ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 26/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

بعثات ديبلوماسية في دوائر الخطر

الإثنين, 25 يوليو 2011

نسيم ضاهر *

الحياة

عرف العالم حقبة كانت خلالها البعثات، أو السفارات كما سُمِّيت لاحقاً، مصدر خطر مؤكّد على سلامة الموفدين الى بلاط السلاطين والخانات المندفعين من هضاب آسيا الى مراكز الحضر والسهول الغنية بالموارد والغنائم. وعلى رغم مما حلَّ بالعديد من حملة الرسائل والهدايا وعهود التبادل والمواثيق، استمرت محاولات التعاون والتقارب، بين غزو وانخفاض منسوب النزاع، الى أن رست على معالم ما أضحى يُؤطِّر مفهوم الديبلوماسية، المرآة العاكسة لعلاقات دولية سارت نحو المزيد من الشرعنة والأصول. حصيلة هذا المسار بادية اليوم على وجه ممأسس ومحترم، مثقل باللياقات والأعراف.

إن الذي يعتبر ساري المفعول بين الدول، لهو نمط من أنموذج أصلي واحد أحاط بوظائف محددة بغية التعارف والاطلاع على الأحوال، وربما أحياناً إرساء التحالفات. تدريجياً، وبدءاً من معاهدة فستفاليا منتصف القرن السابع عشر، نما لون من التعامل والضبط، محوره الأمن الأوروبي واحتواء النزاعات أو عدم المساس بالتوازنات، فما خلت معارجه من نسج التحالفات، وما استطاعت إبعاد شبح الحروب البينية والقارية تبعاً لتضارب المصالح والطموحات والأهواء. غير ان ظاهرة العمل الديبلوماسي تطورت طرداً، رافقها اتساع حقلها من القنصلي الخاص بتنقل وإقامة الأشخاص، إلى رعاية الشأن الاقتصادي وتوطين الملحقين العسكريين بين طاقم السفارات، ناهيك عن المستشارين والخبراء.

غالباً ما يتعرض الأداء الديبلوماسي للتجاوزات والسقطات، تتعدَّى المقبول في جو من الكتمان، مؤدّاها يتراوح بين استدعاء السفراء ولفت النظر، الى تقييد حركة العاملين المعتمدين وطرد بعضهم، حتى إذا ما تفاقمت الأزمة، يجري تجميد العلاقات، الخطوة الأخيرة قبل قطع العلاقات. يبقى أن التدبير الأخير أبغض وأقصى الخطوات، قلَّما يستساغ من جانب الدول الضعيفة، إذ أنه يتسبب بعزلة نسبية.

تخضع البعثات الديبلوماسية لاتفاقية فيينا وقدر من الأعراف تتفاوت تبعاً لأقدمية التمثيل والأصالة في هذا المجال، تندرج جميعاً في إطار القانون الدولي العام ونطاقه. لذلك، فهي وليدة مفهوم راق توصل إليه المجتمع الدولي عبر العصر الحديث، يعهد إلى الطرف المضيف واجب حماية مقرَّات السفارات والمكاتب الملحقة بها، كما الموكلين بها الحائزين على الحصانة والأمان. وعليه، لا يُسأل الديبلوماسي عن رأيه الخاص، ويُحترم قيامه بمهمة تمثيل بلاده وفق سياساتها المرسومة.

في المعطى السوري الراهن، تناقلت وكالات الأنباء خبر محاصرة السفارتين، الأميركية والفرنسية، في العاصمة دمشق، رافقته محاولة اقتحام حرم المقرّين، وما نجم عنها من عبث وأضرار وإزدراء برمزية الممثلتين وهويتهما، الى تسطير الشعارات المُهينة (وحتى البذيئة) وإنزالها المداخل والبوابات، ووفق الرواية السورية الرسمية، جاء ذلك تعبيراً عن الغضب الشعبي. وبالطبع، لم يكن في مستطاع قوى الأمن لجم تدفق المطالبين بتصحيح الحل الديبلوماسي وتطبيق القواعد والأصول، وان من المتوقع ان الاستفزاز تسبَّبَ بإثارة بمشاعر القوم جرّاء صلف الديبلوماسيين، بلغ مسلكهما حدّاً لا يُطاق. هيهات من الذلّة باتت تقرأ على واجهة «وكري التجسس»، والغاية درس في الوطنية ومعالم الإصلاح وصلت الى مسامع كل من واشنطن وباريس بأعلى صوت، بعد أن كتبت بأعرض خطّ.

ثمّة أسئلة لا مناص من طرحها. في الواقع، وفي الأفق يروم تماهٍ مع سوابق إنزلقت إليها طهران، فأوصلت الى القطيعة مع واشنطن بعد اجتياح السفارة آنذاك، إضافة الى تردِّي العلاقات الحاصل مع مجموعة دول الاتحاد الأوروبي. لا يفيد في الأمر تغليف الحدث برداء شعبي ناقم واللجوء الى بكائيّات وليد المعلم حول الغلط، حيث بان تواطؤ السلطات السورية مع المحتجين، وتحريض الوسائل الإعلامية المقربة منها على الفعل، خلافاً للذرائع المساقة من جانب دمشق. الحال، على عكس التوقعات الدمشقية، خطأ في الحسابات، يوضح مدى تخبّط صُنَّاع القرار، وعمق المأزق الذي يلف الوضع السوري برمّته. فالأزمة ذات وجه داخلي صريح، يواكب العالم فصولها ومجرياتها، وما الرحلة الحموية إلاَّ ترجمة لذاك الاهتمام بمآل الحراك الداخلي، والوقوف على حقيقته السلمية وأبعاده الديموقراطية، بعيداً من نظرية المؤامرة الممجوجة، واتهام الدوائر الاستعمارية الجديدة بتأجيج الصراع. فلو كان لواشنطن أو باريس، تلك الباع الطويلة في الشأن السوري، لسقطت حصيلة عقود أربعة من البطولات المزيّفة، والانتصارات الشعارية المكلَّلة بالغار. وكيف تستقيم الحجة القائلة بحصانة سورية إزاء التحولات في المنطقة، ناناهيك عن إفشالها، بل قضائها على المخطّط تلو الآخر، وكسر شوكة الهندسات الآيلة الى النيل من صمودها وتسجيلها النجاحات. الحقيقة إفتقاد للحيلة، بمعنى القوامة والحوكمة الرشيدة وبناء الاستقرار، وفشل أمني بائن عجز عن احتواء حراك أصيل ديدنه التغيير وإنقاذ سورية من مأساة مستمرة، قبل فوات الأوان.

إن إدارة الأزمات من خلال ممارسات خبط عشواء، لن يؤهل لسمعة طيبة بين الأمم، ولن يكون في مقدوره تسيير الحوار. فمن داخل في أعلى درجات السخونة وصعوبة النفاذ الرسمي الى صوابية العمل والقرار، يقفز النظام القائم الى دائرة العلاقات الدولية بأساليب مملوكيّة علّها تحجب النزاع وتوصد الأبواب. فأي بشارة مرجوة حين يتم النسج على هذا المنوال، سوى الدخول في فترة الاشتباه قبل إعلان الإفلاس.

=============

السوريون الجدد

الإثنين, 25 يوليو 2011

ميسر الشمري

الحياة

محافظتا حماة ودير الزور شبه محررتين. حمص تقاوم الفتنة بدماء أبنائها، وهي في طريقها إلى الحرية. الشبيحة وقوات الأمن الموالية للنظام تسابق الزمن لإخماد ما يمكن إخماده قبل حلول شهر رمضان، إذ من المتوقع أن تتعاظم الحشود في المساجد والساحات. أهالي حماة عام 2011 يختلفون عن أهاليها عام 1982، لكن لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيقوم به «المحفل الأسدي».

«الحمويون الجدد» تمكنوا من تحصين مدينتهم من خلال تقطيع الشوارع، ونصب الحواجز وإدارة الحياة المدنية في المدينة. الحماصنة (أهل حمص)، وهم أهل نكتة قاوموا قوات الأمن والشبيحة بمدافع مصنوعة من أنابيب تصريف دخان المدافئ (بواري الصوبيات) وقذائفها من التفاح والبصل، كما استخدموا رصاصاً مصنوعاً من البامية، ورمانات يدوية مصنوعة من البندورة. أخوان بطة (وهو اللقب المحبب لأهالي محافظة دير الزور)، قاوموا قوات الأمن العسكري بالشعر والنكات والمسرحيات المرتجلة في الميادين وساحات التجمع، لكن لا أحد يمكن أن يتنبأ بما سيفعله مثلث الأسد، شاليش مخلوف.

المحفل الأسدي، يعلم أنه لن تكون هناك انشقاقات مؤثرة داخل صفوف الجيش، وذلك لأنه عزل الجيش السوري عما يجري على الأرض، وتركه يتلقى الأخبار من قنوات النظام، ولم يستخدم النظام سوى القوات الموالية له لقمع المتظاهرين، وهي: القوات الخاصة والفرقة الرابعة ومجاميع من الفرقة الثالثة عشر، بحسب بعض الناشطين، وجميعها قوات أسست لحفظ «المحفل الأسدي»، وأغلب قادتها وعناصرها من الدائرة القريبة من النظام، وهي دائرة مستفيدة من بقاء النظام، وبالتالي ستدافع عنه ولو أبادت مدن بأكملها، لكن النظام يدرك أن «السوريين الجدد» لا يمكن أن يتراجعوا عن ثورتهم وإن أبيد نصف سكان سورية. السوريون الجدد، وأغلبهم لم يعرف رئيساً لبلاده سوى عائلة الأسد، ماضون في ثورتهم ولسان حالهم يقول: «لا بد من دمشق وإن طال القهر»، إذ ليس لدى شبان سورية ما يخسرونه، وهم يرون السفارة الإيرانية والمكاتب التابعة لها، تحتل أجمل الأماكن في العاصمة دمشق وأكثرها رسوخاً في الذاكرة السورية. الفجوة بين «السوريون الجدد» والنظام لا يمكن ردمها بحوار شكلي وإصلاحات ليس لها وجود على أرض تعمدت بالدم السوري الطاهر.

الثورة السورية تعمدت بالدم منذ يومها الأول، وهي أعادت الذاكرة السورية إلى مربع الدم الأول من دون أن تحيي ذاكرة الثأر والانتقام. السوريون الجدد أكثر وعياً من النظام، حيث أصروا على سلمية ثورتهم على الرغم من المشاهد الدامية والمؤلمة، كما تمكنوا من رص النسيج الاجتماعي السوري، ووأدوا الفتنة التي حاول النظام إذكاءها مرات عدة. حاول النظام تلطيخ وجه الثورة السورية السلمية، من خلال غض الطرف عن زيارة سفيري الولايات المتحدة وفرنسا إلى حماة، فأدار المتظاهرون للسفيرين ظهورهم، وانقلب السحر على الساحر، وكادت الزيارة أن تتحول إلى أزمة ديبلوماسية. زار الأمين العام الجديد لجامعة الدول العربية دمشق، وقال كلمته غير الموفقة، فخرج المتظاهرون في كفر نبل في اليوم التالي وهم يحملون يافطات كتب عليها: «لا نبيل ولا عربي».

