ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 21/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

فقط في سوريا .. السلطة تحاور السلطة

المستقبل - الاربعاء 20 تموز 2011

العدد 4061 - رأي و فكر - صفحة 19

مصطفى اسماعيل

 انتهى اللقاءُ التشاوري الذي أطلقتهُ هيئةُ الحوار الوطني الحكومية الرسمية، لمْ يشكل اللقاءُ علامةً فارقةً في الأزمة السورية، ولا يمكنُ بناءً على ذلك، الحديثُ عن ما قبل وما بعد اللقاء التشاوري سورياً، فاللقاءُ الذي أفترضَ أن يكون الجولة الأولى في حوار السلطة السورية مع أطياف المجتمع السوري لمْ يكُ على طاولته أطيافُ المعارضة السورية، ولا المثقفون أو الشخصيات الوطنية المستقلة التي لا تضربُ بسيف السلطة، بل اقتصرَ على اللون الواحد (ما عدا استثناءاتٍ طفيفة). لهذا تمخض جبل الحوار عن فأر، وولد الحوار الوطني ميتاً، فلا يُعقلُ لحلِّ أزمةٍ متفاقمة في البلاد أنْ تجلسَ السلطةُ إلى السلطةِ، أو أنْ تتحاورَ السلطةُ معَ السلطةِ، هذا يحدثُ في سوريا فقط، وهذا يعني أنَّ السلطة قدْ قررت أن تصبحَ هي والشارعُ السوريُّ خطين متوازيين لا يلتقيان، وبالتالي إدامةُ الأزمةِ السورية إلى مزيدٍ من التدهور السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فلا يُمكنُ وضعُ الأصبع على الجرح بحوارٍ من نوعية سقط المتاع. حوارٍ خلبي خليقٍ بجعله حلقة في مسلسلٍ درامي سوري لا يتابعهُ أحد.

اللقاء التشاوري الذي دعت إليه السلطة، ونظمته السلطة، وتكفَّلتْ بنفقاته السلطة، وحاورت فيه مُواليها، لمْ يكُ موجهاً إلى الداخل السوري، بل إلى الخارج، وإلى مراكز القرار العالمية المهتمة بتداعيات المشهد السوري، فالسلطة لا تحتاج إلى حوارٍ معَ الداخل. الحوارُ في الداخل موجودٌ أصلاً، وقائم على قدم وساق، فالدبابات والهراوات والشبيحة والمخابرات والجيش يتحاورون مع السوريين حتى قبل صدور المرسوم التشريعي المؤسس لهيئة الحوار الوطني التي نظمت اللقاء المذكور.

لكي يكتملَ مشهدُ اللقاء التشاوري لم يكُ أمام السلطة من بدٍّ إلا إحضارُ أشخاصٍ عابرين، وتنصيبهم مُمثلينَ عن شرائح وفئات وقطاعات مجتمعية، منهم نكرةٌ كوردي يترأسُ تجمعاً أو مبادرةً من ورق، أطلقهُ الأمنُ السوري قبلَ سنتين أو ثلاث لمحاولة سحب البساطِ من تحت أقدام الأحزاب الكوردية والمثقفين الكورد السوريين، وهو يغرِّدُ حين يطلب أربابه ذلك، ويُضْربُ عن التغريدِ حينَ يريدون، إنها الشعرةُ التي تُستلُ من عجين السلطة في التوقيت المناسب سلطوياً، يعرفه الشارع الكوردي جيداً ويعرفُ صحيفةَ سوابقه.

بناءً عليه وعلى ما يجري في الساحات والشوارع والأزقة السورية، بعدَ اللقاء التشاوري، وأثناءَ انعقاد جلساته، فإن ما يشبهُ الحوار الوطني ذاك وبمن حضر، كانَ لمجرَّد التقاط السلطة لأنفاسها وإعادة ترتيب أوراقها، وهذا ما أدركهُ السوريون في وقتٍ مبكر، من خلال أحزابهم العديدة وشخصياتهم الوطنية التي رفضتْ تلبية دعوة هيئة الحوار الوطني إلى اللقاء، لعلمهم أنَّ السلطة تفتقد ثقافة الحوار الحقيقي والجاد وتغليب المنطق والعقل، وليست في وارد التنازل عن ثوابتها ولاءاتها تجاه الشعب.

لا يمكنُ للسلطة التعاملُ مع الداخل الوطني وكأنَّها الخصمُ والحكمُ في آن، لا يمكنُ أن تدعو إلى الحوار من أجل الانتقال الديمقراطي، فيما دباباتها تطوِّق العديد من المدن، وتعيدُ اكتشاف جبهات قتالية ليستْ بينها حكماً جبهة الجولان، ويعيدُ الجيش الوطني المُختزلُ إلى جيشِ سلطة الانتشارَ في الداخل السوري، وكأنَّ الخطرَ الداهمَ والعدو المُحتاط له يكمنُ في الداخلِ وليسَ على تخوم الوطن. لا أفقَ إذن أمامَ أيَّ حوارٍ وطني تجلسُ على طاولتهِ السلطة بذهنيتها المُتقادمة، فيما ترتفعُ درجة حرارة البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وترتفعُ أعداد الضحايا والمصابين والنازحين والمعتقلين إلى مستويات قياسية ومخاوف قياسية وقلق قياسي غير معهود.

أيّ حوارٍ وسطَ في الوضع الحالي، هوَ مُحاولةٌ لحرق المراحل، هوَ محاولة للوثبِ فوقَ البداهات الوطنية الراسخة التي يُهجسُ بها للمرة الأولى بهذه الحِدة والصخب، هوَ استمرارٌ في مُخططِ مُصادرةِ وطنٍ لأجلِ امتيازاتِ أليغارشية يبدو أنها وضعتْ نفسها في كفّة ميزانٍ وفي الكفةِ الأخرى مُستقبلَ 23 مليونَ سوري.

==================

العربي في سورية

محمد كريشان

2011-07-19

القدس العربي

قال السيد نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية إن زيارته الأخيرة إلى سورية كانت للتباحث مع النظام السوري وليست مساندة له. وحاول في مقابلة له ضمن برنامج 'العاشرة مساء' في تلفزيون 'دريم' أمس الأول أن يشرح أكثر بصيغة تقترب من التوضيح: 'حتى يبدأ الأمين العام بداية جديدة في منصبه عليه أن يتشاور مع جميع الدول وحصل تشاور في موضوعات مختلفة وفيما يخص الأوضاع في سورية التي نشاهدها من خلال الإعلام فقد أشرت إلى ضرورة الإصلاح وسورية حاليا في طريقها نحو الإصلاح'. وأضاف 'وُعِدت بإصلاح حقيقي في سورية وبانتخابات رئاسية حرة ونزيهة قبل نهاية هذا العام وتحدثت مع فاروق الشرع نائب الرئيس وأكدت له ضرورة اتخاذ خطوات كثيرة وتحقيق إنجازات واضحة في كل مرحلة فالكلام وحده لا يكفي'.

واضح من هذا الكلام أن العربي شعر على الأقل، وإن متأخرا، بأن زيارته لدمشق لم يكن بالإمكان أن تفهم، وهكذا كان، إلا على أساس أنها دعم للحكم السوري ولا شيء غير ذلك. وهنا لا بد من استحضار ذلك الكلام القوي الذي عبر عنه العربي بعد لقاء الرئيس بشار الأسد من رفض لأي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للدول العربية وتشديده على انه 'لا يحق لأحد سحب الشرعية من أي زعيم' وبأن الأمانة العامة لا تقبل التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهي ملتزمة باستقرار كل الدول العربية. حينها لم يقل كلمة واحدة، ولو عرضا، عن عشرات السوريين الذين يسقطون يوميا بسلاح الأجهزة الأمنية و'شبيحتها'، وهو من كان قبل أسابيع قليلة وزير خارجية حكومة مصر بعد الثورة. أكثر من ذلك رأى أن يمكن له يصرح بلغة الجازم الواثق بأن 'سورية دخلت مرحلة إصلاح حقيقي'!!.

ما قاله العربي في دمشق جعل بعض المصادر الأوروبية تسرب إلى صحف عربية القول بأن زيارة الأمين العام إلى دمشق ولقاءه بالرئيس الأسد وإعلان رفضه ما سماه تدخلاً أجنبياً في الشؤون السورية يعتبر رفضاً لأي موقف غربي يتحدث عن فقدان رئيس عربي الشرعية (بعد تصريح كلينتون القوي في هذا الشأن)، ما يعني نزع ورقة الضغط القوية المرتقبة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الأسد كون هذه الدول تحتاج إلى تغطية عربية في أي قرار أو موقف قد تتخذه مما يجري في سورية. واعتبرت هذه المصادر أن موقف العربي في دفاعه عن نظام الأسد ربما جاء بطلب عربي وليس شخصياً أو مرتجلا لاسيما وان دولاً عربية تخشى مما يمكن أن يجري هناك في حال تداعي النظام السوري وسقوطه.

