ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 30/07/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

درس الديمقراطية الصعب

تاريخ النشر: الجمعة 29 يوليو 2011

رياض نعسان أغا

الاتحاد

لم تكن تجارب الحكم الرشيد في التاريخ العربي قادرة على تحقيق الحرية السياسية إلا في عهود قصيرة المدى، وهذا ما يجعل العرب لا يجدون في ذاكرتهم ما يعتزون به أفضل من فترة الخلفاء الراشدين. وقد أسست الفتنة الكبرى في عهد الخليفة عثمان، ما ابتليت به الأمة العربية والإسلامية من شقاق ونزاع، ويبدو أن شبح صفين ما يزال يخيم على ذاكرة مثقلة بروايات التاريخ التي سرعان ما حملت نوعاً من القدسية الدينية عند البعض على رغم أنها دنيوية محضة، ولم يتح للعرب المسلمين رغم اتساع تجربتهم في الحكم أن يجربوا بيعة أو انتخابات ديمقراطية خالصة. ففي العهد الأموي على عظمة شأنه كانت الخلافة غلبة، وكذلك كان العهد العباسي، فلما سقطت الدولة العربية ظهرت دول متتابعة انتزعت الحكم بالقوة، وقد ظهر فيها قادة كبار تمكنوا من أن يأخذوا محبة الشعوب التي حكموها واحترامها بعد أن قدموا أعمالاً جليلة وحققوا انتصارات مهمة، وحسبنا أن نذكر من هؤلاء، صلاح الدين الأيوبي (الكردي) والظاهر بيبرس (الكازاخي) ومكانتهما تؤكد أن العقد الاجتماعي كان إسلامي الطابع لا مكان فيه لقوميات أو أعراق على رغم مراعاة بيبرس للراية العربية، فقد أعاد الخلافة شكليّاً ولكن في مصر بعد أن سقطت بغداد. والواضح أنه أراد بذلك أن يكسب شرعية لحكمه، وقد غاب دور الشعب قروناً عن الحكم الذي تداوله المماليك ومن بعدهم العثمانيون. وبعد تلك القرون نهضت الثورة العربية التي سميت "الكبرى" وفي سوريا تولى الحكم الملك فيصل، وقد توج ملكاً في الثامن من مارس عام 1920 بدعم بريطاني لإنهاء العهد العثماني، وكانت بريطانيا وفرنسا تعملان على تنفيذ اتفاقية سايكس- بيكو. وكانت المفارقة أن يبدأ السوريون أول درس ديمقراطي ذي أهمية في تاريخهم في عهد الملك فيصل، وتبدو مراجعة هذا التاريخ ضرورية ولاسيما أمام الشباب الذين يتطلعون اليوم إلى التغيير، ومن المفارقات أن نجد الهم نفسه متوارثاً من الأجداد إلى الأحفاد، ففي أول دستور للمملكة السورية أعدته لجنة برئاسة هاشم الأتاسي الذي سمي "أبا الدستور" نجد تطلعات السوريين إلى تحقيق الديمقراطية، فالمواد المتعلقة بتوصيف حقوق المواطنة في الفصل الثالث منه تؤكد على المساواة والحريات ولاسيما في العقائد والتعبير وحرية الإعلام. والمادة التاسعة عشرة منه تقول "المطبوعات حرة في ضمن دائرة القانون، ولا يجوز تفتيشها ومعاينتها قبل الطبع". وعلى رغم أن هذا الدستور كان يؤسس لدولة ملكية إلا أنه ربط قرارات الملك برئيس الوزراء والوزير المختص وهما مسؤولان أمام مؤتمر عام يضم مجلس الشيوخ ومجلس النواب. ويقول الباحثون إن هذا كان أول دستور عربي.

وفي فترة الانتداب الفرنسي على سوريا ظهر دستور آخر عام 1928 عبر لجنة ترأسها أيضاً هاشم الأتاسي، وقد تم تعديل هذا الدستور عدة مرات وكان قد استلهم من الدستور الفرنسي ونص على أن سوريا ذات حكم جمهوري نيابي، وكان ينص على عدم جواز ترشح الرئيس لولاية ثانية ولكنه عدل من أجل شكري القوتلي عام 1948. وعلى رغم ما شهدته سوريا من انقلابات عسكرية بعد الاستقلال فقد بقيت تجربة الديمقراطية تنمو حتى قيام الوحدة السورية المصرية التي تراجعت فيها الديمقراطية لصالح حكم زعيم حظي بمحبة الشعب لكونه أحيا التطلعات القومية في خطابه السياسي. لكن سوريا شهدت أيام الوحدة تسلطاً أمنيّاً كبيراً، بينما صار (مجلس الأمة) الذي تكون من برلماني البلدين ذا حضور شكلي في الحكم. وقد غاب الحراك السياسي، وألغيت الأحزاب، وتم تشكيل (اتحاد قومي) لكنه لم يتمكن من إقناع السوريين بوجود دور حقيقي لهم في السلطة. وإلى جانب العديد من الأسباب حدث الانفصال الذي استعادت سوريا خلاله تجربتها الديمقراطية، ولكن الشعب السوري الذي شعر بأنه خسر قوة الوحدة مع مصر لم يفرح بالديمقراطية، بل نهض لاستعادة الوحدة، ومن المفارقات أن بعض الضباط الذين قاموا بالانفصال أنفسهم عادوا إلى عبدالناصر يطلبون منه استعادة الوحدة مع تصحيح الأخطاء إلا أنه، كما يقال، رفض وقال "الوحدة التي ذهبت بانقلاب لا تعود بانقلاب". وقد ناهض السوريون عامة فترة الانفصال من خلال استعادتهم للأحزاب وللحياة البرلمانية وناضلوا من أجل تحقيق الوحدة وهم يتطلعون إلى وحدة كبرى تضم مصر والعراق وليبيا واليمن. ومع الثامن من مارس عام 1963 دخلت سوريا مرحلة جديدة من الحكم لم يكن فيها تمثيل نيابي حتى استعيد مجلس الشعب تعييناً ثم انتخاباً في عهد حافظ الأسد، وتم إقرار دستور جديد للبلاد. وقد كانت لهذه المرحلة خصوصياتها عبر تولي حزب "البعث" قيادة الدولة مع مشاركة بعض الأحزاب في جبهة وطنية تقدمية ما يزال لها تمثيل برلماني وحكومي في صيغة توافقية. لكن التحولات الكبرى التي شهدها العالم في الثمانينيات وسقوط منظومة الاتحاد السوفييتي تركت آثاراً بنيوية على دول العالم الثالث التي كانت تجد فيه جداراً استناديّاً داعماً لأساليبها في الحكم، وكان نهوض عصر الديمقراطيات في الدول المنهارة منه، قد شكل حافزاً لزيادة في الجرعة الديمقراطية في سوريا، ففي الدور التشريعي الخامس لمجلس الشعب تم توسيع مشاركة المستقلين الذين لا ينتمون إلى أي حزب سياسي، وكنت أحد هؤلاء المستقلين الذين حاولوا في هذا الدور ممارسة حضور ديمقراطي، ولكن التجربة لم تحقق مبتغاها.

