ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 06/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

المرحلة الحاسمة للثورة السورية: كلنا حَمَويّون

عمار البرادعي

القدس العربي

5-8-2011

يدرك المتابع والمحلل أن الثورة السورية المباركة دخلت مرحلتها الحاسمة، فبالرغم من الحرب المذعورة وسياسة الأرض المحروقة المتبعة ضد الشعب السوري، إلا أن هذه الثورة غدت أم الثورات، فثوارها الأحرار المسالمين' على الدوام 'منذ بداية انتفاضتهم ، مازالوا مستمرين في تصدّيهم' لآلات الحرب الثقيلة بصدورهم العارية دون أي خوف أو تراجع، بينما نرى في المقابل ظهور علائم التململ واضحة في صفوف قوات الأمن'واتساع دائرة 'الانشقاق في بعض وحدات الجيش.

''تحت'هذه الظروف العصيبة اتخذ بشار قراره'باقتحام مدينة حماة دون رقيب أو حسيب ، وارتكب نظامه مجزرة مروعة في سُويعات حصدت المئات من الشهداء والجرحى. مؤكدا للعالم انه وأركان حكمه''لا يأبهون بالقيم'الإنسانية ولا الأعراف الدينية ، وأنهم يتعطشون للانتقام من هذه الدُرّة السورية ، نظرا لما يحملونه في أعماقهم تجاهها من عقد و احباطات'عميقة ، تدفعهم للانتقام وقتل المواطن والوطن دون رحمة ولا مراعاة لحقوق الإنسان في العيش بكرامة والتعبير عن رأيه بحرية .

'لقد كانت 'مدينة أبي الفداء دوما شعلة السياسة السورية ، فهي دُرّة عربيه بامتياز ، ومدرسة فقهية تفتخر بعلمائها ، وهي التي أخرجت من بين أبنائها الزعماء والرؤساء .

'نعم هذه المدينة كانت دائماً على موعد مع التاريخ والجغرافيا ، ففي عام 1965 كادت تتعرّض للإقتحام لولا قدرة مجتمعها الديني المحافظ على الحؤول دون قيام' المتربصين بها' بتنفيذ مأربهم الخبيثة وتحقيق نواياهم .

'جدير بالتنويه هنا' انه بعد ذلك ببضع سنين ، ومنذ'بداية سبعينات القرن الماضي ، وفي خضم الحرب الباردة ،''أخذالنظام على عاتقه أن يضع على رأس أولويات مهامه'العمل'ليلا نهارا'من أجل'الحفاظ على تركيبته ،وتوطيد'حكمه بكل الوسائل غير المشروعة'، وفي مقدمتها إضعاف الشعب السوري وقهره وتجويعه وتمييع قيمه، وبث الفتنة بين أبنائه 'واشاعة الفساد بشتى أشكاله ومستوياته''. كل هذه التهيئة الباطنية و الخبيثة أراد النظام تجربة نتائجها العملية على الأرض في أول اختبار جدّي للقدرة على القمع الدموي'المكثّف في مواجهة انتفاضة أهل''مدينه حماه عام' 1982 .

'وهكذا كان الإقتحام الوحشي لها وارتكاب أبشع الجرائم التي خلّفت عشرات الألوف من القتلى والمفقودين إلى جانب تدمير المدينة بمساجدها وكنائسها.

''بعد حوالي ثلاثين عاما'على'مجزرة حماه الأولى '، هاهي الصورة تتكرر الآن أمام أعيننا ، موثّقة بالصور والوقائع عبر كل وسائل الإعلام المتطورة جذريا عن الماضي .''ومع ذلك ، 'فإن الطغمة الحاكمة في دمشق لا ترى و لاتسمع. فرغم تأكيدات الأخبار ووكالات الأنباء وشهود العيان عملية اجتياح حماة بالكيفية التي تمت فيها وتفاصيلها الدقيقة،إلا أن مصدرا عسكريا لم ير في المجزرة التي حصلت غير القول' إن وحدات الجيش لم تدخل حماة و لم تقتحمها ، بل حاولت فتح الطرقات الخارجية التي تصل حماة بما حولها فقوبلت هذه القوات المسالمة!- بهجوم من المجموعات المسلحة.

تُرى ، هل يمكن لأي عاقل' في هذه الدنيا' أن يُصدّق هذا الهذيان و' يكذب في الوقت نفسه شهود العيان'من أبناء المدينة' وكل المصادر الإعلامية الأخرى'، فضلا'عما أوردته روابط و مراصد حقوق الإنسان من' معلومات دقيقة حول ما'جرى'على الأرض ، كقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن'' إن قوات الجيش ترافقها عناصر أمنية اقتحمت مدينة حماة من عدة محاور و اتجه' أغلبها نحو جامع السرجاوي و منطقة الثكنة ' ، أي ليس على الطرقات الخارجية كما أعلن المصدر العسكري . و مثل هذا الكلام'ورد على لسان'رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان عيد الكريم'ريحاوي.في الوقت الذي أكد فيه طبيب في احد مستشفيات المدينة ( رفض'الإعلان عن'اسمه بالطبع ) أن عدد المصابين أصبح كبيرا و لم تعد للمستشفى' طاقة' على استيعابه.''

'إذن ، ها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم على يد الرئيس الإبن وشقيقه ، تماما كما فعل الأب وشقيقه أيضا قبل ثلاثين عاما من اليوم ، وهو ما'استقرأناه في مقال سابق' . فحما ة'صخرة سوريةودرّتها'تقف اليوم 'من جديد كعادتها شامخة تدافع عن تاريخ المشرق و حاضره و مستقبله ، عن ثقافته و تراثه بعد أن أصبح نهبا للصفويين الذين يتربصون بالشعب السوري انتقاما على موقفه الرافض ل 'زواج المتعة' المعبّر عنه بالتحالف الاستراتيجي القائم بين إيران وبشار'.

===============

استغراب غربي للتمسك بنظرية المؤامرة !

سركيس نعوم

النهار

5-8-2011

تستغرب جهات غربية اوروبية واميركية إصرار النظام في سوريا على اعتبار الانتفاضة الشعبية التي تواجهه منذ 15 آذار الماضي نتيجة مخطط خارجي اميركي – اسرائيلي يرمي الى التخلص منه بسبب سياسته الخارجية القائمة ومنذ مدة طويلة على ثوابت ثلاث. اولاها، التحالف الاستراتيجي مع الجمهورية الاسلامية الايرانية المعادية لاسرائيل واميركا وحلفائهما. وثانيتها، انتهاج سياسة "الممانعة" لكل المحاولات الدولية والاقليمية الهادفة الى اقناعه بانتهاج سياسة داخلية منفتحة حيال القوى الليبرالية واخرى اقليمية مهادنة لاميركا، وخصوصاً حيث تخوض معارك صعبة مثل العراق ولبنان وافغانستان وغيرها. اما ثالثة الثوابت فهي فك التحالف مع "حزب الله" اللبناني او بالأحرى رفع غطاء الدعم والحماية الذي وفره له منذ تأسيسه والتوقف عن تزويده السلاح سواء كانت سوريا او ايران مصدره.

وتستغرب الجهات الغربية الاوروبية والاميركية نفسها ايضاً إصرار النظام السوري على التمسك بنظرية تفيد ان العنف الدائر في سوريا انما سببه عصابات مسلحة وارهابية ينتمي بعضها الى الاسلام الاصولي التكفيري والعنفي، وتلتقي مصالحها مباشرة او مداورة مع مصالح اعداء الممانعة لاميركا واسرائيل ومنهم دول عربية شقيقة. ولا يستطيع النظام السماح لهذه العصابات بالاستمرار في التحرك على الارض وتخريب الدولة والمؤسسات وتالياً القضاء على الاستقرار. ولهذا كان قراره التصدي لها بالقوة المسلحة النظامية والاخرى "الرديفة" لها.

هل الاستغراب المشار اليه اعلاه في محله؟

تعتقد الجهات الغربية نفسها انه في محله مئة في المئة. فسوريا النظام اي سوريا الاسد لم تنتهج سياسة "الممانعة"حيال اميركا واسرائيل منذ مدة قريبة على رغم ان آثارها السلبية عليهما ازدادت كثيراً في اعقاب التطورات السلبية التي حصلت في المنطقة بعد 11 ايلول 2001 وغزو العراق عام 2003، وانطلاق ايران الاسلامية بنجاح في تطوير برنامجها النووي، الامر الذي جعلها او يكاد ان يجعلها قوة نووية. كما بعد سير ايران وسوريا في مشروع مناقض تماماً للمشروع الاميركي. ذلك ان الممانعة سياسة اعتمدها مؤسس النظام الرئيس الراحل حافظ الاسد ومارسها بكفاية ونجاح على مدى 30 سنة وحصل بواسطتها على مكاسب كثيرة ومارس عبرها دوراً اكبر من بلاده وأوسع. وهي لم تتسبب له بأي مشكلة ضخمة او لم ترتب عليه اي اخطار جدية. علماً ان التحالف مع ايران هو من أقامه وان حماية "حزب الله" ومقاومته الناجحة لاسرائيل هو الذي وفرها. وعلى رغم التوسع في تفسير مفهوم الممانعة عند النظام السوري بعد رحيل مؤسسه، والذي تجلى في خطوات غير محسوبة بدقة وخصوصاً في لبنان وحيال العراق والاميركيين منه، فإن احداً في الغرب وخصوصاً في اميركا، كما ان احداً في اسرائيل، لم يفكر يوماً في التآمر للقضاء على النظام المذكور سواء بحرب اسرائيلية – سورية او بانتفاضة شعبية او بواسطة حرب عصابات. والسبب الرئيسي لذلك كان استمرار جبهة الجولان هادئة وغياب البديل الجيد. وتأكيد النظام رغبته في سلام مع اسرائيل وعلاقة طيبة مع اميركا سواء عبر الإعلام أو عبر الوسطاء الاميركيين وما أكثرهم.

اما اعتبار ما يجري حرب عصابات فإن احداً لا ينكر عند الجهات الغربية اياها ان مقاومة مسلحة نشأت بعد اشهر من القمع والظلم. لكنها لا تزال ضعيفة، ولم ترق الى مرتبة الثورة المسلحة. والادلة المتنوعة على ذلك اكثر من ان تحصى.

ولعل ما يثبت صحة الاستغراب المشار اليه اعلاه هو مبادرة النظام السوري منذ تصاعد الثورة، وإن من دون ايمان كاف او اقتناع كبير، الى تقديم وعود اصلاحية في مختلف المجالات. وعنى ذلك اعترافاً منه بأن الحركة الشعبية الانتفاضية هي حركة سياسية مطلبية ديموقراطية وليست مؤامرة خارجية. علماً ان حلفاء سوريا الاسد يعترفون في مجالسهم بأن ثورة سوريا عفوية مثل مصر وتونس، لكنهم يلفتون الى ان اميركا تتابعها مع آخرين لمعرفة ابعادها ولتوجيهها لخدمة مصالحهم. والامران صحيحان.

لماذا الإصرار الرسمي على نفي البعد الداخلي للانتفاضة او الثورة الشعبية على النظام الحاكم في سوريا؟

ربما للمحافظة على تأييد شعبي اسلامي وعربي كان كبيراً. ذلك انه قد يُظهِر للعلن رفضاً شعبياً عارماً للنظام الاقلوي ذي الغطاء الحزبي وفرزاً طائفياً ومذهبياً، وغياباً للحريات والديموقراطية ولدولة المؤسسات. ومن شأن ذلك احاطته بسوار عزلة خانقة قد تصبح مؤذية له مع الوقت.

===============

مسلحو سوريا والموقف الروسي

سامي كليب

السفير

5-8-2011

ربحت سوريا معركة الصورة. تسلّح الروس بمشاهد رمي جثث رجال الأمن من فوق جسر العاصي صوب المياه فرفعوا نسبة حججهم داخل قاعات مجلس الأمن الدولي. نجحت موسكو في الحؤول دون تكبيل حليفتها دمشق بقرار دولي حازم.

هي الصور تقود جزءا من معارك سوريا. كانت الفضائيات العربية والدولية أول من اختارها عنوانا لإسقاط النظام السوري. بثت تلك الفضائيات صورا فعلية لمتظاهرين، وأخرى مفبركة جيء ببعضها من اليمن أو العراق. اكتشفت السلطات السورية أهمية المعركة التلفزيونية. اختارت أن تبث صورا مخيفة لعمليات قتل يتعرض لها رجال الأمن. نجحت المعركة الأولى وربما تنجح المعارك المقبلة لو تم بث كل ما تملك تلك السلطات من صور فيها تقطيع جثث وقطع رؤوس على طريقة تنظيم القاعدة في العراق وغيره.

كان لا بد من منح الروس حججا دامغة للدفاع عن العملية العسكرية السورية في حماه ودير الزور وغيرهما. قلبت الصور جزءا من المعادلة في مجلس الأمن. تمسك الروس بموقفهم القائل بأن النظام السوري يواجه فعلا مسلحين. تم تمرير صور إلى بعض أعضاء المجلس، فجاء البيان الرئاسي الصادر محمِّلا المسلحين جزءا من المسؤولية عن العنف.

