ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 20/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

تبرعات «عفوية» للاقتصاد السوري

محمد كركوتي

الاقتصادية

19-7-2011

''دمر بذور الشر والظلم، وإلا ستترعرع وسط الخراب''

إيسوب - أديب وكاتب من العصر الإغريقي

حسنا .. يقول المدافعون عن نظام بشار الأسد في سورية إن الاقتصاد ليس متدهوراً بالصورة التي يطرحها المراقبون المحايدون والتي يتفق معها المعارضون لهذا النظام. صحيح أنه يعاني حالياً آثار الثورة الشعبية السلمية العارمة (المدافعون عن النظام لا يعترفون بسلمية الثورة، بل لا يعترفون بوجودها أصلاً)، إلا أنه - أي الاقتصاد - ليس متجهاً نحو المجهول أو الانهيار. هكذا يقولون، وقد تعرضت شخصياً لهجوم عبر الإنترنت من هؤلاء، الذين تابعوا مقالاتي السابقة عن الاقتصاد السوري، ولا سيما المقال الأخير الذي نُشر تحت عنوان ''دراما اقتصادية في سورية''، وكان أقل اتهام وجه إلي منهم هو أنني لست محايداً، على الرغم من أنني استندت في طرحي إلى استنتاجات من أطراف محايدة، كان النظام يُعلن عن ثقته بها قبل الثورة الشعبية ضده، وتناولت مجموعة من الأرقام المعلنة في سورية - وهي قليلة بل نادرة - وتوصلت إلى تصور بأن الاقتصاد السوري يتجه بالفعل إلى المجهول، وأنه في غضون الأشهر المتبقية من العام الجاري سيصل إلى حافة الهاوية، وأن النظام سيعجز عن دفع مرتبات العاملين في القطاع الحكومي إذا لم تتبدل الأمور السياسية في البلاد، فالنفي لا يخفي الحقيقة فحسب، بل يزيد من حجم العقبات وأهوالها في الطريق نحو الخروج من المأزق.

في خطابه الثالث بعد الثورة استجدى بشار الأسد حتى ألف ليرة سورية (أي ما يوازي 20 دولاراً أمريكياً)، من كل مواطن سوري، من أجل إيداعها في المصارف التي تعصف بها الأموال الهاربة منها إلى الخارج، وتحديداً إلى لبنان. فقد بلغ مجموع الأموال الهاربة (الفاسدة والشرعية) من البلاد أكثر من 20 مليار دولار، حسب مجلة ''الإيكونوميست'' البريطانية العريقة، ولا يبدو في الأفق أي مؤشر على توقف عمليات الهروب والتهريب. والحقيقة أن أموال الناهبين وأموال المستثمرين الطبيعيين ''تحالفت'' من دون قصد في عمليات الهروب المتواصلة. ولأن المواطن السوري لم يلب تمنيات الأسد، بإيداع ال ''ألف ليرة'' في المصارف، لأسباب باتت معروفة للجميع، من بينها شعور هذا المواطن بأنه سيغذي الآلة العسكرية والاستخباراتية التي تقتله وتقمعه، ولأن ال ''ألف ليرة'' عند هذا المواطن، تساوي في هذه المرحلة بالذات مليون ليرة. ماذا فعل الأسد؟ قام باقتطاع قسري يبلغ 500 ليرة سورية من راتب كل موظف حكومي سوري، بحجة دعم العملة الوطنية، التي تهاوت بصورة درامية حقيقية، لتخسر - حتى الآن - أكثر من 22 في المائة من قيمتها! لم يحدث في التاريخ أن أقدم نظام على مثل هذه الخطوة، فهي بكل المقاييس عملية سرقة منظمة، وإن جنحت السلطات السورية إلى تسميتها ''التبرع العفوي''! وهذه هي الحالة ''العفوية'' الوحيدة التي يقوم بها شخص (أو جهة) بالنيابة عن الشخص المعني!

الليرة تتهاوى، والاستثمارات بعضها يفر من الساحة وبعضها الآخر يتوقف، والسياحة في عز الموسم بلغت صفراً. المواطنون السوريون لم يصدقوا ما أعلنه ''مصرفي'' النظام والعائلة المالكة الحاكمة في سورية رامي مخلوف، عندما قال قبل أكثر من شهر إن العملة الوطنية لن تخسر، وإن من ''مصلحة'' السوريين تحويل ما يملكونه من عملات صعبة - إن وجدت أصلاً - إلى الليرة، لأن هذه الأخيرة ستشهد ارتفاعاً كبيراً، لأن قيمة الدولار ستنهار قريباً مقابلها. ماذا فعل السوريون؟ قاموا بتحويل ما يملكونه من ليرات إلى عملات صعبة. وعندما يُقدِم - على سبيل المثال - بنك الكويت الوطني على وقف طرح أسهمه للاكتتاب العام في سورية، يعطي هذا مؤشراً جديداً لتردي الوضع الاقتصادي في البلاد، ولمزيد من علامات الانهيار الاقتصادي، سيضطر النظام السوري في موعد أقصاه نهاية العام الجاري إلى أن يبحث عن مساعدات خارجية، وإذا لم يستطع الحصول عليها - وهذا مرجح - لن يستطيع الادعاء بوجود اقتصاد ما في سورية. ربما يضمن الوعد الإيراني للنظام بتقديم أكثر من خمسة مليارات دولار له، وجود سند ما، لكن هذه الأموال لن تدفع لسند الاقتصاد الوطني، بل ستخصص لسند النظام نفسه. وكلنا يعلم العلاقة المصيرية التي ربط بها نظام الأسد نفسه مع إيران. وهذه الأخيرة، لا تقدم شيئاً لوجه الله، بل كل ما قدمته - خصوصاً لبعض الجهات العربية - مربوط بثمن سياسي باهظ التكاليف والخطورة أيضاً.

لا توجد خيارات أمام بشار الأسد على الصعيد الاقتصادي، تماماً كما لا توجد أمامه خيارات على الصعيد السياسي الداخلي والخارجي. والكل يعرف أن اقتصاد سورية لا يقوم على أسس معروفة كي يستطيع الصمود أمام المحن والأزمات، كان - ولا يزال - اقتصاداً أُسرياً خاصاً جداً، لا دخل للأسرة السورية المكونة للمجتمع ككل به. فلا غرابة إذن من سيطرة رامي مخلوف على 60 في المائة من حجم هذا الاقتصاد البائس، المملوء بالبطالة وسرقة المال العام والفساد بكل أنواعه. وكنت قد أشرت في أكثر من مناسبة إلى أن هذا النوع من الاقتصادات لا يصمد أمام أرق الأزمات، فما بالنا بثورة شعبية عارمة لم تشهدها سورية حتى في ثمانينيات القرن الماضي. لا توجد في سورية أرقام حقيقية لأي شيء، حتى الأرقام الرسمية الشحيحة تصل إلى أعلى مستوى من التضارب والتناقض. ولا يعتمد أي مركز عالمي محايد على أي من هذه الأرقام، لأنها أكثر من مضللة، بل مضحكة في بعض الأحيان. لكن المعروف أن الاقتصاد لم يكتسب الصفة الوطنية، لأنه لم يكن مستنداً إلى المعايير الوطنية منذ أكثر من أربعة عقود. وكما هو الحال في منع المراقبين الدوليين ووسائل الإعلام المستقلة، من متابعة الأحداث في سورية لإخفاء حقيقة ما يجري على الأرض، كذلك الأمر في منع صدور أرقام حقيقية عن اقتصاد البلاد. إنهم يريدون إخفاء ما أمكن لهم من واقع الخراب الاقتصادي الشامل.

في كل الأحوال تتجه الأمور في سورية نحو عصيان مدني، وبدأت بوادر هذا العصيان في امتناع المواطنين عن تسديد فواتير المياه والكهرباء والهاتف، وهناك أعداد متعاظمة من أولئك الذين يمتنعون عن دفع الضرائب. وهذا الأمر سيعجل من مسيرة الاقتصاد السوري نحو الانهيار، أو في أحسن الأحوال نحو حافة الهاوية. والنظام يعرف أنه لن يستطيع الاستمرار على هذا الشكل إلى ما لا نهاية. ويعرف أيضاً أن عصياناً مدنياً مهما كان ''لطيفاً''، سيدفع الأمور في اتجاه معاكس لمصالحه. وهو - أي النظام - يخشى حالياً من عجزه عن دفع رواتب موظفي الحكومة. وقتها سيتحول العصيان ''اللطيف'' إلى عصيان لا توجد قوة في العالم تستطيع الوقوف أمام ضرباته. سيكون بمنزلة المكون الأكبر لتحول الأمة بأكملها. وما على المعارضين والمؤيدين سوى استرجاع التجارب التاريخية المشابهة، وهي كثيرة وعميقة في مغزاها.

==============

مدارات - الاعتراف والجماهير العصيّة

الحياة الجديدة

عدلي صادق

19-7-2011

لم تكن لحظة من صفاء الذهن أو من نقاء السريرة؛ تلك التي أوحت للنظام في سورية، بلزوم ووجاهة الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967. ففي يوم إعلان الدولة في الجزائر (16 /11/1988) تجهّم هذا النظام وأبى إلا أن يكون الاستثناء، مخالفاً إجماع الأشقاء والأصدقاء، الذين شاركوا الشعب الفلسطيني فرحته، فقدموا اعترافات بالجملة، كنوع من الحث السياسي والقانوني، على تطبيق سيادة دولة فلسطين على أرضها. وأعلنت عشرات الحكومات، عن رفع التمثيل الفلسطيني في بلدانها، الى مستوى السفارة، وارتقى مستوى بعثات التمثيل الفلسطيني في عشرات أخرى من الدول، الى مصاف أعلى. أما الحاكمون في دمشق، فلم يصدر عنهم إلا كلام السخرية والتشكيك، ووضع العصا في الدواليب، ودفع «الشبيحّة» من أتباعهم الفلسطينيين، الى التنظير السخيف، المفعم بوعود كاذبة عن بدائل كثيرة، على مستوى الأطر الجبهوية و»الإنقاذية» ومنظمة تحرير فلسطين «بديلة»!

يومها، لم يكن التمسك بأرض فلسطين الكاملة، هو منطلق حافظ الأسد، في رفضه الاعتراف بدولة فلسطين. فقد سبقت ذلك الموقف، محاولات أسدية، للتوصل الى تسوية على أساس قراري 242 و338 أي إن الحكم في سورية، لم يكن معارضاً للعملية السلمية على الأسس التي انطلقت بموجبها. بالعكس كان يتوسلها وعلى قناعة بها، ولا يختلف في هذا عن أصحاب أكثر المواقف الفلسطينية اعتدالاً. كان سر رفض الاعتراف، هو التمسك بمحاولات احتواء منظمة التحرير والحط من شأنها، وإلحاق الورقة السياسية الفلسطينية بملف المناورات والمناقصات السورية الرسمية في المنطقة، ومعه مليون فلسطيني في سورية ولبنان، وحرمان ياسر عرفات (الشهيد فيما بعد) من حقه في المناورة والانفتاح دون حسابات أو قيود، على كل حلقات النظام العربي، وعلى أقطار العالم الإسلامي وحركة عدم الانحياز، والانفتاح على الأصدقاء في اوروبا الشرقية وسواها. فقد اجتهد الزعيم الراحل «أبو عمار» لكي يحافظ على مسافة واحدة، مع حكومات العالم العربي، على الرغم من تناقضاتها ومحاورها، خدمة لقضية فلسطين وشعبها.

* * *

الآن، يصح التساؤل: في أية خانة يمكن إدراج هذا الاعتراف السوري الرسمي المتأخر بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967؟!

هل جاء الاعتراف، بمثابة رسالة لأكثر من عنوان، مفادها أن «حماس» التي تحالفت معه، سقطت في اختبار الجدارة حسب محددات هذا النظام لنقاط ومعايير قياسها وبالتالي هو يستدرك فيحسم أمره لصالح خط التسوية؟!

هل يُرضي الأميركيين، أم يستحث همم المعتدلين، بقطع بطاقة التأهل لدخول نادي المتشاكين والمتساندين في السياسة وفي طلب الاستقرار والحكم المديد؟

من جهة عنواننا نحن، كمنظمة تحرير، فليُرح النظام السوري نفسه، لأن محددات ومعايير قياس الجدارة واختبارها عندنا؛ تختلف تماماً. فإن ابتعدت «حماس» عنه، تقترب منا، بل تقترب من الإدراك بأن المنهج الذي تشاركت فيه مع الحكم في دمشق، كان يسعى الى تضييعنا. ثم هل يتوهم النظام السوري، بمنظوره وحساباته الطائفية، أنه كان يضحك على ذقن أهل السُنة، بتدليع «حماس» التي رآها الإسلاميون أيقونة «الإخوان» وبرهان حيويتهم، ثم آلمته «حماس» بموقفها الرافض لمبايعته ضد أهل السنة وضد «الإخوان»؟!

ومن جهة العنوان الأميركي، جاء الاعتراف المتأخر بدولة فلسطين، بمثابة رد عاتب ومشاغب، على إعلان هيلاري كلينتون عن فقدان نظام بشار الأسد لشرعيته. إنه رد دمشقي رسمي، من الفئة شديدة التعقيد، بالقدر نفسه الذي كان عدم الاعتراف بالدولة بالغاً وملتبساً: أن يُصار الى إحباط التحقق الوطني الفلسطيني بذريعة رفض التنازل، بينما المفاعيل السياسية والقانونية لعدم الاعتراف، تصب في سياق إرضاء الطرف الأميركي الاسرائيلي المشترك. فالحكم السوري، بوجود الفصائل التابعة له، وجد نفسه قادراً على الاستفادة من حقيقة وجود نصف المليون فلسطيني، حين يزعم أنهم مؤيدون لدمشق وفصائلها، وحين يتظاهر بأنه يمتلك ما يشبه القدرة على التعطيل، بوزن الفلسطينيين المقيمين في سورية ولبنان ايضاً، وحين يتعمد توظيف وزن الفصائل الصغيرة، بما لها من مقاعد كبيرة «محجوزة» في منظمة التحرير، منذ أكثر من أربعين سنة، ثم توظيف وزن «حماس» و»الجهاد الإسلامي» فيما بعد!

