ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 11/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

حكومة ترفد "الشبيحة"!

عبد الوهاب بدرخان

النهار

10-8-2011

هناك نبذ عربي ودولي متزايد للنظام السوري، فما عساها حكومة لبنان فاعلة، هل "تنأى بنفسها"؟ ومع تقلّص الاحتمالات الى: انهيار النظام او وقوع سوريا في فوضى طويلة الامد، هل "تنأى بنفسها" ايضا؟ شرعية نظام بشار الاسد تتآكل، في الداخل والخارج، فهل تضيف الى شرعية حكومة نجيب ميقاتي ام تقزّمها؟ لا احد يعارض مبدأ عدم التدخل اللبناني في الشأن السوري، لكن هل عدم التدخل يعني قبول المجازر التي يرتكبها النظام "انقاذاً" لنفسه؟ لا، انه يعني بالنسبة الى هذا النظام ان تكون حكومة رافدة ل"الشبيحة".

طوال الاسبوع الماضي كان واضحا ان تغييرا في الموقف العربي يسير باتجاه تصاعدي، بعد الاقتحام الارهابي لمدينة حماه، ومثله الموقف الدولي، لكن حكومة لبنان كانت لديها مشاغل اخرى. قبل ذلك، اهتمت العواصم المعنية كافة ب"الفلاشات" التي اطلقها وليد جنبلاط، وبعدها بالموقف الذي اعلنه سعد الحريري. كلاهما اطلق ناقوس انذار. لكن حكومة لبنان قرأتهما بذهنية داخلية ضيقة، وبثرثرات المماحكة، والتموضع، ثم ما لبثت ان اظهرت لبنان في مجلس الامن باعتباره دولة صفرا على الشمال، اي غير جديرة بان تكون في هذا المحفل الدولي في تلك اللحظة. لبنان جدير، حكومته غير جديرة.

اول من امس الاثنين كان يوما عربيا مختلفا بالنسبة الى دمشق، نطق الصامتون السابقون لأنهم لم يعودوا قادرين على بلع جرائم النظام او السكوت عنها. كان الموقف السعودي واضحا وحاسما، بعد المصري والكويتي، وبعد بيان مجلس التعاون الخليجي، وقبل بيان الجامعة العربية. بدأ السفراء يغادرون. اجراءات اخرى ستتبع. تحرك دولي اكبر قيد التبلور. وفي بيروت تحدث رئيس الحكومة لتبرير "النأي بالنفس"، ولم يكن اللبنانيون بحاجة الى شرح زائد ليفهموا ان الحكومة منحازة الى نظام دمشق. حاول ميقاتي وضع الموقف السعودي في سلة واحدة مع سعي النظام السوري الى اخماد الانتفاضة. قال انه مع "الحوار" (في ظل المجازر) وصولا الى "اصلاحات" فاستقرار "لتتمكن سوريا من لعب دورها في محيطها و... في العالم". كل هذه التركيبات الانشائية لا تهجس الا ب"الدور" السوري. لكن ماذا ستفعل هذه الحكومة اذا تلاشى ذاك "الدور" او ضعف او تغيّرت وجهته – وهذا متوقع -؟ هنا لن تستطيع ان "تنأى بنفسها" وانما ستنأى هي نفسها. في بضعة ايام نجحت الحكومة في وضع لبنان على هامش العالم العربي والمجتمع الدولي، لتمضي قدما في خطفه في غياهب التحالف السوري – الايراني. ولأن الاصعب لا يزال امامنا، فمع حكومةٍ رهينةِ شبيحتها، يمكن التأكد بانها ستقود البلد الى كنف العربدة الايرانية عبر "حزب الله" وحلفائه، طالما ان سوريا ستبقى منشغلة بأوضاعها. وللاسف سيزيد انكشاف البلد وتعرضه للمخاطر. هناك من لبس قبعة الانقلاب آملا بالغطاء السوري، فإذا به يفوز بالغطاء الايراني.

منذ اللحظة الاولى، لم يكن لاي فريق سياسي في لبنان ان يراهن الا على الشعب السوري، وعلى مستقبل العلاقة معه. هذه هي البوصلة الوحيدة الصالحة الآن، لا بوصلة المجازر. ولحسن الحظ ان مزيدا من اللبنانيين يجهرون بتضامنهم مع الشعب السوري. اما الحكومة فبئس المصير.

==================

جامعة البؤس العربي؟!

راجح الخوري

النهار

10-8-2011

هل هناك من يشك للحظة في ان التغيير الذي تشهده المنطقة، يجب ان يجرف الجامعة العربية ويلقي بها ركاماً متهالكاً في نهر النيل القريب؟ وهل هناك من يظن ان تلك المؤسسة المعاقة، التي أكدت دائماً قصورها وهامشيتها لا تستحق صراخاً يقول: الشعب يريد إسقاط الجامعة؟

كانت الجامعة جثة تتجمّل بسياسة "المستظرف في كل شيء مستطرف"، أيام أمينها العام السيد عمرو موسى الذي تورّمت أحلامه في البداية فراح يتحدث عن المحكمة العربية الموحدة والسوق العربية الواحدة والبرلمان العربي الموحد، ثم لم يلبث أن اكتشف أن جامعته السعيدة، مجرد إنشاء سياسي بلا معنى ومجرد تجمع من التناقضات والصراعات ومجرد لافتة لسوق لا يستطيع أهلها أن يعالجوا أزمة واحدة من طوفان الأزمات، التي تنهك الدول العربية. ولنا نحن في لبنان خبرة واسعة ومرة في سياسة الزور والقصور، التي لقيناها من الجامعة وأهلها، وتلك ليست بالضرورة مسؤولية الأمين العام، ونحن على طريقة شعبان عبد الرحيم نغني: "أنا بكره باراك... بحب عمرو موسى"!

الآن في حقبة "اسم على مسمّى"، حملت إلينا رياح "الربيع العربي" من غير شر، أميناً عاماً جديداً هو نبيل العربي. وتصوّر الناس أن الثورة التي جاءت بالعربي خلفاً لموسى، لن تلبث أن تقدم الجامعة في صورة جديدة بعيداً من لغة الخشب والتنك والصدأ المعروفة منذ زمن بعيد. لكن رحمة الله على فكاهة عمرو موسى وطرائفه وإن كان يلقيها أحياناً مثل الملح على الجروح. فها هو سعادة الأمين العام الجديد يقف أمام الصحافيين الى جانب برناردينو ليون ليقول بالحرف:

"إن الأمر والموقف في سوريا معقدان... وإن الجامعة العربية تتعامل مع الأزمة السورية بحسب الاجراءات وتتخذها خطوة - خطوة". وعندما سئل عن عدم قيام الجامعة باتخاذ إجراءات حيال سوريا مثلما فعلت حيال ليبيا قال: "إن الجامعة التي تضم 22 دولة هي منظمة إقليمية لها ميثاقها وآلياتها التي تدعو الى احترام حقوق الانسان إذا قامت إحدى دولها بانتهاك هذه الحقوق... إن الجامعة أصدرت بياناً يعبر عن القلق إزاء الوضع في سوريا، ودعونا ننتظر تطور الأوضاع بعد هذا البيان".

طبعاً هذا الكلام يخلو من أي معنى، وخصوصاً في الاشارة الى "الاجراءات والخطوة - خطوة". أما إذا كان العربي يريد إفهام الناس ان الوضع في سوريا معقّد، فان ذلك والله يشكل اكتشافاً بارعاً. على أن كل هذه النباهة لا تحول دون أن يتذكر المرء زيارة العربي الى دمشق قبل ثلاثة أسابيع وقوله: "إن القوى العسكرية السورية تحفظ الأمن والممتلكات العمومية من بعض التجاوزات، وهناك جهات تروّع المواطنين، لذلك لا يجب سحب الجيش من المدن"!

فعلاً إنها جامعة البؤس العربي الدائم!

==================

من بيروت إلى دمشق مع الحب

الياس الديري

النهار

10-8-2011

أضعف الإيمان أن يبادر اللبنانيّون إلى التعبير الساخط والمدوّي عن استنكارهم لما يتعرّض له الشعب السوري منذ أشهر، ووسط صمت عربي مريب اخترقه أخيراً العاهل السعودي بموقف سياسي لفت العرب والشرق والغرب معاً.

ومن البديهي جداً مسارعة كل الفئات والأطياف والأفرقاء إلى التظاهر وإعلان التضامن مع المدن السوريّة المحاصرة بالعدائيّة والنار والموت، مع التأكيد أنهم يفتحون قلوبهم قبل بيوتهم لكل الفارين والمهجّرين الباحثين عن لحظة أمان.

ومن النهر الكبير إلى الناقورة، صعوداً إلى الجبال العالية ومناطق العمق الداخلي.

فما بين لبنان وسوريا، ومن قديم الزمان، ليس بين أي بلد عربي وآخر. وعوامل الودّ والحبّ المتبادل بين بيروت ودمشق، ليست متوافرة بين العاصمة السوريّة والعواصم العربيّة الأخرى.

والفضل في هذه العلاقة الفريدة المميّزة ليس للتاريخ والجغرافيا وحدهما، إنما هناك العوامل الإنسانيّة التي تعود إلى عشرات السنين، فضلاً عن العلاقات العائليّة والثقافيّة والمناخيّة، من دون تجاهل التقاليد والأعراف والعادات، وتلك الصداقات العريقة الجذور.

صحيح ان الشعوب العربيّة ومعظم العواصم العربيّة لم يهزّها ما تعرّضت وتتعرّض له بيروت، وما عاناه ويعانيه اللبنانيون، ولم تخرج تظاهرة واحدة، ولم يعلُ صوت واحد، ولم يتأثّر قلم كاتب واحد، ولم يصل هذا البلد حامل الأوزار العربيّة والقضايا العربيّة كتاب تضامن واحد من مثقفين، من فنانين، من سواهم.

صحيح هذا كلّه، إلا أن بيروت لا تستطيع إلا أن تكون نفسها. ولا يمكنها أن تتنصّل من دورها وواجبها ووجدانها. ولا يحقّ لها أن ترمي وراء ظهرها تاريخها، وعراقتها، ودورها و... قلبها الذي لا يعرف إلا الحبّ حتى لمن أشبعوها بغضاً وتنكّراً وتنكيلاً.

يعلم القاصي قبل الداني حجم الأذى الذي ألحقته "الوصاية" بلبنان، وحجم المعاناة التي لا يزال اللبنانيون يتخبّطون في تركتها وذيولها و"أفضال" جماعاتها المعلنين والمستترين.

إنما ليس الوقت وقت محاسبة. وإذا كان هناك من حساب، فليس مع الناس الأبرياء ومع الضحايا، بل مع النظام وأسياده الذين يمارسون مع شعبهم ومدنهم ما سبق لهم أن مارسوه مع بيروت وشعب لبنان.

أما الدور اللبناني المفيد، والفعّال، والمساعد على صعيد المحنة السوريّة، فإنه يبدأ من الداخل أولاً وأخيراً. من داخل لبنان. ومن مسارعة القيادات المسؤولة إلى وضع خلافاتها على الرفّ، تمهيداً للالتقاء والالتفاف حول الوحدة الوطنيّة أولاً، ثم تدارس الخطوات والمساهمات التي تنتج حلولاً فعّالة.

وبعيداً من كل التراكمات الضاغطة على النفوس، يضع اللبنانيون وحدة صفّهم وموقفهم في خدمة المأزق السوري.

من هنا نبدأ مع بيروت لنصل كما يقتضي الأمر إلى دمشق.

==================

«لحظة الحسم» في الأزمة السورية

عريب الرنتاوي

الدستور

10-8-2011

أطواق العزلة تشتد حول النظام السوري...كل يوم يخسر حلفاء وأصدقاء...كل يوم يكسب خصوماً جددا، كانوا حتى الأمس، «مترددين» أو يضمرون العدواة من دون أن يفصحوا عنها...لم يعد لدى النظام خطاب سياسي يمكن أن يثير اهتمام أحد...خزان وعوده وتعهداته نضب...عقارب الساعة توشك على الإيذان بلحظة تحوّل كبرى في المواقف الإقليمية والعربية والدولية حياله.

لا يعني ذلك أن «لحظة الحسم» في الأزمة السورية قد أزفت...كما أن ذلك لا يعني أن النظام قد فقد القدرة على الحركة...هو اليوم، وبعد أن وجد ظهره إلى الجدار الأخير...بات أكثر خطورة وقد يصبح أكثر دموية...ربما هناك في الحلقات المُقررة من داخله من هو مؤمن ب»خيار شمشون»، أو «خيار هدم المعبد»...ربما هناك في داخله من يفضل العمل بنظرية «من خلفي الطوفان».

وربما لهذا السبب يبلغ التجييش الطائفي والمذهبي حداً غير مسبوق في تاريخ سوريا...أطراف كثيرة ضالعة في لعبة الطوائف والمذاهب، وليس النظام وحده...ربما لهذا السبب بالذات، يهدد ناطقون باسم النظام، بنقل المعارك إلى قلب دول ومجتمعات، ضالعة في «التآمر» عليه...ربما لهذا السبب بالذات، يستعد ما تبقى من حلفائه لخوض آخر معارك الدفاع عن الوجود، حتى وإن أدى ذلك إلى نقل ساحاتها وميادينها إلى خارج الحدود السورية، أي بلغة التجارة: تصدير الأزمة.

نظام الأسد في زاوية ضيقة، خصوصاً إن انتهت مهمة اللحظة الأخيرة (الإنذار الأخير) لوزير الخارجية التركي إلى الفشل، كما المهات السابقة...والقط حين يُحشر في زاوية يتحول إلى أسد جسور...والقذافي حين حشر في «الزنقة الأخيرة»، قاوم واستبسل في مواجهة «الناتو»...الأسد ليس القذافي، وسوريا ليست ليبيا، وإن كانت تسير على خطاها بشكل حثيث، وربما من ضمن سيناريو يجمع «الحُسنيين» أو «التجربتين»: العراق وليبيا.

هل يفعلها النظام، ويعمل على «تصدير» أزمته خارج حدوده...هل لديه الأوراق الكفيلة بتحريك المعارضات العربية، وتحديدا في بعض دول الخليج رداً على مواقفها الأخيرة...هل يتجه مع بعض حلفائه لتسخين جبهات المواجهة مع إسرائيل...هل يجري تسخين جبهة الجولان أم يكتفي بتسخين جبهة جنوب لبنان كما جرت العادة حتى الآن...هل ينجح ذلك في قلب الطاولة وتغيير قواعد اللعبة، أم أنه سيضطر هذه المرة، لدفع الثمن مركباً ومضاعفاً.