حين يتحدث البيان الرئاسي في مجلس الأمن عن «الامتناع عن الأعمال الانتقامية، بما يشمل الهجمات على المؤسسات الحكومية» فإنما يعترف رسميا بوجود مسلحين، وهذه نقطة مهمة سجلها التلفزيون الرسمي السوري ومن خلفه السلطة في صالح النظام خلال واحدة من أشرس المعارك الدبلوماسية التي تخاض حاليا في المجلس. وهي نقطة مهمة أيضا لمواجهة المعركة الإعلامية التي نجحت في مصر وتونس، وكادت تنجح في ليبيا واليمن، لكنها فقدت الكثير من قوتها في دمشق.

لكن الموقف الروسي قد لا يتكرر. لعله وصل إلى أقصى مبتغاه ليأتي البيان الرئاسي شبه متوازن. بمعنى آخر لو سقط مئة قتيل جديد في سوريا في خلال الأيام القليلة المقبلة، سيجد الروس إحراجا كبيرا في الدفاع مجددا عن وجهة نظرهم إلا إذا تبين فعلا أن بعض الأطراف المسلحة في سوريا هي أكثر خطورة مما يعتقد البعض تماما كما حصل مؤخرا في أبين اليمنية.

يدرك النظام السوري حراجة الموقف. سارع الرئيس بشار الأسد إلى تقديم هدية جديدة لحلفائه الروس وأصدقائه الصينيين. وقَّع على مرسومين تشريعيين بشأن قانوني الأحزاب والانتخابات العامة، وقريبا سيوقع على قانون الإعلام.

من المهم رصد تاريخ هذا التوقيع. فالأمر قُضي بمرسوم رئاسي وليس عبر مجلس النواب المنتهية ولايته. هذا يفيد في مواجهة المطالبين في تسريع تطبيق القوانين الإصلاحية، ويضع حدا للجدل الذي قام في الأشهر الماضية حول طريقة تخريج القوانين، عبر المجلس أو بمرسوم. والتوقيع جاء في مطلع شهر رمضان الذي أثار قلقا كبيرا حول احتمال ارتفاع منسوب المواجهات خلاله، وجاء بعد فترة وجيزة على اللقاء التشاوري، وجاء خصوصا متزامنا تقريبا مع بيان مجلس الأمن الدولي.

كل هذه المواعيد مهمة، ولكن الأهم على الإطلاق أن التوقيع الرئاسي على قوانين الإصلاحات، جاء بعد أن استكملت الأجهزة الأمنية السيطرة على مناطق الخطر الرئيسة. تم ضبط كل الحدود من الأردن إلى لبنان إلى تركيا والعراق. بقيت دير الزور، ولعلها ستحسم قريبا رغم حساسية المنطقة بسبب طابعها العشائري وعمليات التهريب التاريخية التي تحصل عبرها من وإلى العراق. وتم الدخول إلى حمص وحماه، وأما حلب فهي ملتزمة الهدوء لأسباب كثيرة بينها الاقتصادية.

تبدو رسالة السلطة السورية واضحة. فبعد معركة حماه، سارع الرئيس إلى توقيع المراسيم. أراد على ما يبدو أن يقول لشعبه وللعالم إن المعركة الأمنية ليست هدفا بحد ذاتها، ولكن الإصلاحات لم تأت بسبب الضغط ولا بتوقيت غربي أو تركي بل بتوقيته هو. وأراد أيضا التأكيد على أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة الإصلاحات والسياسة والحركة الدبلوماسية.

سيكون ذلك مفيدا لو تسارعت وتيرة تطبيق الإصلاحات. السباق مع الوقت مهم خصوصا أن المساعي الغربية والإقليمية (وبعض العربية) أيضا حثيثة لجمع صفوف المعارضة في إطار واحد يشبه المجلس الانتقالي في ليبيا. وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تلتقي جزءا من المعارضة. قطر تستضيف مؤتمرا. تركيا تبقى ساحة مفتوحة للقاءات وتصدر بين الوقت والآخر مواقف ضد دمشق. فرنسا تحتضن جزءا آخر من المعارضة، وترفع منسوب تصريحاتها. ايطاليا تسحب سفيرها. كل ذلك مرشح للتفاقم لو ازداد توتر الوضع الأمني.

نجح الروس حتى الآن في وأد كل المحاولات الغربية لتكبيل سوريا بالقرارات. نجحت دمشق في معركة الصور. غاب العرب جميعا عن الصورة (كعادتهم في الملمات). جاء موقف لبنان مدروسا بدقة متناهية بحيث ليس فيه امتناع ولا تأييد. لم يصدر عن سوريا حتى الآن أي تعليق على بيان المجلس.

صمدت العلاقة الروسية  السورية حتى الآن. مراسيم الرئيس قد تسحب بعض الغضب والذرائع من أيدي المعارضة. لكن كل ذلك يبقى مرتبطا بأمرين: حركة الشارع السوري من جهة، وقدرة المناهضين للنظام السوري في الخارج في تحريك الآلة ضده. من المنتظر إذاً إن تتزايد حركة المعارضة ومعها جزء من الغرب، وأن يتحرك الشارع بزخم اكبر وأن يظهر مسلحون آخرون، وربما أكثر خطورة وشراسة.

ربحت دمشق وموسكو جزءا من المعركة، ولكن الحرب مستمرة. نهاية الحرب بحاجة لتسويات وصفقات تمتد من بيروت مرورا بالعراق وصولا إلى إيران. لم تنضج بعد ظروف التسويات، فكيف إذا دخل عليها جشع إسرائيل للغاز أمام السواحل اللبنانية؟

===============

قطر تكسر حاجز الصمت

 الراية القطرية

التاريخ: 05 أغسطس 2011

تأتي الدعوة القطرية التي عبّر عنها مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية أمس الأول للأشقاء في سوريا تغليب الحكمة والعمل على حقن الدماء ووقف استخدام القوة والإسراع في تطبيق عمليات الإصلاح بما يستجيب للمطالب المشروعة للشعب السوري الشقيق لتؤكد مرة أخرى انحياز قطر لمبادئها ولمصالح أمتها وشعوبها وحرصها على أمن سوريا واستقرارها ووحدتها الوطنية.

لقد كسرت الدوحة حاجز الصمت العربي للمرة الثانية تجاه ما تشهده سوريا من أحداث مؤلمة وعبّرت عن بالغ القلق للأحداث الجارية وما رافقها من تصعيد وارتفاع في عدد الضحايا داعية إلى الحوار المباشر والاستجابة لمطالب الإصلاح كسبيل للخروج من الأزمة.

إن اقتحام المدن ومحاصرتها بالدبابات ومواجهة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والديمقراطية بالرصاص، ما أدّى إلى ارتفاع كبير في أعداد الضحايا الأمر الذي ساهم في اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية، ليس السبيل للخروج من هذه الأزمة التي عصفت بالون السوري وتكاد تعصف بوحدته الوطنية وتماسكه الاجتماعي.

لقد بدأ حلفاء سوريا يتململون ولعل في صدور البيان الرئاسي في مجلس الأمن الدولي إزاء ما يجري من أحداث في المدن السورية وتصريح الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف: إن روسيا تشعر ب"قلق هائل" إزاء الوضع "المأساوي" في سوريا، محذراً الرئيس السوري من "مصير حزين ينتظره" في حال لم يطبق إصلاحات ويوضح المنحى والوجهة التي يمكن أن تتجه إليها الأحداث في سوريا إذا استمر النظام بالتعامل مع الاحتجاجات الشعبية السلمية بالعنف والرصاص.

ما تحتاجه سوريا الآن وبشدة وقف التعامل بالخيار الأمني نهائياً وسحب الدبابات وكتائب الجيش والأمن السوري من المدن والبلدات السورية والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الأحداث الأخيرة ومحاسبة المتورّطين بقتل أبناء الشعب السوري كطريقة لبناء الثقة بين النظام والمعارضة إذ لا معنى للحديث عن أي إصلاحات أو قوانين تصدر والدماء لا تزال تسيل في شوارع المدن السورية.

===============

تفكك «حلف الممانعة» المؤيد لسورية في مجلس الأمن

الجمعة, 05 أغسطس 2011

راغدة درغام - نيويورك

الحياة

أخيراً، اتحد أعضاء مجلس الأمن الدولي في إدانة الخرق الواسع لحقوق الإنسان واستخدام القوة ضد المدنيين من قِبَل السلطات السورية، وأصدروا موقفاًَ وضع النظام في دمشق تحت المراقبة والمحاسبة. تفكَّكَ حلف «الممانعة»، الذي عارض قطعاً طرح الأزمة السورية في مجلس الأمن، والتحق أعضاؤه «بالإجماع» على ضرورة قطع الصمت القاتل، فيما مئات المدنيين السوريين يسقطون ضحايا البطش الحكومي. أعضاء هذا الحلف الذي يسمى بحسب أحرفه الأولى «بركس» Brics، يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. هذه الدول قاومت بشدة تناول مجلس الأمن للمسألة السورية، متذرِّعة ب «العقدة» الليبية، نتيجة ما تعتبره «تمادياً» للدول الغربية وحلف شمال الأطلسي (ناتو) في تفسير قراري مجلس الأمن، عملياً، وترجمتهما بقصف وبعمليات عسكرية لم تكن في بال «بركس» عندما وافقوا على القرارين 1970 و1973.

تغلّبت هذه الدول على عقدتها، وتمكّن مجلس الأمن من اتخاذ موقف واضح نحو دمشق. أما جامعة الدول العربية ومعظم الدول العربية، فإنها تبدو كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال، وهي تمتنع عن اتخاذ موقف نحو سورية كالذي اتخذته نحو ليبيا. وسواء كان ذلك ازدواجيةً أو بحجة البُعد الاستراتيجي المختلف بين البلدين، فإن في فحوى الموقف العربي الرسمي خذلاناً للشعب السوري، وموقف جامعة الدول العربية –كما فضحه الأمين العام الجديد نبيل العربي– يقزّمها الى مؤسسة الأنظمة والحكومات وليس جامعة الشعب العربي لحماية حقوقه وتطلعاته الى الديموقراطية والحرية. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أثبت جرأة أكبر في دفاعه عن الشعوب العربية ورفضه الصمت على قمعها والبطش بها على أيدي الأنظمة الحاكمة، فرَفَعَ راية حقوق الإنسان أولاً وأعلن ولاءه القاطع لمبدأ إنهاء الإفلات من العقاب، واستمر في اتصالاته مع القيادات، ولم يتوقف عن المحاولة حتى عندما رفض الرئيس السوري بشار الأسد تلقّي مخابرته الهاتفية احتجاجاً على انتقاداته له. وهذا الأسبوع، عندما صعّدت السلطات العسكرية عمليات القتل وسقط في يوم واحد 140 قتيلاً في حماة، لم يتردد بان كي مون في القول ان بشار الأسد «فقد حس إنسانيته». قال هذا فيما الصمت القاتل لوّث أكثر فأكثر سمعة جامعة الدول العربية وكذلك سمعة منظمة المؤتمر الإسلامي، التي ارتفع صوتها عالياً في المسألة الليبية وانخفض كثيراً عندما تعلق الأمر بالمسألة السورية.

ما حدث هذا الأسبوع على صعيد مجلس الأمن كان ملفتاً أيضاً من ناحية موقف لبنان، وهو العضو العربي الوحيد في المجلس، فهو أيضاً أمسك بزمام المبادرة في ملف ليبيا وحمل سفيره نواف سلام «ورقة» موقف جامعة الدول العربية ليحشد الدعم للمواقف التي صدرت عن المجلس وسجّلت أكثر من سابقة، من بينها تكليف المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في جرائم ضد الإنسانية وإصدارها لاحقاً مذكرات اعتقال في حق القائد الليبي معمر القذافي وابنه، ولكن عندما تعلَّق الأمر بالتجاوزات السورية المماثلة، تراجع الدور اللبناني في مجلس الأمن من الإمساك بزمام المبادرة الى التملص والصمت والهروب من المسؤولية. وتفهّم أعضاء مجلس الأمن ذلك، نظراً «لخصوصية» العلاقة اللبنانية –السورية، بمعنى خضوع الحكومة اللبنانية لما تلميه عليها الحكومة السورية.

الجديد الذي طرأ في موقف لبنان تمثل في أنه «نأى» بنفسه Disassociate عن البيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن وطالب فيه السلطات السورية «بالاحترام الكامل لحقوق الإنسان والتصرف بموجب واجباتها وفق القانون الدولي»، مؤكداً على أن «أولئك المسؤولين عن العنف يجب أن يخضعوا للمحاسبة».

نادراً ما يصدر بيان عن مجلس الأمن لا يلقى موافقة جميع أعضائه ال 15 عليه، إنما هناك ربما سابقة أو سابقتان نادرتان حدثتا في السبعينات. دول ال «بركس»، وبالذات روسيا، حاولت الاختباء وراء لبنان وعجزه عن الالتحاق بالإجماع على بيان رئاسي، إنما تدهور الأوضاع على الساحة السورية أجبرها على الالتزام بصدور موقف ما عن مجلس الأمن فضّلت ان يكون بياناً رئاسياً وليس قراراً رسمياً.

