ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حازم صاغية الاتحاد 23/7/2011 تبدو البلدان العربيّة المنتفضة كلّها،
ولو على شيء من التفاوت، مثل بيوت
كبيرة أُهملت خمسين أو ستين عاماً، فلم
يُضرَب في جدرانها مسمار ولا صُرّفت
فيها مياه محتقنة ولا كُنّس ممرّ. وفوق
هذا كلّه، مُنع سكّان هذه البيوت من أن
يقولوا الحقيقة ومن أن يجهروا
بالمعاناة القاتلة التي فُرضت عليهم.
وهكذا لجأ بعضهم إلى الصمت والتكتّم
والتحايُل على الأمور بالتي هي أحسن،
وزعم بعضهم أنّ المشاكل كلّها محلولة
وأنْ ليس في الإمكان أفضل ممّا كان،
وهاجر أو فرّ إلى الخارج بعض آخر، فيما
ردّ غيرهم بالصلاة غير المسموعة الصوت
وبالاتّكال على الله، أو بالتعويل
التعويضيّ على لحظة من ماضٍ غابر وُصفت
بأنّها طوبى فردوسيّة. هكذا إذا كان وهماً افتراض أنّ الأنظمة
العربيّة المتساقطة سوف تنهض من تحت
الرماد وتعاود سيرتها، فوهمٌ آخر
افتراض الانتقال، بعد الانتفاضات، إلى
حياة ديمقراطيّة وشعوب ترفل بالسعادة.
ذاك أنّ كلّ ما تمتدّ إليه اليد في تلك
البيوت الكبيرة لا يلبث أن يتداعى بفعل
الإهمال وعدم الصيانة المديدين، كما
بفعل قلّة الخبرة الناجمة عن أنّ أيّ
إصلاح ظلّ طويلاً ممنوعاً من الذكر،
فكيف من الإنجاز؟ والحال أنّ الانتفاضات تُدخلنا، لا في
الديمقراطيّة كما يقال بشيء من
التسرّع الذي تمليه الحماسة والتعبئة
والسجال، وهذا طبيعيّ في مثل هذه
الحالات، خصوصاً لاصطباغ تلك اللحظات
بالموت والدم، كما بأكاذيب بعض
الأنظمة على نحوّ مستفزّ ومهين. بل هي
تدخلنا في مراحل انتقال محتمل إلى
الديمقراطيّة، وقبل ذلك إلى احتمال
التكوّن كشعوب وأمم متصالحة مع نفسها
وبلدانها وحدودها، قادرة على تأسيس
إجماعاتها الحرّة داخل تلك الحدود.
فغالباً، وفي معمعة الكلام عن
الديمقراطيّة، نميل إلى تناسي حقيقة
أشدّ أساسيّة هي أنّ الأنظمة
المتداعية إنّما حالت دون ذاك التكوّن
الوطنيّ، وأنّها غذّت سائر العناصر
الموروثة في تاريخنا وفي تراكيبنا
ممّا يقوّي التفتّت والابتعاد عن
المركز والتظلّل بالأديان والطوائف
والإثنيّات. وغنيّ عن القول إنّ تلك
"الاستراتيجيّة" هي ما أملتها
خدمة المآرب السلطويّة البحتة التي
بدل أن ترأب الصدوع والتشقّقات
فاقمتها ووسّعتها. ولنقل، في هذه المناسبة، أكثر من ذلك: هذا
الانتقال إلى الصيرورة الوطنيّة وإلى
الديمقراطيّة قد لا يكون مضمون
النتائج، وما من أحد من المنتفضين
يستطيع أن يضمن سلفاً ما سيؤول إليه.
فهو سيكون امتحاناً لقدرتنا على ذلك،
ومن ثمّ لمسألة الوعي لدينا بوصفها
عنصراً ذاتيّاً قادراً على الخيار
والتغيير والإسهام في صنع أصحاب
الحياة لحياتهم. فالمرء، إذن، إذ يؤيّد الانتفاضات فهذا
ليس لأنّها ستقيم جنّات فوريّة على
الأراضي العربيّة. ففي الانتقال سوف
تتفجّر عناصر مكبوتة، وقد تنهار دول
ومجتمعات وقد يُعاد تشكّلها من جديد.
لكنّ تأييد الانتفاضات نابع بالضبط من
كونها تستأنف التاريخ الذي جُمّد
وعُلّب طويلاً، وتوفّر الحرّيّة
بوصفها حقّاً إنسانيّاً أوّليّاً كما
بوصفها فرصة للذات كي تفعّل ذاتها،
بغضّ النظر عن الوجهة التي ستتغلّب على
التفعيل هذا. فبالانتفاضات ومعها تصعد
الجماعات من الحجْر إلى الجهر والهواء
كي تقرّر مستقبلها الذي أطبقت عليه
سنوات الاستبداد وحالت دونه. وهذا، بطبيعة الحال، لا يعني الاكتفاء
بالوقوف إلى جانب الانتفاضات والتصفيق
لكلّ ما يصدر عنها، ومن ثمّ الاستغناء
عن النقد وعن محاولة التصويب ما أمكن
التصويب. ففي هذه الرحلة الطويلة
والشاقّة من الانتقال إلى الأوطان
وإلى الديمقراطيّة، لابدّ دوماً من
الانحياز إلى هذا الخيار أو ذاك،
والتنبيه من هذا الخيار أو من ذاك، بما
يخدم تقصير الطريق وتقليل حجم الألم
والمعاناة. لكنْ، في المقابل، لابدّ من الإشارة،
مرّة بعد مرّة، إلى أنّ تأييد الأنظمة
بحجّة الخوف من فوضى الانتقال هو، في
أحسن أحواله، تأبيد للوضع الراهن
بوجهيه: وجهه الحاضر كظلم وتفاوت
صارخين وغير إنسانيّين، ووجهه
المستقبليّ، في حال كُتب له مستقبل،
كتعظيم لهذين الظلم والتفاوت بحيث
يأتي الانفجار، حين يأتي، أعظم وأشدّ
هولاً. ووراء الموقفين طريقتان في النظر إلى
جماعاتنا وشعوبنا: طريقة مفادها أنّهم بالغون سنّ النضج،
وأنّ لهم أن يقرّروا ما يريدونه من دون
أن ينوب أحد عنهم أو يمثّلهم فيه. فإذا
كان مطعوناً ببلوغهم تلك السنّ، فذلك
إنّما تتكفّل بحلّه التجربة والمعاناة
نفسهما. فحتّى الثقافة الشعبيّة، من
خلال أحد أمثلتها العاميّة، قالت إنّ
"ما من أحد يتعلّم إلاّ من كيسه". وهذا التقدير لا ينطوي، مرّة أخرى، على
أيّ تثمين شعبويّ لما قد يختارونه
لمجرّد أنّهم "الشعب". بل هم قد
يختارون ما نراه، أو ما يراه بعضنا،
خطأ. لكنّ ذلك لا يستطيع أن يقرّره، وأن
يصوّبه في حال خطئه، إلاّ هُم أنفسهم
من دون قائد خالد أو حزب قائد يقفان على
رؤوسهم ويكتمان أنفاسهم. وأمّا الطريقة الأخرى فتأخذهم بوصفهم
قاصرين، لا اليوم فحسب، بل قاصرين
أبديّين لا سبيل إلى معالجة قصورهم.