وفي عهد الرئيس بشار الأسد تم إطلاق مشروع للتغيير والتحديث، وقد نشط الحوار السياسي في مرحلة سميت "ربيع دمشق"، لكن الربيع كان قصيراً فسرعان ما هبت عواصف شتى جعلت المشروع يتعثر على الصعيد الديمقراطي، وهو اليوم يستعيد حيويته ولكن في جو مضطرب مفجع، يهدد الوحدة الوطنية ويجعل سوريا على مفترق حاد، لا نجاة من مخاطره إلا بمتابعة الحوار الوطني بروح المسؤولية التاريخية التي يشعر بها كل مواطن سوري

=================

تركيا و«المسألة السورية»

عريب الرنتاوي

الدستور

29-7-2011

المتتبع للسياسة التركية حيال سوريا، تسكنه القناعة بان أنقرة بدأت منذ مؤتمر أنطاليا، تتعامل مع «سوريا ما بعد الأسد»، على الرغم من أن الخطاب الرسمي التركي لم ينطق بعد بأي «جملة مفيدة» تعكس هذا المعنى، فيما السلوك الدبلوماسي التركي ما زال محافظاً على «أدبيات» التعامل مع «الحكومة الشرعية» في سوريا، ويتواصل معها، عبر القنوات المعتادة وغير المعتادة.

هذا ما انتهت إليه السياسة التركية، بعد أشهر أربعة حافلة بالصدامات والاحتجاجات والتظاهرات وأزيد من ألف وخمسمائة شهيد، وعشرات ألوف الجرحى والمعتقلين والمهجرين أو اللاجئين، داخل وطنهم وإلى دول الجوار القريبة.

تشاء الصدف، أن أكون في أنقرة واسطنبول، مع اندلاع شرارة الأحداث السورية في المنقلب الثاني من شهر آذار / مارس الفائت...وتشاء الصدف أن أكون في عداد وفد عربي أكاديمي/ حزبي / زائر لتركيا لقراءة ما يمكن وصفه بـ»دروس التجربة التركية»، ما أتاح لي فرصة اللقاء بعشرات المثقفين والأكاديميين والنواب والناشطين والمسؤولين الأتراك في أسبوع واحد حافل فقط...وكان من الطبيعي أن تحتل أحداث سوريا درجة متقدمة في أحاديثا مع مضيفينا الأتراك، نظراً لمركزية وضع سوريا عندنا وعندهم على حد سواء.

يومها، بدت أنقرة، وحزب العدالة والتنمية، في ذروة القلق والاستياء...النظام السوري لا يتحرك كما ينبغي على طريق الإصلاح...النظام يدير ظهره للنصائح المخلصة التي تأتيه من أصدقائه وحلفائه والغيورين على مصالح سوريا...النظام السوري يطلق الوعود البرّاقة من جهة ويطلق أيدي قواته الأمنية والعسكرية، لقمع الانتفاضة والمنتفضين من جهة ثانية.

أجزم أن أنقرة، لم تكن راغبة – ولا مصلحة لها – في تطور الأحداث السورية وانتقالها إلى ما آلت إليه...أقطع بأن قيادة حزب العدالة والتنمية، كانت ترغب في أن ترى الرئيس السوري، يتولى بنفسه، وشخصياً، قيادة دفة السفينة السورية إلى بر الأمان، وبر الأمان هنا، له مرسى واحد: الإصلاح السياسي الشامل والعميق، والتحول الديمقراطي ذي الاتجاه الواحد، غير القابل للنقض والتراجع وغير الخاضع لبازار السياسة وتقلّباتها.

ولقد استعجلت القيادة التركية، نظيرتها السورية، لأخذ زمام المبادرة، وإطلاق ورشة التحولات والإصلاحات، ووعدت بوضع كل ثقل تركيا تحت تصرفها، إن هي قررت ولوج هذا الطريق، وهي في كل هذا وذاك، لم تكن تصدر عن موقف «أخلاقي وقيمي مجرد»، بل تعبر عن عميق مصالحها، وتدافع عن أمن تركيا واستقرارها ومستقبلها هي بالذات.

لم تكن القيادة التركية على استعداد للمقامرة برصيد هائل أنجزته العلاقات التركية السورية، في ظل حكم الرئيس بشار الأسد، حيث انتقلت العلاقة بين أنقرة ودمشق، من حال إلى حال...صحيح أن الأسد الأب الراحل هو من طوى صفحة الخلاف مع تركيا، وأنه هو من أبرم «إتفاق أضنة» الذي أنقذ البلدين الجارين والشقيقين من خطر الانزلاق إلى حرب دامية، لكن الصحيح كذلك، أن هذه العلاقات في عهد الأسد الإبن، تطورت على نحو لم يكن يخطر على بال، وفي شتى المجالات والميادين، والأهم، أنها كانت مفتوحة على شتى الفرص والإمكانيات المستقبلية.

لم تكن تركيا راغبة في فقدان شريك بات – استراتيجيا – في السياسة والأمن والتجارة والسياحة والمشاريع المشتركة...لكنها لم تكن أيضا في وارد المقامرة بكل منظومة المصالح هذه، كرمى لعيون نظام أصر على انتهاج «الحل الأمني» حتى النهاية، وعندما لاحت في الأفق، إرهاصات هزيمة هذا الخيار، ذهب إلى «الحل العسكري» مع أن كل أصدقاء سوريا وحلفائها والغيورين عليها، ألحوا عليه أن يجرب ولو لمرة واحدة، «الحل السياسي» المخلص والنزيه.

هنا، وعند هذه النقطة بالذات، بدا أن الوضع الداخلي في سوريا يتجه لا للمقامرة بكل ما أنجزته العلاقات التركية – السورية منذ «أضنة 1997» فحسب، بل ويذهب باتجاه «المسّ» بصميم مصالح تركيا وحسابات الأمن القومي الناظمة لحركتها وحراكها...هنا، وهنا بالذات، بدا أن الملف السوري المتفجر، سوى يفتح ملفات تركية عديدة، تجهد أنقرة لتفادي فتحها...من الملف الكردي الضاغط، إلى ملف «الأقليات عموماً»، إلى تداعيات الاشباك «القاري» بين السنة والشيعة، فضلا عن حسابات الأمن والحرب على الإرهاب و»الوحدة الوطنية» إلى غير ما هنالك.

لقد بدت أنقرة «مصدومة» بإطلالة شبح «الفوضى» و»المجهول» على جارتها الجنوبية...ما قد يحمل في طيّاته مخاطر انتقال شرارات الأزمة وعدواها إلى الداخل التركي ذاته، سيما وأن الروابط الجغرافية والديمغرافية التي تربط سوريا بتركيا، أقوى من أن تجعل «النخب السياسية والأمنية التركية» مطمئنة إلى المستقبل.

وكأي دولة في هذا العالم، ينطلق «تفويضها» الأساسي من مسؤوليتها في حفظ أمنها واستقرارها ووحدة شعبها وترابها، وصون مصالحها القومية العليا، بدأت تركيا تسبر أغوار مرحلة «ما بعد الأسد»، وتتعرف عن كثب على هوية القوى التي قد تشكل ذات صباح قريب، النظام البديل للنظام القائم في دمشق، بدا أن تركيا لا تريد أن تؤخذ على حين غرة، وهي التي حصلت على موطئ في سوريا الأسد، تريد أن تحافظ على هذا «الموطئ» وأن توسع رقعته في «سوريا ما بعد الأسد»...من هنا انطلقت الانتقادات التركية اللاذعة للنظام في دمشق، ومن هنا بدأت فكرة الانفتاح على المعارضة السورية...ومن هنا تطور الموقف إلى دعم المعارضة وتنسيق جهودها وتعزيز كفاءتها كما تبدى في المؤتمر الثالث لها في اسطنبول المنعقد هذه الأيام.

لقد فعلت تركيا ما يتعين على أية دولة في موقعها أن تفعله...فهذا البلد يقدم نفسه على أنه «نموذج» في الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية، ومن الطبيعي أن يدافع عن الديمقراطية في المنطقة والعالم...وأنقرة دفعت ثمناً باهظاً من رصيدها عندما ترددت لأسابيع قليلة في الانحياز إلى جانب ثورة الشعب الليبي، وقد فعلت ما يمكن فعله لتدارك هذا الخطأ ومحو آثاره...وكان طبيعياً أن تتلافى «مد اليد إلى ذات الجحر الذي لدغت منه مرتين»...وتركيا التي تقدم نفسها كشقيقة كبرى لدول المنطقة، ولديها مسؤولية تاريخية حيال شعوبها، لا يمكن لها أن تجلس على «مقاعد النظّار والمشاهدين» فيما ألوف اللاجئين يعبرون الحدود صوبها، ومئات القتلى والجرحى والمعتقلين يتساقطون بصورة يومية...وفي ظني أن النظام السوري عجز عن فهم كنه «نظرة تركيا لنفسها»، وبدل أن يتجاوب مع بعض نصائحها المخلصة، حرك ماكينته الإعلامية للحديث عن «الغدر التركي»، وبصورة تذكر بحديث نظام صدام حسين عن «الغدر الإيراني» الذي لم يقابل يده الممدودة لطهران عشية حرب 2003، ضارباً – النظام السورية - عرض الحائط، بتلال التصريحات والبيانات المُمَجّدة بتركيا و»العدالة والتنمية» و»الطيب أردوغان».

