ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 27/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

اغتيال الحقيقة

د. عبدالرحمن الطريري

الاقتصادية

26-7-2011

يبدو أن الحقيقة مرة على البعض يسعون جاهدين لإخفائها والتستر عليها، وإن أمكنهم ذلك لقتلوها، لأن في الحقيقة كشفا لعورة يراد لها أن تبقى مطمورة، ولا يعلم بها إلا من هو ذو علاقة بهذه الحقيقة. المجرم يسعى جاهداً إلى إخفاء جريمته مهما كلفه ذلك من مال أو جهد، ويقوم بالقضاء على جميع المعالم والشواهد التي تدل عليها. ومع تقدم العلم والتطور الهائل والدقيق في التقنية أصبح إخفاء الحقيقة أمراً صعبا، لكن مع ذلك قد تختفي الحقيقة لبعض الوقت ويتأخر اكتشافها، أو قد تشوه الحقيقة وتستبدل بصورة مغايرة للناس ولعموم العالم وبشيء خلاف ما حدث.

منذ أن وجدت الصحافة والإعلام عرف أن الدور الذي تمارسه هذه الوسيلة هو السعي لكشف الحقيقة بكل الوسائل والطرق، وفي المجالات والميادين كافة، من سياسة واقتصاد وأوضاع اجتماعية وأخبار مشاهير، حتى أنه وجد في الغرب صحافة وصحافيون متخصصون في هذه المجالات يوجهون جهودهم وطاقاتهم للبحث عن هذه المواضيع التي قد تجذب القراء أو المشاهدين، وذلك رغبة في تبصيرهم بالحقائق، إضافة إلى استمتاعهم بها. وواجهت الصحافة والصحافيين صعاب جمة، منها ما هو تشريعي وتنظيمي يقيد عملهم، ويخضعهم لإجراءات معقدة تحول بينهم وبين كشف الحقيقة. وما مفهوم الرقيب إلا مثال حي على هذه الإجراءات، إذ بالرقيب تظن الجهات المعنية أنها حجبت الحقيقة وأخفت معالمها.

ومرت البشرية بممارسات بشعة استهدفت حجب المعلومات وتزويرها، وما جدار برلين إلا أحد الأمثلة التي أراد بها المعسكر الشرقي في وقته الحؤول دون معرفة ما يجري داخله من ممارسات وقمع وتنكيل بالناس، هذا الجدار أثبت أن من فكر فيه كان محدود التفكير، إذ إن الحقيقة كالشمس لا يمكن إخفاؤها بالغربال.

إن عدم سلامة الممارسات وعدم ثقة من يقوم بها تقوده إلى تزوير الواقع وإلباسه ثوباً آخر غير اللباس الذي هو عليه، وذلك بهدف تلميع الصورة حتى إن كان الوجه القبيح ظاهراً للعيان، ولذا يلجأ صاحب الممارسات السيئة إلى حيل عدة. وقد لاحظت خلال السنوات الماضية وخلال الأشهر الماضية شيئاً من هذه الحيل والممارسات، وما قتل الصحافيين أو منعهم من الاقتراب من أماكن معينة كما يحدث في العراق وأفغانستان من قبل الجيوش الغازية، إلا صورة من صور إخفاء حقيقة قتل الأبرياء وتدمير المنازل والمنشآت المدنية. عملية إخفاء الحقيقة تتكرر في كل يوم، وفي أنحاء العالم كافة. مع زخم الثورة في سورية وعمليات القتل والتعذيب والإهانات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين، منع النظام وسائل الإعلام الأجنبية من تغطية الأحداث، وجعل من وسائل إعلامه مصدراً وحيداً وحصرياً يتحكم فيما يشاهده الناس، وما يمكن أن يسمعوه بشأن الأحداث، ومنع وسائل الإعلام الأجنبية كافة من الدخول إلى سورية وتغطية الأحداث، لكن وسائل التقنية الحديثة من كاميرات وجوالات حالت دونه ودون تحقيق هذا الهدف، إذ شاهد الناس صور حمزة وثامر وصور الجنود، وهم يعذبون المعتقل ويرقصون على جسمه، كما شاهد الناس في أنحاء العالم كافة الجنود وهم يركلون كبير السن الذي اعتقلوه بالقرب من مدينة حمص.

ازاء هذه الفظائع التي انكشفت للناس حاول النظام السوري زرع الشك في وسائل الإعلام الخارجية، حيث أصبح المتحدثون باسمه يدعون أن هذه المشاهد مصورة خارج سورية، وما يحدث في الداخل ليس إلا أعداد قليلة لا تزيد على عشرات الأفراد الذين يجتمعون هنا وهناك، ولا يمثلون إلا نسبة قليلة من الشعب السوري، أما عشرات الشهداء فهؤلاء قتلوا على أيدي المسلحين المندسين، لكن آخر اختراعات طمس الحقيقة، وبهدف التشكيك في وسائل الإعلام الخارجية، لجأ النظام إلى أسلوب استخباراتي، حيث اتصلت سيدة على قناة ''فرنسا 24'' ادعت أنها سفيرة سورية في فرنسا، وأنها استقالت من منصبها احتجاجاً على أعمال القمع التي يمارسها النظام، وبعد انتشار الخبر سارعت السفيرة ونفت الخبر، وأكدت أن أحداً انتحل شخصيتها، وما لبث أنصار النظام السوري أن جعلوا من هذه الحادثة مادة يتحدثون بها ويستشهدون بها على تواطؤ الإعلام الخارجي على سورية، وسعيه إلى تشويه نظامه.

سكرتير الرئيس اليمني مارس مثل هذا الدور وادعى أنه شاهد عيان، لكن أمره انكشف حيث عرف صوته، ومن ثم اعترف بخطئه الذي أقدم عليه بهدف الإيقاع بالوسيلة الإعلامية بهدف تشويه سمعتها وأنها لا تتحرى الدقة في المعلومات التي تبثها للمشاهدين، ومثل هذا الفعل قامت به مراسلة إحدى القنوات العربية المشهورة في القاهرة أثناء الثورة المصرية، حيث ادعت في إحدى الليالي أنه لا توجد مظاهرات في القاهرة، وأنها هادئة وكانت تصوب الكاميرا إلى جهة لا توجد فيها أي حركة، وذلك إمعاناً في تضليل المشاهدين في حين القنوات الأخرى كالجزيرة، وBBC العربية تنقل الحدث مباشرة من ميدان التحرير. ومهما حاولت الأنظمة حجب حقائق الواقع المرير لشعوبها ومجتمعاتها فإن رهانها سيفشل حتماً مع التقنية الفائقة الدقة.

=================

شعوب دخلت التاريخ ونُظم خارجة منه

د.طيب تيزيني

العرب اليوم

2011-07-26

قد يمكن القول, في ضوء الدراسات السياحية والتاريخية, بأن العالم العربي, على ثنائية مثيرة ولافتة - في تأثرها الفاعل بقوة في العالم المذكور, تلك هي القائمة على شعوب (عربية) صدّعت مؤخرا قيودها الفولاذية, وانطلقت باتجاه المستقبل, الذي عليها وعلى آخرين كثيرين ان يصوغوه, من طرف أول, وعلى نُظم أمنية اصبحت عبئا على التاريخ فأُخرجت منه تحت عبء توغلها في الفساد والافساد وتغولها في الاستبداد الرباعي (استئثارها بالسلطة والثروة والاعلام والمرجعية) من طرف آخر.