يريد بشار الاسد، أن يقول للأميركيين: ما زلنا نؤكد على أريحيتنا حيال العملية السلمية، بدليل إعلاننا اليوم، عن الاعتراف بدولة فلسطين في حدود الرابع من حزيران 1967. كنا نرفض حتى الآن إسقاط عنصر مهم، من ثوابت الحزب و»عقيدته» المعلنة التي يجري على أساسها تسويق النظام وثبيته والتحشيد له. في الوقت نفسه، نسجل بإعلاننا هذا، عتبنا على سياستكم، ونعلمكم أن هامش المناورة ضاق كثيراً، لأن خصومنا المعارضين، اختطفوا شعاراتنا نفسها، ولهم صدقيتهم بعد ان فقدنا الصدقية تماماً،. بل إن المعارضين والغاضبين، زادوا على شعاراتنا وظهروا أكثر صرامة وجذرية. لم يعد لدينا ما نعوّل عليه، إلا القوى صاحبة المصلحة في قمع الجماهير العاصية العصيّة!

==============

شعب سورية.. الحصان وحيداً

عبدالله ثابت 

2011-07-19

الوطن السعودية

يحدث أن تسكت على الموت وأنت ترى قطعان الوحوش تحوم في الشوارع والأزقة.

يحدث أن تسكت على الموت وأنت ترى قطعان الوحوش تحوم في الشوارع والأزقة، تنهش الأطفال والنسوة، وتمزق صدور الرجال بمخالبها البذيئة، تسكت لأنك إما سياسي أو مغروم، يحدث وتسكت لأن لديك ما تخاف عليه في الحالتين، ويحدث أن تقف عاجزاً وأنت تشاهد هذه الشاشات الفجّة، والدم يسيح من أشداق نشرات الأخبار والمذيعين على مدار الساعة، لأنه ما من شيء لديك لتفعله، وأنت البسيط البعيد، سوى انتظار أن يزول غبار البنادق والدبابات التي تملأ السماء والطرقات، لا شيء لديك غير أن تترقب مطر الحياة الحرّة، الآتي لا محالة، مهما تأخر!.

يحدث ويحدث.. ويحدث أن تتجاهل صراخ بشرٍ يموتون مرة ومرتين وعشراً، وتقول في نفسك سأمتنع عن رؤية الرقاب المقطوعة والأشلاء الممزقة، تحلف أنك لن تسمح لعينيك أن تقعا جثة الطفل "حمزة الخطيب" مجدداً، ولا على أولئك الجنود السفلة الذين يتقافزون على ظهور المقيدين، ويركلون وجوههم ببساطير الطغيان والوحشية، تقول وتحلف مراراً لكن خبط الموت وهو يقرع الأبواب يعيدك إلى منتصف الدوامة، فترجع تبكي وأنت تضع يديك على صدرك، تفتش عن ذرة هواء وكأن الرياح انتهت، يحدث كل هذا لنا نحن البشر المقهورون، المعطلون حتى عن قول ما يحق لنا وما يؤلمنا، يحدث وهذا مفهوم، لكن ما لا نفهمه هو صمت البلدان العربية والإسلامية على السكاكين التي تُعمل في رقبة شعبٍ أعزل وكريم في سوريا، ليلاً نهاراً منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لماذا نترك هذا الحصان الأشهل وحيداً، يلاحقه البعث المسعور، وتحيط به إيران وضباعها من الجهتين؟ لماذا تتقاذف هذه الحكومات كرة الضمير دون أن تبادر – أو على الأقل واحدة منها - بالوقوف بحزم واضح في وجه القاتل؟ واعيباه!.

http://www.youtube.com/watch?v=LFQyhc85HA0

مهما يطل هذا الخذلان إلا أن أقدار ثورة الشعب في سوريا تختلف عن ملابسات ثورتي الشعب التونسي والمصري، مع كل الإجلال لهما، فهما شرارة الحرية الأولى.. والفارق أن الشعب السوري الآن برمته لا يواجه نظامه الوحشي فحسب، بل يواجه مساومات أمريكا وروسيا والصين وفرنسا، وأكثر من هذا يواجه ميدانياً إيران وحزب الله، يواجه نزغات الطائفية ولعب الاستخبارات من كل جهة، يواجه الجوع والخوف والتهجير والاعتقالات والقتل المريع. حسناً.. إنه قدر الشعب السوري؛ إذا نجح وفعلها.. وقريباً سيفعل، آمين.

==============

عن الديمقراطية كقوة تحرير!

ميشيل كيلو

2011-07-18

القدس العربي

 ما أن يتلفظ مواطن عربي بكلمة ديمقراطية، حتى يسارع حكام عرب كثيرون إلى معاملته على طريقة الزعيم النازي جورنج، الذي قال: ما ان اسمع كلمة ثقافة، حتى أسارع إلى تحسس مسدسي !. المطالب بالديمقراطية في معظم بلداننا العربية إما عميل أو 'أهبل'. إنه عميل اشترته الإمبريالية والصهيونية، أو أهبل يسهل تلاعبهما به، فلا ينفع معه حوار أو إقناع، وينفع ما قاله زعيم ألماني آخر هو الملك فريدريك الثاني: لا دواء للديمقراطيين غير العسكر!.

ومع أن من المفهوم أن تكون الصهيونية قد طالبت النظم العربية بكل شيء إلا الديمقراطية والإصلاح، فإنه يثير العجب أن تكون نظمنا في معظمها مصممة على اعتبار الديمقراطيين طابورا أجنبيا خامسا، والديمقراطية مؤامرة امبربالية / صهيونية ستغرق مجتمعات العرب، المتخلفة والمحتقنة بشتى أنواع المشكلات غير المحلولة وغير القابلة للحل، في العنف، وستفجر دولها، إذا ما تراخت قبضتها الأمنية: حافظة السلام والوئام الاجتماعيين والوحدة الوطنية. في هذا النوع من الفهم، ليست الديمقراطية ولا يمكن أن تكون إلا أكذوبة تفضحها مكوناتها: فهي ' والمجتمعات العربية في حروب أهلية لا نهاية لها!.

بهذا الخطاب، واجهت وتواجه نظم عربية كثيرة المطالبين بالديمقراطية من مواطنيها، وتعتبرهم خارجين على الوحدة الوطنية والقانون، داعين للعنف ولتدمير مجتمعاتهم ودولها، لمصلحة الإمبرياليين والصهاينة. بذلك تنقلب الديمقراطية من نظام هو أكثر النظم التي عرفتها البشرية على مر تاريخها مواءمة للمواطنة، وسيادة القانون، والقضاء المستقل، والعدالة، والحرية، وسيادة الشعب، والانتخاب الحر، والنظام التمثيلي، وتبادل السلطة، والدولة المدنية والفرد الحر إلى دعوة للحرب الأهلية والفوضى والعنف، وينقلب أنصارها ودعاتها من وطنيين يقلقهم كثيرا تدهور أحوال أوطانهم ومواطنيهم طيلة نصف القرن المنصرم، إلى أوغاد ومجرمين يستحقون السجون والمنافي والقتل، لأنهم يطالبون بشيء خطير وفي غير وقته، ليس المجتمع العربي قابلا به أو مؤهلا له، ويدعون إلى شيء جميل بالكلمات ويريدون شيئا آخر قبيحا في الواقع، بدعوتهم إلى الديمقراطية والحرية، التي تحجب رغبتهم في الفوضى وتدمير أوطانهم.

أخيرا، شرع حكام عديدون يقولون: نحن لسنا ضد الديموقراطية، لكن مجتمعاتنا ودولنا ليست ناضجة لتطبيقها بعد. ومع أن هؤلاء يعفون أنفسهم من المسؤولية عن 'عدم نضجها' المزعوم، مع أنهم انفردوا بحكمها طيلة العقود الخمسة الأخيرة وقرروا مصيرها وحدهم ودون العودة إلى مواطنيهم، فإنهم يدعون الرغبة في تحقيق الديمقراطية، ولكن في الوقت المناسب. من جهة أخرى، يزعم هؤلاء أنهم ضد الديمقراطية الملغومة والفورية التي يدعو إليها المثقفون. ويقولون: سنطبق ديمقراطيتنا الرشيدة بمجرد أن تنضج شروط تطبيقها وتخرج مجتمعاتنا من التأخر والتخلف والانقسام. وهم يغضبون إن أنت عزوت التأخر والانقسام إلى سياساتهم وخياراتهم، أو ذكرتهم بأن وجود التأخر والتخلف في مجتمعاتنا، بعد سنوات حكمهم الطويلة، دليل دامغ على فشلهم، وأنه كان يجب أن يدفعهم إلى ترك السلطة لا التمسك بها، خاصة بعد إخفاق وعودهم الكثيرة والمتكررة بالتقدم، ونجاحهم منقطع النظير في كتم أنفاس شعوبهم وتنمية عوامل تأخرها وتخلفها، لأن نظامهم لم ينتج غير التأخر والانقسام وما شابههما من معوقات نشوء وتطبيق الديمقراطية، وأجهز على ما كان متوفرا في مجتمعاتنا من شروط تحقيق الحكم الرشيد والحداثة.

لنقفز الآن من فوق حقيقة معروفة للخاصة والعامة، هي أن النظم الشمولية تثقل كاهل أوطانها بأحمال ضخمة من المشكلات المعقدة، وتنتج بمرور الوقت واقعا يتعاظم تعقيده، بينما تتناقص قدرتها السياسية والأيديولوجية على التصدي لمعضلاته، لذلك تغرق بلدانها في أزمات لا تجد ما تواجهها من خلاله غير خيارات وممارسات فات زمانها، تنبثق من انقلابها إلى نظم تقليدية تزداد رجعية ومحافظة، وتكره التغيير وتقاومه، مهما كان جزئيا ومحدودا، وتعيش خارج عصرها وتفرض على مواطنيها أنماطا ماضوية من التفكير لا تنتمي إلى عالم البشر!.

هذا هو حال الديمقراطية والمطالبين بحكمها عندنا. لوتأملنا الآن ما جرى في قارة أمريكا اللاتينية، حيث دارت معارك هائلة المعاني والأبعاد، استخدمت شعوب متأخرة وشبه محتلة الديمقراطية فيها كأداة للتحرر من سيطرة الخارج الأمريكي، بعد أن فشلت في تحرير نفسها عبر الكفاح المسلح، وشقت بمعونة الانتخابات الحرة دروبا كانت مغلقة مكنتها من استعادة أدوار ومواقف فقدتها منذ زمن طويل.

ومع أن معركة الديمقراطية جرت وتجري هناك في بلدان متأخرة تواجه أزمات معقدة، فإنها لم تتسبب في نشوب أية حرب، أهلية كانت أم خارجية، بل وضعت حدا لما كان دائرا من حروب، بعد أن أوصلت إلى السلطة قوى عجز كثير منها عن الاستيلاء عليها بقوة السلاح (نيكاراغوا على سبيل المثال). تعيش بلدان أمريكا اللاتينية ثورة ديمقراطية حملت إلى السلطة قوى يسارية واشتراكية مناوئة للرأسمالية وصديقة لكوبا، عدو واشنطن اللدود، التي كانت تعتبرها 'حديقة أمريكا الخلفية'.

فهل كان بالإمكان وصول اليسار إلى السلطة بغير الإرادة الشعبية، أي بغير الديمقراطية ؟

وهل كانت أمريكا ستسكت على ضياع جزء كبير من قارة هي حقا حديقتها الخلفية، لو أخذ اليسار السلطة ضد إرادة شعوبها الحرة، ولم تطح صناديق الاقتراع بالحكومات الموالية لها، وتجد نفسها مرغمة على قبول حكومات ونظم اليسار الجديد، لا تستطيع إسقاطها على غرار ما فعلته ذات يوم في تشيلي، حيت أسقطت الرئيس الليندي المنتخب ديمقراطيا ؟. أليس أمرا فائق الدلالة أن هذه الحكومات الديمقراطية هي التي تقيم لأول مرة في تاريخ القارة علاقات ندية مع واشنطن: المقيدة اليدين والعاجزة عن فعل أي شيء، التي تبنت موقفا معاديا من انقلاب عسكري في هندوراس ضد رئيس منتخب، كي لا تستفز شعوب ودول القارة، وتبدو وكأنها تعادي خيارها الديمقراطي؟!.

لماذا تحرر الديمقراطية أمريكا اللاتينية من السيطرة الأمريكية، ومن حكم الطبقات والقوى التقليدية الموالية لها، ومن التخلف السياسي والاجتماعي، ولا يمكنها القيام بالدور ذاته عندنا؟ ألا يكذب ما يحدث هناك ما يقال هنا حول الديمقراطية ؟

وهل يمكن للديمقراطية أن تكون أداة تناسب شعوب أرض الله الواسعة، بينما لا يمكن أن يوجد ما يناسبنا نحن غير الاستبداد، وحرمان مواطنينا من حقوقهم، واضطهادهم وإخضاعهم لإرادة تجافي إرادتهم؟. هل خلق الله غيرنا لينعم بالحرية، وخلقنا نحن لنعيش ونموت عبيدا؟

تثبت الديمقراطية، كما تمارس في أمريكا اللاتينية، أنها نظام الحكم الوحيد القادر على التعبير عن إرادة المواطن وحريته، وأنها دليل على يقظة شعوب مظلومة تستعيد دورها وثقتها بنفسها، وتثق بالقوى والأفكار الداعية إلى المساواة والعدالة والحرية، وتجدد وتعزز مشروعها التغييري، بعد أن كانت 'ثورات 'السلاح والعنف قد أوصلتها إلى قاع العجز واليأس.

تسقط ديمقراطية أميركا اللاتينية خطاب وحجج أعداء الديمقراطية في عالمنا، وخاصة في وطننا العربي، الذي بدأ يلتحق بالركب وقام بثورتين ناجحتين اعتبرتا نموذجا يحتذى للنضال الشعبي، السلمي والمدني، في سبيل الحرية والكرامة، ويواصل كفاحه من أجلهما في أكثر من بلد عربي، مع فرص نجاح لا يستهان تبدو مؤكدة. ألا يؤكد هذا أن من يجنح إلى الحرية والديمقراطية يربح، ولو كان عدوه أمريكا، ومن ينبذها ويعاديها يخسر، كما خسرت نظم عربية بالأمس القريب، وتخسر اليوم أيضا، وستخسر في المستقبل جميع معاركها ضدها وضد الشعب الذي يناضل في سبيلها، لأنها كانت قد خسرت ثقته وولاءه لها!