السوريون الجدد حصنوا ثورتهم، وتمسكوا بوحدتهم الوطنية، وهم لا بد وأن يصلوا بثورتهم إلى مبتغاها، إذا ما أصرت معارضتهم في الداخل والخارج على رفض التدخل الخارجي. على شبان سورية المحتجين وكذا المعارضة السورية أن لا يعولوا كثيراً على المواقف الإقليمية والدولية، وهي مواقف ستتغير في القريب العاجل لصالح الثورة السورية، إلا أن على الشبان السوريين أن لا يدعوا الولايات المتحدة تسرق ثورتهم، فالأميركيون يتحدثون عن ساسة «الباب الموارب» مع نظام الأسد وتغيير النظام من الداخل، وهو ما يعني الالتفاف على الثورة من جهة، وتأمين مصلحة أميركا من جهة ثانية، وعلى السوريين الجدد أن يدركوا أنهم لم يثوروا على نظامهم من أجل تأمين مصالح الولايات المتحدة، بل من أجل حريتهم وكرامتهم.

=============

أوتار لإقصاء الخوف

منير الطيراوي

التاريخ: 25 يوليو 2011

الحياة

«على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. هتافات شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين.. وخوف الطغاة من الأغنيات».. أغنية تمجد الأغنيات، خلدها محمود درويش لعشاق الحياة لتخلد صوت بشار زرقان، كلمة وصوت اجتمعا على لحن يتجاوز من لَحَنوا، ويحرر عقولاً جلدها طغاة ليروضوا جمهوراً على ما يطلبه الجمهور.

كثيرون تشابهوا بملامحهم وأصواتهم وكلماتهم، ليمقتهم حتى الابتذال، مدعين لأنفسهم الدلال والطرب، يغادرون الذاكرة سريعاً لأنهم لم يذاكروا سوى موضوع واحد للأغنية هو العشق المستهلك الذي يقتات على كلمات ليس لها معنى، وموسيقى ليس لها مغنى، فلا ينبت في جنباته عشب مثل ذلك الذي ينبت في عشق مارسيل خليفة الذي تغنى بكلمات درويش «كما ينبت العشب بين مفاصل صخرة وجدنا غريبين معاً».

وقليلون تمايزوا فالتزموا واعتزموا أن يُعلوا للأغنية أثراً يترك بصمة في تكوين العقل، وتلوين الروح، وتعدين الجسد لتحررها كلها من شتى قيودها. فاتفقوا أن يختلفوا عمن سواهم وما أغواهم، واختطوا لأنفسهم دمدمة تليق بإعلاء الحرية وإقصاء الخوف، وتزويج الفرح للأمل، وترويج المحبة، وتتويج حتى العشق النبيل.

تتفتح الذاكرة على الأقرب وتحديداً كلمات محمد منير الذي نزل إلى ميدان التحرير ليواكب ثورة شعب ويغني له «إزاي» يستمر «وحياتك لفضل أغيّر فيكِ لحدّ مترضي عليه» في عتاب لمعشوقة جاوزت حسن النساء «وأنا عشت حياتي بحالها عشان ملمحش في عينك خوف».

ولن تطرب الحواس كلها كما لصوت جاهدة وهبي ولحنها وهما يفضحان الخوف منذ مطلع رائعتها «لا تلتفت إلى الوراء».. «لا تمض إلى الغابة.. ففي الغابة غابة.. ومن يمض إلى الغابة.. بحثاً عن الأشجار.. لن يبحث عنه بعدها في الغابة… دع الخوف.. الخوف يعبق بخوف.. ومن يعبق بخوف يُشمّ... أبطال من يعبقون برائحة أبطال».

أغنية محيرة قليلاً إلا لمن يمعن السمع فالخوف غابة لا يعود قاصدها.. تحيّر جاهدة أما أميمة الخليل فتحتار في أغنيتها «ليه» وتساءل الموتى عن خوفهم.. «حد قالك خاف! خفت ليه؟.. حد قالك توه! تهت ليه؟.. حد قالك شمس بكرة مش هتيجي؟.. حد قالك إن حلمك مش حقيقي؟.. حد قالك موت! مت ليه؟».

تخرج الأغنية الرافضة من حنجرة الرفض «نرفض نحنا نموت»، جوليا بطرس.. تخرج على من يشحنون القلوب بالخوف لتصرخ في وجوههم «عندها لن تستطيعوا وقف ما في النهر من هدير»، جوليا بطرس التي لا يدخل حنجرتها هواء فاسد «أنا بتنفس حرية.. لا تقطع عني الهوا».

تخرج الأغنية الرافضة لتضع أوتار سميح شقير بجرأتها أمام دبابة ويعزف عليها دمه بلا جزع «منكمُ السيف ومنا دمنا.. منكمُ الفولاذ والنار ومنا لحمنا»... «فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا»... «وعلينا أن نحيا كما نحن نشاء».

سميح الذي لم يرض إلا أن يكون أول من يخرج على الظلم، كما دائماً، بالكلمة واللحن والصوت، فكان أول من أغاث درعا «يا حيف.. زخ رصاص على الناس العزل يا حيف».

قليلون هم، مع أن المساحة لا تتسع لذكرهم جميعاً، ولكنهم كثيرون بما أبدعوا وأسمعوا، لم يقفوا عند الصوت الساحر، وغالبيتهم يبدع ألحانه بنفسه بل وينحتون الكلمات لأنفسهم في ظل ندرة من يكتب ليليق بثقافتهم.

كثيرون لأنهم لم يغادروا لون غناء إلا عرفوه وعرّفوا به، ما نسوا وسط ذلك كله المرأة حبيبة وأمّاً، غنّوا للطفولة وللصداقة، وأبدعوا للهمّ اليومي مثل الذي أبدعوه للقضايا الكبرى، فأثّروا في كل شيء فينا وأثْرونا وما زالوا.

=============

نصائح دبلوماسية لسوريا بتسريع الإصلاحات.. ورمضان اختبار للنظام

داود رمال

السفير

25-7-2011

يعترف مصدر دبلوماسي في بيروت، سبق له ان شكك في قدرة النظام السوري على الصمود، «بأن توقعاته خابت وان إطالة امد الازمة لا يصب في خانة لا النظام ولا المعارضة ولا المجتمع الدولي لأنه لا مصلحة لأحد ببقاء الوضع في سوريا على حاله، مع بدء ظهور علامات تعب على الجميع بما في ذلك المعارضة السورية المنقسمة اصلاً على نفسها». ويتوقع أن يكون شهر رمضان منعطفاً في مسار الأحداث السورية، بحيث اذا استطاع النظام تقطيع الثلاثين يوماً المقبلة، فإنه سيكون قد بدأ برسم مسار الخروج من الأزمة، ولو أن الأمور ستحتاج الى وقت طويل.

ويقول المصدر «إن ما يؤخر التسوية في سوريا، هو نوع من عملية عض اصابع مكشوفة، وكما أن هناك في الوضع اللبناني دوراً لكل من سوريا وفرنسا واميركا والسعودية، فإن الوضع السوري يشهد تجاذباً بين التركي الذي يريد حصة عبر المشاركة في قرار الحل سياسياً وبين الخليج العربي المنقسم، بين امارات تدعم وسعودية تمارس سياسية الحرد السلبية وقطر التي تتدفق أموالها الى المعارضة السورية وتستنفر اعلامها من دون إغفال عدم وجود توجه دولي موحد للتعامل مع الواقع السوري».

ويوضح المصدر «ان اللعبة حالياً هي لعبة اقتصاد، فالنظام لا يريد أن يتخلى عن الخيار الأمني وهناك من يعتقد بصوابية هذا الخيار، وهناك من يقدم خيار الحرب الأهلية ليتبين انها تؤدي الى خسارة الجميع في سوريا والمنطقة. لذلك لا بديل من تفاهم سوري – تركي وهذا ممكن، على ان يكون تفاهما تركيا – ايرانيا – سوريا وليس تركيا – سعوديا – سوريا».

وحول كيفية ترجمة هذا التفاهم يقول «اذا بادر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان او رئيس الجمهورية عبدالله غول الى الاتصال بالرئيس السوري بشار الاسد وحيّاه على خطواته الاصلاحية، فان معارضي الداخل سيفهمون الرسالة، خصوصاً بعدما اعلنت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ان ادارتها لا تستطيع فعل شيء وعلى المعارضة الاتكال على نفسها، حينها يصبح الحل ممكناً ولكن الى الآن لا شيء من هذا القبيل، قد حصل، خصوصاً ان السوريين كانوا باتجاه اعطاء الاتراك ليس في السياسة انما في الاقتصاد عبر مجلس التعاون الاستراتيجي الذي يضم تركيا وسوريا والاردن ولبنان وهذا مخرج جيد على قاعدة إعطاء تركيا شيئاً اساسياً في الاقتصاد يؤدي حتماً الى دور في السياسة لاحقاً».

وعما اذا كانت هناك خشية من تطورات دراماتيكية في سوريا، اكد المصدر «الخشية من ازدياد التوتر الطائفي بالترافق مع عدم وضوح المشهد الاقليمي، فالتدخل الخارجي غير وارد، انما يبقى الخوف من الاقتصاد، فالمحاولات الجادة هي لوقف حركة الاقتصاد بما يؤدي الى مشكلة حقيقية في مسألة التبادل التجاري وحركة تصدير المنتجات السورية وانعدام السياحة».

ويتوقف المصدر مليّا عند الموقف الاميركي، «اذ ان الادارة الاميركية لم تذهب حتى الآن الى آخر الموقف مع سوريا واقصى ما وصلت اليه هو القول إن النظام قد فقد شرعيته بعين شعبه ولم تقل انه فقد شرعيته بعيوننا، مع تلمس بداية تراجع في الموقف الاميركي من دون اغفال احتمال أن يتحول شهر رمضان الى مناسبة لتحركات يومية مستمرة ليلاً ونهاراً على مدى ثلاثين يوماً».

ويرى المصدر «ان الرئيس الاسد لو عمد في الشهر الثاني لبدء الأحداث الى الدعوة لانتخابات او استفتاء بحضور مراقبين دوليين لكان نال على اقل تقدير أكثر من ستين بالمئة من الاصوات، ولكان اقفل الباب نهائياً امام كل محاولة لزعزعة استقرار النظام مستنداً الى شرعية شعبية متجددة مع الانصراف الى الاصلاحات بهدوء، لان المحاولات لتكبير كرة الدم في وجه النظام متواصلة وهي الآن اخذت منحى العنف الطائفي وتحديداً في حمص، لكن لم يفت الوقت بعد اذ بالإمكان اجراء استفتاء بعناوين محددة ومعايير واضحة وبرقابة من المجتمع الدولي تؤسس لبدء عملية اصلاحية تصحيحية كبيرة بعيداً عن الضغطين الداخلي والخارجي».

==============

عن الحرية والاستبداد ومعنى الاستقرار

د. خالد الحروب – كامبردج

الدستور

25-7-2011

هناك حاجة لنقاش معمق لمقولة الاستقرار وموضعتها في إطار التغيرات الجذرية التي تشهدها المنطقة من منطلق ما تجلبه الثورة من فوضى مؤقتة يستغلها اعداء الثورات. المدخل الاساسي التوافقي هنا هو التأكيد على مركزية الاستقرار في حياة المجتمعات وبكونه الاساس الذي تنبني عليه اية حياة جماعية صحية وآمنة. الاستقرار والأمن والحرية والكرامة والعدالة هي مطمح نضالات الإنسان منذ فجر البشرية. وتحقيق الاستقرار وضبط اية عوامل تخل بأمن المجتمعات والحواضر كان, تاريخيا, هو المهمة التي تقوم بها اية فئة حاكمة, وهو المعيار الذي يحكم المجتمع من خلاله على حاكمية واهلية الحكم واستحقاقه البقاء على رأس السلطة. على مدار حقب البشرية كان هذا الاستقرار, وهو الذي يمثل رأس مال الحكم, يُنجز على الدوام عن طريق جبروت السلطة والقمع والفرض. والمساومة التاريخية التي عقدتها الشعوب مع من يسيطر على الحكم فيها كانت تحوم دوما حول الانصياع للأمر القائم وحكامه ما دامت الحدود الدنيا من العيش الآمن متحققه حتى لو كان ذلك مترافقا مع الاستبداد. قامت هذه المساومة على تجربة كثيفة ومريرة في تواريخ المجتمعات كان عنوانها ضرورة الاختيار بين أمرين يتقاربان في مستوى المرارة: إما الاندراج في صراعات متأبدة وتنافسات بين القوى والمجموعات المتنافسة داخل اي مجتمع بحيث تعم الفوضى وينعدم الاستقرار وتستحيل معه الحياة الآمنة والطبيعية, وإما التسليم لحكم قوي مستبد يحقق الأمن ويقضي على الفوضى.

بقيت هذه المعادلة هي المتسيدة في انظمة الحكم السياسي واغتنت بتنظيرات وتسويغات ربما في كل ثقافات وحضارات الإنسانية, من الصينية والهندية إلى الفارسية والعربية والإسلامية وصولا إلى الفكر الغربي مع ميكافيلي في كتابه الامير وتوماس هوبز في تنظيره لأولوية و»قداسة» الدولة ومبررات فرض الاستقرار. على ذلك يمكن القول ان الاستقرار والاستبداد ظلا من اشهر توائم التاريخ واطولهما عمرا. ولم ينفصل هذ التوأم إلا حديثا في تاريخ البشرية, فمع عصر الانوار انطلقت نظريات جديدة تعلي من إرادة الشعب وترفض فكرة الاستبداد المقيم الذي يفرضه الحاكم بمسوغ تحقيق الاستقرار. جاءت افكار الجمهورية والعقد الاجتماعي مع مونتسكيو وروسو لتنزع من ملوك اوروبا احتكارهم الحكم وتقوض كل الاسس التي قامت عليها, ولتشكل ثورة حقيقية في تاريخ الانسانية في اوجه عديدة, ومنها وعلى المدى الطويل بداية تفكيك العلاقة القديمة بين الاستقرار والاستبداد. مع افكار الارادة العامة واعلاء قيمة الفرد والشعوب بدأت العملية التاريخية المتمثلة في انتقال الافراد من مرحلة «الرعية» و»الاتباع» كما كان يُنظر إليهم من قبل الكنيسة وملوك اوروبا القرون الوسطى إلى مرحلة المواطنين كاملي الاهلية والحقوق والمساواة. وبدأت بالترافق مع ذلك عملية الانقلاب الهائل في الادوار حيث تبدل مفهوم وموقع «المواطن» متجها لاحتلال جوهر الاجتماع السياسي ومركز النظام السياسي القائم, وحيث تبدل مفهوم وموقع «الحاكم» كي يصبح مجرد مفوض مؤقت بعقد اجتماعي ذي فترة زمنية محدودة, ووظيفته خدمة المواطن وليس السيطرة عليه او الاستبداد به. لم يحدث هذا الانقلاب دفعة واحدة بطبيعة الحال, او في فترة زمنية قصيرة, او من دون اكلاف باهظة. بل استمر قرونا عدة وما زال قائما وتضمن حروبا دموية مديدة, دينية واقطاعية وملوكية, ذلك ان الاستبداد قاوم ولا يزال يقاوم بشراسة بالغة متدرعا دوما بمقولة انه الوحيد الذي يحقق الاستقرار.

لكن على طول تلك القرون كان الاستبداد يخسر ارضا جديدة في كل مرة, وكانت الحرية تتمدد. انتقل الفكر الانساني مدعما بالتجربة التاريخية إلى مرحلة جديدة هي إمكانية تحقيق الاستقرار مع الحرية. استقرار الاستبداد محتمل لكنه مؤقت ونهاياته دموية على الدوام. وسبب ذلك ان آلية الاستبداد تقوم على دفن المعضلات وحشرها تحت السطح والتظاهر بأنها غير موجودة. يتوازى مع ذلك خوف «الرعية», الافراد شبه العبيد, من مواجهة المُستبد ومطالبته بمواجهة تلك المعضلات التي يقع في جوهرها دوما الاستيلاء على الثروات العامة وانتشار الفساد وتفاقم سرطانات سوء استغلال السلطة بكل انواعها. على العكس من ذلك تشتغل آلية استقرار الحرية على مواجهة تلك المعضلات تحت الشمس ومحاولة حلها. كل فساد يظهر تتسلط عليه الاضواء ويُفضح. الشعب القائم على فكرة المواطنة القانونية والمساواة, اي الافراد الاحرار, هم من يحاسب الفاسدين والحكام, ومن خلال الفصل بين السلطات يمنعون اي تغول لفئة حاكمة او جماعة مستأثرة بثروة او قوة على حقوق الشعب وحرياته.

استقرار الاستبداد يستقوي بمسوغ دائم يقول ان المجتمع, اي مجتمع, فيه مكونات وطوائف وإثنيات واديان وجماعات منفصلة ومتعادية, جاهزة للإنقضاض على بعضها البعض فور إنزياح قبضة الاستبداد عنها ولو قليلا. لذا فالاستبداد, حتى لو كان على حساب حرية الافراد, يضبط مكونات المجتمع المتصارعة ويقلم اظافرها ويدفعها كي تبقى مرعوبة من بطش النظام القائم. وهكذا يتم قمع الحروب الاهلية المحتملة ويعيش الجميع في استقرار, لكن في جو من الخوف الدائم. الشكل العام لهذه الفكرة وتطبيقاتها التاريخية فيها قدر كبير من الواقعية. لكن مفعولها الإنساني انتهى ولم يعد لها رأس مال حقيقي في العالم المعاصر. فالاستقرار المتحقق من قمع كل مكونات المجتمع المتصارعة في عالم اليوم المعقد والمتداخل هو استقرار موهوم ومؤقت. ذلك ان حقيقة ما يتم لا تتجاوز دفن الخلافات واسباب الصراع تحت السطح وتأجيل انفجارها. لا يعمل الاستبداد خلال حقب الاستقرار التي حققها على إبطال مفاعيل الصراعات بين الجماعات المتنافسة في المجتمع, بل يشتغل في الغالب الاعم على الحفاظ عليها واحيانا تأجيجها لأن وجودها يبرر شرعية بقاء الاستبداد ذاته. واحيانا كثيرة اخرى يتحالف الاستبداد مع جماعة, او طائفة, او عصبية, تكون هي العمود الفقري الذي يستند إليه مستعديا بقية مكونات المجتمع مستأثرا بالحكم من ناحية ومانحا المزايا والافضلية للجماعة المُتحالف معها. وهكذا فإن العلاقات بين المكونات المتنافسة في مجتمع الاستبداد تقوم على العداء المبطن والتربص الدائم المقموع بآلية الضغط التي يفرضها الحكم. وهي بهذا تكون علاقات هشة قائمة على انتظار الانفجار القادم.

في الاستقرار المبني على الحرية تتصارع القوى المتنافسة داخل المجتمع بعنف شديد اولا, قد يتخذ اشكالا دموية, ثم يخف تدريجيا إلى ان تكتشف هذه القوى ان لا حل امامها سوى التعايش فيما بينها, والوصول إلى معادلات مساومية وتنازلات متبادلة. عندها يتم تقليم الزوايا الحادة والمتوترة والعنيفة لدى كل جماعة, او طائفة, او اثنية, بشكل طوعي وقناعي وتتجه الكتل الاساسية والكبرى للجماعات نحو الوسط المعتدل في النظرة لنفسها وللجماعات الاخرى. يبقى الصراع والتنافس في ما بينها قائما لكنه يتحول إلى صراع سلمي آليات التعبير عنه ديموقراطية وليست عنفية. وهكذا يتم الاعتراف بالصراعات والتنافسات والتخلي عن النظرة الطفلية الساذجة للمجتمع بأنه منسجم ومتناغم كأنه عائلة متحابة, وهي نظرة تروجها الانظمة المتسبدة التي تستند إلى ترسيخ الابوية السياسية في الحكم والمجتمع. يؤدي الاعتراف بالصراعات والتنافسات داخل المجتمع إلى صلابة في التمسك بالحل الديموقراطي لتنظيمها, ليس لأنه خال من النواقص, بل لأنه الافضل نسبيا بين كل الحلول الاخرى التي وصلت إليها البشرية. في مثل هذه الحالة يتم انجاز الاستقرار ليس على حساب الحرية بل معها ومعهما تُصان كرامة الفرد المواطن وتنطلق ابداعاته وطاقاته, على عكس استقرار الاستبداد.