يُخيل إليّ أن النظام فقد القدرة على المبادرة والحراك السياسيين... لم يعد قادراً إلا على التنقل ما بين الحل الأمني والحل العسكري... بات جثة سياسية هامدة...إذ من غير المعقول بعد أشهر خمس من المواجهات، وألوف القتلى والجرحى والمعتقلين والمشردين...أن يأتيك بمشروع قانون للإعلام أو مسوّدة قانون للأحزاب...من يفعل ذلك، يعيش حالة إنكار، وهو منفصل تماماً عمّا يجري بداخله أو حوله...أزمة بحجم الأزمة السورية، بحاجة لمبادرة من العيار التاريخي الثقيل...تبدأ بالإعلان فوراً ومن دون إبطاء عن وقف الأعمال الأمنية والعسكرية، وإعادة الجيش إلى ثكناته، والإفراج الفوري ومن دون تأخير عن جميع المعتقلين السياسيين، وتمر بإقالة الحكومة وحل البرلمان، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من فعاليات سياسية نظيفة الكف واللسان والسريرة، تشرف على إدارة حوار وطني، يفضي إلى انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستوراً جديداً للبلاد، تُشتق منه، وتتأسس عليه، القوانين الناظمة للعمل العام، وتنبثق في سياق هذه العملية، مؤسسات الدولة الدستورية الجديدة من البرلمان الجديد إلى الحكومة المنتخبة الجديدة.

مبادرة تاريخية تضع حداً نهائياً، مرة وإلى الأبد، لمفهوم «الحزب، قائد الدولة والمجتمع»...و»إلى الأبد يا بشار الأسد»...لا رئيس سيحكم للأبد بعد الآن في سوريا...لا تمديد ولا تجديد ولا توريث...بل تداول سلمي للسلطة، وفقاً للقواعد الديمقراطية التي تعارف عليها، سائر «خلق الله».

مثل هذه المبادرة التاريخية، بحاجة لقيادة تاريخية، قادرة على التصرف على نحو صحيح، وفي التوقيت الصحيح...وهذا هو بالضبط، ما ثبت أن سوريا تفتقده، شأنها في ذلك شأن معظم إن لم نقل جميع الدول العربية، مع فارق أن الوضع في سوريا، كما اليمن وليبيا، ضاغط بقوة، أما الأوضاع على الساحات العربية الأخرى، فأقل إلحاحاً.

مؤسف أن القيادة السورية التي استبدلت الخيار الدموي بالخيار السياسي، قد وضعت البلاد على حافة التشظي والاحتراب الأهلي....مؤسف انها وفرت فرصة لأعداء سوريا للتباكي على «حقوق إنسانها»...مؤسف أنها مكنت أنظمة لم تغادر بعد أنماط الحكم الأبوي / الاستبدادي في طبعاته الأكثر تخلفاً، من تقمص دور «الناصح الأمين» الذي يملي على الشام ما يتعين فعله ويتوجب تفاديه ؟!.

إن كان لا بد من «التأشير» بأصابع الاتهام إلى «الجهة الملومة» عن كل ما آل إليه الوضع السوري، فليس أمامنا إلا النظام الحاكم لنؤشر عليه، فهو الذي فتح الباب لكل أشكال التدخل والتآمر الخارجيين، وهو الذي أطال أمد الأزمة وتعامل معها بكل الخفة والاستخفاف والرعونة...وهو الذي عطّل الحل السياسي رهاناً على الحل الأمني...وهو الذي مكّن «إللي بسوا وإللي ما بسواش» من الإفتاء بمصير سوريا وشعبها وجيشها ونظامها، ودائما تحت حجج تافهة وذارئع متهافتة.

==================

حكاية الشؤون الخاصة !

صالح القلاب

الرأي الاردنية

10-8-2011

ليس تشجيعاً لعمل غير دبلوماسي ضد النظام في سوريا بعد رفضه للعروض التي وصلته لوقف العنف وسحب قوات جيشه من المدن والمناطق السكانية وإعادتها إلى ثكناتها وإنما هذه هي الحقيقة فعندما يُصر أي جارٍ يقطن منزلاً من عمارة تضم العديد من المنازل الأخرى التي يقطنها المئات من السكان على تفجير برميل من الغاز أو البارود في بيته فإنه ليس تدخلاً في شؤونه الشخصية عندما تسارع مجموعة من السكان إلى ضربه على يده ومنعه بالقوة من ارتكاب جريمة فعلية بحجة أنه حرٌّ في أن يفعل ما يشاء في منزله وأنه لا يحق لأي كان وتحت أي ذريعة أن يتدخل في شؤونه الخاصة.

وهنا ولتذكير الناسين والمتناسين : ألمْ يذهب الرئيس السوري السابق حافظ الأسد إلى لبنان في منتصف سبعينات القرن الماضي بجيوشه الجرارة ويجتاح حدوده المشتركة مع حدود بلاده بحجة أن الأمن الوطني والقومي لسوريا في هذا البلد المجاور وأنه لا يستطيع تحمُّل أن تعم الفوضى في بلاد الأرز وأن يضطرب حبل الأمن وأن تصبح مصدراً لتصدير العنف والإرهاب إلى المدن والقرى السورية القريبة والبعيدة..؟!

إنه ليس تدخلاً في الشؤون الداخلية لأي بلد من البلدان عندما تضطر دول مجاورة وبعيدة أيضاً إلى اللجوء حتى إلى القوة العسكرية عندما تفشل كل الوسائل الدبلوماسية في إطفاء نيران فتنة عمياء سببها نظام حاكم متطرف ستؤدي حتماً إلى اضطراب الأمن والى الفوضى وانتقالهما إلى خارج حدود البلد المعني وهذا هو ما عناه رجب طيب أردوغان عندما قال في تصريحه الأخير أن الشأن الداخلي السوري في مثل وضع سوريا الآن هو شأن داخلي تركي وبالتالي فإن تدخل تركيا في هذا الوضع لا يعتبر تدخلاً في شأن خارجي لا علاقة لها به.

مرفوض وألف مرفوض أن تتدخل أي دولة أو أكثر في الشأن الداخلي لدولة أخرى وذلك بشرط ألاّ يكون هذا الشأن الداخلي انفجاراً فوضوياً واضطرابات أمنية سيتطاير شررها إلى الدول المجاورة وربما البعيدة أيضاً فالتدخل في مثل هذه الحالات هو دفاع ايجابي عن النفس وإلاّ لأصبح بإمكان حاكم متهور أو حُكم أرعن أن يشعل النيران في إقليم كامل بل أيضاً في العالم كله.

والمثل الحاضر هنا هو أفغانستان فلو أن الدول المجاورة ودول الإقليم وكذلك الدول البعيدة سارعت إلى القضاء على حكم طالبان منذ البدايات قبل أن ينجب تنظيم «القاعدة» وقبل أن يبدأ بتصدير الإرهاب إلى أربع أرباع الكرة الأرضية فلما حصل ولما سالت كل هذه الدماء البريئة في العديد من الدول العربية والإسلامية والعديد من دول العالم.

ولهذا فإنه يجب ألاّ تكون مفاجأة أن يكون هناك تدخل عسكري خارجي لضبط أوضاع سوريا الأمنية إذا تفاقمت الأمور أكثر مما هي متفاقمة الآن وإذا بقي هذا النظام يُصر على ما أوصل البلاد إلى هذه الوضعية المأساوية فصحيح أن لبعض الدول أطماعاً خاصة لكن الصحيح أيضاً أن بعض الدول وبخاصة المجاورة والمحاددة معنية بأن تدافع عن نفسها وأن تذهب إلى الخطر لتطفئ نيرانه هناك حتى لا يأتي إليها في عقر دارها.

==================

سوريا معزولة !

طارق مصاروة

الرأي الاردنية

10-8-2011

كان الموقف السعودي متوقعاً، وكذلك دول التعاون الأخرى الثلاث في التعامل مع الأزمة السورية الدموية، فليس من الضروري أن يكون سحب السفراء أو البيانات التي تدعو سوريا إلى الاختيار بين الحكمة والذكاء وبين الفوضى.. هي حالة عداء للنظام على الأقل في مثل هذه المرحلة ذلك أن كرة الثلج في الأزمة الدموية السورية تبقى تتدحرج، وتبقى ردود الفعل العربية والدولية تتساوق وتتصاعد!!.

على النظام السوري أن يفهم قلق التعاون الخليجي، والأردني، فما يزال في حدود النصيحة الجادة، ولكن عليه أن يفهم لغة التهديد التركية، واجتماعات قادة الجيش الجدد مع الرئيس أردوغان، .. فالأتراك لا يعتبرون ما يجري في سوريا على أنه احداث خارجية.. والرئيس أردوغان يقول: إن ما يجري في سوريا هو قضية داخلية!! فكيف يكون ذلك؟!.

وما هي الرسالة الحازمة التي يحملها وزير الخارجية التركية إلى سوريا وكيف يبلغ الصبر التركي إلى الحد الذي لم يعد يطاق؟!.

علينا أن نفهم الموقف التركي أكثر. وأن لا يكون الرد السوري يقتصر على ما قالته مستشارة الرئيس الأسد أن وزير الخارجية التركي سيسمع جواباً أكثر حزماً، فالحدود التي تتجاوز في الشمال الثمانمائة كيلو متر وتسكنها أقليات كردية وآشورية وقبائل مختلفة هي مواقع خطرة.. خاصة إذا ادركنا أن ثقل القوة في النظام هو في المركز العاصمة وما حولها فالجزيرة بين حلب ونهر الفرات تكاد تكون من مجاهيل الكيان السوري السياسي، تماماً كما كانت مجاهيل في تركيا قبل استعادة النظام زمام المبادرة من أيدي ثوار أكراد حزب العمال!!.

سوريا تكاد تكون معزولة، والأخطر أن شخصاً كوزير الخارجية السوري يطمئن قيادة بلاده بأنه قادر على شطب أوروبا من الخارطة.. ومن السهل أن يكمل بأنه قادر على شطب دول التعاون الخليجي وأميركا وجنوب إفريقيا والصين والهند وروسيا!!. فمثل هذا الشطب العنتري ليس من مهمات أي وزير خارجية!!.

==================

أهلي ليسوا مجرمين...

الثلاثاء, 09 أغسطس 2011

حسان القالش *

الحياة

ماذا فعلت عربين لتستحق كل هذا العنف والقتل والإذلال من طرف النظام؟ الشيء الوحيد الذي قام به أهالي بلدة عربين هو خروجهم إلى الشارع للتظاهر السلمي، طلباً للحرية، وإسماعاً لأصواتهم المكبوتة طيلة عقود. هذا هو الذنب الوحيد الذي ارتكبته. غير هذا، لا البلدة عُرف عنها تاريخ جنائيّ، ولا كان أهلها من المجرمين.

على العكس من ذلك تماماً، هذه البلدة هي مثال حيّ للمجتمع المنتج، فالكل يعمل، المرأة والفتاة والفتى والرجل. فمن هذه البلدة خرجت صناعة «قمْر الدّين» إلى العالم. كل كأس من شراب المشمش الشهير يُفطر عليه صائم في أي مكان في الدنيا، جاء من هذه البلدة. ومن تحت أيدي صنايعيّتها وحرفيّيها خرجت أجمل قطع المفروشات الخشبيّة الكلاسيكيّة، الحفر والعجمي والموزاييك، الآيلة للاندثار اليوم. الداخل إليها يسبح في بحر من الروائح، رائحة الخشب في الورشات المتوزّعة بين البيوت. رائحة اللبنة والجبن والمخلّلات والمكدوس وقمر الدّين التي تشتغلها نساء البلدة داخل بيوتهنّ. رائحة الخبز المشروح الرّقيق الذي ترسله زوجة عمّي المكافحة إلى السوريين في السعوديّة والخليج، لتبني شقّة لابنها على سطح المنزل.

نعم. أنا من عربين، وعربين لم تقترف ذنباً حتى تُعاقب وتُذلّ. لم تفعل شيئاً ضدّ هذا النظام، ولم تؤذ الدولة البعثيّة في أي يوم من تاريخها. قبل نحو خمس سنوات، قُبض على مجموعة من فتيتها الصّغار بتهمة الإرهاب. هُم كانوا لعبة بيد شيخ من حلب يعمل بعلم أجهزة الأمن ويجنّد الشباب ويرسلهم إلى العراق. حتى اليوم لا نعرف من ضحّى بأولئك الفتية، ولأي أسباب تمّ الإيقاع بهم. أهالي البلدة، من جهتهم، لم يتركوا سبيلاً إلا وسلكوه طالبين الإفراج عنهم، وفي كل مرّة كانوا يتلقون الوعود بذلك. هكذا إلى أن بدأت الانتفاضة الحاليّة فخرج العرابنة وطالبوا بكراماتهم وبأولادهم: لن نمشي «الحيط الحيط» بعد الآن، سنستمرّ بالتظاهر إلى أن يخرجوا. وعدوهم بذلك. سيفرجون عن أولادهم، لكنْ بعد فوات الأوان، أي بعدما نكثوا بوعودهم مرات ومرات، وبعد حملة تأديبيّة قاسية.

بدلاً من أن يبحث النظام عن مصالحة مع بسطاء الناس، كأهالي عربين، قدّم عرضاً سخيّاً بالقوة والعنف والتنكيل والإهانات. حاصر عربين مدّة من الزمن، وأقام الحواجز الأمنيّة على مداخلها. اقتحم بيوت الآمنين. انكشف رجاله المتوحّشون على نساء متديّنات ومحافظات. «قشّوا» كلّ رجل وقع في طريقهم. هذه هي الطريقة التي حاور بها النظام مواطنيه الضعفاء. ويعود اليوم، في رمضان إلى السيناريو ذاته.

على أن النظام وإعلامه الحربيّ الفاشل عاجزان عن إقناع أحد بأن في عربين عصابات مسلّحة. هذه البلدة ليست شارعاً في مدينة كبيرة مختلطة، هي أقرب إلى قرية كبيرة يعرف أهلها بعضهم جيّداً، ويعرفون ما يجري في بلدتهم. والحال في عربين لا يختلف عن أحوال غيرها من بلدات الريف الجريحة، في قطنا ومعضّمية وجديدة عرطوز وغيرها من مدن وبلدات سورية. والراهن أن النظام إنما يريد خلخلة الأساسات الصّلبة للمجتمعات، بسلوكه العنيف واحتقاره لها. وهو يعلم، خصوصاً جناحه العسكري والأمني، أن الدم المسفوك على الأرض في عربين وغيرها، الدم الرخيص في عيونه وعيون إعلامه، إنما يُذهب العقول. فكفى لعباً بالنّار.