==============

لا نهاية قريبة في سورية

رأي القدس

2011-07-18

القدس العربي

 يتبادر الى ذهن الكثيرين من الذين يتابعون المشهد السوري هذه الايام ان الاوضاع ربما تكون قد دخلت مرحلة من الجمود، او التكرار بمعنى اصح، متظاهرون ينزلون الى الشوارع والميادين كل يوم جمعة، وقوات امن تطلق النار بقسوة وبهدف القتل. الخلافات بين جمعة واخرى ربما تتمثل في عدد القتلى صعودا او انخفاضا حسب التقديرات غير الرسمية.

الصورة اعمق من ذلك كثيرا، والوضع يشهد اضافات جديدة اسبوعا بعد اسبوع، فالمعارضة تزداد قوة يوما بعد يوم، والنظام يزداد شراسة يوما بعد يوم في المقابل، ويستخدم كل الطرق والوسائل من اجل فرض هيمنته، والاستمرار في السلطة.

عندما نقول ان المعارضة السورية تزداد قوة فذلك يأتي من خلال، اتساع نطاق المظاهرات الاحتجاجية وامتدادها لاكثر من 150 مدينة وبلدة وقرية، وزيادة اعداد المشاركين فيها، فمن كان يتوقع ان يخرج نصف مليون متظاهر في حماة، ومليون تقريبا في مظاهرات الجمعة الماضية في دير الزور وضواحيها ومدن اخرى.

التطور الآخر على صعيد المعارضة هو تكثيف انعقاد المؤتمرات فبعد مؤتمري انطاليا وبروكسل، شهدنا مؤتمرا اوسع تمثيلا من حيث الكم والنوعية ينعقد في مدينة اسطنبول، وتشارك فيه منظمات وجمعيات وشخصيات لم تشارك في المؤتمرين الاولين.

الظاهرة الاخرى اللافتة للنظر تنحصر في امتداد عمليات الاحتجاج الى ايام الاسبوع الاخرى، اي انها لم تعد مقتصرة على ايام الجمع فقط، مما يعني ان حاجز الخوف لم ينكسر فقط، وانما بدأ يتهشم مما قد يشكل قلقا اكبر للنظام وقواه الامنية.

صحيح ان مدنا كبرى مثل دمشق وحلب، حيث تتركز النسبة الاكبر من فئة رجال الاعمال، والطبقة الوسطى، لم تلق بثقلها في الاحتجاجات حتى هذه اللحظة، وتراقب الموقف عن كثب وبقلق لافت، بينما تنحصر مظاهرات الاحتجاج في ضواحيها واريافها، ولكن ربما لا يطول هذا الوضع، لان طبقة التجار والرأسمالية الوطنية تراهن دائما على مبدأ الانتظار، اي انها تريد ان تعرف من هو الفائز في السباق ثم تقرر الانحياز اليه، وطالما ان المعارضة لم تحسم الامور لصالحها حتى الآن، فان الانتظار هو عنوان المرحلة بالنسبة الى هذه الطبقة او الفئة، وقد تتغير الامور اذا ما بدأ النظام يفقد هيمنته، او بالاحرى سيطرته على مقاليد الحكم، ولا يوجد اي مؤشر على ذلك حتى هذه اللحظة.

تدهور الوضع الاقتصادي بسبب الحصار والعقوبات الغربية الاقتصادية المفروضة على سورية قد يلعب دورا سلبيا بالنسبة الى السلطات الحاكمة في المستقبل القريب، فالتعاملات التجارية انخفضت الى النصف في الايام الاخيرة، وربما يستمر هذا الانخفاض في الاسابيع المقبلة، ومعدلات اشغال الفنادق فوق الصفر بقليل في معظم المدن السورية مما يعني ان الموسم السياحي انهار بالكامل.

الولايات المتحدة الامريكية ودول غربية اخرى تراهن حتما على انهيار الوضع الاقتصادي باعتباره اقصر الطرق لانهيار النظام، لانها لا تستطيع التدخل في الوضع السوري عسكريا او حتى سياسيا على غرار ما حدث في ليبيا لعدة اسباب ابرزها رفض المعارضة السورية، او الوطنية منها على وجه التحديد، اي تدخل اجنبي، وقوة النظام السوري على الصعيدين الامني والعسكري، وهي قوة يمكن ان تلحق خسائر بشرية كبيرة في صفوف اي قوات امريكية، لان النظام السوري ليس مثل نظيره الليبي بلا حلفاء. فهناك ايران وهناك حزب الله علاوة على قطاع لا يستهان به من الشعب السوري يقف الى جانبه.

لهذه الاسباب جميعا وغيرها يمكن القول بان الحسم في سورية سواء لمصلحة النظام او لمصلحة معارضيه سيطول اكثر مما توقع الكثيرون.

==============

في مظاهرة المثقفين والفنانين بدمشق

الشرق الاوسط

فايز سارة

19-7-2011

إبان اعتقالي الأخير في نهاية الأسبوع الثاني من انطلاق حركة الاحتجاج والتظاهر، قيل لي إنني كنت أحد المحرضين على التظاهر في إحدى ضواحي دمشق، وقد نفيت أنني فعلت ذلك، وأكدت أنني لا أعرف المنطقة أصلا، وهو أمر دفع المحقق لسؤالي عما إذا كنت مؤيدا للتظاهر، فقلت له إنني أعارض «التظاهر القاتل»، بمعنى أنه إذا كان الاشتراك في مظاهرة يمكن أن يؤدي إلى القتل، فأنا أعارض المشاركة في التظاهر.

غير أن هذه الفكرة في اختبارها السوري أثبتت أنها خارج السياق التطبيقي. فمنذ انطلاق المظاهرات في مارس (آذار) الماضي، صار الموت برصاص الأمن في المظاهرات الشعبية أحد المصائر التي تنتظر المشاركين فيها، والأخف في تلك المصائر هو الإصابات الجسدية غير القاتلة، التي ينجم بعضها عن الرصاص، أو نتيجة الضرب بأدوات مختلفة من قبل عناصر الأمن أو عناصر الشبيحة، وقد يكون الاعتقال بصورتيه المباشرة أو اللاحقة، الذي يأتي بعد المشاركة في التظاهر نتيجة صور يلتقطها أو تقارير يكتبها الوشاة وأعوان الأمن، تتعلق بالمشاركين بالمظاهرات. لقد أدت المظاهرات والاحتجاجات في ال4 أشهر الماضية إلى إصابة آلاف المتظاهرين، بعضهم ماتوا وكثيرون جُرحوا، وبعض هؤلاء أصيبوا بعاهات دائمة، بينما الآلاف من الذين شاركوا في المظاهرات اعتقلوا، وأكثر من هؤلاء مطاردون من الأجهزة الأمنية ومعرضون للاعتقال في أي وقت.

ربما كانت تلك الأوضاع سببا في تأخير المشاركة المباشرة والخاصة لجماعات المثقفين والمبدعين في حركة التظاهر والاحتجاج، التي تواصلت في كثير من مدن سوريا وقراها، لكن هذا لم يمنع كثيرا منهم من المشاركة الشخصية في فعاليات الحراك الشعبي بما فيها المظاهرات، وقد اعتقل بعضهم في الأشهر الماضية في دمشق ومدن وقرى سورية عدة. وقد يكون ذلك بين عوامل أدت إلى تنادي المثقفين والمبدعين السوريين لتنظيم مظاهرة تخصهم بهدف التعبير عن مواقفهم من جهة، وتأييدا للحراك الشعبي في سوريا عشية دخوله شهره الخامس، وتجاوبت مع الدعوة مجموعة من المثقفين بينهم كتاب وصحافيون وفنانون منهم ممثلون ومخرجون في إطار حركة «مثقفين من أجل سوريا».

وبطبيعة الحال، فإن المظاهرة كانت في أحد جوانبها تأكيدا لحضور المثقفين والفنانين في الحراك العام، وتأكيدا لحق المبدعين، كمواطنين سوريين، في التظاهر حسبما ينص عليه الدستور السوري، وهو الحق الذي سُلب من عموم السوريين على مدار عقود، بحيث صار التظاهر «خارج القانون» وعندما تم السماح به في الآونة الأخيرة، جرى تقييده إلى درجة المنع المؤكد، إضافة إلى الأخطار المحيطة بالتظاهر.

وبغض النظر عن الحيثيات المتصلة بدخول المبدعين السوريين حيز التظاهر، فإن ذلك ترافق مع تطور عام، أساسه قيام السلطات بإعلان توجهها نحو الحوار باعتباره نهجا تتوجه إليه في سياق معالجة الوضع القائم، وهو ما ترافق مع عقد الاجتماع التشاوري لهيئة الحوار الوطني برئاسة نائب الرئيس فاروق الشرع، الذي سبق المظاهرة بأيام؛ حيث أقر الاجتماع التشاوري توصيات طالبت النظام بالتوجه نحو دولة ديمقراطية تعددية، السلطة فيها للشعب، دولة محمية بإعلام حر، وانتخابات حرة، الأمر الذي يعني تحولا في معالجة السلطات السورية من مسار الحل الأمني – العسكري إلى مسار الحل السياسي الذي يتطلب وقف العنف والاعتقال ومطاردة النشطاء، وإشاعة الحريات العامة، بما فيها حرية التظاهر، التي تمثل مظاهرة المبدعين من مثقفين وفنانين أحد تعبيراتها، خاصة أن هذه المجموعة أبعد ما تكون عن الاتهام بالعنف والتنظيمات المسلحة والسلفية وغيرها.

لقد قوبلت المظاهرة بإجراءات أمنية مشددة من ناحية إغلاق الطرق المحيطة، ونشر القوى الأمنية على محيط ربع ضلعه مئات الأمتار، إضافة إلى تحشيد رجال أمن وشبيحة في المنطقة، الأمر الذي حوَّل المنطقة إلى ثكنة، واعتقال بعض القادمين إلى المظاهرة بصورة مسبقة. وكلها لم تمنع من تجمهر القادمين للتظاهر في عدة تجمعات ما لبث أحدها أن أطلق المظاهرة بالنشيد الوطني، ثم بالهتاف لسوريا وللحرية قبل أن يتدخل الأمن والشبيحة لتفريق المتظاهرين بالقوة، واعتقال عشرات وتم الاعتداء على كثيرين ضربا بطريقة وحشية.

لقد أكدت تلك الممارسة أن النظام لا يتجه إلى تغيير توجهاته بالسير نحو التحول إلى السياسة بدلا من القوة والعنف؛ إذ أكدت الوقائع ما هو شائع في المعرفة السورية من أن هناك فارقا يصل إلى درجة التباعد بين القول والفعل، وهذا أحد ملامح الأزمة القائمة الآن في سوريا، وقد أضافت الوقائع إلى ما سبق احتجاز المعتقلين والمعتقلات لعدة أيام في الأمن الجنائي، وتم الاعتداء على معظم المعتقلين في فترة اعتقالهم، قبل أن يتم إطلاق سراحهم وإنهاء الفصل الأخير من مظاهرة المثقفين والفنانين في دمشق، التي كانت اختبارا للنظام واختبارا لدخول هذا القطاع دائرة الحراك الشعبي العام.

==============

النظام السوري يتلحف بحزب الله!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

19-7-2011

ارتفعت أول من أمس بدمشق أعلام الدولة السورية جنبا إلى جنب مع أعلام حزب الله الإيراني احتفالا بما سمي ذكرى تولي بشار الأسد منصب الرئاسة، فهل يعقل أن يتلحف نظام دولة بعلم حزب طائفي يسكن زعيمه في أحد الأقبية ببيروت؟

أن يهب النظام الإيراني لمساعدة حليفه الأسد بمليارات الدولارات ليحميه من السقوط، فهذا أمر مفهوم، وإن كان غير مقبول، حيث إننا أمام نظام إيراني قمعي وطائفي يفزع لنظام سوري قمعي وطائفي مثله، لكن أن يصل الأمر إلى أن يبتهج النظام السوري بدعم حزب الله له، فهذا أمر غير معقول، بل هو دليل على الطائفية، والإفلاس. وقد يقول البعض إن رفع علم حزب الله الإيراني في دمشق جنبا إلى جنب مع العلم السوري ما هو إلا رمزية عن تحالف المقاومة والممانعة، لكن هذه الشعارات أكل الدهر عليها وشرب، وثبت زيفها، حيث لم يمانع نظام دمشق، ولم يقاوم. فعندما مانع نظام دمشق اتضح أن ممانعته الوحيدة التي قام بها كانت هي الممانعة في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كيف لا وسوريا هي آخر المعترفين العرب بالدولة الفلسطينية، ورقم 118 دوليا، أي أنها جاءت حتى بعد بعض الدول الأوروبية، فلم يعترف نظام الأسد بالدولة الفلسطينية إلا قبل خمسة أيام!

أما الحديث عن المقاومة، فإن نظام دمشق لم يطلق رصاصة واحدة طوال عقود من أجل تحرير الجولان المحتل من قبل إسرائيل، فقوات النظام السوري مشغولة تجوب المدن السورية لقمع المواطنين العزل، وقتلهم، فقط لأنهم طالبوا بحريتهم! بل الأدهى والأَمَر أن نظام الأسد يتلحف علم حزب الله الإيراني اليوم، وبحضور فنانين لبنانيين، في الوقت الذي بات فيه أربعة من قيادات حزب الله مطلوبين للمحكمة الدولية بسبب اغتيال الراحل رفيق الحريري؟ حزب الله نفسه الذي استخدم سلاحه ضد سنة بيروت يوم احتلها، مثل ما يحتل اليوم لبنان كله ليس بقوة السلاح الإيراني وحسب، بل ومن خلال حكومة شكلها حسن نصر الله؟

بالطبع اللوم ليس على النظام السوري وحده، فمن يفعل بشعبه ما يفعله نظام دمشق اليوم لا يمكن أن نستغرب منه تلحفه بعلم حزب الله، لكن اللوم يقع على كثير من الدول العربية، ومثقفيها وإعلامها، وأكثر، الذين تقبلوا، ومنذ مدة ليست بالبعيدة، فكرة أن تتلحف دولة ما بعلم حزب عميل لإيران، فهل هناك تفتيت، وإفشال، لمشروع الدولة في العالم العربي أكثر من هذا؟ فعندما تنزل الدولة إلى مستوى الأحزاب، بل قل الميليشيات المسلحة، فما الذي يبقى للدولة، ومفهومها، ومفهوم رجال الدولة؟ ولذا سبق أن انتقدنا من قبل بعض المسؤولين العرب، ومعهم الأتراك، الذين ارتضوا لقاء حسن نصر الله بعد أن تم تغطية أعينهم ليؤخذوا إلى مقره، بينما ذهب نصر الله بنفسه للسفارة الإيرانية بلبنان للقاء أحمدي نجاد!