الحكومة اللبنانية فضّلت عدم الالتحاق بالإجماع، كي لا تغضب دمشق وخوفاً من انهيار الحكومة اللبنانية، لكنها لم ترغب في أن تتحمل مسؤولية إفشال إصدار البيان الرئاسي أو اختباء أحد خلفها، ولذلك تلقت فكرة ان «ينأى لبنان بنفسه» عن البيان الرئاسي، كما قالت نائبة السفير كارولين زيادة في مجلس الأمن، حيث ان لبنان يعتبر ان البيان «لا يساعد على معالجة الوضع الحالي في سورية».

هكذا أخرجت الحكومة اللبنانية نفسها من الورطة ومن المسؤولية معاً، لم تقف في طريق وحدة مجلس الأمن وإجماعه على بيان قاسٍ وقوي لغته حازمة مع دمشق، وكما قال أحدهم، «رفع لبنان إبطه» ليمرر الإجماع بدلاً من الانحناء أمام الضغوط لرفض أي إدانة لدمشق أو إفشال البيان الرئاسي، مما كان سيؤدي، على الأرجح، الى إصدار قرار. إنما في نهاية المطاف، وسواء كان بياناً رئاسياً أو قراراً مرقماً، لقد صدر موقف بالإجماع دان قمع السلطات السورية للمدنيين ولم تتمكن الحكومة اللبنانية من الالتحاق به، نظراً «لخصوصية» لا تقترن باستقلالية حقيقية بل تقرنها بتبعية. وهذا بالطبع موضع انتقاد لها وإحراج للبنان.

ففي نهاية المطاف تصرفت كل دولة من أعضاء مجلس الأمن بموجب مسؤولياتها بعدما أكثر بعضها التردد والممانعة وتعطيل المحاسبة، فيما استمرت السلطات السورية في إراقة الدماء، فبدت مواقف دول «بركس» كأنها مصدر تشجيع لدمشق للتمادي في التجاوزات، إحساساً من النظام بأنه فوق المحاسبة وتحت حماية حلف الممانعة في مجلس الأمن. وهكذا، أساءت هذه الدول الى الشعب السوري، كما ساهمت في تضليل النظام السوري للتوهم بأنه لن يُحاسَب.

لكن شبح المحاسبة والمحاكمة سيبقى يُلازم الأنظمة العربية، التي خرجت شعوبها الى الشارع مطالبة اياها بالرحيل والتنحي، مع اختلاف نسبة الخوف من المحاسبة الدولية مقارنة بالمحاكمة المحلية، فمشهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك مستلقياً على سرير المرض في قفص الاتهام ليخضع للمحاكمة لا شك مشهد مرعب لأي رئيس يراقب انتفاضة شعبه ضده. ولربما، كما يقول البعض، تزيد محاكمة حسني مبارك ونجليه علاء وجمال معه في القفص بالثوب الأبيض الإلزامي للمتهمين، من تمسك رجال الحكم في الدول العربية الأخرى بالسلطة ورفضهم التنحي، خوفاً من المحاكمة الشعبية أو المحاكمة الوطنية لهم.

ولربما أيضاً قد يساهم هذا المشهد المرعب في تفكير رجال الحكم في ليبيا واليمن وسورية بصورة أكثر إيجابية بفكرة التنحي مع المغادرة، وقد يؤدي الى نسف مقولة «لن أغادر»، لأن البقاء في البلاد يغامر باحتمال قتلهم أو محاكمتهم وطنياً، فيما المغادرة بكفالات قد تضمن لهم قدراً أقل من المحاسبة.

وجود الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في المملكة العربية السعودية يحميه، عملياً، من مواجهة احتمال المحاكمة أو المحاسبة داخل اليمن، فلقد عرضت عليه المبادرة الخليجية فكرة التنحي مع كفالة عدم محاسبته أو محاكمته، وبعدما أطال المماطلة بالمبادرة، أدت الأحداث على الساحة الى إصابته ثم توجهه الى السعودية للمعالجة، فبات عملياً خارج المحاسبة طالما هو عملياً في صدد التنحي عن السلطة.

العقيد معمر القذافي رفض الاستماع الى النصائح وعروض التنحي والمغادرة قبل إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة باعتقاله ونجله سيف الإسلام القذافي بتهمة ارتكاب جرائم حرب. قلّص بذلك إمكانيات تأمين مغادرة آمنة له، وحتى عندما عرضت عليه دول ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية فكرة التنحي واستعدادها لاستقباله بعيداً من الملاحقة، خُيّل إليه انه حتى ولو أصبح كما هو الآن مطارداً من قِبَل العدالة الدولية، فإنه فوق المحاسبة. خيّل إليه انه سيطبق نموذج الرئيس السوداني عمر البشير، الذي تمكن من البقاء في السلطة، بل واستقبل مسؤولين غربيين ودوليين بالرغم من مذكرة اعتقاله التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية. لقد غامر بذلك بإمكانية محاكمته وطنياً الى جانب محاسبته دولياً. ربما يدفع مشهد حسني مبارك في قفص الاتهام معمر القذافي الى إعادة النظر ليتنحى ويغادر الى زاوية في أفريقيا، وربما العكس.

أما بشار الأسد، فإنه لا يبدو في وارد الإقرار بأن تصدّع نظامه بات حتمياً، ومازال يعتقد ان الذي سيحاسَب ويحاكَم هم الذين تجرأوا على تحدي نظامه والتظاهر في المدن السورية. قد يؤدي به مشهد حسني مبارك في قفص الاتهام الى إعادة النظر وإعادة جرد الحسابات، ليقرر انه لن يعرّض نفسه لأي محاكمة محلية أو محاسبة دولية، بل انه سيكون أكثر ذكاءً من قيادات تونس ومصر وليبيا واليمن، وسيتنحى بتنظيم وباحترام، وربما العكس.

إنما الواضح تماماً، ان تحوّلاً جذرياً طرأ على الموقف الدولي وعلى موقف دول مهمة وفاعلة في مجلس الأمن وخارجه، فالإدارة الأميركية حسمت أمرها وأكدت عزمها عل تشديد الخناق على النظام في دمشق وقطع حبال الإنقاذ له، بلا عودة. أوروبا واضحة وحازمة في تخليها عن النظام في دمشق، بلا إعادة نظر، روسيا بدأت تعيد النظر في صلب مواقفها، وكذلك الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وربما ما قاله الأمين العام بان كي مون يعكس الأجواء العامة، عندما قال متوسلاً بشار الأسد: «أرجوك الاستماع بانتباه»، وإن «الوضع الراهن لا يمكن استمراره»، و «لا يجوز له ولهم المضي هكذا بقتل شعبهم».

===============

مشهد سيتكرر

الجمعة, 05 أغسطس 2011

وليد شقير

الحياة

يخطر في بال المواطن العربي مع رؤيته مشهد حسني مبارك في قفص الاتهام، التساؤل: كيف لم يفطن الرئيس المصري المخلوع وغيره من الرؤساء، الى مشهد سبق أن شاهده هو قبل سنوات: صدام حسين بكل جبروته في قفص الاتهام؟

يومها قال كثيرون من قادة الرأي إن منظر الديكتاتور العراقي المتفوق على أقرانه من المستبدين بالإجرام والفظاعات التي تحتقر أبسط المبادئ الإنسانية، هو وأفراد عائلته وحاشيته، لا بد من أن يفعل فعله في هؤلاء، فيخففون من غلوائهم ويغيرون من سلوكهم ويحتاطون لإمكان أن يأتي الدور عليهم، فيقبلون على بعض الإصلاحات ويتوقفون عن قتل معارضيهم وتزوير موقف الرأي العام ويلجأون الى شيء من التعددية في النظام السياسي الذي يتبوأون، لئلا يفاجئهم انقلاب الأوضاع ضدهم فيلقون المصير نفسه.

لم يصحّ توقع بعض قادة الرأي هؤلاء. فلا زين العابدين بن علي في تونس ولا مبارك اهتزت ثقتهما بنفسيهما وبقدرتيهما على الاستمرار في سياسات التفرد والقمع وتزوير إرادة الشعب ومصادرة ثروات البلاد. ولا الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ولا الزعيم الليبي معمر القذافي ولا الرئيس السوري بشار الأسد، وغيرهم من الزعماء الذين شهدت وتشهد مجتمعاتهم ثورات وانتفاضات، بدوا أنهم تأثروا بمنظر صدام حسين الذي آل مصيره الى الإعدام في آخر يوم من عام 2006، وليلة عيد الأضحى المبارك.

ارتاح أقران صدام الى نظرية أن ما جرى في العراق هو نتيجة الاحتلال الأميركي، لا سيما أن بعضهم يُصنَّف من أصدقاء أميركا، فيما البعض الآخر ارتاح أكثر الى مصيره نتيجة عدم قدرة أميركا (والغرب معها) على احتلال بلد عربي آخر، إضافة الى احتلالها بلاد الرافدين حيث غرقت في رمال الصراعات المتحركة من كل نوع إقليمي ومحلي، وفي مستنقع نظريات المحافظين الجدد الفاشلة. اطمأنوا الى أن التخلص من صدام جاء نتيجة تقاطع مصالح دول، ولأن العراق بلد نفطي... وهذه عناصر غير متوافرة في كل من بلدانهم. ألم نسمع، مثلما نسمع الآن، في كل بلد عربي، انه غير العراق وأن مصر غير تونس وأن اليمن ليس كمصر، وليبيا ليست مثل تونس، وأن سورية ليست كليبيا؟

أعمى كل ذلك بصيرتهم فلم يقيموا وزناً لحقيقة أن الشعب العراقي، بما فيه الشرائح المعادية للمحتل الأميركي، أعطى تغطية كاملة للغزو في نيسان (ابريل) 2003، لأن أولويته التخلص من الطاغية بأي ثمن، وأن الأساس الذي سوّغ الاحتلال هو بلوغ الذروة في نقمة الشعب على الاستبداد.

فاتهم وهم يطمئنون أنفسهم الى أنهم مختلفون عن صدام، أن شعوبهم هي أيضاً استوعبت درس بغداد ومفاعيل التدخل الخارجي، الى درجة أن النقمة على المستبدين بها فاقت ذروة نقمة الشعب العراقي الذي لم تحرجه الاستعانة بالمحتل، فبلغت ذروة أشد وأعلى في مفاعيلها: الاستعاضة عن المحتل بالنزول الى الساحات بالصدور العارية والتضحية بالنفس. لقد اقتنع المواطن العربي المقهور، أكثر من حكامه المستبدين، بصعوبة الاستعانة بالخارج للتخلص منهم، بل اقتنع بأن الخارج يعين الطغاة على البقاء فوق صدره. وثبتت صحة هذا الاقتناع الشعبي. فالخارج سعى الى حماية الحكام، ولم يبدأ تعديل موقفه إلا نتيجة إصرار الثورات على هدفها ببذل الدم وإظهار الجرأة الفائقة على رفض الخضوع للإجرام والإذلال. وبهذا، انقلبت المعادلة: تخاذل الخارج وتقاطع مصالحه مع الأنظمة أخذ يعينها على البقاء بدلاً من أن يعين الشعوب على تغييرها.

إذا كان اختلاف المعادلة ينتج بالتدريج تغييراً، على ارتفاع كلفته الوطنية تبعاً لحالة كل بلد من البلدان التي تشهد محطات الربيع العربي، فإن انعدام تأثير مشهد إعدام صدام على الحكام عام 2006، لن يختلف عن انعدام تأثير مشهد مبارك على أقرانه من الحكام، فهم سيتمسكون بمواقعهم ويواصلون القتل والقمع. لكن اندفاعة الشعوب نحو التغيير ستجعل مشهد مبارك يتكرر حتماً، مثلما كرر مبارك مشهد صدام.

===================

سوريا ولبنان: حكومة واحدة لمواجهة شعبين...

حسان القطب

الجمعة 5 آب 2011

المصدر: موقع بيروت أوبزرفر

لقد اعتاد الشعب اللبناني بكل مكوناته أن يكون إلى جانب الشعوب المظلومة والمقهورة دون تردد، ولطالما سارت التظاهرات الشعبية في شوارع بيروت وسائر المدن اللبنانية تأييداً للثورات الشعبية المنتفضة ضد الاستعمار والأنظمة الديكتاتورية المتسلطة. ولم يكن يدرك أو يظن أي مواطن لبناني انه سيمنع يوماً من التعبير عن رفضه وإدانته لمسلسل القتل والاعتقال والتعذيب الذي تمارسه القوات السورية بإمرة بشار الأسد وشقيقه ماهر ضد الشعب السوري الذي خرج سلمياً ليطالب بحقوقه المشروعة في العيش الحر والكريم. فعصابات التزلف والانتماء لمحور العبودية التي هاجمت المعتصمين بوحشية أمام السفارة السورية تأييداً لمطالب الشعب السوري، ما كانت تفعل ما أقدمت عليه لولا أنها تحظى برعاية وعناية وتغطية من قوى مهيمنة على كل القرارات والمؤسسات، فغابت القوى الأمنية، واختفت أجهزة المخابرات التي لطالما اعتقلت بعض الإسلاميين بتهمة (التفكير) وليس التنفيذ، ولم يكلف جهاز امني واحد نفسه عناء شرح ما جرى أو الإشارة إلى متهمين مفترضين..ولم يطلب وزير صحة حركة (أمل) في حكومة اللون الواحد والرأي الواحد، من المستشفيات رعاية المصابين جراء اعتداءات عصابات (الشبيحة) على المواطنين الأبرياء على حساب وزارة الصحة كما جرت العادة عندما يقع اشتباكات بين قوى محلية.. ووزير خارجية حركة أمل وحزب الله (عدنان منصور) اجتمع مع السفير السوري وتباحثا في كيفية مواجهة البيان الرئاسي لمجلس الأمن، باعتبار أن لبنان هو ممثل المجموعة العربية في الأمم المتحدة.. وكان من الأجدى أن يساءل وزير الخارجية لو كان يمثل كل لبنان، السفير السوري عن سبب اعتداء شبيحته المحليين والمستوردين على مواطنين لبنانيين أرادوا التعبير عن رأيهم بحرية وبسلمية مطلقة..