وهذا أمر لا يطيقه العاقل ولا يطيقه
الحرّ أيضاً، فكيف وأنّ نتيجته
المباشرة، بوعي أو بغير وعي، وبحسن
نيّة أو سوء نيّة، إطالة عمر الطغيان
وتمكين قبضته؟ إنّ أحداً لا يستطيع أن يقول للسجين الذي
قضى عشرات السنين في العتم إنّ عليه
البقاء في السجن لأنّ عينيه قد لا
تحتملان نور الشمس، وإنّهما قد تصابان
بالعمى في حال اصطدامهما بأشعّتها. ما
يقال للسجين في الحال هذه: اخرج من
السجن إلى الشمس، تحاشَ أن تنظر إليها
مباشرة في البداية، وحاول في الأيّام
الأولى أن تلبس لها نظّارات وافعل كذا
وكذا... لكنْ اخرج إلى الحرّيّة،
والباقي تفاصيل. ============== آخر تحديث:السبت ,23/07/2011 سليمان تقي الدين الخليج يبالغ النظام في سوريا كما يبالغ معارضوه
كل من عناصر قوته . هذه الواقعة التي
يمكن أن نلمسها من الحوار مع الطرفين
خارج الإعلام المفتوح، هي أحد أسباب
تعثر الحوار الوطني لمصلحة منطق
التفاوض . الحوار اعتراف بالآخر وفهم
هواجسه ومطالبه والبحث عن حلول
مشتركة، بينما التفاوض تسجيل نقاط
تقدم على الآخر بهدف تطويعه لغلبة رأي
هذا الفريق أو ذاك . ما يجري في سوريا حتى الآن هو تفاوض معظمه
بوساطة العنف المادي والمعنوي . فالحل
الأمني وعنف بعض أطراف المعارضة
المسلحة ولو بشكل محدود والمعتمدة في
بعض جهاتها على الضغوط الخارجية
سياسياً ومالياً وإدارياً وإعلامياً،
هو الوجه الرئيس للأزمة . يعتقد النظام
أنه يملك عدّة أوراق مهمة: وحدة
المؤسسات العسكرية (الجيش)، دعم أطراف
دوليين أساسيين في مواجهة الضغوط
الأمريكية الأوروبية (روسيا، الصين،
إيران)، قاعدة شعبية تتمثل في حزب
البعث وعصبيته (2،8 مليون)، وموظفي
الدولة ومصالحهم (5،1 مليون)، حذر
الأقليات الطائفية على مستقبلها،
ومصالح البرجوازية السورية وأولوية
الاستقرار لديها (نموذج حلب . .)
والثقافة السياسية الوطنية الغالبة
على نخب المجتمع السوري اليسارية
والقومية والليبرالية، وطبعاً على ضعف
التنظيم السياسي المعارض، والفجوة بين
المعارضة السياسية وحركات الاحتجاج
الشعبية التلقائية غير المؤطّرة وغير
المبرمجة . ويعتقد معارضو النظام وهم قوى وأطياف
متعددة مختلفة غير مترابطة أن حجم
الأزمة لا يسمح بحل سياسي وطني، كما في
رأي معارضة الخارج وبعض امتداداتها
الداخلية، ولا يمكن أن تعالج الأزمة
إلا من خلال وقف الحل الأمني والمبادرة
العملية إلى إجراءات جدية في ما يشبه
انقلاب النظام على نفسه (ثورة من فوق)،
وهذا ما تراهن عليه القوى التي تشارك
في الحوار وتلتزم نبذ العنف ورفض
التدخل الخارجي . لكن المسألة بالنسبة إلى مراقب، بمعنى
أخذ المسافة عن الحركة السياسية، يمكن
فهمها على النحو الآتي: الأزمة في سوريا أسبابها الرئيسة هي
تفاقم غير مسبوق للفقر والبطالة وفشل
السياسات التنموية والخدمات، ونظام
الامتيازات الاجتماعية والانفتاح
الاقتصادي والفساد الإكراهي الذي
تديره أجهزة الدولة، والأمن بصورة
خاصة . هناك تعديات شاملة على حقوق
المواطنين المدنية والسياسية أصبحت
بمرتبة نظام عام شامل، وهناك سلب
للحقوق يطاول الكرامة الإنسانية نتيجة
للحكم الأمني وغياب الحد الأدنى من
الحريات، ومن المؤسسات المراقبة
والمحاسبة ومرجعية القانون والعدالة . الوجه الآخر من الأزمة هو غياب المشاركة
السياسية، وثقافة الإقصاء التي طاولت
فئات معينة من المجتمع السوري أدت إلى
إلغاء حقوق المواطنة بما هي علاقة
قانونية مع الدولة، كالحرمان من
الجنسية (الأكراد) وقانون 49 الذي
يستأصل “جماعة الإخوان المسلمين”
الذي امتد عقوداً وطاول عائلاتهم
ونفيهم وحرمانهم من العودة إلى الوطن . الوجه الثالث من المسألة الداخلية هو
التناقض بين ثقافة التواصل الاجتماعي
وتداعيات العولمة ومناخ الثورات
العربية، وتأثيرها المعنوي وعبر أجيال
جديدة من الشباب المتعلم الذين انسدت
في وجههم آفاق العمل وتكوين الأسرة
والمشاركة السياسية، وهم يحصلون على
المعرفة والقدرة على المقابلة بين
أنظمة الحياة المختلفة . الجانب الأخير من الأزمة الداخلية يتمثل
في التقلّص المتزايد لدائرة الفئات
والشخصيات والنخب المستفيدة
والمشاركة في النظام . فهناك تراجع في
حجم وتنوع النخبة الممسكة بمفاصل
النظام سياسياً واقتصادياً ومن حيث
الهويات الطائفية والجهوية، وقد حصل
نوع من الانشقاق في هذه النخبة الحاكمة
بعد تسلم السلطة من الرئيس الحالي . كانت هذه العناصر مادة مهمة للسياسات
الخارجية الغربية التي وجدت في سوريا
نظاماً يمارس المشاغبة المزعجة في
معظم الملفات التي يريد الغرب أن
يطويها وفقاً لمصالحه . هذه الملفات الخلافية بين سوريا والغرب
الأمريكي الأوروبي كبيرة، من فلسطين
ولبنان والعراق والعلاقة بإيران،
وكذلك الخيارات الاقتصادية كتسريع
الانفتاح واعتماد اللبرلة والاندماج
في السوق الغربي، وإزالة كل الحواجز
القانونية والسياسية والاقتصادية من
طريق سلوك النظام خيار الانكفاء على
قضاياه ومشكلاته الداخلية واعتماد
نظرية “سوريا أولاً” . ولعل النظام في
سوريا الذي استجاب طوعاً واضطراراً
إلى التعامل بواقعية مع بعض هذه
المطالب، وقف متمرداً على مطالب
يستحيل أن يستجيب لها، لأنها تمس
شرعيته خاصة في مسألة الصراع العربي “الإسرائيلي”،
والأوراق التي يملكها لذلك، ومنها
المقاومة اللبنانية وإيران . فلم يكن
أمام سوريا بعد التحولات الدولية
والإقليمية منذ عقدين وطبيعة نظامها
والمصالح المهيمنة عليه، إلا أن تحتفظ
بهذه العناصر التي تشكل وسيلتها شبه
الوحيدة للبقاء في المعادلة . الأزمة في سوريا الآن أكبر من أن تعالج
بالحل الأمني وبوهم مواجهة الداخل
والخارج بسياسات الاستفادة من الوقت
كما اعتادتها سوريا . كما أن الأزمة
ليست من النوع الذي يسهل معه الحديث عن
“إسقاط النظام” من خارج سياقات الحرب
الأهلية المديدة التي تستنزف دور
سوريا وليس النظام . إذا صح هذا التصور
وهذه القراءة فلا بديل إلا التواضع من
النظام ومن معارضيه غير المرتبطين
بقاطرة الضغوط الخارجية، لكي تحصل تلك
التسوية التاريخية التي تفرض تنازلات
مؤلمة على النظام، لكن لمصلحة الداخل
ولشعبه ضمن الحدود التي لا تضطره إلى
التنازل لمصلحة الخارج أو سلوك طريق
الحرب الأهلية . والسؤال هل سيكون
الجيش الوطني (لا الأمن الفاسد) هو أحد
أهم أدوات هذا الحل الوطني، أم سيكون
إحدى الأدوات التي يسعى الغرب إلى
استدراجها لكي تكون جزءاً من الصراع
على السلطة؟ هذا السؤال أكثر من واقعي
أمام المشهد الذي ينهك الطرفين (نخب
النظام ونخب المعارضة)، في ظل غياب
البديل المنظم الوطني السياسي الشعبي
المدني الجاهز . ============= حسين العودات التاريخ: 23 يوليو 2011 البيان عقد في دمشق وخارجها خلال الأسابيع
