ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 03/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المادة الثامنة والإصلاح السوري

د. طيب تيزيني

تاريخ النشر: الثلاثاء 02 أغسطس 2011

الاتحاد

تنشغل أوساط سياسية وثقافية وحقوقية في سوريا الآن، بمناقشة واحدة من أهم المسائل المطروحة للحوار الوطني الديمقراطي، نعني المادة رقم ثمانية من الدستور السوري، والتي تنص على ما يلي: يقود حزب "البعث" العربي الاشتراكي الدولة والمجتمع في سوريا. وكما يظهر، تبدو المادة بمثابة تأكيد على أن "مرجعية سوريا" تتمثل في كونها متحدرة من أصل واحد، دون أصول أخرى موجودة في البلد. إضافة إلى ذلك، وعبر تحديد معطيات أخرى تخص الموضوع، فإن مؤسسات كبرى مثل "مجلس البرلمان أو الشعب والمؤسسة الرئاسية، وكل ما يتمم هذه اللوحة، تستمد شرعيتها الأولية من تلك المرجعية المأتي عليها.

والآن، حين يُطرح الحوار حول المادة المذكورة -وقد طُرح قبل ذلك في مناسبات متعددة ضمت دمشق وحلب ومدناً أخرى، يثير ردود فعل في أوساط حزب "البعث". أما في مقدمتها، فتبرز الفكرة القائلة إن إبعاد هذا الأخير عن التميّز الذي حصل عليه على مدى عدة عقود يعني حرمان سوريا من قوة تاريخية منظمة حققت الكثير من المنجزات على الصعيد الداخلي والخارجي، كما يعني تعريض البلد لاحتمالات الفوضى والاضطراب وربما كذلك لحرب طائفية.

ولعلنا نلاحظ أن الخطاب المقدم على ذلك النحو يقوم على ركيزتين اثنتين هما الإقصائية الاستفرادية والشمولية: حزب "البعث" المذكور هو وحده المعْنِي بشؤون البلد الكبرى ربما لامتلاكه من "الملَكات والخبرات والطاقة الخاصة"، التي لا يملكها حزب أو هيئة أخرى في سوريا، مِمّا يحتِّم بقاء الحزب لصالح سوريا نفسها. هذا من طرف أول. أما من طرف آخر، فإن إخراج هذا الحزب من موقعه الذي شغله ما يقترب من خمسين عاماً سيكون استجلاباً لقوى دينية سياسية ذات طابع أصولي سلفي وتوجه ظلامي إلى النور ثم إلى السلطة! وهذا بدوره يؤدي إلى مخاطر كبرى في الداخل السوري كما في الخارج.

بيد أن من يدقق في الداخل المذكور، يجد أن ما قام الشباب من أجله، هو حتى الآن مفتقدٌ في سوريا: من الحرية السياسية والكرامة الأخلاقية والكفاية المادية، إلى باقي الملفات الملتهبة وذات العلاقة بالثلاثي المقدس المذكور، انطلاقاً من إلغاء قوانين الطوارئ والأحكام العرفية والمادة الثامنة إياها، إلى تفكيك الدولة الأمنية، وإصدار قانون عصري وديمقراطي للأحزاب، وآخر للإعلام والشروع في التهيئة لانتخابات برلمانية مع انتخابات رئاسية بإشراف لجنة أو لجان حقوقية محايدة حقاً. ولا بد أن يسبق ذلك كله استحقاق يمثل مدخلاً له، هو تشكيل مجلس دائم للحوار الوطني الديمقراطي، يشرف على تشكيله وضبط برنامج عمله ممثلون للمعارضة الوطنية. وهكذا بحيث يطال الأمر مشكلات أخرى، مثل محاكمة مَنْ قتل الشهداء والمظلومين من كل الأطراف، والتأسيس لقضاء حر مستقل مع متابعة دقيقة للعمل على استكمال عملية تشكيل سلطة انتقالية.

وثمة نقطة حاسمة تتصل بالمادة الثامنة من الدستور، وهي إن ما يماثل هذه المادة في الاتحاد السوفييتي السابق، هي التي كانت خصوصاً، من وراء تفككه وتصدعه. فلقد اختزلت هذا البلد الضخم إلى الحزب الشيوعي، وهذا إلى اللجنة المركزية وهذه إلى المكتب السياسي، الذي يقف على قمته أمين عام غالباً حتى مراحل ممتدة من عمره. لقد فقدت البشرية ذلك البلد بما كان يمكن أن يعممه أو يطوره من مسائل تتصل بالعدالة والتضامن بين الناس. لقد سقط كل شيء وتحول ذلك البلد إلى حالة اقتصادية إشكالية إضافة إلى مشكلات أخرى. ولا يهمنا، فما حدث في الاتحاد السوفييتي، يمثل تجربة مليئة بالعبر تستطيع سوريا أن تقرأها نقدياً. وأخيراً: ما الحافز الأخلاقي الكامن وراء الاستفراد بالسلطة وغيرها من قِبل فريق واحد من المجتمع؟!

==============

العامل الخارجي... وحسم الاحتجاجات العربية

د. أحمد يوسف أحمد

الاتحاد

تاريخ النشر: الثلاثاء 02 أغسطس 2011

تمر الحركات الاحتجاجية العربية بحالة من التجمد في الوقت الراهن، وذلك على عكس التغير السياسي الذي وقع في كل من تونس ومصر بسرعة نسبية. والتجمد لا يعني السكون، وإنما يشير إلى حالة يستمر فيها الفعل الثوري والاحتجاجي بل ويتصاعد، وفي المقابل يتصاعد رد الفعل المضاد من النظام القائم، وذلك دون أن يؤدي هذا التصعيد المتبادل إلى تغيير النموذج السياسي الموجود، فهناك على سبيل المثال حالة من الكر والفر في ليبيا دون أن تنجح الثورة في إسقاط النظام القائم. ووصل الأمر في اليمن إلى محاولة اغتيال أهم رموز النخبة الحاكمة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية نفسه الذي أصيب إصابات جسيمة منعته من العودة إلى اليمن حتى الآن، ولكن "تركيبة" النظام القائم صمدت. وفي سوريا تزداد وتيرة الفعل الشعبي المضاد للنظام، وتزداد مواجهته العنيفة للجماهير دون جدوى لأي من طرفي الصراع.

ولاشك أن ثمة أسباباً داخلية تفسر حالة "التجمد" هذه، وعلى رأسها عدم حسم القوات المسلحة في البلدان الثلاثة موقفها إلى جانب المحتجين على عكس الحال في كل من تونس ومصر، أما في ليبيا واليمن وسوريا فقد حافظت القوات المسلحة إلى حد كبير على تماسكها وولائها للنظام القائم، بغض النظر عن انشقاقات جزئية هنا أو هناك، وذلك لاعتبارات تتعلق بتركيبة القوات المسلحة وبنيتها في هذه البلدان. ولكن ثمة أسباباً خارجية أيضاً تفسر حالة "التجمد" التي أشرنا إليها.

لا أحد يدري في ليبيا على سبيل اليقين إلى أي حد كان تدخل "الناتو" لمصلحة الثورة نعمة أم نقمة بالنسبة للثوار. من ناحية كان الثوار يلحون على حدوثه، وكان سبب إلحاحهم هذا هو العنف الذي عاملتهم به قوات النظام القائم، ومع ذلك فإن النتيجة النهائية لهذا التدخل موضع جدل، فهو من ناحية وفر المبرر للقول إنه ينطوي على أطماع في ثروات ليبيا النفطية، وهكذا يمكن القول إن التدخل الخارجي لعب دور المثبط للحركة الثورية. ومن ناحية ثانية لم يأت بأية نتيجة حاسمة حتى الآن، ولا يعرف أحد يقيناً هل حدث هذا بسبب تعمد "الناتو" إطالة أمد الصراع لمآرب مصلحية، أم لأن قواته عاجزة بالفعل عن تحقيق أهدافها؟

أما في اليمن فإن التدخل الخارجي يأخذ طابعاً سياسيّاً، ومصدره الرئيس هو الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وكان واضحاً أن هدفه هو إيجاد تسوية سياسية تضمن انتقالاً مستقرّاً للسلطة، وذلك بالنظر إلى أهمية اليمن الاستراتيجية للطرفين سواءً باعتباره جاراً مهمّاً لدول مجلس التعاون الخليجي، أو شريكاً للولايات المتحدة فيما يسمى بالحرب على الإرهاب، وبالتالي فإن تغيراً جذريّاً في النظام القائم ستكون له تداعياته على أمن دول المجلس واستقرارها، وسيُفقد الولايات المتحدة شريكاً استراتيجيّاً مهمّاً. ولكن التدخل -على رغم ما استغرقه من الوقت- لم يؤد إلى النتائج المرجوة سواءً لعناد رأس النظام أو لرفض الثوار منطق الحلول الوسط معه.

أما بالنسبة لسوريا فإن للأمر منظوره العربي، إذ تشير الخبرة التاريخية إلى أن سوريا قد لعبت تقليديّاً دور الدولة العربية الأكثر تشدداً في الصراع العربي- الإسرائيلي، بدءاً من اتفاقيات الهدنة 1949 التي كانت سوريا آخر دولة وقعت عليها، وانتهاءً بعملية السلام الراهنة، فهي على رغم قبولها مبدأ التوصل إلى تسوية سياسية تتبع سلوكاً متشدداً في هذا الصدد، وبالتالي فهي الدولة الوحيدة ذات الصلة بهذه العملية التي لم تدخل ارتباطاً تعاقدياً مع إسرائيل، بالإضافة إلى احتضانها الفصائل الفلسطينية الرافضة عملية التسوية السياسية، وكذلك الدور المهم الذي تضطلع به في دعم المقاومة اللبنانية سواءً كمزود لها بالسلاح أو كمعبر لهذا السلاح، ولهذا فإن قطاعات من الجماهير العربية تشعر بالتقدير لهذا الدور، ولا تنظر بارتياح إلى فكرة إسقاط النظام الذي يقوم به.

ومن المثير للانتباه الدور الذي لعبه الصراع العربي- الإسرائيلي في تطور النظم السياسية العربية منذ نشأة إسرائيل. في البدء كان لهذه النشأة دورها المحفز لعملية التغيير في الوطن العربي، وكان المثال الواضح لذلك هو ثورة 1952 المصرية التي أكد رئيسها عبدالناصر في كتيب "فلسفة الثورة" أن تفكيره الثوري قد تأكد في حرب فلسطين، وقد كانت تلك الثورة بداية الموجة الرئيسة لمحاولات التغيير في الوطن العربي في خمسينيات القرن الماضي وستينياته. غير أن دور الصراع العربي- الإسرائيلي قد انعكس لاحقاً، فبدلاً من أن يشكل حافزاً للتغيير تحول إلى كابح له، وذلك بعد أن نجحت إسرائيل في عدوانها على العرب في 1967، واحتلال أراضٍ عربية مهمة في كل من مصر وسوريا والأراضي الفلسطينية، فقد كرست المجتمعات العربية كل جهودها آنذاك من أجل تحقيق هدف ما سمي ب"إزالة آثار العدوان"، أي تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتُلت في 1967. وفي تلك المرحلة أصبح شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" تعبيراً من جانب عن حشد كافة الجهود من أجل "إزالة آثار العدوان"، ولكنه اتخذ من جانب آخر كآلية لتكريس الجمود في نظم الحكم العربية. وإذا كان ذلك الشعار قد انتهى في الحالة المصرية بعد أن نجح النظام فيها في تحقيق الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء فإن مضمونه بقي حاكماً في الحالة السورية التي لم تشهد مثل هذا التطور.

والمثير في الموضوع أن القوى الخارجية التي يفترض على الأساس السابق أن تعمل جادة من أجل إسقاط النظام السوري، وبالتالي تنحاز بوضوح لقوى التغيير فيه لا تقوم -أي تلك القوى الخارجية- بهذا الدور، بل لقد أظهرت في هذا الصدد تحفظاً لافتاً في مواقفها بما في ذلك عدم الإشارة الصريحة إلى تفضيلها سقوط النظام، وبالمناسبة فإن هذه الدول تشمل إسرائيل ذاتها، وهو ما قد يبدو منطويّاً على تناقض صارخ مع التحليل السابق، ولكن السبب في هذا الموقف يعود فيما يبدو إلى أن هذه القوى تعرف أن النظام السوري القائم على رغم مواقفه المتشددة تجاه إسرائيل كان قادراً بفعالية واضحة على الحفاظ على استقرار الجبهة مع إسرائيل وهدوئها، فيما لا تعرف هذه القوى على سبيل اليقين -خاصة على ضوء ما آلت إليه الأمور في مصر بصفة خاصة- طبيعة النظام الجديد الذي سيرث النظام القائم في سوريا إن سقط، وهل سيتبنى هذا النظام الجديد سياسة "فعل" وليست سياسة "قول" تجاه إسرائيل، وهل تكون هذه السياسة سياسة عداء ظاهر أم غير ذلك؟ ناهيك عن قدرته على الحفاظ على استقرار الأوضاع في سوريا بما في ذلك الجبهة مع إسرائيل.

إن ثمة مؤشرات على أن القوى الخارجية إذن قد لا تكون كما يتصور البعض صاحبة مصلحة في إنجاز عملية التغيير الثوري في البلدان العربية التي تشهد محاولات لهذا التغيير، بل قد يكون لها أثر مثبط على عملية التغيير لا يمكن في الظروف الراهنة معرفة نسبة تأثيره إلى باقي العوامل الأخرى، وفي كل الأحوال فإن تأثير القوى الخارجية المثبط لعملية التغيير سيكون غير ذي موضوع فيما لو أن قوى هذا التغيير قد استطاعت حسم ميزان القوى في الداخل لمصلحتها.