للأسف، كثير بيننا مسؤولون عن إفشال مشروع الدولة، ومفهوم رجال الدولة. وبالطبع من بينهم النظام السوري، وكل من يتعاطف معه!

============================

أين العرب من سوريا؟

تاريخ النشر: الإثنين 18 يوليو 2011

د.خالد الحروب

الاتحاد

العالم كله مشغول بما يحدث في سوريا وفي ثورتها والقمع الذي يتعرض له شعبها. الولايات المتحدة تراقب عن كثب كلينتون تصدر كل يوم تصريحاً ينبي بالقلق الأميركي والمتابعة اللصيقة وتطور الموقف. والاتحاد الأوروبي يلاحق ما يحدث على الأرض ويخرج كل يوم بمشروع أو فكرة أو تصريح. التحركات في مجلس الأمن لا تهدأ للوصول إلى قرار يدين قمع النظام للشعب، ويحاول أن يوقف البطش المتواصل في حق الناس العزل. تركيا أصبحت وكأنها طرف في الثورة السورية: تفتح حدودها للاجئين الهاربين، وتفتح عاصمتها ومدنها لمؤتمرات المعارضة والثورة، وتقف حكومتها بكل يقظة على آخر التطورات. وإسرائيل قبل هؤلاء جميعاً ترسم السيناريوهات البديلة وتتحسب لكل نهاية وتعمل مع الولايات المتحدة من دون كلل لتضمن مصالحها وتحاول دفع رياح التغيير باتجاه أشرعتها. كل هذه الأطراف تندفع من منطلق المحافظة على مصالحها بكل تأكيد، سواء أكانت تأييداً للثورة أم تأييداً للنظام أم مجرد الحياد وانتظار النتيجة. ولكن أكثر هذه الأطراف، وفي سياق إعادة ترسيم شكل مصالحها تلك، تزعم أنها تبني سياستها بناء على انحياز للشعب السوري وثورته ومطالبه المشروعة. وفي كل حالة من حالات المواقف المختلفة يمكننا اختبار مدى جدية هذا الزعم أو الخداع الذي يحتوي عليه. ولكن المهم في كل ذلك أن إرادة الشعب السوري الصلبة وثورته المتواصلة التي تدخل شهرها الخامس أجبرت كل الأطراف حتى أكثر المتحالفين مع النظام القائم على تغيير موقفهم. وأحد الدروس البليغة التي أفرزتها الثورات العربية، وتؤكدها الثورة السورية الآن، هو أن إجبار المواقف الغربية على تفكيك تحالفاتها التقليدية والإمبريالية مع بعض الأنظمة يمكن أن يتحقق والطريق إلى تحقيقه هو الإرادة الشعبية.

أما الطرف الوحيد الذي يبدو وكأنه يعيش على كوكب سياسي آخر إزاء ما يحدث في سوريا فهو النظام العربي و بعض الحكومات العربية العتيدة، حيث تتمسك بالجمود في مواجهة حرارة ودموية وتاريخية وخطورة ما يحدث في سوريا. كأن ما يحدث في سوريا، وضد شعبها، ليس في قلب المنطقة العربية وعلى حدود أكثر من دولة عربية، كما أن نتائجه ستؤثر في كل الوضع العربي. وبذلك يُترك الشعب السوري في مواجهة آلة النظام وحده وينتشر صمت مطبق في عواصم العرب. والتحرك الوحيد الذي أظهره النظام العربي تمثل في الزيارة التي أداها نبيل العربي، أمين الجامعة العربية الجديد، لدمشق وللأسد ليُنقل عنه تصريحات تفيد بأنه ليس من حق أحد نزع شرعية النظام الحاكم هناك. نبيل العربي الذي جاءت به ثورة شعبية نزعت شرعية نظام مبارك، وساندها العالم كله خضوعاً لإرادة المصريين القوية، لم تصدر عنه كلمة تأييد أو حتى تضامن مع الشعب الذي يطحن يوميّاً في المدن والحواضر السورية. ولكن العربي، وللإنصاف، لا ينطق عن نفسه بل عن نظام عربي عام.

ولكن هذا المنطق على ما فيه من واقعية بشعة لا يلغي الحقيقة المرة وهي أن الشعب السوري وثورته يُتركان لكل الأطراف الأخرى ولتدخلاتها ولتأثيراتها ولرسم طبيعة التحالفات المستقبلية. ولذا تُسجل هذه الأطراف نقاطاً لحسابها من خلال تأييدها المصلحي للثورة الشعبية لأن الساحة خالية والغياب العربي مذهل. ولأن الثورة، أية ثورة، تحتاج إلى كل أنواع الدعم، خاصة السياسي والدبلوماسي، فإن التسرع باتهامها واتهام قيادتها بهذه التهمة أو تلك فيه نزق سياسي. ماذا تفعل الثورة السورية والشعب السوري إزاء تخلي العرب والأنظمة العربية عنهم؟ هل يعتذرون للنظام عن انتفاضاتهم ويقولون له أخطأنا وسنعود إلى بيوتنا حتى تعود كما كانت الحال طوال العقود الأربعة الماضية وأكثر؟ نعرف جميعاً أن سيرورات الأحداث الكبرى تنفر من الفراغ السياسي والقيادي، وأي فراغ حادث يتم ملؤه بسرعة بآلية تشبه فيزياء الأواني المستطرقة. وعندما يغيب العرب في إقليمهم هم، وفي منطقتهم هم، وفي سوريا الخاصة بهم، فإن ذلك الغياب ليس إلا دعوة مفتوحة لكل القوى الخارجية كي تتدخل وتؤثر في مسار الأحداث. والشيء الغريب هو أن عقيرة العرب، وبعض الرسميين على وجه الخصوص، سرعان ما ترتفع عندما تتدخل الأطراف الأخرى لأن مستوى القمع وإسالة الدماء تجاوزت قدرة الجميع عن التعامي عنها. لا يقدم العرب أي حل، ولا يحتضنون الثورة السورية حتى تبقى في الفضاء العربي مصلحيّاً واستراتيجيّاً ومستقبليّاً، ولا يفتحون عواصمهم حتى لاستضافة مؤتمرات المعارضة السورية، طاردينها إلى خارج المنطقة العربية، ثم يتصايحون بعد ذلك كله ضد "التدخل الخارجي". وهذا يشير إلى بروز مسار جديد يشق طريقه مع الثورات العربية على العموم، فارضاً نفسه على مرأى منا جميعاً ومعه مقادير كبيرة من الغموض والحيرة، ألا وهو موقف وعلاقة الغرب من، ومع، هذه الثورات. فهناك من ناحية التقصير العربي المريع في احتضان هذه الثورات، وهو طبعاً احتضان لا يمكن أن يتم، وهناك من ناحية أخرى حاجة هذه الثورات للدعم والمساندة. وخلاصة ذلك تتمثل في محاصرة هذه الثورات بالمعادلة المستحيلة: عليها أن تواصل الثورة والتعبير عن إرادة الشعب، ولكن من دون غطاء أو دعم عربي، وعليها أيضاً أن ترفض أي دعم خارجي، بل وعليها أن ترفض كذلك مجرد التأييد اللفظي الخارجي وخصوصاً الغربي. فإن حدث وأن صدر تصريح غربي هنا أو هناك ليقف مع حقوق الشعب السوري فإن الثورة السورية تصبح متهمة بأنها عميلة للغرب. ولا أحد يقلل من عمق التجربة التاريخية المريرة مع الغرب في المنطقة، التي جوهرها الشك (المنطقي في أغلب الأحوال) في أي موقف غربي إزاء أية قضية في المنطقة. ولكن علينا الانفكاك من تعميم تسيس ساذج وطفولي في الوقت نفسه. فطوال عقود طويلة كان انتقادنا الأكبر للسياسة الغربية يقوم على أنها تتحالف مع بعض الأنظمة ضد الشعوب لتحقيق مصالحها. وكانت المطالبة الدائمة بوجوب احترام الغرب مصالح الشعوب العربية والتعامل معها وليس مع بعض الأنظمة لتحقيق المصالح المشتركة كما هو منطق السياسة. أما الآن فنحن أمام مرحلة جديدة، هي أن الشعوب تفرض على السياسة الغربية أن تفكك تحالفها القديم والتقليدي مع بعض الأنظمة وأن تتعامل مع الإرادة الشعبية. وعندما يبدأ هذا في الحدوث نتوتر ونقول إننا لا نريد أن يؤيد الغرب الثورات العربية، نريده أن يؤيد بعض الأنظمة -وهذا يحتاج إلى مقاربة منفصلة. ولكن كل الدمار الذي قد يصيب أي تحول إيجابي في المنطقة مرده إلى التكلس العربي والجمود وعدم الفعل الجماعي.

=================

حيرة سورية

ساطع نور الدين

السفير

18-7-2011

عندما تقول وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون إن الوضع في سوريا مثير للحيرة، فإنها لا تقر بنقص في معلومات واشنطن، انما بفيض هذه المعلومات، التي يقدم النظام ومعارضوه كل يوم دليلاً على دقتها، وعلى انهم يسيرون في طريق أكثر تعرجاً وتعقيداً من الطرق التي يسلكها التونسيون والمصريون او حتى الليبيون واليمنيون، في سعيهم الى تغيير أنظمتهم السياسية.

حيرة اميركا هي دليل لا شك فيه على ارتباك موقفها من الانتفاضة الشعبية السورية، الذي شهد الاسبوع الماضي فقط ثلاث صيغ مختلفة تماماً، وردت تحت بند الإعلان ان الرئيس بشار الاسد فقد شرعيته، وهو إعلان نسبته كلينتون الى وجهة النظر الاميركية قبل ان يعود الرئيس باراك اوباما لتصويبه وإحالته الى الشعب السوري نفسه، وهو ما عادت وزيرة الخارجية الى الالتزام به وتوضيحه باعتباره استنتاجاً مستمداً من ذلك الشعب.. قبل ان تنأى عما يجري في سوريا وتصفه بأنه غير واضح المعالم ولا يمكن لأحد التأثير فيه، لان كثيرين، حسب تعبيرها، كان يحدوهم الامل في ان يقوم الاسد نفسه بالاصلاحات الضرورية، وهو ما لم يحصل، ولأن احداً لا يعلم كيف ستتمكن المعارضة السورية من قيادة تحركها وتحديد مجالات هذا التحرك.

واذا جاز اختصار هذا الموقف الاميركي فإنه يمكن الزعم ان واشنطن تقف الآن على حافة اليأس من النظام، الذي ارتكب ولا يزال يرتكب يومياً من الأخطاء التي لم يكن احد يتصورها، سواء في حملاته الامنية او مسرحياته السياسية، كما انها في المقابل تقف على حافة الامل بالمعارضة التي لا تزال تستمد قوتها ومصداقيتها وجاذبيتها من اخطاء النظام بالتحديد، من دون ان تبرهن حتى الآن على استعدادها لتكون البديل المنشود، سواء في منع الاختراقات الامنية او في ضبط المهازل السياسية.

هذه الحيرة الاميركية تختزل موقف مختلف دول العالم، العربية منها والاجنبية، التي لا تصدق الكثير مما تشاهده من استعراضات القوة المتبادلة بين النظام وبين معارضيه. بعضها مثير للشفقة وبعضها الآخر مثير للسخرية، لكنها كلها تنبئ بان سوريا تسير نحو مأزق امني وسياسي صعب، ليس ناجماً عن موازين قوى متساوية بين طرفي الازمة، بل عن افتقار كل منهما الى التوازن، ويغرق الجميع في دوامة التظاهرات والمذابح والجنازات، ويتبارز الجميع في مؤتمرات في الداخل والخارج لا تسمع فيها كلمة واحدة مفيدة، ولا تخرج منها فكرة واحدة مجدية.. ولا تقدم على خطوة واحدة تزداد إلحاحاً يوماً بعد يوم.

النظام السوري اختار الانتحار بوعي وتصميم، لكن المعارضات السورية اختارت كما يبدو أن تتفرج من بعيد، من دون أدنى حس بالمسؤولية عن شارع يغلي، وكان يترقب أن يأتيه من مؤتمر اسطنبول بخاصة ما يعادل تضحياته وما يوازي إنجازاته وما يترجم على الاقل تجربة حماه النموذجية بسلميتها ومدنيتها الى برنامج عمل وطني، يتجاوز المقولة التاريخية عن أن سوريا بلد يصعب حكمه لأن كل سوري يعتبر نفسه حاكماً!

=================

نبيل العربي والمعجزة السورية

معن البياري

الدستور

18-7-2011

فرضَ ثوارٌ شبّانٌ مصريون نبيل العربي وزيراً للخارجيةِ في بلدِهم، فمكثَ أَسابيعَ في هذا الموقع، بانت في أَثنائِها بعضُ كفاءَته السياسيّةِ الثمينة، ثمَّ أُخِذَ أَميناً عامّاً لجامعةِ الدول العربية، فخسرتْهُ الخارجيةُ المصريّةُ ولم تكسَبْه الجامعةُ، ما لا يعودُ إِلى شخصِه، بل إِلى طينةِ الجامعةِ ومواضعاتِ أَدائها. وحين يقولُ في دمشق، بعد لقائِهِ، الأَربعاءَ الماضي، الرئيس بشار الأَسد، إِنَّه ليس في استطاعةِ أَحدٍ أَنْ ينزعَ الشرعيَّةَ عن أَيِّ رئيسٍ عربيٍّ، وإِنَّ هذه مسؤوليةُ الشعب، فإِنه، في ذلك، يَصدُرُ عن اختصاصِه خبيراً مكيناً في القانون الدولي. أَمّا حين يقولُ إِنَّه سعيدٌ بتأكيدِ الأَسد أَنَّ سورية دخلت مرحلةً جديدة، وتسيرُ، الآن، في طريقِ الإصلاحِ الحقيقي، فإِنه يُزاولُ وظيفتَه الجديدةَ التي لا تجعلُ في وُسعِه أَنْ يقولَ غير ما قال، ولا تتيحُ له، مثلاً، زيارةَ أَيٍّ من أَهالي ضحايا التقتيلِ الكثير في هذا البلد، فيسمعَ منهم ما إِذا كانوا يشعرونَ بالإِصلاحِ الحقيقيِّ الذي تمضي إِليه بلادُهم. ولا تبيحُ له صفتُه أَميناً عامّاً لجامعةِ الدولِ العربيةِ أَنْ يزورَ اللاجئين السوريين في خيامِهم في الأَراضي التركية، ليسأَلَهم عمّا إِذا كان الإصلاحُ الذي تحدَّثَ عنه سيجعلُهم يقتنعون بمسارعةِ العودةِ إِلى منازلِهم في بلدِهم.