الماضية عدة لقاءات ومؤتمرات أشرفت
عليها السلطة أو المعارضة، أو كان
الإشراف بين بين، وبدأت طلائع هذه
اللقاءات بلقاء المثقفين السوريين
الذي عقد في فندق سميراميس في الشهر
الماضي وحضره أكثر من مئة مثقف من
المعارضة والموالاة ولم تمنعه السلطة
بل كانت راضية عنه ويقال إنها حرّضت
على قيامه ووافقت على عقده، ويشير بعض
المحللين أن السلطة كانت تهدف من وراء
الموافقة إقناع الإدارة الأميركية
والدول الأوروبية أنها بدأت تسمح
بلقاءات الحوار داخل سورية، وتقبل
اجتماعات المعارضين، وبالفعل فقد
أصدرت الإدارة الأميركية ووزارة
الخارجية الفرنسية تصريحات أكدت أن
هذا الأمر إيجابي، وأنه بداية لأمور
أخرى لتعزيز الإصلاح في سورية، مع أن
المؤتمر لم تشارك به أحزاب المعارضة لا
بصفتها كأحزاب ولا أحد من قياداتها أو
من مثقفيها. بعد أيام قامت أحزاب المعارضة السورية
بتشكيل قيادة تنسيق موحدة مؤلفة من 19
عضواً وعقدت مؤتمراً صحفياً علنياً
لأول مرة حضره عدد من الصحفيين، أعلنت
فيه بيانها السياسي وأسماء قيادتها
الجديدة ونقدها للسلطة وشروطها
لمحاورتها، ولم تتدخل قوى الأمن أو
السلطة لمنع ذلك المؤتمر الصحافي أو
تفريق المؤتمرين. كما هي العادة، كما
لم تعتقل أحداً رغم النقد القاسي
لسياساتها. في العاشر من الشهر الحالي عقدت السلطة
السورية لقاءً تشاورياً في دمشق،
برئاسة فاروق الشرع نائب رئيس
الجمهورية، حضره حوالي (200) شخصية
معظمهم من السلطة أو أنصارها أو ممن
لهم أفكار معارضة. وقد دعيت أحزاب
المعارضة لحضوره بصفتها أحزاب معارضة
وليست أفراداً، لكن هذه الأحزاب بكافة
أطيافها رفضت المشاركة سواء كانت
تيارات أو قوى أو منظمات أو شخصيات
مستقلة من داخل سورية أو خارجها، وبررت
رفضها للدعوة بعدم توفر المناخات
المناسبة للحوار، وشددت على ضرورة
توافر ثمانية شروط للمشاركة منها سحب
الجيش من المدن والبلدات، وإيقاف
العنف ومحاسبة المسئولين عن القتل
والسماح بالتظاهر السلمي وإيقاف
التجييش الإعلامي وتفعيل إلغاء حالة
الطوارئ وإطلاق سراح المعتقلين جميعهم
والتعهد المسبق بإجراء تعديلات
دستورية واسعة تسمح بالانتقال إلى
نظام ديموقراطي تعددي. ورغم هذا الرفض
أصرت هيئة الحوار (التي كان قد شكلها
الرئيس بشار الأسد قبل شهرين ) على
المضي قدما وعقد اللقاء بمن حضر. ناقش اللقاء الأوضاع الدستورية وهيكلية
الدولة والأزمة داخل النظام والمجتمع
بشكل عام، واحتج البعثيون المشاركون
في المؤتمر على المطالبة بإلغاء
المادة الثامنة من الدستور التي تخول
حزب البعث قيادة الدولة والمجتمع،
ورفضوا مناقشة تقليص الامتيازات
السياسية التي يحظى بها الحزب
والحزبيون، ورأوا أن هذه المطالب هي
اجتثاث للبعث وحل للسلطة وستؤدي إلى
خلل في بناء الدولة، بينما طالب عدد من
المحاورين تعديل الدستور بكامله بما
يعني تغيير هيكلية الدولة وصلاحيات
الرئيس ومجلس الوزراء والمحكمة
الدستورية العليا ومجلس الشعب. كان البيان
الختامي متواضعاً فلم يشر إلى ضرورة
إنهاء الحل الأمني ووقف التجييش
الإعلامي، أو إلى تفعيل إلغاء حالة
الطوارئ والاعتراف بتداول السلطة، ولم
ترق مطالبته بإخراج المعتقلين
السياسيين إلى قرار بل صاغها على شكل
توصية، وترك تنفيذ كل هذه التوصيات
والقرارات إلى السلطة وربطها برغبتها.
ناقش اللقاء مشاريع ثلاثة قوانين كانت
قد أعدتها لجان حكومية وهي قوانين
الأحزاب والانتخابات والإعلام، ورأت
المعارضة أن هذه القوانين لا تفي
بالغرض ولم تخرج بمضمونها عن رغبة
الحكومة وآفاق رؤاها، لأنها جميعها من
إعداد موظفين بيروقراطيين، يخدمون
حكومتهم، وانتهى هذا اللقاء التشاوري
باهتاً وبدون فعالية . وهو على أية حال مقدمة لعقد مؤتمر حوار
فيما بعد وهذا ما ستعمل هيئة الحوار
على تحقيقه لاحقاً. وتقول أوساط
المعارضة تعليقاً على نتائج المؤتمر،
أن توقعها كان صحيحاً خاصة فيما يتعلق
بعدم جدية النظام فيما يتعلق بالحوار
أو الإصلاح، وتأكيدها أن ممارساته
واقتراحاته ما هي سوى (تكتيك) لإسكات
الانتفاضة فقط. كان من المفترض أن يعقد
في دمشق مؤتمر الإنقاذ الوطني الذي يضم
فئات معارضة عديدة معظمها من المعارضة
الإسلامية. ولكن السلطة منعت عقد هذا
المؤتمر، فعقد مؤتمر توأم له في الوقت
نفسه في اسطنبول، واتخذ قرارات مرتبكة
وغير واضحة، فبعد أن دعا بعض أعضائه
لتشكيل حكومة مؤقتة تراجع المؤتمر عن
ذلك واتخذ قرارات أخرى، عامة وغامضة. من المتوقع أن يعقد المجلس الوطني لإعلان
دمشق مؤتمراً في الأيام القادمة، ولا
يختلف برنامج إعلان دمشق السياسي عن
برنامج مجلس التنسيق لأحزاب المعارضة،
ويضم حزباً عربياً وبعض الأحزاب
الكردية، إضافة لمعارضين مستقلين،
وتجري مفاوضات الآن بين الإعلان وبين
المجلس التنفيذي لهيئة تنسيق الأحزاب
لتوحيد الهيئتين وبالتالي توحيد
المعارضة بكافة أطيافها. وخارج سورية،
كان قد عقد في أنطاليا التركية مؤتمر
للسوريين لم يتخذ قرارات إجرائية بل
أعلن دعمه للانتفاضة ومعاداته للنظام،
كما عقد مؤتمر مماثل في بروكسل انتهى
إلى قرارات مماثلة. هكذا إذن تتعدد اللقاءات والمؤتمرات
السورية المعارضة وشبه المعارضة
والموالية وتبحث جميعها عن إيجاد حلول
أو رسم خارطة طريق أو اتخاذ قرارات
تخرج سورية من أزمتها الراهنة. علق احد
المراقبين على تعدد هذه المؤتمرات
واللقاءات فاعتبر أنه من الطبيعي أن
تتعدد تيارات المعارضة وتتنوع آرائها
بعد أربعين عاماُ من الكبت والقمع
والحرمان من إبداء الرأي. وليست هذه
الظاهرة ظاهرة شاذة حسب رأيه، وتوقع
أنها ستفضي إلى وحدة المعارضة السورية
في وقت قريب. ============== راجح الخوري
النهار 23-7-2011 يحتاج الوضع المتأزم في سوريا، بعد مرور
خمسة أشهر على بداية الحركة الشعبية
المطالبة بالاصلاح والحرية، الى "انقلاب
تصحيحي". قد لا تكون كلمة "التصحيح"
جذابة أو مقبولة لأسباب تتصل بما آلت
إليه "الحركة التصحيحية" الاولى. ربما لهذا يحتاج الامر سيدي الرئيس الى
انقلاب منك "عليك". هذا الامر قد
لا يكون ضمناً خافياً عليك. ليس خافياً
عليك أيضاً أن الحل الأمني باتت أضراره
أكثر من فوائده، وخصوصاً بعدما اجتازت
الامور كل هذه المسافة من الآلام
والجروح والكراهيات وحتى الأحقاد التي
يعاد نبشها من جديد. ليس خافياً عليك أيضاً، أنه في ظل هذا
الواقع المفعم بالعنف، باتت سوريا كمن
يستقل سلّماً كهربائياً يقود دائماً
الى فوق، بمعنى أن الدم يستسقي الدم
والعنف يجلب العنف، والآلام تؤسس
لمزيد من الآلام. تعرف سيدي الرئيس أن
الدبابات المتنقلة في المدن السورية
لا تستطيع في النهاية أن تفتح للنظام
صفحة جديدة خالية من الكراهية