وإذا ما تأكد فعلا الآن أن العربي يحاول تدريجيا وبلطف التخفيف من قوة ما قاله في دمشق واعتبر، قصد ذلك أم لا، وقوفا صريحا إلى جانب النظام ضد قطاعات واسعة من شعبه تطالب بسورية مختلفة، فإن هذا التوجه جدير بالمتابعة وربما بالتقدير إذا ما تأكدت صحته. ليس مطلوبا من الأمين العام للجامعة العربية أن يكون مبشرا بالثورات العربية أو محرضا لها ولكن من غير الحصافة أيضا أن يبدو في موقف المدافع عن أنظمة تمعن في قتل شعبها المتظاهر الأعزل. موجة التغيير في البلاد العربية لن تتوقف أو تهدأ لأن ذلك هو اتجاه التاريخ بعد عقود من الاستبداد والفساد والإمعان في امتهان كرامات الناس وسلب حقوقهم. في هذه اللحظة المفصلية، كما يحلو لعاشقي التنظير السياسي القول، لا بد للمسؤول الأول في الجامعة العربية أن يحدد موقعه بالضبط. طبعا هو مجرد موظف سام يدير إرادات رسمية متعددة ويحاول التوفيق بينها ولكن هذا ليس قدره المحتوم دائما. لا أحد في النهاية يجبره على لعب هذا الدور إذا كان يريد أن يختار لنفسه مصيرا مختلفا. أما إذا آثر السلامة واستفحلت داخله عقلية الموظف فذلك شأنه بالتأكيد لكنه سيبدد كل رصيد شخصي إيجابي له، أما رصيد الجامعة فمبدد من زمن طويل.

==================

الدوران حول الحوار الوطني في سورية

د. عبدالله تركماني

2011-07-19

القدس العربي

يوجد في سورية اليوم حراك شعبي سلمي واسع يطالب بالحرية والكرامة والمواطنة، يواكبه حراك سياسي يتبلور ويتوسع شيئاً فشيئاً. والسوريون جميعهم، سلطة ومعارضة ومجتمع، معنيون بالحوار الوطني الشامل للخروج من المأزق الذي تعيشه سورية، والتوجه نحو مرحلة انتقالية مأمونة تضمن التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية. ولكنّ السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن لقيادة السلطة أن ترعى مرحلة الانتقال هذه؟

إنّ موقف السلطة من الحوار، بيئة وأطرافاً وأهدافاً، شديد الالتباس والغموض. إذ يبدو أنها تريد الحديث عن الحوار أكثر مما تريد الدخول فيه عملياً، في حين أنّ موقف مختلف أطياف المعارضة يبدو أكثر جدية، ليس من حيث تأكيد أهمية الحوار الوطني في معالجة المأزق السوري فقط، بل من خلال الدخول إلى التفاصيل المحيطة، والاهم فيها توفير بيئة سياسية وأمنية وإجرائية مناسبة للحوار، وتحديد أطرافه وأهدافه النهائية والمطالبة بوضع جدول زمني له، مما يجعله مجدياً ومثمراً وقادراً على معالجة الجوانب الجوهرية في الأزمة السورية، ويوفر على البلاد المزيد من فواتير المأزق، ويخفف من تداعياته.

وهكذا، شتان بين ما تطرحه المعارضة وما تتجاوب معه السلطة حيث يفصل بينهما بون شاسع، إذ تفهم المعارضة بأنّ رعاية السلطة للحوار مرده تأمين شروط بقائها، في حين أنّ المعارضة، بكل أطيافها، ترى الحوار باعتباره تمهيد الطريق لبناء عقد سياسي جديد ينقذ سورية من احتمالات قد لا تحمد عقباها، ومن ثم الشروع في فتح آفاق جديدة أمام السوريين جميعاً، فالحوار بهذا الشكل له دلالة سياسية ومجتمعية قادرة على التأثير إيجابياً في المزاج الشبابي خاصة والشعبي عامة.

إنّ استمرار النظام في انتهاج الحل الأمني، وفي إبقاء عملية الإصلاح المنتظرة في حدود الوعود فقط 'قولوا ما تشاؤون ونفعل ما نشاء'، سيؤدي في النهاية إلى إحراق أوراق أي أطراف معارضة وشخصيات ثقافية وحقوقية تقبل بهكذا حوار، في حين أنّ الثورة السورية هي في مرحلة بلورة قواها وتأسيس بناها السياسية بالتناغم مع شعب يواصل إبداع حريته.

لقد أكدت لجان التنسيق المحلية، حول اللقاء التشاوري للحوار الوطني، أنّ اللقاء المذكور وكل ما ينبثق عنه لا يشكل بحال من الأحوال حواراً وطنياً حقيقياً يمكن البناء عليه، لأنّ السلطة تبادر إلى هذه الخطوة في الوقت الذي تستمر فيه بحصار المدن وقصفها بالدبابات، وبعمليات قتل المتظاهرين والاعتقال العشوائي وتعذيب المعتقلين حتى الموت في بعض الحالات، وغيرها من أعمال التنكيل والعنف ضد المدنيين.

وترى اللجان 'إن الهدف الرئيسي للحوار، وهو إنهاء النظام الحالي والانتقال بسورية إلى نظام جديد، ديمقراطي مدني تعددي، عبر مرحلة انتقالية سلمية، لا تزال غائبة تماما عن رؤية السلطة... وفي غياب الحلول السياسية الحقيقية ومحاولات كسب الوقت والالتفاف على المطالب الشعبية المحقة في التحول إلى نظام ديمقراطي، يبقى المضي في ثورتنا السلمية هو الطريق الأوحد حتى تحقيق أهدافنا كاملة'.

أما هيئة التنسيق الوطنية فقد أكدت أهمية الحوار واعتباره سبيلاً أساسياً للتواصل والتفاعل'بين جميع ألوان وأطياف الحيز السياسي لمناقشة وحل الأزمات التي تعاني منها سورية، لكنها ترى أنّ لكل حوار بيئة يجري فيها، وبوادر توحي بنتائجه سلباً أو إيجاباً، وعلامات أو مؤشرات للثقة أو انعدامها، فإطلاق الحوار يفترض أن تذهب الأطراف ولديها شكل ما من الثقة بجدواه، وهناك اليوم حالة من فقدان الثقة لدى المعارضة والشارع السوري بالنظام القائم ودعواته للحوار.

ومن جهته أكد اتحاد تنسيقيات شباب الكورد السوريين 'مسؤوليتنا التاريخية تفرض علينا أن نكون في صلب الثورة وأن نكون' بين ثوار سورية، ولنا الشرف أن نكون من أبطالها وشهدائها، فالحرية المنشودة' لا تأتي على طبق من حوار بينما دماء السوريات والسوريين تسيل في غير مدينة وقرية وحارة وزقاق في بلدنا الحبيب سورية'.

ولعل الدكتور طيب تيزيني قد عبر خير تعبير عن المطلب الرئيسي للشعب السوري حين قال في اللقاء التشاوري 'أنّ التأسيس لمجتمع سياسي يتطلب مباشرة التأسيس لعملية تفكيك الدولة الأمنية المهيمنة في سورية'.'

إنّ الصدقية في اختيار مبدأ الحوار تكمن في: الاعتراف العلني بطبيعة الأزمة الوطنية وشموليتها، وإيقاف الحل الأمني الذي يتجلى قتلاً واعتقالاً وتعذيباً وتشريداً، ومحاسبة المسؤولين عن ممارسة العنف والقتل ضد المتظاهرين، وإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والضمير منذ بدء الانتفاضة وقبلها، وإنهاء التحريض الإعلامي ضد الاحتجاجات والمعارضين والسماح لوسائل الإعلام العربية والأجنبية بتغطية ما يحدث، والاعتراف العلني بوجود معارضة سورية وبحقها في العمل الحر، إضافة إلى الدعوة - خلال فترة زمنية وجيزة - لعقد مؤتمر وطني عام يضع برنامجاً متكاملاً وجدولة زمنية لتغيير سياسي ودستوري شامل عبر مجموعة من المداخل والتحديدات وتكليف حكومة انتقالية مؤقتة (تتكون من شخصيات وطنية مستقلة مشهود لها بالنزاهة والكفاءة) بتنفيذها.

وهكذا، يبدو أنّ السلطة تلعب على عامل الوقت لإنهاك المعارضة ومحاولة شقها، عبر توجيه دعوات للحوار هدفها فقط تحسين صورتها، وهي سبق أن استخدمت هذا العامل للإخلال بوعود كثيرة أطلقتها في السابق. ولا شيء تغيّر اليوم يسمح بالاعتقاد بأنها لن تنقلب على أية توافقات ينتجها اللقاء التشاوري. خاصة أنّ التأخير والمماطلة في تحقيق مطالب مشروعة، وتشكيل اللجان إثر اللجان، تبين للجميع افتقاد الجدية المطلوبة لتفعيل نتائج الحوار، وتفرغ الكلمات من أي مضمون حقيقي لها، بل وتظهر أنّ المسألة تنحصر في ممارسة مناورات سياسية تقليدية، ربما كانت تنفع سابقاً، لكنها تأتي الآن خارج سياق المشهد السوري الراهن.

وفي الواقع إذا تحدثنا عن الحوار، بمفهومه الكبير والجامع، فإنّ مظاهر الوحدة الوطنية والتضامن الاجتماعي بين مختلف مكونات الشعب السوري في المدن والقرى والبلدات هي نوع راقٍ من أنواع الحوار، فهو حوار اجتماعي وطني داخلي حقيقي جامع لم يشهد الشعب السوري مثله على مدى عقود طويلة.