قُتْلُ ثلاثين سورياً في يومٍ واحد، وتسعةٌ في يومٍ تلاه، شأْنٌ سوريٌّ داخليٌّ، وإِنْ تُعلِّق عليه هيلاري كلينتون، أَو يراه نيكولا ساركوزي أَمراً غير مقبول، وليس من مألوفِ علاقاتِ الأَنظمةِ العربية ببعضِها أَنْ يستوقفَ مسؤولاً عربياً في أَيِّ مطرح. لهذا، كان سمْتُ نبيل العربي، وهو يقولُ الذي قاله في دمشق، عن الإِصلاح الحقيقي، قبل يومين من قتلِ السوريين الثلاثين، بارداً، فلم يكن واجماً ولا فرِحاً، وهو يُشْهِرُ ما سمعَه من مضيفِه. وتالياً، لم يكن المتظاهرون في جمعةِ أَسرى الحريَّةِ على حقٍّ في مفاجأَتهم بمسلك الرجل، حين نددوا به في يافطاتٍ رفعوها، تستنكرُ سعادتَه بما أَبلغَه به الأَسد، فقد غفلوا عن أَنَّ الرجلَ يعملُ أَميناً عامّاً لجامعةِ الدول العربية، فلا يمكنُه أَنْ يقعَ على شيءٍ من «المعجزةِ السورية» الباهرة، والتي من تفاصيلِها الدأْبُ المدهشُ من شبانٍ وشيوخٍ ونساءٍ في كلِّ محافظاتِ بلدِهم على الهتافِ بسقوط النظام، فيما يُواجَهونَ بالرّصاصِ الحيِّ من أَجهزةِ التنكيل المختصّة وشبّيحتِها. يواصلون شجاعتَهم التي لا شططَ في وصفِها بأَنَّها معجزة، في ساحاتٍ وشوارعَ وميادينَ وزقاقٍ وحاراتٍ كثيرة، وفي بال كلِّ فردٍ منهم أَنَّ دوساً بالبساطير قد يلحقُ به، كما صارَ مع أحمد بياسي، وأَنَّ إِذلالاً قد يُمارَسُ عليه، كما الذي فعلوه مع الشيخ الضرير أَحمد صياصنة، بعد قتلِ ولدين له، وأَنَّ انتهاكاً مروِّعاً لحياتِه قد يُنهيها، كما الذي ارتكبوه مع الفتى حمزة الخطيب، أَو ذبحاً قد يجزّونَ فيه حنجرتَه، كما الذي اقترفوه مع إِبراهيم قاشوش.

مشكلةُ نبيل العربي، الخبيرُ القانوني الاستثنائي، والوزير الوطني النظيف، أَنَّه نُفيَ إِلى جامعةِ الدولِ العربية أَميناً عامّاً لها. ولهذا، يستحيلُ عليه أَنْ يعرفَ أَنَّ معجزةً سوريةً باهرةً تحدُث، يصنعُها ثوارٌ يُحبّون بلدَهم ويُريدونَها حرّةً، وقويةً بقيمِ العدالةِ والحق، كما ثوارُ مصرَ الذين أَرادوا نبيل العربي وزيراً للخارجية، لكنَّ آخرين أَرادوه في مطرحٍ آخر، أَلزمَه بكلامِ بائِسِ أطلَّ فيه من أَمام القصر الرئاسيِّ في دمشق علينا، نحن شعوب الدولِ الأَعضاءِ في جامعةِ الدول العربية.

=================

معركة المصير الإيرانية في سوريا

ياسر الزعاترة

 الدستور

18-7-2011

لم يعد ثمة شك في أن الحضور الإيراني في معركة النظام السوري ضد شعبه قد تجاوز كل الحدود، ولم يتبق سوى أن تشتبك عناصر الحرس الثوري الإيراني أو فيلق القدس مع المتظاهرين في الشوارع، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن، والأرجح أنه لن يحدث، خوفا من تداعياته السياسية لا أكثر.

في سوريا اليوم تحضر إيران بأموالها (صحيفة «لس أكوز» قالت إن المرشد خصص 5.8 مليار لدعم نظام الأسد، مع ضخ 290 ألف برميل من النفط يوميا)، كما تحضر بأسلحتها وخبرائها في المعركة، والسبب بالطبع واضح كل الوضوح، إذ أن الإنجازات التي حققتها إيران خلال ثلاثة عقود من الجهود المضنية ستغدو في مهب الريح في حال سقط نظام بشار الأسد الذي يعد ركنا أساسيا في مشروعها الإقليمي.

إذا سقط نظام الأسد، سينكشف ظهر حزب الله الذي تتصاعد نبرة العداء له في أوساط السنّة اللبنانيين، وسيتصاعد أكثر بعد القناعة الشعبية بتورطه (أو تورط رموز من داخله) في اغتيال الحريري. كما أن الحضور الإيراني في العراق لن يتواصل بنفس الوتيرة، ونعلم أن تدخلا عابرا من تركيا وبعض العرب في الانتخابات الأخيرة كان على وشك تهديد الاحتكار الشيعي للعملية السياسية. وتبقى الأقليات الشيعية في الخليج، تلك التي ستتراجع نبرة تحديها لأنظمتها في حال تراجع النفوذ الإيراني، وسيكون الوضع أفضل إذا تطورت المعادلة الخليجية الداخلية نحو صيغة مواطنة ترفع الظلم عن المظلومين أيا كان مذهبهم.

من الواضح أن نظرة إيران للنظام السوري تتجاوز التحالف السياسي إلى التحالف الطائفي، وإن كانت السياسة هي الأقوى، ونعلم أن حافظ الأسد نفسه كان قد طلب من بعض مراجع الشيعة أن يعملوا على تشييع بعض مشايخ العلويين، وهو ما كان، لكن بقاء الطائفة على حالها لن يغير في حقيقة أنها تصنف الأقرب للشيعة قياسا بالسنّة.

في الحالة السورية ضُبطت إيران، ومعها حزب الله ومعظم مراجع الشيعة ورموزهم متلبسين بالتناقض السافر، فإذا كان الشيعة في البحرين أغلبية في دولة ملكية لا يأخذون فيها سياسيا سوى أقل من النصف (هذا في البرلمان، مع حضور محدود في المؤسسات الرسمية الحساسة ولا ننسى الجدل المستمر حول النسب)، فإن السنّة في سوريا هم الغالبية الساحقة، بينما لا تتجاوز نسبة العلويين حدود ال 12 في المئة في أعلى التقديرات، ومع ذلك فالأقلية هي التي تتحكم بالأكثرية، وذلك في دولة جمهورية تحكمها عائلة على نحو أسوأ من أية دولة عربية أخرى.

نرفض المنطق الطائفي، وننحاز إلى حرية الاعتقاد ومبدأ المواطنة، ونحن مع حقوق الشيعة في البحرين وسواها، لكن ما تفعله إيران في سوريا مرفوض بكل المقاييس، وكل ما يقال عن حكاية المقاومة والممانعة ليس له قيمة في واقع الحال، سواءً جاء من ساسة إيرانيين، أم من رموز حزب الله، لأن من يعتقد أن نظام بشار الأسد ينحاز للمقاومة والممانعة، بينما ينحاز الشعب السوري للخارج المعادي ظالم من دون شك.

في المقابل يجدر القول إن أولوية الذين يحشدون ضد إيران هي دفع شعوبهم نحو الكف عن المطالبة بالإصلاح، والتركيز على التصدي للمشروع «الصفوي»، وترى بعضهم لفرط التناقض يلتقون مع إيران في دعم النظام السوري، فقط لأنهم لا يريدون لمسلسل الثورات الشعبية أن يستمر في طريق النجاح.

اليوم تضع إيران كل ثقلها وراء النظام السوري، لكنها تنسى أن ذلك سيجيش الشارع العربي والإسلامي (السنّي) ضدها، وسيسعّر حروب الطوائف على نحو لن يكون في صالحها على الإطلاق.

ليس من مصلحة إيران أن تتجاوز الحد في طموحاتها، ومن الأفضل أن تكون دولة قوية يحترمها الجميع، من دون أن يشعروا بالخوف منها أو الوجل من مخططاتها، واليوم تبدو إيران في حالة تناقض مع تركيا التي تأخذ من المعركة السورية موقفا أقرب إلى الشارع، وإن أبقى على خيط العلاقة مع النظام، وعندما يصل الحال بمصدر إيراني (يتحدث لصحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله) حد تهديد تركيا باستهداف القواعد الأمريكية فيها إذا تدخلت (أنقرة) عسكريا في سوريا، فذلك يعني أن المعركة بين القطبين الإقليميين قد تصاعدت نبرتها بعد مرحلة من التفاهم امتدت لسنوات.

سيقول البعض إن سقوط النظام السوري قد يعني نهاية محور المقاومة بطبعته المعروفة، الأمر الذي لا يبدو صحيحا بالكامل، وبالطبع لأن القوى الحية في الأمة التي شكلت العناصر الأساسية في المحور المذكور لم تغير برنامجها، بل ربما منحته زخما جديدا بعد الثورات العربية، ما نجح منها، وما هو في طريق النجاح، لكن محور الاعتدال قد تهاوى أيضا بنهاية نظام مبارك، مع إمكانية تطور الحضور والدور المصري في المنطقة، على نحو ينافس الكبار من جهة، ويتعامل مع الكيان الصهيوني بروحية مختلفة من جهة أخرى. والنتيجة هي بروز حالة جديدة ربما تكون أفضل، أقله في المدى المتوسط.

إنها فرصة لكي يعود للإقليم توازنه بالمحاور الثلاثة، العربي والتركي والإيراني، ولا شك أن القواسم المشتركة بينها كبيرة، وفي مقدمتها العداء للمشروع الأمريكي الصهيوني الذي يريد لهذه الأمة أن تبقى دولا ومحاور ومذاهب متناحرة، والحليف بالنسبة إليه هو التابع بصرف النظر عن دينه أو مذهبه، واللافت أن من يُحسبون على أهل السنّة هم الأقرب إليه مع الأسف، لكن ذلك لن يتواصل، وما جرى في مصر وتونس هو المقدمة، والباقي سيتبع بإذن الله.

=================

المسلمون متعصبون والمتظاهرون خونة!: ايديولوجية الواحد.. واختزال التاريخ

خلود الزغير

القدس العربي

18-7-2011

ليسَ هناك كالمتنوعِ المتعدّدِ خطرٌ يُهدّدُ سلطةَ المستبد العنصري. لذلك يشترك المستعمر والحاكم المستبد بممارسة سياسة الاختزال الأيديولوجي على فئات وجغرافية الوطن - بعد عزلِهِ ظاهراً أو باطناً- ومن ثمّ سياسة التعميم لتلك التنميطات 'St'r'otypes' التي أسقطها على فئات الشعب، مدعوماً بوسائل إعلامه ومثقفيه.

فهل كانت سورية بحاجة لثورة حرية وكرامة تكسر جدار الخوف الأربعيني عن قلبِها وعقلِها ليكتشف أبناؤها جمال مدينة سورية اسمها حماه؟ وليشرع بعضهم بقراءة موضوعيّة ومتأخّرة لسيرة حياتها؟ ربما.. نعم.

حين وصول النظام السوري الحالي للسلطة عام 1970، عبر حركته 'التصحيحيّة' قاصداً من هذه التسمية إطلاق حكمٍ قيميٍّ على المرحلة السابقة بكونها 'خاطئة' في تاريخ سورية، وهو حكمٌ أيديولوجي، لمرحلة تعتبر من أكثر مراحل سورية تنوعاً وغنىً وتعدديّة، عَمِلَ على طيّ صفحةٍ من تاريخ وطن دون السماح لأحدٍ من السياسيين أو المثقفين بدراستها أو نقدها، بل فقط بشتمها وتصويرها ب'جاهليّةِ' سورية الحديثة مقابل مدح مرحلة 'التصحيح' بقيادة الحكم الحالي الحكيم. بدأت سورية بأجيالها الجديدة تعيش حالة من التجهيل السياسي الفعليّ من خلال فرضِ أيديولوجية الواحد سواء عبر البعث بشكله الجديد، أو من خلال المنظور الإتهامي للآخر أيّاً يكن، أو عبر التعمية على حقب تاريخية والإنارة لأخرى. بحيث نجد في سنوات ما بعد عام 2000 طلاب جامعات سوريين كُثر عاجزين عن ذكر اسم رئيس سوري أو اثنين قبل حافظ الأسد!! أو إننا لا نجد لديهم فكرةً عن طبيعة الحراك أو التكتلات السياسية في مرحلة ما بعد الاستقلال حتى استلام النظام الحكم وكيف استلم.

ببساطة اختُزِل تاريخُ سورية مدرسياً واعلامياً واجتماعياً وسياسياً بالاستقلال ثم بمرور عابر على الوحدة مع مصر، يأتي هذا على حين غفلة وكأنه حدثٌ معلقٌ بالفراغ فلا نعرف كيف تم ولماذا فشل، لنُبَاغت بالتصحيح المبارك. عدا ذلك من مراحل وأسماء وأحزاب وصراعات سياسية اعتبرته أيديولوجية النظام زوائد يستحسن إسقاطها من الذكر.

ما حصل في حماه يأتي ضمن هذا النوع من الممارسات الاختزالية للنظام، فمنذ عام 1982 اختُزلَ الشعب السوري في حماه بالإخوان المسلمين الإرهابيين وتم تعميم هذه الصورة في الوعي الشعبي الاجتماعي والسياسي السوري لثلاثة عقودٍ دون استثناءات واضحة تذكر. بحيث تركت منهجية النظام بممارسة العقوبات الجماعية، ابتداءً من المدرسة مع طلاب الصف المدرسي عند ارتكاب أحدهم خطأ ما إلى سكان المدن، انطباعات تعميمية مُرسّخة لدى الرأي العام من قبيل كل حموي = اخواني.

تحت ثقل رعب الدولة الأمنية وتحكم إعلامها في ذلك الوقت كانت عملية تعميم هذا الاختزال لأهل حماه في باقي المدن السورية أمراً ليس بالصعب، حتى أنّ بعضهم لم يعرف حقيقة ما جرى إلاّ متأخراً.