==============

سورية والمحرقة

د. رحيّل غرايبة

الاتحاد

2011-08-02

يستقبل العالم الاسلامي اليوم الاول من رمضان ببشاشة الايمان والاستعداد لشهر العبادة والاخوة والتعاطف; من اجل نشر المودة والتسامح وتثمين اواصر المجتمع, وتطهيره من الفقر والحرمان ومرارة اليتم وضيق ذات اليد; ومن أجل تهيئة الفرصة للرؤساء للتواصل وإعادة اللحمة مع شعوبهم ممزوجة بارتباط الايمان وأواصر العقيدة.

لكن سورية تستقبل اليوم الاول من رمضان بحمّام دم, ومجزرة مدنية بشعة يخوضها النظام السوري المدجج بالاسلحة والاجهزة الفتّاكة ضد شعبه المسالم في حماة ودير الزور والبوكمال, ليحصد المئات بالرصاص الحيّ الذي تمّ شراؤه من جيوب الشعب ودمائه, بحيث اصبح الشعب السوري عاجزاً عن لملمة الجثث المبعثرة, والمستشفيات عاجزة عن مداواة الجرحى والمصابين.

من يحمي الشعوب العربية المسالمة من انظمة الاستبداد والفساد, وما هي الطريقة التي يمكن ان تتفادى فيها الشعوب غضبة الديكتاتور الفرد المتسلط الذي يملك الرغبة في افناء نصف شعبه من اجل بقائه على كرسيّ الحكم والسلطة.

هذه الشعوب العربية المنكوبة بالمغتصبين للسلطة والنفوذ والثروة, كيف تستطيع ان تقدم المعونة والنصرة لبعضها بعضاً? وهم مفرقون ومشرذمون في كانتونات محميّة ومحروسة!!.

من الذي قسّم الامّة الى شعوب متباعدة, لا تستطيع التواصل, ولا تقديم المعونة والنصرة, ومن هو المسؤول عن هذا المآل المخزي والمهين والمحزن والمؤسف?

ما هي وظيفة الجامعة العربية بالضبط? وما هو دورها عندما يتمّ تسخير كل القوة العسكرية من قبل الانظمة; لخوض معركة ابادة لشعب اعزل مسالم في دولة عربية, ويهتف للحريّة والكرامة, يهتف ضد الفساد والطغيان, يهتف ضد القمع والتنكيل, يهتف ضد قتل الاطفال وتعذيبهم والتمثيل في جثثهم, يهتف ضد الظلام وخفافيش الظلام الذين امتصّوا دماء النّاس واقتاتوا على كدّ الفقراء وكدحهم. لماذا هذا الصمت المريب من جميع الاطراف كلّها بلا استثناء, عمّا يجري على يد هذا النظام القمعي التسلّطي ضد شعبه العربي المسلم, وما يقوم به من اساليب وحشيّة دمويّة لا تحدث في اي مكان في العالم على هذا النحو من الاستمرار والاصرار المجبول بالحقد والصلف والغطرسة?

وإذا كان هناك كلمة للاجيال والشباب وهم اصحاب المستقبل والمرحلة القادمة, وينبغي ان يسمعوها.. إنّ الانظمة بالقدر الذي تكون فيه من الوحشيّة والعنف والدمويّة ضد شعوبها تكون بالقدر ذاته من الذلّ والمسكنة والاستخذاء والتبعيّة للاعداء.

ويمكن ان نقلب العبارة: انّ الانظمة التي تحترم شعوبها وتبذل الغالي والنفيس لارضاء شعوبها, واحترام ارادتها وحراسة حريّتها وصيانة كرامتها, وحفظ ثروتها ومقدراتها هي بالقدر ذاته من الثبات والصلابة في مواجهة الاعداء والغزاة.

إنّ الانظمة التي تمانع بالثرثرة, وتقاتل بالثرثرة, وتواجه اعداءها بالثرثرة, فيما تواجه شعوبها بالرصاص الحيّ القاتل, والابادة والسحق والسجن والتعذيب الوحشيّ, انّما هي انظمة تستحق الرحيل والثورة عليها.

والكلمة الاخرى التي ينبغي ان يسمعها الشباب وهم مقبلون على المستقبل, عليهم ان يتعرفوا على (أعداء الشعوب) من ابناء شعوبهم نفسها, فكلّ من يضع نفسه في صف القتلة, وفي صفّ مقترفي المجازر الدمويّة والذبح والتنكيل ضد شعبه لا يمكن ان يكون امينا على اي مصلحة من مصالح امّته, ولا يمكن ان يكون أميناً على مستقبلها.

وإنّ اولئك الذين ذهبوا لغمس اقدامهم في وحل المجازر, وأكل الفطائر المغمّسة بدماء اطفال حماة وحمص, ودرعا وإدلب ودير الزور والبوكمال, لا يستحقون البقاء لحظة في صفوف المصلحين, ودعاة الاصلاح في كلّ مكان في العالم.

==============

لماذا لا يعتمد النظام شعار «سورية أوّلاً»؟

خيرالله خيرالله

الرأي العام

2-8-2011

من المنطقي التساؤل لماذا اختار النظام السوري هذه الأيام بالذات للإعلان عن اعترافه بالدولة الفلسطينية في حدود الرابع من يونيو 1967، هل القرار جزء من مراجعة سياسية شاملة تتناول الداخل والخارج، أم مجرد خطوة ذات طابع تكتيكي تستهدف إعادة التموضع لا أكثر؟ مثل هذا التشكيك مشروع إذا عدنا قليلاً إلى الخلف، إلى العامين 1999 و2000 تحديداً حين لبّى النظام السوري الطلب التركي القاضي بتسليم الزعيم الكردي عبدالله اوجلان كما تخلّى عن المطالبة بلواء الاسكندرون من أجل التفرغ للاهتمام بلبنان واحكام السيطرة عليه وصولاً إلى التمديد لإميل لحّود واغتيال رفيق الحريري ورفاقه والاضطرار إلى الانسحاب من الأراضي اللبنانية، أقلّه عسكرياً.

أين الجديد في الموقف السوري من الدولة الفلسطينية ومن حدود العام 1967، ألم يعترف بها منذ دخوله في مفاوضات مع إسرائيل استناداً إلى القرار 242 الصادر في ذلك العام بعد أشهر قليلة من الهزيمة العربية المروعة... أو منذ ذهابه إلى مؤتمر مدريد في العام 1991 أو منذ موافقته على مبادرة السلام العربية في قمة بيروت للعام 2002، هل الإعلان عن موقف جديد من الدولة الفلسطينية يغيّر شيئاً في وقت يبدو واضحاً أن الفلسطينيين في مأزق حقيقي. هذا المأزق عائد إلى وجود حكومة إسرائيلية لا هدف لها سوى تكريس الاحتلال من جهة... وسلسلة من الأخطاء ارتكبها الفلسطينيون، خصوصاً منذ توقيع اتفاق اوسلو في العام 1993 من جهة أخرى. فوق ذلك كلّه، هناك إدارة أميركية على استعداد لمسايرة بنيامين نتانياهو إلى أبعد حدود حتى لو ذهب بعيداً في عمليات الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة!

الأكيد أن الموقف السوري من الدولة الفلسطينية لا يقدم ولا يؤخر بمقدار ما أنه يعكس عجزاً عن التصرف كدولة طبيعية تعرف حجمها الحقيقي بدل الكلام عن دور إقليمي أقرب إلى الوهم من أي شيء آخر. انه على الأصح الرهان على أوراق غير موجودة من بينها القدرة على عرقلة أي تسوية في المنطقة في غياب السعي الجدي إلى لعب دور ايجابي على كل صعيد، بما في ذلك داخل سورية نفسها. كان هناك إلى ما قبل فترة قصيرة استخدام سوري لحركة «حماس»، التي هي جزء من «الاخوان المسلمين» من أجل العرقلة. تبين فجأة أن لدى «حماس» أجندة خاصة بها وأنها تنتمي إلى مدرسة «الاخوان المسلمين» التي لا تؤمن سوى باستخدام الآخرين لتحقيق أغراضها السياسية. هل الموقف السوري الأخير ردّ على «حماس» وجزء من تصفية الحسابات معها لا أكثر؟

أياً تكن الأسباب التي جعلت دمشق تسير مع الشرعية الفلسطينية، فإنّ القدرة لا تعود إلى كون النظام السوري، أو سورية نفسها في الظروف التي تعيشها منذ مجيء «البعث» إلى السلطة في العام 1963 قوة إقليمية. ان هذه القدرة السورية على العرقلة تستند إلى أن إسرائيل لا تريد تسوية مع الفلسطينيين، اللّهم إلاّ إذا ارتضى هؤلاء الرضوخ لشروطها التي تعني أوّل ما تعني التخلي عن القدس الشرقية وعن جزء من الضفة الغربية.

لماذا انتظر النظام السوري إلى العام 2011 كي يعلن أنه يقف مع دولة فلسطينية في حدود 1967، هل كان قبل ذلك يرفض عملياً أي تسوية كان يمكن أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية «قابلة للحياة» استنادا إلى مبادرة السلام العربية، هل كان يريد تحرير فلسطين من البحر إلى النهر أو من النهر إلى البحر لا فارق وهناك من منعه من ذلك؟

في كل الأحوال، ان الموضوع يتجاوز الاعتراف السوري بدولة فلسطينية يعتبر قيامها في يوم من الأيام انجازاً ضخماً في حدّ ذاته، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار موازين القوى في المنطقة. الموضوع يتعلق بما إذا كان النظام السوري سيتوقف عن ممارسة عملية الهروب إلى الامام وهي عملية ارتدّت عليه في آخر المطاف. المهمّ أن يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود 1967 خطوة اولى على طريق اتباع سياسة واقعية تقوم على الاهتمام بالشعب السوري والسعي الى معالجة مشاكل سورية أوّلاً وأخيراً. انها مشاكل في غاية التعقيد تبدأ بإقامة دولة القانون وبحرية المواطن وكرامته وتنتهي بالمياه والكهرباء والبرامج التعليمية، مروراً بالنمو السكاني المتوحش والبناء العشوائي، والتطرف الديني، وهجمة الريف على المدينة.

يفترض في النظام السوري في ضوء الثورة الحقيقية التي يشهدها البلد منذ ما يزيد على أربعة اشهر الاقتناع بان ما هو في حاجة إلى تغيير يتجاوز الموقف من الشعب الفلسطيني وقضيته. التغيير لا يمكن أن يقتصر على التعاطي بطريقة مختلفة مع القضية الفلسطينية بعدما تبين أن لا فائدة من ايواء منظمات منشقة لمجرد أنها أدوات تستخدم لإضعاف السلطة الوطنية أو لخلق المشاكل في لبنان وإثبات أنه لا يسيطر على أراضيه، فضلاً عن ابتزاز اللبنانيين طبعاً. التغيير الحقيقي هو ذلك الذي يكون تحت شعار التصالح مع الشعب السوري، أي تحت شعار سورية أوّلاً. لماذا الخوف من ذلك؟

كل ما عدا ذلك دوران على الذات وتأكيد لواقع يتمثل في أن النظام السوري عاجز عن القيام بإصلاحات وعاجز عن التخلص من عقدة لبنان حيث لا يريد أن يقتنع أن مصدر قوته هو ميليشيا مذهبية تابعة ل«حزب الله» الإيراني ولا شيء غير ذلك. انه وهم الدور الإقليمي المستند إلى حلف غير مقدس بين عرب وغير عرب لا همّ لهم سوى الإبقاء على حال اللاحرب واللاسلم إلى ما لا نهاية تحت لافتات «المقاومة» و«الممانعة» و«الصمود» و«التصدي» و«إفشال المشروع الأميركي» كما لو أن الإدارة في واشنطن تدرك ما الذي يدور في الشرق الأوسط، هي التي فوجئت بالشعوب العربية تطالب بالكرامة.

الواقع أن كل الهدف من هذه اللافتات المتاجرة بما تقع اليد عليه. هل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود 1967 بمثابة توقف عن المتاجرة بالشعب الفلسطيني وقضيته... أم أن كل ما في الأمر أن المطلوب التراجع قليلاً فلسطينياً لمتابعة عملية الانقضاض على لبنان عن طريق الأدوات الإيرانية وأدوات الأدوات مثل النائب المسيحي ميشال عون، وهي الأدوات التي استخدمت في الانقلاب على اتفاق الدوحة أخيراً؟ للمرة الألف، هل الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على إسرائيل؟

==============

هل استحال الحل في سوريا؟

سليمان تقي الدين

السفير

2-8-2011

لا أفق في المدى المنظور للخروج من الأزمة الوطنية في سوريا. دوّامة العف تتسع، والفجوة تتعمق والدم يسيل بغزارة. لم نعد نسمع لغة مشتركة أو مبادرات سياسية. وحدها «المواجهة» لفرض الأمن وإطاعة النظام، يقابلها مطلب إسقاطه. تبدو الإصلاحات السياسية خارج الموضوع. لا قانون الأحزاب أو الانتخاب أو الإعلام أو اللامركزية يمكن تفعيلها في أجواء التوتر، ولا تعني شيئاً للجمهور في المدن والشوارع والقرى والجامعات التي صارت هدفاً للإخضاع.