==============

سورية ومحنة المعارضة

رياض معسعس

القدس العربي

25-7-2011

في الوقت الذي يوجه فيه النظام السوري فوهات بنادقه إلى صدور المتظاهرين المطالبين بالحرية 'وبس'، ويحاصر بدباباته مدينة حماه كما حاصر قبلها درعا، وجسر الشغور، وحمص، وتل كلخ وغيرها، وبعد مضي اكثر من أربعة أشهر على الثورة السورية المباركة المطالبة بتغيير جذري في البلاد، لم نر، حتى الآن، أن المعارضة السورية قد ارتقت إلى مستوى الحدث الجلل، ولا عبرت عن نفسها بنفس قوة حناجر الشباب الأبطال الهاتفة، ورغم سيف القمع الرهيب المسلط على رقابهم 'ما في أبد، تحيا سورية ويسقط بشار الأسد'. ولم نسمع إلى الآن صوتا موحدا لهذه المعارضة، بل اصواتا متنافرة، متباعدة، بل ربما متناحرة، لا تقدم مشروعا متماسكا، ومتكاملا لرؤية مستقبلية لسورية الثورة بعد سقوط النظام البعثي- الأسدي الجاثم فوق صدر سورية منذ زهاء نصف قرن.

أربعة عقود ونيف مضت على هذا النظام، وعلى هذه المعارضة، بات فيها النظام من أعتى الأنظمة الدكتاتورية في العالم. والمعارضة من أضعف المعارضات التي عرفتها سورية منذ استقلالها.فأين هي الأحزاب السياسية المعارضة؟ (الاتحاد الاشتراكي، الأخوان ا لمسلمون، الاشتراكيون العرب، الشيوعيون المنشقون عن الحزب الشيوعي الموالي للسلطة، حركة 23 شباط)، إننا لا نسمع منهم حتى جعجعة، ولا نرى حتى طحنا. فأين هو التجمع الذي ضمهم؟ وأين المواقف المطلوبة منه أن يتخذها في هكذا حدث تاريخي فريد؟ أليس هو الوقت لتضافر جهود كل القوى السياسية، والاتفاق فيما بينها على برنامج موحد وواضح يطرح على الجميع ليعطي للمعارضة السورية مصداقيتها أمام العالم أجمع وتؤكد من خلاله أن البديل موجود وقادر على قيادة البلاد إلى بر الحرية والديمقراطية دون الانزلاق في مطبات خطيرة لا يحمد عقباها، وتعطي أملا للشعب السوري الذي عاني ما عانى، وقاسى ما قاسى من هذا النظام بأن له قيادة تعينه في محنته؟

أسئلة ملحة جدا في هذا الظرف العصيب الذي يحاول فيه النظام أن يثبت للقوى المساندة له بأن بدونه سيحل الخراب،وأن بعده سيأتي الطوفان، وليس هناك أية معارضة مؤهلة لتحل محله. سيما وأنه يستغل كل هفواتها وضعفها لينكل بها تنكيلا. ويعمل جاهدا بكل ما أوتي من قوة، وعدة وعدد، ليجهض هذه الثورة الشعبية الحقيقية حتى ولو كلف ذلك قتل الآلاف من الشعب السوري، وتلفيق الأكاذيب بوجود جماعات مسلحة ارتكبت المجازر بحق رجال الأمن والجيش، ودفنتهم في مقابر جماعية، مع تيقنه في خلده بأن هذه الكذبة الكبيرة لا تنطلي على أحد. فما مصلحة هذه 'المجموعات المسلحة' إن وجدت بقتل الناس الأبرياء؟ ولماذا لم تعلن عن نفسها إلى الآن؟ وكيف للجيش السوري الجرار، وقوى الأمن العرمرمة، و'الشبيحة' أن تفشل في القبض على هذه العناصر المسلحة وهي المجهزة والمدربة لتقوم بحماية الشعب السوري، والدفاع عن سيادة سورية من أي هجمة مفاجئة من اسرائيل؟

في ظل هذه الظروف الصعبة فإن الخارطة التي ترتسم أمامنا لا تعبر فعلا عن معارضة تمثل شعبا ثائرا، بل مجموعات لا قاسم مشتركا أصغر فيما بينها. (مؤتمر أنطاليا، مؤتمر بروكسل، مؤتمر باريس، مؤتمر سميرا ميس، اللجنة التنسيقية، إعلان دمشق، جبهة الخلاص...) بل أن بعض أفراد هذه المعارضات انجر وراء انزلاقات خطيرة غير مطمئنة باعتمادها على شخصيات غربية مشهود لها بعدائها للقضايا العربية، كما حصل في مؤتمر باريس، لتكون عرابة التغيير على نسق النمط الليبي. رغم أن الشعب السوري الثائر قالها وبقوة في كل هتافاته 'لا للتدخل الأجنبي' فإلى أين تجرنا هذه الفئات من المعارضة؟ وإلى ماذا تهدف؟ بل إننا نشهد بروز أشخاص على الساحة لم نكن نسمع بها من قبل، وأخرى عرفت بشكل أو بآخر عبر نشاطات مختلفة، تقوم بتصريحات وأنشطة 'معارضة' في قالبها، لكنها تصب في مصلحة النظام في النهاية، وهو يستفيد منها أيما استفادة في تبرير استخدامه للقوة المفرطة، كتلك التصريحات القائلة بأن جهات معينة عرضت عليها تهريب أسلحة لسورية. والجميع يعرف أن الشعب السوري يرفض رفضا قاطعا استخدام والعنف، وما انفك ينادي بأعلى صوته 'سلمية، سلمية'. إن مثل هكذا سلوك لن يخدم مصلحة الوطن الجريح، الذي يناضل بإ صرار منقطع النظير لنيل حريته وانعتاقه من أذرع النظام القابضة بقوة على عنقه. بل أنها تضيف، عن قصد أو عن غير قصد عبئا آخر على كاهله المثقل بالجراح.

ما هو مطلوب اليوم وبإلحاح شديد تكوين معارضة موحدة بين الداخل والخارج، عن طريق الاتصال بجميع القوى الشريفة والمشهود لها بنضالها الطويل ضد هذا النظام، والالتفاف حول قيادة موحدة تمثل هذه المعارضة وتتحدث باسمها كي يكون لها المصداقية المطلوبة لدى السوريين من جهة والقوى العالمية والمحافل الدولية من جهة أخرى. وقطع الطريق على كل هؤلاء المحترفين بركوب الأمواج واستغلالها لمصالحهم ولمآرب أخرى. إن هذا النظام الذي يحاول عبر مناوراته المكشوفة بتلفيق مؤتمراته 'الحوارية' التي وظف لها رهطا من أعوانه، ليعطي الانطباع بأن ' ورشة عمل' حواري قائمة ليفوت الفرصة على أي حوار جدي ومجد يلبي مطالب الشعب، والذي يزج بكل قواه الأمنية والعسكرية في معركة ضد شعبه لأكبر دليل على خشيته من السقوط المدوي كما سقط من قبله النظام التونسي والمصري، وشعوره بأنه بدأ يترنح،وعلى هؤلاء الشباب الذين يقودون هذه الثورة العظيمة التي أبهرت العام وجعلته يقف حائرا، ومندهشا من صمود هذا الشعب في وجه هذا النظام الجائر، أن يفرزوا قياداتهم الشابة الوليدة من رحم هذه الثورة. فعلى المعارضة بكل أشكالها أن تلعب دورها التاريخي، اليوم قبل الغد، لإنقاذ سورية من نظام كلما طال وجوده كثرت مجازره بحق شعب أعزل يطالب بالحرية 'وبس'.

=============

سورية بين حيرة السوريين وغيرهم !

الإثنين, 25 يوليو 2011

فايز سارة *

الحياة

تبدو سورية اليوم في حيرة. وحيرة سورية، تستند إلى حيرة السوريين وغيرهم إلى معطيات وخلاصات أربعة اشهر مضت من الأزمة السورية وحراكها الشعبي الذي رافقها بتظاهراته وشعاراته، وبالرد الذي تواصله السلطة هناك في مواجهة الحراك الشعبي وفي إطار معالجة الأزمة بطريقة أمنية/عسكرية.

حيرة السلطة في إطار الحيرة السورية، تظهر واضحة في ارتباكها السياسي والإعلامي، وهي بالحالتين تمضي بطريقة متناقضة في سياساتها ورسائلها. ففي الوقت الذي تشير فيه إلى رغبة في معالجة سياسية للأزمة، تشمل إصلاحات على طريق تحول إلى دولة ديموقراطية تعددية، السلطة فيها للشعب كما قال نائب الرئيس وبين استمرار الحل الأمني العسكري الذي بدا انه غير قادر على تحقيق نتائج عملية في وقت يهدد استمراره سورية والسوريين بالذهاب إلى منزلقات أخطار الصراع الداخلي أو التدخلات الخارجية كلاهما أو احدهما، كما أن ارتباك السلطة الإعلامي واضح هو الآخر في نوسان الممارسات والتعبئة وبين استمرار التحريض ولغة التخوين الممنهجة والدعوة إلى الحوار والتهدئة.

وحيرة المعارضة ذاتها، تماثل حيرة السلطة وإن بدرجة اقل. إذ هي وإن كانت خياراتها المشتركة واضحة بصدد المستقبل وهي بناء دولة ديموقراطية تعددية برلمانية، دولة حق وعدالة ومساواة لكل السوريين، فإن حيرتها تتعلق في تفسير وفهم سياسة النظام الحاكم في تردداته وتناقضاته. وهي اقرب إلى إيجاد حلول سياسية للأزمة السياسية الاقتصادية والاجتماعية الثقافية العميقة، وهو أمر لا يمكن أن يتم خارج اطر الحوار، الذي يبدو مستحيلاً في ظل ذهاب النظام إلى ممارسة حدود غير مسبوقة في العنف والقوة باستخدام الجيش والقوى الأمنية إلى جانب عصابات الشبيحة، مع استمرار سياسة الاعتقال والاحتفاظ بالسجناء والمعتقلين والإصرار على منع التظاهر وغيرها، مما منع المعارضة من الذهاب إلى الحوار، لأنه نسف فكرته في توافق الأطراف المتحاورة للوصول إلى حل من خلال تأكيد السلطات استمرارها في السير على خط الحل الأمني.

ويزيد من حيرة المعارضة واقع تباين حراكها بين الداخل والخارج. رغم أن المعارضة، كانت قد أقرت بمعظم تمثلاتها منذ إطلاق إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي عام 2005، أن قيادتها في داخل سورية، وأن قسمها في الخارج متمم، ولايمكن أن يكون بديلاً لتلك القيادة، ورغم أن أحداً من معارضة الخارج، لم يطرح فكرة أن يصير قيادة للمعارضة، فإن في بعض ممارسات المعارضة في الخارج، يوحي بأن ثمة توجهات لدى البعض في تكثيف دور الخارج القيادي على حساب القيادة في الداخل وربما مصادرته، وهذا تحول يحير بعض قوى المعارضة وشخصياتها بفعل مايمكن أن يعكسه من آثار على المعارضة ومواقفها وحراكها.

وإذا كان الحراك العام في سورية قد حسم مواقفه في شعاره المركزي الذي تردده التظاهرات في المدن والقرى «الشعب يريد إسقاط النظام»، فإن ذلك لا يعني أن الحراك الشعبي هو خارج قوس الحيرة. ليس نتيجة عدم قدرته على تفسير سلوك النظام الذي أوصل الأزمة إلى الحدود الراهنة، التي تبين فاتورتها نحو ألفي شهيد وآلاف من الجرحى بينهم كثير ممن أصيبوا بعاهات دائمة، وعشرات آلاف من المعتقلين والمطلوبين، وخسائر مادية ومعاناة إنسانية كبيرتين، بل من خلال القلق عما بعد إسقاط النظام أو في الطريق إلى ذلك.

إن قسما مهماً من السوريين نتيجة عوامل الخوف المتأصل في النفوس والأرواح، وبفعل القلق من احتمالات المستقبل، أو بسبب تقليديته وميوله المحافظة وغير ذلك، يقف محتاراً بين خيارات السلطة والحراك الشعبي مراوحاً بين حدين مختلفين ومتباعدين، دون أن يعني ذلك، أن للقسم الأكبر من هذا القطاع رغبات ومواقف، يمكن أن يجري التعبير عنها في أي وقت تحت ظروف معينة. إن أوضاع سورية بما تفرضه من حيرة على السوريين وغيرهم من القوى الإقليمية والدولية، إنما تستند إلى هوية البلد المقبلة، والتي ستكون هوية مختلفة مهما كانت اتجاهات معالجة الأزمة، ذلك أن الكل مقتنع، أن سورية في المرحلة المقبلة لن تكون كما كانت في آذار الماضي وما قبله. ولكن كيف يمكن أن تكون؟. فإن هذا هو السؤال الذي يدفع إلى القلق والحيرة.

============

رمضان كريم يا سوريا

اياد ابو شقرا

الشرق الاوسط

25-7-2011

«قدرة المرء على إحقاق العدالة تسهل الديمقراطية.. لكن نزعته إلى الظلم تجعل من الديمقراطية ضرورة»

(رينهولد نيبور)

* أعتقد أن ثمة خطأ كبيرا ومكلفا، إما في إدراك ردات الفعل العربية والدولية حقيقة ما يجري في سوريا هذه الأيام.. وهذا وارد، أو في الأخلاقيات التي تحكم ردات الفعل هذه.. وهذا مرجح.

ولكن، لئن كان الصمت العربي مفهوما كونه التعبير الأبلغ عن حالة العجز المقيم التي فجرت «الربيع العربي»، فكيف يمكن تبرير التلكؤ الدولي والرسائل المتناقضة الموجهة إلى «حالات تسلطية» تكشف جوهر تفكيرها وفلسفة وجودها في كل يوم وكل ساعة؟

لقد صدرت الأوامر بسحب البساط من تحت أقدام نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك خلال 18 يوما من انتفاضة الشارع. ولم تشفع له يومذاك لا «اتفاقية كامب ديفيد»، ولا مسايرة واشنطن بإغلاق معابر رفح مع قطاع غزة، ولا قبوله بلعب دور «الوسيط» بين الشاة الفلسطينية والجزار الليكودي لسنوات.

كانت الذريعة، على ما نذكر، يومذاك إطلاق الشرطة المصرية و«بلطجية» النظام النار على المتظاهرين المسالمين في القاهرة وغيرها من المدن المصرية. قررت واشنطن إطلاق رصاصة الرحمة على نظام مبارك بعد قمع لم يطل أكثر من 18 يوما فقط، ولم يسقط فيه وفق مصادر متقاطعة أكثر من 846 شهيدا و6467 جريحا.

والآن لننظر إلى سوريا، التي كاد العالم كله يحفظ عن ظهر قلب «اسطوانة» وزارة الخارجية الأميركية وغلاة «صقورها» و«ليكودييها» - من الحزبين الديمقراطي والجمهوري - عن أنها «دولة تدعم الإرهاب» (!!)، وأنها متورطة في خلخلة الأمن داخل أراضي جيرانها، ثم إنها - حسب أحدث التهم - تسعى لتطوير أسلحة نووية، والعياذ بالله من أمر الله.

هذه التهم مثبتة على الأقل في واشنطن، بدليل رضا البيت الأبيض والكونغرس عن القصف الإسرائيلي لما وصف ب«معسكر» عين الصاحب التدريبي قرب دمشق، وشن إسرائيل عملية استهدفت «مفاعل» الكبر قرب مدينة دير الزور.

ثم إن واشنطن، ومعها لفيف من الحلفاء في باريس ولندن وغيرهما من العواصم الأوروبية، ما زالت تشك في وجود دور ما لدمشق في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، وجرائم الاغتيال التي تلتها، ولذا أبدت حماسة منقطعة النظير داخل مجلس الأمن الدولي لإنشاء محكمة دولية للتحقيق في تلك الجرائم واقتياد الجناة إلى العدالة.

ولنضف إلى ما تقدم أن القيادة السورية، بجيليها «الخالد» بين 1970 و2000، و«القائد» منذ 2000 وحتى اليوم، تنتهج خطا لم يتغير طيلة 41 سنة، على الرغم من الوعود الكثيرة بالتغيير والانفتاح واحترام حقوق الإنسان.

بل إن الأسس البنيوية، لا سيما الفئوية والأمنية، التي قام عليها حكما هذه القيادة السورية مفهومة جيدا في عواصم القرار الدولي، وهو ما يفترض وجود «خطط طوارئ» في حال حدث في سوريا ما ليس في الحساب. وهذا أمر أحسب أنه ضروري جدا بالنظر إلى الدور المحوري «الممانع» الذي تلعبه سوريا - أقله في أدبيات قيادتها الحاكمة - على مستوى الحرب والسلم في منطقة الشرق الأوسط، أو المواجهات الاستراتيجية الخطيرة بين الغرب «الصهيوني» وإيران - الولي الفقيه.

فترة أربعة عقود كانت أكثر من كافية في تصوري لبلورة المجتمع الدولي صيغة «علاقة تفاهم»، أو «تنظيم تعايش عدائي»، يقبلها العقل والمنطق مع حكام دمشق. ولكن الرد على ما حصل منذ أكثر من أربعة أشهر في عموم مناطق سوريا تقريبا يثير علامات استفهام كثيرة، وعلامات تعجب أكثر..

في حالة سوريا نتكلم اليوم عن قمع لا مثيل له في كل نماذج «الربيع العربي»..

نتكلم عن آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين..

نتكلم عن مدن شبه مهجّرة أو محاصَرة بقصد التجويع والتركيع والترويع..

نتكلم عن استفراد تتابعي في عمليات القمع الدموي، مدينة مدينة، وريفا وريفا، في طول البلاد وعرضها..

نتكلم عن مواطنين فدائيين يتظاهرون أسبوعيا بعدما كسروا حاجز الخوف من القناصة و«الشبيحة» (النسخة السورية من «بلطجية» مصر) والدبابات والصواريخ، التي ضلت طريقها وسط صمت جبهة الجولان..

نتكلم عن تعتيم إعلامي ممنهج وتضليل دعائي شرس ومناورات «تنفيسية» تحت مسمى الحوار..

نتكلم عن تعمد الحكم استنهاض غول الطائفية والمتاجرة به تمهيدا لابتزاز المواطنين بالفتنة المروعة..

نتكلم عن توريط الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية، على الرغم منها، بينما يعلن السواد الأعظم من أبناء سوريا في كل مناسبة أنهم شعب واحد وقلب واحد وحلم واحد.

بعض أبواق الحُكم تكلمت بالأمس عن وجود مؤامرة «تستهدف نموذج العيش المشترك»، غير أنها سها عن بالها أنه كان حريا بأهل السلطة على امتداد أربعة عقود ممارسة ما يبشرون به، فلا يدعمون «الأصوليين» في العراق ولبنان وفلسطين.. بينما «يخوّنونهم» ويطاردونهم داخل سوريا.

ما يحدث في سوريا أسوأ بما لا يقاس بما حدث في تونس أو مصر، بل حتى ما يحدث في ليبيا واليمن. غير أن المجتمع الدولي، الذي يعرف تماما مع من يتعامل، ما زال يناور في تجريب ما هو مجرّب.

لماذا؟ لأن موقف واشنطن في هذه المسألة ينتظر قرار إسرائيل الذي ما زال ضد تغيير الحكم الحالي، وموقف حلفاء واشنطن الغربيين يبنى على أساس ما ترتئيه الإدارة الأميركية، سواء من الحكم السوري أو «عمقه الاستراتيجي» في طهران. وفي حين لكل من موسكو وبكين مع الولايات المتحدة حسابات خاصة عديدة، تنتظر أنقرة التوقيت المناسب والخطوة الأنسب للتحرك في إطار طموحها الإقليمي.

وسط كل هذا الإرباك، ومع تحضير القيادة السورية لعملية «حل نهائي» لإجهاض انتفاضة الشعب قبل حلول رمضان المبارك، وهو ما يستشف أيضا من تلميحات «إسلاميي» الحُكم عن دور المساجد في الانتفاضة، صدقت إحدى الناشطات (بهية مارديني) بقولها «الشعب قال كلمته، ومن يخرج تحت أزيز القنص الغادر ولا يهتم بالقتل والقمع، لا بد أن ينتصر لا محالة».

=============

سفينة الكرامة وحصار غزة

د. جورج طريف

tareefjo@yahoo.com

الرأي الاردنية

25-7-2011

للسنة الخامسة على التوالي يواجه قطاع غزة حصاراً اسرائيليا شاملاً، يهدد في كل يوم ما تبقى للفلسطينيين فيه، من فرص الحياة الإنسانية المناسبة حيث تحاول اسرائيل بشتى الوسائل تشديد ذلك الحصار المفروض على القطاع ذي المساحة الصغيرة المكتظة بالسكان لدرجة انه أصبح يضيِّق الخناق على المواطنين الفلسطينيين بشكل صارخ، ومعظمهم من اللاجئين الذين يعيشون في مخيّمات بائسة.

