها المصارف خمسة مصارف إيرلندية كفلتها الدولة من الإفلاس؟

 

وإسبانيا التي يفترض أن تكون في وضع أفضل تحت حكم الاشتراكيين تعرض للبيع مطارات في مدن عدة، بينها مدريد وبرشلونة، ومعها ما يعتبر أكبر لعبة "يانصيب" سنوية في العالم "كريسماس ألغوردو" الذي يجلب الفرحة وملايين اليورو للرابحين المحظوظين.

والبرتغال التي يقول عنها الشاعر وليام شكسبير "هواي كخليج البرتغال لا قاع له"، تبيع الآن موانئها البحرية والجوية، وخدمات الكهرباء والماء والطاقة العامة، وشبكات الاتصالات والراديو والتلفزيون، ووكالة الأنباء الوطنية، إضافة إلى الخطوط الجوية، وبنك التأمين، وبنايات حكام المحافظات. وجميع الدول المذكورة، إضافة إلى إيطاليا وبريطانيا، تبيع موجات الأثير بالمزادات العامة، ومعها إدارات المرور الجوي، ولولا خطر الانتفاضة الشعبية لما تراجعت لندن عن بيع 150 ألف هكتار من الغابات.

 

حجم مديونية هذه الدول للمصارف تجعل اليأس العام أملاً يضحك له ضحاياه، وتجعلنا نحن المراقبين من خارج اللعبة نضحك مرتين. فجميع هذه البلدان تبيع ممتلكاتها العامة لمواجهة ديونها المتراكمة التي لم يسببها هدر شعوبها أو تبذير حكوماتها، بل خلل النظام المصرفي المتهاوي. وعلى خلاف التصور الشائع، فالمصارف الخاصة، وليس الدول، هي التي تقوم بإصدار النقود على شكل قروض. وقد تنامت قوة النظام الخاص لإصدار هذه النقود عبر قرون، وتتحكم اليوم بالحكومات على الصعيد العالمي. إلاّ أن النظام المصرفي يحمل بذور دماره، ومصدر قوته هو تكوينه الفتاك نفسه القائم على نظام الفائدة الذي يعتبره المسلمون "الربا" المحرمة. تشرح الباحثة الاقتصادية الأميركية إيلين براون طريقة عمل هذا النظام الذي لا يُلزم المصارف بإنفاق الفوائد، بل يوظفها في مراهنات مالية بعيداً عن متناول المقترضين، فلا تتاح لهم فرصة استعادتها لتسديد ديونهم. ويواصل النظام لعبته الأبدية في خلق مزيد من القروض المصرفية، ومزيد من الديون، مع مزيد من الفوائد.

 

والنقود التي تقرضها المصارف ليست من أموال المودعين، لأنها لو فعلت ذلك فلن يتم إصدار نقود جديدة. يوضح ذلك كتيب "المصرف الاحتياطي الفيدرالي" في شيكاغو، الذي يشرح كيف تصنع المصارف النقود كقروض يجري تحويلها على شكل صكوك إلى بنوك أخرى، وتتقبل عند تقديم القروض كمبيالات لقاء سلف محولة إلى حسابات المقترضين، وتعود تقترض مجدداً النقود التي صنعتها، وتربح بذلك الشريحة المتحصلة بين معدلات الفائدة. ابتدع هذه العملية "الشاطرة" صاغة الذهب في القرن السابع عشر. فالناس الذين كانوا يأتمنون حفظ مصوغاتهم لدى الصاغة يُعطَون وصولات تسمى "بنكنوت". وكان الناس الذين يقترضون من الصاغة يقبلون أوراق "البنكنوت" لأن حملها أسهل وأكثر أماناً من النقود الذهبية. وبدأت اللعبة عندما أدرك الصاغة أن 10 في المئة فقط من مودعي المصوغات يأتون في وقت واحد. وهذا يعني إمكانية طباعة أوراق "بنكنوت" عشرة أضعاف الذهب المحفوظ. وأصبح ذلك أساس عمل "بنك إنجلترا" الذي تأسس عام 1694، وشرع بتسليف أوراق "البنكنوت" التي يصدرها للحكومة، والتي لم يكن عليها سوى دفع الفوائد عن قيمة الدين الذي يجري تدويره إلى ما لانهاية. ويستمر العمل بهذه القاعدة حتى اليوم في الولايات المتحدة، حيث يشكل الدين الفيدرالي الذي لم يدفع قط أساس الذخيرة النقدية للبلد.

 

وهذا "البنكنوت" هو أصل المنتجات والسلع المصرفية، بما فيها سندات التأمين، و"المستقبليات"، و"المشتقات"، التي يبلغ تداولها ترليونات الدولارات. كل ما في هذه الألعاب الخطيرة نكات، وكل ما في هذه النكات ألعاب خطيرة، واللاعبون هنا -كما في سباق الخيل- لا يملكون الخيول التي يراهنون عليها، لكن عندما تقع الخسارة تنفجر أمُّ الفقاعات العالمية، كما حدث مع "المشتقات" التي بلغت خسارتها 500 تريليون دولار نهاية عام 2007 . سر دوام هذه الألعاب عبر القرون هم أصحاب "الريع"، أو "المرَيّعين" حسب التعبير العراقي الدارج. ولينظر من يتهم البلدان العربية المنتجة للنفط بالعيش على الريع كيف يشلّ "المرَيّعون" الحياة السياسية في أوروبا والولايات المتحدة على حد سواء. يذكر ذلك عالم الاقتصاد الأميركي بول كروغمان الحائز على "نوبل" عام 2008، ويثير الدهشة حديثه كالماركسيين الثوريين عن "سلطة المرَيّعين" الذين يخدم مصالحهم بشكل حصري تقريباً صانعو القرار السياسي. هذه الطبقة مسؤولة عن إقراض مليارات الدولارات بشكل غير حكيم غالباً إلى الراغبين بشراء المنازل التي تباع اليوم لعجزهم عن تسديد أقساط القروض، فيما يتمتع "المرَيّعون" بالحماية على حساب الجميع. ينعمون بالحماية ليس فقط لتبرعهم بمبالغ كبيرة في الانتخابات، بل أيضاً لحظوتهم لدى صانعي القرار السياسي الذين يعمل كثير منهم لدى "المرَيّعين" عندما يغادرون الحكومة. وقد لا يشكل هذا فساداً صريحاً، إلاّ أن محاولة حماية "المرَيّعين" من كل خسارة يلحق أكبر الضرر بكل الآخرين، ولا يجد كروغمان أيّ فرصة للإصلاح إلّا بالكف عن هذه اللعبة.

 

أيها الغرب المفلس، لا تحرق ربيع العرب بل تغيّر معهم، و"الإنسان يحتاج إلى قليل من الجنون، وإلاّ فإنه لن يجرؤ قطّ على قطع الحبل والانطلاق حراً" - كازانتزاكي.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