هذه الحكومة مع الأسف بسياستها الخارجية لا تمثل لبنان ولا الشعب اللبناني بل تمثل سياسة فئة تمارس الفئوية والانخراط في سياسات إقليمية ومحاور دولية تفرض رأيها وسلطتها بقوة السلاح والمسلحين على جمهورها وأبناء شعبها، وما يجري في سوريا من إحداث مؤلمة وجرائم تصفية توازي التطهير العرقي والديني الذي مارسته الفاشية في زمانٍ غابر ويعاقب عليه القانون الدولي، والمشاهد التي تبرزها شاشات التلفزة تقشعر لهول فظاعتها كل الأبدان، باستثناء السلطة اللبنانية التي تهربت من مسؤوليتها الإنسانية تجاه الشعب السوري الشقيق وتجاهلت أناشيد الوحدة العربية وثقافة شعب واحد في وطنين التي أتحفنا بها نظام سوريا خلال تسلطه على لبنان وشعبه، لتشارك نظام الأسد هواية التنكيل بأبناء الشعب السوري والإمعان في إطالة أمد عذابه وأوجاعه، عبر الامتناع عن التصويت، ولا ادري كيف يقول سماحة مفتي الجمهورية أن الرئيس ميقاتي هو ابن دار الفتوى وهو الذي يتجاهل عذاب اللبنانيين في شارع الحمراء وأمام السفارة السورية دون أن يحرك ساكناً، ويوافق على سياسات أمل وحزب الله الفئوية المؤيدة لنظام سوريا الذي يمعن في شعبه قتلاً وتنكيلاً، ويتجاهل المشردين من النازحين السوريين القادمين إلى لبنان هرباً من آلة القمع الرسمية السورية.. وكانت أوردت جريدة اللواء كيف تم اتخاذ موقف لبنان من البيان الرئاسي قبل إعلانه (وبحسب المعلومات، فإن الوزير عدنان منصور طلب تمديد الوقت المستقطع ساعة ونصف الساعة، أجرى في خلالها اتصالات مع الرؤساء الثلاثة، وكذلك جرى اتصال بالعاصمة السورية للاستئناس برأيها، واتخذ في ضوئها الموقف اللبناني المعلن) قبل أن نسمع ما قالته مندوبة لبنان في مجلس الأمن من أن: (ما يصيب لبنان يصيب سوريا وما يصيب سوريا يصيب لبنان وهذا ما يشهد عليه لبنان وقلب اللبنانيين إلى جانب سيادة سوريا ووحدة أرضها وشعبها وامن أبنائها، نعزي ذوي الضحايا ونتمنى أن يثمر الإصلاح في سوريا لكن لبنان يعتبر أن البيان لا يساعد على حل الأوضاع في سوريا لذلك فهو ينأى بنفسه عنه)... هذا الكلام لا يمثل سوى من نطق به ومن أشار بإعلانه، فقلوب اللبنانيين مع الشعب السوري ومع حريته وكرامته وسلامته ووحدة أراضيه، ومع حقه في ممارسة حقه المشروع في الانتخاب الحر وتشكيل الأحزاب وتداول السلطة، ولكن الفريق اللبناني المسيطر اليوم على السلطة نراه مؤيداً للنظام السوري بما هو عليه اليوم، لأن هذا الفريق يمارس السلوك نفسه في لبنان، فنظرة إلى ما يجري من اعتداءات في قرى الجنوب( رب ثلاثين، والعديسة وحولا) وعلى الأراضي في قرى قضاء جبيل( لاسا، والعاقورة والغابات) وبعض قرى كسروان، على البشر والأملاك العامة، ومع ذلك تقف الدولة عاجزة عن ردع المعتدين وحماية المواطنين، ويضاف إلى هذا اعتداءات طالت وطاولت القوات الدولية التي جاءت أصلاً لحماية لبنان واللبنانيين وتطبيق بنود القرار 1701، فإذا كانت القوات الدولية بحاجة لحماية، فمن يحمي المواطن اللبناني من السلاح المنتشر بفوضى شعار ثلاثية (المقاومة والجيش والشعب)..

 منذ فترة قدم وزير الدفاع الألماني كارل تيودور تسوغوتنبرغ استقالته من منصبه على خلفية الفضيحة التي لاحقته حول قضايا احتيال وسرقة لفصول ومواد ضمنها في أطروحته لنيل الدرجة الأكاديمية الدكتوراه. هذه هي الدول الديمقراطية والروح الديمقراطية التي تؤسس لبناء مجتمعات متقدمة ومتطورة تحترم الفكر والقلم والإنسان وحرياته السياسية والإعلامية، فاستقال الوزير احتراماً لنفسه ولمجتمعه، وما ارتكبه هذا الوزير لا يقاس بما يرتكبه بشار الأسد وقيادته بحق مواطنيه وشعبه، ونحن في لبنان مع الأسف قد أصبح لدينا قيادات من الصنف عينه، فأعضاء في حزب ممسك بالسلطة يرفض قرار اتهامي ويعلن انه لن يتعاون مع القضاء ويبقى في السلطة ولا يستقيل، ويمارس أعضاؤه كافة ما اشرنا إليه من تعديات واعتداءات، دون أن يرف له جفن أو يقدم على الأقل اعتذار ويتحدث عن سلطة الدولة المغيبة في عهد الحكومات السابقة ويمنع القوى الأمنية من التحقيق في انفجار منطقة (الرويس) في الضاحية الجنوبية، إلا بعد أن قام بتنظيف مسرح الانفجار، وحزب أخر يبني مؤيدوه آلاف المنشآت على أراضي الدولة العامة وبعض الأراضي الخاصة، ويبقى رئيسه رئيس السلطة التشريعية، ويقدم نفسه حامي الوطن والدستور..؟؟

بناءً على ما نراه ونلمسه فنحن شعبي لبنان وسوريا نعيش تحت سلطة فريق واحد ولكن بأسماء مختلفة ونعاني من سياسة التسلط والقهر عينها ولكن بنسب متفاوتة.. لذا نقول أن انتصار الشعب السوري لا بد آتٍ، وأن عليه بعد أن ينجز التغيير ويبني سلطته الديمقراطية الحرة من أن يعيد النظر في علاقاته مع كل من أساء إليه وتجاهل معاناته واتهمه بالعمالة والطائفية والمذهبية والخيانة وغيرها من أوصاف غير صحيحة وغير لائقة، وان يتعامل بالمثل مع كل من أطال أمد أزمته ومعاناته من قوى دولية ومحلية، وحتى ذلك الحين يمكننا القول أن في سوريا ولبنان حكومة تمارس سياسة واحدة ومهمتها مواجهة وإخضاع الشعبين اللبناني والسوري..

============================

الربيع العربي... ونهاية الجمهوريات الوراثية

د. شفيق ناظم الغبرا

تاريخ النشر: الخميس 04 أغسطس 2011

الاتحاد

لا شك أن ما وقع مع بعض الرؤساء العرب، يثير أسئلة كثيرة عن دور السلطة والسياسة في الحياة العربية، فقصتهم لا تختلف عمّن سبقوهم في التاريخ العربي، فكم من ثورة وكم من اغتيال وانقلاب وقع في تاريخنا القديم والحديث؟

لكن حكام ثورات 2011 مختلفون لأنهم آخر السلالة غير الديمقراطية، ولذا فإن الرؤساء العرب المخلوعين، أو الذين هم في الطريق إلى الزوال، أقل حظّاً ممن سبقوهم لأنهم حكموا جيلاً عربيّاً يختلف عن الجيل الذي أنتجهم. لقد كان البقاء في الحكم هو هدفهم الأهم، إلا أنهم نسوا أن أنظمتهم الراهنة جاءت بانقلابات نتجت عنها إزاحة نظم. ولهذا جاء انقلابهم على ما فعلوه قبل عقود عبر السعي لتأسيس ملك جديد جعل الناس تكتشف مدى تناقض هذه الأنظمة مع تاريخها وشعاراتها. لقد بدأت الثورات في عقول الناس والأجيال الجديدة منذ أن بدأ "السلاطين الجدد" بالانقلاب على جمهورياتهم.

لم يقرأ "السلاطين الجدد" التاريخ، ولم يفهموا كيف يغيّر مجراه. ولم يراقبوا ما وقع في قارات كثيرة من ثورات، لم يفهموا معنى ما وقع في جنوب أفريقيا أو الفليبين أو الأرجنتين والبرازيل والبرتغال وأوروبا الشرقية. ربما لو اعتنوا بما كتب صموئيل هنتنغتون أو فوكوياما أو لاري دياموند أو برهان غليون أو محمد عابد الجابري أو الروائي علاء الأسواني، أو ربما لو أنصتوا لأغاني الشيخ إمام وتعرضوا لشعر أحمد فؤاد نجم أو بعض ما قاله هيكل أو بعض كتابات ماركس ولينين عن الثورات، أو حتى لو قرأوا بعض ما قاله كتاب عرب في صحف تصل إلى مكاتبهم، أو تمعنوا في تقرير التنمية البشرية الأول والثاني والثالث، لربما عرفوا أن الثورة ممكنة وأن أنظمتهم أقل أمناً مما يعتقدون.

وبما أن السلاطين الجدد لا يقرؤون، ويحتقرون الثقافة والمثقفين والرواية والروائيين، وبما أن الصدق والوضوح من أكثر الأمور التي تضايقهم، وبما أنهم يؤمنون بالقوة والأمن والجيش والسلاح كوسيلة للسيطرة، فقد كانوا جاهزين بطبيعة الحال للوقوع في كمين محكم من صناعتهم.

إن مفهوم الحكم العربي الجمهوري السلطاني ينطلق من معادلة بسيطة: فصاحب الحكم يعتقد أنه يمتلك مؤهلات الحكم وذلك لأنه صنع انقلاباً أو وصل إلى الحكم بسبب الحظ، ربما يعتقد أن الله اختاره ليقوم بالمهمة الانقلابية أو وضعه في طريق التوريث. وهكذا أتى الرئيس بطريقة تجعله يؤمن بأنه ليس مضطراً للعودة إلى شعبه، فبما أن الدبابة مسؤولة عن وجوده ووجود من سبقه، فهو يعود إليها في حل مشكلاته مع الناس.

القذافي مثلاً جاء مع انقلاب ضد عائلة السنوسي الملكية، وبن علي قام بانقلاب على الرئيس السابق بورقيبة، أما بشار الأسد فآلت له الدولة من أبيه حافظ الأسد الذي قام بانقلاب عام 1970، أما حسني مبارك فجاءت إليه الرئاسة لأن السادات اغتيل فجأة في نظام سياسي تحكّم فيه الجيش، وعلي صالح قام بانقلابه ضمن المجلس العسكري وتحوّل مثل البقية إلى رئيس مدى الحياة.

إن الرئاسة الجمهورية التي تفتقد أساسيات الشرعية والانتخابات الشفافة تتحول إلى موقع قاتل ومكان تتجمع داخله أخطر أشكال الاحتقان. فالسلاطين الجدد لم يحسبوا للشعب أي حساب، وبالغوا في إسكات الناس وفي ملاحقة منتقديهم.

في إحدى المرات شكك المفكر المصري سعد الدين إبراهيم في التوريث عبر التلفزيون، فكان نصيبه السجن لسنوات خرج منها مشلولاً بعد جلطات دماغية عدة تعرض لها في السجن. أما أيمن نور الذي تحدى الرئيس في الانتخابات فانتهى به الأمر في السجن بتهم التزوير. وفي سوريا كان السجن والعزل وأحياناً التصفية هي المكان الذي ينتهي إليه كل ناقد للنظام. أما في اليمن وليبيا وتونس فالوضع لم يختلف من حيث دمويته وقمعه للآخرين.

لقد قرر السلاطين الجدد أن إلغاء المعارضة ممكن عبر تشويهها، ووجدوا في طرح أنفسهم بصفتهم الطرف الوحيد القادر على ضمان الاستقرار للغرب وللمجتمع المقموع خير وسيلة للاستمرار في الحكم. وقد نجح التوريث السلطاني شكليّاً في مكان واحد: سوريا. وكان الأجدر أن يفكر بشار تفكيراً مدنيّاً. ولكن وراثة الحكم في دولة جمهورية فيها مشكلة أزلية تجعل الوريث أقل قدرة على التحكم في مجريات الأمور، بل كما يبدو من الصورة فقد انقلب الوريث على أسلوب أبيه، فهمّش أطرافاً أساسية اعتمد الأب عليها وأدخل في اللعبة عدداً كبيراً من رجال الأعمال الفاسدين ممن أمعنوا في نهب البلاد. وهكذا تحول النظام الجمهوري الوحيد الذي نجح في التوريث إلى أسوأ نموذج للتوريث.