تاريخ حماه حاضرها ومستقبلها حوصر واختزل في أفعال جماعة من بضعِ مئات بقيادة عدنان عقلة المتطرف تلميذ الشيخ مروان حديد الإخواني، هذه الجماعة سمت نفسها 'الطليعة المقاتلة' وقامت بعصيانٍ مسلحٍ ضد النظام وارتكبت جرائم بحق المواطنين والجيش والنظام.

أسئلة منطقية تطرح نفسها (كان النظام طبعاً يعتقل أو يقتل من يفكر بطرحها):

أما كان أجدر بالدولة أن تلاحق وتعتقل هؤلاء المسلحين وتقدمهم للعدالة أمام الشعب بدلاً من هدم ثلث مدينة على سكانها، بكلِّ ما فيها، وقتل واعتقال ما يقارب الثلاثين ألف إنسان من أطفال ونساء وشيوخ ورجال، ممارسةً أبشع المجازر في التاريخ من قتل جماعي وفردي واغتصاب وتعذيب لم تعرفه العصور الوسطى؟

هل كل منتمٍ لجماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت كان مع فصيل 'الطليعة المقاتلة'؟

هل كل الحمويين إخوان مسلمون؟

والسؤال الأهم من هي حماه قبل صعود هذا التيار السياسي فيها 'الإخوان' في تلك الفترة التاريخية وبعده؟

لن نعود لتاريخ المدينة الذي يبدأ قبل الميلاد، بل لنلقي ضوءاً سريعاً على ما اختُزل ولم يُعمّم من تاريخ حماه، هكذا تصبح مظاهراتها المليونية اليوم تُقرأ كاستمرارية لإرثٍ ثوريٍّ قديم وليس حقداً على جرحٍ حديث. فهي حماه التي تشكلت فيها طلائع الحركات الشعبية في أواخر العهد التركي من التجار ورجال الدين المتنورين والمثقفين الذين تخرّجوا من جامعات الأستانة قادمين بتطلعاتهم القومية التحرّرية وهمومهم الشعبيّة ضدّ تحكّم ونفوذ العائلات الإقطاعيّة المسيطرة في المدينة آنذاك، ليشكل شبابها حركاتهم الثورية ذات الطابع السياسي والاجتماعي معاً.

حماه 1925 وثورة فوزي القاوقجي ومنير الريس ومظهر السباعي والوطنيين الذين رفضوا دعوة 'أعيان' المدينة لتأجيل الثورة للخريف حتى يتم جمع المحاصيل عن البيادر وفضّلوا إعلان الثورة بأسرع وقتٍ ممكن 5/10/1925 لتخفيف ضغط القوات الفرنسية على جبل العرب، الذي كان يقود معارك حامية ضد الفرنسيين. حيث وجد الثوار الحمويون أنه لا ينقذ الثورة في جبل العرب سوى نشوب ثورة أخرى في منطقة حساسة من البلاد. وعلى الرغم من أنّ ثورة حماه أُجهضت بالنهاية لكن تضحيات أبناءها لم تذهب هباءً فكان من ثمراتها إيقاع خسائر كبيرة في صفوف الجيش الفرنسي، وإنقاذ ثورة الجبل وإخراجها من صيغتها المحلية إلى ثورة وطنية عامة، والأهم حجم الرعب الذي أنزلته في قلوب الفرنسيين. فبعد انسحاب حملة غاملان من جبل العرب لقمع ثورة حماه بناءً على طلب المفوض السامي الفرنسي الجنرال ساراي تمكن الثوار في الجبل من التقاط أنفاسهم وتوسيع هجماتهم خارج الجبل إلى مناطق الغوطة والقلمون.

حماه 1936 واضراب الستين يوماً المطالب بالإستقلال، حين شاركت حماه دمشق احتجاجها وتظاهراتها بصمودها الخارق ليسقط من أبنائها ثمانية شهداء في اليوم الأول فقط.

حماه ثورة 24 آذار 1945 التي انطلقت تنشد الاستقلال متجلّيةً بطابعٍ وطني تحرّري حافظت عليه بوعيٍ وحرصٍ رغم محاولات الاستعمار حينها اللعب على الأوراق الطائفية عبر الشائعات والمؤامرات بين أطيافها المتنوعة. لكنها خاضت معاركها المشرّفة تحت هدفٍ واحد هو التحرر من الاستعمار ونيل الحرية في معاركها التي قال فيها الجنرال باجيت قائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط بعد توقف إطلاق النار: 'إننا أنقذنا الأهلين في سوريا من الجيش الفرنسي إلاّ في حماه أنقذنا الفرنسيين من الأهالي'.

حماه الثائرة لم تتوقف مظاهراتها بعد الاستقلال، فسرعان ما بدأت نضالها الداخلي على صعيد معركة الحريات، حيث شهدت أعنف المظاهرات في 24/ 9/1946 استنكاراً للمرسوم (50) الذي احتوى تضييقاً على حرية التعبير والصحافة والأحزاب. ووقعت المدينة عرائض بخمسة آلاف توقيع تطالب بتعديل قانون الانتخاب ليصبح على أساس الدرجة الواحدة وقد تم ذلك في جو من المظاهرات الشعبية الضاغطة التي عمّت سورية. كتبت آنذاك جريدة 'البعث' التي كانت مُعارضة وثورية: 'لا يُذكر النضال العربي إلاّ ويرتسم اسمُ حماه أمامنا تعبيراً قوياً عن استبسال شعبنا الأبيّ ضد الاستبداد. وها هي حماه تهبُّ اليوم لتحطيم بقايا العهد الاستعماري المتمثلة بقانون الانتخاب الرجعي'. 25/4/1947.

بعد حكم البعث تُختزل حماه، المتنوعة سياسياً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والمتعددة ثقافياً ودينياً وفكرياً وفق أيديولوجية البعث أيديولوجية الواحد، بمرحلة من تاريخها السياسي ظهر فيها تيار ديني/سياسي متطرف، ويصبح الجزء عاماً عبر تعميمه. ويحاكم الكل بخطأ الجزء ويحمل صفته هو وأجياله اللاحقه. إن رد الفعل القاسي والمبالغ فيه تجاه تطرف هذا التيار الفئوي وشكل العقاب الجماعي لمدينة بأسرها بحيث أصبحت الدولة تلقي شكوكها على كل من هو حموي في ذلك الحين عبر المراقبة والمعاقبة، كرّس وعمّم في الوعي السوري صفة الجزء على المكون الحموي العام. بحيثُ تُنسى أسماء مثل أكرم الحوراني والشاعر نجيب الريس من تاريخ حماه وتعمم مُسلّمات من قبيل أهل حماه اخونجية متعصبون. مسلّمات أنتجتها وعمّمتها أيديولوجية النظام كتنميطات خالصة ناجزة لكل فئة ليسهل عزلها عن الأخرى. فيسود عند معظم الأقليات السورية أنّ كل مسلم = متعصب، ولدى المسلمين السوريين أنّ كل علماني = كافر، والآن يُعمّم لدى الموالين للنظام أنّ كل متظاهر = خائن مخرب.

إنه ذات الوعي وذات الأيديولوجية التي تعمل على اختزال تعدديّة الآخر ليسهل تسويقه معرفيّاً ومن ثمّ تحجيمه والحد منه.

الماضي يعود اليوم، سياسة المستعمر والحاكم المستبد هي ذاتها، من خلال الثورة التي تُخْمَدُ مدينة تلو مدينة. وعبر الاجتزاء والإختزال الذي يفرض على طبيعة الحراك الشعبي للانتفاضة السورية وعلى المتظاهرين ليسهل تصنيفهم وتعميم حكم عليهم وتحجيم حراكهم أمام الرأي العام.

تتغير سورية منذ الثمانينات .. تتغير حماه .. تزداد شباباً وتنوعاً وغنىً سياسياً مع تغير العالم، تعود كما كانت أرضاً خصبة للتظاهر والاحتجاج والشهداء.. وتبقى في عين النظام 'واحد'.

=================

العربي و«بئس القول» في دمشق!

الإثنين, 18 يوليو 2011

جميل الذيابي

الحياة

هل كانت زيارة الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية نبيل العربي إلى دمشق لمؤازرة نظام الأسد أم لمواساة الشعب السوري أم لمساندة «الشبيحة» على تقطيع أوصال الثورة؟ هل ذهب العربي إلى دمشق خجولاً أم وصل عجولاً؟ لماذا لم يجد العربي جملة مفيدة يقولها للشعب السوري ومن ورائه شعوب عربية «غاضبة» خلال زيارته للأسد إلا القول بأن «الجامعة العربية ترفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية ولا يحق لأحد سحب الشرعية من أي زعيم عربي لأن الشعب هو من يقرر ذلك»، في رد على تصريحات البيت الأبيض بأن الأسد «فقد شرعيته».

ماذا كان يسمع العربي ويشاهد على الشاشات التلفزيونية ويقرأ في الصحافة ووكالات الأنباء عما يفعل نظام الأسد بالشعب السوري وبماذا يطالب المحتجين، أليس برحيل الأسد ونظامه وتفكيك حزبه؟ هل أراد العربي التجاهل أو التذاكي أو التغافل عما يحدث في المدن والبلدات السورية من إراقة للدماء البريئة؟

للأسف الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية صوَّب المسدس على رؤوس المتظاهرين «المسالمين» في سورية في أول زيارة إلى دمشق بعدما تسلَّم مهماته «العروبية» في جامعة لا حول ولا قوة لها إلا الكلام فقط.

لقد كانت الشعوب العربية تنتظر من العربي قولاً سديداً ورأياً حكيماً يصون الأنفس ويحفظ الكرامة ويدافع عن المطالب المشروعة للشعب السوري والشعوب العربية الأخرى وينتقد الممارسات «البعثية» و»العبثية»، وإذا به يقلب الآية رأساً على عقب. حضر العربي إلى دمشق لا ليقف إلى جانب المطالب الشعبية بل ليجامل حزب البعث ويتجاهل ممارساته القمعية والوحشية ويسجِّل زيارة رسمية «كرتونية».

«هزلت يا عربي» قالها المتظاهرون في الشارع السوري للأمين العام الجديد قبل أن يغادر مطار دمشق بعدما سمعوا ما قال وعاد خالي الوفاض. كان السوريون ينتظرون أن يسأل العربي بشار الأسد بأي ذنب يُقتلون ويُسحلون ويُركلون ويُهجَّرون وتهدُّ بيوتهم على رؤوسهم ويودعون في السجون، وإذا به يتجاهل الشعب «الثائر» ويجامل النظام الحاكم.

«هزلت يا عربي» ستُقال ليس للعربي وحده، بل ستُقال بالفم المليان لكل من لا يقدر الشعوب ورغباتها وحقوقها وأمنها وكرامتها وحريتها.

لا تحسب للعربي «عروبته» عبر تسويق «مخدر» الشعارات القومية التي سئمت الأجيال من نفثها وتكرارها والبطون خاوية والحقوق ضائعة، ولن يغفر التاريخ (للأمين الجديد) مجاملة نظام الأسد والتماهي «بصمت» مع شبيحة نظامه وقتل المتظاهرين. ألم يكن العربي من بين الذين رفعوا الصوت انتقاداً ضد نظام حسني مبارك وندَّد بقتل المتظاهرين في بلاده خلال ثورة 25 يناير لماذا لا يفعل الشيء نفسه في دمشق؟ إلا يعلم العربي أن نظام مبارك «جنة» إذا قورن بنظام الأسد؟ لماذا لم يستنكر العربي تصريحات مسؤولي البيت الأبيض عندما دعوا مبارك إلى التنحي فوراً. هل هناك فوارق في مواد الجامعة العربية بين التدخل الأميركي في شؤون القاهرة أو دمشق؟ أليست التصريحات الأميركية الموجَّهة للجمهوريات العربية واحدة وإن اختلف الزمان والمكان ودرجات الأسبقية في البرقية «البيضاوية»؟ هل يعرف العربي كم قتل «شبيحة» الأسد حتى اليوم من المواطنين الأبرياء؟ أليس القتلى بالمئات والجرحى بالآلاف وبينهم نساء وأطفال؟ هل يعرف كم عدد النازحين والمهجَّرين «قسراً» الفارين من جحيم آلة الجيش العسكرية و «شبيحة النظام»؟ هل يعرف عدد المعتقلين والمعذبين في السجون السورية في قضايا الرأي العام؟ هل يعرف ماذا فعل «شبيحة» النظام بالطفل حمزة الخطيب وكيف نكَّلوا به وشوَّهوا جثته ومعه أطفال آخرون؟ هل يعرف العربي ماذا فعل نظام الأسد، بحنجرة إبراهيم قاشوش، بعد تأليفه أغنية، «يلا ارحل ارحل يا بشار»، وكيف ذبحوه بطريقة همجية وشقوا حنجرته بالسكين من الوريد إلى الوريد، ومزقوا جسده بالرصاص ثم رموه في نهر العاصي.

الشعوب العربية المظلومة والمكلومة بحاجة إلى كل الوقفات المؤيدة لحقوقها وحريتها وكرامتها وعزتها سواء من البيت الأبيض أو قصر الاليزيه أو داوننغ ستريت أو غيرها، في ظل «صمت» و «غياب» العواصم العربية عن استنكار ما يحدث في سورية من آلة عسكرية وأمنية ونظام لا يرحم، يقتل الشعب ويحرق الجلود ويقطع الحناجر بالخناجر ويحفر المقابر للمئات ويفتح السجون للآلاف.

أعتقد أن أخف كلمة تقال لنبيل العربي من الشعب السوري «الثائر» رداً على موقفه الأخير «بئس ما قلت» فقد فشلت في أول زيارة عمل رسمية في مهمتك الجديدة، ويجب أن ترحل مع الراحلين ولا حاجة لمن يجامل الأنظمة القمعية ويقف ممانعاً أمام الثورات الشعبية المطالبة بالإصلاحات والحريات ضد سلاطين الظلم والطغيان.