لقد أثبت الشعب السوري، خلال الأشهر الأربعة الماضية، شجاعة استثنائية وتضحية ملفتة للنظر استحق إزاءهما كل الاحترام والإعجاب من كل مراقب ومتابع، وانعكست هذه التضحيات في مجالات عدة إيجابياً على جميع السوريين، ومنها أنها المرة الأولى التي تبدأ كلمة الحوار بالتوارد على لسان السلطة منذ ما يزيد على الأربعين عاماً، ولو بصورة سطحية وتفتقد المصداقية، وستستمر نضالات الشعب السوري إلى أن يجسد على الأرض سورية المستقبل التي يريد: حرة ومدنية وديمقراطية ومزدهرة.

==================

أوباما والشرق الأوسط: المأزق المزدوج!

وحيد عبدالمجيد

تاريخ النشر: الأربعاء 20 يوليو 2011

 الاتحاد

لم يتخيل أوباما، عندما دخل البيت الأبيض ظافراً في لحظة تحول تاريخي في الولايات المتحدة، أنه سيجد نفسه في مأزق كالذي يواجهه اليوم في منطقة الشرق الأوسط. كانت هذه المنطقة بين أولوياته. منحها عناية قصوى منذ اللحظة الأولى. وتطلع إلى إنجاز سلام فيها يكرَّس حضوره في التاريخ الذي كان على موعد معه كأول رئيس أسمر للدولة التي أقيمت أصلا على التمييز العرقي.

لكنه يخشى الآن أن تخرجه هذه المنطقة من التاريخ الذي حلم بأن تكون هي مدخله إلى الخلود فيه. فهذه هي المرة الأولى التي تبدو فيها الولايات المتحدة عاجزة عن تحديد الاتجاه الذي يحافظ على مصالحها في إحدى أكثر المناطق أهمية بالنسبة إليها منذ أن أصبحت قوة عظمى وصارت اللاعب الدولي الرئيسي فيها.

وهي، أيضاً، المرة الأولى التي يقف فيها رئيس أميركي عاجزاً عن إرضاء أحد في الشرق الأوسط. فلا إسرائيل راضية عن سياسته فيها، ولا العرب وجدوا شيئاً مما وعد به في أشهر حكمه الأولى، خصوصاً في خطابه إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة في 4 يونيو 2009. كما أن ارتباكه وإدارته تجاه الاحتجاجات التي حدثت ولا تزال في عدد من البلاد العربية، قد يضعف ثقة حكومات بعضها الآخر في جدوى الصداقة مع الولايات المتحدة، في الوقت الذي لم يكسب تعاطف الشعوب في هذه أو تلك.

وهكذا يواجه أوباما مأزقاً مزدوجاً بين العرب وإسرائيل من ناحية، وبين شعوب البلاد العربية وحكومات بعضها من ناحية أخرى. فلا يخفى أن حكومة نتنياهو تتعامل مع الرئيس الأميركي باعتباره خصماً محتملاً من وجهة نظرها وليس بوصفه حليفاً أكيداً. وهي تعبر في موقفها هذا عن تيار غالب في المجتمع الإسرائيلي الذي يزداد انعطافه نحو اليمين يوماً بعد آخر منذ حوالي عشرة أعوام.

ويبدو بعض أنصار إسرائيل الأشداء في الولايات المتحدة أكثر صراحة وحدة في التعبير عن عدم الرضا تجاه أوباما وإدارته وسياسته. وقد ذهب جون بولتون، المندوب الأميركي السابق في الأمم المتحدة، إلى أقصى مدى في التعبير عن هذا الاتجاه عندما وصف أوباما بأنه "أكثر الرؤساء الأميركيين معاداة لإسرائيل". ورغم أن هذا الوصف الذي جاء في حوار أجرته معه صحيفة "جيروزاليم بوست"، يبدو متجاوزاً حدود العقل والمعقول، فقد استخدمه بولتون في سياق مقارنته بسابقيه وخصوصاً بوش الابن.

وعندما نشرت الصحيفة الإسرائيلية هذه المقابلة مع بولتون، كانت لجنة متابعة مبادرة السلام التابعة لجامعة الدول العربية مجتمعة في الدوحة لبحث التوجه إلى الأمم المتحدة وسبل دعم طلب الاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، والتحرك لتقديم طلب العضوية الكاملة لهذه الدولة في المنظمة الدولية. ويضع البيان الذي أصدرته اللجنة يوم الخميس الماضي الرئيس أوباما في موقف شديد الحرج أمام العرب مرة أخرى. فإذا حصل الطلب الفلسطيني على أغلبية كبيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ثم عُرض على مجلس الأمن مدعَّماً بهذه الأغلبية، سيكون أوباما في موقف لا يُحسد عليه. ويتجسد مأزقه، هنا، في أن استخدام حق النقض لمنع الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، بعد أشهر قليلة من دعمه استقلال جنوب السودان، سيجسد ازدواجية مقيتة في المعايير. لكن معضلة أوباما الأكبر هنا هي أن استخدام "الفيتو" ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية يزيد العرب استياءً، لكنه لا يكفي لمنحه الرضا الإسرائيلي المفقود.

وهذه هي أيضاً المعضلة التي تواجهه إزاء الشعوب والحكومات في بعض بلاد العالم العربي الذي فاجأه بما لم يحسب له حساباً حين دخل البيت الأبيض وخلال نصف ولايته الأولى. فما أن اقترب أوباما من إكمال عامه الرئاسي الثاني حتى فوجئ بتحولات داخلية في بعض البلاد العربية تفرض عليه التعامل مع واقع جديد لا يعرفه ولم يتوقعه أيٌ من أجهزة استخباراته ولا مراكز التفكير التي تحفل بها بلاده.

كانت المفاجأة أكبر من أن يمكن استيعابها، ولا تزال. ظهر موقف أوباما وإدارته مرتبكاً تجاه الاحتجاجات التي بدأت في تونس. واشتد الارتباك عندما حدثت الاحتجاجات في مصر إلى حد أن موقف أوباما وإدارته تغير أربع مرات خلال 17 يوماً فقط (من 25 يناير إلى 10 فبراير). فقد بدأ واثقاً في استقرار نظام "مبارك"، ثم تحول بعد أقل من أسبوع إلى المطالبة برحيله فوراً، لكنه تراجع بعد أيام قليلة مفضلا بقاءه لبعض الوقت من أجل إجراء تعديلات دستورية لابد أن يوقَّعها، ثم تغير مرة رابعة إلى الإصرار على تنحيه في النهاية.

وإذا كانت ممارسات القذافي ونظامه وصورته السلبية على المستوى العربي والدولي ساعدت أوباما وإدارته في حسم موقفه بسرعة باتجاه الانحياز إلى الشعب الليبي، فلم يكن الأمر كذلك في اليمن وسوريا. فلا يزال الموقف الأميركي تجاه الأحداث المشتعلة في البلدين متأرجحاً ومذبذباً حتى بعد إعلان أوباما في نهاية الأسبوع الماضي أن الرئيس الأسد "خسر شرعيته في نظر شعبه وأهدر الفرصة تلو الأخرى للقيام بإصلاح حقيقي".

ومع ذلك لم يكن مفهوماً المعنى السياسي المحدد لكلامه عن "إبقاء الضغوط على النظام السوري بشكل متزايد"، مثلما لم يفهم أحد خلال الأشهر الماضية منطق سياسته تجاه دمشق لأسباب في مقدمتها تذبذب خطابه السياسي.

وما هذا الخطاب الذي يفتقد وضوحاً كافيا إلا تعبير عن مأزق أوباما وإدارته إزاء تحولات لم يستعد لها، وعجزه عن اتخاذ موقف حاسم إزاءها. فهو لا يستطيع الانحياز إلى نظام لم يكن راضياً عنه قبل أن تتصاعد الاحتجاجات ضده، لكنه لا يثق في نجاح المحتجين في تحقيق أهدافهم ولا في اتجاهات النظام الجديد أو البديل. وربما يفسر ذلك، بشكل أو بآخر موقفه تجاه الأزمة في اليمن أيضاً. فلم يحسم أوباما أمره بشكل نهائي تجاه هذه الأزمة رغم الفراغ الرئاسي المستمر منذ نحو شهر، الأمر الذي يثير استياء المعارضة اليمنية. فلم يعد لمطالبة أوباما بنقل السلطة معنى بدون دعم حقيقي لمبادرة مجلس التعاون الخليجي، وإقناع الرئيس بالتنحي لنائبه وإنهاء سيطرة أسرته على مفاتيح السلطة وإجراء انتخابات رئاسية ونيابية. فلا يزال الدعم الأميركي لهذه المبادرة كلامياً على نحو يخيب آمال اليمنيين الذين أنهكتهم الأزمة ويؤثر سلبياً على الوضع في المنطقة.

وهكذا يبدو أوباما في مأزقه المزدوج اليوم، بعد عامين ونصف العام على رأس الدولة العظمى الأولى، أبعد ما يكون عن التوقعات التي واكبت دخوله البيت الأبيض حاملاً أمالاً عريضة لبلاده وللعالم.