دخلت سوريا في مغامرة الحسم عن طريق القوة. تعطّلت وسائل السياسة وانزلقت البلاد نحو أوضاع تغري الخارج بالمزيد من التدخل. ظهرت الدولة طرفاً في نزاعٍ أهلي لا مرجعية للاستقرار والأمن. إذا كانت المعارضة تستدعي هذا المستوى من الحملات العسكرية فالمجتمع السوري في أزمة ولاء للوطن والدولة. نعرف ان النظام ليس سلطة معلقة في الهواء، فلديه قواه ومصالحه وجمهوره وهواجسه وأدواته. لكن هذا العنف يخرج عن حدود الرغبة في إعادة الاستقرار ليؤسس لنزاع أهلي مفتوح. ليست الحرب الأهلية قراراً يتخذه فريق، بل هي مسار من التصادم الذي يحفر في الدولة والمجتمع. حبذا لو أن حكومة واسعة التمثيل تتمتع بالمصداقية الوطنية والسمعة النظيفة والإصلاحية هي التي كانت جواباً على هذه الأزمة.

ربما لم يكن الوقت ليضيع في مناقشات حول الأفكار الإصلاحية كي تذهب الجهود في اتجاه صياغة الوحدة الوطنية على عقد اجتماعي جديد فتسقط مبررات المعارضة المسلحة ومبررات الخارج الذي يسعى إلى استنزاف سوريا وإضعافها. أولوية الأمن لم تنجح في استعادة ولاء مدن كبرى إلى الدولة حتى لو تم «تحريرها» من الجماعات المسلحة. هناك رغبة جامحة في تطويع المعارضة بكل أطيافها باسم التحدي الخارجي والاختراق الأمني ومشاريع الفتنة. كل هذه العناصر الموجودة في مكونات الأزمة لا تحجب الأسباب الأساسية للحراك الشعبي المتحدر من علاقة التهميش والإلغاء وكبت الحريات والنظام الأمني والأوضاع الاجتماعية المزرية والامتيازات السلطوية المقابلة. استقرار سوريا في العقود الماضية كان مشفوعاً ببعض الانجازات الاجتماعية والوطنية وبمنسوب غير فاضح في الامتيازات والفساد، والمفارقات الاقتصادية. فاقمت التطورات انكشاف النظام على خلل جوهري فانحسرت طاقة احتمال الجمهور لأوضاع مزرية وفشل في مواكبة المشاكل الاقتصادية. انغلق النظام على نفسه وعلى قواه ومؤسساته الهرمة في عصر العولمة الذي أسقط الكثير من الحواجز العازلة. تمسك بلافتة عقائدية ومؤسسات حزبية تابعة لم تعد فاعلة في الحياة الوطنية. لم يجدد نفسه ولا استراتيجيته في ظل متغيرات إقليمية ودولية، ولما يزال يقرأ الأزمة على انها اختراق من الخارج للداخل. يبالغ النظام في القدرة على مواجهة هذه التحديات. ويبالغ معارضوه في قدرتهم على إسقاطه من خارج سياق مديد من العنف والتفكك والنزاعات الأهلية. أطاح العنف الإصلاحات السياسية واحتمالات التغيير السلمي الديموقراطي. كما أطاح العنف احتمالات العودة الى سلطة مركزية قوية ومستقرة في ظل هذا الكم من الآلام والدماء. ربما لم يعد من مخرج لهذا المأزق بين الحل الأمني والتغيير السياسي إلا مشروع مصالحة وطنية شاملة لتدارك التداعيات الفتنوية والمزيد من مداخلات الخارج. فهل ينجح الشعب السوري في استيلاد هذا الحل؟!

==============

حماه "ساحة الحرية" العربية !

علي حماده  

النهار

2-8-2011

حصل ما كان متوقعاً، أرسل الرئيس السوري بشار الأسد دباباته لتقتحم حماه في مسعى منه لكسر زخم الثورة السورية العارمة، كما توقعنا منذ البداية لن تتوقف، بل انها توسعت حتى صارت معه التظاهرات المليونية أمراً طبيعياً في حماه أولاً، ثم في دير الزور، في انتظار أن تنضم حلب والعاصمة دمشق. وقد شكلت حماه التي ارتكب الأسد الأب سنة 1982 فيها مجزرة مخيفة ذهب ضحيتها بين عشرين وثلاثين ألف مواطن. وقد دمرت المدينة فوق رؤوس أهلها بحجة الاقتصاص من مجموعات تابعة ل"الاخوان المسلمين" حملوا السلاح بوجه النظام آنذاك. ومن المعلوم أنه يستحيل أن يجد المرء عائلة حموية واحدة لم تصب أقله بفرد من افرادها خلال تلك الحملة الدموية التي قادها حافظ الأسد من اجل الحفاظ على نظامه بأي ثمن. وقد غض العالم الطرف عن المجزرة في زمن الثنائية القطبية. ويومها "سوّق" الأسد الأب المجزرة على أنها لمحاربة التطرف ومر الأمر...

في حماه اليوم شباب يقتلون على يد رجال الرئيس بشار الأسد، مثلما قتل آباؤهم قبل ثلاثة عقود على يد رجال حافظ الأسد، بالرصاص والقذائف التي دفعوا ويدفّعون ثمنها الشعب. وكل ذلك من اجل البقاء بأي وسيلة.

لقد ذهبت الثورة بعيداً، وصار المطلب الأساسي دفن جمهورية حافظ الأسد، بدءاً بإسقاطها بالكامل بمؤسساتها الأمنية المخابراتية، ورموزها السياسيين والأمنيين والماليين، وما عاد من الممكن الذهاب نحو تسوية تبقي النظام حتى بصيغة معدلة مخففة أو مقنعة يسعى اليها بشار الأسد، ويحاول أن يقنع بها المجتمع الدولي في أنه رجل دولة يحاور ويجري اصلاحات في النظام لتأمين انتقال سلس نحو تعددية سياسية معينة. ولكن الواقع على الارض الذي تثبته سياسة دموية منفلتة من عقالها، لا تودي إلا الى مواجهة مفتوحة بين "جمهورية حافظ الأسد" والثورة السورية التي تؤكد في كل يوم ومن خلال التضحيات الجسيمة على حقها في أن تدفع سوريا نحو التغيير الشامل.

لم يعد من مستقبل ممكن لسوريا من دون التغيير الشامل في كل شيء. فما يحكى عن اصلاح بالادوات الموجودة، أي مع استمرار الأسد الابن، ومجموعته، والنظام المخابراتي في الحكم، وبتعديلات طفيفة على الجوهر لا يشكل حلاً للأزمة السورية. وحده تغيير النظام لا تعديله يمثل أملاً في مستقبل واعد لسوريا وشعبها. فإن من يقتل شعبه بالطريقة التي يفعلها رئيس سوريا الحالي لا يمكن ان يكون جزءاً من مستقبلها.

إن المجتمع الدولي مطالب بأن ينزع الشرعية عن النظام في سوريا، من دون انتظار انضمام روسيا والصين. فالاتحاد الأوروبي ومعه الولايات المتحدة قادران على اتخاذ قرار تاريخي بالاعلان عن أن الرئيس الأسد صار غير شرعي بنظر الغرب. هذا الاجراء يفترض أن يستكمل باتصالات جدية مع المعارضة، وتشجيعها ودعمها في الخارج. أما بالنسبة الى العرب فيخطئ من يراهن عليهم.

==============

سوريا ... الأسوأ ما زال أمامنا !

عريب الرنتاوي

 الدستور

2-8-2011

لا ندري كم مرة، ستعلن فيها القيادة السورية عن "تجاوز الأصعب" و"اجتياز المحنة"...لا أدري ما الذي يمنح الناطقين باسمها كل هذه الثقة بأن سوريا ستخرج من أزمتها الراهنة، أقوى بنيةّ وأشدّ صلابة وأمضى عوداً...مع أن الوقائع العنيدة على الأرض، كل الوقائع على الأرض، تقول بخلاف ذلك، وتذهب باتجاه مغاير تماماً لكل هذه التقديرات المتفائلة، حتى لا نقول المُضللة.

كل مرة يتحدث فيها "مسؤول" سوري عن تجاوز الأصعب، نرى سوريا تدخل في "قطوع" أشد صعوبة منه...في كل مرة يتحدثون بها عن اجتياز المحنة، نرى المحنة تتحول إلى فتنة....في كل مرة "يبشرون" فيها بغدٍ سوري أفضل، نخشى على ماضي سوريا وليس على مستقبلها فقط...نخاف على وحدة سوريا وتماسك نسيجها ونتحسّب لاحتمالات انزلاقها للمجهول ووقوعها في أتون اقتتال أهلي، تشير كافة الدلائل إلى أنه بدأ يطل برأسه البشع من زوايا الأزقة والأحياء الضيقة في العديد من المدن السورية.

لم يعد هذا الخطاب، يثير الطمأنينة في النفوس أبداً...بل بات يثير القشعريرة في الأبدان...حتى حديث الإصلاح والتحديث، بات نكتة سمجة، لا تضحك أبداً، وكيف لنا أن نضحك أصلاً، فيما مئات العائلات السورية، تتشح بالسواد، حداداً على أبنائها وبناتها الذين تودعهم يومياً، وبالعشرات...وفيما أنّات مئات الجرحى تصم الآذان وتضرب شغاف القلب، وفيما ألوف المعتقلين، يرزحون خلف قضبان السجون، التي كُتب في وصف وحشيتها، ركام الكتب والقصص والحكايات.

طقس سوريا، ملبّد بالغيوم الداكنة، خصوصا بعد المذبحة في حماة...لا أفق يرتجى لكل الحراك والوعود السياسية التي يطلقها النظام...الشعب ما عاد يشتري هذه البضاعة...فجوة الثقة بين النظام وعامة الناس من الاتساع، بحيث باتت عصية على الردم والتجسير...أين سيجد النظام محاورين ذوي مصداقية، فيما أخبار الاقتحامات والدبابات وسيول الدماء، تغطي صدر الصفحات وتلون الشاشات الفضية...من أين سيأتي النظام، بشركاء يخرج معهم ويخرجون به، من ثنايا المأزق وبطون الأزمة...الوضع في سوريا بلغ في حماة، وبالأمس على وجه الخصوص، نقطة "اللا عودة"، وفي ظني أن المحنة ما زالت أمامنا، والأصعب ما زال بانتظارنا...أمامنا وليس وراءنا.

سوريا تقترب من لحظة الحقيقة والاستحقاق...وهي لحظة لن تنفع معها مهرجانات التأييد ولا مظاهرات "البيعة والولاء" ولا "وفود التضامن" التي أغرقت نظام صدام من قبل، وليس لديها ما يمنع من إغراق نظام الأسد اليوم...هؤلاء أشبعوا "الإمبريالية" ضرباً وفازت ببغداد والبصرة والموصل...وهم سيشبعونها هتافات وصياحا، قبل أن تظفر بدمشق وحمص وحماس واللاذقية وحلب والسويداء ودير الزرو...هؤلاء يريدون جنازة حامية ليشبعوا فيها لطماً...نصائح هؤلاء وعظاتهم، أقبح وأخطر على سوريا، من تهديدات خصومها وافتراءاتهم.

لحظة الحقيقة والاستحقاق تقرع الأبواب بقوة...الجيش بدأ مشوار انقساماته...المدن الكبرى بدأت مسيرة انضمامها ل"الأطراف" بعد أن طال المشهد واستطالت قوافل الضحايا والقرابين...التظاهرات بدأت تجرف في طريقها مئات ألوف المشاركين، بعد أن كانت تقتصر على العشرات والمئات منهم فقط...العالم بدأ يضيق ذرعاً بالنظام، وما عاد أحد – غير وفود التضامن الشعبي إياها – يتحدث عن مؤامرة، أو يبدي قدراً من التسامح أو التفهم حيال ممارسات النظام وأساليبه الوحشية في التعامل مع المتظاهرين.

لحظة الحقيقة والاستحقاق تقرع الأبواب بقوة، وثمة قصص مروّعة عن "توزيع سلاح على الطوائف"...و"قتل على الهوية" و"متاريس" بين الأحياء...و"خطوط تماس" في مناطق التداخل الطائفي والمذهبي...لكأننا نسترجع فصول الحرب الأهلية اللبنانية في بواكيرها، أو لكأن النموذج العراقي، يُعاد إنتاجه، ولكن من دون احتلال أجنبي هذه المرة.

لسنا ندري كيف ستنتهي الأزمة في سوريا، ولا متى...لكن القلق يجتاحنا من مغبة تحوّل سوريا إلى "ليبيا ثانية" أو "عراقٍ ثانٍ"...لا يسكننا اليقين المهيمن– وإن زيفاً وادّعاءً – على خطاب السلطة، كما أننا لسنا واثقين ب"تفاؤلية" الخطاب المعارض...كلاهما مندرج في مشروعه الخاص...كلاهما يقرأ المسألة من زاويته...هذا يتحدث عن ثورة حقيقية – طهرانية – إلى حد كبير، وذاك لا يتحدث إلا عن مؤامرة ومتآمرين...مع أن ما يجري في سوريا، أكثر تعقيداً وأشد هولاً...ما يجري في سوريا، يتهدد وجودها وكيانها ووحدتها وسلامة أهلها، وربما لسنوات وعقود طويلة قادمة.