=================

تهشم الجليد في سورية

خالد الغنامي

عكاظ

18-7-2011

من يتابع ما يحدث اليوم في سورية سيلاحظ تهشم المزيد من جليد الخوف الذي كان يغطي الطبقة الخارجية للأرض السورية، واستبياع الكثير من السوريين من أجل معركتهم. يشهد على ذلك رقم المعارضة الذي نراه يتزايد وتكبر مساحته، وأعداد المدن التي اصطفت مع المعارضة. والسبب الرئيس المباشر في التحول الأخير -من وجهة نظري- هي طريقة النظام السوري في التعاطي مع مطالب الثوار، فقد قابل نظام البعث الذي يحكم سورية، الأحداث بالتجاهل التام لما يحدث والخروج على الناس بخطاب إعلامي يحاول استغفال الرأي العام بالحديث عن (شبيحة) يقتلون الناس ويهددون أمن سورية والكل يعلم أن هؤلاء الشبيحة ليسوا إلا رجال النظام السوري نفسه. إذن فنحن أمام نقطتين مهمتين جعلتا الحوار بين النظام والثوار مستحيلا؛ الأولى هي الدم وتزايد المطالبة بالثأر، فقتل المزيد من الناس لن يخمد ثورة السوريين، بل سيزيد من سعيرها أكثر، وكلما تضخم رقم القتلى، أصبح الرجوع مستحيلا أكثر. فعلاج المشكلة بالقمع والسلاح بدلا من أن يؤدي لنتيجته التي تصورها النظام، أدت إلى تحطيم حاجز الخوف والرعب الذي عاشه السوريون على مدى العقود الطويلة الماضية وأصبحت سورية كلها لا ترى إلا الثأر والنصر أو الموت في سبيل ذلك. النقطة الثانية هي الاستخفاف بالعقول الذي يمارسه الخطاب الإعلامي المليء بالاستغفال مما يجعل كل محاولات الحوار تفشل، فالحوار لا يقوم إلا على الثقة المتبادلة والثقة هنا معدومة، ولا دليل على أدنى حد من النوايا الحسنة. لذلك لم تبق وسيلة للتعبير عن الموقف سوى الاستمرار في المطالبة بإسقاط النظام، خصوصا أن أولئك المتحاورين في دمشق لا يحظون بتمثيل حقيقي في الشارع، إذ معظمهم ينتمون لأحزاب بائدة انضوت منذ زمن بعيد تحت مظلة النظام بعد انحسار مدها وغياب شمسها. المظاهرات اليوم أصبحت مليونية، وهناك حديث عن انشقاقات في الجيش وانحياز المزيد للمعارضة، وهذه نتيجة طبيعية تماما، فسقوط المزيد من الجثث لن يرفع معنويات الموالين للنظام، بل حتى هؤلاء سيصيبهم الملل واليأس مع الوقت، لكل هذا يبدو أننا في الجزء الأخير من مسرحية حزب البعث السوري.

==========================

رسالة الزعيم نيلسون مانديلا إلى ثوار تونس ومصر..استحضروا قول نبيكم:اذهبوا فأنتم الطلقاء

نور نيوز 18/7/2011

نلسون روهلالا ماندلا

هوانتون –جوهانزبيرغ

إخوتي في تونس ومصر

أعتذر أولا عن الخوض في شؤونكم الخاصة، وسامحوني إن كنت دسست أنفي فيما لا ينبغي التقحم فيه.

لكني أحسست أن واجب النصح أولا.

والوفاء ثانيا لما أوليتمونا إياه من مساندة أيام قراع الفصل العنصري يحتمان علي رد الجميل وإن بإبداء رأي محّصته التجارب وعجمتْه الأيامُ وأنضجته السجون.

أحبتي ثوار العرب.

لا زلت أذكر ذلك اليوم بوضوح. كان يوما مشمسا من أيام كيب تاون. خرجت من السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة آلاف عام.

خرجت إلى الدنيا بعد وُورِيتُ عنها سبعا وعشرين حِجةً لأني حلمت أن أرى بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد

ورغم أن اللحظة أمام سجن فكتور فستر كانت كثيفة على المستوى الشخصي إذ سأرى وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن، إلا أن السؤال الذي ملأ جوانحي حينها هو:

كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلا؟

أكاد أحس أن هذا السؤال هو ما يقلقكم اليوم. لقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير

وهو سؤال قد تحُدّد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم.

إن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم.

فالهدم فعل سلبي والبناء فعل إيجابي.

أو على لغة أحد مفكريكم – حسن الترابي- فإن إحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل

أنا لا أتحدث العربية للأسف، لكن ما أفهمه من الترجمات التي تصلني عن تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس تشي بأن معظم الوقت هناك مهدر في سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء، كما يبدو لي أن الاتجاه العام عندكم يميل إلى استثناء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة.

ذاك أمر خاطئ في نظري.

أنا أتفهم الأسى الذي يعتصر قلوبكم وأعرف أن مرارات الظلم ماثلة، إلا أنني أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة، فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج. فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة الأمينة وغياب التوازن. أنتم في غنى عن ذلك، أحبتي.

إن أنصار النظام السابق ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن أنتم في غنى عنه الآن

عليكم أن تتذكروا أن أتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد، فاحتواؤهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة، ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائيا ثم إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات ما بعد الثورة.

أعلم أن مما يزعجكم أن تروا ذات الوجوه التي كانت تنافق للنظام السابق تتحدث اليوم ممجدة الثورة، لكن الأسلم أن لا تواجهوهم بالتبكيت إذا مجدوا الثورة، بل شجعوهم على ذلك حتى تحيدوهم وثقوا أن المجتمع في النهاية لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته

إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير.

أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعا واسعا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق،

لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت “لجنة الحقيقة والمصالحة” التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر.

إنها سياسة مرة لكنها ناجعة

أرى أنكم بهذه الطريقة– وأنتم أدرى في النهاية- سترسلون رسائل اطمئنان إلى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير، كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات القائمه من طبيعة وحجم ما ينتظرها.

تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا ركزنا –كما تمنى الكثيرون- على السخرية من البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع القصص النجاح الإنساني اليوم.

أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”

===================

أربعة شهور على الثورة.. سوريا على مفترق طرق

مسار الثورة السورية سيكون أطول نسبيًا من مسار الثورات العربية الأخرى، حتى تلك التي استمرت شهورًا مثل ليبيا واليمن (الجزيرة)

مركز الجزيرة للدراسات 16/7/2011

في منتصف هذا الشهر، يوليو/تموز، تكمل الثورة السورية شهرها الرابع؛ فما بدأ حراكًا شعبيًا محدودًا ومتفرقًا، بين مدينة وبلدة وأخرى، تحول إلى مظاهرات شعبية حاشدة تضم مئات الألوف في بعض الحالات وعشرات الألوف في معظمها. وما بدأ دعوة للإصلاح ومطالب محلية وفئوية، تحول إلى دعوة صريحة إلى إسقاط نظام الحكم والتغيير الجذري.

 

وكما في أغلب الدول العربية التي تشهد حراكًا ثوريًا جماهيريًا، يعود هذا التطور الكبير في مسار الثورة الشعبية السورية إلى تباطؤ النظام في الاستجابة لمطالب الشعب، وإلى العنف البالغ الذي وظّفه لإخماد الحراك الشعبي، وإلى مزاج تغييري عام يجتاح المجال العربي.

 

وقد شهدت الأشهر الأربعة الماضية تبلورًا متزايدًا لقدرة القوى الشعبية وقوى المعارضة السورية التقليدية على تنظيم نفسها. كما شهدت افتراقًا واضحًا في مواقف القوى الإقليمية من الثورة السورية. وإضافة إلى ذلك، شهدت تصاعدًا في المواقف الدولية، سيما الأورو-أميركية، من النظام وسياساته. فكيف يمكن تقييم الوضع الراهن للثورة السورية؟ وإلى أين يمكن أن يمضي التدافع، الدموي أحيانًا، بين القوى السياسية والشعبية، من جهة، ونظام الحكم، من جهة أخرى؟

 

الحراك الشعبي

تواصل القوى الشعبية السورية التعبير عن معارضتها للنظام وسياساته في أغلب المدن السورية؛ وقد أظهرت قدرة فائقة على الاستمرار. وإن كانت المدن التي تتعرض لاقتحام أمني–عسكري، كما حدث في درعا وبانياس واللاذقية وحمص وحماة، تهدأ قليلاً، إلا أنها سرعان ما تعود إلى الشارع بوتيرة أعلى من السابق. وبالرغم من أن تقارير أفادت بوصول أعداد المعتقلين إلى 15 ألف معتقل، وأن القوات العسكرية التي نشرها النظام في أنحاء سوريا، إلى جانب وحدات الأمن ومجموعات الميليشيات الموالية للنظام، بلغت عشرات الألوف من الجنود و3000 دبابة وسيارة مدرعة، فإن التظاهرات الشعبية في تصاعد، سواء على مستوى عدد المدن والبلدات، أو على مستوى الجموع المشاركة فيها.

 

وإضافة إلى أيام الجمعة، التي أصبحت الموعد التقليدي للتعبير الجماهيري الأكبر كل أسبوع، فإن الأمسيات السورية أخذت تشهد العديد من المظاهرات في مدن مختلفة.

 

والواضح أن الحراك الجماهيري السوري بات أكثر تنظيمًا، وأن ما يُعرف بالتنسيقيات المحلية هي الآن أكثر استقرارًا وقدرة على تجديد نفسها كلما تعرض بعض عناصرها للاعتقال. وتساهم مواقع الإنترنت السورية مساهمة رئيسية في تحديد جدول الفعاليات وشعاراتها؛ ولكن التنسيقيات المحلية لا يجمعها إطار واحد.

 

ولم يزل عنصر الضعف الرئيس في الحراك الجماهيري، العجز عن دفع مدينة حلب، ومعظم أحياء العاصمة دمشق، إلى المشاركة، بالرغم من الجهود التي بذلها النشطون السوريون خلال الشهر الماضي في مدينة حلب على وجه الخصوص. وإن كان ثمة أحياء محدودة من حلب تشهد مظاهرات أسبوعية، ولكن المدينة التجارية–الصناعية الأكبر في سوريا، ذات الميراث السياسي الكبير والدور البارز في رسم مستقبل البلاد، لم تُلقِ بثقلها بعد في فعاليات الثورة.

 

الأمور في دمشق تختلف قليلاً؛ ففي أحياء مثل القابون وركن الدين والميدان، والقدم والحجر الأسود، ثمة حراك جماهيري كبير بالفعل. ولكن هذا الحراك ليس كافيًا بعد لتأمين موقع احتجاجي دائم مثل ميدان التحرير في القاهرة وميدان التغيير في صنعاء. وليس ثمة شك في أن النظام يدرك عمق وحجم التحدي الجماهيري الذي يواجهه؛ وهذا ما دفعه إلى تنظيم مظاهرات موالية في دمشق ومدن أخرى، يُعتقد أن أغلب المشاركين فيها من موظفي الدولة أو أعضاء حزب البعث، وإلى تعظيم السيطرة الأمنية في دمشق وحلب.

 

قوى المعارضة

بدأت حركة تنظيم قوى المعارضة السورية بعقد مؤتمر أنطاليا في بداية يونيو/حزيران، الذي ضم قطاعًا واسعًا من تيارات المعارضة السورية في الخارج، ثم تلاه عقد مؤتمر آخر بمدينة بروكسل (6 يونيو/حزيران)، غلبت عليه السمة الإخوانية. وفي مطلع يوليو/تموز، تنادت شخصيات معارضة مستقلة داخل سوريا للقاء عُقِد بفندق سميراميس، ترأَّسه الأكاديمي منذر خدام وضم عددًا من المثقفين والكتاب المعارضين. وقد أفادت تقارير بأن النظام لم يسمح بعقد اللقاء قبل أن يتأكد من مشاركة عدد من الموالين له؛ ولكن اللقاء انتهى على أية حال ببيان لم يكن لصالح النظام.

 

وخلال أيام من عقد لقاء فندق سميراميس، قام النائب في مجلس الشعب، محمد حبش، بعقد لقاء قال عنه: إنه يمثل الكتلة الثالثة، التي لا تتفق بالضرورة مع المعارضة أو النظام. ولكن الواضح أن لقاء حبش كان المقصود به توفير فرصة أخرى للنظام.

 

كما أعلن المعارض السوري القومي حسن عبد العظيم (10 يوليو/تموز) عن تشكيل الهيئة التنسيقية لقوى التغيير الديمقراطي، ضمت ممثلين عن أحزاب وشخصيات مستقلة، من داخل البلاد في الأغلب ومن خارجها أيضًا، عُرفت بتوجهها العلماني–الليبرالي.

وقد تداعت مجموعة معتبرة من 45 شخصية سورية من كافة الاتجاهات والخلفيات السياسية، أغلبها من داخل البلاد، إلى عقد مؤتمر إنقاذ وطني، منطلقة من فرضية أن سوريا تمر بمنعطف تاريخي، وأن النظام فقد بالفعل شرعية الحكم وأصبح مجرد طرف في ساحة سياسية تعج بالقوى، وأن حوار القوى جميعًا هو من سيحدد مستقبل سوريا.

 

دعا الموقعون على بيان مؤتمر الإنقاذ، الذي سرعان ما وجد تأييدًا من مئات آخرين، إلى عقد المؤتمر في العاصمة دمشق. ولكن المرجح، بعد أن تجاهل النظام كليًّا الاستجابة لهذا المطلب، أن يُعقد المؤتمر في مدينة إسطنبول في 16 يوليو/تموز، لاسيما بعد أن وصل الحقوقي المعارض الأبرز، هيثم المالح، الذي أُعلن عن ترؤسه المؤتمر، المدينة التركية فجأة.

 

يشير هذا الحراك السياسي السوري الواسع إلى حياة جديدة ضختها الثورة السورية في الساحة السياسية، بعد أن عملت سيطرة حزب البعث على الدولة والسياسة إلى تهميش وإضعاف كافة القوى السياسية السورية. ولكن تعددية الأطر التي تضم قوى المعارضة، تطرح سؤالاً مهمًا حول ما إن كان للمعارضة أن تتفق في النهاية على الحديث بصوت واحد، أو ما إن كان واحد من تجمعات المعارضة المتعددة سيبرز في النهاية باعتباره التيار الرئيس، أو ما إن كان تعدد قوى المعارضة سيفسح مجالاً للنظام لاحتواء بعض من أجنحتها.

 

النظام

ما إن مرت لحظة المفاجأة الأولى، وما أن أدركت قيادة النظام أنها تواجه حراكًا شعبيًا يصعب السيطرة عليه، حتى طورت إستراتيجية عمل من مقاربتين: ترتكز الأولى على استمرار عمليات القمع الأمني-العسكري في كافة أنحاء البلاد، سيما المدن والمناطق التي تشهد الحراك الجماهيري الأشد؛ والثانية على الإعلان عن خطوات إصلاح قانوني ودستوري، تنفذ على مدى شهور، وبدون جدول زمني ملزم. هذه الازدواجية في سياسة النظام كانت أحد أهم أسباب فقدان الثقة الكبير الذي بات يحيط بالعلاقة بين النظام والشعب، من جانب، والنظام وأغلب قوى المعارضة السياسية وشخصياتها المستقلة، من جانب آخر.