==================

تحدّ جدي آخر

 تحديث:الأربعاء ,20/07/2011

ميشيل كيلو

الخليج

في أخبار الصحف نبأ يعكر المزاج ويثير الكمد، يقول: إن 700 ألف مصري أعلنوا عن رغبتهم في مغادرة وطنهم إلى الدول الغربية عامة وأمريكا خاصة . هذا الحشد الهائل من الخلق يتكون بالتأكيد من شبان وشابات، فكبار السن لا يهاجرون بكثافة، وكذلك السيدات المسنات . والشبان والشابات في بلداننا ثروة وطنية، ليس فقط لأنهم نالوا قسطاً من التعليم، كلف أهليهم والدولة مبالغ طائلة، بل لأنهم مواطنون يحتاج إليهم وطن يتوقف عليهم تطوره وتتقرر من خلالهم مكانته بين الدول والأمم .

لم أجد دراسة ميدانية حول أحوال هؤلاء المصريين أو دوافعهم الاجتماعية والشخصية . لذلك، سأكتفي بتخمين الأسباب التي دفعتهم إلى الرغبة في القطيعة مع وطن ولدوا وترعرعوا فيه، يلزمهم انتماؤهم إليه بوضع قدراتهم تحت تصرفه، مثلما تلزمه هويتهم كمواطنين بإيجاد فرص عمل دائمة لهم، وبضمان مستقبل مستقر يقيهم غائلة البطالة والحاجة ويمكنهم من تحقيق بعض ما يصبون إليه من كرامة واعتبار، ويتيح لهم تكوين أسر وتنشئة أطفال، وأخيراً تمضية كهولة وشيخوخة هانئتين، ناهيك عن مد يد العون لذويهم ومحبيهم، ولعب دور يكسبهم احترام مجتمعهم، ويعزز موقعهم منه، في كل ما يتصل بعلاقاتهم مع مواطنيهم، أو بأنشطتهم العلمية والعملية، أو حريتهم وحقوقهم .

لنتأمل الآن ما نعرفه عن أحوال مصر العامة، التي أرجح أن تكون لها علاقة بأوضاع طالبي الهجرة هؤلاء .

 تقول الإحصاءات إن مصر تعاني فائضاً سكانياً يبلغ ما بين عشرة ملايين وعشرين مليوناً من المواطنين . يوجد في مصر عدد من البشر يشمل ربع سكانها تقريباً، ليس له ما يبحث عنه أو يحصل عليه في هذه الحياة/ الدنيا . هذا العدد الهائل ما كان يجب أن يولد، لأنه لن يجد بكل بساطة مكاناً له في وطنه، ولن ينال أية خدمات أو أي عمل، فإن حصل على شيء منهما، يكون قد أخذه من حصة مواطن آخر، وإن ذهب إلى المدرسة فإنه يجلس في مقعد تلميذ آخر أو يقاسمه حصته فيه، لأنه ليس بالأصل مخصصاً له ويفترض أنه ليس له مكان فيه، وإن تناول طعاماً يكون قد أكل من حصة غيره، علماً بأن المواطن العادي، الذي لا ينتمي إلى هذا “الفائض”، يعيش تحت وطأة ظروف حرمان شديد، يفتقر بسببه إلى أدنى حد من الخدمات والحقوق، فهو فقير وجائع وعاطل وأمي وهامشي الوجود: حصته من الحياة محدودة إلى درجة تثير العجب، واستمراره فيها لغز يصعب فهمه وفك أسراره وطلاسمه الغامضة .

 تقول الإحصاءات إن مساحة الأرض، المخصصة لتغذية الفرد الواحد، تتناقص بتسارع يومي، والتوسع في الأرض الزراعية محدود وبطيء، بينما الصناعة أشد ضعفاً، وأقل كثافة، وأكثر تأخراً من أن تقدم فرص العمل لنيف ومليونين من المواليد الجدد كل عام، الذين تتحدى تكلفة تشغيلهم حجم الموازنة المصرية بأسرها، ولا تترك أمام الدولة غير أحد خيارين: تشغيل العاطلين اليوم وإهمال المواليد الجدد وتركهم لهامشية قاتلة، مع ما ذلك من خطورة على وجود النظام وربما البلد، أو إهمال العاطلين الحاليين وتركهم للموت البطيء، وتشغيل القوى العاملة الجديدة، التي تتزايد أعدادها إلى درجة ستفوق طاقات وقدرات أي دولة تدير مصر، مهما كان نوعها: ديمقراطياً أو استبدادياً، ملكياً أو جمهورياً . . إلخ . يحدث هذا، بينما يفضل القطاع الخاص العمل بتقنيات موفرة للأيدي العاملة أو مستقطبة للعمال المهرة من مهندسين وإداريين وفنيين، وتطرد الزراعة فائض الريف السكاني المتعاظم إلى مدن تكتظ أكثر فأكثر بالمشردين والجياع وتكتسب سحنة ريفية، آخذة مصر معها إلى الهاوية بدل أن تحقق ما سبق للمدينة الأوروبية أن فعلته، عندما تكفلت بإخراج المجتمع من حالته الريفية وأدخلته إلى مدنية امتدت إلى الأرياف وسكانها، وجاءت بها من حالتها الزراعية إلى الصناعة، فالتقنية .

في وضع هذه سماته، ماذا يبقى من خيارات أمام مصر غير خيار جزئي يقوم على عقلنة عمل الدولة وبرامج التنمية وضبط السياسات السكانية وتوسيع علاقات السلطة بالمجتمع والمجال العام . . إلخ، أو خيار بديل، عام وحتمي، يجسده التوجه نحو العرب والعمل على حل مشكلات مصر في حاضنة أمتها، الغنية بالأرض والمياه والثروات والأموال والطاقات البشرية والعقول، والتي تمتلك خبرة تاريخية فريدة في الحضارة وبناء الدول الكبرى؟

أمِن المستغرب أن يعلن سبعمائة ألف مصري عزمهم على ترك وطنهم إلى بلدان يفترض أنها معادية أو عدوة؟ أليس أمراً مفهوماً، وإن كان غير مقبول بطبيعة الحال، أن يدفع الاحتجاز العام على صعيد السلطة، والعجز والضعف السياسيان على صعيد المجتمع (السائدان في كل مكان من عالم العرب) المواطن المصري (والعربي) إلى يأس يقتل وطنه في نفسه، ويرغمه على جعل الهجرة محور حياته، بغض النظر عن الجهة التي يقصدها والثمن الذي يدفعه؟

لا أمل في فرصة، إذا ما استمرت الظروف السياسية والاجتماعية والتنموية الراهنة . ولا أمل إن واصلت السلطة سد منافذ الرجاء، والقضاء على الحرية كحاضنة روحية ومادية تعين المواطن على إبقاء أبواب روحه مفتوحة على كرامته ووطنه في آن معاً، وتحمله بعض المسؤولية عن نجاحه أو فشله، إن هو قصر في الإفادة منها للدفاع عن حقوقه ومصالحه . في ظل الاحتجاز العام، اليومي والملموس، وانسداد الأفق الفردي/ الشخصي، لا يبقى للمواطن غير مهرب واحد هو الانزواء جانباً أو الفرار من وطنه إلى أي مكان تزين له مخيلة المقهور أنه سيجد فيه المن والسلوى، أو على أقل تقدير لقمة العيش ونسمة الحرية .

ذات يوم، قال دبلوماسي أمريكي يعمل في دولة عربية مشرقية، تعقيباً على طوابير من يقفون طوال أيام أمام أبواب السفارة، رغم ما يتعرضون له من سوء معاملة: لو فتحنا باب الهجرة، لما بقي أحد في هذه البلاد .

كنا في هجرة العقول، فصرنا في هجرة تشبه فراراً جماعياً من جحيم . هل ستنجح ثورة مصر في التصدي الناجح لهذه المعضلة المستعصية؟ ذلك هو التحدي الكبير الحقيقي الذي يواجهها، وعلى نجاحها في إيجاد حلول له يتوقف نجاحها .

==================

الانتفاضات في مواجهة الصعوبة: كيف تعيد بناء الدولة؟

طلال سلمان

السفير

20-7-2011

...وجاء زمن الصعوبة مباشرة مع إطلالة فجر القدرة على التغيير بالثورة.

كان في ظن الجمهور الذي غيب طويلاً عن دائرة الفعل حتى نسي أهل البلاد وصاحب الحق الشرعي في القرار فيها، بحاضرها ومستقبلها، ان الثورة تنجز بمجرد حضوره وممارسة هذا الحق بالنزول الى «الميدان» لفرض إرادته.

لم يكن غائباً عن ذهن الجمهور ان النظام الذي يسيطر على البلاد منذ دهر، ويفرض هيمنته بقوة شرعيته المزورة، المعززة بجيوش الأجهزة الأمنية التي تراقب كل من يتكلم او يكتب او يتحرك او يفكر او يحلم، لن يستسلم بسهولة، وانه سيقاتل بشراسة للحفاظ على وجوده، وانه لن يتورع عن ارتكاب المذابح واعتقال الآلاف والتضييق في مصادر الرزق وتحريض بعض الجمهور ضد بعضه الآخر ليقدم نفسه، من بعد، في ثوب الحريص على الوحدة الوطنية من طيش الدهماء، او تعصب الطائفيين والمنظمات ذات الواجهة الدينية..