ها نحن نرى "الكورد" وقد بدأوا يستلهمون نموذج أشقائهم في العراق...ويحاولون فرضه بالقوة والابتزاز على مؤتمرات المعارضة السورية، تماماً مثلما فعلوا في مؤتمرات المعارضة العراقية السابقة لسقوط نظام صدام حسين...ها نحن نرى عشائر سوريا تطالب بنصف مقاعد المؤتمرات المعارضة، توطئة للمطالبة بنصف مقاعد برلمان ما بعد سقوط النظام، ألم تفعل العشائر العراقية شيئاً مماثلاً من قبل ؟...ألم نكتشف فجأة أن العشيرة في العراق، بعد المذهب والطائفة، أشد قوة من الدولة ذاتها ؟...وها نحن نرى السلفية والإخوانية والتحرير والصوفية، نموذجا يكاد يكون حصرياً للتعددية المقبلة على سوريا...ألم ننته في عراق ما بعد صدام حسين بالعشيرة والمذهب، ألم يترك الرجل العراق خاوياً إلا من العشيرة والمسجد والحسينية، بعد أن قضى قضاءً مبرماً على الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني والنخب الحديثة؟

نحن قلقون على سوريا، حاضراً ومستقبلاً...لأننا نحب سوريا ونحب أنفسنا...فمصير هذا المشرق العربي، سيتوقف إلى حد كبير، على الكيفية التي ستؤول إليها الأزمة السورية، وليس ثمة ما يبشر بفرج قريب، أو حلول غير دامية، كان الله في عون إخواننا السوريين وأخواتنا السوريات...كان الله في عوننا جميعاً.

==============

هل تُغيِّر روسيا إيجابيتها حيال الأسد؟

سركيس نعوم  

النهار

2-8-2011

لا تزال العلاقات بين سوريا بشار الاسد والولايات المتحدة قائمة. ولا يزال الاتصال بينهما مستمراً عبر بعثتيهما الديبلوماسيتين الموجودتين واحدة في واشنطن واخرى في دمشق. لكن ذلك على اهميته لم يمنع قياديين سوريين محدودي العدد، بعضهم سابق وبعضهم لا يزال في الخدمة، من محاولة احياء الخطوط غير الرسمية وربما السرية التي كانت قائمة بين الدولتين ايام الرئيس الراحل حافظ الاسد والتي انتهى بعضها بعد سنوات قليلة من خلافة نجله بشار له، والتي كان لها دور اساسي واحياناً مفصلي في الازمات الصعبة التي واجهتها سوريا مع محيطها الاقليمي. وابرز الازمات كان الذي حصل بين سوريا وتركيا والذي انتهى بعد موافقة الاسد الأب على "تسليم" الزعيم الكردي التركي الثائر عبدالله اوج ألان الى تركيا. طبعاً كان يتمنى بعض الذين تم الاتصال بهم من الاميركيين، الذين صاروا متقاعدين من دون ان يفقدوا اهتمامهم بما يجري في سوريا والمنطقة ومتابعتهم له، التجاوب على الاقل لمعرفة ماذا يجري على الارض، وما الذي يجري داخل النظام، وما هي القوى الفعلية الحاكمة داخله، ومن هم اعضاء الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس بشار، ومن هو صاحب القرار الرسمي النهائي في سوريا. لكن ترجمة التمني المذكور كانت مستحيلة لأسباب عدة منها عدم موافقة الادارة وحرصها على استعمال خط رسمي واحد مع نظام الاسد تلافيا لاعطائه آمالاً زائفة او أوهاماً بالقدرة على اللعب على الخطوط الاميركية. ومنها ايضاً معرفة اصحاب التمني نفسه ان بعض المتصلين لإحياء "الاتصال" او "الخط" كان من المدرجة اسماؤهم على اللوائح "العقابية" الاميركية، اذا جاز التعبير على هذا النحو.

هل يعني ذلك ان سوريا الاسد محشورة وتحاول معرفة الآفاق والحلول على نحو غير مباشر قبل اتخاذ موقف نهائي ايجابي او سلبي منها؟ لا يمتلك الاميركيون المعنيون اعلاه جواباً عن ذلك. لكن احدهم الخبير جداً في هذه "السوريا" منذ تأسيسها والى ما قبل سنوات قليلة والعارف العربية على نحو جيد قال: المثل العربي يقول "إن من يفلِّس يبحث عن دفاتره العتيقة او يفتش فيها". فهل وصل النظام السوري الى حال افلاسية ام لا يزال قادراً على تعويم نفسه؟ والجواب الصادق عن ذلك هو انهم عندما تحدثوا عن الاتصالات وعندما سرد احدهم المثل المذكور، وكان ذلك في العشر الاول من شهر حزيران الماضي، كان لا يزال هناك امل في "حل سلمي" للمحنة السورية يقوم على مباشرة النظام اصلاحا فورياً وعميقاً يقنع الناس بالخروج من الشارع، اي باعطائه فرصة. اما الآن، وبعد الذي حصل قبل يومين في حماه، فان احداً لم يعد واثقاً بوجود هذا الامل.

هل يدفع ذلك المجتمع الدولي الى "إحياء" فكرة اصدار مجلس الامن قراراً ضد نظام الاسد، احبطتها في حينه اي قبل اسابيع روسيا الاتحادية والصين الشعبية رغم محاولات الاميركيين والاوروبيين اقناعهما بذلك؟

الجواب، كما يقدمه متابعون اميركيون للأوضاع في سوريا والمنطقة، يرى أملاً في توصل الروس والاميركيين الى توافق حول هذا الموضوع، اذ حصل في آخر محادثات بين الرئيسين اوباما وميدفيديف توافق على موضوع ليبيا كان جوهره ضرورة تنحّي معمر القذافي، وعلى اعطاء وقت لموسكو للعمل على هذا الامر، وعلى التصعيد ضده اذا رفض "العروض". اما في الموضوع السوري، فقد طلب ميدفيديف ابطاء حركة مجلس الامن الرامية الى نزع شرعية نظام الاسد. وابلغ الى اوباما انه على اتصال مع بشار وانه ابلغ اليه ضرورة وقف القمع والبدء في الاصلاح واجراء انتخابات. كما توافق الرئيسان على ان دور سوريا الاقليمي محوري وان انهيار نظامها سيتسبب بتداعيها وانفراطها. وهذا امر لم يحصل في مصر لأن جيشها كان محايداً ومستقلاً رغم عمله مع مبارك فأوجد مخرجاً لانتصار الثوار. اما في سوريا، فإن النظام والجيش والامن واحد، وهذا يعني عدم وجود فريق قوي "وطني" عسكري – امني قادر على قيادة مرحلة انتقالية. ويعني ايضاً ان الإنهيار والإنفراط لا بد ان يؤثرا في جوار سوريا (تركيا – لبنان – العراق – اسرائيل – ايران...). وفي الحديث الاخير المشار اليه اعلاه اتفق الزعيمان الاميركي والروسي على اعطاء الاسد وقتاً وعلى انه لا يمكن ان يكون إلا محدوداً، ذلك ان تداعيات تزايد عدد القتلى ستصعِّب موقف الحكم في تركيا وروسيا.

لكن السؤال الذي تثيره هذه المعلومات كلها هو هل انتهى "الوقت" الذي مُنِح للاسد؟ اولا، يجيب المتابعون، لا بد من التوضيح ان تاريخ المعلومات يزيد عن الشهرين. وثانياً، ان الاسد تبنى خيار القمع والحسم وتخلى عن الاصلاح. وثالثا، ان المجتمع الدولي بدأ بدعوة مجلس الامن الى التحرّك، فهل يتحرّك بموافقة الخمسة الكبار؟

==============

هكذا هو رمضان الطغاة وأعوانهم!

الإثنين، 01 آب 2011 22:42 

بسام ناصر

السبيل

تناقلت وكالة الأنباء أخبار قيام الجيش السوري بارتكاب مجزرة فظيعة في حماة، حيث تم اقتحامها بالدبابات، وقتل ما يزيد على مئة شخص، وأشارت تقارير صحفية إلى أن اقتحام حماة جاء بعد شهر من محاصرتها، وفي أعقاب تظاهرات ضخمة ضد الأسد.

وفي وقت مبكر، قال شاهد لرويترز عبر الهاتف -وأصوات إطلاق نيران الأسلحة الآلية تدوي في الخلفية-: "إن الدبابات تهاجم من أربعة اتجاهات، إنهم يطلقون نيران أسلحتهم الآلية الثقيلة بشكل عشوائي ويجتاحون حواجز طرق مؤقتة أقامها السكان".

لم يكن مفاجئا كل ما قام ويقوم به الجيش السوري، وكذلك ما قامت وتقوم به عصابات الأمن والشبيحة، فكل ذلك متوقع لا غرابة فيه، فطبيعة النظام السوري بوليسية قمعية بامتياز، وهو صاحب السوابق المخزية في القمع والقتل وإذلال مواطنيه، ولئن استطاع أن يلعب على ورقة المقاومة والممانعة عقودا من الزمن، فإن أحداث الثورة الشعبية المباركة، قد كشفت أوراق النظام كاملة، وجعلته يقف عاريا بلا ساتر يستر عورته، لم يعد لأحد عذر يتعلل به في دعم وتأييد النظام الوالغ في دماء شعبه، فورقة المقاومة والممانعة قد سقطت، وظهر النظام على صورته الحقيقية بلا أقنعة ولا سواتر، لم يبق ممن يدافع عن ذلك النظام إلا المنتفعون من بقائه، أولئك الذين عاشوا على موائده، فهبوا لنصرته والتضامن معه.

ما كان صادما بحق هو موقف علماء وفقهاء لهم أسماؤهم المشهورة، ولهم جهودهم العلمية المميزة، قد تعلق الناس بهم، واقتنوا كتبهم وانتفعوا بها، يقف على رأس أولئك العلماء الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، فهذا الرجل قد سقط سقوطا ذريعا، ويبدو أنه سينهي حياته بما هو مخز ومزر، فمسلسل سقوطه لا ينتهي ولا يقف عند حد، فالرجل قد جند نفسه للدفاع عن النظام، واختار السبيل الذي يكون فيه ردءا وظهيرا للمجرمين الظالمين.

كان ينبغي لمثل الدكتور البوطي، في علمه وورعه ودينه أن يتنزه عن مثل تلك المواقف المؤسفة، وأن لا يتورط بمثل تلك التصريحات والفتاوى المخزية، فالعالم الرباني إن لم يظهر بعلمه وورعه في مثل هذه المواقف فمتى يكون الظهور إذن؟ هل يسع عالما مثل العلامة البوطي السكوت في مقام يجب فيه البيان، ويتحتم معه الصدع بكلمة الحق؟ أليس هو من يدرس الناس ويرشدهم إلى أن الله جل في علاه، هو من بيده مقاليد السموات والأرض، وأن أقدار الخلق بتقديره هو سبحانه، وما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، هل كل ذلك التراث من التدريس في التزكية والتربية، وتهذيب الأخلاق لا يعدو أن يكون كلاما في كلام، ثم تأتي وقائع الأحوال لتنسف ذلك نسفا، يا حسرة على العلم والعلماء، حينما يتدنسون بتأييد الطغاة الظالمين، ويجندون أنفسهم للدفاع عن جرائمهم.

آخر مصائب الدكتور البوطي، فيما تناقلته مواقع عديدة (والعهدة على الناقل)، ما جاء على لسانه في ندوة، عقدت في المركز الثقافي بمدينة طرطوس، يوم السبت (30/7)، حضرها وزير الأوقاف السوري، يقول: "استطعت أن أحصل على كثير من الوثائق والتقارير التي تفيد بأن أعداء أمتنا لا يريدون الخير المادي لنا، ولا حتى ازدهار حضارتنا ولا ينتمون لأي قيم إنسانية سليمة، إنهم يخافون على حضارتهم إذا ازدهرت حضارتنا، ومن هنا نراهم يبذلون ما بوسعهم للقضاء على الحضارة الإسلامية".

يتابع الشيخ البوطي  بحسب ما نقل عنه: " الأحداث التي شهدتها البلاد ليست حركة إصلاحية إنما هي فئة تريد القضاء على سورية، وجعلها دولة مشلولة لا تقدر على الحراك في سبيل المقاومة، ومن هنا رأينا تغير الشعارات التي كان يريدها هؤلاء من الإصلاح وعندما تحقق هذا الإصلاح تحولوا إلى الحرية، ومن ثم إلى إسقاط النظام مضيفا أن هؤلاء يريدون إسقاط الإسلام بناء على أوامر وجهها إليهم الخارجون على القانون والدين"، وأكمل: "بعد أن حاورت بعض هؤلاء الذين يطالبون بإسقاط النظام... انتم لا تطالبون بإسقاط النظام إنما بإسقاط الإسلام، وإن ما تفعلونه ليس إلا تحقيقا لأمر صدر من الخارج ومن (برنار ليفي) الصهيوني".

عجيب أمر الشيخ البوطي، فما علاقة أعداء أمتنا بالاحتجاجات السلمية المشتعلة في سورية؟ كيف يقبل لنفسه أن يكون أداة رخيصة من أدوات السلطة لترويج روايتها المتهافتة الساقطة؟ هل تخفى حقيقة الأحداث عن البوطي، وتقدم له صورة مفبركة فيصدق الرجل ما يقال له؟ هل تخونه قدراته ومعرفته الواسعة عن تصور ما يجري على حقيقته وفي سياقاته الطبيعة، الذي لا يخرج عن كونه ثورة شعب، وانتفاضة أحرار، هبوا بعزيمة ماضية لانتزاع حقهم في الحياة الكريمة بحرية وكرامة.