ففي البلدان العربية المعنية هنا (مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية) وُجدت وتوجد نظم امنية اعمارها عقود ورؤساؤها هم انفسهم لم يتغيروا طوال هذه العقود, لعل ببعض الدراسات المقارنة, يمكن وضع اليد على ما انجزته هذه النُظم من تخريب وتحطيم في بلدانها: الاقتصاد والسياسة والمؤسسات العلمية والثقافية ومنظومات القيم وغيرها, مع سلب حريات الناس الفردية والسياسية والاعلامية, اضافة الى افقار شعوبهم ودفعهم الى مستقبل يلفعه الاسى والخوف, ومن الملاحظ الطريف والهام ها هنا ان النظم الآمنة المذكورة خصوصا, كان سقوطها قد اعلن عن نفسه مع الاستئثار بالسلطة في بلدانها ومعها الثروة والاعلام والمرجعية اما بداية سقوطها فقد تواقتت مع نهوض الشباب الراهن وقرارهم بالدفاع عن حريتهم وكرامتهم وعدالتهم, منذ ما يتجاوز اربعة اشهر.

فقد أفقد اولئك شرعياتهم مع استحوازهم على السلطة على نحو غير شرعي بالإنقلاب العسكري, او بالتوريث, او باستباحة منظومة الدساتير والقوانين الوطنية, وما يقترن بذلك, وكان على الشعوب العربية المعنية ان تعيش احوالا اوصلتها - مع مرور الزمن - الى درجة مأساوية من الحُطام.

اما بداية تداعي ذلك الهرم من الحطام فقد جاء مع الانتفاضات, التي ولّدها شباب الوطن في البُقع المحددة, وهكذا, نرصد أمامنا حالتين اثنتين اخذتا تطلان بقوة, هما سقوط اولئك وولادة هؤلاء مما عنى اغلاقا وفتحا, اغلاقا اوليا لعالم مترّهل ومُثقل بما لا يُحصى من ملفات الفساد والإفساد والاجرام بكل او بمعظم انماطه, وفتحا لآفاق جديدة تحمل صورا وردية لعالم شبابي جديد.

واذا كان ذلك قد فرض نفسه على النحو المذكور, اي بصيغة الثنائية بين السقوط والنهوض, الا ان الامر ظهر - مع مرور بعض الزمن الذي انقضى على هذا وذاك, - وكان رجال الخرائب من اعلى النظم الامنية الى ادناها.

لن يستسلموا, كما ظهر ذلك في مصر وتونس, بل انهم سيسعون الى استعادة مواقعهم بكل السبل. وهذا هو بالذات ما يدور على معظم ارض العالم العربي الآن, وذلك عبر الافتئات على شباب المستقبل وما يقدمونه - بأخطائه وايجابياته - من مشروع يسعى الى امتلاك مفاتيح مستقبل من النهوض والتنوير والحداثة والعدالة وهم من اجل ذلك يعملون على انتاج مجتمع وطني قائم على التعددية السياسية والحزبية والديمقراطية البرلمانية, على مبدأ التداول السلمي للسلطة كما على فصل السلطات الخ..

واخيرا, يصح القول بأن المجتمعات العربية الحديثة ظلت - على الاقل - منذ اخفاق المشروع النهضوي الناصري بسبب اسقاط الاستحقاق الديمقراطي منه - تبحث عمّا يعيد فتح الآفاق, الى ان ظهر ذلك »في أصغر خلقه«, الشباب من النساء والرجال ومن معهم.0

=================

حكومة «حزب الله»... هل تنقذ النظام السوري؟

خيرالله خيرالله

الرأي العام

26-7-2011

من المفارقات التي لم تعد مفارقات، كونها جزءا من نهج ثابت منذ خروج القوات السورية من الأراضي اللبنانية في ابريل من العام 2005، أن النفوذ الإيراني يزداد في الوطن الصغير. أنه يزداد يومياً إلى حدّ أن النفوذ السوري في لبنان صار تحت رحمة ايران ممثلة بميليشيا مذهبية مسلحة تعتبر لواء في «الحرس الثوري» اسمها «حزب الله». لذلك، اضطر النظام السوري إلى الاستعامة بالنظام واداته اللبنانية لفرض تشكيل حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي معتقداً أن ذلك يساعده في انقاذ نفسه.

يظهر أن النظام السوري مقتنع بان حكومة لبنانية يشكلها له «حزب الله» يمكن أن تنقذه، بل يبدو مقتنعا بأنّه قادر على تجاوز الأزمة العميقة التي يعاني منها عن طريق متابعة ممارسته لعملية الهروب إلى أمام من جهة وممارسة القمع من جهة أخرى. لو لم يكن الأمر كذلك لما مارس كل هذه الضغوط منذ ما يزيد على ستة أشهر من اجل اخراج الرئيس سعد الحريري من السراي وكأن خروج نجل الشهيد رفيق الحريري من موقع رئيس مجلس الوزراء يشكل خشبة الخلاص لنظام لا يريد الاعتراف بأنه فقد شرعيته في سورية أوّلاً نظراً إلى أنه لم يكن قادراً في أيّ يوم على تلبية أي مطلب للمواطنين السوريين الطامحين إلى حدّ أدنى من الحرية والكرامة والعيش الكريم قبل أي شيء آخر...

كان يمكن لحسابات النظام السوري أن تكون في محلها لولا أنه كان لا يزال قادراً على تشكيل حكومة في لبنان من دون سلاح ميليشيا «حزب الله» الإيراني. اضطر النظام السوري إلى الاستعانة بسلاح هذا الحزب مرة أخرى ليفرض مثل هذه الحكومة على اللبنانيين. لو أعاد النظام السوري حساباته بشكل جيّد وفي العمق لاكتشف أن تشكيل الحكومة بالطريقة التي تشكلت بها لا ينفعه بشيء باستثناء أنه يؤكد أنه لا يريد التعلم من تجارب الماضي القريب ومن الأزمة التي غرق فيها. باختصار شديد، لا يريد هذا النظام الاعتراف بأن عليه الاهتمام بالشأن الداخلي السوري، هذا إذا كان لا يزال لديه مجال لذلك.

الأهمّ من ذلك كلّه أن هذا النظام يرفض الاعتراف بأنه صار تحت رحمة النظام الإيراني أكثر من أي وقت، وأن هذا دليل ضعف وليس دليل قوة في أي شكل. ربما كان النظام الإيراني يلوح للنظام السوري بأنه يمكن أن يأتي له بالترياق من بوابة العراق، وأن هناك توازنات جديدة في المنطقة بعد الانسحاب العسكري الأميركي من هذا البلد المهم، وأنه الجهة الوحيدة القادرة على ملء الفراغ الذي سينجم عن خروج الأميركيين من الأراضي العراقية. أوليست إيران المنتصر الأوّل من الاجتياح الأميركي للعراق؟ كان أحد نوّاب «حزب الله» واضحاً في ذلك عندما تحدث في سياق إحدى جلسات الثقة بالحكومة عن لبنان بصفة كونه جزءا لا يتجزأ من المحور الإيراني- السوري وامتداد له!