وفي الثورات العربية تبين مدى ضعف موقع رئاسة الجمهورية والسلطة، وتبين كم هو زائل في دقائق أو ساعات أو أشهر، وتبين كم تغيّر معنى السلطة نسبة إلى معناها قبل عشرين سنة، فهي قد تسقط بسرعة البرق وتتبخر بسرعة البخار. وقد تبين عبر الثورات أن رئاسة الجمهورية في بعض البلدان فقدت كل قيمة بسبب بعدها عن الشعب.

والراهن أن الثورات العربية تعيد الكرسي الرئاسي إلى موقعه، بل إنها تستعيده بعد أن حلّق بعيداً وراء الدبابات والجيش وقوى القمع. فالسلطة السياسية أساساً مكان لتوسط خلافات المجتمع ولحماية المصلحة العامة وتنمية البلاد وإنشاء مشاريع فعلية وحماية حقوق الأفراد وتوازن السلطات.

وفي الثورات العربية لا يوجد قائد أو زعيم، وفي الثورات لا يوجد رئيس، ومع ذلك توجد حركة ونشاط ونجاح ونفوذ وتأثير. في العالم العربي ينبثق مفهوم جديد للقيادة يختلف عن كل ما عرفناه في القرن الماضي.

===============

أوضاع سورية مستقرة

د. حسن عبدالله عباس

الرأي العام

4-8-2011

قبل أيام خرج تصريح لوكيل المراجع السيد المهري ومن سورية بأن الأوضاع هناك مستقرة وهادئة، وطمأننا السيد بأن سورية قوية لكنها تتعرض لمؤامرة كبرى. قد يكون خبر التصريح قديام بعض الشيء لأنه قد مضى عليه أسبوع أو أكثر، لكن بما أن الوضع السوري ما زال مشتعلاً والأكثر ظهوراً هذه الايام بعد المجاعة في الصومال، لا بأس لو علقنا قليلا على كلام السيد.

الوضع السوري يا سيد ملتهب ولسنا في حاجة أن تعطينا تقريراً وبياناً صحافياً. فمع أن الصورة الشهيرة والمعلومة عن سورية أنها على وشك الوصول لمرحلة حرب أهلية، إلا أن سماحتكم تقولون بأنها «مستقرة». يعني لو كان التصريح قريبا من الوضع بمفردات مخففة وفيها شيء من التورية لقبلنا وقلنا بفرضية الاحتمالات، لكن أن تقطع الشك الثوري والمشتعل هناك بيقين الاستقرار والهدوء، فهذه أظنها قوية شوي! بظني أن أحداً لن يقتنع بكلامك باستثناء أكثر محبيك شوقاً لتصريحاتك وهم الإسلاميون!

سيد، إن كان النظام السوري بنفسه خرج منزعجاً مما يجري على أرضه، فهل نتركهم ونصدق تصريحاتك. فماذا نفعل بتصريحاتك ووزير الخارجية السوري المعلم هو بنفسه أبدى انزعاجه مما يجري واتهم الاوروبيين بأنهم يزيدون نار الفوضى حطباً ووقودا، وعاتبهم ووبخهم بل ومسحهم من خريطة العلاقات الديبلوماسية السورية. فهل نصدق بيانكم الصحافي أم كلمة الرئيس السوري في اكثر من مناسبة وآخرها قبل يومين مع الجيش الذي أكد أمامهم أنه سيسحق المتآمرين!

ليس من المناسب يا سيد أبداً أن نتحدث بلغة بسيطة في ظل وجود كم هائل من المعلومات والقنوات. فهذه السطحية في تبسيط المسائل لا تبدو مقنعة فضلاً عن أنها تحسب على الانحياز الطائفي الذي بلا شك يضر بعلاقات المسلمين خصوصاً أنك معمم وتصريحاتك بالتأكيد سيكون لها امتداد مذهبي بلا شك.

نعم يمكن القول بأن سورية ولبنان مثلث برمودا الشرق الأوسط، فهذه المنطقة تحمل متغيرات وظروفا بالغة التعقيد بحيث تجعل من الإنسان يحرص ألا يبدي رأياً متعجلاً طالما أن إسرائيل والجولان وأميركا وإيران و«حزب الله»، والتاريخ، والطوائف المتنوعة، و«البعث»، والحريات، والأنظمة الشمولية، والديموقراطية، وتنوع الولاءات، كلها ظروف وخيوط تتقاطع في هذه الجغرافيا. فهذا المقدار مقنع لحد كبير ولدرجة أن الدول العدوة والصديقة والمؤسسات الدولية لم تأخذ موقفا واضحاً ومحدداً تجاه ما يدور هناك بأكثر من ابداء الاستياء. من هنا نراك تبالغ بالانحياز للنظام السوري على حساب شعب أعزل. نعم قد يكون في الثورة من هو متآمر ومتطفل وطالب للفتن، ولكن بالتأكيد من بينهم من هو مطالب للحرية ولحقوقه المشروعة للعيش بكرامة.

===============

سوريا: أفق مسدود أمام النظام!

علي حماده

النهار

4-8-2011

لغاية الآن لا تبدو على حركة المجتمع الدولي علامات الاستعجال لتشكيل جبهة دولية عريضة تتصدى للنظام في سوريا ردا على استخدامه العنف المفرط لقمع الثورة السلمية التي تشهدها البلاد. فاقتحام المدن والقرى بالدبابات الثقيلة، واطلاق النار على المدنيين العزل في الطرق والساحات، وقتل عشرات الاطفال ومئات النساء وبينهن حوامل، فضلا عن بلوغ العدد الاجمالي للشهداء ما يقارب الالفين والجرحى ثمانية آلاف والمعتقلين خمسة عشر الفا، كل هذا السلوك الذي لا يختلف عن سلوك اسرائيل مع الفلسطينيين تحت الاحتلال لم يكن كافيا لتحريك مجلس الامن بالمستوى الموازي لخطورة الافعال المشار اليها. والحال ان النظام في سوريا وهو يتلمس على ارض الواقع حجم الكراهية التي تكونت ضده في قلوب السوريين على مر العقود، وقد تعمقت اكثر فاكثر مع ارتفاع اعداد شهداء الحرية والكرامة، يدرك ان الاصلاحات اللفظية او المكتوبة على الورق والتي لا تجد طريقها نحو التنفيذ الفوري تموت لحظة الاعلان عنها، وخصوصا ان النظام الذي يزعم الاصلاح يزيد وتيرة حربه ضد المدنيين الثائرين في سبيل الحرية. فالقتل لا يفتح الباب على الاصلاح. و"البروباغاندا" الكاذبة والتافهة عمليا لا تكسب الرئيس السوري حب شعبه بل تكسبه احقادا اكبر من رئاسته، الى حد ان ارث والده الرئيس الراحل حافظ الاسد بات يمثل هدفا اسمى ينبغي بلوغه لاسقاطه كما التماثيل في المدن، ودفنه كما الخوف في قلوب الناس الذي دفن ولن تقوم له قيامة بعد الآن.

يستطيع الاسد الابن الاعتماد على الموقف الروسي الميركنتيلي لتأخير قيام جبهة دولية عريضة ضده، مثلما يمكنه الاعتماد على موقف الصين الذي لا يقيم وزنا للحريات العامة والفردية وهي التي اطلقت دباباتها النار على المتظاهرين المدنيين في ساحة "تيانينمين" قبل سنوات طويلة، وتواصل سياسة القمع المبرمج في التيبت ومناطق كسينكيانغ في الغرب ضد المسلمين. ويستطيع بشار الاسد الاعتماد تحديدا على الموقف العربي المشين، ومن ضمنه موقف لبنان الديموقراطية الوحيدة في العالم العربي بعدما سقطت بين براثن "حزب الله" فصارموقفه المخجل والمعيب في مجلس الامن يصاغ في حارة حريك او في احد اقبية المخابرات السورية نصرة لقتلة الاطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل في سوريا. كيف لا وحكومة لبنان هي "حكومة قتلة قادة الاستقلاليين" وتأتمر بأوامرهم. مشهد يعكس تحالف القتلة في البلدين؟

كل ما تقدم لا يعني ان النظام في سوريا قادر على النجاة من الثورة العارمة ضده. فالقتل يزيد الناس اصرارا وتصميما ونكرانا للذات واستعدادا لتقديم الارواح من اجل التخلص من الظالمين. وتلكؤ الخارج عن نصرة ثورة سوريا يزيدها قوة واستقلالية ويكسبها احتراما داخليا وخارجيا عارمين ويمنحها مشروعية تاريخية. كل الافاق مسدودة امام النظام في سوريا لأن قلوب الناس اقفلت نهائيا بوجه بشار الاسد وما يمثله من ارث. ارث سيكتب التاريخ انه كان مرحلة سوداء من تاريخ سوريا والعرب، فتخلص منه احرار سوريا ذات يوم!

================

شبيحة النظام السوري في قلب عمان

ياسر الزعاترة

الدستور

4-8-2011

ما قامت به حفنة من «شبيحة» النظام السوري في عمان ضد الذين اعتصموا على باب السفارة السورية في عمان (ليلة الأربعاء) مثير للغثيان، وهو يشير إلى الدرك الأسفل الذي بلغه النظام وأزلامه، ليس في داخل سوريا فقط، بل في الخارج أيضا، حيث تابعنا شيئا من نشاطات شبيحة الخارج في أكثر من عاصمة عربية وعالمية.

ما قامت به تلك الحفنة يعكس طبيعة النظام الذي تدافع عنه، وهي طبيعة باتت مفضوحة ويدركها سائر العقلاء. إنها طبيعة تكره الحوار والعمل السياسي السلمي، وتفضل عليه سياسة العنف ضد المعارضين، ومن يتابع ما يفعله النظام بالمدن السورية يدرك ذلك بكل وضوح.

الأسوأ بالطبع هو قيام بعض قومنا بالرحيل إلى سوريا والحديث باسم الأردنيين تأييدا لنظام القمع في دمشق، وهي ممارسة لا تليق إلا بالغوغاء الذين ينحازون للظلم ضد أشواق الشعوب في الحرية والكرامة.

بوسع بعضهم أن يبرروا ما يفعلون بحكاية المقاومة والممانعة، ويضعوا فلسطين شعارا لأقوالهم وأفعالهم، لكن ذلك لن يخفي حقيقة أن من بينهم مرتزقة ينحازون لمصالحهم، بدليل أن من بينهم من يناصر نظام القذافي أيضا، ذلك الذي لم تعرف له مقاومة ولا ممانعة منذ سنوات طويلة، تحديدا منذ أن قرر أن يقايض قضايا الأمة وثروات ليبيا ببقائه؛ مجرد البقاء.

على أن فلسطين التي بارك الله فيها وحولها لا تقبل مثل هذه الممارسة، وهي أطهر من أن تُستخدم شماعة لتبرير القمع والطائفية المقيتة، وتالله إننا نفضل أن تبقى فلسطين محتلة على أن تكون مبررا لقمع الناس وقتلهم باسمها، لأن دم المسلم أكرم عند الله من الكعبة، وبالضرورة من فلسطين. نقول ذلك من حيث المبدأ رغم إيماننا الذي لا يتزعزع بأن أنظمة تدوس كرامة شعوبها الأبية لا يمكن أن تساهم في تحرير فلسطين على نحو حقيقي ومقنع.

عشنا لفلسطين ونؤمن بقضيتها ونحمل همها وهم أهلها وأسراها وشهدائها، وننحاز للمقاومة والممانعة دون تردد، لكننا نأبى على أنفسنا أن نقايض حريتها بحرية شعب عظيم مثل الشعب السوري كان على الدوام منحازا لها أكثر بألف مرة من نظام يدافع عن وجوده أكثر من أي شيء آخر، ومن سمع كلام رامي مخلوف لصحيفة نيويورك تايمز سيدرك عن أي نظام يدافع.

«صمتكم يقتلنا».. قال السوريون للعرب والمسلمين يوم الجمعة الماضية، ونحن ومعنا كل الشرفاء في هذه الأمة نرفض أن نكون في صفوف القتلة تحت أي ذريعة كانت، حتى لو كانت تلك الذريعة هي فلسطين أو شعارات المقاومة و الممانعة.

من هنا كان علينا جميعا أن نصرخ بملء أفواهنا، بأن لا للقتلة، ونعم لحرية الشعب السوري، بل نعم لحرية كل شعب عربي دون تفريق بين شعب وآخر، فالطغاة لن يكونوا في يوم من الأيام سوى عبيد لأهوائهم، وحتى لو نصروا الحق في وقت من الأوقات، فهم إنما يفعلون ذلك من أجل مصالحهم لا أكثر.