* صحافي وكاتب سوري

==================

«الإخوان» السوريون بين الاستثمار في الانتفاضة والانتماء إليها

الاربعاء, 10 أغسطس 2011

عمر قدور *

الحياة

تبدو جميع القوى السياسية السورية اليوم مطالبة بالارتقاء إلى مستوى الانتفاضة، والارتقاء بها أيضاً، وللإخوان السوريين أهمية خاصة لا تأتي من حجم تمثيلهم بل من الأثر الكبير الذي خلفته مواجهتهم السابقة مع الحكم، على السوريين ككل.

لقد أعطت المواجهة المسلحة، في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي فرصة استثنائية للحكم كي ينقض على الحياة السياسية برمتها ولمرة أخيرة، فضلاً عن «الجرح» الطائفي الذي أحدثته، والذي كان لخطاب الإخوان دور بارز فيه.

في تلك المرحلة لم يكن الإخوان الوحيدين الذين رفعوا شعار إسقاط النظام، لكنهم الوحيدون الذي استخدموا العنف، والوحيدون الذين لجأوا إلى التحريض الطائفي من أجل التكسب السياسي، وسنرى ذلك يستمر حتى 1988 حيث أصدروا «بيان الثورة الإسلامية ومنهاجها»، ففي البيان يوصم الحكم كلما ذُكر بالحكم الطائفي، وكأن العلة الأكبر تأتي من الطائفية المدّعاة لا من بنية النظام ككل. أما لجوء الجماعة إلى العنف، وهذه نقطة لا يتم التفصيل فيها في هذا البيان أو غيره، فيتم تبريره على النحو الآتي: «إن الممارسات الاستفزازية العدوانية التي ينفذها النظام الطائفي الفاشي كفيلة بأن تذهب بحلم الحليم، وأن تحيل الساحة إلى حرب أهلية ضروس، ومن الخطأ الفاحش أن يتصور أحد أن أجهزة الحكم هي التي منعت اندلاع مثل هذه الحرب الأهلية بضعة عشر عاماً، إن الذي أشعل فتيل الحرب الأهلية والصدامات الشعبية المسلحة إنما هي الممارسات الفظيعة التي كان من جملتها إزهاق الأنفس، ونهب الثروات، والعدوان على الكرامات، والتآمر على الوطن والمواطنين».

حتى الآن لم يقدم الإخوان رواية شفافة عن نشاطهم المسلح آنذاك، وعلى رغم مرور الوقت الكافي للمراجعة، إلا أنهم مروا سريعاً على هذه المسألة في منهاجهم الذي صدر عام 2004 واتخذ عنوان «المشروع السياسي لسورية المستقبل». يذكّر المشروع بأن الجماعة لم تلجأ إلى العنف قبل انقلاب البعث الذي مارس القمع ويخلص إلى الآتي: «بما أن الدولة القمعية لا تنتج إلا معارضة عنيفة، فقد أفرز عنف الدولة هذا عنفاً مقابلاً له عند المعارضين بلغ أشدّه في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات عندما اندلع نشاط معارض مسلح ضد السلطة شارك فيه الإخوان المسلمون قمعته السلطة بوحشية ونتجت من ذلك خسائر باهظة دفع ثمنها أبناء الوطن جميعاً، أزهقت فيها أرواح بريئة، وانتهكت حرمات مصونة، ولا تزال آثارها باقية في السجون والمنافي والفرز الاجتماعي الحاد وشعور السوريين على اختلاف انتماءاتهم باليأس وانسداد الأفق. والجماعة إذ تدعو اليوم إلى نبذ العنف وإلى الحرية والتعددية السياسية، فإنها تدعو إلى ذلك انطلاقاً من مبادئها ولا يشكل هذا انقلاباً على خطاب الثمانينات الذي نسميه (خطاب الأزمة) بل هو عودة إلى الأصل».

كما نرى يتحدث النص عن نشاط معارض مسلح شاركت فيه الجماعة، وفي الحقيقة باستثناء جماعات صغيرة هامشية نفذت القليل من التفجيرات الإرهابية لم يتم استخدام العنف المنظم إلا من قبل الطليعة المقاتلة «الجناح العسكري للإخوان»، ولم يمتلك أي تنظيم معارض ميليشيا خاصة به سواهم. ومن الجدير ذكره أن السلطة نفسها، وكانت تتسامح حينها مع نشاطات الإخوان متفرغةً لملاحقة اليسار، قد اتهمت بداية أنصاراً لحزب البعث العراقي بتنفيذ بعض الاغتيالات التي عرف لاحقاً أن الطليعة المقاتلة هي التي قامت بها قبل أن تسفر عن نفسها بوضوح في مجزرة مدرسة المدفعية عام 1979. يتحدث المشروع عن «فرز اجتماعي حاد» لا تُوضح ماهيته، مثلما لا يتم تفنيد النبرة الطائفية الصارخة في بيان الثورة الإسلامية عام 1988، وهو وإن اندرج ضمن (خطاب الأزمة)، إلا أن آثاره لا تزال ماثلة إلى الآن.

من المعلوم أيضاً أن النظام، وهذا متوقع، قام بالتعتيم على تفاصيل ممارساته القمعية في تلك المرحلة، إلا أن المسؤولية الأخلاقية والسياسية للإخوان لا تُقاس بما فعله النظام، من هنا قد تكون لحظة الانتفاضة الحالية فرصة مناسبة كي يكاشف الإخوان الشعب السوري بحقيقة ما حصل تماماً وبنصيبهم منه. ربما يتطلب هذا انتفاضة من الجماعة على ذاتها، لكن مثل هذه الانتفاضة بات مطلوباً منها على أكثر من صعيد، وفي المقدمة تلحّ المسألة الطائفية لأنها يوماً ما لم تكن هامشية في خطاب الإخوان، بل إن خطاب الجماعة طالما وصم البعث نفسه «لا السلطة فقط» بالطائفية، وبغض النظر عن عدم مطابقة ذلك للواقع، فإن المفارقة الساخرة تأتي من صدور الاتهام من تنظيم لا يمكن أن تكون قاعدته الشعبية، وفقاً لتصوراته الأيديولوجية، إلا منتمية إلى طائفة واحدة.

في واحد من أهم ركائزها تطرح الانتفاضة السورية المسألة الوطنية كاستحقاق تأخر إنجازه، ومن البديهي أن تعلو المسألة الوطنية على أي نزوع طائفي، لكنها من جانب آخر تفترق عن الأطروحات فوق الوطنية التي سادت في الحياة السياسية السورية طوال العقود الماضية. في هذا المعيار يبدو الفكر الإخواني أيضاً مفارقاً للانتفاضة، فهو لا يمكن أن يخرج عن نطاق طائفي محدد من جهة، ومن جهة أخرى يمتلك النزوع «الإمبريالي» ذاته الذي نراه في الأيديولوجيات القومية. لقد كان بيان الثورة الإسلامية في 1988 واضحاً في أن القصد النهائي هو إقامة دولة إسلامية عالمية، وعاد المشروع السياسي عام 2004 ليصف سورية بأنها «قطر» عربي و«قطر» إسلامي، وفي الفصل الثاني منه الذي يحمل عنوان «تحديات وطنية» يطالعنا أولاً هذا العنوان «التجزئة وتحدي الوحدة»، ويندرج تحته مباشرة هذا النص «إن من أهم أهدافنا في السياسة الخارجية العمل على إقامة الوحدة العربية ثم الاتحاد الإسلامي، وأن إنجاز هذه الوحدة شرط حيوي وأساسي لعبور الأمة إلى مجال قوتها على خريطة الزمان والمكان. والوحدة هي الأصل في وجود الأمة، وهو حقيقة تاريخية تقوم عربياً على الانتماء الى أمة واحدة باستعدادها الفطري الأصيل لتحمل رسالة السماء، وتقوم إسلامياً على تحقيق متطلبات الاستخلاف».

يستطيع الإخوان الاستثمار في الانتفاضة وما بعدها، هذا شأن مختلف عن الانتماء الحقيقي لروحية الانتفاضة، ولعل الانتفاضة توفر الآن فرصة تاريخية للجماعة كي تتحول إلى تنظيم وطني بأيديولوجيا عابرة للطوائف تتركز انشغالاتها عند حدود الوطن؛ إن مثل هذا التحول يواكب صعود الوطنية السورية وقد لا يكتنفه الحرج الكبير أمام أنصار الجماعة الآن. ربما يبدو هذا مطلباً عسيراً، لكن رفض احتكار السلطة يتممه رفض كل أنواع الاحتكار، ومنها احتكار تمثيل أو تأويل الفضاء الثقافي والرمزي. فالفضاء الثقافي العربي والإسلامي هو ملك لجميع أبناء المنطقة على اختلاف طوائفهم وأديانهم، وأي تأويل سياسي له سيخرجه من فضاء المشترك إلى موضع الخلاف والانقسام، أي أنه سيفقده وظيفته الحضارية الجامعة.

=================

سوريا: تصورات نهاية النظام

عبدالرحمن الراشد

الشرق الاوسط

10-8-2011

قبل شهرين كنا نأمل أن تنتهي الأزمة السورية بإصلاحات معقولة يقدمها الرئيس بشار الأسد، كنا ننتظر خطبة الساعة الأخيرة المفاجئة، فقد كان واضحا أن القمع زاد من لهيب الانتفاضة. لا شيء من هذا حدث، أبدا. ومنذ أسبوعين بلغ منهج العنف ذروته، وبلغ من الوحشية درجة سد به باب الأمل، أخرج بلدا مثل السعودية عن طورها مستنكرة ومطالبة القيادة السورية بوقف المذابح وسحبت سفيرها من دمشق.

الآن علينا أن نقبل بحقيقة أن النظام بدد كل الفرص، وصار مصيره في مهب الريح، ولم يبق سوى أن نفكر كيف ستنتهي عليه الانتفاضة السورية، أهم ثورات منطقة الشرق الأوسط. وهذه ثلاثة احتمالات للكيفية التي يمكن أن يسقط بها النظام:

الاحتمال الأول: تدخل دولي بغطاء عربي وقرار من مجلس الأمن، تقوم فيه تركيا بدور رأس الحربة والمكون الرئيسي للقوة الدولية حتى تصل قواتها إلى دمشق.

الاحتمال الثاني: أن يتلكأ المجتمع الدولي في تبني التدخل العسكري المباشر، إما بسبب ممانعة روسية وصينية، أو خشية الغرب التورط في حرب مماثلة للعراق وأفغانستان. وهنا ستتحول المظاهرات السلمية إلى مقاومة مسلحة بدعم دولي متعدد، وهي قادرة على إسقاط النظام إنما في وقت أطول وتضحيات أعظم.

والاحتمال الثالث: أن يحدث تغيير من داخل النظام، وتسقط القيادة الحالية بما يساعد على تقديم حل سياسي مقبول ينهي المحنة.

طبعا، ليس مستحيلا أن ينجو النظام بسفك المزيد من الدماء الهائلة وسط عجز دولي عن مواجهته، مستفيدا من مساعدة إيران للنظام السوري بجسر من الآليات والقوات والأموال لتمكين حليفه من النجاة، إلا أن الأرجح أن نجاة النظام باتت مستبعدة في ظل القمع الشرس، فهو يقتل الأطفال والنساء والمشيعين، ويهاجم البيوت، وينهب رجاله الدور والمحلات. صار معظم الشعب مصرا على إسقاطه. استراتيجية نظام الأسد تقوم على التخويف والردع، فالنظام حكم أربعين عاما فقط بعامل زرع الخوف وحده، وهو يريد تفعيل تجربته في مدينة حماه قبل ثلاثين عاما تقريبا التي دفن فيها أكثر من ثلاثين ألف إنسان واستطاع بعدها تأمين استقرار النظام.

العالم اليوم تغير عن زمن مجزرة حماه الأولى. وصارت سياسة القتل والترويع تضيق عليه حبل المشنقة دوليا، لأن أقرب الدول إليه صارت تضج أخيرا وتباعد نفسها منه. صارت هي وقود الرأي العام العالمي والعربي بشكل خاص الذي يلح مطالبا بالتدخل الدولي.

الأخبار من سوريا تدمي القلب.. قتل سبعة من المشيعين في جنازة، وقتل ثمانية أطفال أمس، عشرات الجثث سلمت لذويها قتلوا تحت التعذيب، ومسلسل القصص المروعة لا ينتهي.. لهذا سينتهي النظام.

=================

سوريا: تصورات نهاية النظام

طارق الحميد

الشرق الاوسط

10-8-2011

قبل شهرين كنا نأمل أن تنتهي الأزمة السورية بإصلاحات معقولة يقدمها الرئيس بشار الأسد، كنا ننتظر خطبة الساعة الأخيرة المفاجئة، فقد كان واضحا أن القمع زاد من لهيب الانتفاضة. لا شيء من هذا حدث، أبدا. ومنذ أسبوعين بلغ منهج العنف ذروته، وبلغ من الوحشية درجة سد به باب الأمل، أخرج بلدا مثل السعودية عن طورها مستنكرة ومطالبة القيادة السورية بوقف المذابح وسحبت سفيرها من دمشق.

الآن علينا أن نقبل بحقيقة أن النظام بدد كل الفرص، وصار مصيره في مهب الريح، ولم يبق سوى أن نفكر كيف ستنتهي عليه الانتفاضة السورية، أهم ثورات منطقة الشرق الأوسط. وهذه ثلاثة احتمالات للكيفية التي يمكن أن يسقط بها النظام:

الاحتمال الأول: تدخل دولي بغطاء عربي وقرار من مجلس الأمن، تقوم فيه تركيا بدور رأس الحربة والمكون الرئيسي للقوة الدولية حتى تصل قواتها إلى دمشق.

الاحتمال الثاني: أن يتلكأ المجتمع الدولي في تبني التدخل العسكري المباشر، إما بسبب ممانعة روسية وصينية، أو خشية الغرب التورط في حرب مماثلة للعراق وأفغانستان. وهنا ستتحول المظاهرات السلمية إلى مقاومة مسلحة بدعم دولي متعدد، وهي قادرة على إسقاط النظام إنما في وقت أطول وتضحيات أعظم.

والاحتمال الثالث: أن يحدث تغيير من داخل النظام، وتسقط القيادة الحالية بما يساعد على تقديم حل سياسي مقبول ينهي المحنة.