لم يقل طبعاً ما يفترض به قوله بصراحة أكبر. لو اعتمد الصراحة لقال ان لبنان مجرد «ساحة» بالنسبة إلى إيران وأن بيروت ليست سوى ميناء إيراني على البحر المتوسط، وأن في استطاعة طهران أن تشكل الحكومة اللبنانية التي تشاء خدمة للنظام السوري في انتظار إحكام النظام الإيراني سيطرته على العراق... بما يمكنه من التفاوض من موقع قوة مع الولايات المتحدة وحتى مع إسرائيل، على أن يكون ضمان مستقبل النظام السوري بشكله الحالي جزءا من هذه المفاوضات. هل هو رهان سوري في محله؟ الكثير يعتمد على ما إذا كان الوقت سيسمح لطهران بممارسة هذه اللعبة غير المضمونة. في النهاية، يبدو الوضع في غير مصلحة النظام السوري الذي يواجه ثورة شعبية لا مثيل لها منذ الاستقلال. أكثر من ذلك، ليس لدى النظام في دمشق أي جواب عن أي سؤال يطرحه عليه المواطنون باستثناء القمع.

ما تشهده سورية أهم بكثير من جلسات مجلس النواب اللبناني حيث لا يزال هناك من يعتقد أن عليه الرد بقسوة وحتى بكلام بذيء على كل من يتناول القمع الذي يمارسه النظام فيها في حق المواطن العادي. هناك نوّاب لبنانيون تابعون للنظام السوري يعتقدون أن هناك في دمشق من سيحاسبهم على بقائهم مكتوفين لدى الكلام عن حقيقة ما يدور على الأراضي السورية. هؤلاء النواب مثلهم مثل نوّاب «حزب الله» وقيادييه وتوابع الحزب يعيشون خارج الزمن. لذلك لا يمكن توجيه أي لوم لهم على تصرفاتهم المضحكة- المبكية التي لا علاقة لها بكل ما هو حضاري في هذا العالم. انهم يراهنون على الأوهام من بينها وهم القدرة على ابقاء لبنان أسير المحور الإيراني- السوري إلى ما لا نهاية. ينسى هؤلاء أن التوازنات في المنطقة لا تقررها لا إيران ولا سورية، حيث نظامان مريضان، وأن حكومة لبنانية يشكلها «حزب الله» وملحقاته على شكل تلك الاداة لدى الادوات التي اسمها النائب المسيحي ميشال عون لا تقدم ولا تؤخر. كل ما تستطيع هذه الحكومة عمله هو توعية بعض اللبنانيين، الذين ما زالوا يعانون من قصر النظر، إلى خطورة السلاح الميليشيوي الذي في يد حزب مذهبي على مستقبل بلدهم وابنائهم.

إضافة إلى ذلك، يعطي تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة فكرة عن مدى الاستعداد الإيراني- السوري للدخول في مواجهة مع المحكمة الدولية التي يبدو أنها ستكشف من يقف وراء الجرائم التي ذهب ضحيتها اللبنانيون الشرفاء من الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، على رأسهم باسل فليحان وصولاً إلى الرائد وسام عيد. من قال أن لا فائدة من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كشفت أوّل ما كشفت ضعف النظام السوري وعجزه عن القيام بأي نقلة نوعية تثبت أنه قادر على التعاطي مع ما يدور في المنطقة والعالم وحتى داخل سورية نفسها!

=================

الديمقراطية والتحديات التي تواجه الأقطار العربية

فؤاد دبور

 الدستور

26-7-2011

واجه أقطار الأمة العربية تحديات ومخاطر داخلية وخارجية متعددة تشمل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثلما تواجه تحديات تتعلق بالتطوير والتحديث والانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية، كما تواجه تحديات التنمية بكل أشكالها هذا إضافة إلى تحديات خارجية يأتي في مقدمتها المشروع الصهيوني والكيان الغاصب في فلسطين العربية وأهداف هذا المشروع التوسعية إلى جانب المشاريع الأمريكية التي تهدف إلى السيطرة على الوطن العربي ومقدراته والتحكم بالقرار العربي لتصبح أقطاره تابعة للسياسات الأمريكية والشركات الرأسمالية، وقد تجسدت المخاطر الخارجية في العدوان الصهيوني – الأمريكي على العديد من أقطار الوطن العربي حيث وقعت أراض عربية تحت الاحتلال والاغتصاب في فلسطين والعراق وسورية ولبنان والى إقامة قواعد عسكرية أمريكية برية وبحرية وجوية في العديد من أقطار الوطن العربي مثلما تجسد أيضا في محاولات خلق الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية في عدد من أقطار الوطن، وقد ساعد الاستبداد السياسي وفقدان الديمقراطية في معظم أقطار الوطن العربي وإيثار حكام عرب لمصالحهم الخاصة على حساب مصالح الشعب الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الاستراتيجي لعدو الصهيوني على تحقيق بعض أهداف مشاريعها، خاصة وان هؤلاء الحكام قد ابعدوا الشعب وقواه قسرا عن القيام بواجباته بالدفاع عن وطنه ومصالحه وحرمانه من ممارسة حقه في الإسهام في صياغة القوانين والتشريعات الخاصة بمسار حياته ومستقبل أجياله. وأدى سلوك الكثيرين من هؤلاء الحكام بسرقة المال العام إلى زيادة نسبة الفقر وزيادة معاناة المواطنين وتفاقمهما في بلداتهم

أن الشعب وقواه السياسية المنظمة هو المعني بمواجهة التحديات الداخلية منها والخارجية وهذا يحتاج إلى تنظيم وتعبئة وتوعية جماهيرية في كل أقطار الوطن باعتبار هذه الجماهير الشعبية الطرف الأساسي المعني بهذه المواجهة وهذا يتطلب امتلاك هذه الجماهير للحرية والإرادة الوطنية لتصبح قادرة على مواجهة التحديات الخارجية المتمثلة كما أسلفنا بالمشاريع الاستعمارية والصهيونية، والتحديات الداخلية التي يأتي في مقدمتها تدهور مستوى المعيشة للمواطنين وتوفير حاجاتهم الضرورية واستفحال البطالة والفقر وفرض القيود التي تحد من حرياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمشهد القائم هذه الأيام في العديد من أقطار الوطن العربي يدل بوضوح على توجه جماهير الشعب العربي نحو فك اسرها وكسر القيود المفروضة عليها وتحرير إرادتها لتتمكن من إطلاق طاقاتها الخلاقة القادرة على الدفاع عن الوطن وعن حقوقها المشروعة. مثلما نشاهد هذه الجماهير وقد خرجت مطالبة بالديمقراطية والإصلاحات والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وهذا يعني بأن الشعب العربي في كل أقطاره يتحرك من اجل الانتقال إلى مرحلة جديدة تكون الحرية والديمقراطية عمادها وقاعدتها ومرتكزها الأساسي وهذا يتطلب من السلطات الحاكمة الاستجابة لإرادة الجماهير الشعبية وقواها السياسية المنظمة التي تشكل الأحزاب السياسية والمؤسسات المنظمة الأخرى إطارها الجامع، لان الأحزاب وبسبب تنظيمها تأتي في مقدمة المؤسسات التي تجعل من أعضائها الأكثر قدرة على قيادة التوجه نحو المسار الديمقراطي والأكثر وعيا للديمقراطية بكل ابعادها وبالتالي السير على طريق تحقيق الحياة الديمقراطية بشكل صحي وسليم.

وبالطبع عندما نتحدث عن الديمقراطية فإننا نعني الديمقراطية بمفهومها ومعناها الواسع القائم على مبدأ الشعب مصدر السلطات وهذا يتطلب توفير الشروط الضرورية لمشاركته بكل مكوناته بصنع القرارات الخاصة بمسار حياته ويتم ذلك عبر تمكينه من اختيار من يمثله بإرادة حرة وفقا لقوانين ديمقراطية توفر للمجتمع نظاما سليما للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية مثلما تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع والسلطات المختلفة بكل مكوناتها، التشريعية والتنفيذية والقضائية. ذلك لان الديمقراطية هي التجسيد السياسي العملي للحرية والتي تشمل، حرية التعبير والتنظيم، الحرية الثقافية والاجتماعية، والحرية السياسية بشكل خاص حيث تحقق إرادة الجماهير في التطوير والتحديث وقيادة المجتمع والدولة عبر التداول السلمي للسلطة المستند إلى التشريعات والقوانين التي يتم عبرها الوصول إلى مؤسسات الحكم وبخاصة المؤسسة التشريعية "البرلمان".

طبعا، لا يفوتنا أن نؤكد على أن السير باتجاه الانتقال إلى الديمقراطية يكون فقط عبر الطرق والوسائل السلمية وانتهاج أسلوب الحوار والعمل الجماعي بروح الفريق الواحد، وهذا يتطلب بالضرورة تنظيم الجماهير وتوعيتها وتأطيرها كونها تشكل الركيزة الأساسية للنضال من اجل الديمقراطية، ولأنها تضمن حقوق المواطنين وتوفر الحماية اللازمة لهذه الحقوق. بمعنى أن الانتقال إلى الحياة الديمقراطية في أقطار الوطن العربي لا يتم بدون الاعتماد على الحركة الجماهيرية المنظمة في مؤسسات سياسية واجتماعية وثقافية تعمل على إشراك هذه الجماهير المنظمة في مؤسسات سياسية واجتماعية وثقافية تعمل جميعها على مشاركة هذه الجماهير بشكل فاعل يقوم على الوعي الديمقراطي ومواجهة أي انحراف عن انتهاج الأساليب السلمية والحوار والذهاب إلى سلوك أساليب ضارة بالوطن والمجتمع مثل استخدام العنف والإرهاب والتخريب والقتل بدلا من الحوار وهي بذلك إنما تخدم مصالح جهات أجنبية معادية للوطن والأمة أو تخدم مصالح أنانية وذاتية لمن يعملون على اعتماد هذه الأساليب. ومن هنا نؤكد مرة أخرى على الوعي الديمقراطي لهذه المؤسسات والمنظمات وبخاصة الأحزاب السياسية التي تعمل بأعلى درجات الصدق من اجل الوطن والشعب والتي تعتمد في سيرها وسمارها الداخلي الأساليب الديمقراطية والتثقيف الذي يخلق الوعي بمصالح الوطن والأمة مما يجعلها تعزز قيادات سياسية واعية تسهم في قيادة المجتمع والانتقال به نحو التطور الديمقراطي وإنضاج ظروفه.

وبالتأكيد، وحتى تنجح هذه المؤسسات المنظمة في القيام بمهامها وواجباتها الوطنية والقومية في تهيئة المجتمع لممارسة الديمقراطية فلا بد من إزالة العراقيل والتعقيدات والقيود التي تفرضها السلطة الحاكمة عليها، بمعنى أن هذه المؤسسات لا تستطيع القيام بدورها المطلوب في بناء الديمقراطية في ظل الاستبداد والتسلط وفقدان الحرية في العمل الوطني البناء، إننا لا نتعب من التأكيد على أهمية الحرية والديمقراطية لأننا نؤمن بأن لا تنمية اجتماعية أو اقتصادية أو أي تقدم اجتماعي بدون توفرهما وبدون سيادة العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع دون تمييز فإن أول سبل الديمقراطية تكمن في مشاركة الشعب في صناعة القرارات والسياسات التي تتعلق بمسار حياته ومستقبل أجياله، وبالتأكيد أيضا، فإنه لا قرار مستقل ولا سيادة دون الخروج من دائرة التبعية للسياسات الأجنبية وبخاصة الأمريكية الداعم الأساسي للعدو الصهيوني عبر إمداد هذا العدو بكل أسباب الوجود والاستمرار والقوة والتي يستخدمها لقتل العرب وتهديد مستقبلهم هنا الدعم الذي يجعل العدو يتمسك باحتلال الأرض العربية والاستمرار في انتهاك الحرمات والمقدسات. نعم. أن الحرية والديمقراطية السليمة هي ما يمكن العرب من امتلاك قرارهم الوطني والقومي السيادي المستقل وتجعلهم يتجهون نحو خيار الضرورة القومية وهي الوحدة حيث يمتلكون القوة والقدرة على مواجهة التحديات والأخطار وبخاصة الخارجية منها.

=================

عن متابعة الثورة!

ميشيل كيلو

2011-07-25

القدس العربي

 كان لينين يقول: إن كل ثورة تتضمن سلسلة بدايات متتابعة، فالثورة ليست فعلا تاريخيا يتحقق لمرة واحدة أو من خلال فعل واحد، لذلك يمكن القول متى بدأ الفعل الثوري، لكنه يصعب القول متى ينتهي، ويمكن التأكيد على أن هذا الفعل يبدأ من مقدمات معينة، لكن من الصعوبة بمكان معرفة ما ينتهي إليه، ما دامت له بداية معلومة وليس له نهاية محددة، وما دام الواقع، الذي يجري فيه متطورا متغيرا، ويفرض عليه أن يتطور ويتغير بدوره.

وقد طرحت أسئلة كثيرة حول هوية الفعل الذي يجري في الواقع العربي الحالي، وهل هو ثورة، أو تمرد ناقص، أو احتجاج فاشل، أو انقلاب لم يكتمل ... الخ. وكان الميل إلى تقديم جواب سلبي على هذا السؤال ظاهرا للعيان في الآونة الأخيرة، فالذي وقع ليس ثورة، وهو لم يقلب النظام القائم وإن أبعد الرئيس وأسرته وبطانته، وبدّل بعض الشيء مواقع القوى داخل المجتمع والسلطة، وغير حسابات بعض السلطويين والمتسلطين، وأخاف أو شجع بعض المالكين والمحرومين، وأجبر عددا ضخما من الناس على تغيير لغتهم واستخدام مفردات كانوا يجهلونها أو يرفضونها، وألغى في الظاهر بعض المظاهر، التي كانت علامات فارقة للنظام القديم، الذي قيل إنه تمت إطاحته، لكن حضوره القوي ما برح ملموسا، وفاعليته راهنة وقبضته تمسك بأعنة أقسام ومناطق ومجالات واسعة من الحياة العامة، الرسمية والشعبية، فعن أية ثورة يتحدثون؟

سادت فكرة الثورة كفعل يتم في مرحلة واحدة خلال الحقبة التي تلت الثورة السوفييتية، وقدمت نموذجا محددا للثورة ما لبث أن انتشر إلى العالم بأكمله، واعتبر النموذج الثوري الوحيد الجدير بالتطبيق والمضمون النجاح، وكل نموذج آخر فاشل حكما. تركزت دراسة الثورة على شروط إعداد ونجاح الفعل الثوري، فلم يدرس أحد بما فيه الكفاية، وبما هي موضوعا قائما بذاته، الفترة بعد نجاح ضربته الحاسمة، التي تقلب النظام القائم وتعلن حلول نظام جديد محله. ولم يهتم أحد لهذه الفترة، لأنها اعتبرت فترة ثورية بالضرورة، ما دامت تلي الفعل الثوري / الانقلابي، رغم ما عرفه الواقع العالمي من نماذج دول وبناء متباينة هنا وهناك، ومن سمات خاصة برزت خلال التطور، الذي حكمته خصائص وطنية وقومية، تاريخية وسياسية، اجتماعية وقيمية، متباينة، طبعته بطابعها، وأضفت خصائصها على سماته العامة والمشتركة مع غيره، التي لم يقر مركز الثورة السوفييتي بغيرها، وسعى إلى فرضها على سواه، بحجة أن للثورة سمات واحدة وطريقا واحدا ونتائج واحدة، وأن أي نموذج يحيد عن النموذج السوفييتي لا يجوز أن يعتبر ثورة، مهما كانت خصائصه وإنجازاته الفعلية ودرجة ثوريته.