وحولت سياسة الحصار التي تتبنّاها حكومة الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة إلى سجن كبير، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ولم يعد أيّ من سكان القطاع البالغ عددهم ما يقارب المليون ونصف المليون مواطن يتمكن من مغادرة القطاع تحت أي ظرف من الظروف برا اوبحرا اوجوا، حتى بالنسبة للحالات المرضية المستعصية والطلبة الدارسين في الخارج ومزاولي الأعمال المختلفة فضلاً عن الصحافيين ومراسلي الإعلام ومسؤولي الوكالات والجمعيات الإنسانية، ولم تبق الامور عند هذا الحد بل منعت اسرائيل دخول اي نوع من الامدادات الغذائية والتموينية والطبية بما في ذلك الاجهزة والمستلزمات الطبية ومواد الوقود والسلع والمواد اللازمة للصناعة والبناء والزراعة وما الى ذلك من امور دون علمها، وتواصل الحكومة الاسرائيلية ممارساتها على مرأى من العالم اجمع بدوله ومنظماته وهيئاته دون ان يحرك ساكنا تجاه ممارسات الحكومة الاسرائيلية او تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وامام ذلك كله فكر العديد من النشطاء الذين ينتمون الى دول العالم المختلفة بكسر الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة من خلال تسيير سفن تقلهم الى القطاع وكانت سفينة ديغنيتي-الكرامة الفرنسية وهي السفينة الاخيرة التي بقيت من أسطول الحرية الثاني ابحرت عبر البحر الابيض المتوسط لكسر الحصار الاسرائيلي على غزة للتأكيد على حق الإنسان الفسطيني في العيش بكرامة وحرية في أرضه ووطنه الا ان القوات البحرية الاسرائيلية اعترضتها في عرض البحر قبالة سواحل قطاع غزة واجبرتها على التوجه الى ميناء اسدود واعتقلت ركابها وبدأت عملية التحقيق معهم ضمن عمليات القرصنة الاسرائيلية التي تشكل انتهاكا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني..

ما تقوم به إسرائيل تجاوز لكل الخطوط الحمر والقيم الإنسانية ويتطلب قيام المنظمات العربية والإسلامية بقيادة تحرك فاعل على المستوى الحقوقي في مواجهة ممارسات وتصرفات الاحتلال عبر رفع دعاوى قضائية في كافة المحاكم الدولية بهدف إيقاف ممارسات الاحتلال بحق المتضامنين العزل وفك الحصار عن قطاع غزة الذي يعاني أهله من حصار جائر ولا إنساني منذ عدة سنوات وعلى المجتمع الدولي تحديد موقفه بشكل واضح من القرصنة الاسرائيلية التي تخالف أبسط قواعد القانون الدولي والإنساني والأعراف المعمول بها دوليا والمتعارف عليها عالميا.

وما من شك في إن استمرارَ الاحتلال الاسرائيلي في منعه وصول المتضامين والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر بحجة خشيته من عمليات تهريب الاسلحة والذخائر، واعتدائه عليهم لن يوقف حملات التضامن مع الشعب الفلسطيني، ومواصلة جيش الاحتلال الإسرائيلي في اعتداءاته اليومية المسلّحة على المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي يسقط خلالها ضحايا من شتى الأعمار بشكل يومي، وتخلِّف أضراراً جسيمة في البيوت والمنشآت المدنية والاقتصادية وتعطل سير الحياة اليومية لدى المواطنيين واستمرار تهديدات الحكومة الإسرائيلية بعملية اجتياح عسكرية واسعة لقطاع غزة بين فترة واخرى، كل ذلك لن يزيد االشعب الفلسطيني الا اصرارا على فضح الممارسات الاسرائيلية وعدم الرضوخ لاية ضغوط من جانب الحكومة الاسرائيلية مهما كانت والعمل الجاد والدؤوب وعلى مختلف الاصعدة عربيا ودوليا حتَّى رفع الحصار والظلم عن أهلنا في فلسطين المحتلة وتحقيق اهدافهم في نيل الحرية والاستقلال على التراب الوطني الفلسطيني.

==============

شروط نجاح الثورة الشعبية  

أسامة عبد الرحمن

الخليج

25-7-2011

من البديهي أن تكون المطالب التي تتبناها الثورة الشعبية العربية، مطالب حقيقية ومشروعة وواضحة، وهو ما يعطيها الأهلية للتحرك واستقطاب الإرادة المجتمعية . ومعروف أن المطالب تتمحور عادة على تحسين المستوى المعيشي في ظل الظروف المعيشية المتردية، وتضاؤل فرص العمل، وازدياد مساحة الفقر، ونسبة الذين يقعون تحت خط الفقر، وذلك كله محصلة للمسار التنموي المغلوط في ظل غلبة الاستبداد وتفاقم الفساد اللذين يؤطران البعد السياسي المتحكم في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة .

ومن هنا يتبين أن تحسين المستوى المعيشي ليس محصلة قرار اقتصادي يحاول احتواء الوضع المعيشي المتردي، وإنما محصلة تنمية فعلية شاملة، من أهم أبعادها البعد السياسي الذي يتحكم في بقية الأبعاد، وهذا البعد السياسي في إطار التنمية الحقيقية، يتمحور على الديمقراطية ومنظومتها المتكاملة، وهي التي يتمثل فيها البناء المؤسسي الذي يحتضن الإرادة الشعبية والآلية المؤسسية التي تلبي مطالب الإرادة الشعبية . وهكذا يصبح الإصلاح السياسي مطلباً محورياً، وهذا الإصلاح قد يقتضي تغيير النظام القائم وليس التغيير داخل النظام .

ولعل هذه المطالب المشروعة والحقيقية الواضحة، تستقطب القطاع الأكبر من المجتمع الذي يتلاحم مع الثورة الشعبية، وهذا التلاحم المجتمعي، شرط آخر من شروط نجاح الثورة الشعبية، إذ إنه يجعل لها قاعدة اجتماعية، ويؤهلها لحراك مجتمعي ويعطيها الأهلية .

وهكذا يأتي شرط التلاحم المجتمعي محصلةً لشرط مشروعية المطالب، وإن كان للثورة الشعبية أن تعتمد على كل الوسائل العصرية المتاحة لتوضيح هذه المطالب، وتأكيد مشروعيتها ونشرها على نطاق واسع، من خلال الفضاء الإعلامي والمعلوماتي الواسع، ومن أبرز أدواته الإنترنت، والاعتماد على كل وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي لتحقيق هذه الغاية .

وانتهاج الخط السلمي يعد شرطاً أيضاً لنجاح الثورة الشعبية، وهذا النهج السلمي يجب أن ينأى عن أي مظهر منافٍ له، وأن يضبط إيقاعه خلال مسيرته مهما يواجه من عقبات أو إثارات واستفزازات أو عنف .

هذا النهج السلمي، يعطي للثورة الشعبية قوة معنوية كبيرة وينأى بها عن مواطن الخلل والزلل، ويدرأ عنها أي شبهة أو شائبة قد يحاول البعض استغلالها لخدش صورتها، حتى لو كانت مجرد ردة فعل .

ومعروف أن النهج السلمي يقتضي الكثير من ضبط النفس، كما يقتضي الكثير من الصبر والتضحية . ومعروف في كل الأحوال أن النظام يستنفر قواه الأمنية للتصدي للثورة الشعبية ومحاولة إسقاطها والقضاء عليها باعتبارها تهديداً له، وهذا الاستنفار الأمني قد يكلف الثورة الشعبية قدراً ليس باليسير من التضحية، وهي بالطبع ترفض العنف . ومنهجها السلمي، يفرض عليها أن تكون بمنأى عن استخدام العنف، ذلك أن الدخول في دائرة العنف المتبادل، حتى في موازينه غير المتكافئة يخدش الصورة النقية للثورة الشعبية، ويلقي بظلاله على مطالبها المشروعة والحقيقية .

وفي كل الأحوال، فإن الثورة الشعبية يجب أن تحافظ على صورتها الوطنية، بعيدة عن أي تدخل خارجي، مهما تكن القبضة الأمنية للنظام قوية وباطشة، إذ من البديهي أن أي تدخل خارجي، له تبعاته وتداعياته، وله مصالحه وأجندته البعيدة كل البعد عن المطالب المشروعة والحقيقية، وهي كلها مطالب وطنية تهدف إلى تحقيق مصالح المواطن، ورقي الوطن على أساس المواطنة الحقة التي لا تتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي حقيقي .

إن نجاح الثورة الشعبية يعتمد على تكامل هذه الشروط، وهي المطالب المشروعة والحقيقية، والتلاحم المجتمعي، والنهج السلمي والنأي عن الخارج . وإذا تكاملت هذه الشروط، فإن الثورة الشعبية تكون قد أكملت معظم عناصر نجاحها، ويبقى موقف الجيش، والموقف الدولي، وكذلك الإقليمي، إضافة إلى طبيعة النظام، والانتماءات القبلية والمذهبية والطائفية ذات التأثير في نجاح الثورة الشعبية أو إخفاقها . وبالطبع فإن نجاحها ليس رهناً بلحظة تاريخية معينة يتهاوى فيها النظام أو تسقط رموزه، فالمسيرة طويلة حتى تحقيق المطالب، وهذه المسيرة الطويلة تتطلب حفاظاً على الشروط وتمسكاً بها، وإصراراً عليها، في مواجهة عقبات وصعوبات وتحديات، وتحركات لبعض العناصر التي تحاول أن تنتهز الفرصة لتحقيق مآربها الخاصة، أو لتعطيل المسيرة . هذه العناصر قد تتمثل في بعض القوى الداخلية، أو بعض القوى الخارجية، وهي في مجملها مناهضة للثورة الشعبية، أو مضادة لها، وليس في أجندتها إلا مصالحها الخاصة . ويقتضي نجاح الثورة الشعبية أن تكون هذه الشروط حاضرة باستمرار، في إطار تكاملي، وغياب أحدها قد يكون له تأثيره الكبير في النجاح .

==============

وصف الأزمة ب«الشاملة».. استعصت على النظام والمعارضة .. طيب تيزيني لـ القبس: أخشى على سوريا من «خطأ سياسي قاتل»

حمص - غسان سعود

القبس

25-7-2011

شكلت مشاركة الباحث الجامعي طيب تيزيني في اللقاء التشاوري إحدى أهم مفاجآت ذلك اليوم في سوريا، نتيجة خروج تيزيني عن إجماع المعارضين على عدم المشاركة.

الرجل، كما يقول ل القبس، لا يرفض حواراً، لكنه أيضا لن يشارك في أي حوار مع السلطة في المستقبل «قبل تحقيق ما تم الاتفاق عليه في الحوار السابق». وهو (تيزيني) يخشى على بلده مما يسميه ب«الخطأ السياسي القاتل».