كذلك لم يكن غائباً عن ذهن الجمهور ان للنظام شبكة من المصالح يتجمع فيها نخب من «رجال الأعمال» وأشتات من المستفيدين من السلطة في مختلف المجالات والذين لهم اتصالات قوية مع «المجتمع الدولي» أو «الجهات المانحة» لأنهم سبق أن عملوا في مؤسسات دولية مثل صندوق النقد او البنك الدولي وبعض وكالات الأمم المتحدة، او درسوا وعاشوا طويلاً، فعملوا وكسبوا مالاً وفيراً في الولايات المتحدة أو أوروبا او على وجه الخصوص بلدان النفط العربي، فاكتسبوا صداقات مؤثرة في دوائر القرار في دول ذات أهمية استثنائية.

أخطر ما في الأمر، ان الجمهور كان يفتقد الى قيادة في مستوى طموحه، مؤهلة وقادرة ولها حضورها الشعبي الوازن في البلاد بجهاتها كافة... وكانت تلك مشكلة معقدة، لان النظام لم يكتف بتدمير الأحزاب والنقابات والتنظيمات والهيئات الجامعة، بل انه قد استطاع - عبر استمراريته - أن يخترق ما تبقى منها، فصار له «عملاء» في معظمها، تزور ارادته عبرها، تحت شعارات ماضيها البارقة.

ذلك ان الكثرة الغالبة من أنظمة الحكم في الوطن العربي»شمولية»، بمعنى أنها تملك - كالأخطبوط - اذرعة أمنية تمدها في مختلف إدارات الدولة والى كل مؤسسات المجتمع المدني: ففي كل إدارة او مؤسسة، او جامعة، او مدرسة او مصنع، ولكل حي في المدينة، ولكل قرية او مزرعة في الريف، وعموماً لكل من يتحرك او يقرأ او يفكر، من يراقبه ويحصي عليه أنفاسه ويملك ان يحاسبه على أحلامه...

بل ان للأجهزة الأمنية أجهزة تتجسس عليها وتراقب المنتمين إليها وتحصي عليهم أنفاسهم، بذريعة منع الاختراق الأمني.

إجمالاًً: كان الجمهور على وعي، حين اتخذ خطواته الأولى نحو الميدان انه يقوم بمهمة استثنائية خارقة... انه يتحرك وليس له قيادة واحدة، وصعب جداً الافتراض ان الآلاف او عشرات الآلاف ممن سيلبون النداء، سيمكن ضبط حركتهم وتوحيد شعاراتهم وإلزامهم بتوحيد برنامج التحرك.

كذلك، فإن الجمهور كان يعرف أن للنظام أحزابه التي ربما أمكن لبعضها اختراق صفوفه، إضافة الى حزب النظام الرسمي الذي كان بقدرته ان يضم الى صفوفه الملايين لأنه مصدر السلطة والانتفاع... وإجمالاً فإن للنظام «حزبه» في كل حزب أو تجمع أو هيئة او نقابة او جمعية خيرية...

على هذا فالخطر الأول على الميدان سيأتيه من داخله، إذ أن تدفق الجماهير للتلاقي فيه، في غياب أية جهة قادرة على التدقيق وتحديد هويات المشاركين، قد يزرع فيه من يفسد الاجتماع ويخربه، بل قد يتسبب في اشتباكات ومنازعات تقسم الجمهور بحيث يستعيد النظام اعتباره بوصفه «المرجعية الشرعية» والحكم المؤهل للفصل في المنازعات، والمسؤول عن أمن البلاد والعباد.

ثم هناك خطر الاصطدام المباشر بقوى النظام، الأجهزة الأمنية المتعددة وصولاً الى الجيش...

بعد هذا كله يمكن الالتفات الى «برنامج الانتفاضة للتغيير» إذا ما تحقق الشعار الذي بات أشبه بالنشيد الوطني لكل بلد عربي: الشعب يريد إسقاط النظام..

ماذا بعد سقوط النظام؟!

من سيتولى السلطة وعلى أية أسس؟

ما هو برنامج الثورة للتغيير... خصوصاً ان الميدان يعرف ان النظام فاسد بمجمله، برأسه وأذرعته، بإدارته ومؤسساته سواء منها «المنتخبة» شعبيا، او المعينة بقرار من رأس الفساد؟

من سيحكم البلاد بملايينها الخارجة من الأسر، ولكل فئة مطالبها المزمنة التي سيكون على الثورة ان تحققها على الفور، وإلا حكمت على نفسها بالفشل؟

ان معظم أهل النظام العربي يتولون مقاليد السلطة منذ دهر... بعضهم تجاوزت مدة حكمه أربعة عقود، وبعضهم ثلاثة، وهم بمجموعهم قد أفقروا البلاد فأفرغوا خزينتها ووزعوا خيراتها على المستثمرين الأجانب الذين جاء بهم النهابون المحليون من بطانة السلطان او من شركائه...

ثم ان الإدارة خربة، والفساد يستشري من القمة الى القاع،

القضاء قد انُتهكت حُرمته، فانصرف منه او ُصرف أهله من أصحاب الكفاءة والضمير والتزام القانون، وجاءت السلطة ببعض رجالها ليغطوا على صفقاتها وخطاياها، فباتت أحكامهم نموذجية في إدانة البريء وتبرئة الراشي والمرتشي والمرتكب واللصوص الكبار...

والأمن ليس أحسن حالاً، فهو قد جعل أجهزة ليراقب كل منها الآخر، ولتشارك جميعاً في ضبط أنفاس الناس ومتابعة أفكارهم وأحلامهم حتى لا تأخذهم الى الغلط او تغريهم به... فالنفس أمّارة بالسوء، كما تعلمون.

[[[[[[

يمكن المضي في تعداد وجوه التخريب في المجتمعات ومواقع السلطة او التأثير فيها، بلا نهاية، فسنتذكر دور أجهزة الإعلام المملوكة للسلطان والناطقة باسمه، مانعة الحقائق عن الرأي العام، ومزورتها حين تدعو الحاجة (الصورة الشهيرة في «الأهرام» اثر لقاء واشنطن الرباعي).

المأساة ان الخارج يصبح مصدر أخبار الوطن ودولته، والخارج مصالح، والمصالح تملك أجهزة إعلام خطيرة النفوذ، وهي تقدم من الأخبار والوقائع ما يخدمها، وتطمس او تحور او تزور ما تبقى...

وينشطر المواطن نصفين: هو لا يصدق الإعلام الرسمي، ولكنه مضطر الى الاستماع الى محطات الخارج التي تبث عن وطنه أخباراً لا يملك القدرة للتحقق من صحتها. وبرغم شكوكه في دقتها فهو لا يجد مصدراً موثوقاً ليعرف منه حقيقة ما يجري في بلاده، لذلك يسمعها مستريباً ثم يحسم منها النصف او الثلث او الربع، ليستبقي ما يجده معقولاً لا تدحضه الوقائع.

لم يعد الإعلام عبارة عن صحف معدودة ومحطة (او محطات) إذاعية، وفضائية (او فضائيات) رسمية.. صار الفضاء مفتوحاً لكل قادر على شراء الهواء.

وفي إحصاء غير دقيق، فإن ثمة حوالي ثمانمئة فضائية ناطقة باللغة العربية، بعضها لدول عربية، وبعضها الآخر لدول أجنبية، وهناك مئات من المحطات الخاصة التي تملكها جهات شبه رسمية او مؤسسات دينية أو أحزاب تحت التأسيس... بل ان لكل طائفة إسلامية الآن مجموعة من الفضائيات، التي تكفر كل منها المسلمين الآخرين وتحرض على الفتنة.

[[[[[[

يمكن ان نمضي في تعداد المخاطر على الانتفاضات العربية فنملأ صفحات عديدة...

لكن مجد هذه الانتفاضات انها تتصدى لمهمة استثنائية جليلة: انها تبدأ كتابة التاريخ العربي الحديث، وانطلاقاً من عواصمه الكبرى وذات التأثير. القاهرة اولاً، ومعها تونس، واليمن بشعبها الذي لا يتعب، ومعها البحرين، وسوريا التي يعجز نظامها العتيق عن فهم الطموح الشرعي لشعبها الى التغيير، وإزالة الصدأ الذي تراكم على سطح المجتمع، فمنع عنه الهواء...

إنها ثورة فريدة في بابها: تبدأ من تحت الصفر.

إنها حركة مباركة تعيد خلق «المواطن» اولاً، وتعيد إليه الاعتبار وتمتحن أهليته في أن يتولى المسؤولية عن إعادة بناء وطنه، ومن ثم دولته، بما يوفر له الكرامة ويمكنه من ان يبني غده الأفضل بجهده وعرقه، مع الإفادة طبعاً من تجارب الشعوب الأخرى، ولكن بما يتلاءم منها مع ثوابت اليقين في مجتمعاته.

إننا أمام عصر عربي عظيم، ليس ابهى من معجزة تفجر ثوراته في كل هذه الأرض العربية، من أقصى المغرب الى أدنى المشرق في اليمن، الا نجاحها في إعادة بناء دولها، بهويتها الأصلية، مع الإفادة من العصر، بعلومه ونظمه الإدارية الحديثة التي وفرتها أسباب التواصل والاتصال.

إن أعداء الثورة في الداخل كثر، ولكنهم اعجز من ان يواجهوها مباشرة،

أما أعداء الثورة في الخارج فأقوياء جداً.. وأقوى ما لديهم الدهاء ومحاولة الإفادة من حاجة الثورات الى المساعدات الاقتصادية والخبرات والبرامج الفنية الحديثة.

والخطر ان يوظف الخارج حاجة الثورات الى المعونة المادية لكي يفرض عليها، كالعادة، شروطاً سياسية تذهب بقدرتها على التغيير.

لقد كان ترحيب الخارج (الاميركي خاصة والغربي عامة) بهذه الثورات لافتاً بحماسته، حتى لقد أثار الريبة في غاياته...

لكن تجربة فرسان الثورة في مواجهة الأنظمة التي كانت دائماً في أحضان الغرب الاميركي، تلقى مساندته ودعمه وحمايته، ستعلمها كيف تحمي نفسها من هذا النفاق الذي يهدف الى «شراء» موقفها السياسي ببعض القروض أو الهبات... التي سيدفعها، على أي حال، «أصدقاؤه» من أهل النظام العربي.

==================

الحوار الرسمي في سورية: أداة تغيير أم وهم تصحيح؟

 الاربعاء, 20 يوليو 2011

عماد شيحة *

الحياة

تعبّر البرهة السورية الراهنة عن مأزقٍ حقيقي لم يعد فيه المحكومون يرتضون مواصلة العيش كسابق عهدهم، ولم يعد في وسع النخبة الحاكمة أن تحكم سيطرتها بأدواتها القديمة ذاتها أو أن تعيد إنتاج نفسها كي يكون في وسعها حل أزمتها الاقتصادية/السياسية، ما يشير بطريقةٍ أو بأخرى الى أنّ الانتفاضة تدخل في طور ثورةٍ تستبق نضوج شروطها التاريخية. لكنّ المشكلة الحقيقية التي لا تزال قائمةً إلى اليوم إصرار تلك النخبة على أنّ مصدر الأزمة أيّ شيء وكلّ شيء سواها، الأسوأ والأخطر في ذلك كلّه تمسكها بوهم أنها وحدها القادرة، وكما فعلت طوال عقودٍ، على حلها وتجاوزها معاً.

 البطش والتنكيل بالمتظاهرين بوصفهم «مصدر الأزمة» أمرٌ لا يحتاج تفسيراً في ظل فهم لحظة صراعٍ بين أصحاب سلطةٍ ومن يحاولون انتزاعها منهم. ما ليس مفهوماً أبداً إطلاق غرائز القتل العمياء لدى الدهماء في مواجهة أيّ شكلٍ من أشكال الاعتراض في الشارع وصولاً إلى ممارسة إرهابٍ فكريٍّ بالغ التطرف على كل من يشق عصا الطاعة ويجرؤ على إشهار تأييده للمحتجين ووقوفه إلى جانب الحقوق التي يكافحون لاستردادها، وهو ما حدث تماماً مع المثقفين والفنانين من لحظة تظاهرهم مروراً بتوقيفهم ووصولاً إلى الترويع الذي رافق إطلاق سراحهم.

لا يلوح في الأفق انفراجٌ أوحت به للوهلة الأولى توصيات لقاءٍ تشاوريٍّ يفترض، كما يقال، أن ينتقل إلى مرحلةٍ تاليةٍ ترسم من خلال حوارٍ موسعٍ ملامح عقدٍ اجتماعيٍّ جديد! ومع أنّ بعض إعلاميي النظام اضطروا تحت ضغط التردي المتفاقم للوضع الاقتصادي والانفتاح المستجدّ على بعض الأطراف المعارضة إلى التراجع والإشادة بكل ما احتوته توصيات اللقاء، على رغم تعارضها مع جوهر ما كانوا يدافعون عنه أو يدحضونه وينددون به، لكنّ البطش بجزءٍ من النخبة المثقفة - وهو أمرٌ يتعارض على طول الخط مع منطوق التوصيات ومدلولاتها - على ذلك النحو يعيد إلى الأذهان العنف الوحشي عينه الذي طبّق على «حثالة» الشوارع.

الحوار المزعوم لا يصح من دون قبول الآخر المختلف، ولا يستقيم من دون خلافٍ محددٍ ومعترفٍ به أولاً ومن دون متحاورين أندادٍ ثانياً ومن دون هدفٍ واضح الملامح أساسه حل ذلك الخلاف بأدواتٍ لا يدخل في مفرداتها، لا العنف ولا الإكراه ثالثاً. ألا يمكن الاستدلال على طبيعة ذلك الحوار وهدفه وأدواته من المفردات البيانية والإجرائية التي خاطبت بها السلطة الأمنية وأعوانها أولئك الشبان والشابات الذين يصنعون ثقافة غدٍ على مقاسات أحلام مواطنيهم؟ ألا يحق تلمس أفقه وتوجهه من منع عقد لقاءٍ / حوارٍٍ لمعارضين على أرض وطنهم كانت حصيلتها المروعة أربع عشرة ضحيةً؟ يبدو وكأن كلّ سعيٍّ للتهدئة، يتخذ شكل محاولة تجاوبٍ لفظي مع مطالب الشارع تتمظهر على أرض الشارع نفسه على هيئة وقائع تقوض ذلك السعيّ، يعقبه مباشرةً تصعيدٌ بدل التهدئة المرجوة (حدث ذلك بعيد إلغاء حالة الطوارئ وكانت الحصيلة نيفاً ومئة ضحية، أما الحصيلة التي أعقبت التوصيات الآنفة الذكر فقاربت الثلاثين ضحية)!

ألا يدعو ذلك للتساؤل عن اعتباطية ما يحدث، أيعقل أن يكون أحد ملامح استراتيجيةٍ متعمدةٍ للقضاء على الانتفاضة برمتها بذريعة حلّ الأزمة؟ هل ستدور دورة العنف الدموي مجدداً إلى حين عقد مؤتمر الحوار الوطني الرسمي لتعاود الظهور مرةً أخرى في أعقاب النتائج التي سيتوصل إليها (الفترة التي انقضت بين الإعلان عن اللقاء وصدور توصياته قاربت الشهرين)؟ ألن يتنبه أحدٌ في لحظة صحوٍ لمكمن الأزمة وموضعها والشركاء اللازمين لحلها، أم أنّ برهة التغيير ستتمدد في الزمان والمكان إلى أن تتغير الشروط فلا ينفع حينها صحوٌ ولا ندم؟

واقع الحال، على ما يظهر، أنّ النظام يعدّ العدّة ل «معركةٍ» طويلة الأجل لربما تمتد «شهوراً أو سنوات»، ما يحيط فكرة الحوار ذاتها بكثيرٍٍ من الشكوك ناهيك عن توفير البيئة الآمنة لمجرياته. وهو أمرٌ ينبغي أخذه على محمل الجدّ من جانب المنظمين الميدانيين الذين يواصلون، على ما يبدو، التعبئة على أساس تراكماتٍ توصل إلى لحظةٍ فاصلةٍ شبيهةٍ بما حدث في تونس ومصر. التباين القائم يستدعي رؤيةً مختلفةً تعتمد على توفير الجهود والاقتصاد في استخدام الموارد للمحافظة على قدرة المواجهة والاستمرار لأطول فترةٍ ممكنة. فضلاً عن عدم التنكر لفكرة الحوار الحقيقي بوصفه أحد أهم المخارج لحل الأزمة.

حدث وأن أشار المشرفون على اللقاء إلى أنّ ما جرى تداوله وتضمنه البيان الختامي يتخطى سقف مطالب الشارع، فما الضير في أن يواصل المتظاهرون التعبير عن رأيهم بسلام، وما الضير في تركهم وبقية المعارضين يجرون حواراتهم بالطريقة التي تلائمهم تمهيداً للحوار الوطني الموسع الموعود؟

ثمة مفارقةٌ أخلاقيةٌ مريعةٌ في ترافق أفراح احتفالات المؤيدين وأتراح المفجوعين بشهدائهم وجرحاهم، توسيع دائرة الحشد والتعبئة على خلفية استثارة غرائز الكراهية والثأر والقتل، علاوةً على تصعيد الحملة الأمنية/العسكرية سيكون بمثابة حكمٍ بالإعدام على ذلك الحوار والعودة مجدداً إلى مفردات الاستئصال والإلغاء.

==================

انتهاء حقبة الأنظمة الشمولية

أحمد ذيبان

Theban100@hotmail.com

الرأي الاردنية

20-7-2011

ثمة طرفة تروى في بلد عربي كان يحكمه حزب شمولي، ولأغراض الديكور السياسي كان ثمة «جبهة وطنية» تضم بالإضافة إلى الحزب القائد بعض الأحزاب الصغيرة، احدها «الحزب الديمقراطي» الذي قرر افتتاح فرع له في احدى المحافظات،وكان شخص يعلق لوحة على مدخل المقر، كتب عليها اسم الحزب، وعندما التفت إلى الخلف لاحظ « مخبرا» يراقبه، فسارع الى إضافة جملة إلى اسم الحزب تقول «لصاحبه الحزب. .» أي الحزب الحاكم!.هذه الطرفة حتى لو كانت من صنع الخيال،لكنها تؤشر على ذهنية احتكار الأحزاب الحاكمة للحياة السياسية والتحكم بمفاصل الدولة، وابقاء هامش محدود لأحزاب أخرى صغيرة تدور في فلكه!.

لعلها مفارقة انه بعد أسابيع قليلة من صدور قرار قضائي بحل الحزب الوطني الحاكم سابقا في مصر ومصادرة أمواله وممتلكاته، سمح لجماعة الاخوان المسلمين بإنشاء حزب سياسي باسم «الحرية والعدالة «،بعد ان عانت الجماعة كثيرا من قمع نظام مبارك، ومثل هذا التطور كان يبدو أقرب إلى الخيال، لولا «ثورة يناير». وكذا الحال في تونس بعد سقوط نظام بن علي،حيث تم إلغاء حزب التجمع الدستوري الحاكم سابقا.

تجاوزت المجتمعات الصيغ والأطر التقليدية من عشائرية وعائلية وجهوية وطائفية وغيرها، واصبح الحزب افضل آلية لتنظيم الجهد الإنساني

وتكريس التعددية السياسية،والتنافس على كسب ثقة الجمهور، للمشاركة في الحكم وفقا لمبدأ تداول السلطة، لكن مقولات « الحزب القائد» ا والزعيم الملهم!. بقيت «علامة فارقة» في بعض البلدان العربية التي قادها الحظ العاثر،الى الخضوع لحكم احزاب شمولية،تفننت في اقصاء القوى والأحزاب السياسية المعارضة، وفرخت أحزابا هامشية تشكل معارضة صورية!.

تضخمت الاحزاب الشمولية، وبلغ عديد منتسبي بعضها ملايين الأشخاص، ليس لان هؤلاء انضموا اليها عن قناعة فكرية وسياسية، فغالبيتهم العظمى انتسبوا اليها لأغراض نفعية انتهازية، وإعلان ولائهم للنظام الحاكم وتحقيق المكاسب، مثل تقلد مناصب سياسية وإدارية والحصول على وظائف عليا وامتيازات متنوعة، والوصول إلى مقاعد البرلمان والمجالس المحلية، ا وابرام صفقات تجارية.

حتى الأحزاب التي بدأت نظيفة، بتبني افكار ونظرية سياسية تعكس الواقع الاجتماعي،انتهت إلى تركيبة مشوهة، اختلط فيها السياسي بالطائفي بالجهوي، فسقطت في وحل الاستبداد والفساد، وتداخل فيها الأمني بالحزبي، وتحولت إلى أداة قمع وترهيب للمجتمع، واقصاء منهجي لقوى المعارضة، حتى في بعض الدول التي لا تحكمها أحزاب تم تجفيف الحياة السياسية، وخلق بيئة طاردة للعمل العام، وأصبح الحديث عن وجود أحزاب معارضة يثير السخرية.

«الربيع العربي» أسقط هذه الصيغ البالية، كما حدث في مصر وتونس.

عملية الاصلاح السياسي فرضت نفسها على الجميع، وعمودها الفقري انتاج بيئة سياسية جديدة، تقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية،وقد بدأت الأنظمة في غالبية البلدان العربية، باتخاذ خطوات عملية نحو الاصلاح استجابة للاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية ومكافحة الفساد والاستبداد، وهذه عملية بناء لن تنجز في يوم وليلة، ذلك ان الديمقراطية هي ثقافة وسلوك، بحاجة إلى ممارسة لكي تترسخ وتستقر، كما السباحة لا يمكن تعلمها على السرير.

==================

التباين التركي - الإيراني إزاء التطورات في سورية

رضا كرمابدري *

* عن «صبح صادق» الايرانية، /18/7/2011،

اعداد محمد صالح صدقيان

الحياة 20/7/2011

في ظل التطورات والمؤامرات التي تتعرض لها سورية، بدأت تركيا تصعيد مواقفها علی وقع تفاقم التطورات في هذا البلد. وبدا جلياً ان الاتراك يقفون في مواجهة النظام السياسي في سورية، وينحازون الی الجبهة التي شكلتها الولايات المتحدة.

 ولم تكتف تركيا بمواقفها السلبية إزاء سورية، بل استضافت مؤتمرين للمعارضة، وأقامت مخيماً لاستقبال اللاجئين السوريين قبل وقوع مواجهة بين المحتجين والسلطات السورية. وثمة معلومات عن دخول السلاح للأراضي السورية عبر تركيا.

وتخطئ تركيا إذ تحسِب انها تساهم في تحقيق المطالب العادلة للشعب السوري، في وقت ترسل السلاح الى من يقتلون عناصر الامن والشرطة. وما رأي الحكومة التركية في خروج ملايين من السوريين الذين ايدوا النظام السوري؟ وكيف تفسر الحملة الإعلامية التي تقودها الدول الغربية على سورية؟

ويسود الاعتقاد ان الاتراك أساؤوا قراءة واقع التطورات السورية، أو أن من يقول بأن سقوط النظام السوري فرض عليهم موقفهم، ودعاهم الى استغلال الفرصة لتحقيق المكاسب في المستقبل، والمساهمة في تقسيم الكعكة السورية اذا تطلب الامر.

وما يجري في بعض الدول العربية يختلف عما يحدث في سورية. وهذه في معسكر المقاومة، وهي تدفع ضريبة موقفها هذا المخالف لمصالح الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية.

وسعى التدخل الاجنبي الى التأثير في الرأي العام، وتسويق فكرة أن ما يحدث في سورية يشبه ما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن. وترمي الولايات المتحدة وبعض الدول الاقليمية التي خسرت مواقعها في بعض الدول العربية، الى كسب المعركة في سورية من اجل ارساء توازن في محصلة الارباح والخسائر، أي تعويض الخسائر.

وتعتقد الولايات المتحدة وبعض الدول الاخری ان سقوط النظام السوري يردم الهوة التي نجمت عن سقوط حكومات المنطقة الموالية للجبهة الموالية لأميركا والغرب، ويخلف أثراً بالغاً في معادلة الشرق الاوسط السياسية. ولا يخفى على أحد عمق العلاقة بين طهران ودمشق. فالنظام السوري برز حجر عثرة في مواجهة التدخلات الاجنبية، واستقرار المنطقة يختل إذا سقط النظام السوري. والموقف الايراني مما يجرى في سورية يحتسب هذه التطورات.

وثمة مؤشرات الى أن الحكومة السورية باشرت عملية الاصلاح السياسي، وانها ستتمكن من اعادة الامور الی نصابها، اذا نجحت في قطع ايدي التدخلات الاجنبية.

واذا انتهجت تركيا نظرة واقعية الى حوادث سورية، انعقدت ثمار التعاون التركي – الايراني، وأفضى الی نتائج ايجابية تنعكس علی مساحة جغرافية واسعة وتحقق اهداف تركيا في هذه المنطقة.

وحريّ بالاتراك ان يدركوا ان ايران لن تفرّط بمصالحها الاستراتيجية، ولن تنحاز الى الموقف التركي اذا خيرت بين تركيا وسورية، خصوصاً اذا تمسكت أنقرة بنهجها الحالي إزاء دمشق والذي يفاقم الازمة السورية. وأنقرة مدعوة الى ادراك خيارات ايران وأن تسلك مساراً يفضي الى ما لا رجوع عنه.

=============

حماة 1964... حماة 2011

خيرالله خيرالله

الرأي العام

20-7-2011

«ياشعب سورية الحبيبة.

ان الجبهة الوطنية الديموقراطية الدستورية الممثلة لكافة القوى المؤمنة بالحرية والديموقراطية والتي اخذت على عاتقها اليوم السير في طليعة الشعب في معركته ضد الطغمة الحاكمة، تدعو كافة المواطنين للالتفاف حولها ومتابعة العصيان المدني السلمي حتى تحقق مطالب الشعب التالية:

- الغاء حال الطوارئ.

- اطلاق الحريات العامة واعادة العمل بالدستور.

- تشكيل حكومة انتقالية من عناصر وطنية تتولّى اجراء انتخابات حرة نزيهة لاقامة حكم ديموقراطي سليم.

ان الجبهة تعاهد الشعب على السير معه حتى تتحقق امانيه واهدافه. ان الشعب قادر على فرض ارادته وتحقيق مشيئته».

كم عمر هذه المطالب؟ عمرها ما يزيد على سبعة وخمسين عاما. فالبيان الصادر عن «الجبهة الوطنية الديموقراطية الدستورية» التي تضم الهيئات والمجموعات المعادية لحزب البعث في سورية مؤرخ بتاريخ العشرين من نيسان- ابريل 1964 وهو منشور في صحيفة «الحياة» التي كان يملكها وقتذاك مؤسسها الشهيد كامل مروة الذي اغتالته في العام 1966 في بيروت عصابة محلية تابعة للمخابرات المصرية التي كان يسيّرها جمال عبد الناصر.

على ماذا تدل تلك المطالب؟ انها تدلّ على ان شيئا لم يتغيّر في سورية. لا تزال مطالب السوريين نفسها على الرغم من كل التغيّرات التي طرأت على تركيبة حزب البعث نفسه. مثلما فشل معمّر القذّافي في تغيير طبيعة المجتمع الليبي، فشل البعث السوري في طمس هوية الشعب السوري الذي لا يزال يطالب بالحرية والكرامة. من يتصفح اعداد «الحياة» للسنة 1964 يكتشف ان حماة العام 1964 هي حماة العام 1982 وحماة العام 2011. كذلك اخوات حماة من مدن اخرى. دمشق هي دمشق وحمص هي حمص وحلب هي حلب. لا تزال المدن السورية كلها تقاوم حزب البعث، على الرغم من تحوّله لدى حصول انقلاب الثامن من آذار- مارس 1963 من حزب مدني، اقلّه ظاهرا... الى حزب تحت سيطرة العسكر، ثمّ الى حزب تحت سيطرة طائفة معينة من العسكر وصولا ابتداء من العام 1970 الى حزب تابع لعائلة وليس فقط لطائفة بحد ذاتها.

تغيّرت تركيبة البعث. لكن سورية لم تتغيّر. لا يزال الشعب السوري يقاوم على الرغم من كل المحاولات الهادفة الى اخضاعه واذلاله. على سبيل المثال وليس الحصر، كان عنوان الصفحة الاولى لعدد «الحياة» الصادر يوم الثاني والعشرين من نيسان- ابريل 1964 الآتي: «موفد الحياة يدخل حماة ويصف الحالة فيها» ثم: «الحافظ: قلنا سنسحقهم في ايام وقد سحقناهم». والحافظ هو اللواء امين الحافظ الذي كان رئيسا للجمهورية في مرحلة ما بعد مباشرة العسكر وضع يدهم على السلطة تحت عباءة البعث. كان العسكر ينتمون في البداية الى الاقليات ولكن كان بينهم بعض السنّة من ضواحي المدن الكبيرة او الريف. كان هناك ضباط دروز وعلويون واسماعيليون في قيادة الحزب الذي سيطرت عليه مجموعة علوية ابتداء من الثالث والعشرين من شباط- فبراير 1963، مجموعة ضمت صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ الاسد. في تشرين الثاني- نوفمبر 1970، تخلّص حافظ الاسد من صلاح جديد ومحمّدعمران. كان مصير الاوّل السجن والآخر الاغتيال في طرابلس اللبنانية. صار النظام في سورية منذ تلك اللحظة عائليا- بعثيا، حتى لا نقول شيئا آخر...

بقي الشعب السوري يقاوم. كانت مأساة حماة 1982 التي لا يتحمل النظام وحده المسؤولية عنها بغض النظر عن الفظاعات التي ارتكبها والتي لا يمكن تبريرها في اي شكل، نقطة تحوّل. كشفت حماة ان لا خيار آخر لدى النظام غير القمع وان لن يتعلّم من تجارب الماضي القريب. في السنة 2011 يمكن القول ان حماة ما زالت تقاوم وان النظام عاجز عن التعاطي مع المطالب الشعبية عن طريق آخر غير القمع.

مجدّدا، من يعود الى اعداد «الحياة» للعام 1964 يكتشف ان النظام السوري غير قابل للاصلاح. الاهمّ من ذلك، انه غير قادر على استيعاب انه عاجز عن تغيير طبيعة المجتمع السوري، تماما مثل عجز القذّافي عن احلال الجماهيرية مكان ليبيا. حافظ الاسد 1982 هو امين الحافظ 1964. بشّار الاسد 2011 هو حافظ الاسد 1982. اي اصلاح في سورية يعني ان على الرئيس الذهاب الى بيته. من هذا المنطلق، يمكن فهم تصرفات النظام السوري وكون الرئيس اسير النظام واسير عقلية معيّنة ترفض الاعتراف بالآخر. وهذا يفسّر الى حد كبير التصرّفات السورية في لبنان والرهان على تغيير طبيعة المجتمع اللبناني عن طريق الغاء الآخر من جهة والاستعانة بادوات ايرانية مثل «حزب الله» او ادوات لدى الادوات مثل النائب المسيحي ميشال عون من جهة اخرى.

لبنان ما زال يقاوم. من ثمار مقاومته اضطرار النظام السوري الى سحب قواته من لبنان بعدما اعتقد انها ستظلّ فيه الى الابد. لم يلتقط القيمون على النظام معنى الفشل في تغيير طبيعة المجتمع اللبناني واذلال اللبنانيين واخضاعهم وقتل زعمائهم. لم يفهموا حتما ان الهرب الى لبنان لن يفيدهم في شيء وان عليهم عاجلا ام آجلا العودة الى سورية والى همومها. لم يفهموا ان «حزب الله» الايراني وادواته لن يكون قادرا حتى على تغيير طبيعة المجتمع الشيعي المتمسّك بثقافة الحياة في لبنان وان المسيحيين باكثريتهم الساحقة سيلفظون امثال ميشال عون ومن جرّ جره من الاذلاء والوصوليين الذين يخجل المرء من ذكر اسمائهم. كيف لحزب مذهبي من هذا النوع ان يغيّر لبنان ما دام سيفشل في تغيير الطائفة التي وضع يده عليها... او على الاصحّ شبّه له بانه وضع يده عليها!

ربما كان مفيدا مجرّد التذكير بان حماة وغيرها من المدن لا تزال تقاوم منذ العام 1964 وهذا يعني ان مشكلة النظام السوري كانت دائما مع الشعب السوري وان الهروب الى خارج الحدود لن يحل له مشكلة. انه رجل المنطقة المريض لا اكثر ولا اقلّ. المأساة انه يرفض الاعتراف بالواقع. يبقى السؤال ما الثمن الذي ستدفعه سورية، وربّما لبنان ايضا، جراء ذلك؟

============

الغزل السوري الإسرائيلي!

طارق الحميد

الشرق الاوسط

20-7-2011

تأكيدا لما انفردت به صحيفة «الشرق الأوسط» الجمعة الماضية، فقد أعلن النظام السوري أول من أمس رسميا اعترافه بالدولة الفلسطينية، كإحدى آخر الدول العربية المعترفة، والدولة رقم 118 على المستوى الدولي. فلماذا اعترف النظام السوري بالدولة الفلسطينية الآن؟

مصدر رفيع يقول: الأسباب واضحة، فهذا غزل سوري إسرائيلي؛ فباعتراف دمشق بالدولة الفلسطينية اليوم تكون، أي دمشق، قد أقرت رسميا بحدود 1967، وبذلك أقرت بأن لإسرائيل الحق في باقي الأراضي المسيطرة عليها. وبالطبع، فإن هذا يعني أن اعتراض دمشق، ومنذ عقود، على اتفاقية كامب ديفيد التي عقدها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع إسرائيل، وكلفت العرب الكثير من الخلافات العربية - العربية، وبسبب التحريض السوري، قد سقط الآن. فالنظام السوري، وتحت وطأة الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة، يفعل اليوم ما فعله صدام حسين يوم احتل الكويت؛ حيث أعطى صدام إيران كل ما حاربها من أجله طوال ثماني سنوات بجرة قلم. واليوم يبدو أن النظام في دمشق مستعد لفعل الأمر نفسه ليرسل رسائل جادة لإسرائيل!

مسؤول آخر، مطلع على ملف القضية الفلسطينية وسوريا، يرى أن الاعتراف السوري بالدولة الفلسطينية اليوم يعني أن نظام الأسد قد تنازل عن فكرة الوصاية على الشام، أي لبنان وفلسطين، خصوصا أن دمشق كانت تمنع لبنان أيضا من الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ومن الدلالات الأخرى للاعتراف السوري بالدولة الفلسطينية أن نظام الأسد قرر الوقوف مع مشروع محمود عباس، وهو الدولة الفلسطينية، وليس مع رؤية خالد مشعل زعيم حماس، كما أن ذلك يعني أيضا أن نظام الأسد قد تخلى عن فكرة تلازم المسارات في التفاوض، بين السوريين والفلسطينيين مع الإسرائيليين، وهو الأمر الذي قاتل من أجله النظام السوري مطولا، وحتى من خلال إفساد كل خطوة تفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحتى بشق الصف الفلسطيني، وتعميق انقسامه في إطار معركة الاعتدال والممانعة التي خاضتها دمشق عربيا، والحقيقة أنها كانت معركة بين معسكر العروبة، ومحور إيران، أي سوريا وحزب الله، وحماس.

وهذا يوجب علينا التنبه إلى أن الاعتراف السوري بالدولة الفلسطينية يعني كذلك أن نظام دمشق قد تخلى عن حماسه المفرط لإسقاط مبادرة السلام العربية التي طرحها الملك عبد الله بن عبد العزيز عام 2002، حيث لم يترك مناسبة إلا وطالب بسحبها، وها هي دمشق تقبل بأهم ما فيها، وهي حدود 1967!

كل ما سبق يجب أن يؤخذ في سياق تصريحات ابن خالة الرئيس الأسد رامي مخلوف لصحيفة «نيويورك تايمز» في أول أيام الانتفاضة السورية، حيث قال وقتها أن لا استقرار في إسرائيل ما لم يكن هناك استقرار في سوريا، ناهيك عن تصريحات أخرى من مسؤولين سوريين مع بدء الانتفاضة السورية بأن دمشق جاهزة لعملية السلام.

وعليه، فإن النظام السوري باعترافه بالدولة الفلسطينية كان يغازل إسرائيل للقول: أنا جاهز للسلام. والهدف الرئيسي بالطبع هو البقاء في الحكم، رغم الانتفاضة السورية المستمرة طوال نحو 5 أشهر، ورغم كل الدماء والقمع بحق الشعب السوري!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