رغم هذا، عرفت المرحلة التالية للفعل الثوري حقب مد وجزر انتشرت في كل مكان، بل وشهدت حالات عادت فيها إلى أنماط من السلطة والممارسة كان يعتقد عموما أنها خاصة بالنظام القديم، وتنتمي إلى ما كان يسمى الثورة المضادة. ولو أخذنا الثورة الفرنسية كمثال، لوجدنا أنها كانت ثورة ضد الملكية المطلقة ومجتمعها الإقطاعي، وأن الأولى عادت مرات متتالية بعد نجاح ضربة عام 1789 إلى السلطة والحكم، وإن في صيغة دستورية مقيدة، ولم تغادر المسرح تماما حتى منتصف القرن التاسع عشر، بعد ثورة باريس الأولى بأكثر من ستين عاما. لكن اللافت أن أحدا لا يتحدث اليوم عن فشل الثورة الفرنسية، ولا يشكك في حقيقة وقوعها ونجاحها، بل ولا يرى أحد فيها شيئا آخر غير النموذج الأمثل والأكمل للثورة، الذي بدل العالم والتاريخ تبديلا لا يمكن مقارنته مع أي شيء سبقه أو ترتب عليه. هل أذكر في هذا السياق بالثورة من فوق، التي قامت في بلدان أوروبية عديدة بقوة السلطة القائمة، وكانت ملكية وإقطاعية، وأدت في النهاية إلى قيام مجتمع برجوازي / رأسمالي يشبه النظام الفرنسي الذي أنتجته الثورة من تحت، ولم يخجل مؤيدوها المخلصون للملكية والإقطاع من إطلاق اسم 'ثورة' عليها؟. فكانت نموذجا آخر، سلميا وتدرجيا، غير شعبي وغير مجتمعي، من الثورة، أفضى في نهاية الأمر إلى إقامة نظام حافظ على الأمر القائم في الشكل ونسفه في الجوهر!.

لو كان هناك دراسات للحقبة التالية للفعل الثوري بوصفها مرحلة قائمة بذاتها ومستقلة عن هذا الفعل، وتخضع لآليات تختلف عن الآليات التي أنتجته، لبدا جليا أن الثورة أخذت شكلا جديدا كانت له حركة خاصة كل مرة، وانه قام أساسا على التقدم لبعض الوقت والتراجع أو الركود لبعضه الآخر، وأن حركته تشبه موجات متتابعة تتقدم ثم تنحسر، لتندفع من جديد، وأن المهم هنا هو أن تكون الموجة التالية أعلى من التي سبقتها، مع أنها غالبا ما تعقب حالة انحسار مرت فيها يبدو معها وكأن الثورة بمجموعها تضيع الاتجاه أو تتراجع أو تفشل، بالنظر إلى أن الفكرة التي سادت عنها كانت ترى فيها فعلا متصاعدا لا يتراجع ولا يعرف البطء، هو مرحلة واحدة لا تقطّع فيها ولا تعثر، مع أن هذا ليس ولم يكن صحيحا في أية ثورة عرفها التاريخ.

ربما كانت الثورات العربية الراهنة قد بلغت لحظة كهذه في الفترة الأخيرة، التي قيل خلالها إنها لم تكن بالأصل ثورة، أو إنها ثورة ناقصة سرعان ما فقدت زخمها وبالتالي اتجاهها، إن كان لها أصلا اتجاه ... الخ. لكن الأحداث تؤكد أن الحراك عاود الانطلاق والصعود في موجة ثانية، بعد أن برز التفاوت الزمني في انطلاقته الأولى بين بلد عربي وآخر ؛ تفاوت زمني عبر عن تفاوت مجتمعي / سياسي يرتبط بعناصر كثيرة خاصة بكل بلد عربي، علما بأن تونس لم تكن أكثر البلدان العربية نضوجا للثورة، بل كانت أول من انطلق فيها لأسباب تميزها عن غيرها، وبأن نجاح ثورتها ذكّر بقية العرب بإمكانية نجاح ثورتهم هم أيضا، فكان هذا دورها في حراكهم، الذي تعين بأوضاع لم يقررها أساسا أي تأثير خارجي : دوليا كان أم عربي.

بسبب تفاوت الانطلاقة الزمنية والواقع المحلي، تفاوتت الحدة أيضا، فجاء كل ثورة أشد من سابقتها، خاصة وأنها تعلمت منها. واليوم، تتجدد انطلاقة الثورتين الرائدتين: التونسية والمصرية، بعد أن بان كم تحاول قوى النظام القديم والأمر القائم كبحهما ووضع العراقيل في سبيلهما، وكم يتهددهما خطر وقوعهما في رتابة وتكرارية الحياة السياسية اليومية ما بعد الثورية، وكم يواجههما من مقاومة على يد الأجهزة الحاكمة، الحاملة للنظام، الذي ما أن أسقطت رأسه حتى تقدمت كي تمسك بالوضع العام، وتنتزع عنان القيادة من يد الشباب الثائر والجماهير العريضة، وتعيد إنتاج النظام في الظرف الجديد، فيتمكن من احتوائه ورده إلى حال قريبة إلى الأصلية السابقة للثورة. ولعله ليس من المبالغة ما يقال اليوم حول عودة الروح إلى الثورة، وليس من المباغت ما نراه من تجديد زخمها في انطلاقة ثانية لا تقل تصميما عن الأولى، التي أطاحت بالرئيس ويعني تجددها إحداث اختراقات واسعة وحقيقية في جسد النظام من الضروري أن تستهلك بالتدريج عافيته وقدرته على البقاء والمقاومة، شريطة أن يتم ذلك وفق رؤية ذات مراحل معروفة سلفا، تتالى على شكل موجات لا بد أن تكون التالية منها أعلى من السابقة، وأن تقوم بتعبئة وحشد قوى كافية لإنجازها، وتمتلك برامج تفصيلية تقبل الترجمة إلى وقائع تترابط حلقاتها وتتماسك، أخذا بعين الاعتبار أن مصير الحركة كلها يتوقف على نجاح كل واحدة منها، فلا بد إذن من منحها أعظم قدر من الاهتمام، ومن دراستها بدقة قبل تنفيذها بأعظم قدر من التصميم والعزيمة، دون أن يترك أي فاصل زمني أو برنامجي بينها وبين الحلقة التي تليها، أو يتم القفز عن أية واحدة منها، أو يقع الثوار في خطيئة مميتة هي النظر إلى هدفهم باعتباره شعارا مرحليا يمكن بلوغه بخطوة واحدة، وتحقيقه بوصفه خطوة تكتيكية. إذا حدث هذا، كانت الثورة مهددة بالقتل على يد من يقومون بإنجازها، واكتفت الثورة المضادة بانتظار فرصة اقتناصها، التي ترتسم عندئذ في أفق الأخطاء القاتلة.