إن كان هناك من يتعين إلقاء اللائمة عليه فيما آلت إليه العلاقة بين دمشق وأنقرة، فهو النظام السوري، الذي لم تصله بعد أنباء «إنهيار جدران السيادة الوطنية»، وسقوط نظرية «اليد الطليقة في حكم البلاد والعباد» بحجة «السيادة الوطنية»، فنحن في زمن، تكاد تمّحي فيه الفواصل والتخوم، بين الوطني والإقليمي والدولي، وما كان يعد «شأناً داخلياً» من قبل، بات اليوم مسألة أمن إقليمي وموضع بحث واهتمام دوليين، وهذه ربما مسألة ثانية، أخطأ النظام السورية في إدراك كنهها، فخسر صديقاً كبيراً وحليفاً استراتيجياً.

=================

فقه الثورة.. الثورة واجبة ضد كل حاكم مستبد

سالم قواطين

القدس العربي

29-7-2011

قد يسأل سائل، مستنكراً او مستغرباً، عنوان هذا الموضوع، بقوله: وهل للثورة فقه؟

والجواب بكل بساطة، نعم، والقطع بهذا الجواب لا يحتاج لفقه فقيه، ولا لعلم عليم، لأنه ما دامت طاعة ولي الأمر هي قضية فقهية، فإنه من البديهي أن ما يتفرع عنها من مسائل وما يتصل بها من أحكام، هي أمور فقهية أيضاً، بمعنى أخر فإن الثورة ضد ولي الأمر هي أيضاً مسألة فقهية، وأن دراسة مدى شرعيتها، لا يمكن أن تتم بمعزل عن القضية الأساسية وهي طاعة ولي الأمر، لأن شرعية الثورة ترتبط إرتباطاً وثيقاً بمدى شرعية ولي الأمر نفسه.

هناك شبه إجماع بين علماء المسلمين، أن تعيين ولي الأمر يتم (بالبيعة)، أي الأختيار الحر والأتفاق بين الأمة وشخص ولي الأمر، فهو عقد حقيقي من العقود التي تتم بإرادتين على أساس من حرية الأختيار والرضى والقبول.

وهذه النظرية سبقت نظرية المفكر الفرنسي جان جاك روسو، الذي إفترض أن أساس السلطة السياسية، أو السيادة هو عقد إجتماعي بين الشعب والحاكم.

فإذا إجتمع أهل الحل والعقد لاأختيار ولي الأمر، تأسيسأً على القاعدة الشرعية والأساسية للحكم في الأسلام وهي (وأمرهم شورى بينهم)، قدموا للبيعة اكثر المرشحين فضلاً، وأكملهم شروطأً، وأقربهم لنيل ثقة الناس وتقديرهم، وتتلخص شروط الأمامة او ولي الأمر في ألأسلام بما يلي:

1ـ أن يكون بالغاً عاقلاً حراً ذكراً ومسلماً

2ـ أن يتمتع بالأخلاق الفاضلة، وأن يكون عادلاً أميناً عفيفاً صادقاً، ملتزماً بالواجبات الشرعية، ممتنعاً عن المنكرات والمعاصي وألأثام

3ـ أن يكون على درجة من الكفاءة العلمية تؤهله للحكم، عالماً بالأحكام الشرعية، ملماً بأحوال العصر وما فيه من تطورات وتغيرات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية

4- أن يتمتع بحصافة الرأي والخبرة الكافية بإدارة شؤون البلادوالعباد، وممارسة الحكم والسياسة.

5ـ أن يملك الصفات الشخصية من مروءة وجرأة وشجاعة تمكنه من حماية الوطن وتحقيق العدالة والأنصاف، وتنفيذ الأحكام الشرعية.

6ـ أن يملك الكفاية الجسدية من سلامة الحواس والأعضاء.

أما أهم واجبات ولي الأمر فهي :

1ـ حفظ الدين وحماية الوطن وصيانة ثرواته وتنميتها.

2ـ حفظ الأمن والنظام العام في الدولة، وبما يصون حياة الناس وكرامتهم وممتلكاتهم.

3ـ إقامة العدل بين الرعية على أساس من المساواة وسيادة القانون وبما يحقق العدالة ويصون المحارم ويحفظ حقوق العباد.

4ـ الأشراف والمتابعة والأدارة لشؤون الدولة، من أعمال ومال وموظفين، بما يحقق المصالح العليا للأمة، دون محابة او فساد، وعلى أساس من الشفافية والمساءلة.

ويمثل أهل الحل والعقد الأمة في إختيارهم للحاكم او ما يسمى بولي الأمر، فهم ينوبون عن الأمة إنابة تكليف منها مؤقت ضمني او صريح. وتاريخياً كان أهل الحل والعقد مجموعة من الأشخاص اللذين يُشهد لهم بالعدالة والعلم والرأي والحكمة، ثم تطور المفهوم ليصبح مجالس نيابية، بإختيار مباشر من الشعب او الأمة، تمارس إختصاصات محددة قد يكون من بينها إختيار الحكام والولاة والمسؤولين عن إدارة أهم شؤون الأمة، وقد تحتفظ الأمة لنفسها بإختيار ولي الأمر عن طريق الأستفتاء او الأنتخاب المباشر.

إذن إن الأمة هي صاحبة الرئاسة العامة، وإن الأمامة او ولاية الأمر هي حق الأمة في الأختيار، وان من يملك حق الأختيار والتعين يملك حق العزل.

وهذا يؤكد أن الأمة هي مصدر السلطة التنفيذية، وأن حق التعين والعزل ثابت لها وبالتالي فإن ولي الأمر لا يملك حقاً إلهياً، وأن طاعته مرتبطة بشروط معينة، وبسقوط أي من هذه الشروط، يسقط حق الطاعة، الذي ذُكر في قوله تعالى (يا أَيُّهاَ الَّذينَ ءَامَنُوا أَطيعوا اللهَ وأطيعُوا الرَّسُولَ وأُوْلى الأمرِ مِنكُم فإن تنازَعتُم في شَيءِ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسُول).

إن هناك فهماً خاطئاً ترسخ عبر التاريخ الأسلامي حول طاعة ولي الأمر، عن قصد من قبل فقهاء السلطان بدافع من الرغبة او الرهبة، وعن غير قصد ممن فهم نص الآية الكريمة فهماً عامَّاً، واضعاً طاعةَ الله عز وجل وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طاعة ولي الأمر، على التوالي وفي سياق متصل، فاللهُ عز وجل مالك الملك، بديع السموات والأرض، خالق كل شيء، وهو الحق المبين، طاعتهُ فرض وواجب في العبادات والمعاملات والأخلاق والرسول عليه الصلاة والسلام، قال فيه عز وجل (وإنك لعلى خلقٍ عظيم) (وما ينطق عن الهوى) وهو المعصوم عن كل نقص في القول والعمل، في الخَلق والخُلق، وفي العقل والدين.

أما ولي الأمر، فهو بشر غير معصوم، فيه الخير والشر، لا يمكن ان تُقرن طاعته مع الله ورسوله، بنفس المعنى والمفهوم والمستوى، وهنا كان مكمن الخطأ في فهم وتفسير (طاعة ولي الأمر).

إن طاعة الله ورسوله، كما يُجمع الفقهاء، هي طاعة إنقياد (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )، أما طاعة ولي الأمر فهي كما أوضحنا سابقاً، طاعة إتفاق، تقوم على مبدأ التعاقد، بين الأمة وولي الأمر، وكما نعرف قانوناً، فإن كل عقد يُنص فيه على القانون الواجب التطبيق، في حالة النزاع او الخلاف في التفسير بين الطرفين.

وعودة للاية الكريمة، فإن طاعة الله وطاعة رسوله، (أي الشريعة الأسلامية السمحاء) هي المرجع في أي نزاع بين الأمة وولي ألأمر.

وعليه فإن ولي الأمر، هو موظف عام بعقد لدى الأمة، سواء كان رئيس دولة او ما دون ذلك، ويكون خاضعاً لنصوص وأحكام العقد او الأتفاق، القائم على الشريعة الأسلامية، او على القوانين الوضعية المتفقة مع الشريعة الأسلامية، تأسيساً على الآية الكريمة (وأمرهم شورى بينهم).

وهو محل مساءلة ومتابعة ومراقبة، ككل مكلف بأمر عام من شؤون الأمة (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، لأن الذي لا يُسأل فقط هو الله عز وجل (لا يُسأل عما يفعلُ وهم يُسألون).

كما أن ولي ألأمر ملزم بالعمل على تحقيق الأمن والأمان للأمة المسلمة، ملتزماً بشرطين أساسيين:

أولهما: ألا يخالف نصاً صريحاً ورد في القرآن والسنة أو الأجماع.

وثانيهما: أن تتفق أعماله وإجراءاته وتدابيره مع روح الشريعة ومقاصدها العامة، وفقاً لما بينهُ علماء أُصول الفقه، وذلك بالحفاظ على الأصول الكلية الخمس وتوابعها، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال.

فإذا ما أخل ولي الأمر بأي من هذه الشروط جاز عزله، بإعتبار أنه يستمد سلطانه من الأمة وليس له إدعاء أحقيته بالسلطة بتفويض إلهي، كما كان يزعم ملوك أوروبا في القرون الوسطى، كما أنه ليس معصوماً من ألخطأ، ولا يحق له التشريع إلا بموافقة الأمة، وبما يتفق مع أحكام الشريعة، ويحقق مصالح العباد ويحفظ دينهم وأرواحهم وأملاكهم وجميع شؤونهم الدنيوية المشروعة، وأما إذا إرتكب ولي الأمر جرائم القتل والفساد في الأرض ونهب المال العام فيجب عزله وعقابه.

ويتم عزل الأمام او ولي الأمر الجائر من قبل الجهة التي إختارته وعينته، لأنه من المقرر فقهاً، أن السلطة التي تملك التعين تملك حق العزل، وهي تقترح عزل ولي الأمر لأسباب وبراهين واضحة ومحددة، وبإستعمال الوسائل المشروعة من مجلس نواب او محاكم دستورية او حتى المحاكم العادية التي قد تدين ولي الأمر بجناية او جنحة تفقده الحق في الحكم، فإذا رفض ولي الأمر العزل او الخلع، كان للأمة الحق بإعلان عزله، وتصبح الأمة في حل من طاعته عملاً بمبدأ (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، ويصبح الخروج على الوالي المستبد واجباً، إنطلاقاً من قوله تعالى (كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، وقوله عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان).

وبإعتبار أن الأمة الأسلامية وشعوبها موصوفة بأنها آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر، من صميم واجباتها ومسؤلياتها مقاومة الظلم ورفضه، وإقامة العدل وفرضه وهي مكلفة كأمة وكأفراد بإزالة المنكر وإحقاق الحق، وأنه من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون حقه فهوشهيد وعليه تصبح الثورة واجبة ضد حاكم مستبد، إستحق العزل شرعاً، فرفضه او قاوم ذلك بالقوة، وذلك لقوله تعالى(وإن طائفتان من المؤمنين إقتتلوافأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهماعلى الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله).

وإذا ما طبقنا هذه الأحكام والنصوص على واقع الأمة وشعوبها اليوم، نجد أن غالبية حكامها وولاة أمرها:

1ـ جاءوا قهراً وحكموا غصباً، بلا بيعة شرعية او رضىً شعبي.

2ـ لم يكونوا، منذ إستيلائهم على السلطة، أهلاً لها، فهم لا يملكون شروط ومؤهلات ولي الأمر.

3ـ مارسوا جميع أساليب القهر ضد شعوبهم، فقتلوا، وعذبوا ونهبوا، وإنتهكوا الحرمات وإرتكبوا الموبقات، وعاثوا فساداً، وخانوا الأمانة، مما إستحقوا عليه ليس فقط العزل بل أشد العقاب وعليه فإن الثورة ضدهم حق مشروع، لا بل واجب وجهاد، قال فيه عز وجل (أُذن للذين يُقاتَلونَ بأنهم ظُلموا وأن اللهَ على نصرهم لقدير).

وكأن أمير المؤمنين عمر الفاروق يستجلي مستقبل الأمة عبر القرون، فيعطى الدروس والعبر للحاكم والمحكوم، عندما يقول (أيها الناس من رأي في إعوجاجاً فليقومه) فيرد عليه أعرابي بقوله: والله يا أمير المؤمنين لو وجدنا فيك إعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فيقول عمر مغتبطاً، الحمدلله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم إعوجاج عمر بسيفه إذا إعوج، وعندما إعترض أحد المسلمين على الأعرابي مستنكراً قوله، أضاف عمر قولته المشهورة (دعه يقولها، فإنه لاخير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها منكم).

وما زال صوت عمر يجلجل متوعداً الطغاة، مستنهضاً همم المستضعفين في الأرض بقوله (متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أُمهاتهم أحراراً).

إن في ذلك تأكيد وتعزيز لوجوب إخضاع الحاكم لرقابة الأمة التي ولتهُ أمرها فإن أنصف وعدل وجبت طاعته، وإن جار وظلم، عزلته وولت غيره، فإن إمتنع وقاوم، يقع على ألأمة واجب خلعهُ بالقوة، عن طريق الثورة الشعبية سلمية كانت او مسلحة، كما يحدث اليوم في ربيع الثورات العربية من تونس إلى سورية مروراً بمصر وليبيا واليمن.........

لقد عجزت الأمة وشعوبها عن خلع الحكام الطغاة والمستبدين على إمتداد قرون طويلة مضت، مخدرةً حيناً بطاعة ولي الأمر كما يرد د فقهاء السلطان، ومقيدة أحياناً أُخرى بالجهل والضعف والخنوع، وظروف كثيرة أخرى..

ولكننا اليوم نستطيع أن نقول (آتى أمر الله فلا تستعجلوه).. (قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء) صدق الله العظيم.

ــــــــــ

' سفير الجامعة العربية في المانيا

=================

أنظمة تزرع ... وشعوب تحصد!

الجمعة, 29 يوليو 2011

الياس حرفوش

الحياة

تحصد الشعوب العربية نتائج ما زرعته الأنظمة التي تواجه الانتفاضات على مدى العقود الماضية، فعلى رغم الدماء التي تسيل في الشوارع العربية نتيجةَ المواجهات بين أجهزة القمع ومطالب المحتجّين، لا تزال الانظمة قادرة على الوقوف على رجليها ولو بشقّ النفس. الخوف من البديل هو «البعبع» الذي يخيف بعض المعارضين في الداخل ومعظم المدافعين عن مطالب التغيير الديموقراطي في الخارج. الانظمة تعتمد على تفكّك المجتمعات العربية الى عصبيات وطوائف وقبائل، ولا يتحمل مسؤولية هذا التفكك سوى النظام العربي القديم الذي تحاول الانتفاضات ان تبني شيئاً ايجابياً على أشلائه، فهذا النظام لا يرى ما هو سلبي في هذا التفكك والتبعثر المجتمعي. على العكس، بات هذا هو السبب الاساسي، ان لم يكن الوحيد، الذي يطيل عمر الانظمة المتهالكة.

من شوارع سورية الى ليبيا، مروراً بمصر واليمن، لا شيء يقف في طريق سقوط الانظمة التي انتهت صلاحيتها سوى تفكك المعارضات وغياب بدائل سياسية تسمح بالانتقال من حال الفوضى التي يتخوف منها الجميع، الى حال من الاستقرار المنظّم، يمكن ان يكون مدخلاً الى نظام جديد. ومن الذي ترك وراءه هذه الحالة من التبعثر الداخلي المقصود سوى الانظمة المتعاقبة في هذه الدول التي نتحدث عنها، خلال السنوات الاربعين الماضية؟ لم يكن القمع هو السلاح الوحيد الذي استُخدم في وجه قيام حركات معارضة قابلة للوقوف على قدميها، وبالتالي لتكون بدائل صالحة للاستعمال في يوم من الايام، بل ساهمت تغذية الولاءات الطائفية والعشائرية والمصلحية الى حد كبير، في انهيار التماسك الاجتماعي، فصار المجتمع منقسماً عمودياً. وها نحن اليوم نرى النتيجة الطبيعية لهذا الانقسام متمثلة في المخاوف على وحدة المجتمعات من الحروب الاهلية في ما لو انتصرت هذه التحركات المعارضة وسقطت الانظمة. بعبارة اوضح: صار القمع الذي يمارسه النظام في هذه البلدان هو مرادف الاستقرار، بينما صار قيام الحالة الديموقراطية مرادفاً للمذابح الطائفية.