طبعا، ليس مستحيلا أن ينجو النظام بسفك المزيد من الدماء الهائلة وسط عجز دولي عن مواجهته، مستفيدا من مساعدة إيران للنظام السوري بجسر من الآليات والقوات والأموال لتمكين حليفه من النجاة، إلا أن الأرجح أن نجاة النظام باتت مستبعدة في ظل القمع الشرس، فهو يقتل الأطفال والنساء والمشيعين، ويهاجم البيوت، وينهب رجاله الدور والمحلات. صار معظم الشعب مصرا على إسقاطه. استراتيجية نظام الأسد تقوم على التخويف والردع، فالنظام حكم أربعين عاما فقط بعامل زرع الخوف وحده، وهو يريد تفعيل تجربته في مدينة حماه قبل ثلاثين عاما تقريبا التي دفن فيها أكثر من ثلاثين ألف إنسان واستطاع بعدها تأمين استقرار النظام.

العالم اليوم تغير عن زمن مجزرة حماه الأولى. وصارت سياسة القتل والترويع تضيق عليه حبل المشنقة دوليا، لأن أقرب الدول إليه صارت تضج أخيرا وتباعد نفسها منه. صارت هي وقود الرأي العام العالمي والعربي بشكل خاص الذي يلح مطالبا بالتدخل الدولي.

الأخبار من سوريا تدمي القلب.. قتل سبعة من المشيعين في جنازة، وقتل ثمانية أطفال أمس، عشرات الجثث سلمت لذويها قتلوا تحت التعذيب، ومسلسل القصص المروعة لا ينتهي.. لهذا سينتهي النظام.

=================

احذروا مهنية بشار

عادل الطريفي

الشرق الاوسط

10-8-2011

خلال الأشهر الخمسة الماضية، حاول نظام البعث في سوريا إخماد حالة العصيان المدني التي اجتاحت المدن والقرى السورية، وفي كل مرة خرج فيها المتظاهرون عقب صلاة الجمعة واجههم النظام بالأسلحة إلى الحد الذي باتت معه الحكومة - بأجهزتها الأمنية - خصما لأغلبية المواطنين بعد سقوط مئات القتلى، واعتقال الآلاف، ونزوح المواطنين المذعورين إلى دول الجوار. في الأسابيع الأولى كان الرئيس الأسد بين خيارين: التضحية بالنظام القديم واستبدال عهد إصلاحي – وتصالحي - جديد به، أو التمترس خلف سلاح الحزب والطائفة والقتال حتى النهاية. الأسد كان يدرك أن الدول الغربية والعربية كانت قلقة من احتمالات التغيير في سوريا، وأن مخاوف البديل الإسلامي المتطرف، أو وقوع سوريا في حالة الفوضى والحرب الأهلية نظرا لموقعها المهم على حدود الصراع مع إسرائيل كانت تزعج أكثر خصومه عداوة.

لأكثر من أربعة عقود كانت شرعية الحكم مزيجا من الشعارات القومية، وتقديم خدمات لوجيستية للمنظمات والجماعات المسلحة (المقاومة) ناجحة – نسبيا - ولكن ما فات على الأسد تقديره هو تغير الموقف الدولي والظروف الإقليمية مع بداية الانتفاضات الشعبية التي عمت المنطقة. إذا كانت الدول الغربية قد تنكرت لنظام مبارك في مصر على الرغم من الأهمية الاستراتيجية له كحليف إقليمي، فإن الدفاع عن نظام مستبد ومخرب كالذي مارسه الرئيس بشار منذ عام 2000 لم يكن ليحدث.

واقعيا، حظي بشار بفرص عديدة وتغاض دولي طوال الشهرين الأولين للمظاهرات لعله يصلح بعض الضرر الذي وقع، ولكن بات من الواضح أن النظام السوري بهيئته الحزبية والطائفية قد اختار الطريق الثاني: وهو القتال حتى آخر رجل، حتى ولو أدى ذلك لانهيار البلد ودخوله في حرب أهلية. الانتشار العسكري الذي قام به، والعمليات التي شنها على مدن سورية كبيرة لم تكن بقصد ردع حركة مسلحة كما يزعم النظام، بل لردع أي فرصة لقيام واحدة. المعالجة الأمنية القاسية كانت لأجل إخراج العصيان المدني من حالته السلمية إلى المواجهة العسكرية، ولكن فوجئ النظام بأن المظاهرات استمرت واتسعت يوما بعد يوم سلميا حتى أصبح بقاؤه معها مستحيلا.

خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز الأخير رفع عنه أي غطاء عربي أو إقليمي. كلمات العاهل السعودي عبرت عن موقف الكثيرين داخل العالم العربي وخارجه، فاستخدام السلاح لإسكات المواطنين المسالمين لم يعد مقبولا. يقول الملك عبد الله: «ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية، وإن الحدث أكبر من أن تبرره الأسباب»، ويمضي ليطالب النظام السوري: «بإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء، وتفعيل إصلاحات شاملة».

في الحقيقة، الموقف السعودي يعد استثنائيا، فالسعودية معتادة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، ولكن الحدث أكبر من أن يتم السكوت عنه لأن هناك مسؤولية أخلاقية وتاريخية أمام ما يحدث. لا شك أن الموقف السعودي قد يشجع الكثيرين على اتخاذ مواقف مشابهة نحو الوقوف بشدة تجاه الضغط على النظام السوري لوقف آلة القتل، ولكن أهم من ذلك كله هو الرمزية السياسية التي تشير إلى أن دولة بحجم السعودية لم تعد ترى في بقاء نظام الأسد الحزبي والطائفي بعد اليوم ضرورة، وهو بالذات خسارة معنوية لا تعوض للنظام وفرص بقائه.

ولعل السؤال المهم اليوم: ما الذي سوف يحدث بعد أن وصل النظام السوري إلى طريق مسدود؟

لا أعتقد أن الرئيس الأسد، وبعد إراقة كل تلك الدماء سيكون قادرا على تغيير المسار الذي سلكه، فهو قد أصبح رهينة لصقور الحزب والطائفة، والذين لن يتوانوا عن التخلص منه إذا ما فكر بالتضحية بهم. هي لا شك، معضلة لن يستطيع الخروج منها إلا بتضحيات كبيرة قد تطال أقرب الناس إليه. لقد قام والده بنفي أخيه، والانقلاب على أركان النظام في 1984، ولكن فرصة الأسد الابن في نفي أخيه ماهر - كما تمنى البعض - لم تحدث، ولا يتصور أن يلجأ إلى ذلك بعد أن أصبح حكم الطائفة والحزب مهددا، ومحاصرا من الخارج. أغلب الظن أن النظام سيستمر بالدفع تجاه التسوية العسكرية حتى وإن اضطر إلى تهجير مئات الآلاف من المواطنين المعارضين لحكمه، أي أننا بإزاء نظام يعتقد بأن المخرج النهائي له لن يكون إلا عبر الحل العسكري مهما بدا ذلك للآخرين عملا همجيا. الأمر الآخر، هو أن النظام يدرك بأن الحزب والطائفة سيستمران في المواجهة حتى ولو سقطت العاصمة أو انحسرت سلطة الدولة عن مناطق الانتفاضة. في الوقت الحالي، يراهن النظام بأن الضغوط الدولية والعربية لن تصل إلى مرحلة التدخل العسكري لانشغال المجتمع الدولي بحرب ليبيا التي لم تحسم بعد، ولهذا فإن خطر الإسقاط من الخارج لا يزال مستبعدا إلا إذا قررت بعض الدول الإقليمية - لا سيما تركيا - المغامرة في ذلك.

الرئيس بشار ونظامه ليسا بوارد الاستسلام، والجيش السوري الذي هو مؤسسة حزبية - وطائفية بامتياز - لم يعد قادرا على الاستمرار إلا بانقسام محتمل، وإلا فإن مصيره بعد سقوط النظام سيكون الانحلال. بيد أن النظام يراهن على صعوبة قيام بديل سياسي (تعددي) قادر على لعب الدور الانتقالي الضروري. المعارضة لا تزال ضعيفة كمؤسسة جامعة، ولا يبدو أن هناك قدرة على لم شعث الشقاقات الداخلية بين طوائف وجماعات وعشائر المعارضة إلا بتدخل إقليمي قوي.

لقد برهنت السعودية على أهميتها ودورها بالتدخل أخيرا في الملف السوري، وقد يساهم التعاون الإقليمي والدولي في حصار النظام السوري وبالتالي إضعافه، ولكن لا بد من اتخاذ خطوات عملية لمساعدة السوريين - وبالذات المعارضة - على توحيد صفهم وبلورة مشروع سياسي بديل للنظام القائم. إذا كان نظام بشار الأسد خطرا على السوريين ومصدرا رئيسيا لزعزعة الاستقرار في المنطقة، فلا سبيل إلا بالعمل الجاد نحو إجباره على تغيير سياساته السيئة، أو مساعدة السوريين على تقرير مصيرهم.

إذا كان المجتمع الدولي قلقا من تحول سوريا نحو حرب أهلية (طائفية)، فإن المسؤولية تقتضي مساعدة السوريين على تشكيل بديل سياسي (تعددي)، والخروج بميثاق تعايش وطني يطمئن الأقليات، ويحفظ حقوقهم ودورهم في سوريا ما بعد الأسد. من شأن خطوات كهذه أن تضعف موقف النظام الذي يخوف طائفته - وبقية الأقليات - من عواقب سقوطه. إذا تأكد السوريون أن هناك ضمانات دولية وعربية لحفظ حقوقهم السياسية المشروعة دون تحول البلد إلى حكم طائفي جديد، أو ملاحقة (اجتثاث) أعضاء حزب البعث الذين يخافون الانشقاق على النظام، فإن ذلك سيشكل نهاية مشروعية النظام السوري في نظر الطائفة والحزب.

في كتابه «صدمة وصمود» (2009)، يروي كريم بقرادوني حكاية لقائه الأول ببشار الأسد في منتصف التسعينات، وكيف أن الشاب الذي لم يكن مرشحا للخلافة بعد أبيه، أصبح فجأة وريث كرسي الرئاسة بعد وفاة أخيه باسل. يقول بقرادوني إن الكثيرين لم يكونوا مقتنعين بقدرة - أو مؤهلات - بشار على ملء الفراغ السياسي بعد رحيل الأب، وكانوا إلى وقت قريب (لا) يشكون في كونه حاكما صوريا يختفي وراءه عدد من النافذين في العائلة والحزب الذين يديرون سوريا فعليا، ولكن الأحداث منذ 2005 - كما يجادل بقرادوني - قد أثبتت بأن بشار الأسد وحده من يملك زمام الرئاسة والمسؤولية في سوريا. يعزو بقرادوني ذلك إلى ذكاء ونبوغ الأسد، ومهارته في الحكم، ويروي أن الأسد لخص له فلسفته في الحياة قائلا: «أنا بطبعي مهني، إن أقدمت على شيء فيجب أن أنجح فيه».

لقد أثبت الأسد بأن مهنية الاستبداد والاغتيالات لا تعرف الفشل، ولهذا فإن الدول التي تنتظر أن يقوم بالإصلاح لوحده لا تعرفه جيدا. لهذا، احذروا مهنية بشار لأنه لن يسعى إلا إلى النجاح في ردع انتفاضة مواطنيه.

=================

حسناً، أوروبا غير موجودة .. ماذا عن روسيا؟

خيرالله خيرالله

المستقبل

10-8-2011

الاكيد ان الموقف الذي اعلن عنه وزير الخارجية الالماني غيدو فيسترفيلي لا قيمة له ما دام النظام السوري شطب اوروبا كلها من خريطة العالم! قال الوزير الالماني انه "لم يعد للرئيس بشار الاسد مستقبل سياسي". لنفترض ان اوروبا غير موجودة بالفعل وان المانيا نكرة، ماذا عن الموقف الروسي الجديد الذي عبر عنه الرئيس ديمتري ميدفيديف، الا يعطي هذا الموقف فكرة عن الحسابات الخاطئة للنظام السوري؟ انها ليست المرّة الاولى، وقد لا تكون الاخيرة، التي يسقط فيها النظام في فخ الحسابات الخاطئة. انها حسابات تجعل اصلاح اي خطأ يتم عن طريق ارتكاب خطأ آخر اكبر منه.

المؤسف في الموضوع انه كان في استطاعة النظام السوري ان يتعلّم من الآخرين ومما يدور حوله بغية تفادي ارتكاب خطأ بحجم الذهاب بعيدا في قمع الثورة الشعبية التي يشهدها البلد منذ نحو خمسة اشهر. لم يستوعب النظام انه لا يمكن، في المدى الطويل، الاتكال على روسيا لمنع صدور قرار عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة يدين دمشق ويدين ما يرتكبه نظام بحق شعبه. مثل هذا القرار سيصدر عاجلا ام آجلا. لم يكن البيان الرئاسي الذي صدر عن رئاسة مجلس الامن قبل ايام سوى تمهيد للتغيير التدريجي الذي يطرأ على المواقف الدولية، بما في ذلك الموقفان الروسي والصيني في اتجاه المزيد من التشدد. مثل هذا التشدد الدولي يمكن ان يشمل حتى لبنان وشخصيات لبنانية، ستطالها عقوبات، في حال الاصرار على تجاهل الواقع المتمثل في ان ساعة التغيير الجذري دقت في سوريا مثلما دقّت قبل ذلك في العراق.

في النهاية ما الذي اراد ميدفيديف قوله للرئيس بشّار الاسد عندما حذّره من "نهاية حزينة" في حال عدم المباشرة بالاصلاحات؟ الارجح انه حاول ابلاغه بكل بساطة ان ليس في الامكان الذهاب بعيدا في الاعتماد على الفيتو الروسي. فالموضوع لم يعد موضوع اصلاحات كان يفترض في النظام المباشرة بها قبل ما يزيد على اربعة اشهر وذلك عندما تسلم خريطة طريق للخروج من ازمته العميقة من جهات عربية وغير عربية بينها تركيا. فما المغزى من اي اصلاحات يقدم عليها النظام السوري بعد سقوط كل هذا العدد من الضحايا في الاشهر الخمسة الاخيرة؟ الاهمّ من ذلك، ماذا تعني الاصلاحات في حال لم يتوقف القمع ويعود الجيش الى ثكناته و"الشبيحة" الى اوكارهم؟

ثمة درس في غاية الاهمّية، كان يفترض في النظام السوري تعلّمه من العراق. في مثل هذه الايام قبل واحد وعشرين عاما، اقدم صدّام حسين، على مغامرته المجنونة المتمثلة بغزو الكويت الدولة الصغيرة المسالمة. اعتقد صدّام وقتذاك ان في استطاعته اللعب على المنافسة بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. لم يأخذ علما بانتهاء الحرب الباردة وبان الاتحاد السوفياتي في طريقه الى التفكك. كانت النتيجة سلسلة من القرارات الدولية مهّدت لحرب تحرير الكويت التي كاد الاتحاد السوفياتي ان يشارك فيها. في السنة 2011، يعتقد النظام السوري انه يمتلك هامشا كبيرا للمناورة وانه يستطيع الاعتماد على روسيا في مجلس الامن وعلى ايران لضبط الايقاع الاقليمي. مثلما فشل البعث العراقي في العام 1990 في انقاذ النظام، لن يتمكن البعث السوري، الذي تحول بدوره الى حزب العائلة اوّلا، من تجاوز الثورة الشعبية وجعل السوريين يرضخون مرّة اخرى للظلم والقهر البؤس والتخلف.