قامت الموجة الأولى من الثورة العربية بكنس رموز في النظام القائم، وها هي تنطلق من جديد كي تكنس بعض ركائزه وقواه وتحتل مواقعها، وهي ستدخل بعد زمن يقصر أو يطول في موجة ثالثة ستقضم خلالها المزيد من بنية هذا النظام وشخوصه، إلى أن تنجز ما وعدت نفسها والشعب العربي بتحقيقه : الحرية والعدالة والمساواة والدولة الديموقراطية المدنية، العدالية والوحدوية.

من هنا، أعتقد أن الثورة العربية الحالية ستستمر لفترة طويلة، وستعرف حالات تقدم وتراجع، صعود وهبوط، حماسة وفتور، نجاح وفشل، دون أن تفقد هويتها أو طابعها كثورة، مهما قال القائلون من خصومها والجاهلون من أنصارها!.

انطلق العرب في طريق جديدة لن يرجعوا عنها، مهما كانت المصاعب التي سيواجهونها. هذه الانطلاقة وهذا الطريق هما الثورة، التي ستنقلهم إلى مطلبهم : الحرية والكرامة!.

' كاتب وسياسي من سورية

=================

سورية بين مؤتمرين

الثلاثاء, 26 يوليو 2011

بشير عيسى *

الحياة

لا للحوار، هكذا ردت المعارضة بعد مقاطعتها اللقاء التشاوري من أجل مؤتمر الحوار الوطني الذي دعت اليه القيادة السياسية في تاريخ 10/7/2011، معتبرةً أن النظام يحاور نفسه. وقد اشترطت قبل الدخول في أي حوار، بسحب الجيش والقوى الأمنية إلى خارج المدن والبلدات، مع وقف عمليات المداهمة وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الأحداث، ومحاسبة كل من أطلق النار على المتظاهرين، بمعنى توفير مناخ ملائم يعكس جدية النظام للحوار.

هذه الشروط، يرى فيها معارضون كثر مدخلاً صحياً، يؤسس لحوار وطني حقيقي يمكن أن يشكل انعطافة في طريقة تعاطي النظام للأزمة، ويفتح الباب لحلول سياسية يعطلها الخيار الأمني، على خلفية فوبيا المؤامرة التي تماهى النظام معها، فغدت المنطلق والأرضية التي يتحرك عليها، مع إدراكه الضمني أن الشعب لم ينتفض من فراغ، والمطالب التي نادى بها محقة وعادلة.

غير أن النظام من موقعه وتركيبته، أسير ذهنية انقلابية أوصلته الى الحكم، فتمسك بها حتى تمكنت منه، ولأنه انقلابي، فقد أقصى معارضيه بدستور، ضمِنَ له استمرارية تحكمه بالدولة والمجتمع، فجاءت المادة الثامنة كتشريع لدفن الحياة السياسية وإحياء لأبدية حزب اختزل بشخص أمينه. وهو ما يفسر عجز النظام عن إجراء أي انتخابات، مكتفياً بالاستفتاء على الرئيس، الأمر الذي أنهى حتى الديموقراطية الحزبية، لتحل الولائية بديلاً وطريقاً للكسب وتبوّء المناصب، فغدا الفصل بين النظام والدولة استحالة. هذا النهج التوتاليتاري أدى الى ضمور الصيغة الأخلاقية في المجتمع. وبإتباع سياسة التدجين، القائمة على مبدأ الترهيب والترغيب، نشأت التقية المجتمعية، مشَكلةً الحاضن والمنتج للصيغة الانتهازية، كمعيار بديل عن الأخلاقية، أسست لتوغل الفساد الإداري والمالي في المجتمع والدولة.

والسؤال هنا: هل يستطيع هذا النظام أن يقوم بعملية بيروسترويكا تنقله من حالة النظام المأزوم، المساهم في إنتاج الأزمة إلى حالة المشارك في معالجتها؟ الإجابة بحاجة الى كثير من التمعن والترقب لما ستحمله الأيام، فالنظام ككل شيء موجود في الطبيعة، قابل للتغير والتبدل بحكم حركية الزمان والمكان، بالتالي هو أمام خيارين، إما أن يتغير أو ينفرط، نظراً للمأزق الوجودي الذي وصل إليه، إذ إن تماسكه لا يعني بالضرورة تجانس مكوناته، فالطارئ المستجد الذي أفرزه الحراك الشعبي استطاع خلخلته، وهو ما فرض عليه إعادة النظر في كل سياساته وممارساته. وأي مراقب للشأن السوري يلمس تحولاً في الخطاب الرسمي وإن من حيث الشكل، فالصدمة أيقظت النظام من مواته، فكان مؤتمر الحوار الذي أقر علناً بشرعية المعارضة، أول دليل لعودة النبض إليه، وإذا افترضنا أن النظام يحاور نفسه، فذلك شيء ايجابي يمكن البناء عليه كخطوة أولى. لذلك يجب التأني قبل إصدار الأحكام، كون العمل السياسي يستلزم جهداً عالياً من التركيز ينأى بنا بعيداً عن الأفكار والتصورات النمطية، إذا أردنا تغليب سلامة الوطن على القصاص من النظام. الشيء الذي يحتم على النخب القيام بدور أكبر لتغليب الواقعية السياسية وتخليصها من الانفعالية والكيدية، كي لا تنجر للفعل ورد الفعل، فتعيد من حيث لا تريد إنتاج خطاب مضاد لا يقل شمولية عن خطاب النظام، ويكون مقدمة لصدام يفكك المجتمع بدلاً من احتوائه بكل تناقضاته.

فالمعارضة بالمنطق السياسي لها الحق في عمل ما تراه مناسباً، لكن هذا لا يعفيها من تقديم تضحيات مضاعفة يخرجها من خندق المواجهة إلى العمل التواصلي، لتكون جسراً وممراً يفتح الطريق أمام حوار تناضل من أجله إذا أرادت العبور نحو دولة مدنية ديموقراطية، من دون أن يعني ذلك وقف الحراك، فالحراك يجب أن يستمر حتى تحقيق كل ما تحدث النظام به ولم يفعله. فمؤتمر الإنقاذ الذي دعت اليه بعض قوى المعارضة في اسطنبول في تاريخ 16/7/2011 وبحثه في تشكيل حكومة ظل تكون بديلاً للنظام وأن الأسد بات في حكم اللاموجود، قد أتى في سياق رد الفعل المتسرع على مؤتمر الحوار الوطني، وهو ما أوقع المجتمعين في خلافات حادة، نتج منها رفض لفكرة حكومة الظل، والاستعاضة عنها بهيئة إنقاذ، لم ترض الكثيرين، إضافة الى انسحاب الأكراد بحجة تهميشهم، في إشارة الى عروبة الدولة.