حتى في تونس ومصر، حيث سقط الحاكمان السابقان بن علي وحسني مبارك، تبدو عناصر التمزق الداخلي والخوف من البدائل هي الطاغية على المشهد السياسي. من هنا حالة القلق السائدة في البلدين حيال المرحلة المقبلة، والتخوف من الفوضى التي يمكن ان تقود اليها تحت ضغط شارع لا تلتقي احتجاجاته الا عند نقطة واحدة هي معارضة الحكم السابق. اما الاتفاق على المخرج او البديل، فهو في علم الغيب. انه المشهد الذي بات واضحاً من خلال الاحتجاجات المستمرة في ميدان التحرير بالقاهرة، والتي تهتف كل اسبوع ضد ضحية جديدة.

سورية وليبيا واليمن أمثلة على قدرة النظام في البلدان الثلاثة على استغلال التفكك الداخلي في سبيل توفير جرعة اضافية من الحياة له. ما هو بديلكم؟ يسأل الحكام معارضيهم والمطالبين بالتغيير. رغم ان المسؤولية عن غياب البدائل تقع في الدرجة الاولى على أساليب حكم اكتسبت خبرة مديدة في قمع كل صوت معارض وفي تفكيك كل مؤسسة موحدة، كي تبقى مؤسسات النظام هي الوحيدة المتماسكة والقادرة على الإمساك بأي شيء. كل «الاسلحة» استخدمت: من تعزيز الهوية الطائفية والفئوية للنظام، الى كسب الولاءات بوسائل الفائدة المصلحية حيث تنفع، او بوسائل القمع حيث لا يجدي التكسّب المادي. لم يكن هذا أمراً عبثياً، بل كانت سياسة محكمة التطبيق وواضحة الاهداف، وهو ما أدى اليوم الى غياب تنظيمات معارضة منظمة وقادرة على الإمساك بالحكم إذا حزم النظام حقائبه ورحل، كما يطالبه المحتجون.

الربيع العربي تحول الى «جحيم عربي»، كما يقول الطاهر بن جلون في مجلة «نيوزويك» الاميركية. ومع انه يلقي المسؤولية في ذلك على الرئيسين معمر القذافي وبشار الاسد، اللذين لا يطيقان فصل الربيع كما يقول، فإن الحقيقة ان القذافي والاسد وسواهما كانوا «حكماء» في توقع مجيء الربيع، فأعدوا العدة لمواجهته منذ زمن بعيد... وها هم يقطفون الثمار من خلال قطع الطريق على كل وريث ممكن أو بديل!

=================

المعارضة السورية وحركات الاحتجاج الشعبي

اكرم البيني

الشرق الاوسط

29-7-2011

لعل أهم ما يميز الثورات العربية أنها جاءت مفاجئة وعفوية، وتجاوزت كل الحسابات والتوقعات، أشبه باندفاعات أو حركات تلقائية لم يخطط لها مسبقا أو تحضر إراديا، وبدت كأنها نهضت بمعزل عن الأيديولوجيات والبرامج الحزبية، ومن دون قوى سياسية عريقة تقودها، ومن غير شخصيات تاريخية أو كاريزمية تتصدر صفوفها.

وإذا كان أمرا مفهوما أن تتدارك قوى المعارضة هذه النقيصة وتسارع لاستحضار دور سياسي نشط يتفاعل مع مطالب الناس وهمومهم، وهو ما حصل بأشكال متنوعة في تونس ومصر واليمن وغيرها، فإن ما ليس مفهوما أن تستمر هذه المفارقة في الحالة السورية وبعد أكثر من أربعة أشهر من بدء الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية وفداحة ما قدم من دماء وتضحيات! والحقيقة أنه ليس أمرا مألوفا في التاريخ السوري، الذي يشهد له بأنه تاريخ الأحزاب السياسية، تلك المسافة التي رسمها حراك الناس مع قوى المعارضة التقليدية، وكيف بدت هذه الأخيرة كما لو أنها تركض لاهثة لتلحق بنبض الشارع، حتى بات من الصعوبة بمكان أن يتبجح طرف سياسي ويدعي أنه صاحب هذه التحركات الشعبية وراعي ما يحصل من تطورات!

ولا يغير من هذه النتيجة بل يؤكدها تكاثر اللقاءات التشاورية والحوارات والمؤتمرات التي عقدتها قوى من المعارضة السورية، إن داخل البلاد أو خارجها، ما دامت لم تنجح في توحيد صفوفها وبلورة كتلة موحدة، قادرة على التفاعل مع المتظاهرين المطالبين بالحرية ومدهم بأسباب الدعم وسد فراغ كبير بلعب دور سياسي هم في أمس الحاجة إليه.

هل يرجع السبب إلى خصوصية الوضع السوري التي لا تضاهيها خصوصية أي وضع عربي آخر؟! إن لجهة شدة إحكام السيطرة على المجتمع وما خلفته عقود طويلة من سيادة منطق القوة والوصاية والاستئثار وتغييب الحريات الأساسية في تجفيف الحقل السياسي وإقصاء أهله، أم يصح التذكير هنا بما ذهب إليه البعض، من تحميل المناخ الأمني الضاغط مسؤولية هذا الإخفاق اليوم، في إشارة إلى جهود قمعية استثنائية توظف لمحاصرة الحراك الشعبي وعزله عن محيطه السياسي، ومثلا إلى شدة الردع والتنكيل وحتى استخدام القوة بلا حساب لمنع المحتجين من التجمع والاعتصام الدائم في ساحة عامة، كي لا تتحول إلى مكان لعقد اللقاءات والحوارات والتفاعل بين المعارضة والناس، كما كان حال ساحة التحرير في مصر أو ساحة التغيير في اليمن!. أم لعل السبب يعود إلى أحوال المعارضة ذاتها وما تركته المعاناة المريرة في سراديب العمل السري أو في غياهب السجون من آثار سلبية على صحة أحوالها، لتبدو بطيئة في قراءة المتغيرات الحاصلة والتكيف معها، وعاجزة في غالبيتها عن انتزاع زمام المبادرة والتحول من حالة نخبوية إلى حالة جماهيرية.

ما سبق لم يحد فقط من فاعلية المعارضة السورية ويربك دورها، وإنما خلق ما يشبه الهوة بين الناس والسياسة يصعب ردمها بسرعة أو على الأقل التخفيف منها، وأشاع أيضا حالة من عدم الاطمئنان حول مواقف أحزابها ومدى جديتها في قيادة عملية التغيير الديمقراطي، ولنقل حالة من الشك بأن بعضها قد يركب الموجة ويبيع ويشتري، على حساب التضحيات التي يقدمها المحتجون، ليجني أرباحا سياسية خاصة! وإذا أضفنا ميول التحركات الشعبية بكتلتها الشبابية الكبيرة نحو التحرر من أي رقابة أو إكراه حزبي، أو من أي إلزام بمعتقدات وبرامج محددة أو بقرارات موجبة التنفيذ دون نقد أو اعتراض، يمكن أن نقف عند أهم الأسباب التي تفسر استمرار حالة الجفاء والافتراق بين أهم قوى المعارضة السورية وبين الفعاليات التنظيمية التي أفرزها الحراك الشعبي وظهرت على السطح بأسماء متنوعة، كلجان التنسيق المحلية، واتحاد التنسيقيات وائتلاف شباب الثورة أو التغيير وغيرها، والتي لا تزال تقود الاحتجاجات والمظاهرات على الأرض. والنتيجة، فإن ضعف القوى السياسية، وأكثرها عريق وتاريخي، وعجزها عن تحريك الشارع وقيادته، أفسح المجال لظهور جماعات شبابية، تقدمت الصفوف وأمسكت زمام المبادرة، ونالت ثقة الناس بسلوكها اليومي المثابر واستعدادها العالي للتضحية. وبنجاحها في الالتفاف على آليات الرقابة الأمنية وأساليب التعبئة والصراع التقليدية.

هي مجموعات حديثة التكوين ولدت وترعرعت في ظل الشروط الاستثنائية، لا تنتمي إلى أي حزب أو تجمع سياسي، وليس عندها ما تخسره مع انسداد الأفق أمامها وتعاظم شعورها بالظلم وغياب العدالة، فنأت بنفسها عن الأيديولوجيات الكبرى وشعارات الهوية العريضة، واستعانت بما راكمته تجارب شعوب عاشت ظروفا مشابهة من خبرات في خلق أشكال متنوعة لرفض الواقع القائم والدفاع عن مصالحها وحقوقها، وخاصة استثمار فضاء المعلومات ومواقع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت، لخلق مساحة من التفاعل فيما بينها ومع الآخرين، حول همومها المشتركة وسبل حل القضايا التي تشغلها وتتحكم بمستقبلها، وربما لن يتأخر الوقت كثيرا حتى نسمع أن هذه المجموعات أصبحت الرقم الفاعل في تحديات الراهن السوري ومستقبل تطوره الديمقراطي.

إن استمرار حركة الاحتجاجات الشعبية واتساع رقعتها يزيد، كل يوم، من حجم الضغوط على المعارضة السورية كي تتجاوز حساباتها الضيقة وخلافاتها وتسارع لتوحيد صفوفها وتنسيق جهودها لمتابعة ما يحدث بأكبر قدر من المسؤولية، وأساسا لتطوير لغة مشتركة للتواصل والتفاعل مع الحراك الشعبي ودعم مطالبه المحقة، فلم يعد ثمة متسع من الوقت لمزيد من الانتظار، وما يحصل من متغيرات نوعية في المجتمع السوري سيكون شديد التأثير على أحزاب المعارضة التقليدية ويرسم أمامها أفقا جديدا، ولنقل يضعها أمام مفترق وعلى محك اختيار وفرز بين قوى وأحزاب يمكن أن تخوض غمار «أزمة نمو» تظهر خلالها العزم على الوقوف نقديا من تصوراتها الإيديولوجية وبناها التنظيمية العتيقة وعلى تقديم التضحيات من أجل إنهاء مرحلة الركود والتخلص من العوائق التي تعيقها عن ممارسة دورها الحيوي وبين من ستشهد مسار «أزمة انحطاط وتفكك» ربما تنتهي بها إلى الموت الرحيم!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