ليس في الامكان اعادة عقارب الساعة الى خلف. لا تستطيع روسيا انقاذ من لا يريد انقاذ نفسه ولا تستطيع ايران ان تفعل شيئا لنظام تعرف قبل غيرها ان الاكثرية الساحقة من شعبه ترفضه وترفضها بكل ما تمثله من عنصرية تجاه كل ما هو عربي في المنطقة.

هناك شرق اوسط جديد يقوم على انقاض الانظمة التي تاجرت في السنوات الستين الماضية بكل شيء الى ان اكتشفت انه لم يعد لديها ما تبيعه. تاجر النظام السوري ب"المقاومة" و"الممانعة" وتاجر بالفلسطينيين واللبنانيين وحاول ان يتاجر بالعراق والعراقيين وسعى في مرحلة معينة الى ان يكون لاعبا في الاردن وان يأخذ من نظام معمّر القذافي الكثير من دون ان يعطيه شيئا...حتى لا نقول اكثر من ذلك.

هذه مرحلة انتهت. من كان يصدّق ان الرئيس حسني مبارك سينتهي في قفص الاتهام ممددا على سرير طبي ليس لديه ما يفعله سوى مداعبة انفه؟ من كان يصدّق ان حماة ستنتفض مجددا بعد كلّ المصائب التي حلّت بها في 1964 و1982 والسنوات التي تلت هاتين المذبحتين؟ من كان يصدق ان سوريا كلها ستنتفض وان شعبها لا يريد سوى الحرية والكرامة...

ليس امام النظام السوري سوى ان يتصالح مع شعبه. وهذا يعني بكل بساطة البحث في كيفية التاسيس لمرحلة جديدة تضمن الانتقال الى نظام ديموقراطي تتحول فيه سوريا الى دولة طبيعية تهتم بمشاكل شعبها اوّلا بعيدا عن وهم الدور الاقليمي. هذا الدور لم يكن موجودا يوما الا في رؤوس بعض المرضى الذين يظنون انه يمكن بناء سياسة خارجية على الابتزاز وتخريب لبنان وبيع الفلسطينيين وشرائهم متى دعت الحاجة الى ذلك وسياسة داخلية تقوم على الارهاب والترهيب وعلى ان الاجهزة الامنية التابعة لعائلة تبني دولة!

الى اشعار آخر، لا يمكن للاجهزة الامنية ان تبني دولة وان تدجن شعبا مهما طال الزمن. ما تشهده سوريا، ثورة شعبية حقيقية تقدم الدليل الافضل على ذلك...

=================

سوريا على مشارف المرحلة الثانية من العنف؟

السفير

نهلة الشهال

10-8-2011

يبدو الإمعان في القمع الفظيع في سوريا وكأنه مفتكر، مخطط له بمعنى استراتيجي محسوب النتائج السياسية، وليس فحسب كممارسة للأسلوب الوحيد الذي يجيده نظام استبدادي. فكأنه يتعمد استدراج ردتي فعل: واحدة تدفع الناس دفعاً الى استخدام السلاح على نطاق واسع وشعبي، فلا يعود مقتصراً على مجموعات مسلحة متفرقة، كما هو الحال اليوم. ويمكن الخشية من انزلاق بعض المناطق ذات الطابع العشائري الى هذه الممارسة، كدير الزور المتداخلة مع العراق جغرافياً وقبلياً. وردة الفعل الثانية تبحث عن دفع الدول الغربية الى التفكير بعمل عسكري ما، أو التهديد به، رغم الصعوبات الجمة التي تقف في وجه مثل هذا الاحتمال.

لو حصل انتشار للمواجهات المسلحة ضد القوات السورية، فإن ذلك يبيح للسلطة الانتقال الى المرحلة الثانية من العنف. وهو ما يبدو أنها تسعى إليه طالما القمع الممارس حتى الآن لم يتمكن من إخافة الناس الى الحد الذي يدفعهم للاحجام عن المشاركة في التظاهرات، بل أدى الى نتيجة عكسية على العموم، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعونه. تلك المرحلة الثانية من العنف لا تبتغي إخافة الناس بل هزيمتهم، بالمعنى العسكري للكلمة. ولكي تُعتمد، فهي تحتاج الى عنف مقابل، يتجاوز هو الآخر ما تدعيه السلطة السورية وأجهزتها الاعلامية (البائسة!) من ممارسات وحشية لعصابات تقطع أوصال الجنود بالبلطات بعد أن تتمكن من قتلهم. والسلطة بذا تكون بصدد تقبّل، بل اعتماد فكرة أن البلاد دخلت مرحلة الحرب الاهلية، حتى لو أسمتها «تمرد» بعض المناطق أو المدن. ورغم أن في ذلك إقراراً بالفشل التام وبفقدان الشرعية، لأن النظام يتحول حينها الى ميليشيا (ولو بالغة القوة) من ضمن ميليشيات. إلا أن أهل السلطة قد يفعلون أي شيء للحفاظ عليها في يدهم، ولو كان ذلك ال«أي شيء» هو دمار البلد وخرابه. وربما يمكن القول إن الامور لم تصل بعد الى هذا المستوى في سوريا، ولكنها تبدو متجهة إليه!

وأما استدراج التدخل الغربي أياً كانت أشكاله، فيلعب على معادلات متعددة. أولاها يقصد إظهار عجز الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة الاميركية، عن تجاوز الادانات في مجلس الامن، أو تلك التي تنطق بها بلسانها هي حين تضطر الى تخطي ما يمكن الاتفاق عليه في الاطار الدولي، كما حدث بُعيد البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الامن فيما كان يجري اقتحام مدينة حماه. كما يقصد إظهار عجز العقوبات الاقتصادية، حتى وإن وصلت الى حالاتها القصوى: لم يسبق أن أطاحت عقوبات نظام حكم. وكلما كان هذا الاخير تعسفياً، كلما تمكن من تحميل الناس كلفة العقوبات بل الحصار الاقتصادي، دون أن يرف له جفن. ومن المعلوم أنه لم يعد وارداً لدى واشنطن كما لدى سواها من العواصم الغربية الدخول في مغامرات عسكرية، لا احتلالية على طريقة العراق وأفغانستان، ولا حربية على طريقة ليبيا. وهذا الاستدراج يسجل في باب التحدي وتبيان حدود الضغوط الغربية. وفي حال انتقال القمع الى مستوى آخر من العنف، قد يمكن لحلف الاطلسي اتخاذ قرار بعمل ما، على صعوبة ذلك الشديدة. ولكنه سيكون من قبيل انقلاب السحر على الساحر، فتحتل السلطة السورية موقع الضحية المعتدى عليها من قبل غرب تحركه أطماعه. وعلى أية حال، فالتدخل الغربي على العموم، وبالاخص مكبلاً بكل هذه القيود والحدود، قليل الفعالية لجهة تمكنه من التعجيل بإسقاط النظام.

ليس إذاً من وصفة سحرية! ولا صيغ سريعة يمكن بموجبها التخلص من نظام مبني على القمع بمعناه الواسع والعميق، أي ذاك الذي يستبق في الاحوال العادية تململ المجتمع، أي مجتمع، وجنوحه الطبيعي الى التعبير عن نفسه، وعن مطالبه الاجتماعية والمعيشية والسياسية المحددة، أو كإبداع حر وفي كل الميادين. يستبقه بتأطير هذا المجتمع وحصي أنفاسه و«هندسته» بما لا يتيح له الافلات من الرقابة والوشاية والاستزلام والخوف... ثم يتدخل ليضبط استمرار هذا الايقاع بواسطة الاعتقالات، وأغلبها يجري لأسباب واهية، وبطريقة اعتباطية مدروسة (وليس في تلازم التعبيرين أي تناقض، بل ذلك هو جوهر نظام الترويع) لتكون سيفاً إضافياً مسلطاً على رؤوس العباد. وأخيراً لا يتوانى نظام القمع عن ممارسة المجازر الجماعية حين يلزمه ذلك، كوسيلة لحماية النفس من السقوط، وكطريقة لتحقيق الغلبة الحاسمة.

لا وصفة سحرية مع الأسف، ولا مجال أمام السوريين سوى الاشتغال على تحررهم. وهذه مهمة شاقة وعالية الكلفة، تفترض امتلاك خيال سياسي خصب وفعال، واستعداداً لممارسة التفاهم الاجتماعي الذي يناقض الاستئثار والغلبة والانتقام، ويُعلي ويسيِّد مفهوم المواطنة بوصفه تقاسماً للحق في البلد، وليس في السلطة فحسب. هذا علاوة على طول النفَس والقدرة على تجنب منزلقات خطرة، على رأسها استسهال طلب التدخل العسكري الغربي، لأنه لن يحصل، ولأنه لو حصل فلا يحقق شيئاً غير الإضرار بشكل لا شفاء منه ببنية البلد ومستقبله.

قد يبدو فظيعاً الطلب من الممثلين المدنيين لمجتمع يتعرض للقصف والتقتيل أن يعملوا على بلورة تصورهم عما يطمحون إليه، وعن نواياهم بخصوص كيفية تنظيم مجتمعهم لو تخلصوا من الوضع الحالي، وذلك على كل الصعد: بما في ذلك المسائل المتعلقة بالاقليات الكثيرة التي تتقاسم المواطنة في سوريا، بما في ذلك مصير العلويين الذين حكم النظام باسمهم، وأحياناً بواسطة توظيف لحمة عصبية تعززها مكاسب ومناصب متاحة، والذين يلعب بعضهم دوراً بشعاً في آلة القمع، كما حدث في الماضي ويحدث في الحاضر، وعلى الارجح في المستقبل. وليس المطلوب طمأنة الناس لفظياً أو عاطفياً، أو تكتيكياً فحسب، لتعطيل انحيازاتهم الضارة بالتغيير، والتي قد يحفزها الخوف من المجهول. بل انه لا يمكن موازنة البطش الفظيع للنظام إلا بالارتقاء الى الوفاء بهذه المهمة.

=================

ماكبثية شامية

عمر العمر

التاريخ: 10 أغسطس 2011

البيان

النظام السوري حشر نفسه ووطنه في مأزق يستحكم كل ما توغلت ماكينته العسكرية في دماء شعبه. العنف المفرط حفر هاوية بين النظام والشعب في الداخل، كما شوّه صورته في الخارج.

النظام يتقمّص شخصية ماكبث كأنما لا يجد سبيلاً غير الخوض في مزيد من الدم. تحوّل «حماة الديار» إلى «غزاة الديار» هزّ صورة الجيش. كل المبررات الحكومية بقصد تسويق العنف لم تقنع أحداً بما في ذلك العقلاء داخل النظام.

عنف الدولة على هذا النحو الدموي ألهب صمود الشعب السوري. تحت إصرار السوريين على تقديم الشهداء بسخاء نادر أخذت المؤسسة العسكرية في التشقق كما الثورة الشعبية المتصاعدة كشفت بجلاء عدم وجود دولة لحزب أو حزب وراء الدولة. قلة محدودة تدير الأزمة الوطنية المستفحلة، قلة قابضة على مفاصل السلطة والثروة. العقلية القاصرة وراء الأزمة فضحت عورات النظام المختبئة عقوداً وراء ستار القمع. الواقع المقروء في متن الثورة الحالية يناقض تماماً كل الأدبيات السياسية الرسمية الصادرة في دمشق طوال 40 سنة ويزيد.

الانتفاضة الباسلة أبانت الهوّة بين الشعب والنظام. جرأة الشارع عرَّت ضعف هيبة الدولة. النخبة الحاكمة أظهرت عجزاً فاضحاً إزاء استثمار الموقف الملائم واللحظة المناسبة لاحتواء الأزمة في بداياتها ورسم خارطة طريق يجنب الوطن والشعب المأزق المستحكم الماثل.

بعد تجاوز جنائز الشهداء عيّن الرصد وكسر أعداد المفقودين دائرة الحصر لم يعد من الممكن الحديث عن حوار وطني. آليات النظام نسفت كل جسور التلاقي الممكنة مع الشعب. ممارسات العنف الدموي صنعت قطيعة مع الماضي.

الشارع السوري يفيض رغبة عارمة من أجل كتابة مستقبل جديد. هو مستقبل قائم على الاعتراف بالتنوع السياسي والإثني والطائفي، باعتبار الاعتراف ليس واقعاً سورياً قائماً، بل هو كذلك السبيل لتعزيز وحدتها. هو مستقبل يضع نهاية الاستبداد وسبل الفساد.

هو مستقبل يضمن تصفية الزواج غير الشرعي بين السلطة والثروة. هو مستقبل يضمن تفعيل المنظومة العدلية المعطلة.

هذه الخارطة المستقبلية لم تكن غائبة عن أعين النظام، غير أنها عصية على التنفيذ من قبل نخبة اتسم أداؤها بالبؤس. إعادة كتابة المشاريع الوطنية المستقبلية يتطلب في البدء ممارسة النقد الذاتي الموضوعي. هذه فريضة تتطلب شجاعة في القلب وجرأة في الفكر.

القابضون على السلطة في دمشق تمادوا في نهجهم القمعي انطلاقاً من قناعة باستحالة تدخل خارجي. هذه القناعة حملتهم على الاستفراد بالشعب وممارسة أشكال متوحشة من التعذيب والتقتيل. المعارضة السورية ترفض التدخل الخارجي، لكنها لم تستبعد وضع النظام تحت ضغوط خارجية.

هذه النظرة بدأت تأخذ مسارها على الأرض. تحت هذا الضغط، أمام النظام خياران، أحلاهما مرّ.. أما الاصطدام بالخارج بعد الداخل أو بدء مسلسل العد التنازلي في التنازلات.

هذا مأزق من نوع آخر يحشر النظام السوري نفسه فيه. وراء المأزقين الأول والثاني عقلية لم تدرك الطفرة التي أحدثتها ثورة الاتصالات في منظومة العمل السياسي. تلك العقلية عمدت إلى إطفاء الشعارات بالنار. هي نفسها استهدفت إشعال فتنة إثنية ومذهبية بغية إجهاض الثورة.