والضغائن، وتعرف أن الاصلاح الذي أردت
أن تبدأ عهدك به وواجه سدود "الحرس
القديم" لا يزال يرسم لك صورة شعبية
عند السوريين، وتعرف أيضاً أن كل ما
قلته عن الاصلاح في خطبك الأخيرة لا
يمكن أن يجد طريقه الى التنفيذ المنقذ
والمرجو قبل أن يتوقف البارود وتبرد
الجروح وتهدأ الأحزان، ولكي يحصل هذا،
يجب أن تتوقف المجنزرات عن التقدم
ويخرج المعتقلون من السجون. تعرف أيضاً أن المستوى الأمني في سوريا لم
يكن يعرف ما في نفوس الناس وإن عرف
جيداً ما في أحيائهم وبيوتهم، وأن ما
حصل ويحصل حركة شعبية تطالب بإصلاح
مشروع أقررت به أنت، وأن المنادين من
حولك بالحل الأمني خسروا الرهان ولم
يعد سباقهم الآن مع الوقت بل مع
المأساة المتنامية، وهذا ما لا تريده
لا وطنياً ولا أخلاقياً. وحتى لو أعاد الأمنيون الناس الى بيوتهم
وصمتهم وصبرهم، فإن ذلك لن يعني أنك
كرئيس شاب وعصري، كما ينظر إليك، ستحكم
وطناً بل ستحكم سجناً كبيراً لن يلبث
أن يثور وأنت لا تريد أن تكون سجّاناً. كل ما قيل عن الإصلاح والمؤتمرات
الإصلاحية والوعود المتكررة بالإصلاح
لا يوقف العاصفة المتصاعدة. وليس هناك
من يشك لحظة في أن تصاعد الأمور قد يدفع
سوريا نحو محنة كبيرة تستمر سنوات وقد
تجرّ البلاد والمنطقة الى كوارث مخيفة. سيدي الرئيس، وحدك أنت تملك المخرج
والحل، لا الحزب ولا العائلة. أنت
شخصياً، بما لك من رصيد شعبي، يدفعك
الى الوقوف صارخاً في أهل النظام وفي
الشعب أن: كفى... الأمر لي. فليذهب الأمنيون الى
البيت وربما الى المحاسبة، وليأت
المطالبون بالإصلاح لنرسم سوياً طريق
الحرية والمستقبل. ============== وزر الصراع الطائفي
يتحمله النظام وحده ياسر الزعاترة الدستور 23-7-2011 ما جرى في مدينة حمص كان «بروفا» سيئة لما
يمكن أن يحدث في سوريا إذا استمر
النظام في عناده من جهة، وأصرَّ تبعا
لذلك على الاستنجاد بالطائفة العلوية
واستدعائها للدفاع عنه من جهة أخرى. قبل أحداث حمص الطائفية، والتي قتل فيها
العشرات (غالبيتهم من السنّة)، كانت
ملامح الشرخ الطائفي تبرز في أكثر من
مدينة عبر انشقاق قطاعات من الجيش إثر
رفضها إطلاق النار على المتظاهرين
العزل، وهو ما كان يفضي في كل مرة إلى
تدخل قطاعات منتقاة من أبناء الطائفة
العلوية لحسم المعركة مع المنشقين،
وفي الغالب كان القتلى من هؤلاء
يُقدَّمون للناس بوصفهم عناصر من
الجيش قتلوا على أيدي المندسين
والسلفيين. من يعتقد أن هناك فئات يُعتد بها من أبناء
الطائفة السنية تقف إلى جانب النظام
واهم إلى حد كبير، حتى لو بقيت نسبة
منهم إلى جانبه وتخوض معركته تبعا
لحسابات انتهازية، فضلا عن بقاء آخرين
ضمن دائرة الصمت تبعا للخوف الشديد من
سلطة أمنية لا ترحم. إنه المنطق الإنساني الطبيعي، ولو كان
الصراع في أعتى الديمقراطيات
الأوروبية لانقسم الناس بحسب أصولهم
وطوائفهم في الأعم الأغلب، فكيف
والناس في سوريا، أعني السنّة كانوا
وما زالوا ينظرون إلى نظام الحكم بأنه
يعبر عن الأقلية العلوية، وإن تحول في
المرحلة الأخيرة إلى حكم عائلة بعينها. كل كلام غير هذا هو نوع من دسِّ الرؤوس في
الرمال، مع أن تصنيفه ضمن إطار الحشد
الطائفي لا يمت إلى المنطق بصلة، لأن
الحشد الطائفي الحقيقي هو التجييش ضد
طائفة بعينها وليس رفض حكم الأقلية (طائفة
أو عائلة) للأغلبية، فضلا عن رفض
الاحتكام إلى منطق القوة والقمع في حكم
الناس، أو نقل السلطة بطرق بهلوانية
كما حصل فيما يتعلق بتوريث السلطة . هل بوسع من يتفننون في رمي الآخرين بتهم
الطائفية أن يدَّعوا بأن الرئيس زعيم
منتخب للسوريين، أو أن ترتيب قيادات
الأجهزة الأمنية الأساسية لا تنطوي
على قدر كبير من الطائفية، حتى لو وجد
من بين رموزها من يُحسبون على أهل
السنة؟! لو كان بشار الأسد زعيما منتخبا من الشعب
بطريقة نزيهة وشفافة لما اعترضنا عليه
أيا تكن ملته، لكنا نتحدث عن حاكم ورث
السلطة بطريقة كاريكاتورية من أبيه
رغم غيابه عن العمل السياسي، حيث جيء
به فقط لأن شقيقه المرشح للتوريث مات
في حادث، وتذكروا أن كل ذلك كان يجري في
جمهورية وليس في مملكة. اليوم ينادي السوريون بالحرية والوحدة في
مظاهراتهم، في ذات الوقت الذي يعلنون
فيه رفض الطائفية، لكن انحياز الجزء
الأكبر من الطرف الآخر للنظام، وأقله
عدم تفاعله مع مطالب الشعب (لم نسمع عن
علوي سقط برصاص الأمن أثناء مشاركته في
مظاهرة تهتف للحرية)، هذا الأمر يفتح
بابا واسعا لانتشار الروح الطائفية،
والسوريون في نهاية المطاف ليسو
ملائكة، لاسيما أن هناك من ينفخ في هذا
البعد في عدد من وسائل الإعلام. اليوم حين يُرفع السلاح من قبل بعض أبناء
الطائفة العلوية ضد إخوانهم
المتظاهرين السلميين في حمص وسواها،
فلن يقف الطرف الآخر مكتوف الأيدي، ولن
يستمع كثيرون لنداءات الحفاظ على
سلمية الثورة، ولا قيمة هنا لوصف أولئك
بأنهم «شبيحة»، لأنهم زلم النظام، وهم
نواته الصلبة التي تدافع عنه بكل ما
أوتيت من قوة اعتقادا منها بأنها ستغدو
في خطر إذا تمت الإطاحة به. الثورة في سوريا هي ثورة حرية وكرامة، ومن
يُدخلها في نفق الصراع الطائفي هو
النظام عبر استنجاده بطائفته (لإيران
يد في ذلك من دون شك)، سواءً تم ذلك داخل
الجيش عبر ترتيب قطاعات خالصة من أبناء
الطائفة تنفذ العمليات الإشكالية، أم
عبر جحافل «الشبيحة»، أم عبر تجييش
المسيرات المؤيدة التي باتت بدورها
واضحة اللون. أما القول بأن السنة لم ينخرطوا جميعا في
الثورة فهو رد قاصر، لأن عدم الانخراط
فيها لاعتبارات الخوف شيء، والتحول
إلى سلاح بيد النظام ضدها شيء آخر، وفي
أي حال، فإن مسار الثورة التصاعدي لا
يلقي في روع المراقب أي شك في أن نهاية
النظام حتمية مهما طالت المعركة وعظمت
التضحيات. ولا شك أن عقلاء سوريا
يتمنون أن يتداعى عقلاء الطائفة
العلوية إلى موقف ينأى بهم عن النظام
وممارساته، وقد قرأنا عن بيان أصدره
تجمع على الإنترنت يسمى «شباب الطائفة
العلوية» ينتقد بشدة ممارسات النظام،
نأمل أن يكون له دوره في لجم ممارسات
البعض لصالح النظام. يبقى احتمال بالغ الأهمية هنا يتعلق
بإمكانية تحرك الرافضين لبرنامج الحشد
الطائفي من داخل النظام، ربما عبر
انقلاب عسكري يكون محطة لإنقاذ البلاد
في حال قرار القائمون عليه تحويل الحكم
لهيئة مدنية منتخبة بعد ذلك. ============== الأمين العام الجديد
للجامعة العربية والبداية «السورية»
المتعثرة السبت, 23 يوليو 2011 بشير هلال * الحياة فوجئت الانتفاضة الشعبية السورية سلباً،
بالمواقف التي أعلنها الدكتور نبيل
العربي، بعد اجتماعه بالرئيس السوري
ووزير خارجيته في ثاني زيارةٍ له إلى
الخارج اثر انتخابه بالإجماع أميناً
عاماً جديداً لجامعة الدول العربية.