أما داهية الدواهي في كلام الشيخ -وليت النقل عنه لا يكون صحيحا- فتلك العبارة الموحشة القلقة المتمثلة بربط المطالبة بإسقاط النظام بإسقاط الإسلام!! هكذا مرة واحدة، هل بلغ الخرف بالشيخ هذا المبلغ السيئ؟ إن كان الأمر كذلك فهو حري بأن يحجر عليه، حتى لا يقدم في قابل الأيام على ما هو أشد قبحا وسوءا؟

==============

سورية والنفق المظلم

د. محمد صالح المسفر

2011-08-01

القدس العربي

 (1) خمسة اشهر مضت وسورية الحبيبة تعيش اسوأ مراحل حياتها منذ عهد الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، انها تسير في نفق مظلم. الشعب السوري يريد العزة والكرامة وهو يستحقها بجدارة، انه يريد يريد الحرية في القول والعمل من اجل سورية القوية العزيزة، انه يرفض الذل والاذلال من اي قوة في الارض، الشعب السوري العظيم قاوم كل جحافل الغزاة والطغاة عبر التاريخ وانتصر.

اليوم المعركة في سورية الحبيبة ليست كالمعارك التاريخية التى خاضها الشعب السوري، معركة اليوم هي مع نظام سياسي سوري طغى وتجبر على مدى اربعين عاما ونيف. مطالب الشعب في مطلع حركته الحالية هي الاصلاح وشعار ردده الثوار 'الشعب لا يذل'، كانت مطالبة متواضعة لا للاذلال، والقهر، والاستبداد، والفساد والمحسوبية، نريد العزة والكرامة، لكن الرسالة لم تصل الى اذان الرئيس بشار الاسد الا عبر 'فلاتر' اي عبر اجهزة الامن الرهيبة.

النظام الحاكم في دمشق صعد مواجهته منذ اللحظة الاولى في مدينة درعا ضد المدنيين العزل وانزل الجيش بقوته العسكرية المخيفة وجنوده بلباس ميداني وكأنهم متجهون لتحرير الجولان من الاحتلال الاسرائيلي. جنود او مجندون (شبيحة) يمتطون ظهور مواطنين قيدت ايديهم وبطحوا ارضا، رقص هؤلاء (الشبيحة) على ظهور الرجال وركلت رؤوسهم باحذية الشبيحة (البسطار الصلب وكأنهم يركلون كرة قدم. في مقابل تصعيد النظام لقمع المواطنين بالقوة المسلحة المطالبين بالاصلاح والكرامة والحرية. صعد المواطنون مطالبهم باسقاط النظام، وامتدت الثورة المطالبة باسقاط النظام لتشمل كل الارياف والمدن السورية من انطاكية شمالا مرورا بمدن الساحل والوسط حتى محافظة درعا في الجنوب، ومع بعد الشبه يذكرنا هذا الموقف بموقف الشعب السوري من اغتصاب السلطة في دمشق من قبل االجنرال الفرنسي هنري غور ومقاومتهم له رغم بطشه الشديد بالشعب.

يقيني بان القيادة السورية الماسكة بزمام السلطة لم تقرأ تاريخ الشعب السوري ومقاوماته لكل اصناف الاستبداد والظلم، لم يعتبروا من حملة الجنرال الفرنسي هنري غور وسياساته التي أعتقد انه بمجرد احتلاله لدمشق فانه سيسيطر على كل بلاد الشام. تداعى الشعب السوري لنجدة دمشق فهبت الثورة من حوران لنصر مقاومة دمشق للاحتلال الفرنسي وهتف اهل حوران كلهم 'حوران هلت البشائر' وتنادت مدن الشام من انطاكية الى الفرات والجزيرة امتدادا الى دير الزور والحسكة والقامشلي وحمص الى جسر الشغور الى ادلب وكل مدن الساحل والى درعا الى كل مكان في سورية وانتصر الشعب السوري في مقاومته للاحتلال. تاريخ سورية كله عبر لمن يعتبر فهل آن للرئيس بشار الاسد ان يعتبر؟

(2)

قلنا كغيرنا من شرفاء هذه الامة ونقول لكل الحكام العرب ان الحلول الامنية لمواجهة مطالب الشعب لن يكتب لها النجاح مهما طغت وتجبرت تلك الانظمة. الشعب ركن من اركان الدولة اذا اختل توازنه انهارت الدولة، الحكم اداة لتحقيق الانسجام الاجتماعي بين افراد الشعب متفق على ادارته بعقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم فاذا دب الفساد والاستبداد وانتشر الظلم وانعدمت العدالة انهار الحكم لكن الدولة والشعب لا يمكن ازالتهما او تبديلهما، الحكومات مستقبلها وبقاؤها مرتبط برضا الشعب عليها فاذا رفضها الشعب فلا عاصم لها من غضبه وستسقط وستلاحقها لعنة التاريخ طالما بقي الانسان.

( 3)

في مطلع الاسبوع الحالي اجتاح الجيش السوري مدنا مثل حماة وقرى وارياف سورية لاخضاع الشعب لارادة السلطة الحاكمة في دمشق وكأن النظام السياسي في دمشق في سباق مع الزمن باستخدام القوة المسلحة لانها ثورة الشعب السوري السلمية المطالبة بسقوط النظام قبل دخول شهر رمضان المبارك، ارتفع عدد القتلى لاكثر من 140 انسانا وتزايد ت اعداد الجرحى بعضهم جراحة خطيرة كما تؤكد وكالات الانباء المختلفة ولعل هناك جنودا سقطوا في هذه الحرب اللا اخلاقية بدلا من سقوطهم على سفوح الجولان وقممه المحتلة منذ عام 1967. النظام السياسي يقول ان هناك قوى مسلحة وايادي اجنبية تريد الحاق الهزيمة بسورية دولة التصدي والمقاومة والممانعة وعلى الحكومة السورية ان تحمي الوطن والمواطن من المؤامرات الاجنبية والعملاء والخونة. ونحن نؤيدها في ذلك ونشد من ازرها ونعينها للتصدي لهم. لكن اليس اقصر الطرق لحماية الوطن والمواطن في سورية وغيرها هي احلال العدل والمساواة والقضاء على الفساد والمفسدين وتسييد مبدأ حرية التعبير وتداول السلطة بالطرق الديمقراطية وايجاد دستور متفق عليه ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم؟ اليس اقصر الطرق واسلمها لحماية الوطن والمواطن هو الاستجابة لمطالب السشعب وتحقيق الانسجام الاجتماعي بين مكوناته في جو من الحرية والامن الجماعي؟

اخر القول: نؤكد ان الاجراءات الامنية وسن قوانين حمالة اوجه لا تحمي نظاما ولا تحقق له الاستقرار. لكن اعان الله امتنا العربية على امورها.

==============

تركيا: التخبط في المسألة السورية!

ميشيل كيلو

2011-08-01

القدس العربي

 لم تكن موجة الغضب التي انتابت السياسة التركية بعد انقضاء فترة قصيرة من انفجار التمرد الاجتماعي / السياسي السوري ابنة أي سوء فهم، بل كانت فرصة أفصح الأتراك من خلالها عن مواقف ومطالب جديدة تتفق مع المرحلة الراهنة من التطور، وجهوها إلى النظام السوري، الذي كان قد سارع إلى الارتماء عليهم، وفي ظنه أنه يوازن بقربهم وحجم دولتهم وطموحاتها ودورها علاقاته مع إيران وضغوط سياساتها المتطرفة والمتقلبة عليه وعلى أدواره ومواقعه في لبنان وفلسطين والعراق، ويصل عبر أبواب الجار القريب والمتفهم إلى امريكا، التي يعرف وزنها المحلي والإقليمي والدولي، ويؤمن أنها قوة حسم حقيقية أو محتملة، على العكس من أوروبا، التي لا تستطيع أن تكون قوة ضاغطة عليه، ويمكنه استعمالها كورقة ضغط على امريكا، وإن كانت محدودة النتائج والفاعلية وقليلة القيمة على الصعيد الاستراتيجي، بعد أن أخذ الأمريكيون معظم مناطق شرقي المتوسط، وحولوا إسرائيل إلى مركز رقابة متقدم وضارب فيه.

غضب الأتراك، وأعلنوا رغبتهم في إعادة تحديد علاقاتهم مع دمشق من خلال تبني مطالب التمرد عليها، وفي يقينهم أن هذا سيكفل لهم موقع قوة حيال الحليف، الذي كان مقربا جدا إلى ما قبل أسابيع قليلة، يرجح كثيرا أن ينجح في دفعه إلى ترجيح علاقاته معهم على أية علاقات له مع غيره، وخاصة إيران، التي كانت قد أعلنت من جانبها دعم النظام وأدانت الحراك الشعبي، الذي رأت فيه 'أياد إسرائيلية وأميركية واضحة'، حسب رؤية على خامنئي. ردا على هذا الوضع الذي كانوا يمارسون قبل 15 آذار، يوم الانفجار الشعبي في درعا، سياسة السكوت عليه، ويقومون بمحاولات لتغييره، جدد الأتراك بقوة سياسة كسر التوازن، من خلال تصعيد تأييدهم للتمرد المجتمعي المتعاظم الانتشار والتنظيم، فأعلنوا أن أبناء الشعب السوري أخوة لهم، وقالوا إنهم لن يسمحوا باستمرار العنف ضدهم وطالبوا بإصلاح أحوالهم والتجاوب الإيجابي مع رغباتهم، ثم ألمحوا إلى أن جيشهم يراقب وضع سورية عن كثب، وأن وحدات منه قد تنتشر قرب حدود تركيا الجنوبية، وأنهم سيرسلون خبراء في الإصلاح لإرشاد 'الأصدقاء والأخوة' في دمشق إلى سبل الخروج من مأزقهم، بل وحددوا نمط الإصلاح المطلوب، حين قال رئيس وزرائهم السيد رجب طيب أردوغان إن على الرئيس الأسد التخلي عن بعض صلاحياته، وأضاف أن تركيا تريد نظاما برلمانيا حرا، وتعددية حزبية وإعلاما خاصا وغير موجه، فكأنه كان يطالب الأسد بتفكيك نظامه بيده. قال الأتراك هذا، بينما كان 'الحل الأمني' ينطلق في سورية ويفرض نفسه حلا وحيدا في وجه أي حل أو مخرج سياسي، مرجحا كفة العلاقة مع إيران، نصيرة الحل العنيف، على العلاقة مع أنقرة، التي تبنت سياسة متوترة وذات أهداف طموحة، لكنها افتقرت إلى الوسائل الضرورية لتحقيق ما تروم.

بعد فترة من التهويل والتصريحات المتلاحقة، أوهمت قطاعا واسعا من الشعب السوري أن تركيا ستسارع إلى نجدته، خفت الصوت التركي تدريجيا، وتبين أن مطالبه كانت تتأرجح بين حدين:

- الوصول إلى حل سريع للوضع السوري، ما دام تفاقمه وتوسعه وانقلابه إلى اقتتال طائفي، على حد قول اردوغان، سينعكس سلبا على الأوضاع التركية الداخلية، حيث توجد تكوينات مجتمعية (أو بالأحرى ما قبل مجتمعية) تشبه ما هو موجود منها في سورية (أقليات طائفية وإثنية ناقمة ومسلحة)، قد تنجر إلى وضع يشبه وضع مثيلاتها في سورية. هذه المخاوف الداخلية الصرف جعلت السياسة التركية تطالب بحل سريع للمشكلة السورية حاولت اسطنبول أول الأمر بلوغه عن طريق الضغط بالتمرد على أهل الحكم، وحين رأت ما لديهم من قدرات عسكرية / أمنية، وفهمت معنى ما اتخذوه من قرارات لإخماد الحراك الشعبي، عادت إلى موقف يقع وراء موقفها الذي سبق الانفجار السوري : إلى علاقات تتسم بالجفاء والشك، وبدأت تنتظر التطورات أكثر مما تؤثر فيها أو تحددها، ثم ركزت جهدها على ضبط وضعها الداخلي، لاعتقادها أن الحالة السورية ستستمر لفترة غير قصيرة، وأن عجزها عن التأثير فيها قد يزداد بدل أن يتناقص. إلى هذا، ربما تكون اسطنبول قد فهمت بدورها أبعاد العلاقات السورية مع طهران، وكم هي كبيرة أبعادها الداخلية المتبادلة والمؤثرة على دمشق. فهم السوريون العاديون الآن أن تركيا لم تكن ضد الحل الأمني، بل تخوفت من نتائجه عليها وقد تكون طالبت بحسم سريع عنيف، فأصابتهم خيبة من الأخوة على البوسفور لا تقل عن خيبتهم في أوروبا وامريكا، وتكاد تقترب من خيبتهم في إخوتهم العرب.