العقلية نفسها حاولت استدراج جموع قبلية لحمل السلاح في وجه الجيش بغية إيجاد مسوغات تبرر عنفه المفرط في وجه المدنيين العزّل.

وعي الشعب السوري الباهر وثقافته، يشكلان مصدّات ضد مثل تلك المحاولات الساذجة. في وهج هذا الوعي والثورة وبعد التضحيات السخية، لم يعد ممكناً لشباب الثورة القبول بالجلوس إلى طاولة حوار يستهدف إجراء عملية إصلاح مهما كان عمقها أو بعدها الجراحي.

الشارع السوري بات مفتوحاً على ثورة شاملة تنجز تحولات جذرية على الصُعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

=================

في وحدة المعارضة السورية وعطل السياسة

تاريخ النشر: الأربعاء 10 أغسطس 2011

د. برهان غليون

الاتحاد

لا نبالغ إذا قلنا إن السوريين، داخل صفوف شباب الثورة وخارجها، بعد بلوغ ثورتهم الشهر الخامس، مع ما قدمه الشعب من تضحيات أسطورية، وما أظهره من بطولات لا توصف، يعاني من الإحباط بسبب تأخر الإعلان من قبل المعارضة عن تكوين هيئة أو لجنة، أو كما يطالب العديد من الشباب، بمجلس وطني يقود وينظم ويخطط للثورة ويرعى مصالحها ومصالح الشعب السوري في الساحة العربية والدولية. وللأسف لم ينل هذا الموضوع حقه من النقاش حتى اليوم بالرغم من أهميته وخطورته، واكتفينا جميعاً نحن المعنيين بالأمر والذين شارك بعضنا في العمل من أجل جمع أطراف المعارضة المشتتة من دون نتيجة واضحة، بالأفكار التي كنا نرد بها على أسئلة الصحفيين أو القنوات التلفزية. ولا يكفي ذلك لمواجهة مسألة اعتقد أنها أصبحت تشكل اليوم أولوية قصوى، بسبب التحديات التي تواجهها الثورة بعد تصميم النظام كما يبدو على تحويل شهر رمضان من مناسبة لتحطيم معنويات النظام وتفكيك أجهزته كما كان يخطط شباب الثورة إلى شهر لكسر إرادة الشعب وتصفية قضيته، من دون أي اعتبار لما ينجم عن هذا القرار من ضحايا بالجملة ومن مخاطر وتهديدات على وحدة الشعب واستقرار الدولة ومؤسساتها.

بداية أقول إن أزمة المعارضة السياسية الممثلة بالأحزاب وبالتكتلات المعروفة لا تتعلق بتعدديتها. فالمعارضة بالتعريف معارضات، لأن التشكيلات الحزبية والتكتلات تعبر عن تآلف مصالح سياسية وأيديولوجية واجتماعية متمايزة. ومن الطبيعي أن تعكس المعارضة هذا التمايز. وهي لا تتجسد، كما يميل البعض إلى التأكيد، في هرم أو تخلف أيديولوجياتها وبرامجها السياسية، فقد أجهزت الثورة على جميع الخلافات السياسية ودفعت إلى الواجهة أفكاراً ومهام جديدة مرتبطة بعملية التحويل العميقة التي تواكب المواجهة الدموية مع النظام القائم، وفرضت على جميع التشكيلات التكيف معها. فلا توجد خلافات برنامجية بين أطراف المعارضة السورية. وبالمقابل هناك إجماع بين قوى هذه المعارضة كافة على مسائل أساسية، كافية في نظري لخلق إطار للتعاون في إطار جبهة موحدة لدعم الثورة السورية وتطوير عملها السياسي والميداني.

فهدف الجميع أصبح اليوم بوضوح لا لبس فيه إسقاط نظام الفساد والاستبداد ومن يمثله، والانتقال بسوريا نحو دولة مدنية ديمقراطية تعددية تساوي بين جميع أبنائها بصرف النظر عن مذاهبهم وأصولهم، ويقوم تداول السلطة فيها على أساس الاختيار الحر من قبل الشعب لممثليه، والمساواة الكاملة في ما بينهم على جميع المستويات. وهناك إجماع مماثل على رفض التدخل العسكري الخارجي، والتأكيد على سلمية الثورة وتجنب أي استخدام للعنف وإدانة من يقوم به، والتمسك بوحدة الشعب السوري، ومحاربة أي شكل من أشكال التمييز والتفرقة الدينية والنزاع المذهبي أو الإثني.

ما الذي يمنع في هذه الحالة تفاهم هذه القوى على الوصول إلى رؤية مشتركة وخطة عمل واضحة وتشكيل لجنة موحدة للمبادرة الوطنية، تنسق بين جميع الأطراف وتوحد عنوان المعارضة السورية لتسهيل اتخاذ القرار والتواصل مع الرأي العام الداخلي بمختلف قطاعاته وترتيب علاقات الثورة مع محيطها الخارجي العربي والدولي؟

هناك بالتأكيد إرث العطالة السياسية النابع من إكراه المعارضة على العيش في قبر سياسي لعقود طويلة متواصلة، لا ترى منه النور ولا تستطيع التواصل مع جمهورها، وهو ما أدى إلى تحولها إلى هيكل عظمي وأفقر منظماتها من الإطارات والمواهب المتعددة التي تحتاج إليها لتتفاعل مع بيئتها السياسية وتستجيب لمتطلبات التحول والتحويل الاجتماعيين المستمرين، وحرمها في الوقت نفسه من خبرات التفاعل مع الجمهور والتواصل الفكري والسياسي معه. لقد أصبح المعارضون في سوريا "البعثية" مستحاثات تاريخية لا حضور حقيقياً لهم في الحياة العامة، بل لقد لصق بكلمة المعارضة معنى السلبية والهامشية والعيش في الماضي. ولا يمكن لكل هذا أن لا يؤثر على سلوك المعارضة ويفسر بطء حركتها وتأخر ردود أفعالها خاصة إذا ما قارناها بوتيرة حركة الثورة الشعبية السريعة التي تتطور كل يوم بل كل ساعة.

ما يمنع المعارضة السورية من بناء قطب ديمقراطي يتحلى بحد أدنى من الاتساق والانسجام وروح المبادرة الجماعية، أمران رئيسيان. الأول نقص الخبرة السياسية الناجم هو نفسه عن الهامشية التي عانت منها السياسة وعاشها السياسيون في نظام لم يعرف سوى العنف طريقة للحكم والتعامل مع الشعب، خلال عقود طويلة، وما نجم عن ذلك من تشويه وإفساد لمعنى الفعل السياسي بحيث تحول، إلى رديف للإعلان عن الموقف الأخلاقي في مواجهة الانتهازية والوصولية السائدتين في حجر نظام جائر، وبالتالي زوال مفهومها بوصفها، قبل أن تكون خطاباً، ممارسة عملية تهدف إلى تغيير الواقع، وتتكيف وتكيف وسائلها وتكتيكاتها حسب حاجات هذا التغيير.

ففي غياب مفهوم السياسي كفاعل أو مغير، تحولت السياسة إلى التأكيد على مواقف مبدئية فحسب. وقد يدفع مثل هذا التأكيد في حالة كالحالة السورية إلى الانعزال والانغلاق على النفس والعيش في شرنقة يحتفي فيها الأفراد، كالمتصوفة، بمواقفهم الأخلاقية وابتعادهم عن السلطة، ويقبلون عن طيب خاطر لا فاعليتهم بل سكينتهم المفقودة.

والأمر الثاني النابع هو نفسه من غياب أجندة التغيير العملي، هو تركز السياسة على الذات الفردية، التي هي موطن المواقف المبدئية والأخلاقية. وهذا ما ولد أيضاً الاستثمار في الخصائص الشخصية، ونّمى التنافس بين الذاتيات المتميزة على تمثيل السياسة والصراع على تجسيدها واحتكار رمزيتها. فليس الاختلاف في وجهات النظر ولا في الإيديولوجيات، ولا في البرامج والخطط التنفيذية هو الذي يسبب الخلاف أو يخلق التباعد بين الأحزاب والكتل السياسية، وإنما حجم التنافر والتناغم بين زعاماتها أو الأشخاص الحاملين لرمزيتها. لذلك لا يقدم تذليل المصاعب الفكرية والسياسية أي فرصة للالتقاء ما لم يحسم سلفاً التنافس بين الأفراد وتحديد مواقعهم في أي تشكيلة محتملة أو بديلة. وغالباً ما أخذ الحل حتى الآن شكل الجمع بين الأطراف، أو إضافة أسماء وجمعها بعضها إلى البعض الآخر، من دون تحديد الصلاحيات وتعيين المسؤوليات القيادية المثيرة للقلق والنزاع، أو التخفيف ما أمكن منها ومن السلطة المرتبطة بها، تجنباً لإثارة الحساسيات الخاصة، وحتى لا يشعر أحد بأن هناك من يتقدم في الرمزية السياسية على الآخر.

الوحدة بوصفها تراكماً وتجميعاً، لا تنظيماً لنوعية العلاقات والمسؤوليات داخل جماعات متشاركة في تحقيق مشروع واحد، تتجلى أيضاً في المنهج الذي اتبعته المعارضة السورية منذ شهرين للتوصل إلى تكوين هيئة تتجاوز الحساسيات الشخصية التي تمنع التفاهم بين الأطراف. وهو تكرار المؤتمرات السياسية الجامعة التي تسعى إلى تجاوز التشكيلات القائمة مع تمثيل جميع الفئات وتيارات الرأي والقبائل والمذاهب فيها. والنتيجة أنه بدل التوصل إلى هيئة واحدة تقود المعارضة أو تمثلها، سيسفر الأمر عن نشوء هيئات متعددة كل منها مرتبط بالمؤتمر الذي ولد منه، وحريص على أن يكرس حضور هذا المؤتمر وتميزه واستقلاله عن المؤتمرات الأخرى. وبدل أن تساهم في توحيد الأحزاب الموجودة أصلاً أو نجمع بينها في تآلف واسع، أصبح تنظيم المؤتمرات باسم المعارضة ولخدمتها منبعاً لمزيد من الانقسام وتشتت الجهد والوظائف المكررة. وبدل أن تكون هناك لجنة واحدة جدية ومقنعة للعلاقات الخارجية وجدنا أنفسنا أمام لجان متعددة غير مقنعة ولا تملك الصدقية فما بالك بالقدرة على الفعل.

ما الحل إذن؟ يسعى شباب الثورة الذين يشعرون أكثر من غيرهم بوطأة غياب المبادرة السياسية الموازية للتقدم على الأرض، أي انعدام القدرة على استثمار التضحيات الكبيرة لتحقيق المكاسب السياسية التي هي الهدف، إلى طرح مشاريع متعددة، منها تنظيم القوى السياسية المفتقرة للروح، أي للفعل، وبالتالي العاجزة عن رؤية الهيكلية التي يحتاجها الفعل، من خارجها، ومن حيث يسيطر الفعل، أي من صفوف الثورة ذاتها، أي إلحاقها بالثورة ووضعها في خدمتها. ومنها أيضاً قيام التنسيقيات نفسها بتشكيل قيادتها السياسية، ومنها أخيراً تفويض بعض الأشخاص الذين يرون فيهم شيئاً من التمثيلية لقيم الثورة وأهدافها، ودفعهم إلى التحرك على الساحة العربية والدولية.

وفي اعتقادي أن المنعطف الجديد الذي نجم عن رفض النظام التخلي عن حلوله الأمنية من جهة، وتطور الموقف الدولي كما عبر عنه بيان منظمة الأمم المتحدة الرئاسي من جهة ثانية، يفتحان نافذة أمل كبيرة ستشجع المعارضة على التقاط أنفاسها والارتفاع إلى مستوى مسؤوليتها، وإلا لن يكون هناك مهرب من تشكيل لجنة مبادرة وطنية من شخصيات مستقلة تعمل بالتنسيق مع شباب الثورة وتستكمل عملهم في تقويض أركان النظام والإجهاز عليه.

===============================

أسئلة رمضانية بريئة!