من شاء أن يشارك في جريمة الصمت التي تقتل السوريين الشرفاء، فليبؤ بالإثم وحده، أما الشرفاء في هذه الأمة فلن يتورطوا في جريمة كهذه، وسينتصرون لكل شعب عربي يثور على الظلم مهما كان حاكمه والشعارات التي يتبناها، مع أنهم يؤمنون بأن من ينتصر للمقاومة والممانعة لن يقف ضد شعبه بحال من الأحوال (هل يقاوم النظام ويمانع بعضلاته وعضلات المنتفعين من وجوده وفساده، أم بشعبه ومقدراته؟!).

نقول لإخوتنا السوريين، ولإخوتنا الليبيين، ولسائر الثائرين على الظلم: لا تؤاخذوا أمتكم بما يفعل السفهاء، وتذكروا أن الغالبية الساحقة من أبنائها تقف معكم دون تردد، فواصلوا ثورتكم على الظلم حتى يأذن الله بالنصر القريب.

================

هل الجيش السوري أخطأ الاصطفاف ؟

د. أميمة أحمد

القدس العربي

4-82-1011

 في 8 آذار/ مارس من عام 1963 قامت مجموعة من ضباط الجيش السوري بانقلاب على النظام المدني القائم آنذاك ، وسميت الحركة الانقلابية ' ثورة 8 آذار قام بها الضباط الأحرار' ، هؤلاء الضباط الذين لم تتجاوز أعمار أغلبهم الثلاثين عاما حملوا أحلاما عراضا ندية بالأماني ، تبشر بحياة أفضل للشعب السوري، وكان بين هؤلاء الضباط حافظ الأسد ومعه صلاح جديد وعبد الكريم الجندي وأمين الحافظ وغيرهم وضعوا حياتهم على أكفهم ليصنعوا حياة أفضل للشعب السوري ، الذي التف حولهم وكله أمل بتحقيق الوعود الوردية ، داخليا تمثلت بالعمل، التعليم ، الصحة ، خدمات اجتماعية ، اختيار ممثليهم في النقابات والبرلمان ، وخارجيا ، اعتبارها قضية العرب المركزية ، ويبقى الاستقلال منقوصا مادامت فلسطين محتلة ، لذا تحريرها من أولويات المهام الوطنية ، كانت الأحلام أقرب لحلم جميل قبل طلوع الفجر، وبهمة عنفوان هذا السن الشبابي أرادوا تحقيق الحلم .

وكان لانقلاب سورية له نظيره في مصر حركة 23 يوليو 1952 التي قام بها مجموعة ضباط بقيادة محمود نجيب ،وبعد صراع على السلطة بين مجموعة الضباط حسم الصراع لصالح الرئيس جمال عبد الناصر الذي ترأس مجلس قيادة الثورة 1954 وحتى وفاته 1970 ، استمد شرعيته من ثورة يوليو ، كما استمد قادة الإنقلاب في سورية شرعيتهم من ' ثورة 8 آذار ' .

تماما كان الصراع في سورية على السلطة ، لذا شهدت سورية ثلاثة انقلابات آخرها انقلاب وزير الدفاع حافظ الأسد على رفاقه نور الدين الأتاسي وصلاح جديد ويوسف زعين وآخرين، قضى معظمهم بالسجن نحو ربع قرن دون محاكمة ، ومات صلاح جديد قي سجنه، ولم ير الحرية ولو لأشهر كما حصل لرئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي الذي توفي بعد ستة أشهر من إطلاق سراحه بسبب السرطان الذي أصابه في سجنه ومُنع عنه العلاج . بانقلاب ' الحركة التصحيحية ' كما وصفها قائد الانقلاب ، وأصبح رئيسا للبلاد منذ 1970 حتى وفاته 2000 ، وورث الحكم لابنه طبيب العيون بشار بعدما مات الوريث الحقيقي باسل في حادث سير عام 1994.

ادعى الحكم الجديد العسكري بلباس مدني ،انه سيحقق العدالة الاجتماعية في توزيع ثروات الوطن على المواطنين ، بعدما كانت حكرا على الأثرياء .

المقايضة كانت واضحة ، عدالة اجتماعية مقابل القبول بعدم المشاركة السياسية وبالتالي غياب الحريات الديموقراطية ، وإعلام رسمي يمتدح النظام لدرجة ' تأليه ' القائد في عهد الرئيس حافظ الأسد واستمر الحال إلى وريثه . كان الثمن باهظا لهذه المقايضة ، حيث تصحرت الحياة السياسية قي سورية بعدما كانت تعج بالأحزاب وتعددية الآراء من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين والانتخابات البرلمانية ، وكان النائب بالبرلمان جدير بالتفويض الشعبي الذي تمنحه له أصوات الناخبين ، يعني ' نائب ' ملوو هدومو ' يمثل الشعب عن جدارة ، لكن في ظل نظام البعث قائد الدولة والمجتمع وفق المادة الثامنة من الدستور السوري ، غابت الحريات تماما .

هذا الجيش السوري الذي كان مطمعا للشباب للانتساب إليه ليصبحوا ضباطا شرفاء يذودون عن حمى الوطن ، وخرجت أغاني للقوات المسلحة السورية في معركتها مع التنمية وفي مواجهة العدو رغم هزيمة 1967 .

اليوم ينعقد اللسان دهشة والشعب السوري يرى دبابات جيشه الوطني تطوق المدن والبلدات لسورية ، وأفراد من الجيش الجيش رفقة المخابرات بأجهزتها المختلفة يقتلون الشعب بدم بارد ، ترى هل أخطأ الجيش في اختيار موقعه من انتفاضة السوريين على الظلم والفساد والمحسوبية واحتكار السلطة والاقتصاد من قبل مجموعة اقرب للعصابة من أن تكون أفرادا في الدولة ؟ لماذا لم يقف الجيش السوري موقف الجيش المصري من انتفاضة مصر؟ لماذا لم يقف مثل موقف الجيش التونسي ؟ كان للجيشين موقف يحسب لهم باختصار فترة الاحتجاجات والمواجهات مع الأجهزة الأمنية للنظامين وبلطجيتهما ، وبالتالي حقن دماء الشعب ، فكلفة الثورة التونسية 280 شهيدا في أربع أسابيع ، وكلفة الثورة المصرية نحو 600 شهيد في نحو ثلاثة أسابيع، بينما كلفة الانتفاضة السورية منذ انطلاقتها في 15 مارس / آذار الماضي تجاوزت 2500 شهيد ، و 15 ألف معتقل ، وأكثر من 11 ألف نازح لدول الجوار بعد حملة قمع شرسة ضد المدنيين ، يتساءل المرء لماذا لم يعلن أي من قادة الفرق العسكرية الانشقاق عن الجيش كما حصل في الجيش الليبي والجيش اليمني ؟ لماذا لم يقدم أي مسؤول بالخارجية استقالته ، بل على العكس طلع وليد المعلم رئيس الدبلوماسية السورية ' بشطب ' أوربا من الخارطة . لكن هناك قناعة أن الجيش السوري الوطني سليل البطل يوسف العظمة لايمكن أن يخون قسمه بالدفاع عن أمن الوطن وحماية الشعب ، وإن انساق خلف دعاية النظام وما يروجه من ترهات ' جماعات مسلحة ومندسين ومؤامرة خارجية ' فليس مقبولا له بعد خمسة أشهر أن يسكت على قيام الشبيحة والقوات الأمنية بقتل الشعب ، فليعرف أبناء القوات المسلحة أن النظام يعرف قبل غيره أن دعايته بالتآمر الخارجي غير صحيحة مطلقا ، وآن لهم حسم هذا الوضع الخارج عن القانون الوضعي والإلهي.

===============

النظام السوري يزيد من ازمته تفاقما

د. بشير موسى نافع

2011-08-03

القدس العربي

 منذ فجر الأحد 31 تموز/يوليو، بدأت وحدات مدرعة من الجيش وعناصر أمنية ومجموعات ميليشيات موالية للنظام السوري هجوما دمويا لاقتحام وإخضاع مدينة حماة. في الوقت نفسه، كانت قوات عسكرية وأمنية أخرى تهاجم مدينة البوكمال، وتقتحم الأحياء المتطرفة من مدينة دير الزور، إضافة إلى بلدتي الحراك في أقصى الجنوب السوري والمعضمية في ريف دمشق.

مع اقتراب اليوم من نهايته، كانت قوات النظام قد أوقعت في شعبها أكبر عدد من القتلى في يوم واحد. طبقاً لتقارير وكالات أنباء رئيسية، سقط في حماة وحدها ما يقترب من مائة قتيل، كما سقط عدة عشرات من القتلى في المدن والبلدات الأخرى.

وزعت من حماة صور قتلى بلا رؤوس، وشريطاً يظهر صبياً قتل ذبحاً بيد ميليشيات النظام. واجه أهالي المدينة جيشهم بصدور عارية، في مشاهد غير مسبوقة لمجموعات الشبان تتجه إلى مصدر النيران لا هرباً منها، لتعطيل تقدم القوات المهاجمة إلى الأحياء السكنية. ولأن الهجمة على المدينة لم تتوقف، لم يستطع الأهالي الوصول إلى المقبرة لدفن شهدائهم. في اليوم التالي مباشرة، صدر عن الرئيس بشار الأسد رسالة إلى الجيش السوري، أشاد فيها بولاء المؤسسة العسكرية والأعمال المجيدة التي تقوم بها في مواجهة الشعب.

ما يجمع المدن والبلدات السورية التي تعرضت للهجوم البشع في اليوم السابق لبداية شهر رمضان الكريم أنها شهدت بعضاً من أكثر التظاهرات الشعبية حشداً في الأسابيع القليلة الماضية. ولكنها لم تكن الوحيدة على هذا الصعيد، فخلال الشهور الأربعة الماضية، قطعت الثورة السورية مسافة هائلة، من مظاهرات محدودة ومعزولة في أنحاء متفرقة من البلاد، ضمت بضعة آلاف أو مئات، إلى حركة شعبية واسعة النطاق، احتشد في خضمها الملايين ومئات الألوف من السوريين، تغطي كافة أنحاء الوطن السوري. والواضح أن قيادة النظام تستشعر الخوف والعجز من احتمال تصاعد الحركة الشعبية خلال شهر رمضان، الذي توفر صلوات الجماعة في أمسياته فرصة يومية للحشد الجماهيري، بعد أن أصبحت المساجد مراكز التجمع والانطلاق الرئيسية للمظاهرات. بإخضاع حماة، مدينة الحشد الشعبي الأكبر في أيام الجمعة، وصاحبة الموقع الرمزي الكبير في تاريخ العلاقة الشائكة بين نظام الحكم والشعب، يظن قادة النظام أنهم سينجحون في احتواء الحراك الشعبي ومنع تصاعده في الأسابيع القليلة القادمة. على نحو ما، ثمة من يعتقد في أوساط النظام أن النجاح في قمع الحراك الشعبي هذا الشهر سيكتب الفصل الأخير في معركة الوجود التي يواجهها الحكم.

إحدى مشاكل النظام الرئيسية، وقطاع واسع من حلفائه في الجوار العربي الإسلامي، أنه لم يأخذ الحراك الشعبي في بدايته مأخذ الجد، وتعامل معه باستخفاف متسرع، انعكس في اللغة التي استخدمها الرئيس في خطابه الأول أمام مجلس شعبه، وفي الاستخدام غير المحسوب لوسائل القمع، من القتل إلى الاعتقالات. لم يدرك النظام وقادته طبيعة الثورة السورية وعلاقتها الوثيقة بتيار الثورة العربية الممتدة من الماء إلى الماء، واعتقد أن الأمر لن يستمر طويلاً وأن قواته وأجهزته لن تلبث أن تخمد الحركة الشعبية وتقتلع منظميها وقادتها. وعندما بات من الواضح أن إعلام النظام، أن أجهزته الأمنية، والفرق العسكرية الموالية التي نشرها في كافة أنحاء البلاد، أعجز من احتواء الحركة الشعبية وهزيمتها، وأن الحركة لا تزال مستمرة بعد أربعة شهور طوال من القمع، بات الارتباك السياسي والإجراءات الدموية الفجة السمة الرئيسية لمقاربة النظام للحركة الشعبية.

مع نهايات تموز/يوليو، كان قد أصبح واضحاً أن الثورة السورية وصلت منعطفاً حرجاً: لا النظام يستطيع هزيمة الشعب أو إخماد حركته، ولا الشعب وقوى المعارضة السياسية، التقليدية منها والجديدة، وصلت في حراكها إلى مستوى إطاحة النظام أو حتى إجباره على تقديم تنازلات ملموسة وجادة على طريق انتقال سورية نحو الحرية والديمقراطية والحكم العقلاني. لم تتبق في جعبة النظام (وحلفائه خارج سورية) من وسيلة إلا واستخدمها لهزيمة الشعب، من الروايات الصريحة في زيفها وكذبها، إلى القتل والتدمير والاعتقالات؛ ومن الإصلاحات القانونية السطحية، غير ذات المعنى والأثر، إلى مؤتمرات الحوار الأقل معنى وأثراً. ولكن الحركة الشعبية أيضاً بدت وكأنها وصلت إلى سقف ما. صحيح أن المظاهرات الحاشدة لم تعد تقتصر على أيام الجمعة وحسب، وأن النظام بات يواجه أزمة اقتصادية ومالية متفاقمة. ولكن الصحيح أيضاً أن النظام يتلقى دعماً كبيراً من إيران، حليفه الأوثق على الإطلاق؛ كما أن الطبيعة الغريبة لقيادة المؤسسة العسكرية تجعل من الصعب، وربما من المستحيل، أن ينحاز الجيش بكليته للشعب، على الطريقة المصرية أو التونسية.