- إشراك إسلاميين في السلطة السورية الجديدة، التي اعتقدوا أنها ستقوم في فترة غير طويلة، نتيجة للتمرد ولضغوطهم المكثفة على دمشق، والإصلاح الذي قالوا إنهم وعدوا بتحقيقه. خطط الأتراك لامتلاك ضمانة داخل السياسة وربما السلطة السورية تكفل تفوقهم على إيران وأنصارها في حكم دمشق، ستزيد فرص إجباره على السير معهم، حتى لا أقول في ركابهم، فتنتهي علاقاته الخاصة مع طهران، وتخرج اسطنبول بغنيمة مزدوجة: سورية، وامتنان امريكا، التي سترى فيها سيدة الشرق وقوة حسم حققت إنجازا عجزت هي نفسها عن تحقيقه : طرد إيران من سورية، وإضعاف وجودها في لبنان، وتجفيف منابع قوة حزب الله، والتعامل مع إسرائيل من موقع قوة، استباقا لعودة مصر إلى العالم العربي وما سيرافقها من صراعات إقليمية ومحلية معقدة، وما سيترتب عليها من نتائج انقلابية بكل معنى الكلمة. رأى الأتراك أن سورية ستصاب بضعف حقيقي بعد خروج إيران من العالم العربي، وأن حكامها سيرحبون بحلولهم محلها، بالتفاهم مع مصر على الأرجح، لان في ذلك مصلحة لهم، خاصة إن كانوا يريدون حقا استعادة الجولان، ويتطلعون إلى استقرار إقليمي يقبلون معه إنهاء دور تدخلي في شؤون جيرانهم العرب سبب لهم مشكلات متجددة مع معظم دول العالم.

لم ينجح رهان تركيا الثاني، حتى أن النظام السوري لم يبد إلى اليوم استعداده للتصالح مع الأخوان المسلمين، أو للسماح لهم بالعودة إلى دمشق. هكذا فشل أحمد داوود أوغلو، وزير الخارجية الأريب وعالم السياسة اللبيب، في تحقيق سياسة صفرية المشاكل مع الجوار، وأعاد بلاده إلى نقطة تكاد تكون صفرية فعلا في علاقاتها مع دمشق، التي اعتقد خطأ أنها ستقبل ما يطلبه منها، تحت ضغط وضعها الحرج والمتعاظم الصعوبة، الذي يضعها في سياق يتعارض جذريا مع تطورات المنطقة، ويفرض عليها إعادة نظر شاملة في أوضاعها وخياراتها انطلاقا من أحوال واعتبارات داخلية كثيرا ما أهملتها، بما أنها كانت تنتج شرعيتها انطلاقا من دورها الخارجي، فإذا بالمواجهة الدامية مع شعبها، الذي يطالبها بإعادة نظر جدية فيها، وبإصلاح يطاول جميع جوانبها، تقلب الوضع رأسا على عقب، وقد تؤدي عمليا إلى تغيير نظامها.

انكفأت تركيا على نفسها، رغم تصاعد التمرد الشعبي السوري، فكأنها تريد امتصاص فشل تسرعها السياسي وتخطيطها المرتجل. واليوم، وبعد أن اقترب العسكر السوري من حدودها، وتوسع الصراع الداخلي وبدأ يأخذ أشكالا تفتيتية وتمزيقية، تبدو أنقرة وكأنها فقدت لسانها وعزيمتها، وشرع ينتظر مشدوها ما سيحدث، وقد بان له كم كانت قدراته وطاقاته أقل من طموحاته، وكم كانت وهمية تلك النزعة النظرية لسياستها الخارجية، التي عجزت عن الفعل في واقع سوري بدأت تتعامل معه بصخب شديد وتعال، ثم أخذت تصمت عنه إلى أن أصيبت بخرس كامل وشلل معطل، مع أن أيا من هدفيها لم يتحقق، فلا الحل الأمني نجح في وقف التمرد ولا الإسلاميون عادوا إلى دمشق أو شاركوا في حكمها فرادى كانوا أم جماعات. وفي حين أثبتت طهران أنها حليف موثوق للنظام، تبدو تركيا، بعد تبنيها سياسة أقرب إلى الحياد السلبي، دولة حائرة، يغلط من يعلق آماله عليها، لأنها لم تعرف كيف تصل إلى ما تريد!.

' كاتب وسياسي من سورية

==============

في مخالفة الطائفية السورية وما يُبنى عليها

الثلاثاء, 02 أغسطس 2011

عمر قدور *

الحياة

ليست الحساسيات الطائفية في سورية بالأمر الجديد، وليست أيضاً بالخطر الداهم الذي يهدد وجود الكيان السوري أو وجود واحد من مكوناته. الجديد هو طرح هذه المسألة من جانب الحكم الذي دأب سابقاً على إنكار أي وجود للحساسية الطائفية، وكانت تهمة «إثارة النعرات والوهن بين عناصر الأمة» تتربص بمن يشير ولو عن حسن نية إلى مكونات المجتمع السوري. المسألة الطائفية في سورية، إن جاز هذا التعبير، هي في منزلة بين منزلتين؛ فلا هي بالوضع الذي يمكن التقليل من شأنه أو تجاهله، ولا هي بالوضع المهيأ للتكريس سياسياً على الطريقة اللبنانية أو العراقية. بين هذين الحدين قد تكون مناقشة الشأن الطائفي السوري السبيلَ الأنجع ليأخذ حجمه الواقعي، فلا يقع في فخ اصطناع الطائفية السياسية أو في فخ استعارات خارجية تودي به إلى نتائج معروفة سلفاً.

لن يكون مفيداً أن نسترجع عهد النضال الوطني ضد الاستعمار للتدليل على وحدة المجتمع السوري بكل طوائفه، فهو زمن مختلف كلياً عن زمن الاستقلال، على رغم ذلك لا بأس بالإشارة إلى أن واحداً من أسباب الوضع الطائفي يعود إلى أيام السلطنة العثمانية، وهذا ما تشترك فيه سورية مع سواها من بلاد خضعت للحكم العثماني؛ فالخلافة العثمانية ذات المذهب الرسمي السنّي عملت خلال حكمها على إقصاء الطوائف الأخرى، و «الأقليات» عموماً، عن المركز المديني الذي هو في الوقت نفسه المركز الإداري والاقتصادي، مع الأخذ في الحسبان انتماء السلطنة إلى مفاهيم الإمبراطوريات القديمة لا إلى مفهوم الدولة المعاصرة. لقد أدى الحكم العثماني المديد إلى استقرار «الأقليات» في الأرياف والجبال، من دون أن يعني ذلك اقتصار سكان الريف عليها، لكن هذه القسمة لن تكون بلا أثر كما سنرى لاحقاً.

في واحد من جوانبها التبست الحساسية الطائفية السورية بالحساسية المعهودة بين أبناء الريف والمدينة، وحيثما كانت المدينة وريفها منطقة احتكاك طائفي اندرجت الرمزيات المذهبية في هذه الحساسية، أو طغت عليها، من دون انتباه إلى وجود الحساسية ذاتها بين أبناء المدينة وريفها في مناطق ذات نسيج مذهبي متجانس كما في دمشق وحلب. بل إن غلبة التمايز الطائفي في مناطق الاحتكاك أدت أحياناً إلى طغيان الجزء على الكل، فصار لكلمة «ريفي» لدى البعض معنى الإهانة التي تُوجه إلى العلوي حصراً، متناسين في ذلك أن الغالبية الساحقة من السوريين تنحدر من أصول ريفية سواء كانوا سنّة أو علويين أو غير ذلك من المذاهب والأديان.

التحول الكبير حدث مع ستينات القرن الماضي وسبعيناته متزامناً مع انقلاب البعث وتسلمه السلطة، حينها تدفقت موجات هائلة من الريفيين الآتين إلى المدينة لاعتبارات تتعلق بحوافز الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي. لم تكن المدن السورية مهيأة لاستيعاب هذا الحجم من «الغزاة» الريفيين، فضلاً عن استقوائهم بالسلطة الجديدة، وينبغي ألا يغيب عن بالنا أن البعث الحاكم استمد جلّ شعبيته من الريف السوري، مرة أخرى؛ الريف السوري بكل مذاهبه بما فيها السنّة. إن النظر إلى الوافدين من أبناء الريف كغزاة شائع في كل المدن السورية، لكنه يكتسب حدة إضافية مع وجود الفوارق المذهبية، ومن ثم مع الفوارق الاقتصادية التي سلكت مساراً انتقائياً قاطرتُه الفساد.

كما هو معلوم، لم ترسخ سلطة البعث مفهوم الدولة، فعلى الصعيد الأيديولوجي كانت سورية وطناً انتقالياً بانتظار دولة الوحدة، وعلى الصعيد الواقعي كان ترسيخ الفوارق الاجتماعية وتحويلها إلى انقسامات ضمانةً لرسوخ الاستبداد، ومع الوقت اضمحل البعد الأيديولوجي للسلطة ليفسح المجال واسعاً أمام روابط ما قبل الدولة. ومرة أخرى تلتبس الحساسية الطائفية بتخلف السلطة نفسها، فتبدو السلطة طائفية من دون أن تكون كذلك حقاً، أو من دون أن تكون كذلك دائماً. فالنمط الذي هيمن على السلطة هو نمط المحسوبيات وعلاقات القرابة، ولعل هذا التوصيف يضع المظهر الطائفي في إطار أقرب إلى الواقع، إذ تحولت مؤسسات الدولة إلى نوع من الإقطاعات يهيمن عليها متنفذون يوظفون أقاربهم خارج كل معايير الكفاءة، وبما أن نسبة معتبرة من أصحاب القرار تنتمي إلى طائفة معينة فقد تغلبت شبهة الطائفية على ما عداها من عوامل الفساد والتخلف، لكن التدقيق بالأمر يفيدنا بأن بعض أغلب المؤسسات اتخذت طابعاً عائلياً أو مناطقياً يتعلق بالمسؤول عن المؤسسة بصرف النظر عن طائفته.

يعرف كثيرون من السوريين أن توزيع مغانم السلطة يتم على قاعدة الولاء لا على أسس طائفية، ولا تزال هناك نسبة كبيرة من الريف المحروم الذي يقطنه العلويون أسوة بالأرياف الفقيرة التي يقطنها السنّة، ومن الشائع أن نرى مزرعة فارهة لمسؤول كبير تتمتع بكل الخدمات الحديثة بجانب قريته التي بقيت تفتقر إليها. ومن المعلوم أن السلطة في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته لم تحابِ المعارضين لها من أبناء الطائفة العلوية، وأعداد المعتقلين السابقين من أبناء الطائفة أكبر من أن تُحصى، أي أن الثواب والعقاب مرتبطان بالولاء قبل كل شيء. قد يختلف الأمر قليلاً في أثناء الانتفاضة الحالية، فالأجهزة الأمنية تحاشت بمكر اعتقال شخصيات علوية معارضة معروفة لتبقي على الصورة التي تحاول ترويجها عن طائفية الانتفاضة، مع الإشارة إلى تعرض هذه الشخصيات إلى أنواع من التشهير والإساءة والبلطجة لا تقل عن الاعتقال.

ما سبق لا يرمي إلى تنزيه السوريين جميعاً عن النزوع الطائفي المبني على أسباب مذهبية فقط، فلا شك في وجود نسبة ضئيلة من الطائفيين في جميع الطوائف، ولا شك في أن الشحن الطائفي المنظم الذي ابتغى محاصرة الانتفاضة قد أثر غرائزياً في البعض، وطغى أحياناً على الحوار العقلاني الهادئ، لكن ذلك كله يبقى في مرتبة لا تصل إلى ما يُلوَّح به من خطر نزاع طائفي شامل أو حرب أهلية. إن جزءاً من ملامح الطائفية السورية تسبب به التأويل السطحي لظواهر عامة غير مذهبية لا تختص بها سورية وحدها، ساهم في ذلك إنكار وجودها أصلاً، ومهما قلنا عن مسؤولية الحكم في خلق المشكلة، فهذا أدعى لأن يتحمل المجتمع مسؤولياته تجاه نفسه فلا ينزلق إلى ما يُخطط له. في طريقهم إلى المستقبل الذي ينادون به يجدر بالسوريين ملاحظة أن الطائفية تتنافى مع الخيار الحر لكل فرد، وأن الديموقراطية تتنافى مع تهميش أي مكون اجتماعي أو ثقافي، ومن المؤسف أن هذا النقاش يختزل سورية بسنّة وعلويين فيغيّب وجود الطوائف المسيحية والدروز والإسماعيليين والأكراد؛ بمعنى أنه يغيّب صورة سورية أيضاً.

==============

سورية: الفصل الأخير من «المؤامرة»

الثلاثاء, 02 أغسطس 2011

الياس حرفوش

الحياة

منذ بداية الانتفاضة في سورية، قبل اربعة اشهر ونصف الشهر، تراوح قرار النظام السوري في وصف ما يجري، وبالتالي في معالجته، بين الحديث عن «المؤامرة» التي يتعرض لها البلد من جهة، كونه ركناً من اركان «الممانعة» في المنطقة، والحديث عن ضرورة الاصلاح، لتلبية مطالب المحتجّين من جهة اخرى. ووصلت وعود الاصلاح الى حد اعلان الرغبة في وضع دستور جديد وقانون تعددي للاحزاب والغاء المادة الثامنة من الدستور التي تعطي حزب البعث حق «قيادة الدولة والمجتمع».

بعد المجزرة الاخيرة التي ارتُكبت في حماه، يبدو أن هذه المراوحة في وصف ما يجري وفي معالجته قد حُسمت، وان خيار مواجهة «المؤامرة» المزعومة هو الذي قرر النظام السوري اعتماده، مع ما يطرحه ذلك من تساؤلات عن مدى جدية الوعود والمشاريع «الاصلاحية»، وعن مصير مؤتمرات الحوار واللقاءات التشاورية، وكذلك عن قدرة النظام السوري على معاودة حياة طبيعية مع شعبه، كتلك التي تقوم عادة بين الحكّام والمحكومين، من دون أن تستند الى اسلوب القمع والترهيب وحده، وخصوصاً بعد أن اختار هذا النظام سلوك طريق الحل الامني.