الخضر هارون*

maqamaat@hotmail.com

مركز الحوار العربي

9/8/2011

قال: وقف يسألنى وحيرة عظيمة ترتسم على محياه السمح البرىْ : أى أبى .. قلت لى بالأمس ونحن نستقبل الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك إن هذا الشهر بمثابة "دورة تدريبية" ، "تربص" إن شئت كما يحلو القول لأخواننا فى المغرب العربى الكبير أو course كما يذهب بعض أحفاد يافث بن نوح عليه السلام، دورة تدريبية خاصة رغم أنها بالصوم عن شهوات الطعام والشراب والجنس، الا أنها جُعلت لنقتات عليها بقية العام سمواً عن دركات الحيوانية التى هى بعض مكوناتنا، بصدقية صارمة مع الله والنفس وبنى الانسان قاطبة ، صدقية نتعلمها من إخلاص الصوم لله وحده إذ هو العبادة الوحيدة التى لا يجزم أحد بالتحقق بأنك تتعبد بها الله جل وعلا أم تخاتل بها رئا الناس. والصدقية هى أعلى مراتب الشجاعة يقول فيها الصادق الحق ولو على نفسه. وهى الإنضباط الصارم فى القول والعمل بحيث لا يحيك فى صدرك شعور بالذنب لتقصير أو تدليس أو خيانة. وهذه درجة لا يبلغها من كان عبداً لشهوة بطن أو فرج أو سلطان. لذلك فالصوم فى رمضان عن المأكل والمشرب وبقية الشهوات غايته أن يكون الانسان على الدوام وفى سائر الشهور والأيام إنساناً لا يكرهه الجوع والعطش ورغائب الجسد الأخرى وشهواته على التفريط فى كرامته الانسانية حتى إن دهمته المسغبة والمجاعات وجور الإنسان على أخيه الإنسان بل يظل وفياً لها حتى الموت. يكون كذلك فى كل عمل يقوم به و يؤسس شبكة علاقاته العامة والخاصة على تلك القاعدة الصلبة لا يحيد عنها قيد أنملة. وقلت لى أيضاً إن شهر الصيام محطة لحفظ التوازن المطلوب بين متطلبات الروح والجسد يحقن أوردتنا الروحية بما يعينها على ألا تصبح رهينة لنداء المادة فتهبط الى مصاف الحيوان. قلت لى ذلك كله عن مغازى الشهر الكريم. قال أجبته : نعم قلت لك ذلك. قال ولكن نحن الآن ياأبتى نمر بهذا السوق قبل ساعة من الإفطار فأرى الناس يتزاحمون ويتخاصمون ويسب بعضهم بعضاً فى شجار محموم على كماليات وهم صائمون فكيف يبلغون معشار ما ذهبت إليه وقد انقضى الصوم غداً؟ قال سكتُ هنيهة أبحث عن إجابة لا تبدد ثقته فى خيرية الناس جميعاً فعاجلنى قبل أن أجيب بحزمة أخرى من الأسئلة قائلاً: سمعتك البارحة تنصت لرجل يتحدث عن أصحاب مخابز يضيفون مادة مسرطنة لرغيف العيش طمعاً فى الربح حيث تزيد تلك المادة حصاد الدقيق من الخبز. أيصوم أولئك؟ قلت أغلب الظن أنهم يفعلون ويقيمون الليل فى المساجد ويؤمنون اذا دعا الإمام فى ركعة الوتر وقد يذرف بعضهم سخين الدمع تأثراً بدعاء الإمام وربما حجوا واعتمروا مراراً من أرباح ذلك السم الذى يدسونه فى رغيف العيش فتترمل بفعله حرائر ويتيتم صغار! وهناك فى هذا الشهر العظيم آخرون يخفون السلع الضرورية عند مقدمه حتى تتضاعف أرباحهم وتنتفخ جيوبهم بحرمان بؤساء لا يقدرون على شىء. وآخرون يبيعون الناس بضائع وأدوية فاسدة وهم يعلمون وفى هذا الشهر العظيم ايضاً والوزر يشملهم جميعاً ويشمل موظفين صغاراً وكباراً إن هم تقاعسوا عن أدوارهم فى الرقابة وحماية المستهلكين لا ينقص من أوزارهم شيئاً. أما قرأت ما كتبه بالأمس طبيب عالم معروف عن أدوية فاسدة مسرطنة تصول فى الأسواق وتجول وأسمدة قاتلة كذلك يأكل حصادها الناس أوبئة فتاكة تنؤ تحت وطأتها أجساد أهلنا الناحلة الضعيفة إبتداءاً؟ غشيت وجهه البرىء هذه المرة بدلاً عن الحيرة كآبة ثم قال سمعت صاحبك يشكو من تفشى الرشوة والفساد ويقول إنه يستحيل أن يحصل صاحب حاجة على حاجة مشروعة عبر الأبواب المشرعة والقوانين المعتمدة ما لم يوسط قريباً أو صديقاً أو مرتشيأً. قلت: كثر الحديث عن هذا أيضاً . وهو حديث إن كان مضخماً لأغراض أخرى فإن ما يبقى منه ويقارب الحقيقة ليس بالهين اليسيروإن لم يكن الخطب بتلك الضخامة والخطر فالأولى أن تتصدى له السلطات ليس بمجرد النفى ولكن بوسائل الإقناع العلمية المعروفة كالاحصاء وفتح النوافذ الخدمية لوسائل الاعلام ليرى الناس أن هذه السوح قد بلغت مرحلة التعامل اللاشخصى impersonal حيث يستحيل أن يجد العامل الشخصى مكاناً فيها شأن أمم سبقتنا فى ذلك المضمار. قال: لم يدفع صاحب الحاجة رشوة للحصول على حق تكفله القوانين والنظم بينما ما لا يدفع الناس شيئاً سوى الرسوم المحددة فى بلاد لا تعرف رمضان ولا يسود فيها إسلام؟ قال قلت إذا عم مثل هذا البلاء واصبح هو القاعدة لا الإستثناء ُيطرُ المغلوب على أمره إليه. وقد نسبوا الى أهل العلم القول إنه أن لم يكن هناك من سبيل أمامه إلا ذلك فالوزر على الآخذ لا المعطى. عاد الفتى بريئاً كما بدا ثم قال متسائلاً : والآخذ هذا يصوم النهار ويقوم الليل قلت أرجح أنه يفعل. قال : كيف ألا يعلم حرمة ذلك ؟ ثم قال: كيف تكتظ المساجد بالمصلين وإذا أقبل رمضان صاموا وأقاموا لياليه بالصلوات وهم يلحفون فى الدعاء طالبين القبول والنجاة من النار بينما تتردى علاقلتنا الانسانية الى هذه الدركات؟ قال: وكان يتبعنا بمحض الصدفة شيخ يستمع لحديثنا فأجاب الفتى عنى: أما سمعت قول النبى " كم من صائم ليس له من صومه الا الجوع والعطش؟!"

ماذا لو أخذ مشايخنا وعلماؤنا الأجلاء من الوقت الذى يخصصونه على الشاشات البلورية للرد على أسئلة راتبة تتكرر كل عام عبر الهاتف أو الإنترنت عن من أكل ساهياً أو أفطر قبل الوقت أو تسحر بعده الى الحديث عن مقاصد العبادة التى تروم مكارم الأخلاق فى الصدق والأمانة وطهارة اليد وعفة اللسان والحرص على الرزق الحلال وعلى تحمل التبعات كل فى محيطه ودائرة أعبائه صغرت أو كبرت ؟. قال النبى الكريم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق." وقالوا " الدين المعاملة". إن شعائر التعبد هى الوسائط لتلقى النفحات الربانية للسقيا من معين الروح الذى يضبط وقع أقدامنا على الأرض على الجادة المفضية الى الرضاء والسكينة فى سعينا الحثيث الى بلاد الأفراح. ورمضان هدية روحانية نتدرب خلاله كل عام على التخلص من منقصة بعينها فى حياتنا الخاصة والعامة ونقف عند إنقضائه كل عام نسائل أنفسنا: هل نحن أفضل حالاً هذا العام من العام الذى سبقه؟ وهل يرقى بنا رمضان كل عام درجة فى سلم الكمال الانسانى تخلصاً من الأثرة والأنانية والبغضاء؟ إن كان ذلك كذلك فلعلنا إن امتد بنا العمر نكون قد حصدنا من أشهر الصوم التى مرت بنا مغانم كثيرة رقيا فى سلوكنا وسمواً فى أخلاقنا وفوق ذلك قرباً من الخالق العظيم قرباً يفضى بنا الى العالم الجميل السرمد الذى لا هم فيه ولا نصب.

• الخضر هارون: كاتب وسفير سابق للسودان في واشنطن

=======================

بعد الانتفاضة العربية والدولية على بشار الأسد .. المعارضة السورية يجب أن تقدم برنامجها  

حسان القطب

مدير المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات

الشبكة العربية العالمية 8/8/2011

الشبكة العربية العالمية - خمسة أشهر مضت على بداية الانتفاضة السورية المباركة في وجه الظلم والاضطهاد الذي يعيشه الشعب السوري منذ عقود.. خمسة أشهر توازي في خسائرها وبشاعة جرائمها العقود الخمسة التي مضت على حكم عائلة الأسد لبلاد الشام،

موطن بني أمية وأرض نهضتهم الثقافية والفكرية والعلمية.. واليوم وبعد هذه المعاناة الطويلة والمريرة قام العالم العربي بجمهوره وأنظمته بفتح أعينه وكافة جوارحه على ما يجري في سوريا من حمام دم مستمر ومتواصل يستهدف الشعب السوري بكافة مكوناته وفئاته دون أن يراعي هذا النظام حرمة سفك الدم في شهر رمضان المبارك، ولا الفرحة التي يختزنها الأطفال في نفوسهم ابتهاجاً بقدوم هذا الشهر المبارك ومع نهايته عيد الفطر السعيد. فانتزع هذا النظام بممارسة القتل كل معالم الفرح وروح المحبة وبراءة الطفولة وطهارتها، وعوض أن يؤمن فرص العمل للشباب السوري قام هذا النظام بتدمير مستقبل الشباب والأجيال القادمة، وذلك حين أمعنت آلة القتل الرسمية عملها في كافة المدن والقرى والبلدات دون تردد أو وازعٍ من خلقٍ أو دين، مستندةً إلى هذا الصمت المريب والتخاذل الدولي والعربي إلى جانب التأييد الرسمي من حكومة لبنان وحدها دون سواها إلى جانب إيران من بين دول العالم المتحضر والمتخلف على حدٍ سواء.. ولا شك في أن من يؤيد ممارسات من هذا النوع أو انه يتجاهلها يكون جزءاً من المؤامرة بل أداة إضافية في يد الجلاد الذي يمعن في سفك الدماء..

أول تداعيات اليقظة الدولية كان الموقف الروسي الرافض لتجاوز الخطوط الحمر في طريقة معالجة نظام سوريا لانتفاضة الشعب السوري، وتبعته تركيا والأمم المتحدة. واليقظة العربية تجلت في الموقف الكويتي المبدئي، ثم تلاه موقف مجلس التعاون الخليجي، ليتوجه موقف الملك السعودي حين أعلن رفضه ممارسات النظام السوري بحق شعبه ومواطنيه، ودعوته السفير السعودي للعودة من دمشق للتشاور مع حكومته، وهي طريقة لائقة ودبلوماسية لسحب السفير دون إعلان قطع العلاقات ولكنها تشكل بداية جدية وموضوعية لبداية اهتمام عربي ودولي بالشأن السوري الذي تذكرنا مجرياته وأحداثه من شدة هولها بالحقبة الستالينية. هذا الواقع المستجد من الممكن أن تضيفه المعارضة السورية إلى قائمة انجازاتها وانتصاراتها كنتيجة طبيعية لتضحيات آلاف الشهداء والجرحى والمفقودين والمعتقلين والمهجرين والمشردين من أبناء الشعب السوري ولكن حتى لا يضيع كل هذا هباء في دهاليز السياسية الدولية والتسويات بين القوى الكبرى على حساب الشعوب الضعيفة والمقهورة ، لذا يجب أن تستثمره المعارضة السورية بشكل جيد بأن تعمل على:

- تشكيل هيكلية تنظيمية تضم كافة قوى المعارضة السورية وتشمل كافة مكونات المجتمع السوري

- وضع تصور موضوعي للمرحلة الانتقالية التي تضمن انتقالاً هادئاً وآمناً للسلطة من الديكتاتورية إلى الديمقراطية

- تقديم برنامج موحد يتضمن رؤية القوى السياسية والاجتماعية السورية لدولة مدنية ديمقراطية يتم تداول السلطة فيها في انتخابات حرة ونزيهة

- وضع تصور لطبيعة وشكل النظام الاقتصادي المقبل يكون قادراً على الخروج بسوريا من أزمتها الاقتصادية وتأمين فرص العمل لشبابها

- وضع رؤية لطبيعة علاقات الدولة المقبلة مع جيرانها وأشقائها والمجتمع الدولي تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى

- التأكيد على احترام حرية الرأي سياسياً وإعلاميا

- التأكيد على فصل القضاء وضمان استقلاله

- إلغاء الأجهزة الأمنية التي عاثت في سوريا فساداً على امتداد عقود وإعادة تأهيل منتسبيها وتامين انخراطهم في المجتمع المدني من جديد

النظام السوري الحالي والذي يرى بوضوح أن استمراره بات مستحيلاً نتيجة عجزه عن سحق الانتفاضة الشعبية وبسبب عزوف الدول التي حالفته ودعمته في مرحلة سابقة عن متابعة دعمه وتجاهل جرائمه قد يلجأ لممارسة كل ما يمكنه من تصرفات وممارسات تربك المعارضة أو تتسبب في انقسامها ودب وزرع الخلافات في صفوفها عبر طرح نقاط أو برامج أو مشاريع تسويات بهدف الإرباك ليس أكثر، لشراء الوقت بانتظار متغير دولي ما يعيد خلط لأوراق، وقد يلجأ لبعض أتباعه في لبنان وسواه لارتكاب بعض الهفوات والممارسات التي توحي بأن سقوط النظام السوري الحالي سيشكل كارثة على المنطقة والدول المحيطة، تماماً كما تصرف حين أرسل الشباب الفلسطيني إلى خطوط التماس في الجولان ولبنان بالتعاون مع حماس وحزب الله للإشارة إلى الفوضى التي ستحدث في حال سقوط النظام الحالي.

لذا يجب التنبه من كافة محاولات هذا النظام لضخ الحياة في جسم حكمه المنهار والمتهالك والعمل بوعي وحكمه للمساعدة على خروج سوريا من هذه الفترة المظلمة من تاريخها وعودتها للصف العربي وهي أكثر تماسكاً وقوةً ومنعة..

=====================

سوريا: قانون الإعلام الجديد – الحرية المفقودة

أنور البني*

الشبكة العربية العالمية 8/8/2011

أية حرية أعطاها قانون الإعلام الجديد في سوريا للصحافة والرأي والتعبير ؟

سؤال أساسي وبديهي خاصة أن ما نفقده ونطالب به في سوريا هو الحرية , هل حقا كما يشاع أن مشروع القانون منع حبس الصحفي ؟ أم هو تلاعب على الألفاظ والمواد القانونية لذر الرماد في العيون !

هل أعطى استقلالية لوسائل الإعلام حقا ؟

في قراءة أولية لمشروع القانون المعروض على مجلس الوزراء نلاحظ ما يلي :

أولا : شكلت المادة / 64 / المجلس الوطني للإعلام من تسعة أعضاء ثلاثة يعينهم رئيس الجمهورية ,وثلاثة يعينهم مجلس الوزراء المعين أساسا من قبل رئيس الجمهورية , وثلاثة يعينهم مجلس الشعب الذي ما يزال حتى بعد قانون الانتخابات الجديد يعين معظمه من قبل رئيس الجمهورية , ولا ندري حقيقة ما الذي يميز المجموعات الثلاث وما التفسير المنطقي لانشاء هذا المجلس سوى التلاعب على الألفاظ والتنويعات لإعطاء وهم أن هناك جهات مختافة يسمي أضاء المجلس في محاولة لمنحه مسحة مصداقية أو استقلالية وهمية والحقيقة أن جهة واحدة تعين معظم أعضاء المجلس إن لم نقل كلهم وهي رئيس الجمهورية,

كما لم يحدد مشروع القانون ما هي مواصفات أو مؤهلات أعضاء المجلس بما لا يترك مجالا للشك ولو للحظة أن يكون المجلس مستقلا أو مؤهلا للترخيص لوسائل الإعلام وإعطائها حريتها الموعودة وبالتالي لا يوجد أي مبرر لإحداثه طالما أنه يمثل قرار الرئيس أو وزير الإعلام , اللهم إيجاد طريقة لتنفيع بعض الأشخاص المقربين ونفقات إضافية على الدولة ووسيلة لتغطية الوجود الأمني المباشر والقانوني في المؤسسة الإعلامية .

ثانيا : حددت المادة /3/ في الفقرة /11/ مبادئ العمل الإعلامي بالالتزام بالمبادئ القومية / أي قومية..؟ .. العربية؟ / والنهوض باللغة العربية! مما يؤدي لمنع التداول بالثقافات واللغات القومية الأخرى في سوريا ومنعها من التواجد الإعلامي .

ثالثا : حظرت المادة 17 في فقرتها /4/ نشر أية مقالات أو أخبار أو معلومات عن الجيش والقوات المسلحة أو قوى الأمن الداخلي باستثناء ما يسمح بنشره , وحظرت بالفقرة /5/ نشر ما يمس رموز الدولة دون تحديد ما هي هذه الرموز أو ما هي الأمور التي تعتبر مساسا برموز الدولة , وحظرت الفقرة /10/ نشر صورة أي شخص مقيد أو معتقل من قبل السلطات .

كل هذه الفقرات جاءت لإسباغ الحماية على الممارسات الخاطئة والغطية عل سوء استخدام السلطة وانتهاكات حقوق الإنسان التي قد يرتكبها المسؤولين في الدولة والجيش والأمن من النشر والتشهير الإعلامي بعد أن أعطتهم القوانين الأخرى الحماية من المسائلة القضائية والمحاكمة أما القضاء عن مثل هذه الجرائم .

وجاءت الفقرة /6/ لمنع نشر كل المذكرات والمستندات والتسجيلات العائدة لأي من الجهات العامة والمصنفة سرية في محاولة لحماية رموز وصفقات الفساد والنهب والهدر للمال العام من الكشف والفضح أمام الرأي العام .

رابعا : ولعل الأخطر في القانون هو المادة / 92/ , فقد روجت السلطات أن مشروع القانون قد منع حبس الصحفي في قضايا النشر وهذا غير صحيح بتاتا لأنه وإن كان مشروع القانون لم ينص في مواده على عقوبة الحبس ولكنه حول الجرائم المرتكبة بواسطة وسائل الإعلام مع اختلاف أنواعها والتي لم تذكر بهذا القانون إلى قانون العقوبات العام والقوانين النافذة , وحيث أن قانون العقوبات العام يعاقب أساسا بالسجن على جرم ذم وقدح رئيس الجمهورية وذم وقدح الإدارات والمؤسسات العامة المرتكبة بالنشر ووسائل الإعلام كما يعاقب بالسجن على نشر الأنباء الكاذبة التي من شأنها إضعاف الشعور القومي ووهن نفسية الأمة ونشر التفرقة الطائفية أو المذهبية وإضعاف الثقة بالاقتصاد الوطني ومحاولة تغيير الدستور ومناهضة أهداف الثورة وغيرها من الجرائم التي تصل عقوبتها في بعض الأحيان للسجن أكثر من عشر سنوات , وبوجود المادة /92/ فإن للنيابة العامة الخيار أن تحرك دعوى الحق العام على الصحفي إما على قانون الإعلام فتنقذه من السجن أو على قانون العقوبات العام فتصل مدة حكمه بالسجن لسنوات , إن وجود هذه المادة لا معنى له سوى أبقاء السيف مسلطا بالسجن على رقاب الصحفيين تحت مسميات قانونية مختلفة فطالما أن قانون الإعلام حدد كل المخالفات التي قد ترتكبها الوسيلة الإعلامية وحدد مبالغ الغرامة المقابلة لكل مخالفة فلا مبرر لوجود المادة /92/.

هذا إذا تجاوزنا المبالغ الكبيرة المفروضة كغرامات على المخالفات والتي تصل في بعض الأحيان إلى مليوني ليرة عدا عن التعويض .

إن كل ذلك يؤكد أن مشروع القانون ما هو إلا محاولة لتجميل وجه القمع وكم الأفواه البشع . وإنه قد صيغ بنفس العقلية التي لا تؤمن بترك أي تفصيل أو مفصل خارج السيطرة , وأن كل محاولات التمويه بادعاء الإصلاح ساقطة وغير جدية وأن الأساس هو تعديل الدستور بما يؤدي إلى انتخاب هيئة تشريعية تمثل الشعب بشكك حقيقي وهي من ستقوم بإنتاج منظومة قانونية جديدة لإعادة تأسيس المجتمع على أسس الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان .

*رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية

========================

عن البعث والنظام والثورة السورية

ضافي الجمعاني

القدس العربي 5/8/2011

ان الكلام الكبير المبني على الهواجس والذي لا يستند الى العلمية والمعرفة هو كحجر الكلس الكبير الذي اذا رميته من أعلى يتفتت. ان أمراض المجتمع العربي موحدة في الدول الكبيرة والصغيرة وفي الدول الغنية والفقيرة، وهذه الأمراض هي في السلطة التي لا ينهيها الا الموت، ان كانت الموروثة او التي ستورث. هذه السلطة المستبدة الظالمة الفاسدة المنزوعة الوطنية، العميلة لمراكز القوى العالمية، والتي لم تترك أجهزتها الأمنية فضيلة الا وحاربتها، والتي تبيع القيم الشريفة والأساسية للحياة الكريمة من أجل الحفاظ على سلطاتها، تكره العروبة وتعاديها وتكره فلسطين والفلسطينيين، فهل هناك سوء اسوأ من هذا؟ ان الاستعمار المباشرهو أفضل من هذا الواقع فهو عدو مشخص لا بد من مقاومته. ولهذا فالثورات الشعبية في الوطن العربي موحدة الاداة موحدة الهدف، عدوها مشخص في أنظمة الحكم العميلة والفاسدة في الوطن، وهي ثورة تحرر من الاستعمار غير المباشر الذي تمثله أنظمة الحكم الموصوفة أعلاه. لذا فكل الجماهير أداة هذه الثورات تنادي بالحرية وتسعى الى امتلاكها، فقد تبين لها أن فقدان الحرية هو سبب كل ذلك.

ان البعث في منطلقه الفكري عرف ذلك لكنه لم يستطع الصمود على هذا المنطلق. لقد عرف البعث حقيقة فعل الحرية وتأثيرها التاريخي، لذا جعلها تتوسط شعاره، فهو يمسك بيمينه الوحدة و بيساره العدالة الاجتماعية. لانه بدون تحقيق الحرية لا يمكن تحقيق الحرية ولا العدالة اجتماعية ولنا من التجارب الماضية أصدق اثبات.

لقد مضى قرن من الزمن على التعامل المباشر وغير المباشر بين الاستعمار الغربي في المشرق العربي والانسان العربي، أنجز الاستعمار التجزئة و مضمونها على طريقته و هواه خدمة لمصالحه. ومن خلال هذه التجزئة خلق الكيان الصهيوني و عمق جذوره، وحتى يضمن الحفاظ على مصالحه وتثبيت اسرائيل ككيان دائم في فلسطين، اقدم على احتلال العراق الذي كان خارج السيطرة ويخطو خطوات جديدة نحو المنعة ويعتنق ايديولوجيه الوحده العربيه، وبهذا الاحتلال سيسهل عليه تحقيق اهدافه في الحفاظ على مصالحه وتثبيت اسرائيل . وذلك بتجزئة العراق اساسا ومنطلقا نحو مشروعه في اقامة الشرق الاوسط الجديد (الا ان القمر لم يأت على هوى الساري). لقد كان رد المقاومة العراقية سريعا ومباشرا وفعال، انزلت الامبراطوريه الامريكيه عن قمة السيطره على العالم سياسيا واقتصاديا، وهكذا طوي مشروع الشرق الاوسط الجديد من هذه الناحية، الا ان المحاولة الثانية لتحقيق هذا المشروع جرت من البوابة اللبنانيه السوريه، فكان هجوم الجيش الاسرائيلي على جنوب لبنان وتكفل حزب الله في افشاله ومنع الجيش الاسرائيلي من تحقيق اهدافه واهداف الولايات المتحده والغرب في تأسيس مشروع الشرق الاوسط الجديد من البوابة اللبنانية. ان الولايات المتحده التي انهزم مشروعها في العراق ولبنان وهي تلملم وحلف الاطلسي هزيمتهم المؤكدة في افغانستان، وبعد هذا الفشل الاستراتيجي ودخولهم في الازمة الاقتصادية لم يعودوا في وارد خلق ازمات عالمية جديدة لأنهم ليسو قادرين على الفعل فيها وحلها لمصلحتهم. انهم يحاولون الآن التاثير في الاحداث بعد وقوعها وحرفها عن المسار واهدافها من خلال اجهزة الانظمة التي كانت مرتبطة بهم وخاصة الاجهزة الامنية 'الجيش والمخابرات والشرطه' وما يجري في تونس ومصر الا دليلاعلى ذلك. الا انه يستحيل العودة بالامور الى اسوأ مما كانت عليه وذلك من خلال كسر الجماهير لجدار الخوف ووصولها هتافا الى التوصيف الفعلي لحقيقة هذه البلدان بسجن الآباطرة وفرض العقوبات المهينة عليهم وعلى زبانيتهم ايضا، وخلق ايضا خوفا حقيقيا للسلطة المؤقتة الآن وفي المستقبل.

اليمن: ان الخوف الآن على اليمن، فكما قال عبدالعزيز بن سعود في وصيته لأبنائه، 'ان الخير والشر يأتيكم من اليمن' و خير و شر الجزيرة والخليج من اليمن أيضا، فالخير يأتيكم من يمن مسيطر عليه فاقد القدرة على التأثير، والشر يأتيكم من يمن حر عروبي متماسك وموحد، و مصالح الاستعمار الغربي في الجزيرة والخليج أكبر من أن تترك للمخاطر، فهل يستطيعون السيطرة على اليمن؟

لقد ذكرت أعلاه أن الأمراض في الأقطار العربية واحدة، وأن القوى المقاومة لهذه الأمراض هي واحدة، ولكن الأختلاف بين هذه الأنظمة يكمن في التكوين البنيوي، فأقطار مثل تونس ومصر واليمن أداة الحكم فيها مبنية 'مظهريا' على الأحزاب، ومن هذه الأحزاب تكونت معظم السلطات واستمرت تحكم مدة طويلة، ولكن الحكم الحقيقي هو للحاكم وعائلته وتيارعريض من الانتهازيين والمنتفعين الفاسدين.

أما في 'الجماهرية الاشتراكية العظمى' فالأمر مختلف تماما عن كل أنظمة العالم، فقد أبدع الملازم الأول في الشرطة معمر القذافي عندما خلق لنظامه أيديولوجية النظرية العالمية الثالثة، أي أنها لا رأسمالية ولا اشتراكية أساسها من 'من تحزب خان'. هذا الملازم الأول أطاح بالنظام الملكي وأجلى القواعد الجوية الأمريكية والبريطانية عن الأرض الليبية و خلق الجماهيرية الاشتراكية العظمى التي تقودها اللجان الثورية ويقود هذه اللجان 'الأخ العقيد معمر القذافي قائد الفاتح من سبتمبر'. المهمة الحقيقية لهذه اللجان هو التهليل وتأليه معمر القذافي، فهو يوما أمينا للقومية العربية ويقاتل مع ايران ضد العراق، وفي اليوم التالي يغادر العروبة الى افريقيا ليصبح ملكا لملوكها. يملك مليارات طائلة ومدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية مثل 'قرية ذيبان' في تواضعها، وهناك أكثر من مليون ليبي من أصل خمسة ملايين مهاجر من ظلم القذافي، حيث أن بعضهم يعملون بالأجرة في جزيرة مالطا.

هل من يستطيع ان يقول لي ان الاستعمار البريطاني الذي خلق هؤلاء الورثة قد قتل في أي من مستعمراته العربيه الفين ومائتي سجين لأنهم يطالبون بالحريه كما فعل الاخ العقيد؟!

اما شقيقه نظام الفريق حافظ الاسد فهو صاحب مهمة اكثر تعقيدا واخطر اهدافا ويدل على ذلك توريثه النظام الى ابنه بشار الاسد وذلك للحفاظ على الاستراتيجية التي جاء من اجلها. ومهمات هذا النظام:

1.منع سورية من دورها الطليعي المنادي بالوحدة العربية.

2.العداء للعراق وعدم اللقاء معه بالمطلق والاصطفاف مع اعدائه ايا كان لونهم وجنسيتهم.

3.الاعتراف بالقرارين (242،338) اي الاعتراف بالكيان الاسرائيلي.

4.تشويه صورة حزب البعث العربي الاشتراكي من خلال الحكم باسمه. والحقيقه انه ليس للبعث علاقة بالموبقات التي يرتكبها النظام المشكل من عائلة الاسد واقربائهم وانسبائهم بالتحالف مع التجار والصناعيين واصحاب المصالح في المدن السوريه الكبرى.يحكم هذا النظام ا بمجموعة عسكرية اكثر ضباطها من لون واحد لكون التصفيات التي حدثت في الجيش العربي السوري لم تنلهم، ومن هنا اخذ صفة الطائفية، قاتل العراق مع ايران بالرغم من انه يحكم كما يدعي باسم البعث ومضمونه، وتضمه والعراق جامعة الدول العربية، وارسل جيشه الى حفر الباطن ليقاتل العراق مع الامبريالية والصهيونية، ارضه محتلة منذ اكثر من اربعين عاما لم يطلق طلقة واحدة من اجل تحريرها، يقاتل بالشعارات والقوى المقاتلة خارج الارض السورية، هذا هو نظام حافظ الاسد الذي سجن رفاقه لأكثر من عقدين دون محاكمتهم بعد أن انقلب عليهم، وصفى بعضهم جسديا داخل السجن دون ستر أو خوف كما فعل بالرفيق اللواء صلاح جديد الأمين العام المساعد للحزب، وقتل أكثر من ثلاثين الف انسان في مدينة حماة، وقام شقيقه رفعت الأسد بقتل أكثر من ألف سجين في سجن تدمر عقابا لمحاولة اغتيال أخيه. هذا هو نظام حافظ الأسد.

ان الثورة العربية الحالية ليست أول ثورة في التاريخ، فقد حدثت مثلها ثورات عالمية بنفس العوامل والأسباب التي تقوم بسببها الثورات العربية اليوم، فلمذا ينسب العديد من العرب هذه المقاومة للواقع المهين الى الامبريالية وحلفائها؟

ان الخوف على الثورة العربية ليس من الغرب الأمبريالي أو من غيره من القوى الخارجية، انما الخوف يأتي من الثوار أنفسهم، لمعرفتهم السطحية للواقع والقوى الفاعلة، ولعدم الخبرة في كيفية الاستفادة من الثورة في عملية البناء. حيث من المعلوم أن الثورات الكبرى انتهت الى الدكتاتورية، فالفرنسية الى نابليون والروسية الى ستالين والجزائرية الى بومدين والعسكر، ومع ذلك فأنني مؤمن أن الوطن العربي سياسيا واجتماعيا يتقدم الى الأمام.

*سياسي اردني

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