وانعكس ذلك في كتابات أعضائها على موقع
التواصل الاجتماعي الفايسبوك. إذ صرَّح العربي أنه سعيد بما «يحدث الآن
من إصلاحات في سورية» وبتأكيد الرئيس «أن
سورية دخلت مرحلة جديدة وتسير في طريق
الإصلاح الحقيقي وهذا الأمر هام جداً».
وكرَّر «رفض الجامعة الكامل لمحاولات
التدخل الخارجي في الشؤون السورية
ودعمها لجملة الإصلاحات التي تشهدها
سورية»، مُعرِباً عن أمله بأن «تخرج
أقوى مما كانت وبخاصة في ضوء الدور
المحوري الذي تقوم به في المنطقة»،
مُركِّزاً على وجود «أهمية كبرى
للاستقرار السوري»، ومُضيفاً، رداً
على تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية
إزاء الرئيس السوري: «لا يملك أحد أن
يقضي أن رئيس دولة فَقَدَ شرعيته. هذا
أمر يقرره الشعب». بهذه العبارات بدا الدكتور العربي
متقاطعاً مع النظام في أكثر من مقولة،
يُركِّز عليها الأخير ويجعلها حصان
معركته: الأولى، مقولة التدخل الأجنبي
الذي قدَّمه النظام ويُقدِّمه كصانعٍ
أساسي للحركة الاحتجاجية السورية، في
الوقت الذي بلغت هذه شهرها الرابع وسط
صمتٍ عربي غالب، ودولي لم يتعدَّ
عقوبات غربية اقتصادية وسياسية ذات
سقف رمزي حتى الآن. وفي حين يبدو واضحاً
أن المعارضة ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخل
عسكري، وأن تدخلاً على الطراز العراقي
أو الليبي ليس مرغوباً أو ممكناً
لأسبابٍ ليس أقلها انعدام مصلحة
واستعداد الغرب لخيار مماثل في وقتٍ
يستعد للانسحاب من أفغانستان ومن
العراق، وللموقف الإسرائيلي المحكوم
بالخشية من تغيير الستاتيكو الإقليمي
وبخاصة بعد انهيار حكم الرئيس مبارك.
وكان على الأمين العام أن يتذكَّر
للمقارنة قوة وسرعة رد فعل الرئيس
أوباما خلال الانتفاضة المصرية والتي
لم يجِد ما يُنكِره عليها في حينه. الثانية، التأكيد أن خريطة إصلاحات فعلية
هي قيد التنفيذ، في حين كان اجتماعه
بالرئيس السوري يتزامن مع قمع واعتقال
المثقفين والفنانين المتظاهرين في
دمشق وتواصُل حبس وقتل المتظاهرين في
مدنٍ سورية أخرى بما يُظهِر لفظية
الإصلاحات المُدَّعاة واستمرار سعي
السلطة لضرب الحركة الاحتجاجية بالدمج
بين الخيار الأمني ومحاولة تقسيمها
بالوعود والمظاهر الحوارية الشكلية. الثالثة، تشديده على «الاستقرار»، وكأن
الانتفاضة المُتجَاهَلة في تصريحه، هي
سبب لانعدامه في حين أنه متولِّد
بنيوياً عن تغييب آليات التعبير عن
الحراك الاجتماعي وتعويق قيام فضاء
عام ولامعقولية الاستبداد والتسلط
وزيادة التفاوتات الاقتصادية
والمناطقية والاجتماعية. الرابعة، انحيازه إلى النظام في تحديد
الشرعية وتغييبه مُكوِّنها الشعبي على
رغم استناده اللفظي إليها كفيصلٍ
مبدئي للحكم بشرعية. المفاجأة تأتي أيضاً من عدم اتساق
تصريحاته مع سياق عمله في الشأن العام
خلال السنوات الأخيرة. إذ عندما عُيِّن
الدكتور العربي القاضي السابق في
محكمة العدل الدولية ورئيس مركز
التحكيم التجاري الدولي وممثل مصر في
الأمم المتحدة، وزيراً لخارجية مصر،
استبشر كثيرون خيراً داخل وخارج مصر،
مِمَّن عولوا ويعوِّلون على الأثر
الصحي للثورة الشبابية الديموقراطية
في إنهاء نظام تسلطي شاء أن يصبح
وراثياً وترك البلد العربي الأكبر
يستنقع في حالٍ من تغييب الحريات
الأساسية وتحلل المؤسسات والوهن
والإفقار وضياع الدور الإقليمي.
واستند هؤلاء خاصة إلى مُعطيين: الأول، المواقف المتزنة للرجل الذي كان
أحد المفاوضين المصريين على اتفاقيات
كامب دافيد، وانتقد آنئذٍ هناتها
وخصوصاً عدم كفاية ما طلبته للشعب
الفلسطيني وعدم إصغاء الرئيس السادات
لآراء الآخرين فيها وتهوينه من شأن
التفاصيل، في حين وافق على مبدئها
كمقايضة لانسحاب إسرائيل من كل
الأراضي المصرية مقابل التطبيع معها
كدولة من دون إعطائها مزايا نوعية. وهو
مُصِّرٌ حتى الآن على أنها لا تعطي
إسرائيل أية مزايا وعلى أنها لا تمنع
تنفيذ معاهدة الدفاع العربي
المُشتَرَك. وفي تصريحٍ ل «المصري
اليوم» بتاريخ 26 آذار (مارس) أكّد أنه «لو
هوجمت دولة عربية وطلبت من مصر أن
تساعدها، فيحق لنا مساعدتها ومعاهدة
السلام لا تمنعنا من هذا». وبالمقابل،
أشار إلى قابلية بعض جوانبها للتعديل
وليس الإلغاء كالترتيبات الأمنية. كما
فتح باب التفسير التاريخي القانوني
للمعاهدة من موقعه كقاضٍ وخبير من
منطلق إلزام إسرائيل بتطبيق كافة
بنودها تحت طائلة إعادة النظر فيها،
كالبند الخاص بالاتفاق «على أن
إسرائيل تدخل في سلام مع جميع الدول
التي تقبل الدخول في سلام معها وهذا ما
لم يحدث، بدليل رغبة الفلسطينيين في
الدخول في سلام مع إسرائيل وهي ترفض». الثاني، دعمه الانتفاضة المصرية وتقديمه
ضمن قائمة الشخصيات التي اقترح «ائتلاف
شباب 25 يناير» ضمها إلى الحكومة
الانتقالية، ومطالبته بإقامة دولة
عصرية علمانية «يحكمها القانون الذي
يطبق على الجميع» وبتقييد صلاحيات
رئيس الجمهورية وبحكمٍ رشيد يحقق
الديموقراطية وبتعديل الدستور
والقوانين التي سادت خلال خمسين عاماً
و «أعاقت التطبيق السليم لروح العدالة
والحق الطبيعي في احترام حقوق الإنسان
والحريات الأساسية» وبالتصديق على
النظام الأساسي للمحكمة الجنائية
الدولية. فضلاً عن انتقاده السياسة
الخارجية المصرية التي «لم تكن تعدو أن
تكون ردود أفعال للأحداث» و «قرارات
تتخذ بأسلوب فردي» وخصّ بالنقد الموقف
من حصار غزَّة، وبدعم التحرك للاعتراف
بالدولة الفلسطينية. البعض اعتبر حين اختياره أميناً عاماً
للجامعة العربية أنه سيُثوِّرها،
خصوصاً بعد حديثه عن دورٍ ممكنٍ لها في
مواكبة موجة التغيير العربية. لكن
تصريحاته في دمشق تعطي انطباعاً
بالعكس، وتطرح التساؤل عمَّا إذا لم