يعزز هذا الاستنتاج ما هيأ له مسؤولون سوريون قبل حلول شهر رمضان، من ان الازمة في سورية «ولّت الى غير رجعة، وان شهر رمضان الكريم سيكون بداية النهاية»، كما جاء على لسان وزير الاوقاف محمد عبدالستار السيد، الامر الذي يعني ان هناك قراراً كان متخذاً على مستوى عالٍ بانهاء الاحتجاجات قبل بداية شهر الصوم. ويعزز الاستنتاج باختيار النظام الحل الامني ما يمكن ان يُفهم من نص الكلمة التي وجهها الرئيس بشار الاسد الى العسكريين بمناسبة عيد الجيش، وأكد فيها «القدرة على اسقاط هذا الفصل الجديد من المؤامرة»، مشيراً الى ان هدفها هو «تفتيت سورية تمهيداً لتفتيت المنطقة برمتها الى دويلات متناحرة».

هي مؤامرة اذاً، وسورية تواجه «الفصل الاخير» منها، وبالتالي فان ما قام به الجيش في حماه وسواها من المدن السورية هو عملية ضرورية للدفاع عن الوطن ولحمايته، على ما ذكر مدير الادارة السياسية في الجيش اللواء رياض حداد.

ولكن اذا كان الامر كذلك، فما معنى خطوات الاصلاح التي يقول النظام انه ينوي اتخاذها؟ وما الهدف من مشاريع القوانين التي تعكف حكومة عادل سفر على وضعها؟ وهل يصحّ تقديم الاصلاح كهدية لمن يوصفون بأنهم «متآمرون» على البلد، وينفذون مخططات المشاريع الاجنبية ضد سورية؟

تخبّط النظام السوري حيال مواجهة ما يجري لم يكن، منذ البداية، سوى تخبّط في الشكل، كان هدفه الايحاء بأن النظام اصلاحي بطبعه، ولكن «المؤامرة» هي التي تحول دون تنفيذ رغباته. غير ان الحقيقة هي ان النظام السوري استخدم كل التبريرات لقطع الطريق على تنفيذ خطوات فعلية تسمح بالانتقال الى نظام تعددي والى توسيع مساحة الحرية السياسية، كما كان يأمل المعارضون والليبراليون وفئة المثقفين. في البداية قيل ان ما أخّر الاصلاحات السابقة، وما عطّل «ربيع دمشق» الطيب الذكر، هو ما تعرضت له سورية من «مؤامرات»، وما انشغلت به من تهديدات، من الانتفاضة الفلسطينية الثانية الى غزو العراق ثم الى الازمة التي واجهتها في لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري. والآن يقال ان كون سورية هي «قلب الامة النابض» هو الذي «يزيد حقد الاعداء الينا» (كما جاء في كلمة الرئيس السوري). وكل هذا لا يبقي للمواطن السوري في عين من يحكمونه سوى مكانة الاداة التي تتنازعها الاهواء والاطماع الخارجية. لا دور له في ما يجري على ارض بلده سوى دور التابع، سواء للنظام، عن طريق الصمت والخنوع، او ل «المؤامرة الخارجية» كمجرد اداة لتنفيذها. واختصار مكانة المواطن السوري ومطالبه المشروعة بين هاتين المعادلتين ليس من شأنه سوى ان يعطي فكرة عن القيمة والموقع اللذين يحتلهما الشعب السوري في نظر النظام الذي يحكمه.

==============

السوريّ يشتري وطنه، اللبنانيّ يبيعه

الثلاثاء, 02 أغسطس 2011

حازم صاغيّة

الحياة

حيال الذبح الذي يجري على قدم وساق في حماة، وفي مدن وبلدات أخرى، يشعر السوريّ بأنّه قادر، ويشعر اللبنانيّ بأنّه عاجز. الأوّل يحسّ بأنّه يشتري وطنه، والثاني بأنّه يبيع وطنه.

المواطن السوريّ الذي يتظاهر ويتحدّى ويواجه بالصدر العاري أدوات القتل الهمجيّ، يرفع سويّة المواجهة إلى محطّة أعلى: يُجبر النظام، بقوّة بطولته، على أن يتوغّل في الدم ويقتحم دواخل المدن العاصية. على أن ينكشف انكشافاً لن يكون آمناً ولا مأموناً له: فاحتمالات انشقاق الجيش سوف تتنامى، وبوادرها بدأت بالظهور. وشعور الصامتين المخجل بالحرج، في العالم العربيّ والعالم، لا بدّ أن يتعاظم، وقد يثمر بعض الجهود التي لا يحسب النظام اليائس حساباً لها. لقد تعهّد باراك أوباما مثلاً «عزل» الأسد، وحكّام العراق بدأوا يُعيّرون بأصوات مرتفعة بأنّهم «عملاء إيران»، وحتّى سعد الحريري بات يُحرجه المضيّ في الصمت. ورغم مكابدة الانتفاضة في سعيها الحفاظ على سلميّتها، قد لا يستطيع المنتفضون، إلى ما لا نهاية، تحويل خدّهم الأيسر لمن يحرق خدّهم الأيمن.

والحال أنّ النظام السوريّ طوّر نزعته الشمشونيّة «عليّ وعلى أعدائي»، لأنّ المواطن السوريّ أفهمه بأنّه ماضٍ إلى النهاية، لا يردعه الخوف والتخويف والموت والمجازر، ولن يكون مضحوكاً عليه بعد اليوم بالحوارات الشكليّة. وهذا، في ظلّ نظام دينه وديدنه الاستئثار، سيترك آثاره السلبيّة على المجتمع كلّه، وسوف يرضّه رضّاً عميقاً وقد يُخرج من جوفه، بسبب الدم والحقد، أسوأ ما فيه أيضاً. لكنْ ما العمل وقد أعدم النظام كلّ فرص الوصول إلى تسوية جدّيّة تتضمّن تحويلاً فعليّاً، ولو متدرّجاً، في السلطة.

المواطن السوريّ يستحقّ أن ننحني أمام شجاعته حقّاً. ولنتذكّر أنّه نادراً جدّاً في التاريخ ما أمكن تحدّي الأنظمة الاستبداديّة: النازيّة أسقطتها حرب عالميّة، والستالينيّة في روسيا وباقي «المعسكر» بدأ انهيارها من داخلها، من المراجعة التي بدأها ابنها ميخائيل غورباتشوف. وصدّام حسين استدعى تدخّلاً خارجيّاً.

السوريّون، على ما يبدو، سيُسقطون نظامهم. قد يُضطرّهم صلف النظام وعتوّه إلى إسقاط أمور أخرى لا يريدون إسقاطها. لكنْ، مرّةً أخرى، ما العمل؟

اللبنانيّون، في المقابل، يعجزون، وعلى رأسهم قوى 14 آذار التي تتّهم سوريّة بقتل قادتها أو بالتواطؤ على قتلهم، عن النزول في تظاهرة واحدة كبيرة انتصاراً للشعب السوريّ ضدّاً على النظام الذي يتّهمونه.

اللبنانيّون لا يملكون أن يمضوا في سياسة النعامة التي يتّبعونها. هذا ليس حبّاً بسوريّة ولا انتصاراً للحقّ والأخلاق. إنّه من قبيل الحبّ لأنفسهم ولوطنهم أيضاً وأساساً. فهل نسوا ما كالوه ل «نظام الوصاية» وما حمّلوه من مسؤوليّات، وكانوا مُحقّين في ذلك، عن منع بلدهم من القيام والنهوض.

وإذا كان لرمزيّة حماة من معنى جاز لنا أن نتذكّر ونذكّر بأنّ ذبح حماة في 1982 كان مقدّمة لذبح بيروت وجبل لبنان في 1983 – 1984 وللحؤول دون قيام سلطة مركزيّة فعليّة بعد ذاك. فهذا النظام الذي يحكم السوريّين عن طريق الفتك سبق له، هو نفسه، أن حكم اللبنانيّين عن طريق الفتك ذاته. وهو لم يخرج من الباب إلاّ ليعاود الدخول من النافذة التي شرّعتها «المقاومة» و«الوطنيّون والقوميّون والتقدّميّون» على أنواعهم.

وصمت اللبنانيّ اليوم يعني أنّه باع وطنه لهؤلاء بيعة أبديّة. أمّا السوريّ فيشتري وطنه بدمٍ غال.

==============

السياسة والجيش.. في تركيا وسورية

ياسر أبو هلالة

الغد الاردنية

نشر : 01/08/2011

يقاتل الإسرائيليون في كل الدوائر بضراوة من أجل بقاء نظام بشار الأسد. ليس لأنه عميل للصهيونية العالمية، بل لأنه الأقل سوءا بالنسبة إليهم. لا يحمل نظام الأسد، أبا وابنا، لا مشاعر ولا مواقف إيجابية تجاه الصهيونية. ولكن في لحظة معينة غدا النظام الديكتاتوري الأفضل بالنسبة لدولة الاحتلال. فالهاجس الأول هو البقاء في السلطة، ولو تطلب الأمر نسيان الجولان. هذا ينطبق على أي ديكتاتورية، ولو ولدت من حركة تحرر. حتى "حماس" إن استمر الوضع كما هو اليوم لسنوات فستكون "فتح" أخرى وحزب بعث آخر، تنسى صراعها مع العدو وتتحول إلى سلطة تتضخم فيها الأجهزة ويتحول المواطن إلى عدو.

في الجزائر نموذج أوضح. تحول جيش التحرير الوطني الذي توج نضالات المجاهدين بهزيمة الاستعمار الفرنسي إلى وكر للتسلط والاستبداد والفساد. الاستثناء كان تركيا. فالجيش الذي وحد وحرر وبنى تركيا الحديثة عاد إلى الثكنات. لم يعد كرم أخلاق منه، بل بعد عقود من الصراع الذي دفع فيه أحرار تركيا من الاتجاهات كافة، ثمنا غاليا لبناء دولة مدنية ديمقراطية، وهدم الكهنوت العلماني العسكرتاري.

لم يكن الإسلاميون وحدهم من تصدى لهيمنة الجيش على الفضاء العام في تركيا. لقد دفع عدنان مندريس رئيس الوزراء المنتخب حياته في انقلاب عسكري؛ كان علمانيا ليبراليا وهو الذي صنع مكانة تركيا في حلف "الناتو"، لكن سماحه بالمظاهر الإسلامية دفع الجنرالات إلى إعدامه بتهمة "قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية". وفي غضون الحرب الباردة دفع اليسار التركي أثمانا باهظة في مواجهة الجيش. لكن لا شك أن المواجهة الأقسى كانت مع الإسلاميين، فلم يهنأ نجم الدين أربكان بحزب شكّله، وعندما وصل لرئاسة الوزراء لم يستمر طويلا إثر انقلاب أبيض. ورجب طيب أردوغان واحد من ضحايا العسكر الذي سُجن وحُرم من العمل السياسي لسنوات.

هيمن الجيش على الفضاء العام في تركيا، لكنه شريك أساسي في بناء تركيا الحديثة من خلال صياغة الهوية الوطنية الجامعة والانخراط في التنمية. في تركيا يغادر الشاب لأداء الخدمة العسكرية باحتفال أسري. فالجيش لم يحافظ على وحدة تركيا وحماها، بل احتل الجزء التركي من قبرص. وهنا يبرز الفرق بين الجيش السوري الذي احتلت البلاد في عهده ولم يتمكن لا من إعادة الجولان ولا لواء الإسكندرون. وبدلا من بناء الجيش هوية وطنية، مزق الميراث العروبي للبلاد بسطوة طائفية منفرة لأقرب حلفائه.

وفي الوقت الذي يترك الجيش السوري دوره الأساسي في تحرير البلاد وحمايتها، وينخرط في صراع طائفي دفاعا عن سلطة مستبدة فاسدة، يعود الجيش التركي إلى ثكناته، والبلاد في أوج نجاحها الاقتصادي والسياسي. وهو أمر أثار رعب إسرائيل.

رئيس الأركان الجديد نجدت أوزال سيكون، بحسب تحليل للحياة اللندنية "عوناً لحكومة أردوغان في إعادة هيكلة الجيش والتخلّص من "الأتاتوركيين" المتطرفين أو الانقلابيين في صفوفه، ومساندة الإصلاحات السياسية، وفي مقدمها صوغ دستور جديد، تسعى الحكومة من خلاله إلى لجم الجيش وربط رئاسة الأركان بوزارة الدفاع وفرض قوانين أكثر صرامة لمراقبة إنفاقه وتطوير قدراته بشكل كبير، حتى من خلال تقصير فترة التجنيد الإجباري والعمل على تحويل الجيش قوة من المحترفين، مع تقليص العدد الضخم للجنرالات وصلاحياتهم المالية".

في غضون ذلك، أوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن المسؤولين الإسرائيليين "يتابعون بقلق بالغ" مسألةَ استقالة قادة الجيش التركي. ونقلت عن مسؤول قوله: "هذه الخطوة تصبّ في مصلحة المتطرفين الإسلاميين وأردوغان. الأمر مقلق، إذ يعني سقوط آخر حصن ضد الإسلام".

==============

 ربيع دمشق وصيف حماة

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

نشر : 01/08/2011

لم يرث الرئيس بشار الأسد عن أبيه الراحل العام 2000 مقاليد رئاسة الجمهورية فقط، ولا الأمانة العامة للحزب والقيادة العليا للجيش والقوات المسلحة فحسب، وإنما ورث عنه أيضاً أوزار مجزرة حماة التي تعد أبشع جريمة شهدتها الديار الشامية في العصر الحديث، حيث حفرت وقائع ما جرى في شتاء العام 1982 وسط تعتيم مطبق، في الوعي العام السوري، قانون الخوف من الخوف، الذي حكمت به العائلة رقاب العباد وشؤون البلاد على مدى العقود الثلاثة اللاحقة.