سواسية

تشعر بأصابعه تتنفس، يعقلن طيب تيزيني الفلسفة... فكيف السياسة! أحسب أنت السنوات من 1934 إلى 2011؛ فهو لن يعدها لك إذا ما سألته عن سنه، سيستهلك هذا الأمر وقته: لك هي مجرد سبعة وسبعين عاماً، له هي انتقال من حمص مكان الولادة إلى تركيا حيث أنهى دراسته الأولية، فبريطانيا حيث الدراسة الثانوية، ثم ألمانيا لنيل شهادة دكتوراه أولى في الفلسفة، وشهادة دكتوراه ثانية في العلوم الفلسفية. وهذه السنوات هي أيضا عبارة عن ثلاثين جيلاً مروا عليه في جامعة دمشق. وهي السنوات دائماً أيضا نحو عشرين كتاباً، ونشاط مستمر في الدفاع عن حقوق الإنسان السوري، وإيمانه بهذه القضية بات أكثر علانية يوماً، وحتى بعد انتهائه من تأسيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان عام 2004، التي أطلق عليها اسم «سواسية».

ينشط هذا الرجل على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) ويرفض في الوقت نفسه اقتناء هاتف خليوي: ليس للأمر علاقة بالذبذبات وإنما بالرغبة في السيطرة على المواعيد و«العلاقات الطبيعية مع الناس». وستجده حين يريد هو في منزله، سواء في حمص أو دمشق: أنت وحظك.

أنا، يقول طيب تيزيني رداً على سبب قبوله المشاركة في اللقاء التشاوري، لا أضيع مناسبة جديرة بالاهتمام و«لا أنطلق من أن أي نظام يمثل كتلة صماء». أضع كل الاحتمالات، من دون توقف مسبق عند نوايا محاوري. أنا، يتابع تيزيني، أطمح الى تقديم آرائي، وكنت متشوقاً لمجالسة هؤلاء السوريين. ولاحظت وجود أطراف لها رأي إيجابي وتسعى بجدية إلى تغيير جذري.

هدية لشباب سوريا

في اللقاء التشاوري، الذي عقد في دمشق قبل أسبوعين تقريبا، رفض المتحاورون اقتراحا قدمه تيزيني «هدية لشباب سوريا»، يتمثل في إصدار قرار يمنع أي مواطن سوري إطلاق رصاصة على أي مواطن سوري آخر أياً كان السبب. وإيجابيات اللقاء تكاد تقتصر بالنسبة لتيزيني على تمكين السوريين من الاستماع والاطلاع على عدة وجهات نظر. وهو إذا لم تنفذ توصيات ذلك اللقاء لن يشارك في أي لقاء يعقد في المستقبل.

الرجل واضح. بالنسبة إليه هناك «أزمة بنيوية تلف كل ما هو موجود في سوريا، وليس مجرد قطاعات كالقطاع السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي». يعني الرجل ما يقوله عندما يشير الى أن «الأزمة شاملة». ستشعر أمامه بكل مشاعره ترددها. و«هي استعصت على الجميع، النظام السياسي والمعارضة». يأس؟ ربما. فبرأيه هناك غياب للمجتمع السياسي، أو للقوى الفاعلة كالأحزاب الوطنية المستقلة والأخرى التي في الجبهة الوطنية التقدمية، وللإعلام الوطني وللحد الأدنى من الحراك السياسي في البلد. والسؤال الرئيسي برأيه اليوم هو: «ما المرحلة الانتقالية التي يحتاج إليها السوريون من أجل الشروع في معالجة الأزمة؟».

وبرأيه أيضا فإن المرحلة الانتقالية تبدأ بتحقيق حد أدنى أساسي من الإصلاحات تنتهي مرحلياً بتنظيم انتخابات برلمانية حرة. وبرأيه فإن إيقاف النار ليس عملية سهلة، بسبب وجود من يتمترس خلف النار لعدم بلوغ الحل المتوازن. من هو هذا ال«من»؟ إنه طرف في السلطة لا يمكن تحديده إلا عبر قرار من القيادة. فالشهداء يذهبون برخص ولا بد من كشف قاتليهم ومحاكمتهم.

%20 مقابل %80

لاحقاً ستكون الأولوية لبناء مجتمع سياسي، يدير الملفات الأخرى الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والصحية والتربوية والحزبية والاعلامية. وتفيد الفلسفة قليلاً: «حين نطالب بالإصلاح، لا نحدد بالضبط ومسبقاً ملامحه التاريخية، فهذا يأتي في سياق الفعل نفسه». يذكر تيزيني بأن حزب البعث استباح الحريات حتى داخل صفوفه باعتباره حزباً يقوم على الديموقراطية الثورية. والديموقراطية الثورية تفرض منع «الأعداء أو المتأمرين» من أن يشتركوا في مصائر هذا الحزب أو ذاك». وكل ذلك أوصل البلاد إلى مجتمع العشرين في المائة، حيث يملك عشرون في المائة من المواطنين معظم الوطن مقابل ثمانين في المائة لا يملكون إلا الفتات.

من هنا يعتبر تيزيني أنه لا يكفي السماح للمواطنين بأن يقولوا «نعم» أو «لا» بشكل حر، مشدداً على ضرورة «إعادة البنية التي أنشئت بصيغة غير دستورية، كي يأخذ الواقع الجديد مساره الطبيعي. فإذا أنشئ الفعل الجديد على بنية سابقة فإن الوضع الجديد سيبتلع مجدداً. وسيكتشف السابقون بشكل أو بآخر آليات جديدة يبتعلون بها ما تكون من وضعية دستورية».

الخطأ القاتل

يقول طيب تيزيني إن هناك خطأ سياسيا قاتلا وهو الانطلاق من أن فريقاً دون آخر هو مسؤول عن مجتمعه وعن وطنه وعن مرحلة تاريخية ما.

والواضح أن لديه مخاوف كبيرة في هذا السياق، فهو يرى أن «ما يحصل اليوم هو أن ذاك الفريق لا يخشى من هذا الخطأ السياسي ولا يؤسس لمجتمع سياسي، وهو ليس حجر الزاوية في بناء الدولة السورية...». ويضيف: «ما يحصل اليوم يؤسس لفوضى يمكن أن تحدث شرخا عميقا في أوساط الناس والمجتمع ككل».

يزداد الصوت الهادئ هدوءاً، فالجدية الآن هي من يتكلم: «نطالب ونتمنى أن يأخذوا بعين الاعتبار أننا نختلف على بلدنا المشترك. وأن الوصول إلى شاطئ الآمان مستحيل من دون المرور بحلقة وسطية فيها بعض التنازلات من الطرفين لإنقاذ البلد. العقد الاجتماعي يجب أن يكون واضحاً في كونه حالة من العلاقات والتوازنات والصراعات، أي بوصفه عقداً يأتي نتيجة صراعات اجتماعية وطبقية وسياسية وثقافية، وليس تواضعاً بين مواطنين تنادوا للجلوس والاتفاق على شيء».

«..وأنا»، يتابع تيزيني، «لا أكتفي بالتفرج، بل أحاور يومياً العشرات من كل الأطراف والأحزاب والاتجاهات، وأسعى إلى لملمة هذه الأطراف للوصول إلى اتفاق على آليات للاقتراب من الآخر».

الداخل لمواجهة الخارج

ونتيجة اتصالاته هذه واضحة، وعنها يقول: «مع الأسف، ألاحظ غياب تام للحلول الإصلاحية الفعلية. مجرد تمنيات نأمل أن تتحقق. قالوا إن مهمتهم مواجهة الخارج وترك الداخل، وتبين أنهم أفسدوا الداخل وغضوا النظر عن الخارج... لا بد من تأسيس العملية السياسية من الداخل لمواجهة الخارج»، مذكراً بأن «المشكلات الداخلية هي التي تصوغ الخطاب السياسي وليس الهم الخارجي. وكلما كان الوضع الداخلي قوياً بالاقتصاد والسياسة والثقافة والبنية العسكرية، كان التضامن أكثر مع الآخر. فالداخل هو الذي يملي وليس الخارج».

ختاماً يتوجه تيزيني إلى الشعب السوري: «أنت شعب جدير بالاحترام، انتفاضتك تمتلك شرعية تاريخية. الإصلاح ليس إضعاف لفريق على حساب فريق آخر ولا عملية ثأر، هو فضيلة للجميع».

=========================

هل هناك حقاً استثناء سوري؟

ميشيل كيلو

السفير

تبدو النظرة الرسمية على الحدث السوري محكومة بفكرتين :

 ترى أولاهما فيه مؤامرة محبوكة بدقة يصعب على المواطن العادي تصور درجة تنظيمها وبراعة المشرفين عليها، الأمر الذي يفسر صعوبة التصدي لها طوال المدة التي سيتطلبها القضاء عليها. ويظهر دهاء من خططوا لها من اختيار لحظة تفجيرها، التي جعلتها تبدو كجزء تكويني من جو عربي يشهد ثورات متعاقبة، يضفي اندماج الحدث السوري فيه طابعا بريئا، مجتمعيا وشعبيا، عليه في الظاهر فقط يجعله يبدو كغيره من الأحداث العربية، بوسعه بالتالي تضليل وبلبلة قطاعات واسعة ومتنوعة من عرب الداخل الوطني والخارج القومي، ما يحجب خطورة الحدث ويموه طابعه الحقيقي، ويوهم – في العمق – بأنه ثورة، مع أنه مجرد مؤامرة خارجية تورط فيها قطاع واسع من السوريين يجهل حقيقة ما يفعله ومراميه الفعلية، وينساق وراء شعارات تضليلية يظنها أهدافه أو متفقة مع أهدافه، بينما يسيره في الحقيقة عدد قليل من المتآمرين المدربين: من الإخوان المسلمين والسلفيين، الذين اندسوا في صفوف الشعب وعرفوا كيف يمتطون صهوة مطالبه، التي هي حق يراد به باطل، دون علم قطاعات واسعة منه، بطبيعة الحال.

 وترى الثانية في ما يجري اليوم تكرارا لما جرى بين عامي 1978 و1982، مع ما يمليه الفارق الزمني من تعديلات في خطط المتآمرين من جهة والحكومة من جهة مقابلة. لكن جوهر الأمر يبقى واحدا: هناك جماعة إسلامية تضخم أخطاء نظام الحكم كي تؤلب الشعب ضده. وهي تستخدم السلاح لإسقاطه، فلا بد من نزع الغطاء الشعبي عنها وكشفها والقضاء عليها بالسلاح، بما أن الحل السياسي لا يجدي مع حملته المتآمرين.

هذا هو الاستثناء السوري بالنسبة إلى النظرة الرسمية: إنه ظهور المؤامرة بمظهر ثورة شعبية محقة المطالب تشبه غيرها من ثورات العرب، بينما الأمر على حقيقته نقيض ذلك تماما. هذا الجانب من النظرة الرسمية السورية ليس استثنائيا، لكونه يكرر حرفيا على وجه التقريب ما قيل بين عامي 78 و82، وقالته حكومات عربية أخرى واجهت تمرد شعوبها، بما في ذلك حكومة حسني مبارك، التي اتهمت المتظاهرين في ميدان التحرير بالعمالة لأميركا، وقالت إن سفارة واشنطن في القاهرة توزع عليهم وجبات دجاج كانتاكي الساخنة، وإن لديها أدلة على صلتهم بإسرائيل، وختمت بأنهم إسلاميون متطرفون، في حين تحدثت الحكومة الليبية عن إمارات إسلامية ستقيمها القاعدة بزعامة الظواهري وبن لادن قبل مقتله ، وادعى علي عبد الله صالح في اليمن أن القاعدة تقف وراء التمرد الشعبي ضده، وقبله ألمح زين العابدين إلى وجود علاقات غربية مع المتظاهرين / المتآمرين، تريد إسقاط نظامه «التونسي». أصرت الحكومات على الحديث عن مؤامرة إسلامية، رغم إعلانات الدول الغربية الصريحة والمتكررة أن هذه « الفزاعة « فقدت مفعولها وتأثيرها، بعد أن تبين لهذه الدول أن بديل النظم الراهنة ليس إسلاميا بالضرورة، كما أوهمتها طيلة عقود، وأن ذهابها لا يعني إطلاقا حتمية سقوط الدول والمجتمعات العربية في أيدي منظمات إسلامية متطرفة وأصولية، وأن الاحتمال الأرجح هو وصول خلطة ليبرالية جديدة / قديمة، تقدمية / إسلامية إلى الحكم، توفر فرصة جدية لتبلور تيار ليبرالي / مدني واسع، له حوامل مجتمعية قوية ومتشعبة، يرجح كثيرا أن يلعب دورا مهما في مستقبل البلدان العربية، ما دام حامله سيتكون من فئات شعبية متنوعة تمثل قطاعات كبيرة من طبقة وسطى حديثة تعلمت درس الاستبداد وحفظته جيدا، وتريد استبداله بنظم مدنية / تمثيلية قاعدتها وحاملها شعب حر وسيد، يريد اللحاق بالعالم، ليس قط على صعيد التنمية والتحديث، بل كذلك على صعيد بنية دوله ومجتمعاته، والقيم الناظمة لوجوده.

ليس ما سبق ما أسميته الاستثناء السوري، الذي يكمن في أمرين :

 اعتبار ما يجري اليوم تكرارا معدلا ومحسنا لما جرى بين عامي 1978 و1982 في حماه وحلب.

 طبيعة الحدث السوري الراهن، الذي يختلف في جوانب جوهرية عن الحدث السابق، تنبع أساسا من كون حامله ليس حزبا أو نخبة أو طليعة أو قلة أو جماعة، بل هو قطاع واسع ولا يني يتسع من الشعب السوري، الذي يأخذ كثيرون، منهم نظامه القائم، على حراكه، أنه لم يبلور بعد قيادات تمثله لا يلاحظ هؤلاء التناقض بين حديثهم عن المؤامرة المنظمة والرهيبة القيادة وحديثهم المقابل عن افتقارها إلى تمثيل، ما يجعلها مؤامرة بلا قيادة . بين 1978 و1982، كان هناك بالفعل تنظيم مسلح يقاتل النظام، تجسد في بؤرتين قاد إحداهما مروان حديد في حماه، والثانية عبد الفتاح أبوغدة في حلب (البؤرة الأصغر)، انضم إليهما خلال الصراع بضعة آلاف تركوا تنظيم الأخوان المسلمين وانضموا إلى «الثورة». أما اليوم فليس الحدث السوري من صنع تنظيم، مسلحا كان أم غير مسلح، بل هو أقرب إلى تمرد شعبي يختلف عن أحداث 78 – 82 بما يلي :

1- مشاركة مختلف القوى الاجتماعية فيه. لسنا اليوم أمام تنظيم يستغل موقفا عدائيا من النظام ويخترق أوساطا هي الأكثر تأخرا في طبقة وسطى مدينية حرمت من التنمية وحجر عليها سياسيا، تمردت في حماه وجزئيا في حلب. اليوم، تشارك قطاعات كبيرة من العلمانيين والمتدينين في تمرد تجمعهما شعارات ومطالب تبدو أقرب إلى العلمانية ومأخوذة من قاموسها كالمواطنة والحرية الفردية والدولة الديموقراطية / المدنية والفرد الحر والمجتمع المدني… الخ، بينما كانت في الحدث السابق دينية صرفة، نفرت المجتمع العلماني واستفزته ووضعته منذ البداية في صف النظام أو حيدته، خاصة بعد أن تبنت مقولات وشعارات طائفية هددت بإشعال حرب أهلية كان السوريون وما زالوا في أغلبيتهم ضدها. هكذا، في الماضي، أخذ التمرد طابعا جعله يبدو كتمرد ضد الدولة والمجتمع، أما اليوم، فالتمرد في جوهره هو تمرد باسم المجتمع ضد سلطة ظلمته وقوضت دولته، التي يريد استعادتها والرضوخ لها كدولة حق وقانون. ثمة إذاً تبدل جذري في كل ما له علاقة بالحدثين، واختلاف في مفرداتهما جميعها: البشرية والمجتمعية والسياسية والقيمية. بما أن الأول كان مسلَّحا وعنيفا، فقد كان من المفهوم أن يجابه بالسلاح والعنف، وإن كان استخدامهما الرسمي مفرطا جعل عدد ضحاياهما كبيرا إلى حد تجاوز كثيرا قمع النواة المسلحة ذاتها إلى قمع المجتمع، الذي ضرب دون تمييز، حتى بدا أن لا هدف للعنف غير سحقه.

2- مشاركة الريف بقسم وازن من النشاط الاحتجاجي، بينما كان الريف معاديا في الحدث الأول، وكان المجتمع الأهلي مشاركا بجزء محدود من قوته في المدينتين، ومحايدا تماما في معظم المدن والبلدات السورية. اليوم، المجتمع الأهلي، مجتمع الريف المديني أوالمدن الريفية، هو حامل الاحتجاج الحقيقي في كل مكان من أرض سوريا. يفسر هذا اتساعه وحدّته وانخراط قطاعات متزايدة الحجم من السكان المهمشين فيه. بارتباط المجتمع المدني الحديث ممثلا في مئات آلاف الشبان والشابات، وعشرات آلاف المثقفين من مختلف المهن والاختصاصات، مع المجتمع الأهلي، الذي تبنى مقولاتهم وأهدافهم السياسية الحديثة. تغير طابع المعركة، فلم تعد بين «سلطة تقدمية وقطاعات اجتماعية محافظة أو رجعية»، كما كان يقال عن معركة 78-82، وإنما صارت بين مجتمع علماني / ديني / مدني / أهلي وسلطة فقدت تواصلها معه وتمثيلها له، اكتسبت طابعا محافظا معاديا لطموحاته، بدافع من رغبتها في الحفاظ على نظام سلطوي أنتج مجتمعه انطلاقا من مصالحه، لا هم له غير منع مجتمعه من كسر الطوق السياسي الشديد الضيق الذي كبله بقيوده، رغم ما عرفه من نمو في جسده الخاص، وعاشه من تحديث جدي وحقيقي في أبنيته ووعيه، خلال نيف وأربعين عاما من عمر النظام. منطقيا، لا يحتاج المجتمع اليوم إلى استخدام العنف، ما دام لن يهزم سلميا، ويرفض أن ينقسم على نفسه، لأن الانقسام يؤذيه ويضعف قضيته وقدراته وقد يفضي إلى هزيمته، خاصة بعد أن بدأ يتبلور تيار داخل النظام يريد ملاقاة مطالبه في منتصف الطريق، تبنى مؤخرا لغة قريبة من لغة معارضي الأمر القائم وخصومه، وبدأ يتحدث عن الانتقال إلى الدولة الديموقراطية المدنية، والتعددية والنظام التمثيلي وكأنها لم تعد لغة لكسب الوقت، بل هي لغة قناعات راسخة، أملاها عليهم الاقتناع بضرورة تلبية مطالب الشعب في نظام بديل للنظام الحالي، الذي فقد مرجعيته بالنسبة إلى كثير من أنصاره، وغدا من الواضح أن التمرد الاحتجاجي الواسع لن يتوقف دون إجراء تغيير جدي فيه. لا يحتاج المجتمع إلى العنف، ولديه أدلة على قوة النزعة السلمية وقدرتها تزوده بها تجارب راهنة في تونس ومصر واليمن، بلد الشعب المسلح حتى الأنياب، الذي يرفض الرد بالنار على النار، مع أن بنادقه في متناول يده، التي على الزناد. بينما تعلمه تجربة ليبيا أن النظام هو الذي يلجأ إلى العنف، كي يسد أبواب الحلول السياسية، ويبقي على السلطة.

لسنا في أعوام 78- 82 مكررة ومعدلة. هذا هوالواقع السوري الراهن، الذي حاولت رصد أهم ملامحه بإيجاز، لأصل إلى نتيجة ترى أن تكرار الحل القمعي الذي مورس في الماضي على الحال الراهنة كان هو، وليس المؤامرة، الاستثناء السوري، فلا عجب أنه كان محكوما بالفشل حتى قبل أن يبدأ، وأن ما أدخل عليه من تعديلات تراعي الوضع الحالي لن يجدي نفعا، ما دام يعالج وضعا لا يملك أدوات علاجه، ويعتمد نهجا لا يرد على أسئلته، ويقدم حلا لمشاكله وأزماته يزيدها تعقيدا وتأزما.

عند بدء الأحداث، كان هناك رأي يقول بإعادة إنتاج السياسة انطلاقا من الواقع الجديد، على أن يلتقي في مشروع كهذا جزء من أهل النظام مع المعارضة والشباب والمجتمع الأهلي، فيتم عزل الفتنة ودعاتها والقضاء على أي مؤامرة قد تنشأ أو تكون موجودة. لكن الأحداث سارت في اتجاه معاكس، جعل السلطة ترى في حملة الواقع الجديد العدو الذي يجب القضاء عليه، بالقوة. بذلك دخلنا في الاستثناء السوري، الذي يجعل أسلوب إدارة الأزمة أشد مكوناتها خطورة وتعقيدا، ويأخذنا جميعا، يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة، إلى كارثة لم يعد باستطاعة أحد إنكار وقوعها، وربما منعه!.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