تكُن بمعرض الخروج من اللافعالية
المُقيمة للتحول إلى دور القيادة
الرمزية العربية لاستعادة الستاتيكو
بعد إصلاحاتٍ تجميلية وتقنية في
أنظمةٍ حان وقت تغييرها. ============== حسين شيكشي الشرق الاوسط 23-7-2011 لا يزال السؤال المعلق بخصوص الثورة
السورية التي انطلقت في كل المدن
السورية ضد بشار الأسد ونظامه هو لماذا
هذا الصمت العربي والدولي على المجازر
التي يقوم بها بحق شعبه؟ الصمت العربي
مفهوم وغير مستغرب، فلم تتحرك الأنظمة
العربية من قبل ضد أي حاكم أباد شعبه
سواء أكان صدام حسين مع حلبجة في
العراق أو حافظ الأسد مع حماه في سوريا
أو عمر البشير مع دارفور في السودان
وغيرهم بطبيعة الحال وبالتالي الصمت
العربي غير مستغرب ولكن الصمت الدولي
مريب جدا. في الحرب العالمية الثانية كان من ضمن
حلفاء الغرب في مواجهة ألمانيا هتلر
النازية، رئيس الاتحاد السوفياتي
جوزيف ستالين وهو الذي كان يبيد شعبه
ويدفنهم في معسكرات تحت الأرض بسيبريا
بشكل إجرامي ومع ذلك كان روزفلت الرئيس
الأميركي وونستون تشرشل رئيس الوزراء
البريطاني يتصوران معه مبتسمين
ويقولان عنه إنه حليفنا وهو نفس المبدأ
الذي جعلهم يتعاونون مع صدام حسين جزار
حلبجة ضد إيران في حربه ضدها ويقبلون
بحافظ الأسد جزار حماه في ما عرف لاحقا
بالتحالف لتحرير الكويت من الاحتلال
العراقي لها. وطبعا كان هناك من يحاول تفسير «سر»
العلاقة الغريبة الموجودة بين
الولايات المتحدة ونظام الأسد في
سوريا واللقاءات الخاصة جدا للرؤساء
الأميركيين في دمشق وجنيف مع الرئيس
السوري، علما بأن النظام في حالة عداء
كبير مع أميركا ظاهريا وعليه عقوبات
سياسية واقتصادية شتى ومع ذلك لم يتوقف
التنسيق قط بين الإدارتين. فالنظام
السوري كان دوره المساهمة في إحقاق
الأمر الواقع في الساحة السياسية
العربية وزيادة التفتيت في «الفرق»
المتحدثة باسم المقاومة وخصوصا
الفلسطينية منها، فهو دوما كان يدعم كل
معارضة لأي خط يصل لما يشبه التسوية
بين الفلسطينيين وإسرائيل لتزيد
التنازلات المقدمة ويقل ما يمكن
الحصول عليه وبالتالي تزداد وسائل
التمكين لإسرائيل على أرض الواقع ولعل
أبلغ دلالة هي ضم إسرائيل الفعلي
للجولان وهو ما لم تفعله مع الضفة
الغربية ولا مع قطاع غزة ناهيك طبعا عن
ضمانة الهدوء التام لجبهة الجولان
الكبرى دون أي مقاومة لمدة تزيد على
الأربعين عاما. التصريحات المتضاربة والغريبة بعد سقوط
شرعية نظام الأسد (وهل كان لديه شرعية
أصلا) الصادرة من البيت الأبيض ومن
وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تبدو
ساذجة ومريبة لأن ما يحدث من إجرام من
النظام السوري يفوق بمراحل ما حدث من
النظام التونسي والنظام المصري بحق
شعبيهما مشتركين ومع ذلك يبدو الموقف
الأميركي خنوعا وضعيفا جدا. أوساط
أوباما لا تريد الضغط على بشار الأسد
للتنحي (وهو لن يفعل) فتصاب بالحرج
السياسي كما هو الحال مع نظام معمر
القذافي ولكنها أي الإدارة الأميركية
تخطئ خطأ جسيما بأن تعتقد أن هذا
النظام قادر على إصلاح نفسه أو مؤمن
أساسا بفكرة الإصلاح، فمن دمر البلاد
وأفسدها غير قادر على إصلاحها. في خضم
أحداث الربيع العربي وهبات نسماته من
غير الممكن الاعتقاد بأن نظاما يبيد
شعبه قادر على الاستمرار في حكمه
والتاريخ مليء بهذه بالشواهد، واليوم
نحن نعيش في زمن مختلف عن الثمانينات
الميلادية الماضية. الشرفاء والعقلاء
لا بد أن يختاروا الشعب المسالم الذي
خرج ثائرا لكرامته ولحريته هذا هو
الاختيار السليم والجنوح لجانب الحق
والأيام حبلى بما سيؤكد ذلك. الغرب تحالف مع الشيطان في السابق وسكوته
على مجازر النظام في سوريا هو تحالف من
نفس النوع ولكن الثورة السورية ستكون
بمثابة الرقية الشرعية التي ستخلص
بلادها من هذا المس الشيطاني. ============== خارطة طريق لسوريا ما
بعد الأسد ديفيد إغناتيوس خدمة «واشنطن بوست» الشرق الاوسط 23-7-2011 مع زيادة إدارة أوباما تأييدها لتغيير
للنظام في سوريا، يتجه «الربيع العربي»
إلى ما يمكن أن يطلق عليه أكثر المراحل
سخونة. وتكمن المعضلة في كيفية مساعدة
المعارضة السورية على اكتساب قوة وزخم
دون تدخل عسكري أجنبي ودون حدوث مذابح
طائفية داخل البلاد. انتظر الرئيس أوباما لأشهر في ظل اندلاع
الاحتجاجات وتزايد حدتها في سوريا
ليرى ما إذا كان الأسد يستطيع أن ينفذ
وعوده بالإصلاح. لكن الأسبوع الماضي،
تخلت الإدارة الأميركية عنه وغيرت
موقفها تماما وبدأت العمل بنشاط وهمة
للمساعدة في الانتقال إلى نظام
ديمقراطي. وأعلنت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية
الأميركية، عن السياسة الجديدة من
خلال تصريحها الواضح والصريح في
الحادي عشر من يوليو (تموز) الذي أكدت
فيه أن الأسد «فقد شرعيته»، وأن هدف
الولايات المتحدة هو التحول
الديمقراطي. لقد تركت كلينتون الباب
مواربا للإصلاحيين داخل نظام الأسد،
وشجعت السبت الماضي في إسطنبول: «المعارضة
التي يمكن أن ترسم طريقا لمستقبل أفضل
من خلال تعاون سلمي مع النظام». وتراقب
الإدارة عن كثب «الطرف المنخرط في
النظام الحالي الذي يمكن أن يناسب
المرحلة الانتقالية»، على حد قول
مسؤول رفيع في البيت الأبيض. ولخص مسؤول آخر في البيت الأبيض التوجه
الجديد من خلال القول: «إن سفينة الأسد
تغرق. أهم ما في الأمر هو جعل الناس
يدركون ذلك على أمل أن يقفزوا من
السفينة ويركبوا قارب نجاة». يعني هذا
بالنسبة للولايات المتحدة العمل مع
المعارضين السوريين وكذلك مع تركيا
وقوى إقليمية أخرى يمكن أن تلعب دور
الوسيط. ترغب الإدارة في تشجيع المعارضة السورية
داخل البلاد على التوحد ووضع أجندة
واضحة واختيار قيادة تضم جميع الأطياف.