لذلك نأمل من المعارضة، إعادة تصويب خطابها بعيداً عن التشنج السياسي، وأن تتحرك في شكل جدي لتطويق واحتواء المناخ الطائفي والإثني الآخذ في التنامي، والذي بدأ يلامس حراكها، إذ إن التأكيد المستمر على نفي الشيء يدل على حضوره الطاغي، ولو افترضنا أن ما يتداوله الناس لا يشكل حقائق بقدر ما هو إشاعات يطلقها النظام، ففي ذلك إشكالية أخرى، لأن الإشاعة حين تلامس المخاوف والرغبات تصبح أقوى من الحقيقة، وعليه يجب التعاطي معها كحالة موجودة لها حضورها المحرك والمشكل للمخيال الشعبي. إن صور التظاهرات بين موالاة ومعارضة وتموضعها ضمن جغرافية ومناطق يدركها السوريون تذهب في السياق نفسه الذي نورده. من هنا يجب إعادة النظر في قول «الشعب قال كلمته» توخياً للدقة، لأن الأسد حين قدم نفسه كشخص «يريد الإصلاح» استطاع أن يجد له مكانة مضافة خارج النظام والطائفة، يستوجب الأخذ بها كمعطى، أعاد تشكيل أو تغيير الواقع، حيث طاول أوساطاً عريضة، تأمل بتغيير لا عنفي، يحفظ الاستقرار بشقيه الأمني والاقتصادي.

لقد أعاد خلاف المجتمعين في اسطنبول بالأذهان، خلافهم السابق في انطاليا، والسؤال: في حال تم إسقاط النظام كما يأمل المجتمعون، هل سيخوض الشعب «ثورة» أخرى على شكل الدولة المدنية؟ على اعتبار أن الخلاف لم يتم حسمه بين العلمانيين والإسلاميين، فالإجماع على إسقاط النظام على رغم أهميته، ليس كافياً ما لم ينجز التصور البديل، كبرنامج عمل جامع يتجاوز الانقسامات المؤجلة، والذي من شأنه طمأنة معظم أطياف المجتمع السوري.

=================

ستة أوهام سورية!

محمد الرميحي

الشرق الاوسط

26-7-2011

هل يعقل أن يستمر القتل في سوريا إلى ما لا نهاية؟! وهل يمكن تبرير الصمت العربي والعالمي تجاه ما يحدث؟! هناك مجموعة من الأوهام التي آن لها أن تناقش بجدية، لإحلال العقل بدلا من التمني والتخيل. أولها القول إن هناك عصابات مختبئة بشكل ما في المدن والقرى السورية تطلق النار على الجنود والمتظاهرين في آن واحد، وهي التي تسبب كل هذا القتل أو معظمه! والسؤال: لم لا تظهر هذه العصابات عند خروج المظاهرات المؤيدة للنظام؟ فإن كانت معارضة للنظام، فهي أولى أن تظهر وتطلق النار هناك، تلك ذريعة لا تخفى على عاقل.

الوهم الثاني أن الحل الأمني هو الذي سوف ينتصر في النهاية. وهو قول ضد التاريخ المعروف للإنسانية، الحل الأمني يمكن، في أحسن الأحوال، أن يشتري بعض الوقت، ولكنه في النهاية يندحر ويفشل، ويستطيع أي عاقل أن يسرد عشرات النماذج على فشل هذا التوجه ضد الشعوب، المراهنة على الوقت لتأخير الاعتراف بالحقيقة سوف تزيد من الصراع وربما تحوله إلى أشكال أخرى أكثر عنفا. فالأصوات المطالبة بالحريات في سوريا، أصوات حقيقية نابعة من جموع الشعب، الذي صبر طويلا أملا في الإصلاح، وأعطى النظام لفترة طويلة، ما يسمى بفوائد الشك في أن إصلاحا ما سوف يحدث ولم يحدث، وكل الأحاديث القائلة إن حركة الاحتجاج الواسعة مدسوسة أو مغرر بها، أو أنها عميلة، قول لم يعد يصدقه العاقل المحايد، أمام هذه الصور التي تبث يوميا من مناطق سورية مختلفة تشير إلى التقتيل والاعتداء على الحرمات، وأمام هذه المسيرات التي تخطت حواجز الخوف، وعمليات التهميش بالغة الأذى وسجن الأجيال الطويل داخل أفكار البعث التي خويت على عروشها، فالحل الأمني يمكن أن يقتل عشرات، وربما مئات من الناس، ولكنه في الوقت نفسه يأكل من سمعة النظام ومن صدقيته على المدى المتوسط والطويل ثم يقتل أصحابه. الناس تطالب بالحريات لأنها حرمت منها طويلا وكثيرا.

الوهم الثالث أن سوريا «غير» مصر أو اليمن أو ليبيا أو تونس، ومختلفة عنها. هي «غير» من حيث الدرجة ولكنها ليست «غير» من حيث النوع، وقد أصبح الاعتراف بالخلل الحادث والمتراكم منذ سنيين هو طريق العودة إلى المنطق السليم. فتغييب الحريات تحت شعارات مختلفة وضبابية يفقد النظام على مر الوقت أنصاره، حتى المؤدلجون منهم لم يعد لهم ثقة بالإصلاح ولم يعد للشعب ثقة بهم.

الوهم الرابع أن المعارضة لها لون طائفي. ذلك بعيد عن الحقيقة لمن يعرف الأسماء المعارضة الظاهرة للعلن، ومن يعرف المناطق التي يخرج منها المتظاهرون، وحتى لمن يعرف تاريخ سوريا، فالسوريون لم يقبلوا التشطير تحت دويلات طائفية قبل قرن تقريبا، عندما حاوله المستعمر الفرنسي، وقتها لم يكن الوعي كما هو اليوم، فكيف يقبلون التفكك الطائفي اليوم بعد كل هذا الوعي الاجتماعي والسياسي؟! هناك تيار واسع من كل الطوائف والأعراق المعروفة في سوريا، من بينهم عدد كبير من العلويين، معارضون للنظام حيث يستهدف بعضهم وعائلاتهم خاصة بقسوة مفرطة.

الوهم الخامس هو الحديث عن الممانعة. وهو حديث استهلك لكثرة ما فرط في استخدامه، وحتى افتراض الممانعة لا يعني أن يحرم الشعب من حرياته ويهان في كرامته ويطارد في رزقه وتستباح أمواله، ويتحالف مع من لا يرتضيه، وهو شعار خبيث أن يكون فقد الحريات ثمنا للممانعة، ويعني، إذا قلبنا المعادلة، أن حصول الشعب السوري على حرياته يضعف الممانعة، وهو اتهام في وطنية هذا الشعب الصابر، وهو مخالف للحقيقة جذريا. شعار الممانعة سقط في أذهان الجماهير السورية ولم يعد يفي بغرض إسكاتهم والصبر على كل الإذلال الذي يعانون منه.

أما الوهم السادس والأخير، فهو الحديث عن قوى كبرى أو متوسطة أو صغيرة خارجية بعيدة أو قريبة تريد إلهاء سوريا لغرض في نفسها. تلك مقولة لم تعد تقنع أيضا، لأن هناك شعبا يخرج يوميا للمطالبة بحقوقه، يوما للاحتجاج والآخر لدفن الشهداء، إنها كربلائية مستمرة، ومهما كانت قوى الخارج فهي لا تستطيع أن تدفع شعبا للتضحية بهذا الحجم، ما يدفعه هو القهر وفقدان الأمل في الإصلاح الذي طال انتظاره.

الخطأ السوري هو نفس الخطأ المصري والتونسي للأنظمة السابقة، التقطير الشحيح في الاعتراف بالمشكلة أو المشاكل التي أثارت الناس. ليس من السهل في بيئة أمنية مغلقة كما هي البيئة السورية، أن يخرج الناس إلى الشوارع مضحين باحتمال فقد أرواحهم لأسباب جانبية أو صغيرة، المشاكل في سوريا طفح منها كيل المواطن وتراكمت وتجوهلت لفترة طويلة. صحيح أن ما حدث في تونس ومصر وفي مناطق عربية أخرى شجع الجمهور السوري وعرفه الطريق، إلا أن تراكم الأخطاء الكبرى، وتقع معظمها تحت مظلة حرمان الشعب من التعبير عن نفسه، حيث بعدها ينتشر وباء الفساد بأشكاله المختلفة، ويأتي وقت لا يمكن له إلا أن ينفجر، هو ما حدث ويحدث في سوريا. وكلما تجاهل النظام السوري الوصول إلى تلك الحقيقة، عظم الثمن الذي يدفع في اتجاهين: الأول هو دماء السوريين في القرى والمدن السورية المختلفة، والثاني استنزاف الاقتصاد السوري، فالنزيفان الدموي والاقتصادي، يشكلان مخاطرة كبرى على الدولة السورية الحديثة كما عرفت.

لا مخرج إلا بوقف مسلسل الحل الأمني، فالدنيا قد تغيرت تماما عما عرفه الساسة السوريون حتى الأمس، كل أشكال الحلول الأمنية لن تجعل المواطن السوري يعود إلى بيته ويرضى بالتصفيات والسجون والحرمان والإهانة في الوقت الذي يرى فيه العالم يتقدم إلى الحرية والمشاركة. شهر رمضان المقبل سيكون شهرا حرجا للنظام السوري، حيث من المحتمل أن تستمر المظاهرات، وأيضا من المحتمل أن تستمر التصفيات الجسدية، وهي دائرة جهنمية تتماس مع شعيرة دينية عميقة المعنى فتصبح بمثابة الصاعق للمفجر. وكلما روجعت تلك الأوهام واعترف بالحقيقة، أنه لا أسمى من الحرية، اقتربنا من الخروج من هذا المأزق الذي أوقع فيه أهل السلطة قصر النظر السياسي الذي حول الحقائق إلى أوهام، فعاشت السلطة السورية في عالم افتراضي، كلما حقنت الدماء وتيسرت الأرزاق.

آخر الكلام:

أقترح على كل المسؤولين العرب، قراءة مقال في مجلة الشؤون الخارجية الأميركية هذا العدد، وجاء بعنوان «التعلم من ألمانيا»، كيف حلت ألمانيا بنظرة ثاقبة من قبل المستشار غيرهارد شرودر، معضلة تصاعد البطالة في مجتمعها، عن طريق التخطيط لتعليم وتدريب فعال. لم ينظر شرودر إلى مصلحته، بل مصلحة شعبه، أقدم على الإصلاح وفقد وظيفته بسببه، ولكن بلاده نجت من الأزمة الطاحنة التي تجتاح أوروبا اليوم، إنه بعد النظر والتفكير الواقعي لا التوهم!

=================

الأسد: فشل الإصلاح الموعود

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

26-7-2011

الأرجح أن للانتكاسة التي أصابت سوريا، بعد ثلاث سنوات على قرارات ووعود الرئيس السوري بشار الأسد الإصلاحية، أسبابا خفية، شخصيا أرجح أن خلفها دخول الأمن على خط القرار السياسي. فقد صار الرئيس بالغ الحساسية حيال ما يقال عنه في الغرف المغلقة، وقد عبر عن خيبة أمله بقوله إنه اكتشف أن هؤلاء ليسوا معارضين صادقين ويدري عن ماذا يتحدثون. لكن أن تدور النميمة والسخرية من السياسيين مع فناجين القهوة في الصالونات الخاصة فهذا أمر طبيعي جدا في كل المجتمعات. حوكم المعارض رياض الترك، الذي سمح له في البداية بممارسة نشاطه السياسي، وكانت الجناية ضده ترويج أنباء كاذبة توهن عزيمة الأمة ونفسيتها، وحكم بسجنه، وبعد نطق الحكم طلب القاضي أن يتناول معه فنجان قهوة! كانت تلك المحاكمة بداية نهاية الانفتاح القصير.

في مطلع رئاسته كنا مستبشرين لأن بشار لم يكن مسؤولا عما جرى في عهد والده، وعمره ودراسته ومظهره، وظهوره في المطاعم بلا حرس مدجج، أشاع مناخا من التفاؤل بأننا أمام سوريا عصرية. بدأ حكمه بزواج فتاة سنية، والدها فواز الأخرس طبيب قلب من طبقة متوسطة، شبه منفي في بريطانيا. كانت الزوجة السنية رسالة مصالحة مشجعة من ابن الطائفة العلوية تؤكد أنه ليس طائفيا. زد عليه أن والدها الذي التقيته في لندن راق لي اندفاعه في نقد النظام القديم مبشرا بأن سوريا مقبلة على عصر جديد. بالفعل، أطلق في الأيام الأولى سراح ستمائة سجين سياسي، وأغلق سجن المزة المروع، وعمت منتديات العاصمة أجواء حرة نسبيا، وإلى نهاية عام 2002 أطلق تسعة مساجين سياسيين، وسميت تلك الفترة بربيع دمشق.

ثم فجأة أطبقت أجهزة الأمن على الحياة وسط إشاعات عن مؤامرة انقلاب من الحرس القديم لم تكن صحيحة، الأرجح أنه كان انقلابا من فوق، مع استمرار التصفيات الداخلية بالعزل والمحاسبة وأحيانا بالانتحار.

وفي خضم أحداث جسام هزت العالم مثل غزو العراق استمر لبنان طبقا رئيسيا في مقابلاتنا. لبنان على الدوام ظل عقدة حكام سوريا. وقد لحظت مرة أحد مساعديه متأبطا كتابا عن تاريخ لبنان، قال مبررا، «يتعين علينا جميعا أن نتثقف في المسألة اللبنانية»! ومرة قال لنا الأسد مبررا اهتمامه، «تاريخيا لبنان كان دائما ممر المؤامرات على سوريا». لسوء حظ المرحوم رفيق الحريري أن الأسد كان قد صنفه كبير المتآمرين.

أظن أن بشار فسر ما يسمع ويرى بأن رجل الأعمال اللبناني هذا يبيت له أمرا. الحريري، هو الآخر، لم يفهم شخصية الرئيس الجديد، فالابن غير أبيه، ينقصه تاريخه وتجربته وولاء رجاله، ولديه مركب من الحساسية الشخصية من صغر عمره، وتوجس من الغير. لا ننسى أنه حتى يرث والده لجأ الأسد الابن إلى تغيير عمر رئيس الجمهورية في الدستور من الأربعين إلى الرابعة والثلاثين. وسمعت أن مقت بشار للحريري سببه ما نما إليه أن الحريري في حديث لصديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك قال له متذمرا، إن «بشار ولد». ما كان الأسد الأب ليبالي بمثل هذه الآراء لأنه رجل استراتيجي التفكير ويستخدم الناس لغاياته، والحريري كان من أدواته الأساسية. أظن أننا تحدثنا عن الحريري في كل المناسبات التي التقيت فيها الأسد الابن. وكان واضحا أنه قد حسم رأيه فيه سلبا، لكن للحقيقة لم نسمع من بشار قط أن تلفظ بلغة بذيئة أو حتى قاسية حيال أي موضوع أو شخص، حافظ على تهذيبه وأدبه حتى في المقابلة الماضية قبل ستة أشهر بعد قطيعة دامت ست سنوات. غدا، قراءتي عن حرب بالوكالة بين الاثنين.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