في المقابل، استمرت حركة الانشقاقات على الجيش بوتيرة منخفضة وغير مؤثرة، ولم يشهد جسم الدولة أو نظام الحكم (وكلاهما شيء واحد في الحقيقة) أية انقسامات بارزة. إضافة إلى ذلك، بدا أن الضغوط الخارجية على النظام، الإقليمية منها والدولية، قد تراجعت نسبياً، أو أصبحت أقل ثقة في قدرتها على التأثير في الحرب الدائرة بين النظام وشعبه.

مع نهاية تموز/يوليو، باختصار، كان الشعب في أغلبه يقف في مواجهة جسم الدولة/ النظام في كليته، بدون أن تبدو احتمالات مرجحة لتراجع أي منهما عن موقعه، أو قدرة أي من الطرفين على إيقاع الهزيمة بالآخر. الأسابيع القليلة القادمة ستكشف عما إن كان ميزان القوى سيميل إلى هذا الجانب أو ذاك. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن الساحة السورية غارقة في الغموض، وأن ليس ثمة مؤشرات كافية لاستشراف المستقبل القريب.

قدرة الشعب السوري على مواصلة حراكه من أجل الحرية هو المؤشر الأول على الاتجاه الذي يمكن أن ينحاز إليه ميزان القوة بين الشعب والنظام.

والملاحظ في مساء اليوم التالي للهجمات العسكرية  الأمنية الدموية على حماة ودير الزور والبوكمال والمعضمية والحراك، أن كافة أنحاء سورية شهدت سلسلة جديدة من المظاهرات، بما في ذلك أجزاء من المدن والبلدات الواقعة تحت نيران قوات الجيش والأجهزة الأمنية.

وبتصاعد سياسة القمع الدموي غير المبرر، يبدو أن الجيش لم يعد على التماسك الذي بدا عليه في المرحلة السابقة، وأن الانشقاقات عن الجيش لا تستمر وحسب، بل وتطال أعداداً أكبر ومستويات عسكرية أرفع. ولد الجيش السوري في لحظة فريدة من التاريخ العربي، لحظة مواجهة القوى الإمبريالية الغازية وسعي العرب المستميت للحفاظ على استقلالهم الوليد. ومنذ استقلال سورية، خاض هذا الجيش سلسلة من الحروب دفاعاً عن المقدرات السورية والعربية. وبالرغم من الهزائم التي مني بها هذا الجيش في عدد من الحروب العربية  الإسرائيلية، فهذا جيش عربي بامتياز، جيش سورية وشعبها، ومن المؤلم أن النظام الحاكم قد حول قطاعاً واسعاً من الجيش إلى أداة فئوية للحفاظ على وجوده وقمع خصومه، وزج به منذ أبريل/ نيسان الماضي إلى حرب ضد الشعب. خروج مجموعات متزايدة من الجيش على سياسة النظام وقادته وانحيازها للشعب ومطالبه ستكون واحدة من أهم المؤشرات إلى اتجاه ميزان القوى.

ويتعلق المؤشر الثالث بتحرير أحد الميادين الكبرى في العاصمة دمشق والاحتفاظ به، مما سيؤكد قدرة الحركة الشعبية على كسر إرادة النظام وأجهزته. أما المؤشر الرابع فيتعلق بمعضلة الثورة السورية الأبرز: مدينة حلب، التي لم تلتحق حتى الآن بصورة قاطعة ومؤثرة بركب الحركة الشعبية، بالرغم من أنها شهدت بعض التظاهرات المتفرقة والمحدودة.

خارجياً، يتعامل العالم والجوار العربي الإسلامي مع المسألة السورية باعتبارها أزمة سياسية، يمكن حلها بمزيد من الضغوط السياسية على النظام، سواء بالتصريحات أو العقوبات المحدودة أو التهديد بالقانون الدولي. وليس ثمة شك أن الخارج لا يملك وسائل ضغط كافية على النظام السوري. والأمران في الوقع متلازمان إلى حد كبير. فالنظام يتعامل مع الأزمة التي يواجهها باعتبارها مسألة حياة أو موت، وليس مسألة سياسية؛ وهذا ما يجعله أقل اكتراثاً بمواقف الخارج الإقليمي والدولي. ويتصور قادة النظام أن بإمكانهم الارتكاز إلى تحالف إقليمي، يصل طهران ببغداد بدمشق وبيروت، وموقف روسي صيني رافض لتصعيد الضغوط الدولية. من جهة أخرى، ترفض كافة قوى المعارضة السورية، والقطاع الأكبر من الشعب السوري والشارع العربي، أي تدخل خارجي في الشأن السوري شبيهاً بالتدخل في ليبيا. ولكن الأمور قد لا تستمر خارجياً على هذا الوضع. فليس ثمة شك في أن تصاعد مستويات القمع الذي يتعهده النظام سيضعف في النهاية الموقف الروسي - الصيني، ويجعل من الصعب التصدي للقرارت الدولية المحتملة ضد النظام وقادته، سيما إن تحركت القوى العربية الشعبية لمساندة الأشقاء في سورية، على غرار اجتماعات واعتصامات التضامن التي نظمت بالقاهرة طوال عدة ايام، والمظاهرة الحاشدة التي شهدتها مدينة الرباط مساء يوم 31 تموز/يوليو.

طالما استمر نمط استجابته للحراك الشعبي على ما هو عليه، فإن إطالة أمد الثورة السورية ليست في مصلحة النظام بالتأكيد، ولا في مصلحة حلفائه. نظام يخسر شرعيته ومصداقيته لدى القطاع الأكبر من شعبه لا يمكنه الاستمرار في الحكم وكأن شيئاً لم يتغير. وخسارة الإيرانييين والروس داخل سورية وفي الشارع العربي لا يمكن تقديرها. ولكن الخطر أن تطول هذه المواجهة بين النظام وشعبه إلى الحد الذي يهدد وحدة الشعب والوطن السوريين. المؤكد على أية حال أن أوهام النظام حول قدرته على إخماد الثورة التي يواجهها بعدد آخر من المجازر كانت متسرعة إلى حد كبير. ما نجحت فيه المجازر في الحقيقة كان أن ضاعفت من أزمة النظام تفاقماً.

===============

المعارضة السورية والشرط الأميركي

الخميس, 04 أغسطس 2011

حسان حيدر

الحياة

ثمة اسئلة كثيرة عن حقيقة الموقف الاميركي مما يجري في سورية، وعن اسباب تلكؤ واشنطن في دعوة بشار الأسد الى التنحي رغم تصاعد حملة القمع الدامية في مختلف المدن. ومع ان ادارة باراك أوباما تقدم بعض الاجابات على هذه التساؤلات، لكنها تظل مبهمة ومقتضبة وغير قادرة على الاقناع بصوابية المقاربة المعتمدة للوضع السوري، الذي يبدو انه وصل الى طريق مسدود بالنسبة إلى النظام وإلى المعارضة على السواء.

فالحكم في دمشق، الذي اختار الحل الأمني ثم تراجع قليلاً محاولاً كسب الوقت بالحديث عن اصلاحات، عاد فحسم امره في معركة حماة وتخطى نقطة اللاعودة في المواجهة، باعثاً برسائل في كل الاتجاهات بأنه مستعد للمضي في حمام الدم الى آخره اذا بقي العالم مصرّاً على تغييره.

اما المعارضة، التي يشبِّهها ديبلوماسي اميركي بأنها «مثل نهر يجري من دون توقف، لكن ليس هناك من يقوم باستغلال مياهه او يولد منه الطاقة»، فلا تملك سوى الصمود أمام الخلل الكبير في ميزان القوى مع النظام، الذي يمتلك اجهزة امنية متمرسة في القمع، والرهان على عامل الوقت، بأمل حصول تصدع في صفوف الجيش لا يزال من الصعب توقعه.

والأميركيون الذين فهموا الرسالة السورية، لم يردوا عليها بالمستوى المطلوب، وظلت مواقفهم وانتقاداتهم دون التوقعات، متذرعين بالخشية من «المجهول» الذي سيحمله سقوط النظام، ومكتفين بالتلويح بتشديد العقوبات وتوسيعها لتطال مجالات اقتصادية يعرفون تماماً انها قادرة على تركيع النظام لانها تحرمه من ادوات تمويل اجهزته، لكنهم يتوقفون دونها، وهم لذلك سربوا معلومات عن مساعدات ايرانية بالبلايين فيما طهران بالكاد تكفي ذاتها.

لكن ما هو «المجهول» الذي يخافه الاميركيون؟

خلال الاجتماع الذي حصل بين وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وبعض ممثلي المعارضة السورية المقيمين في الولايات المتحدة، كان السؤال الأهم الذي لم يطرح، يتناول التموضع الاقليمي والموقف من اسرائيل في حال تغيير النظام في دمشق. لا الوزيرة وجَّهت السؤال ولا المعارضون تناولوا الموضوع، وبقي الحديث يدور عن توحيد المعارضة وتوضيح مطالبها وعن صعوبة ايجاد واشنطن وسائل ضغط مناسبة على نظام الاسد في ظل الحماية الروسية له.

كلينتون لم تسمع الكلمة-المفتاح التي تتيح لإدارتها تبرير الانتقال النوعي من مجرد انتقاد القمع ودعوات الاصلاح الى مطالبة الاسد بالرحيل، والمعارضة السورية -او عدد كبير من مكوناتها- لا تملك التصرف بهذه المسألة الشائكة وحدها، ذلك ان احد الانتقادات الرئيسية التي يوجهها المعارضون الى نظام الاسد، هو انه استخدم الممانعة شعاراً زائفاً للتفريط بالأرض وإقامة سلام غير معلن مع اسرائيل، فكيف يستطيعون ان يقدموا سلفاً تنازلات الى الاميركيين ويتحدثون عن السلام طالما ان أرضاً سورية لا تزال محتلة؟

التجارب العربية السابقة كانت مضمونة بالنسبة الى واشنطن، فتونس وليبيا بعيدتان عن خط المواجهة، وتيارات المعارضة المصرية أكدت جميعها التزامها معاهدة السلام مع اسرائيل، أما سورية، فقد يؤدي التغيير فيها -وفق مخاوف واشنطن- الى احياء جبهة الجولان، على رغم ان المعارضة ستكون مشغولة لسنوات طويلة بإعادة بناء المجتمع المدني والإحلال التدريجي للديموقراطية بعد اربعة عقود من التسلط.

وإلى ان تستطيع اطراف المعارضة السورية الاتفاق على رؤية موحدة لموقع دمشق ودورها الاقليميين، ستظل المواقف الاميركية من نظام الأسد مائعة وضبابية، ما لم يحصل تغيير من الداخل السوري يجبرها على الوضوح.

================

قانون حماه الجديد

توماس فريدمان

الشرق الاوسط

4-8-2011

يا له من اختلاف صنعته 3 عقود. في أبريل (نيسان) 1982، تم تعييني مراسلا ل«نيويورك تايمز» ببيروت. وقبل وصولي هناك، وصلت أخبار إلى لبنان عن اندلاع انتفاضة في فبراير (شباط) في مدينة حماه السورية المشهورة بنواعيرها على نهر العاصي. وسرت شائعات مفادها أن حافظ الأسد، قد قمع ثورة السنة الإسلامية في حماه بقصف الأحياء التي تمركزت فيها الانتفاضة، وبعدها نسف المباني بالديناميت، ثم تسويتها بالأرض. كان أمرا يصعب تصديقه، كما يصعب التحقق من مدى صحته. فلم يكن أحد يمتلك هاتفا جوالا وقتها، كما لم يكن مصرحا لوسائل الإعلام الأجنبية بدخول حماه.

وفي مايو (أيار) من ذلك العام، حصلت على تأشيرة دخول إلى سوريا، مع إعادة فتح حماه. وقد قيل إن النظام السوري كان «يشجع» السوريين على أن يجوبوا بسياراتهم أنحاء المدينة، وأن يشاهدوا الأحياء التي لحق بها الدمار ويتأملوا حالة الصمت المخيمة. لذلك، استقللت سيارة أجرة في دمشق وذهبت إلى هناك. كان المشهد، ولا يزال، أحد أفظع المشاهد التي رأيتها في حياتي: فقد بدت أحياء بأكملها، في حجم أربعة ملاعب كرة قدم، وكأن إعصارا عاتيا قد دمرها تماما على مدار أسبوع، ولكن لم يكن هذا من عمل الطبيعة.

كان هذا نتاج عمل وحشي غير مسبوق، سلسلة من الصراعات الدامية بين الأقلية العلوية التي ينتمي إليها نظام الأسد والأغلبية من المسلمين السنة الذين واتتهم الجرأة لتحدي نظام الأسد. وإذا تجولت في بعض المناطق التي تمت تسويتها بالأرض، لوجدت كتابا ممزقا أو قطعة ملابس صغيرة. كانت ساحة قتال. ووفقا لمنظمة العفو الدولية، دفن نحو 20.000 شخص هناك. تأملت حالة الصمت المخيمة وأطلقت عليها اسم «قانون حماه».

كان قانون حماه هو قانون القيادة السائدة في العالم العربي. اعتادوا أن يقولوا: «احكم عن طريق التخويف، ازرع الخوف في نفوس الناس بجعلهم يدركون أنك لا تتبع أية قواعد على الإطلاق في اللعب. وبهذا، لن يفكروا مطلقا في التمرد عليك والانقلاب ضدك».

نجحت هذه السياسة لفترة طويلة في سوريا والعراق وتونس وغيرها من الدول العربية الأخرى، إلى أن ثبت فشلها. واليوم، يعيد رئيس سوريا، بشار الأسد، أساليب القتل الجماعي التي انتهجها والده من قبل، سعيا لقمع الانتفاضة السورية الجديدة، المتمركزة أيضا في حماه. لكن، في هذه المرة، يرد الشعب السوري ب«قانون حماه» الخاص به، والتي تبدو لافتة للنظر إلى حد كبير. ولسان حالهم يقول: «نحن نعلم أننا في كل مرة نخرج فيها للتظاهر، ستصوب علينا النيران بلا رحمة. لكننا لم نعد خائفين، ولن نكون ضعفاء بعد الآن. فالآن، سيخاف قادتنا منا. ذلك هو قانون حماه الذي ننتهجه». هذا هو الصراع الدائر اليوم في أنحاء العالم العربي، قانون حماه الجديد مقابل قانون حماه القديم.

إنه أمر جيد بالنسبة للناس. من الصعب المبالغة في تقدير إلى أي مدى أودت مثل هذه الأنظمة العربية الوحشية بحياة جيل بأكمله من العرب، بدخولها في حروب حمقاء مع إسرائيل ومع بعضها البعض، ومن خلال آيديولوجياتها المخادعة التي تخفي تشبثها المقيت بالسلطة ومنهجياتها الوحشية. لم يكن هناك أي أسلوب جيد متاح يمكن اتباعه مع مثل هؤلاء القادة. وعلى الرغم من ذلك، فإن السؤال المهم الذي يطرح نفسه الآن هو: هل من الممكن تحقيق تقدم من دون هذه الأنظمة؟ أي، بمجرد أن تتم الإطاحة بمثل هذه الأنظمة، هل من الممكن أن تتحد المجتمعات العربية المختلفة معا كمواطنين وتصوغ عقودا اجتماعية تتعلق بكيفية تعايشهم معا من دون وجود حكام ديكتاتوريين أصحاب قبضة حديدية؟ هل يمكنهم صياغة مجموعة إيجابية من قوانين حماه لا تعتمد على تخويف أي طرف الطرف الآخر، بل على الاحترام المتبادل وحماية حقوق الأقليات وحقوق المرأة ودعم قيام حكومة توافقية؟

ليس الأمر هينا. فهؤلاء الحكام المستبدون لم يبنوا أي مجتمعات مدنية أو مؤسسات، ولم يكفلوا لشعوبهم تجربة الديمقراطية. يثبت العراق أنه من الممكن من الناحية النظرية التحول من استبداد قواعد حماه إلى سياسات متفق عليها بالإجماع، لكن هذا الحلم تطلب تكاليف قدرها 1 تريليون دولار ووقوع آلاف الإصابات وبذل جهود وساطة جبارة من قبل الولايات المتحدة، إلى جانب تحلي العراقيين بإرادة سياسية شجاعة تمكنهم من التعايش معا، وحتى الآن، لا تزال النتيجة النهائية غير مؤكدة. إن العراقيين يعرفون مدى الأهمية التي شكلناها في مثل هذا التحول، ولهذا لا يرغب كثيرون منهم في أن نغادر.

والآن، سيحاول كل من اليمن وليبيا وسوريا ومصر وتونس القيام بعمليات انتقالية مماثلة - دفعة واحدة - ولكن من دون حكم محايد. إنه أمر غير مسبوق في المنطقة، ويمكننا بالفعل أن نتبين مدى الصعوبة التي سيكون عليها. ما زلت أعتقد أن الدافع الديمقراطي الذي يحدو كل هذه الشعوب العربية للإطاحة بحكامهم المستبدين بطولي وإيجابي جدا. وسيتمكنون من الإطاحة بهم جميعا في نهاية المطاف. ولكن الفجر الجديد سيحتاج وقتا كي يظهر.

أعتقد أن وزير خارجية الأردن السابق مروان المعشر قد تبنى موقفا مناسبا. حدثني قائلا: «لا يمكن لأحد أن يتوقع أن تكون تلك عملية خطية أو أن تتم بين عشية وضحاها». وأضاف: «لا توجد أطراف سياسية حقيقية أو مؤسسات مجتمع مدني مستعدة لتولي مقاليد الحكم في مثل هذه الدولة. ولا أحب تسمية «الربيع العربي»، بل أفضل أن أشير لما يحدث باسم «الصحوة العربية» ومن المنتظر أن تستمر هذه الصحوة على مدار الفترة ما بين 10 إلى 15 سنة المقبلة قبل أن تنتهي. تلك الشعوب تعيش تجربة الديمقراطية لأول مرة. وبالتأكيد ستقع في أخطاء على المستويين السياسي والاقتصادي. لكني ما زلت متفائلا على المدى البعيد، لأن الناس لم يعودوا يشعرون بأنهم قليلو الحيلة.

* خدمة «نيويورك تايمز»

================

عن سلمية الانتفاضة السورية!

أكرم البني

الشرق الاوسط

4-8-2011

لأول مرة، منذ انطلاق التظاهرات الشعبية في سوريا، بت تسمع أصواتا وإن قليلة، تشجع على استخدام السلاح والخروج عن سلمية الاحتجاجات لمواجهة ما يجري من شدة قمع وتنكيل، ولسان حالها يقول، إن الصبر قد نفد ولم يبق من خيار سوى اللجوء إلى القوة والعنف للرد على ما نراه من ممارسات دموية ظالمة وصور مروعة لضحايا الاجتياحات الأمنية والعسكرية في عدد من المدن والمناطق، خاصة مدينة حماه!

ومع تفهم دوافع هذه الأصوات التي يصح ردها إلى ضغط وجداني ورهافة في المشاعر المتعاطفة مع آلام الناس وإلى نيات صادقة تحدوها الرغبة في رد الظلم والاقتصاص من الفاعلين، إلا أن الطريق إلى الجحيم مرصوف كما يقال بالنوايا الحسنة، ويفترض بهؤلاء أن يعرفوا قبل غيرهم أنهم بدعوتهم هذه إنما يذهبون بأقدامهم إلى فخ نصبه أصحاب الخيار الأمني للإيقاع بالاحتجاجات الشعبية ودفعها إلى دوامة العنف، مما يسهل عزلها وتسويغ أشنع أنواع القهر والتنكيل ضدها، وتاليا أن يدركوا أن اللجوء إلى العنف قد يشفي غليل البعض لكنه الطريق الأقصر للهزيمة، وانجرار إلى منطق القوة والغلبة ذاته الذي يناهضونه، مما يهدد بتدمير التراكمات الإيجابية التي حققتها التظاهرات السلمية طيلة شهور وإضعاف شرعية المطالب التي نهضت من أجلها، والأهم إفقاد الحراك الشعبي فئات متعاطفة معه لكنها مترددة، تنفر من العنف والعسكرة بينما نزلت على قلوبها بردا وسلاما الآية الكريمة «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ» حين رفعها المتظاهرون شعارا في غير منطقة ومكان!

ثمة قوى تعمل ليل نهار لتحويل الاحتجاجات من مسارها السلمي والسياسي إلى مسار عنفي وأهلي، تراهن على دور القمع المفرط والبشع في شحن الغرائز والانفعالات وتأجيج ردود الأفعال الثأرية لدفع الناس للتخلي عن توجههم السلمي وتبني أساليب المقاومة العنيفة، وهي لا تضيع فرصة لتغذية ما يمكن من صراعات متخلفة، ولاستيلاد القوى المتطرفة وسربلتها بسربال السلفية أو ربطها بتنظيم القاعدة، كي تخفف ردود الأفعال المحتملة وتشرعن العنف بذريعة مواجهة الإرهاب وعصاباته المسلحة وبدعوى الحفاظ على الأمن والمنشآت العامة وحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم. والنتيجة إخضاع المجتمع ككل لقواعد لعبة تتقنها جيدا وتمكنها من إطلاق يدها كي تتوغل أكثر في القهر والتنكيل مدعومة بما تملكه من خبرات أمنية ومن توازن قوى يميل على نحو كاسح لمصلحتها!

فالمسألة ليست رد فعل أو مسألة انتقام وثأر بل مسألة سياسية وأخلاقية في آن، سياسيا تتعلق بدراسة جدوى التحولات التي يحدثها هذا الأسلوب النضالي أو ذاك في تعديل توازنات القوى، وأخلاقيا تتعلق بالحفاظ على سلامة بنيتنا الإنسانية ونبل الأهداف التي نتطلع إليها، فكيف تستقيم قيم الحرية والخير والعدالة إذا لجأنا إلى طرائق ووسائل لا تنسجم مع رقيها، ولم ننأ بأرواحنا عن تشويهات العنف والتعصب والثأر والحقد؟!

إن الإصرار على خيار السلمية ليس بسبب صعوبة حصول الناس على السلاح، أو لغرض خبيث هو تمسكن المحتجين حتى يتمكنوا، أو لشعور الناس بأنهم من سيرث هذه الأرض وتتفق جهودهم عفويا على منع أصحاب الخيار الأمني والعسكري من تحويلها إلى أرض محروقة، بل لأن الشعب السوري المتعدد الإثنيات والأديان والطوائف والمرتبط بإرث تاريخي وحضاري عريق وبمرارة الحروب الأهلية في بلدان الجوار، متحمس كي يثبت للعالم بأن انتفاضته هي انتفاضة للبناء والمواطنة والتسامح، تلتقي على نبذ العنف والتفرقة وعلى الاحتكام لدولة القانون والمؤسسات، وتحاول على النقيض من الماضي أن تستمد شرعيتها ليس من منطق القوة والإرهاب بل مما تقدمه للناس من ضمانات للمساواة واحترام حرياتهم وعيشهم الكريم. وربما لأنه بخياره السلمي يريد إحياء قيمة أخلاقية كبيرة عن العلاقة الصحيحة الواجب بناؤها بين هدف الحرية النبيل الذي ينادي به وبين الوسائل الشريفة المفترض أن تفضي إليه، والتي تستدعي بداهة احترام حياة الناس وأمنهم وحقوقهم على تنوع منابتهم ومواقفهم ومصالحهم.

من الخطورة بمكان أن يقودنا ضيق النفس وقلة الصبر والجلد إلى تشجيع الرد على الاندفاعات العنيفة والعدوانية بعنف مضاد وباستعراض ما تيسر من عبارات التهديد والوعيد التي عادة ما يستخدمها رجال السلطة وأصحاب الأمر والنهي، ونتناسى ما يخلفه العنف من آثار مدمرة على الكيانات البشرية في حال استحوذ على فضائها السياسي والمجتمعي، فعدا عن الخسائر الهائلة في الأرواح والممتلكات، يمزق أواصرها، ويعمق شروخها، ويفضي إلى عسكرة الحياة وتحويل فئات المجتمع إلى ما يشبه جيوشا معبأة ومتخندقة، خالقا حواجز نفسية حادة بين أبنائها، ومسهلا انتهاك أبسط حقوقهم، ومجهزا بالتالي على مشروع التغيير الديمقراطي من أساسه.

صحيح أنه يصعب تطويق وضبط ردود أفعال الناس ضد شدة ما يتعرضون له من قهر وتنكيل، وصحيح أن التمسك بالنضال السلمي واللاعنفي هو خيار صعب يتطلب تحصينا أخلاقيا رفيعا وقدرة عالية على تحمل الأذى والضرر، ولنقل تدريب الذات على مزيد من الصبر وضبط النفس وعدم الانجرار للرد على الاستفزاز بالاستفزاز وعلى العنف بالعنف، والأهم الارتقاء بروح الإيثار بما في ذلك التضحية بالذات مثلما اختار محمد البوعزيزي والشبان الأبطال في درعا وبانياس ودير الزور وحماه، الذين وقفوا عراة الصدور يطلبون الموت في مواجهة الرصاص الحي وتقدم الدبابات والمدرعات! لكن الصحيح أيضا أن هذا الخيار، ومع تثمين كل صرخة ألم وكل قطرة دم تراق، هو شرط لازم وضرورة حيوية للانتفاضة السورية، أولا، لهزم العنف المفرط ذاته ومحاسبة مرتكبيه، وثانيا، لأنه الطريق الوحيدة لربح المعركة ليس فقط سياسيا وميدانيا وإنما أخلاقيا أيضا، وبداية للنجاح في كسب التعاطف الإنساني وتعديل موازين القوى والتوصل إلى لحظة حرجة يجبر الجميع فيها على إجراء تغييرات جذرية تنتصر للأساليب السياسية السليمة في إدارة الصراع وتاليا للقيم الديمقراطية التي يتوق الناس لتمثلها!

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