ويتولى قيادة هذه المحاولة روبرت
فورد، السفير الأميركي في دمشق، الذي
يصفه أحد مسؤولي الإدارة بأنه «مطية
الانتقال». ويقال إن فورد أكد خلال
اجتماعاته مع معارضين أن على المعارضة
التواصل مع الأقليات مثل المسيحيين
والدروز والعلويين الذين تساورهم
المخاوف والشكوك من هيمنة الإخوان
المسلمين على المشهد السياسي خلال
حقبة ما بعد الأسد. وفي ظل تشجيع
أميركا، تأمل المعارضة أن تعقد
اجتماعا في سوريا خلال الأسابيع
القليلة الماضية للوصول إلى توافق حول
أجندة موحدة. وحاولت المعارضة أن تعقد
اجتماع الأسبوع الماضي بالتزامن مع
اجتماع لما يسمى «مجلس الخلاص الوطني»
في إسطنبول، لكن السلطات السورية
منعته. وقد تم رسم خارطة طريق للمعارضة في مقابلة
أجراها رضوان زيادة، الباحث الزائر
بجامعة جورج واشنطن الذي يتابع
الجماعات المعارضة. وأوضح زيادة أنه
اتصل بأشخاص ربما يكونون قد حضروا
اجتماعا منظما في سوريا يتضمن نشطاء
بارزين في حقوق الإنسان هم رياض السيف
ووليد البوني، وكذلك شخصيات من الدروز
والمسيحيين والعلويين ذكر أسماءهم.
وقال زيادة إن الهدف هو خلق «قيادة
واضحة قوية تستطيع القيام بتغيير من
الداخل» وصياغة «إعلان دمشق» جديد
ليكون بمثابة برنامج لمرحلة انتقالية. لا يزال الأسد يتحدث عن رغبته في وضع
قوانين إصلاحية جديدة، لكن يقول
مسؤولون أميركيون إنه يدعم (أو ربما
يستجيب) المتشددين الذين يقودهم أخوه
ماهر، قائد الحرس الجمهوري، وحافظ
مخلوف، أحد أبناء عمومته الذي يترأس
قوات أمن أخرى. ويدخل عاملان في تشكيل
المعادلة السورية؛ الأول هو حدوث
انشقاق داخل صفوف الجيش يتضمن مسؤولين
نافذين. وقد ظهر أحد المؤشرات الدالة
على هذا الأمر نهاية الأسبوع الماضي
عندما اجتمع ضباط منشقون في مدينة
البوكمال في شرق سوريا. أحاطت دبابات الجيش السوري بالمتظاهرين
وبدا حمام الدماء وشيكا، لكن تدخل
مشايخ القبائل وتم الاتفاق على عقد
هدنة. ويتوقع محللون استخباراتيون
أميركيون حدوث المزيد من الانشقاقات
مع تزايد الضغوط على الأسد. البطاقة الأخرى التي ستؤثر على المعادلة
هي العنف الطائفي بين المعارضين السنة
والأقلية الحاكمة من العلويين. وقد ظهر
آخر مؤشرات ذلك يومي الأحد والاثنين
عندما قُتل ما بين 15 إلى 30 سوريا في
اشتباكات طائفية في حمص بحسب
التقديرات الأميركية. وقد وصف مسؤول في
البيت الأبيض تلك التقارير بأنها «مثيرة
للقلق». الاحتمالات الاستراتيجية
كثيرة في سوريا، ومن أسباب ذلك تحالف
الأسد القوي مع النظام المعارض للغرب
في إيران. وتداول مسؤولون في البيت الأبيض الأسبوع
الماضي تقريرا إخباريا يوضح تعهد
إيران بدفع معونة مالية عاجلة قدرها 5.8
مليار دولار لنظام الأسد. ربما تظاهر
كل من طهران ودمشق يوما بأنهما يدعمان
«الربيع العربي»، لكنهما لم يعدا كذلك.
ويدرك النظام الإيراني جيدا أنه إذا
سقط نظام الأسد أمام مظاهرات
المواطنين السوريين فسيكون هو التالي.
حكم أوباما على الوضع في سوريا هو أن «الأسد
شخص اتخذ كل الخطوات الخاطئة ردا على
الاحتجاجات»، على حد قول أحد
المسؤولين في البيت الأبيض. وتسعى
واشنطن حاليا إلى الوصول إلى حقبة ما
بعد الأسد بطريقة سريعة وسلمية. ========================= سوريا والصمت العربي ..
والدفع نحو الأسوأ خولة حسن الحديد 22/7/2011 الشبكة العربية العالمية ما يقارب خمسة شهور على انتفاضة الشعب
السوري، قدم خلالها الآلاف من الشهداء
والمعتقلين واللاجئين إلى دول الجوار
هرباً من القمع والتنكيل والاغتيال ،
والنظام السوري الذي فشل في إدارة
الأزمة سياسياً كما فشل في الحل الأمني
العسكري ما زال يردد قصة " العصابات
المسلحة" التي لم تعد تنطلي على أحد
، وأبسط رد عليها هو استمرار االحديث عنها
في مدن وقرى محاصرة من الجيش ورجال
الأمن وقوات حفظ النظام منذ أكثر من
ثلاثة أشهر ..فمن أين تأي هذه العصابات
؟ ومن هي ؟ وما هو هدفها ؟؟ وبالطبع لا
أحد ينتظرأجوبة لأنه لا جواب ..ومع هذا
الفشل الذريع وجد النظام السوري نفسه
مضطراً إلى خيارات أخرى من ضمنها مؤتمر
الحوار الوطني الذي تمّ التمهيد له
بلقاء تشاوري نظم على وقع أصوات الرصاص
وهدير الدبابات القريبة من مكان عقده ،
هذا الحوار الذي قاطعته أغلب قوى
المعارضة والتنسيقيات المحلية
الممثلة للحراك الشعبي على الأرض،
لأنه يفتقد لأبسط شروط الحوار ألا
وأولها سحب الجيش والأمن من الشوارع
ووقف القتل والاعتقال والإهانة
والتجييش الإعلامي ، ومع توالي
مؤتمرات المعارضة في الخارج و ظهور
خلافات عديدة بينها ليس هنا مقام
ذكرها، والتضييق على معارضة الداخل
ومنعها من التحرك بحرية، بات واضحاً
دخول الوضع السوري في عنق الزجاجة ،
فلا الناس الفاعلة على الأرض تقبل
بالتراجع بعد كل التنكيل الذي شهدته ،
ولا النظام يتراجع قيد أنملة عن الحل
البوليسي – العسكري المتزامن مع حملة
إعلامية قبيحة تشكل عار على المؤسسات
الإعلامية السورية التي لعبت دوراً في
تأجيج الاحتقان وتثوير الناس وإهانتهم
، وأمام هذا الواقع السوري الذي بات
يقلق كل محب لسوريا وشعبها يستغرب
السوريون الصمت العربي والدولي حيال
ما يجري ، وإن كان المجتمع الدولي فشل
حتى بقرار إدانة من مجلس الأمن لأعمال
العنف التي يواجه بها السوريون ، وحاول
عدد من الأوربيين تبييض وجوههم أمام
شعوبهم ببعض العقوبات الاقتصادية ،
فإن العرب لم يحركوا ساكناً ، وطوال
أربعة أشهر صدر خلالها عن الأمين العام
السابق للجامعة العربية عمرو موسى
تصريح يتيم " بأن الوضع مقلق في
سوريا" دفع ثمنه موسى الكثير من
التشهير من قبل وسائل إعلام النظام
السوري وأزلامه ، وتم التشبيح على رئيس
البرلمان العربي عندما دعا للوقوف مع
الشعب السوري وتمّ تهديده بشكل مباشر
بسلامته الشخصية إضافة إلى تخوينه وهي
التهمة الجاهزة التي اعتادها السوريون
! لم يكن السوريون كغيرهم من الشعوب
العربية يأملون كثيراً أو يعوّلون على
الجامعة العربية ، والتي يعرف الجميع
إنها في حالة موت سريري منذ عقود
وتنتظر فقط من يملك الجرأة الأدبية
للإعلان رسمياً عن موتها وفصل أجهزة
الإنعاش عنها ، لكن ترؤوس نبيل العربي
القادم من مصر الثورة جعل بعض السوريين
يتفاءلون خيراً بزيارته لسوريا ،