وأحسب أن السوريين الذين تسامحوا، بدون أن ينسوا ما جرى في المدينة الذبيحة، كانوا راغبين في تأسيس علاقة جديدة مع الرئيس الشاب، طبيب العيون الذي بشر غداة توليه مفاتيح الحكم بإجراء تغييرات تتسع لسماع الرأي الآخر الحبيس لدى منظمات المجتمع المدني، وإغلاق الدفاتر القديمة الهاجسة بالأمن والأمن فقط، فيما عرف حينها باسم "ربيع دمشق" الذي سرعان ما انتهى بإعلانات فظة عن حظر المنتديات وإغلاق الصالونات الفكرية، ومطاردة المعارضين الديمقراطيين وزج كثير منهم في الأقبية بتهمة تهوين إرادة الأمة.

وها نحن بعد مرور نحو عقد على ذلك الربيع الذي لم يدم سوى ستة أشهر كانت بمثابة الاستثناء على القاعدة، نقف اليوم على مشارف ما يمكن أن نسميه "صيف حماة" الذي قد يمتد إلى أجل طويل، قبل أن يحل ربيع آخر جديد، وتزهر أوراقه هذه المرة في سائر المدن والبلدات السورية، التي تواصل هتافها المدوي بالحرية منذ نحو خمسة أشهر، تحطم خلالها قانون الخوف والإسكات، ومضى إلى غير رجعة زمن الترهيب والإذلال والتصفيق، ومعه شعار سورية الأسد.

وكما تقدمت مدينة حماة المشهد السوري قبل نحو ثلاثين سنة، ثم غاصت في اللاوعي الجمعي كجرح غائر عميق، تعاود اليوم هذه المدينة العصية على النسئ احتلال صدارة المشهد ذاته، وهي تمسك بالزمام، وتقود الاتجاه العام، وتؤسس لوعي سوري جديد، ومسار سياسي مختلف عما كان سائداً منذ نحو نصف قرن مضى، تغيرت في غضونه الأنظمة والمفاهيم والقيم والمعارف والقوانين، إلا في بلد القائد الأبدي والنظام البوليسي والحزب القائد للدولة والمجتمع.

ذلك أن استهداف حماة بالقتل والترويع مرة أخرى، ومن دون اعتبار لرمزية هذه المدينة التي شب فيها أولاد المذبوحين عن الطوق، وصاروا رجالاً متطهرين من عقدة الخوف، قد يشكل التطور النوعي في مسار الأزمة المستفحلة، ويحدث النقلة الفارقة في مجرى التطورات المتفاقمة، ويعجل في حدوث الانعطافة التي من شأنها إخراج الوضع عن السيطرة، وحث النظام على غذ الخطى نحو التهلكة، التي لم تعد محل شك، وإن كان سؤالها الباقي يتعلق بعنصر الوقت.

وهكذا فإن عماء البصيرة وضيق الأفق، ناهيك عن الثقة الزائدة بقدرة القمع الوحشي على استرجاع قانون الخوف، هي التي عملت جنباً إلى جنب، مع شدة بأس حماة وشقيقاتها الثائرات على منظومة الترهيب والتدجين المتهاوية، على تحقيق ما يمكن أن نسميه بداية مرحلة جديدة، تأتي متممة لمرحلة كسر الرتابة والتماثيل والخشية من الحيطان التي لها آذان، وصنع ما يرقى إلى مستوى المعجزة، في زمن ولت فيه المعجزات وانتهى فيه عهد الأحادية والشمولية والاستبداد والإفراط في الوحشية بدون أدنى مساءلة.

وكما كانت حماة إرثاً ثقيلاً على نظام التوريث والتشبيح والولاء المذهبي والممانعة اللفظية، ها هي اليوم ذات المدينة المتعالية على جراحها الدفينة وذكرياتها المريرة، تنهض من جديد لكتابة فصل تأسيسي جديد في حياة سورية، وربما في عموم المشرق العربي، يبدأ بإعادة إحياء ربيع دمشق المتصحر قبل الأوان، وتعميده من ثم كفصل دائم طوال العام، يزهر فيه الورد الجوري الأحمر بعد طول انقطاع، وتهب منه نسائم الحرية والديمقراطية على الجوار، وتعلو على أطرافه أشجار الحور سامقات، لتظلل كل النفوس التائقة إلى ربيع عربي مديد يعم كل الديار.

==============

سوريا الأسد: انتهت

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

2-8-2011

المأساة التي شهدتها سوريا أول من أمس وشهر رمضان على الأبواب كانت صورة لنظام تحول إلى وحش مسعور يضرب ذات اليمين وذات الشمال بشكل هستيري يريد إرسال رسالة ترعيب ودم للناس كي لا يفكروا في لتظاهر أو الاحتجاج بأي شكل من الأشكال، وخصوصا وشهر رمضان على الأبواب يطل عليهم.

النظام السوري سعى بقوة لترويج وتسويق أكثر من نظرية لتفسير الاحتجاجات الشعبية العارمة المطالبة بإسقاط النظام، فتارة كان يروج عن قيام إمارات سلفية في حمص ودرعا، وتارة كان يروج عن وجود فرق مسلحة مؤيدة من الموساد وال«سي آي إيه» وتارة كان يقول إن الإخوان المسلمين هم من يقف وراء الأحداث. المهم أن النظام السوري الذي انعزل بأسلوبه القمعي الدموي عن شعبه لم يتصور بالتالي حجم الرغبة في الخلاص منه، والكم الهائل من حالات الغضب بحقه.

وفي الأسابيع الأخيرة نشرت قوات الأمن التابعة للنظام والمعروفة باسم «الشبيحة» كما مهولا من السلاح بأيدي الثوار بصورة غير مباشرة رغبة من النظام في أن يستخدم الثوار السلاح ضد الأمن أو ضد أي من الأقليات كالعلوية والدروز والمسيحية والإسماعيلية والأكراد، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث. وحاول النظام، الذي أقدم على خطوة بالغة الخطورة منذ أربعة أسابيع بسحب 4.6 مليار ليرة سورية بثلاث شاحنات كبرى في ضوء النهار من البنك المركزي السوري وإرسالها إلى مدينة القرداحة الجبلية مسقط رأس الرئيس الراحل حافظ الأسد وبعدها تم تفريغ ثلاثة مراكز رئيسية للسلاح وإرسال محتوياتها للقرداحة هي الأخرى وهي نفس الخطوات التي أقدم عليها الرئيس التونسي بن علي والرئيس الليبي معمر القذافي بسحب كميات نقدية كبيرة من البنك المركزي والاحتفاظ بها في أماكن خاصة وآمنة للصرف على المسائل الحيوية بشكل مباشر، حاول النظام أن يثير فتنا مناطقية بين حلب ودمشق من جهة وبين سائر المدن الأخرى، وكان يختار هاتين المدينتين ليقيم فيها حفلات غنائية راقصة في ساحات شعبية كبرى في نفس اليوم الذي كانت الدبابات والصواريخ تدك البيوت وتقتل الناس في مدن أخرى، وكذلك حاول أن ينجز فتنة طائفية بين السنة والعلوية في البلاد وبين المسلمين والمسيحيين لإفزاعهم وإرعابهم، حتى حاول النظام أن يخيف رجال الأعمال والاقتصاد ويوهمهم بأنهم هم المقصودون، وأن المال هو الغاية المنشودة. واستمرت المظاهرات تكبر وتزداد وكُسرت حواجز الخوف بلا رجعة وكبرت أعداد المتظاهرين، وحُررت مدن بأكملها من النظام مثل درعا وحماه ودير الزور والبوكمال، وبدأت تتساقط المدن الواحدة تلو الأخرى، وحتى حلب ودمشق تتشققان غضبا، وتثور الكثير من الجيوب فيها.

بشار الأسد فقد مصداقيته، وفقد شرعيته، وفقد آدميته باستمرار نهج الاغتيال المقنن بحق شعبه، ولم يعد أي حر أو صاحب ضمير في هذا العالم إلا ويدين جرائم النظام السوري ويطالب برحيله، ومن ثم محاكمته كمجرم حرب أباد شعبه. والسكوت على جرائمه هو المشاركة في الجريمة.

سوريا تحررت من الأسد وسيعود اسمها حرا كأهلها وكأرضها.

==============

سوريا و«العصابة المسلحة»

علي ابراهيم

الشرق الاوسط

2-8-2011

عندما يعقب مسؤول في السفارة الأميركية في دمشق ل«بي بي سي» على اتهامات الحكومة السورية لعصابات مسلحة بأنها وراء الانتفاضة التي تشهدها البلاد حاليا بقوله: «توجد عصابة مسلحة واحدة في سوريا اسمها الحكومة السورية تنهب مدنها وتزرع الرعب في قلوب الكثير من الناس الذين خرجوا للتظاهر سلميا»، فإن ذلك لا يعكس فقط درجة الإحباط الدولي من الروايات الرسمية التي تسوقها دمشق لتبرير القمع ضد شعبها، وإصرارها على مواصلة هذا الطريق الدموي، غير عابئة بأي شيء آخر، ولكنه أيضا إشارة إلى بدء انقطاع الخيط الذي ترك للنظام هناك من أجل محاولة الإصلاح.

هذا الإحباط عكسه أيضا موقف الحكومة التركية التي كانت أبرز أصدقاء نظام الأسد، وما زالت تحافظ على شعرة معاوية معه بقولها: إن عمليات القمع الدموية تلقي بالشك على تصميم وصدق الحكومة السورية في حل المسألة بالوسائل السلمية، وحتى روسيا، التي ما زالت تعرقل مع الصين مشروع قرار في مجلس الأمن، بدأت تلمح إلى تغيير موقفها، وحتى الدول العربية بدأ يظهر بينها تململ وتلميحات بعدم قدرتها على مواصلة الصمت.

على مدار شهور الانتفاضة السورية الخمسة، تعددت الروايات الرسمية السورية في تبرير القمع واقتحام المدن؛ من مؤامرات خارجية، إلى متطرفين وعملاء، لكن كان القاسم المشترك هو أن هناك عصابات مسلحة هي التي تقوم بإطلاق النار وتقتل رجال الأمن، ولذلك ترسل قوات موالية من الجيش لقمعها.

وكان النظام يحتاج إلى هذه الرواية من أجل تبرير إطلاق النار على المتظاهرين الذين حرصوا حتى الآن على استخدام الوسائل السلمية فقط في التعبير عن رغبتهم في الحرية وتغيير النظام والدستور، وهي كلها مطالب مشروعة، وكان أقصى ما حملوه - كما تشير شرائط الفيديو والصور التي تأتي عبر النشطاء - هو العصي، في بعض الأحيان، وواجه بعضهم الدبابات بصدور عارية، وكسب هؤلاء معركة الإعلام، بينما تهاوت نظريات النظام واحدة بعد أخرى، لأنها من الأصل ليس فيها أي منطق أو تفكير سياسي حكيم.

وجاء الهجوم الدموي الأخير المتواصل على حماه، التي كانت مدينة شبه محررة على مدار أسابيع تخرج فيها كل يوم جمعة مظاهرة نصف مليونية، ليزيد الحيرة في الطريقة التي يفكر بها النظام. والتساؤل: هل هناك أحد في الحكم مقتنع حقيقة بأنه يمكن البقاء في السلطة على الجماجم والدماء؟ وإذا كان ما يقال في الخطابات والمؤتمرات عن وعود بالإصلاح وإنشاء أحزاب وانتخابات إلى آخره حقيقيا، فلماذا تستمر هذه الحملة الوحشية غير العابئة بأي شيء آخر؟

لا يوجد تفسير لذلك سوى أن الذين في يدهم مفاتيح القرار يخوضون معركة بقاء دموية تتسم بقصر نظر شديد، وأنهم لم يكونوا جادين من الأصل في الحديث عن الإصلاح، والاستجابة إلى رغبات الناس في الحرية والعدالة الاجتماعية، لسبب بسيط هو أن الاستجابة لهذه المطالب تعني في النهاية سقوط النظام، أو على الأقل انقلاب طرف فيه على الآخرين من أجل تحقيق المطالب، وعلى رأسها المادة الدستورية الخاصة بسيطرة حزب البعث على الدولة.

هي حسبة مصالح ومعركة بقاء بالنسبة للممسكين بمقاليد السلطة، فالإصلاح الحقيقي يعني فتح الباب لقوى أخرى في المجتمع للمنافسة سلميا على السلطة، ودخول نوعيات جديدة من الممثلين السياسيين القادمين بشرعية حقيقية. وهم حتى لو قبلوا بالإصلاح في إطار النظام سيبدأون في المحاسبة والمساءلة، وبالطبع فإنه لو فتح هذا الباب فسيطال رموزا أساسية في النظام.

نعم هي معركة مصالح في الأساس، لكنها أيضا معركة يائسة نهايتها الخسارة بالنسبة للنظام. فمهما بلغت درجة البطش والقمع والخوف، فلا أحد يستطيع أن يحكم من دون أن يكون هناك حد أدنى من القبول الشعبي، واستمرار القمع والقتل أشبه بالغوص أكثر فأكثر في الوحل حتى يغمر الرأس نفسه.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