 

مقاربة القمع الأمني لم تُجدِ نفعًا حتى الآن، سوى في محاصرة التحركات الشعبية في حلب وعدد من أحياء دمشق. وقد أصبح شرط إيقاف حملات القمع وإطلاق المعتقلين أحد أبرز شروط قوى المعارضة للانخراط في حوار مع النظام حول مستقبل البلاد، وأخذ مقاربته للإصلاح مأخذ الجد. ولكن النظام لم يكترث لهذه المطالب، وتصرف منذ البداية وكأن مسار الإصلاح الذي يقوده مستقل كلية عن مناخ القمع، وعن موقف قوى المعارضة والجماهير المنخرطة في التحركات الشعبية.

 

بدأ النظام -كما هو معروف- بإلغاء قانون الطواريء، وتشريع قانون للتظاهر السلمي، ولكن كلا القانونين لم يتركا أثرًا ملموسًا على المقاربة الأمنية-العسكرية. أما حجر الزاوية في مقاربة الإصلاح فكان الإعلان عن عقد مؤتمر حوار وطني، شكّلت له هيئة إعداد خاصة، برئاسة نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع. وقد دعت الهيئة لعقد لقاء تشاوري أولي، استمر من 10-12 يوليو/تموز، والتحق به زهاء 180 من الشخصيات المستقلة والحزبية. ولكن، بخلاف واحد أو اثنين من المشاركين، غلب على المؤتمر طابع الولاء للنظام أو الاهتمام بإصلاحات جزئية. وقد أعلنت كافة أطياف المعارضة تقريبًا وكل اللجان التنسيقية للثورة مقاطعتها للقاء ورفض الحوار في ظل المناخ الحالي المسيطر على البلاد.

 

انتهى اللقاء التشاوري بصدور بيان لم يترك أثرًا ملموسًا على الحراك الشعبي وقوى المعارضة، ضم مجموعة من المباديء العامة التي تتعلق بالحريات وسيادة القانون وضرورة الحفاظ على الاستقرار وهيبة الدولة. كما أكد على ضرورة أن يتناول المؤتمر المنشود للحوار الوطني وضع دستور جديد للبلاد، وسن قوانين تنظم الإعلام والتعددية السياسية.

 

ما يتركه موقف النظام من انطباع حتى الآن أن مقاربة الإصلاح التي يتبناها ليست جادة ومقنعة، وأن ما قُرِّر منها لم يغير شيئًا في الطبيعة الأمنية للحكم، وأن التباطؤ الملموس في خطواتها يُقصد به كسب الوقت لا أكثر، سواء لتوفير فرصة كافية للأجهزة الأمنية لاحتواء الحراك الشعبي، أو لتخفيف الضغوط الإقليمية والدولية على النظام.

 

بيد أن النظام يواجه تحديات أخرى قد تكون أبلغ أثرًا على المدى البعيد في إضعافه. أولى هذه التحديات، أن استمرار الحراك الجماهيري يوقع إنهاكًا ملموسًا بالقوى الأمنية والعسكرية الموالية، التي أخذت تشهد انشقاق أعداد متزايدة من الضباط والجنود. الثاني: أن مقدرات البلاد المالية والاقتصادية هي أصلاً ضعيفة، وأن الشلل شبه الكامل في النشاطات الاقتصادية والصناعية والسياحية يجعلها أكثر ضعفًا. ويُتوقع أن تصل الأوضاع المالية-الاقتصادية إلى حافة الخطر قبل نهاية العام الحالي إن استمرت وتيرة الحراك الجماهيري على ما هي عليه، وأخفق النظام في الحصول على مساعدات ملموسة من الخارج. أما إن التحقت حلب، ودمشق بكليتهما، بعجلة الثورة، فستبدأ ملامح الانهيار الاقتصادي في الظهور قبل ذلك.

 

المواقف الإقليمية والدولية

لم تزل خارطة المواقف الإقليمية بدون تغيير يُذكر منذ الأسابيع الأولى للثورة: فلم تزل إيران وحلفاؤها في الإقليم -سيما حزب الله في لبنان والقوى السياسية الشيعية في العراق- تقف بصورة واضحة إلى جانب النظام، وتؤكد على مصداقية نواياه الإصلاحية. وتتزايد التقارير التي تفيد بوجود دعم إيراني لوجستي وقيادي للجهود السورية الأمنية والعسكرية المستهدفة قمع الانتفاضة وإخمادها. بل إن تقارير أخرى تفيد بوجود دعم إيراني لنظام القذافي يستهدف إطالة أمد الأزمة الليبية، لمنع الاستفراد الدولي بنظام الرئيس الأسد.

كما أن النظام السوري يجد تعاطفًا في الأوساط العربية القومية التقليدية، وإن كانت هذه الأخيرة محدودة الحجم والتأثير في الشارع العربي؛ فأغلبية الشارع العربي في الحقيقة تقف إلى جانب الحراك الشعبي السوري وترى فيه امتدادًا لحركة الثورة العربية المستمرة منذ بداية العام.

تركيا، التي استقبلت عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين الفارين من بطش أجهزة النظام، لا تبدو أنها حزمت أمرها بعد. فمن ناحية، تتعاطف تركيا مع الشعب السوري ومطالبه، ومن ناحية أخرى تمارس طغوطًا متنوعة من أجل دفع الرئيس الأسد إلى تبني خطوات إصلاحية جادة. ومن الواضح أن الثقة بين دمشق وأنقرة قد تدهورت إلى حد كبير، ولكن ليس ثمة مؤشر على صحة التقارير القائلة بأن أنقرة تخطط لإقامة منطقة آمنة للاجئين على الأرض السورية، يحميها الجيش التركي؛ إذ لم يصل تدفق اللاجئين السوريين على تركيا إلى حد الأزمة الإنسانية، كما لا تأمن قيادات حكومة العدالة والتنمية رد الفعل العربي على مثل هذه الخطوة.

 

والمؤكد أن تطور الموقف التركي من الوضع السوري يتعلق بعدة أمور: باستمرار الحراك الجماهيري والآثار المترتبة عليه داخليًا، وبحجم التدخل الإيراني في الشأن السوري، وبحجم التفاعل الشعبي العربي، وبتطور المواقف الدولية، سواء في مجلس الأمن أو في واشنطن وموسكو.

عربيًا، تشير دلائل عديدة إلى أن الدول العربية، سيما الخليجية مثل الإمارات والسعودية، التي بنت سياستها على أساس بقاء النظام في أسابيع الثورة الأولى، باتت أقل حماسًا له الآن، وتركت بالتالي الحرية لوسائل إعلامها لمتابعة الأزمة السورية بدون قيود ملموسة؛ ففي الكويت، على وجه الخصوص، يتصاعد الدعم الشعبي للثورة السورية، سيما في الدوائر الإسلامية. والأرجح أن دول الخليج لم تصل بعد إلى تأييد إطاحة النظام، ولكنها بالتأكيد تسعى إلى تركيعه سياسيًا. في صورة عامة، وبالرغم من أن تصريحات الأمين العام الجديد للجامعة العربية، نبيل العربي، في نهاية زيارته دمشق في 13 يوليو/تموز، جاءت لصالح النظام، إلا أن أغلب العواصم العربية الرئيسية ينتابها قلق متزايد من تعمق العلاقات السورية-الإيرانية، ومن احتمال ارتهان سوريا للدعم الإيراني.

دوليًا، تصاعد الموقف الأميركي في صورة ملموسة بإعلان وزيرة الخارجية الأميركية فقدان نظام الرئيس الأسد للشرعية، وهو الموقف الذي جاء بعد أقل من أسبوعين على ترحيب إدارة أوباما بانعقاد لقاء سميراميس، واعتباره خطوة إيجابية. والواضح أن التصعيد الأميركي جاء ردًا على هجمات جموع موالية للنظام على السفارتين الأميركية والفرنسية، مباشرة بعد زيارة سفيري البلدين لمدينة حماة يوم الجمعة 8 يوليو/تموز. وقد أكَّد السفير الأميركي في دمشق، الذي يلعب دورًا رئيسًا في بلورة موقف بلاده من الأزمة السورية، بعد زيارته حماة على سلمية الحراك الشعبي، مكذبًا ادعاءات النظام بوجود عصابات مسلحة في التجمعات الشعبية. من جهة أخرى، كان الفرنسيون قد اتخذوا موقفًا أكثر حدة من النظام وسياساته منذ فترة مبكرة، وعملوا من البداية على تمرير قرار أممي لإدانته وفرض عقوبات محدودة عليه.

 

بيد أن من الواضح أنه مهما بلغ الموقف الغربي من تصعيد، فإن أقصى ما تستطيعه القوى الغربية هو اللجوء إلى إيقاع مزيد من العقوبات أو تصعيد الضغط الحقوقي والأخلاقي-السياسي. أوراق القوى الغربية في سوريا ذاتها محدودة إلى حد كبير؛ وربما كان لبنان، خاصرة سوريا الأضعف، الساحة الأكثر تعرضًا لممارسة ضغوط غربية ملموسة على دمشق. ولكن تشكيل حكومة لبنانية موالية لسوريا وإيران يجعل النافذة اللبنانية محدودة في الوقت الراهن.

 

ما يقف أمام المساعي الغربية لتمرير قرار أممي ضد النظام، لم يكن فقط تردد واشنطن قبل إعلان وزيرة الخارجية الأخير، وإنما الموقفان الروسي والصيني المعارضان لمثل هذا القرار، بالرغم من أن الصيغة المطروحة على مجلس الأمن تعتبر صيغة ضعيفة وغير كافية من وجهة نظر المعارضة السورية. وقد حاولت قوى المعارضة السورية تذليل الموقف الروسي المعارض بزيارة موسكو والالتقاء بشخصيات برلمانية روسية، بهدف إظهار حسن نية المعارضة تجاه العلاقات السورية-الروسية في المستقبل. ثمة مؤشرات على أن تغييرًا ما آخذ في التبلور في الموقف الروسي، ولكن أحدًا لا يتوقع تغييرًا كافيًا بدون عقد صفقة أميركية-روسية مسبقة.

 

الثورة السورية بعد أربعة شهور

خارجيًا، تشكل الأزمة السورية عقدة يصعب حلها أو التعامل معها؛ فمن ناحية، بات من المؤكد خسارة إيران وحزب الله في الشارعين العربي والسوري؛ ولكن لا إيران ولا حزب الله يمكنه التخلي عن الحليف الإستراتيجي الوحيد في المشرق. وتدرك تركيا أن سوريا تمثل الامتحان الأكبر لسياستها العربية في حقبة ما بعد الثورات الشعبية؛ وبالرغم من أن تركيا تقترب بحذر بالغ من المسألة السورية، فإن هذا الحذر قد يصبح بحد ذاته محددًا سلبيًا. وفي ضوء تدهور وضع الدولة السورية المالي-الاقتصادي، ستقف دول الخليج العربية هي الأخرى أمام امتحانها السوري؛ بمعنى أن تقرر ما إن كانت ستمد يد العون للنظام وتخسر شعبها والشعوب العربية، أو تترك أزمة النظام تتفاقم، بدون أن تطمئن تمامًا لما إن كان سيسقط في النهاية ويخلفه نظام صديق ومستقر.

أما القوى الدولية، فبالرغم من الخلافات التي تمنعها من تطوير موقف موحد، فليس من المؤكد إن كانت تمثل عاملاً فاعلاً في تحديد مستقبل الأزمة السورية، حتى إن نجحت في التوافق على صيغة قرار أممي؛ لذا لم يزل المحدد الأكبر لمستقبل سوريا هو توازن القوى بين النظام، من جهة، والحراك الشعبي وقوى المعارضة، من جهة أخرى.

والواضح أن ميزان القوى الشعبي قد مال ضد النظام بصورة كبيرة في الأشهر الأربعة الماضية، خاصة خلال الشهرين التاليين للحملة الدموية ضد مدينة درعا ومحيطها الريفي. وربما بات من الممكن القول: إن النظام لم يعد قادرًا على هزيمة أو احتواء الحراك الشعبي. مشكلة النظام الرئيسة الآن هي إقناع الشارع وقوى المعارضة بمصداقية مشروعه الإصلاحي، واستعداده لإجراء تغييرات عميقة في جسم النظام السياسي والأمني والدستوري. لتعزيز هذه المصداقية لابد من وقف العمليات الأمنية والعسكرية، ووضع نهاية لاستخدام السلاح ضد المتظاهرين. ولكن النظام يخشى أن يؤدي تراجع آلته الأمنية-العسكرية إلى تعاظم الحراك الشعبي وخروج حلب ودمشق عن سيطرته. وهنا تقع معضلة النظام الكبرى.

 

على المستوى الجماهيري، لم تزل حلب، بدرجة كبيرة، ودمشق، بدرجة أقل نسبيًا، تشكلان التحدي الرئيس لقدرة الحراك الشعبي وقوى المعارضة على توكيد طابع الثورة الشعبية الشاملة، وعلى تهديد أسس بقاء النظام. أما على مستوى بنية الدولة، فتواجه المعارضة تحدي بقاء المؤسستين الأمنية والعسكرية على ولائها للنظام حتى الآن، بدون أن تبرز حركات انشقاق واسعة النطاق في المؤسستين. ولم يزل على المعارضة بذل جهود أكبر لتطمين الطائفة العلوية والأقليات المسيحية بأن تغييرًا سياسيًا في سوريا لن يؤثر سلبًا على وضعهما وعلى تقاليد المواطنة السورية. أما على مستوى بنية المعارضة ذاتها؛ ففي حال أخفقت قوى المعارضة السياسية في التوافق على تحالف واسع والحديث بصوت واحد، فليس من المستبعد أن ينجح النظام في احتواء قوى وشخصيات من بينها.

ما تشير إليه هذه التعقيدات المتداخلة، في النهاية، أن مسار الثورة السورية سيكون أطول نسبيًا من مسار الثورات العربية الأخرى، حتى تلك التي استمرت شهورًا مثل ليبيا واليمن. وكلما طال أمد التدافع بين الشعب وقواه السياسية والنظام، زادت مخاطر الصراعات الأهلية والتشققات الطائفية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