وبالطبع لم نكن ننتظر منه أن يقف مع
الحراك الشعبي لأنه بالنهاية يمثل
وجهة نظر الدول العربية كافة ، لكن
أضعف الإيمان كنا ننتظر أن يتقدم
بمبادرة ما لفتح كوة في الجدار الذي
يمتد ويمتد عالياً بين فئة واسعة من
الشعب والنظام يوماً بعد يوم ، لكن
تصريحات"العربي" صدمت الجميع ،
ليس لأنها فقط لم تبادر إلى المأمول
منها وإنّما كونها مليئة بالتناقض و
والرياء والكيل ليس بمكيالين فقط
وإنّما بعدة مكاييل ؟ قال "العربي"
(بأنّ الجامعة العربية ترفض أي تدخل في
الشؤون الداخلية للبلدان العربية، ولا
يحق لأحد سحب الشرعية من زعيم لأن
الشعب هو الذي يقرر ذلك). ومن يصدق
العربي وقوات الناتو تقصف في المدن
والقرى الليبية ليل نهار ؟؟ بعد خمسة أيام فقط من انطلاق الثورة
الليبية طالبت الجامعة العربية
بالتدخل العسكري الغربي في ليبيا ، هذا
الطلب الذي كان صادماً لكثير من العرب
فمع كل الوحشية التي أبداها القذافي في
قمع الليبيين لم يكن أحد يتوقع وبهذه
السرعة أن تستحضر القوات الأجنبية إلى
ليبيا وهذا ما ترفضه غالبية الشعوب
العربية ؟؟ لا نعرف ماذا يسمي "العربي"
التدخل العسكري في ليبيا .. ولا نعرف
ماذا يسمي ما يحدث في السودان الذي
أصبح اسمه السودان الشمالي ..والسودان
الجنوبي ، كل التدخل الأجنبي في
السودان طوال عقود على الحدود
الجنوبية لمصر وما يشكله ذلك من عمق
جيوسياسي واقتصادي وثقافي لها ولعموم
العرب لم تأسف الجامعة العربية ولم
تتذمر من أي تدخل ، وطوال عقود الجامعة
العربية تسمح لأمم العالم كله أن تتدخل
بنا ويأتوا اليوم ليقولوا بأنّهم ضد
التدخل الأجنبي في أي دول عربية؟؟
وكأنّ ذاكرتنا مثقوبة ، وكأننا نسينا
تغطيتهم للحرب على العراق وخذلانهم
لفلسطين منذ عقود وخذلانهم المقيت
لغزة التي شاركوا في حصارها بل أمعنوا
فيه..لم نسمع الجامعة العربية وهي تقول
إنّ حكومة حماس حكومة منتخبة ولايجوز
التدخل في الوضع الفلسطيني بذلك الشكل
الفاضح والذي أدى فيما بعد إلى القطيعة
بين غزة ورام الله ..لطالما اتهم العرب
أمريكا والغرب عموماً بالكيل
بمكياليين ..وهذا اتهام صحيح ..لكن بكم
مكيال يكيل العرب ؟؟. في اليوم التالي لتصريحات العربي الذي
اطمأن على الوضع بسوريا من وعود الرئيس
ونائبه بإصلاحات سريعة تجري على قدم
وساق وعاد لينام ملء عينيه في القاهرة
، كان نائب الرئيس فاروق الشرع يستهزىء
بنا وبذاكرتنا أيضاً ويقول في حوار مع
صحيفة الخبر الجزائرية بأنه"'السوريون
وحدهم من يقررون، وهم مع الرئيس السوري
بشار الأسد لأنهم هم من انتخبوه".
متى انتخبنا الأسد ؟؟ وكيف ؟؟ وهل
انتخبنا من قبله حتى ننتخبه .بالتزامن
مع تصريحات "العربي" وتصريحات "الشرع"
كان الشعب الذي يدّعي نائب الرئيس إنه
انتخبه من حيث لايعلم يقتل ويستباح في
أحياء مجاورة ولا تبعد كثيراً عن مقر
تصريحاتهم ، يومها قدم حي برزة في دمشق
عشرات الشهداء والجرحى وحوصرت منطقة
دوما ، ودخلت دبابات الجيش السوري
مدينة البوكمال ،وعدد من قرى محافظة
حمص كانت تواجه هجمات من رجال الأمن
وعصابات مدعومة منهم لينكل بها
وبأهلها أبشع تنكيل ، كل ذلك لم يكن
يعني لا "الشرع " ولا " العربي"
..المهم تعويم النظام السوري وإسباغ
الشرعية عليه تلك الشرعية التي أسقطها
الشعب في الشارع منذ أول رصاصة أطلقت
على شباب درعا الذين واجهوا آلة القتل
بصدورهم العارية..تلك الشرعية التي لم
نكن ننتظر كلينتون لتقولها في لحظة غضب
بعد الهجوم على السفارة الأمريكية في
دمشق ومن ثم يتبرأ منها الأمريكان إذ
نقلت صحيفة 'واشنطن بوست' عن المسؤولين
الذين لم تكشف عن هويتهم ان كلمات
كلينتون في الأسبوع الماضي عن أن الأسد
فقد شرعيته وليس شخصاً 'لا يمكن
الاستغناء عنه' كانت ارتجالية وجاءت
رداً على سؤال أحد الصحافيين. بات السوريون يدركون أن العرب لا يمكن أن
يقدّموا أي شيء لهم إلا بعد جس نبض
الأمريكيين ، وما سرعة الجامعة
العربية بالمطالبة بحماية الشعب
الليبي إلا تغطية لما قرر الأمريكيون
وجماعة حلف الناتو أن يقوموا به ، وإذا
ينتظر السوريون من العرب التدخل فليس
لجلب الناتو بالتأكيد وبتنا نحمد الله
على عدم التدخل لنكتفي شر بركات "الناتو"..السوريون
كانوا ينتظروا من نبيل العربي أن يزور
مخيمات اللاجئين في تركيا أو على الأقل
يسأل عنهم وتلك حالة إنسانية لابد من
العمل على حلها ..كنا ننتظر منه أن يسعى
للقاء بعض أطياف المعارضة وسماع وجهة
نظرهم وتصورهم للحل ..؟؟ كنا نتظر منه
أن يحمل مبادرة عربية تحاول ولو من باب
رفع العتب التقريب بين المعارضة
والنظام .. لكن تبين أنه جاء ليدعم
النظام وليغطي إمعانه في إهانة شعبه
ليصبح العربي مجرد موظف لا علاقة له
بأي خلفية ثورية ولا بمصر الثورة التي
كان وزير خارجيتها ! الأمريكيون ومعهم الأوربيون وكل العرب لا
يملوا من الحديث عن الوضع الاستراتيجي
لسوريا ، وعن خطر انتشارالفوضى فيها ،
ويعتقدون جميعاً إن حماية النظام
القائم هو ما سيمنع الفوضى ؟؟ وهم بذلك
للأسف يبدون قصر نظر غريب ومستهجن
لأنهم لم يدركوا بعد ما وصل إليه حال
الشعب السوري أو على الأقل طيف واسع
منه من قطيعة مع هذا النظام الذي بات
البعض يشبهه بالاحتلال بل أسوأ لأننا
كنا سنقاوم ولو بالحجارة ، كما إنهم لا
يدركون مدى تصميم الشعب السوري على
مواصلة الطريق مما يدفع بالنظام إلى
رمي أوراقه الأسوأ كما شهدنا في أحداث
مدينة حمص الأخيرة والدفع نحو
الاقتتال الأهلي والذي يتحمل النظام
مسؤوليته بشكل فاضح أثبته حتى
الموالين له في المدينة الذين أعلنوا
تبرؤهم منه وهددوا بعدم مواصلة
تأييدهم إذا واصل هذا النهج ..وهنا
تحضرني مقولة الدكتور برهان غليون في
رده على أحد أزلامم النظام السوري على
إحدى الفضائيات " إنّ هذا النظام بات
يشكل خطورة كبيرةعلى سوريا ..سوريا
الوطن والشعب والدولة " .. وإذا كان
فعلاً العرب يخشون الأسوأ ومعهم
العالم كله عليهم ألا يدفعوا الشعب
السوري نحو الأسوأ بإغلاقهم أي أفق
أمامه..الشعب السوري الذي لم تعد تعنيه
مقولة النظام "أنا أوالفوضى " ..
وبالنهاية أمريكا تريد وأوروبا تريد ..والجامعة
العربية تريد ..والشعب السوري سيقرر ما
يريد ؟؟ ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |