ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 11/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

مشروع ميثاق شرف للمعارضة السورية: لا يكفي ان تكون معارضا سوريا لتكون على حق

فادي عزام

12-8-2011

القدس العربي

(لا... نحن لسنا راضين ولن نكون راضين حتى تتدفق العدالة كالينابيع والاستقامة كالنهر العظيم)

مارتن لوثر كينغ

1- لا يكفي ان تكون معارضا لتكون على حق. لا يكفي أن تكون معارضا لتستخدم اللغة الطائفية وإثارة الكراهية .. لا يكفي ان تكون معارضا كي تمتلك الحق بتوزيع الوطنية وسحبها عمن يخالفك الرأي والعقيدة والفكر.

ورفضك للطائفية والمذهبية هو رفض قاطع ونهائي يدين كل من يقوم به، بشكل مباشر أو غير مباشر.

2- لأنك معارض للكذب والتزوير والقتل وإهانة الشعب السوري، لأنك تختلف عن النظام بأخلاقك وقيمك وعدالة ما لديك .. فكن أنموذجا راقيا، كن صوت الحق والحقيقة فلا تبالغ ولا تختّلق لترد على المبالغات والاختلاقات.

3- ولأنك معارض سوري فبوصلتك هي سورية وارتباطك هو سورية وأنك تقّسم وتتعهد بشرفك ومعتقدك على أنه لا يمكن أن تستخدم لأي جهة خارجية، وأي أجندة غير سورية، تحت أي مسمى أو أي حجة أو تبرير.

4- لأنك معارض سوري فأنت القدوة لسورية الحرة فأنت مؤتمن على حفظ مرافقها العامة لأنها لك ولشعبك. وإنك تجافي أي حقد شخصي وتنحاز فقط لكل وطنك وقومياته وطوائفه وأفكاره حتى التي لا تتفق معها.

5- لأنك معارض سوري وانتفاضتك سلمية، فأنت تؤمن بأن 'العين بالعين يجعل العالم أعمى'، وإن الرد على استخدام القمع والوحشي هو بالخروج السلمي، وإن كل من يحمل السلاح هو عدو سورية الحرة، وكل من يرد بالعنف هو عدو الشعب السوري وانتفاضته الاشرف والأنبل. وحقك بالدفاع عن النفس تحفظه لك كل القوانين الدولية والمعايير الأخلاقية ولجوؤك إليه هو في حالات تعرضك أنت وبيتك وأسرتك لخطر يهدد حياتكم.

6 لأنك معارض سوري يعني أن تمتلك أنبل القيم الأخلاقية في الحياة وتواجه جميع الأعداء في الداخل والخارج وعلى كل الجبهات ولكن هذا لا يجعلك تيأس أو تخاف، تتراجع أو تهادن فما زالت انتفاضتك سلمية، وطريق الحق الموحش، سيقود بلدنا إلى أرض الحرية التي تليق بسورية.

 

7- ولأنك معارض سوري فأنت بالمطلق معارض لكل تدخل عسكري في بلدك أي كان مصدره أو سببه أو تحت أي حجة أو ذريعة كانت. وإن صراعك الوجودي مع 'الكيان الصهيوني' أولوية لا تحيد عنها. وإن النظام الذي أرتكب المجازر بحق شعبه من خلال الحل العسكري الامني والاستعانة بقوى اقليمية هو من سيفتح الطريق امام التدخل العسكري في بلدك. وترفض بكل قوة الانجرار خلف أي شخص او فرد مهما كان فالأفراد زائلون وسورية الولادة بالأفكار والحياة باقية وعبادة الفرد انتهت بإمبراطوريات عملاقة إلى التحلل والنسيان.

8- ولأنك معارض سوري فأنت غير قابل للاستخدام لتصفية حسابات خارجية مع النظام، وأنك إذ تعتب على المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية والشعوب العربية خفوت صوتها وحيادها وصمتها على دماء الشعب السوري فأنك لا تسمح لأي جهة أخرى باستخدام انتفاضة الشعب السوري كمطية لتصف حسابات مشبوهة مع حركات التحرر الوطنية وتساند كل القضايا العادلة للشعوب العربية ونضالها لتخلص من الظلم والاستبداد ونيل الحرية.

9 - ولأنك معارض سوري، يعني أن تكون صادقا شهما أبيا لا تستخدم لغة النظام ولا أساليبه في التخوين والتضليل، وتقدم الصورة الأبهى الأخلاقية والإنسانية الجامعة التي تنكر الذات الفردية والحزبية والأقلية لصالح الوطن الأم بكل مشاربه وأطيافه وأفكاره وعلى رأسها تلك التي تختلف معها.

10- ولأنك معارض سوري، فانك بالمطلق مع كافة الحقوق الوطنية لفئات شعبك وأقلياته وفئاته ومشارب وترفض أن يتم تغيبهم تحت أي مسمى أو أدعاء وأنك بما لا يدع مجالا للشك، مع تضمين الحقوق المدنية والثقافية الكاملة لإخوانك السوريين من كل القوميات، فسوريتهم تخولهم أن يكونوا شركاء كاملين في كل قضايا الوطن. وثقافتهم وقوميتهم هي إغناء لشخصية بلدك، والظلم الذي وقع بحقهم بحجج واهية وشعارات فارغة إزالته واجبة على كل سوري.

11- أن تكون معارضاً سورياً لا يعني ألا تتطرق لمحاسبة المتطرفين والشاذين عن سياق الانتفاضة وألا تعترف بوجودهم وتفضحهم وتدينهم حين يقومون بأي عمل يسيء لسلمية الانتفاضة او يحرفونها عن أهدافها النبيلة فإن من يتطرف ويحرض ويقتل تحت أسم الانتفاضة السورية هو أول من يذبح شهداء الحرية ومحاسبته واجبة مثله مثل اي مجرم أخر.

12- ان تكون معارضا سوريا، فهذا يعني ان تكون العدالة الاجتماعية ثابتا وطنيا والديمقراطية الحقيقة مطلبا جوهريا، وسورية المدنية الديموقراطية الدستورية التعددية التي تحترم حرية الاعتقاد مهما كان وتؤمن بالحرية والمساواة والإخاء والسلام لكل السوريين هي التي تناضل من أجلها وتدافع عنها.

13- إن دماء الشهداء السوريين الذين قاربوا اليوم نصف شهداء الاستقلال هي دماء مقدسة لا مساومة عليها وإحقاق العدالة بمن تسبب بها واحد من أبرز مطالبنا الشعبية والأخلاقية وإن صوت الانتفاضة وشبابها في سورية ونضالهم السلمي الشريف هو الوحيد صاحب الحق والقرار بقيادة حراك الانتفاضة وكل ماتبقى هو لحمايته وخدمته والشد من عزيمته.

وبناء عليه نطالب كل الأحزاب والمنظمات والإفراد والهيئات والجمعيات والمعنيين بالتكلم باسم المعارضة السورية التوقيع على هذا الميثاق والالتزام الأخلاقي به وإسقاط الشرعية عن كل خطاب أو تعليق أو تصريح يفت من وحدة السوريين ويحرض على العنف، ويستخدم الانتفاضة السورية الباسلة كمطية لانتقام وتصفية حسابات لصالح أطراف خارجية أو داخلية تحت أي مسمى. وفضح أصحابه أيّاً كانوا وأينما كانوا. نؤكد إن المؤتمرات الخارجية التي قامت بها المعارضة مشكورة كانت نتائجها ضعيفة وبلبلت الشارع السوري، وإنها لم ترتق إلى مستوى الطموح والتعاضد، فلأسباب كثيرة، ما زالت هذه المعارضة تفكر بعقلية ضيقة وبنزعة قيادية تنشغل عن انتفاضتنا البطلة بتفاصيل جانبية، وتفتقر للشجاعة الأخلاقية لتوحيد الصفوف والتنازل عن الأيديولوجيات والحسابات الضيقة والتحلي بمواصفات القيادة التي تليق بشعبنا العظيم وأهمها الإيثار وإنكار الذات لصالح سورية العظيمة.

ملاحظة هامة:

عملت طوال شهر تقريبا على إيجاد صيغة لميثاق شرف أخلاقي يجمع المعارضة السورية، بعد ان تفشت في أوساطها ثلة من المرتزقة والانتهازية، وبدأت قوى مختلفة تستقطب شخصيات موتورة مهزوزة، هدفها التشويش على صورة الانتفاضة ورمزها ورمزيتها. مر هذا الميثاق على العشرات من الأصدقاء والجمعيات والشخصيات، أغنوه بملاحظاتهم وأفكارهم وكان لكل منهم رأي فيه. حاولت صنع توافق بين الجميع، ولكن وجدت إنه من الصعب الوصول إلى صيغة جامعة كاملة. الشيء الايجابي هو إن الخلافات ليست بالجوهر وإنما بتفاصيل بسيطة، بعضها تفاصيل جوهرية. لذلك وجدت أن لا ألزم أحدا به وأنشره بشكل شخصي، كمواطن سوري كيف أرى المعارضة وأشخاصها ومواقفها. فاقتضى التنويه.

كاتب من سورية

=================

الاختبار الاهم للنوايا السورية

رأي القدس

2011-08-11

القدس العربي

اعلان البيت الابيض الذي صدر يوم امس حول اتفاق الرئيس باراك اوباما مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على ضرورة 'الانتقال الى الديمقراطية' في سورية يأتي في اطار التنسيق المكثف بين الولايات المتحدة وتركيا على صعيد الملف السوري، وكيفية التعاطي معه في ظل تصاعد اعمال الانتفاضة الاحتجاجية المطالبة بالتغيير، والتصدي الرسمي السوري لها بالدبابات والرصاص الحي.

السيد اردوغان ارسل وزير خارجيته احمد داوود اوغلو الى دمشق حاملا رسالة قوية تطالب بوقف اعمال القتل في صفوف المحتجين، وارسل سفيره في دمشق الى مدينة حماة للتأكد من انسحاب الدبابات السورية منها تنفيذا للمطالب التركية. الدبابات انسحبت بالفعل ولكن اعمال القتل ما زالت مستمرة في بعض المناطق السورية الاخرى.

من السابق لاوانه اصدار احكام قاطعة بشأن تجاوب السلطات السورية مع المطالب التركية سلبا او ايجابا. فلم يمر على زيارة وزير الخارجية التركي لدمشق الا يومان فقط، ولكن هناك العديد من الشواهد حول رغبة ولو ظاهرية لتنفيذ بعض هذه المطالب ان لم يكن كلها. فالتلفزيون السوري الرسمي حمل اخبارا عاجلة تؤكد انسحاب الدبابات من درعا وعدم عودتها اليها، وتحذر من تصديق قنوات فضائية عربية 'مغرضة' تقول عكس ذلك.

الاختبار الحقيقي لنوايا السلطات السورية هو كيفية تعاطيها مع المظاهرات المتوقع انطلاقها اليوم الجمعة في اكثر من مدينة وخاصة حماة ودير الزور وحمص علاوة على ريف دمشق، والمعيار هنا هو اعداد القتلى والشهداء، لان مواصلة اعمال القتل واقتحام الدبابات للمدن ستعني عدم الالتزام باي تعهدات اعطيت لوزير الخارجية التركي بوقف هذه الاعمال، ووضع تركيا ورئيس وزرائها في موقف حرج للغاية.

الرئيس بشار الاسد عين رئيسا جديدا لهيئة اركان الجيش السوري، واختار جنرالا مسيحيا لهذه المهمة، بعد ايام معدودة من اقالة وزير الدفاع، في رسالة واضحة تؤشر الى اعتراف بحدوث اخطاء ورغبة في فتح صفحة جديدة، ولكن الافعال هي التي تحكم على الاقوال في نهاية المطاف.

الرئيس اوباما اتفق مع الزعيم التركي اردوغان على ضرورة حدوث الانتقال الديمقراطي في سورية، ولكنهما لم يقولا كيف سيتم هذا الانتقال، وما هي ادواته، وهل سيتم في ظل النظام او بالاحرى الرئيس الحالي بشار الاسد او نظام آخر؟ الاجابة على هذه الاسئلة تأتي على درجة كبيرة من الاهمية لمعرفة النوايا الامريكية والتركية الحقيقية تجاه سورية.

السيد اردوغان توقع حدوث الانتقال الديمقراطي في غضون اسبوعين مثلما صرح في مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد عودة وزير خارجيته من دمشق ولا بد انه تلقى تعهدات من الرئيس بشار الاسد في هذا الخصوص.

اكثر ما نخشاه ان يكون هذا التنسيق التركي الامريكي مقدمة لتدخل ما في الشأن السوري، خاصة ان عمليات التنديد باعمال القتل التي يمارسها النظام السوري ضد شعبه قد تصاعدت في الايام الاخيرة خاصة من المملكة العربية السعودية ومصر ودول الخليج الاخرى. فهل هذا التنديد والشجب هما عماد غطاء عربي لمثل هذا التدخل في حال حدوثه؟

التدخل الاجنبي، خاصة اذا جاء عسكريا، سيكون كارثة على سورية وشعبها، وامام السلطات السورية فرصة اخيرة لتجنبه اذا ما اوقفت فعلا وبحزم آلة القتل الدموي وسحبت دباباتها من المدن واعادت الجيش الى ثكناته وبدأت الاصلاح الحقيقي والجدي.. الامل ضعيف ولكنه موجود على اي حال او نتمنى ان يكون الحال كذلك، لان البديل خطير وكارثي لسورية والمنطقة العربية باسرها.

النظام السوري تنازل لتركيا بطرد عبدالله اوجلان الزعيم الكردي تمهيدا لتسليمه، وسحب قواته من لبنان لتجنب حرب مع الولايات المتحدة وحلفائها بعد اغتيال الحريري، وقد حان الوقت للتنازل لمطالب شعبه في التغيير وهذا ليس عيبا وانما قمة العقل في رأينا.

=================

خيارات القيادة السورية أمام العزلة الدولية

الجمعة, 12 أغسطس 2011

راغدة درغام - نيويورك

الحياة

دخلت معادلة شد الحبال مرحلة خطيرة بعدما أوضح الرئيس السوري بشار الأسد إصراره على الحسم العسكري متعهداً مواصلة ملاحقة من سمّاهم «ارهابيين». طوق الخناق الاقتصادي والعزلة السياسية القاطعة سيزداد شدة في لغة مطالبة الأسد بالتنحي والمتوقع صدورها عن واشنطن وعواصم أوروبية وعربية وربما تركية أيضاً. تطويق النظام في دمشق لن يتوقف عند عزلة لا عودة عنها واستغناء واضح عنه، وإنما سيشمل إجراءات التمهيد لمحاسبة أركان النظام ومحاكمتهم على ارتكاب جرائم ضد المدنيين. وهذا سيؤدي إما الى إقرار دمشق بأن لا مناص من صفقات وتنازلات جذرية سريعة تستبق قطار المحاكمة والمطالبة بالتنحي، أو قد يؤدي الى تفاقم التصعيد ضد المتظاهرين ولعب ورقة لبنان معاً، أي استدعاء حرب إسرائيلية عبر «حزب الله» من أجل إعادة خلط الأوراق. مثل هذا القرار ليس سورياً محضاً وإنما سيكون جوهرياً قراراً إيرانياً قد يُتخذ في طهران بعين لها على أنقرة. ذلك ان تركيا تلعب الآن دوراً أساسياً في مصير سورية بتنسيق مع دول عربية ذات وزن ومع واشنطن وعواصم أخرى تابعة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي تنتمي اليه تركيا. والكلام يزداد عن ضغوط عسكرية آتية عبر تسليح المعارضين للنظام السوري – إذا ثابر في عناده وقمعه الدموي – ربما تؤدي الى تمرد وانشقاق داخل الجيش السوري. حلف الناتو لن يدخل في عمليات جوية ضد النظام في دمشق – كما يفعل في ليبيا – لكنه قد يقدم الدعم المادي والتسليحي عبر تركيا في عمليات برية وليست جوية، إذا ثابر النظام في الحسم العسكري. كذلك قد تفعل دول مجلس التعاون الخليجي التي اتخذت في الأسبوع الماضي مواقف نفاد الصبر مع النظام في سورية وبدأت التنسيق الأوسع والأعمق مع تركيا. وهذا زاد إيران قلقاً، وربما غضباً أيضاً، الأمر الذي يراقب الجميع كيفية ترجمته عملياً على الساحة السورية واللبنانية والعراقية أيضاً.

يُستبعَد أن يعطي مجلس الأمن صلاحية أو غطاء إنشاء قوة دولية أو إقليمية للدخول الى سورية وإيقاف النظام عن تجاوزاته. فروسيا والصين ما زالتا في خندق «بريكس» للممانعين لأي غطاء لعمليات عسكرية والذي يضم أيضاً الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا (ابسا). صحيح ان لهجة ونبرة الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ووزير خارجيته سيرغي لافروف ازدادت حدة مع دمشق إنما ليس لدرجة السماح بعمل عسكري. أقله، ليس الآن. فروسيا وحلفاؤها في مجلس الأمن ما زالوا يراهنون على إقناع بشار الأسد بإعادة الجيش الى الثكنات والشروع بإصلاح جدي ينقذه وينقذ نظامه، ولذلك يحرصون دائماً على توجيه اللوم أيضاً الى الطرف الآخر – أي المتظاهرين – عملاً على وضع النظام ومعارضيه في كفتين متوازيتين من المسؤولية.

إنما بالتأكيد، لا بد من أن بشار الأسد صُدِم وفوجئ بإجماع كامل أعضاء مجلس الأمن على البيان الرئاسي قبل عشرة أيام (والذي نأى لبنان بنفسه عنه). فذلك البيان تضمن إدانة للسلطات السورية وفتح باباً على إبقاء المسألة السورية على جدول أعمال مجلس الأمن. ولربما كان الأسد واثقاً من إفشال روسيا لإصدار موقف كهذا في مجلس الأمن بقدر ما كان واثقاً من «فيتو» روسي عندما راقب تلفزيونياً تصويت مجلس الأمن على إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فجاءت المفاجأة بامتناع روسيا عن التصويت، مما سمح بإنشاء المحكمة. بكلام آخر، ان ما تمليه السياسات الدولية والعلاقات الثنائية بين الدول ليس أمراً ثابتاً، والجديد هو ان الساحة الميدانية في سورية (وقبلها في ليبيا واليمن) ومعها منظمات حقوق الإنسان التي تراقب مواقف الدول لمحاسبتها، لها تأثير ومفعول مباشر على السياسات التي تُرسَم في العواصم، وعليه، ما تمانعه روسيا وحلفاؤها اليوم قد توافق عليه غداً إذا استمر القمع الدموي وإذا تعاضد التجمع الخليجي – التركي – الأميركي – الأوروبي أكثر فأكثر في العزم على وقف النظام السوري عن تجاوزاته وإصراره على الحسم العسكري.

قد يقرأ بشار الأسد المواقف الدولية المختلفة ليقرر أن لا مناص من التراجع عن الحسم العسكري وأن مفتاح بقائه في السلطة هو مزيج من الصفقات والتنازلات، على الصعيدين المحلي والإقليمي. عندئذ يلعب الورقة الفلسطينية، ويتخلى عن الورقة الإيرانية، ويستعيد اطمئنانه لعلاقة تهادنية مع إسرائيل ضمن بموجبها لسنوات هدوء الجبهة السورية – الإسرائيلية وتلقى مقابل ذلك نوعاً من الضمانة والحماية الإسرائيلية للنظام. وقد يقرر العكس، أي أن التصعيد العسكري داخل سورية وخارجها هو مفتاح بقائه في السلطة، وعندئذ يلعب ورقة لبنان عبر «حزب الله» لاستفزاز حرب إسرائيلية – عربية، ويؤجج ورقة النزاع الطائفي خصوصاً السنّي – الشيعي، ويلعب أوراق الأقليات والمذاهب، ويتخذ من إيران حليفاً استراتيجياً فوق العادة يتحدى التحالف الاستراتيجي بين الدول العربية الخليجية وتركيا ومعها أوروبا والولايات المتحدة. بكلام آخر، هناك خيار السلم عبر الإصلاح والاستدراك، وهناك خيار الحرب لفرض وقائع جديدة تقلب الطاولة وتشتري الوقت وربما تنقذ النظام.

فإذا وقع الخيار على تقديم التنازلات والرجوع عن الحسم العسكري، قد تساعد تركيا في رسم خريطة الطريق لتكون مهندس الإصلاحات السياسية والاقتصادية بتنازلات جذرية وجدية من بشار الأسد وليس تنازلات شكلية. هذا محلياً. إقليمياً ودولياً، سيكون على بشار الأسد تقديم ضمانات بالكف عن لعب الورقة الفلسطينية، أي التوقف عن استخدام الفصائل الفلسطينية لتعطيل القرار الفلسطيني الذي هو من حق السلطة الفلسطينية. أي ان عليه تفكيك البنية العسكرية لهذه الفصائل المسلحة الموجودة داخل سورية والتي تعمل في لبنان بأمر سوري. كذلك، سيكون عليه قطع الوصال مع إيران وكذلك قطع طريق التواصل بين إيران و «حزب الله» في إمدادات عسكرية وغيرها. فمن ضمن إصلاح الشواذ في الوضع السوري – كما كان سائداً قبل الانتفاضة ضد النظام – الكف عن اقتلاع سورية من البطن العربي وتقديمها حليفاً لإيران لغايات لعب الورقة الإيرانية مع الخليج لغايات الابتزاز ضماناً لاستمرارية النظام.

أما إذا وقع الخيار على التصعيد العسكري كوسيلة للبقاء في السلطة، فإن أولى حلقات التصعيد تكمن في لبنان. إنما مثل هذا القرار يتطلب بالتأكيد قراراً سورياً - إيرانياً مشتركاً لأن عواقبه كبيرة على رغم مظاهره الترغيبية، ومشكلة سورية وإيران، تكمن جزئياً في ان «حزب الله» يملك الحكم في لبنان بدلاً من امتلاكه حرية «المقاومة» وقرار الحرب «شاء اللبنانيون أم أبوا». وهذا في رأي أحد المخضرمين في السياسة العربية «جزء من المشكلة» لسورية وإيران لأن «حزب الله» اليوم هو «مقاومة ونظام» معاً في لبنان، يضطر لاتخاذ مواقف سياسية ليست دائماً لمصلحة سورية أو إيران «وهذا من سوء حظ الأسد».

قد يقع القرار على ورقة لبنان عبر «حزب الله» تهديداً وليس تصعيداً «ميدانياً»، وقد يكون القرار اعتماد التفجير الأوسع عبر حرب إسرائيلية - عربية تحوّل الأنظار عن الانتفاضة السورية ضد النظام وتكبّل أيدي الحكومات العربية وتشلّ التحالف الخليجي – التركي وخططه.

ربما تنجح استراتيجية التصعيد في شراء مساحة زمنية للنظام في سورية، على حساب تدمير لبنان، لكن هذا لن يحول دون تدخل أرضي عبر تركيا. فإذا كان التصعيد العسكري قراراً سورياً، هناك خطط موازية جاهزة لإحباط تلك الاستراتيجية حتى وإن نجحت في شراء فسحة تنفس لأركان النظام.

جزء من هذه الاستراتيجية يرتكز الى إرباك قوى الجيش السوري واستفزاز الشقاق في صفوفه ليؤدي الى ما يشبه نموذج مصر وتونس من شراكة بين الجيش والشعب للانقلاب على العائلة الحاكمة. وهنا أيضاً، تركيا مهندس مهم في هذا المجال بتنسيق واضح مع حلف الناتو الذي تنتمي اليه ومع دول مجلس التعاون الخليجي.

إيران مرتبكة وخياراتها قليلة. قد تقرر طهران ان إنقاذ النظام السوري أولوية قاطعة فتوافق على استخدام الورقة اللبنانية عبر «حزب الله». وقد ترى في التحالف الخليجي – التركي محوراً سنّياً ضدها، وهي الدولة التي قادت محوراً شيعياً في العراق ولبنان وأوضحت طموحاتها الإقليمية لتصدير ثورتها والسيطرة على المنطقة. وعندئذ قد يكون قرارها المواجهة باستراتيجية استباق بدلاً من الرضوخ لنظام إقليمي جديد لن يكون في مصلحتها.

انما تصعيد كهذا بقرار من طهران لا يمر من دون كلفة كبيرة على الصعيد الدولي. فهناك نوع من الصمت الدولي ازاء إيران، كما هناك نوع من التأهب الصامت لدى الشعب الإيراني ضد نظامه. لذلك، قد ترى قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ان الأفضل لها هو إدارة صمتها وعدم التصعيد لأنه سيفتح أبواباً محلية ودولية تتدفق منها الضغوط الدولية و «الربيع الايراني» معاً.

مرحلة شد الحبال دخلت خانة الخطورة ليس فقط نتيجة إفرازات الحسم العسكري الذي تتمسك به دمشق حتى الآن والذي ينزف دماء الشعب السوري، وإنما أيضاً في ضوء الخيارات الأوسع التي قد يلجأ اليها النظام في كل من دمشق وطهران.

فالعد العكسي بدأ بلغة المطالبة بتنحي بشار الأسد ومحاكمة المسؤولين عن جرائم حرب ترتكب في سورية. وهذه اللغة قد ترشد القيادة السورية الى عقلها أو قد تثير فيها غريزة الانتقام. إنما جدار الصمت قد انكسر، ولم يعد في إمكان النظام السوري الاختباء في ظل الجدار.

=================

الأسد له تسع أرواح!

مراد يتكين

الشرق الاوسط

12-8-2011

اعتاد الإسرائيليون ترديد نكتة سياسية في الأعوام الأولى لبشار الأسد (في الحكم)، وكانوا يقولون: ارتعد الجنرالات السوريون عندما دخل الأسد الأب إلى الغرفة، وارتعد الابن عندما دخل الجنرالات إلى الغرفة.

وفي الوقت الحالي ينضم الإسرائيليون إلى الإيرانيين، وربما بصورة فريدة، في الاعتقاد بأنه لا غناء (في الوقت الحالي) عن الأسد الابن كرئيس لسوريا، على الرغم من الضغوط المتزايدة من مختلف أنحاء العالم بسبب وسائل عنيفة يستخدمها جنرالات الأسد ضد مواطنيهم المنادين بالديمقراطية.

وتمثل تركيا رأس الحربة في جهد دبلوماسي دولي يهدف إلى إقناع الأسد بوقف الاستخدام المفرط للقوة ضد مواطنيه، الذي أدى إلى سقوط أكثر من 2200 قتيل، وفقا لتقارير تركية منذ انطلاق الشرارة الأولى للاحتجاجات في مارس (آذار).

ولكن، كما الحال مع آخرين كثر، لا ترغب تركيا في رحيل الأسد حاليا على الرغم من إشارات دبلوماسية تفيد بأن الولايات المتحدة ستدعوه لترك منصبه. ويأتي ذلك أيضا على الرغم من تقارير وصلت إلى أنقرة عن أنه في اللحظة التي أعلن فيها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو رحيل الدبابات السورية عن حماه وأداء السفير التركي في دمشق عمر أونهون صلاة الظهر هناك، كان جنود ودبابات سورية أخرى ينفذون عمليات مشابهة في مدن غرب البلاد بالقرب من الحدود التركية.

وأسباب تجاهل الأسد تقريبا لكل هذه الدعوات والتحذيرات والإنذارات هي نفسها المتعلقة بعدم القدرة على الاستغناء عنه في أعين الكثير من الدول، ولا سيما الدول المجاورة. ويرجع ذلك إلى أنه لا أحد يعلم من سيحل محل الأسد، ولا أحد يعرف يقينا هل سيتحسن الوضع عندما يأتي أحد مكانه.

وهذا هو السبب الذي جعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يرد بغضب على زعيم المعارضة الرئيسية في تركيا كليتشيدار أوغلو عندما تساءل الأخير: «ما الذي ستقوم به عندما ينفد صبرك؟ هل ستقدم على تدخل عسكري؟».. يعرف كل من له علاقة بالأمر أنه لا توجد شروط لتدخل عسكري في سوريا، كما الحال في ليبيا أو العراق. ويعرف الأسد أن إحدى نقاط القوة الأساسية التي تجعله على كرسيه تكمن في ضعفه.

هناك سببان يوضحان لماذا يشعر الأسد بالأمن ويعتبر موقفه مختلفا عن معمر القذافي في ليبيا، مثلا، على الرغم من التحذيرات القادمة من أنقرة.

أولا: دافع خروج المعارضة إلى الشوارع يتمثل في الرغبة في الحياة التي يستحقونها. في البداية كان لديهم طلب ملح يدعو إلى استقالة الأسد، ولكن عندما أصبح واضحا أن الأسد لن يقدم أي تنازلات، دعا الجميع - من الإخوان المسلمين إلى الليبراليين - لرحيله. ولكن المعارضة السورية ليست منظمة بشكل جيد، وليس لديهم عنصر قوة غير الأعداد الكبيرة في الشوارع.

ثانيا: لم يحدث انشقاق في صفوف نظام الأسد، على عكس ما حدث داخل العراق إبان صدام حسين أو في ليبيا تحت زعامة القذافي أو في مصر تحت رئاسة حسني مبارك. ويتشكل نظام الحكم في سوريا من زمرة مرتبطة بصورة جيدة - وفي الأغلب - من نفس الطائفة الدينية وتحمل نفس الآيديولوجية البعثية.

لهذا نجد للأسد تسع أرواح. وعلى الرغم من الظروف فإنه إذا اتخذ الأسد خطوات إيجابية خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة بالتوازي مع ما نصحه به الرئيس التركي عبد الله غل في خطاب سلمه للأسد داود أوغلو الثلاثاء الماضي، فسيعني ذلك أن الأسد مقتنع بأن هذه الخطوات مفيدة لنظام حكمه ولبلاده وليس بسبب تهديدات جوفاء.

=================

تكلفة منح الأسد وقتا إضافيا

امير الطاهري

الشرق الاوسط

12-8-2011

إذا ما تحدثت عن سوريا مع مسؤولين في واشنطن أو لندن أو موسكو، فمن المتوقع أن تستمع إلى تكهنات بأنه سيكون هناك المزيد من حمامات الدم قبل الإطاحة بنظام الأسد.

أخبرني أحد المسؤولين في إدارة أوباما أن الرئيس بشار الأسد «يحيا في الوقت الإضافي». ومن المحتمل أن الوقت الإضافي هذا جاء على حساب المذابح اليومية التي تحدث في مختلف أنحاء سوريا. وقال المسؤول الأميركي: «لقد منحنا الأسد مهلة تتراوح من ثلاثة أشهر إلى عامين. وعلى الرغم من ذلك، فإن إجراء دوليا أقوى كفيل بأن يقصر هذه الفترة وأن يقلل من عدد الأرواح البشرية التي تزهق».

ولكن السؤال هو: «لماذا لم يتخذ المجتمع الدولي مثل ذلك (الإجراء الأقوى) الذي تقول واشنطن إنه ضروري؟».

لقد أزهق النظام السوري بالفعل أرواحا أكثر بكثير من الأرواح التي أزهقها نظيره الليبي عندما صدقت الأمم المتحدة على التدخل العسكري ضد نظام معمر القذافي.

عندما اتجهت الأمم المتحدة إلى ليبيا، ألقى القذافي القبض على العشرات من المعارضين، فيما قام الطاغية السوري بحبس 10.000 شخص، بالإضافة إلى كثير من «المفقودين».

وتشكل الأزمة السورية تهديدا كبيرا لعملية السلام في المنطقة يفوق الصراع الذي بدأ في ليبيا الربيع الماضي.

ويتدفق اللاجئون السوريون على تركيا والعراق ولبنان والأردن وقبرص، مما يؤثر على أمن هذه البلاد. وفي داخل سوريا، اضطر نحو 150 ألف شخص إلى ترك منازلهم، فيما قامت قوات الأمن بطرد سكان، يقدر عددهم بنحو نصف مليون نسمة، من عشرات القرى الكردية.

وقام الأسد بإرسال وحدات من الجيش إلى الحدود التركية في المنطقة المتنازع عليها المعروفة باسم إسكندرون، مما يزيد من خطورة حدوث اشتباكات على الحدود. ومع قيام إيران بتقديم الدعم للأسد، بصورة مباشرة وأيضا من خلال عناصر حزب الله في لبنان، فسوف تتخذ الأزمة بعدا أكبر في المنطقة.

وهذا يدعو إلى التساؤل: لماذا اكتفى مجلس الأمن بتوجيه بيان رئاسي يدين فيه المذابح ولم يعد باتخاذ إجراء ملموس لإيقافها؟

وكانت الإجابة التي حصلت عليها من مسؤولين أميركيين ومسؤولين غربيين آخرين هي أن روسيا والصين من الممكن أن تعترضا على أي قرار يلزم المجتمع الدولي باتخاذ إجراء ضد نظام الأسد.

ومن الممكن أن نشير إلى هذا باسم الفيتو الوقائي؛ حيث نعترض على اتخاذ إجراء ضد سوريا خشية أن تعترض عليه روسيا أو الصين بموجب حق الفيتو. ومن خلال عدم تصعيد القضية، تتحمل الديمقراطيات الغربية مسؤولية التقاعس عن اتخاذ إجراء صارم. إنه منطق غريب ودبلوماسية سيئة. في المقام الأول، لا يمكننا معرفة ما إذا كانت روسيا أو الصين ستعترض. ومن غير المعقول أن تعتمد الدبلوماسية الجادة على مجرد تخمينات حول النوايا. وقد قمت الأسبوع الماضي بالاتصال بعدد من المسؤولين الروس لسؤالهم حول الاعتراض المزعوم هذا.

وأجاب مسؤول روسي رفيع المستوى: «لا يمكننا الاعتراض على نص لم يكتب بعد. لكننا سنظل مرحبين بأي إجراء من شأنه إنهاء إراقة الدماء في سوريا». بعدها، أشار إلى بيان قوي للرئيس ديمتري ميدفيديف توقع فيه القائد الروسي «مصيرا سيئا» للطاغية السوري.

بعبارة أخرى، نحن غير متأكدين مما إذا كانت موسكو ستستخدم حق الفيتو للاعتراض على قرار مجلس الأمن لمساعدة الأسد على الاستمرار في إبادة الشعب السوري.

على أية حال، لم يكن مجلس الأمن أبدا غرفة اعتراض، فوظيفته الرئيسية تصعيد ومناقشة القضايا التي تؤثر على السلام الدولي والإقليمي. وقد وظفت الديمقراطيات الغربية المجلس، في معظم فترة الحرب الباردة، من أجل تركيز اهتمام العالم على حقوق الإنسان وقمع النظام السوفياتي للدول في وسط أوروبا وأوروبا الشرقية.

وبالفعل قام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية باستخدام حق الفيتو الخاص به 123 مرة، وهو ما يعد رقما قياسيا غير مسبوق. لكن كان كل اعتراض يشير إلى فشل موسكو في الحصول على أغلبية، مما أدى إلى تعرضها للخطر وعزلتها.

ويجب أن تعرض الديمقراطيات الغربية القضية السورية على مجلس الأمن بصياغة مسودة قرار تقوم فيها بدعم كفاح الشعب السوري من أجل الحرية. وإذا ما تم تقديم المسودة ومناقشتها، يكون على روسيا والصين الاختيار بين الوقوف بجانب الشعب السوري أو دعم نظام معزول ومكروه بشدة. ومن غير المؤكد ما إذا كانت روسيا أو الصين ستستخدم حق الفيتو لدعم الأسد. لكن إذا ما قامتا بذلك، فلن تستطيعا حماية نظام محتضر.

روسيا تعلم أنها بدعمها الأسد، تقوم بدعم أحد الأطراف الخاسرة في العالم العربي. ومن الممكن أن يؤدي دعمها هذا إلى تأجيج المشاعر المناهضة لروسيا بدءا من مراكش وحتى مسقط. وقد أقنعت اعتبارات مماثلة روسيا والصين بالامتناع عن التصويت حول قضية ليبيا.

ومن الممكن أن تكون الصين أكثر معارضة لاستخدام حق الفيتو؛ ففي عام 1972، اعترضت على قرار قبول بنغلاديش عضوا في الأمم المتحدة بهدف إرضاء حليفتها باكستان. ولا تزال بكين تعاني من تبعات هذا الاعتراض، إذ لم تنس بنغلاديش هذا الفعل العدائي.

وهناك سبب آخر يبرر عدم اتخاذ إجراء ملموس لإيقاف آلة القتل التي يستخدمها الأسد وهو «لامبالاة العرب». لكن إذا تابع أي شخص وسائل الإعلام العربية، فسيتبين أنه لا وجود لمثل هذه اللامبالاة. فالرأي العام العربي يدعم الشعب السوري بصورة مؤكدة ويعادي بشدة استمرار نظام الأسد بأي شكل. بغض النظر عن حزب الله، الذي يتبع الحكومة الإيرانية في لبنان، فليست هناك أي جماعة عربية تبرر عمليات القتل اليومية هذه. كما أن البيان الأخير لدول مجلس التعاون الخليجي دليل آخر على أن الرأي العام العربي يدين بشدة هذه المأساة التي تحدث في سوريا. وفي الواقع، هناك فقط ثلاث دول من ال22 دولة الأعضاء في جامعة الدول العربية لا يزال لها سفراء وتربطها علاقات بنظام الأسد.

حتى الجمهورية الإسلامية في إيران تساورها الشكوك حول الاستمرار في دعم نظام الأسد المعرض للانهيار. فللمرة الأولى، تعلن وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا» عن تحركات من جانب تركيا والدول الأخرى لوقف المذابح في سوريا، بالإضافة إلى تصريحات تنتقد النظام السوري.

لقد أضاعت الولايات المتحدة وحلفاؤها وقتا كبيرا في انتظار الاحتمال الوهمي لظهور جماعة إصلاحية من داخل نظام الأسد. ولكن مسؤولين في إدارة أوباما أخبروني أن هذا الوهم قد تبدد الآن، وأن «نظام الأسد لا يمكن إصلاحه ويجب استبداله بنظام آخر يقوم الشعب السوري باختياره».

وإذا ما كان هذا هو الحال الآن، فمن الضروري ضمان دعم الأمم المتحدة لمزيج من الإجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية لإحداث تغيير في سوريا. لذا، يجب أن تأخذ الديمقراطيات الغربية بزمام المبادرة وتدعو مجلس الأمن لحماية الشعب السوري من آلة القتل التي يستخدمها الأسد. وسوف تكون تلك الخطوة بمثابة دعم معنوي شديد للمقاتلين من أجل الحرية في سوريا وإنذار أخير إلى أسرة الأسد بأن أيامهم أصبحت معدودة.

=================

الثورة السورية والمحيط الإقليمي والدولي

رضوان السيد

الشرق الاوسط

12-8-2011

عندما كان الملك عبد الله بن عبد العزيز يطلب من النظام السوري إيقاف سفك الدم وتغليب نهج الحكمة أو تحلّ الفوضى والخراب، كان وزير الخارجية الإيراني من طهران، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى الإيراني من القاهرة، يعلنان عن استمرار دعم الدولة الإيرانية للنظام في سوريا لأنه مستهدَفٌ، ويطلبان من العرب دفْع المعارضة للدخول في حوارٍ مع الرئيس الأسد فتنتهي الأزمة! وقد أضاف الخليجيون من وجوه الضغط سحب سفراء السعودية والكويت والبحرين، والإعلان - بعد بيان مجلس التعاون الأخير - عن اجتماعٍ قريبٍ لوزراء خارجية المجلس من أجل البحث في الأزمة في سوريا، وما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذُها لحماية الشعب السوري. وقد حدث تصعيد كما هو معروفٌ في الموقف الأميركي، وتحدث الرئيس أوباما مع كلٍ من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا للنظر في تنسيق الإجراءات التي تُشدّد من الضغوط على النظام، لمنْعه من الاستمرار في قتل شعبه. وكان التطور الأهمّ فيما حصل هذا الأُسبوع إلى جانب بيان الملك عبد الله بن عبد العزيز، زيارة وزير الخارجية التركي لسوريا ومحادثاته الطويلة مع الأسد، والتي ما خرج منها بشيء حاسم فيما يبدو، مما سيضطر تركيا للتنسيق مع المجتمع الدولي لإيقاف العنف ضد الشعب السوري من جانب نظامه. أما الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا - وهي الدول التي وقفت مع النظام السوري بمجلس الأمن قبل صدور البيان الرئاسي - فقد أرسلت وفدا إلى «الأصدقاء السوريين» لنصحهم بوقف العنف والدخول في عمليات التحول الديمقراطي!

إنّ هذا كلَّه يعني أنه لم يَعُدْ مع النظام السوري أحدٌ باستثناء طهران، وأتباعها في كلٍّ من العراق ولبنان. والمالكي لا يستطيع أن يخدم بشار كثيرا؛ بسبب المشكلات المتكاثرة عنده في العراق، ولعدم وجود إجماعٍ في البلاد على تمتين الصلات بالنظام السوري في هذه الأوقات بالذات. أمّا في لبنان فهناك موقفان: موقف حزب الله الداعم علنا مثل طهران، وموقف الحكومة اللبنانية، حيث يسعى رئيسها نجيب ميقاتي للتذاكي في ظلّ عدم قدرته على ضبط تصرفاته هو وتصرفات الأطراف المشاركة في الحكومة. فالوزير جبران باسيل يزور الرئيس الأسد دونما تشاوُرٍ مع ميقاتي. ووزير الخارجية اللبناني - وهو من أتباع الرئيس نبيه بري - يطلب من مندوب لبنان في مجلس الأمن أن يُصوِّت ضد البيان الرئاسي من جانب المجلس. وبعد شدٍّ وجذْبٍ أمكن الوصول إلى موقف الامتناع عن التصويت! ثم ذهب وزير الخارجية اللبناني إلى دمشق باستدعاء، وأيد الرئيس الأسد علنا. وعندما حاول خمسون من المثقفين وجمعيات حقوق الإنسان التجمع أمام السفارة السورية في بيروت، تصدت لهم مجموعةٌ من الحزب القومي السوري بالإهانة والضرب، وما تدخلت قوى الأمن لحمايتهم، ولا أظهر رئيس الحكومة انزعاجا من أي نوع. واعتقد أن الفرج حلَّ عليه عندما دعا الملك عبد الله بن عبد العزيز السلطة السورية للتحلي بالحكمة أو يحدث الأسوأ، فعلّق ميقاتي بأنّ جلالة الملك كان حكيما، لكنه ما ذكر شيئا عن سفك دم الشعب السوري من جانب حكومته!

هذا هو الموقف الآن فيما يتعلق بالمحيط الإقليمي والدولي. وكما هو واضحٌ فإنّ ما حققته الثورة السورية لهاتين الجهتين غير قليل، وإن لم يصبح شديد التأثير حتى الآن. فقد صار الأميركيون والأوروبيون أكثر تحددا، وخرج العرب عن صمتهم بما في ذلك المصريون، ووجَّه الأتراك للأسد إنذارا أخيرا. بيد أنّ ذلك كله ما دفع الرئيس أو النظام إلى وقف العنف والقتل والاعتقال والتشريد بالداخل السوري، كما أنه ما سار ولو لذرّ الرماد في العيون، في طريق إصلاحاتٍ حقيقية. بل على العكس من ذلك؛ فإنّ ما يجري منذ بداية شهر رمضان، يفيد بأنّ خطةً جديدةً ضد المدن والقرى الثائرة هي قيد التنفيذ. ويقول المراقبون إنّ هذا المسلك العنيف والمستمر في الوقت نفسه في سائر أنحاء البلاد بدءًا من حماه، يشبه إلى حدٍ بعيدٍ ما جرى في إيران ضد الطلاب الثائرين أيام الرئيس خاتمي، وما جرى ويجري من جانب الباسيج والحرس الثوري ضد الإصلاحيين على أثر انتخابات عام 2009. فالعنف يصبح سلوكا عاما ضدّ كلّ متظاهر. والمدن والبلدات تتقطع أوصالها، والمساكن تُنتهكُ حُرُماتُها، والاعتقالات وإطلاق النار معا والنهب والسلب، كُلُّ ذلك يصبح عاما وشاملا وعشوائيا. والسبب المعلن للقيام بكلّ ذلك تتبُّع وقتل المسلَّحين الإرهابيين الذين يروّعون المواطنين ويعتدون على الممتلكات الخاصة والعامة! ولذا ومنذ أكثر من أسبوع يسقط كلَّ يومٍ من المواطنين السوريين - وفي الغالب ليس أثناء التظاهر - ما لا يقلّ عن الخمسين قتيلا، نصفهم (وهذا هو الجديد) من الأطفال والنساء، مما يدل على أنهم ما كانوا في الشارع بالفعل، بل هوجموا في بيوتهم.

والمقصود من وراء ذلك، الترويع الشديد الهائل، وجَعْل خروج المواطنين إلى الشارع مستحيلا أو شبه مستحيل. ويعتقد النظام السوري أنه نجح في سياسته الجديدة نجاحا معقولا. فما عادت المظاهرات الحاشدة تخرج بحماه. أما التظاهرات بحمص ودير الزور وبلدات ريف دمشق ودمشق نفسها، فقد صارت أقلّ حجما وعددا. وقد سارع مراقبون إيرانيون وإسرائيليون، وبعض الغربيين إلى القول إنّ العنف الشديد من جهة (مثلما فعلت طهران)، وعدم قدرة المتظاهرين بالداخل على بلورة قيادات وبدائل، وعدم قدرة المعارضة بالخارج على الاتفاق على برنامج؛ كُلُّ ذلك يمكن أن يُعطي النظام فرصةً لإخماد الثورة أو على الأقلّ للتعايُش معها لمدة طويلة نِسبيا. ويذهب بعض هؤلاء إلى أنّ النظام يمكن أن يصمد اقتصاديا إذا استمرت إيران في مساعدته، وإذا لم يحظر الغربيون عليه تصدير النفط. أمّا من الناحية الشعبية، فوضْع النظام السوري أفضل من وضع النظام اليمني، والذي رغم غياب رئيسه، وانقسام الجيش عليه، وتفكك إداراته، لا يزال يستطيع - بعد سبعة أشهر على التمرد الشعبي - إخراج مظاهرات تأييدٍ منافسة لتظاهرات خصومه.

إنّ ما ذكرناه عن هؤلاء المراقبين هو مجموعة ظواهر واحتمالات. ولا أرى أنّ العنف الشديد يمكن أن يُخمد الثورة بسوريا. بيد أنه يمكن بالفعل أن يُطيل في عُمُر نظام الأسد وشروره وقمعه. فلا بُدَّ من طريقةٍ أو مسار من جانب العرب والدوليين للفرض على النظام المستأسد إخراج قواته الأمنية وفرقه العسكرية من الشارع. وهذا قد يعني الحصار الاقتصادي الشديد، والضغط من جانب مجلس الأمن، وإقفال الحدود من جانب تركيا والأردن. وإذا أمكن تخفيف الأعباء الأمنية عن الشعب السوري بهذه الطريقة، فقد تتخذ الأحداث مساراتٍ أخرى. وأنا لا أعني بها زيادة التظاهُر، بل إمكان أن يبلور الثائرون دون خوفٍ من القتل والاعتقال تصورا وبرنامجا لمرحلة انتقالية. وقد يبادر النظام المشلول اليد الأمنية (بسبب الخوف من التجويع أو التدخل العسكري) إلى التنافُس مع المعارضة السلمية أو التواصُل معها للدخول في التحول والمرحلة الانتقالية معا.

إنّ الذي أراه أنّ تحذير الملك عبد الله بن عبد العزيز من الفوضى والخراب، أمرٌ يدعو للتهيُّب وإعادة النظر، وليس من جانب السلطات السورية للأسف؛ بل من جانب العرب والأتراك. فلتعُد المشاورات التي كان أوغلو قد سار فيها مع مصر والسعودية. وليظلّ الضغط الشديد على النظام السوري مستمرا ومتصاعدا، إذ هي حربٌ يشنُّها هذا النظام على شعبه وحواضره وأطفاله وشبابه:

وما الحرب إلاّ ما علمتم وذقتُمُ

وما هو عنها بالحديث المرجَّمِ

=================

القضية السورية ومصلحة لبنان العليا

الجمعة, 12 أغسطس 2011

نسيم ضاهر *

الحياة

يُكثِر المسؤولون اللبنانيون الحديثَ عن مصلحة لبنان العليا، على شاكلة الموعظة وإعطاء الدروس، وفي الوقت ذاته يعرِّفون تلك المصلحة بما يُرضي غرور الممانعة ويتقاطع مع مقاربة دمشق في هذا الشأن. ولربما كانت اللغة المستخدمة، بمبناها ومفرداتها، الأقربَ الى مواصفات مدرسة البعث الحاكمة بأمر سورية وسط القمع والدِّماء، ولإشعار قد لا يطول، كما هو ظاهر ومستخرج من تطور الأوضاع.

لقد دأب لبنان الرسمي بُعَيْدَ صدور مراسيم تشكيل الحكومة الراهنة، على استخدام عبارات طنَّانة، تحذّر وتتوعد وتضع اللبنانيين في دائرة القلق، خشية اقتران الأقوال بالأفعال، فمن البر بحدوده الدولية، الى البحر بمياهه الإقليمية ومنطقته الاقتصادية، ثمة مقتطفات وخطابات تُسمع، بليغة انشائياً عظيمة الدفع معنوياً، تضغ العربة امام الحصان وتستعجل تأزَّماً غير مؤكد، بغية تسجيل النقاط. وحيث أضحت ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة لازمةً تُردَّد في كل مناسبة ومحفل محلي، بات القرار الدولي رقم 1701 يشكو من تفسير انتقائي أحادي الجانب عُرضة للتفاعل السلبي عند الامتحان، ظهرت بواكيره تكراراً في التضييق على القوات الدولية في نطاق عملياتها والاسراع في تضخيم المجريات على حدودنا الجنوبية، كأنما التطورات لا تحتمل، والاصبع على الزناد. وزدِ السلوكَ الديبلوماسي في مجلس الأمن ترَ العجبَ -ومفاده نأْي لبناني عن مراد الهيئة الدولية- مرَّ بسلامة، وتأويلات جازمة صدرت في بيروت تنقض توليفة التعاون والمخرج اللولبي، وتعتبر البيان الأممي ضرباً من التدخل بعد أن ضلَّ الكبار طريق الصواب.

وعلى صعيد مجلس الوزراء، تحولت وسطية الرئيس ميقاتي زئبقيّة، وحركته حركة بهلوان، فهو يقول كلاماً طيباً رطباً، مادته شخصية بامتياز، لا تُلزم، ولا تمنع تنطحَ وزراء وأهلِ حلٍّ وربط مأذونين من حزب الله، من تخطي المعسول الى الغليظ الجبّار. اللافت ان رئيس مجلس النواب باتَ بدوره يفصح عن حقيقة المسلك الحكومي من الملف السوري الشائك الذي يشغل بال فريقه وكتلته، عربوناً لوفاء مديد ولموقعه على خريطة حلفاء دمشق.

من جانبه، يتولَّى تكتل التغيير والاصلاح متابعة المسائل المدرجة بالأولوية على أجندة حزب الله، ويتقدم الصفوف بحزم في تجريم الغرب والعنترة في ميدان النفط والغاز، بعد أن اطمأن الى متانة الوضع في سورية، وهو يكاد يطلب إنزال المزيد من العقوبات بحق الشعب السوري، بذريعة الحرص المخادع على الاستقرار.

هل تحسَّب أنصار حلف الأقليات لقادمِ متغيِّرات، وتفحصواً جيداً كيفية الحفاظ على المصلحة العليا إزاء الجاري في سورية؟ وفي مطلق الحال، كيف نقايض شبكة العلاقات الدولية برضاء طاقم ممسك بالسلطة في دمشق، تهتزّ الأرض تحت قدميه، ويعاني عزلة تقترب من الحجْر الصحي المفروض على كوريا الشمالية؟! لقد مضى زمن التلحّف بأخوّة يختزل تأييدُ النظام معناها، فيما تهمل شعباً جُرِّد من الحرية وانتفض على الظلم، يتهيأ لبناء نظام ديموقراطي تعدّدي على أنقاض تجربة شمولية فاشلة خنقت سورية وأهلها طوال عقود. أما القول المنمّق بأن ما يصيب لبنان يصيب سورية، والعكس بالعكس، فمشكوك في صحته، يخالف معطيات التاريخ القريب، بدليل استنقاع لبنان في حرب أهلية وتوابع دامت عقدين ونيِّف بينما حفلت سورية حينها بجني المكاسب والنفوذ والأرباح، وأمعنت في تمزيق النسيج اللبناني خدمة لأهداف حلقة النظام ومَن حوله. وماذا عن مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، والبدعة المسماة صموداً ينتصر بالتجيير ويسخِّر الشقيق ويقطف الثمار؟

وعلى الرغم من تفاؤل الحكومة الحالية بتفهم الجانب الدولي، لم يحصد لبنان ايَّ نجاح في عهدتها، فإلى طابعها الفئوي واشتقاقِها من هندسة شارك فيها حزبُ الله الراعيَ السوري، أضافت قراءةً مغلوطة لميزان القوى، مبنية على تصوراتِ وأوهامِ هارمجدّون مقلوبةٍ يرسمها الطرف المُهيْمن، حزبُ الله، وتسويقٍ غير مقنع يتكفَّل به الرئيس ميقاتي على سبيل العلاقات العامة بوصفه الناقلَ المبلغ، مع الإبقاء على احتياطي وزارة الخارجية درءاً للصفقات، إذ لا يخفى أن الأخير يتمتع بثقة مانح المقام، وهذا رصيد يُؤهِّله لأداء الدور، فالعمل مع مانحي المساعدات والغطاء الدولي الفاعل يستوجب الكف عن المناورة واعتماد سياسات صريحة، لا لَبْس في محمولها المضمر، وإيقاف المسرحية العبثية حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كما التلاعب على الألفاظ.

إنَّ نهج الأكثرية بعماديها (عمودها الفقري المتمثل بحزب مُدجَّج بالسلاح وجنرال متقاعد طموح يتبع خطاه، وكلاهما متناغم مع النظام السوري الجالس على هامش المجتمع الدولي) يُنبئ بتعطيل الحياة السياسية، بدءاً بمحاصرة الاعلام ما أمكن، وتجفيف مصادر الدخل، علاوة على الإنفاق غير المُجدي في ريوع وجوائز ترضية وفذلكات شعبوية قصيرة النظر، ومعارك دون كيشوتيّة في حرب طواحين نجماها وزيرا أزمة الأمس كما اليوم. إنما الأخطر يكمن في ذلك الإمعان المنهجي والتصميم البائن على الازدراء بالمؤسسات الدولية وبمعايير الأسرة الدولية، تبعاً لممارسات المحور الإيراني/ السوري، وبالتالي، جرَّ لبنان سريعاً نحو قفص الاتهام.

في عزِّ فصل الصيف، تتوالى المهرجانات المسمَّاة سياحية، والعروض الشيِّقة في مجلسيِ النواب والوزراء، تطربنا المواويل حول مصلحة لبنان العليا وانتزاع الحقوق بجميع الوسائل المتاحة. وعند معاينة الركائز وتحليل الحواصل، يتبين ان الشعار الجميل هَيُوليٌّ مُفْرَغٌ من محتواه الصحيح. بكل بساطة، تتحدّد المصلحة العليا على قاعدة الإيفاء بحاجات الناس وأمنها ورفاهها، كما تقوم في الحقل الخارجي، على براغماتية ايجابية تبتعد عن الأدلجة المسمومة، وتنطلق في المقام الأول من السيادة على الأرض والحدود في معناها الشامل غير المنقوص، الى اللبنانيين العاملين او المُقيمين في المهاجر والمغتربين، والمنافع الاقتصادية والمالية التي يجنيها البلد، تقنياً ومالياً وتبادلياً وحضارياً، عبر حُسن السياسات، فأين الكلام الرنّان من تعريف مدروس صالح لكل البلدان، وهل أضحت المصلحة العليا مجرد لغز ننتظر فكّه من سفيرين نشيطين مسموعَي الكلمة في دوائر الخارجية والمغتربين، يمطران بيروت والضاحية يومياً بوعود المساعدات وأغلى التمنِّيات.

* كاتب لبناني

=================

المأساة في سورية تنتهي فقط بسقوط الأسد

ديفيد جاردنر - فاينانشل تايمز

السبيل

12-8-2011

بقايا الدمار الذي تركته مدرعات ومدفعية بشار الأسد في أنحاء مدينتي حماة ودير الزور الثائرتين، في الأيام الأخيرة، يختلط الآن مع الدخان وشظايا الجسور التي تم نسفها. وكلها احترقت بفعل نظام تنهار أساساته الضعيفة.

إن مئات الآلاف من السوريين يواجهون آلة القتل>> بشيء يزيد قليلاً على شجاعتهم الفطرية، ويواجهون نظاما يدخل الآن في مرحلته الأخيرة. وتم استخدام هذه العبارة من قبل الملك عبد الله بن عبد العزيز، عاهل المملكة العربية السعودية، الذي قال إن الرياض تطالب بإيقاف آلة القتل (...) وتدعو إلى تصرف حكيم قبل فوات الأوان>>.

لكن بالفعل الوقت بات متأخرا للغاية. فقد شقت زمرة الأسد طريق اللاعودة في نيسان (أبريل) حين أرسلت دباباتها للمرة الأولى إلى درعا في الجنوب، حيث تفجرت الثورة في منتصف آذار (مارس).

والمطالبة الصاخبة بالتغيير التي تم سماعها أولاً في درعا، أصبحت تجلجل الآن عبر سورية على مدى خمسة أشهر مخضبة بالدماء. ولم تتمكن الدبابات، ولا القناصة، ولا القصف المدفعي، أو حالات الحصار، ولا أقسى أصناف التعذيب، ولا العقاب الجماعي، ولا آلاف المختفين من إسكات تلك الأصوات.

إن الوحشية الشديدة التي طبعت استجابة النظام تعني أن الثوار لا يمكنهم التوقف وأن الأفضل لهم أن يستمروا ويواجهوا القمع، بدلاً من المخاطرة بمواجهة انتقام مؤكد: الموت أو الزنزانة.

لا الدبابات، ولا القناصة، ولا القصف المدفعي، أو الحصار، أو التعذيب، ولا العقاب الجماعي، ولا آلاف المختفين جميعها لم تتمكن من إسكات الشعب السوري الذي خرج مطالبا بالحرية.

إن هذا التحرك الذي يقوده الشباب، ويتصف بجماعية الحركة، كما هي الحال في الثورات العربية الأخرى، والذي هو حركة سلمية في الأساس، لا يمكن أن يقبل الآن إلا بالتغيير الحقيقي: إنهاء الدولة البوليسية، واحتكار السلطة من قبل حزب البعث، وإجراء انتخابات حرة، وإنشاء قضاء مستقل تحت حكم القانون، والقضاء على الفساد والمحسوبية الخاصة بمجموعة رجال الأعمال الملتفة حول العائلة الحاكمة التي يجسدها رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، وقطب هذه الزمرة.

فكرة أن تتم تلبية هذه المطالب من قبل بشار الذي ورث عام 2000 السلطة من أبيه الذي حكم البلاد لمدة 30 عاماً، إنما هي فكرة خيالية. وعلى مدى السنوات الماضية توسم زعماء مثل توني بلير ونيكولا ساركوزي، وفي فترة أقرب رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، وأمير قطر، في الأسد الأصغر فهماً للحاجة إلى قيادة التغيير، أو المخاطرة بأن يجتاحه التغيير.

وعلى الدوام كانت تلك قراءة خاطئة لديناميكيات السلطة في دولة الأمن العربية التي تجسدها سورية، ولشره الدكتاتورية المتوارثة.

كان من المفترض أن تؤدي الأزمة مع لبنان التي أدت إلى اغتيال رئيس وزرائه الأسبق، رفيق الحريري، في شباط (فبراير) 2005، إلى كشف الغطاء الزائف الدائم عن وجوه آل الأسد. في حزيران (يونيو) 2004 أكد الأسد للحريري أن خلافة الرئيس اللبناني آنئذ، إميل لحود، أحد أدوات الهيمنة السورية في بيروت، ستكون سلسة، إذ كانت هناك بدائل يمكن لدمشق العمل معها. ومع ذلك أخبر الأسد الحريري بعد أسابيع قليلة أن لحود باقٍ في منصبه، وأنه سيهدم بيروت فوق رأس رئيس الوزراء إذا قاوم ذلك. فما الذي حدث في تلك الفترة؟ استخلصت زمرة الأسد، ككل، أن أي تغيير يمكن أن يقوض المصالح المالية الكبرى لها في لبنان. وكان الأمر متعلقاً بالأعمال وليس له طابع شخصي.

وفتح اغتيال الحريري الذي تعتبر سورية على نطاق واسع متواطئة فيه، شرخاً في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية. والآن مع كسر الملك عبد الله بن عبد العزيز الصمت العربي بخصوص حمام الدم السوري، فإن ذلك الشرخ لا يمكن إصلاحه. وإلى جانب المملكة العربية السعودية سحبت قطر والكويت سفيريهما من دمشق. وتقول تركيا التي كان رئيس وزرائها أردوغان يعتقد أن بإمكانه التأثير على الأسد، إنها ستعطيه إنذاراً نهائياً.

لن يكون هذا الأمر دون عواقب. فليس الاشمئزاز وحده هو الذي يدفع التحول في المشاعر الإقليمية ضد نظام الأسد، ولكن القناعة تزداد صلابة بأن هذا النظام قد انتهى. حاول آل الأسد في الشهر الماضي إقناع السعوديين بإيداع مبلغ مليار دولار في البنك المركزي السوري، واشتكى السوريون كما يقول مسؤولون عرب، من أنهم لم يعودوا قادرين على دفع رواتب الموظفين. وقبل ذلك بقليل عرضت قطر تمويل حاجات سورية بشرط أن ينفذ النظام، بصورة أساسية، الإصلاحات ذاتها التي طالبت بها تركيا، غير أن الأسد لم يفعل.

إذا وضعنا أنموذج الدبلوماسية السورية جانباً، فإن هذه هي الإشارات الأخيرة إلى أن نفاد أموال النظام. واضطر مخلوف في نيسان (أبريل) إلى دفع مليار دولار للبنك المركزي. ويتسارع هروب الأموال. ومخلوف والدائرة المحيطة به الذي يقول مصرفيون إن مصالحه تمثل ثلث الاقتصاد السوري، تحت حصار العقوبات.

ولم يتمكن اجتماع عقده حملة أسهم شركة الشام القابضة، شركة مخلوف وأكبر شركات سورية، الشهر الماضي حسب أحد المستثمرين الذين حضروا الاجتماع، من انتخاب مجلس إدارة جديد، بعد أن وضع اسم الرئيس المنتهية ولايته، نبيل الكزبري، على القائمة السوداء الخاصة بمكتب وزارة الخزانة الأمريكية للأصول الأجنبية. وبدأت نخب قطاع الأعمال النأي بأنفسها عن النظام السام. ويقوم بعضها الآن بتمويل خصوم النظام.

إن قدرة القمع الخاصة بالنظام تبدو متناهية كذلك. فالوحدتان العسكريتان اللتان تتوليان حراسة النظام، وهما الفرقة المدرعة الرابعة والحرس الجمهوري، اللتان تعجان بالموالين من طائفة الأسد العلوية، بقيادة ماهر الأسد، الأخ الأصغر المتقلب للرئيس، مشتتتان للغاية ولا يمكنهما الدخول بقوة في أكثر من ثلاثة أو أربعة مواقع في وقت واحد، بينما تندلع الثورة في عشرات المواقع.

سيكون الصراع في سورية طويلاً ودموياً ولن تكون هناك آلية مشابهة لما حدث في ليبيا، لمساعدة المعارضة، وهي أصلا لا تريد مثل هذه الآلية. ومن شأن ذلك أن يمكن ما يعتبر العالم الآن نظاماً مارقاً من إظهار نفسه مرة أخرى على أنه قلب العروبة النابض. وعلى الرغم من الجدل الدائر حوله، إلا أن الإجراء الدولي في ليبيا ساعد بالفعل. ولو انتصر معمر القذافي هناك، لانكسرت موجة الثورة التي ضربت سورية بعد أيام من الثورة الليبية.

=================

عزلة سورية، وإسقاط الحكم!

سميح شبيب

الايام

12-8-2011

وصلت الأزمة السورية إلى نقطة اللاعودة، وبات من المحال تمكّن النظام القائم من حسم الأوضاع أمنياً، والعودة بالأمور إلى مرحلة ما قبل اندلاع الأزمة، كما بات من المحال، وقف إجراءات الحسم الأمني من لدن النظام، والبدء بإصلاحات سياسية، وحوار وطني شامل.

يمكن القول، على ضوء المواقف المستجدة، تركياً، وسعودياً، ودولياً، إن النظام بات قاب قوسين أو أدنى من حالة العزلة، والوصول داخلياً إلى بوتقة الفوضى والقتال الداخلي.

من الواضح، أن أداء النظام القائم، يقوم على التورية والكذب، ومحاولة تغطية الشمس بغربال.

المطلوب من النظام وقف استخدام العنف، وسحب الجيش من الشوارع، وعودته إلى الثكنات العسكرية، والسماح بالتظاهر السلمي، وإعطاء المطلب، مطلباً إقليمياً ودولياً، وبات الاستمرار في نهج الحسم الأمني والعسكري من لدن النظام، يعني المزيد من العزلة على سورية، وبلورة تحالف دولي ضدها.

ما حملته المعلومات بعد زيارة وزير الخارجية التركي إلى سورية، ولقائه الرئيس الأسد، وقادة حكمه، يفيد، بأن وعداً سورياً قد قطع، بسحب القوات العسكرية من حماة، وغيرها من المدن، وبأن مقاومة "العصابات المسلحة"، سيكون محدوداً للغاية، سحبت سورية قواتها من حماة، وزار السفير التركي المدينة ووجدها فارغة، لكن تلك القوات قد عادت ثانية، بعد مغادرته، وكذلك عاثت فساداً وتقتيلاً في مدن أخرى، في حمص ودير الزور وغيرها.

من الواضح أن عملية الحسم الأمني التي دارت دورتها، لم تعد قابلة للتوقف، بل هي مهيأة للمزيد من التوسع. وعد الأسد، وزير الخارجية التركي، أنه وفي غضون أسبوعين من تاريخه، ستعود الأمور إلى نصابها، وستجري الإصلاحات السياسية كلها.. وغير ذلك من الوعود.

بدأ الأسبوعان في التلاشي والانتهاء، في ظل تزايد العنف، وارتفاع حدة القتل والتظاهرات الشعبية المنادية بإسقاط النظام.

ستنتهي فترة الأسبوعين، وسيكون الحسم الأمني والعسكري قد بلغ ذروته، وسيكون الوضع الإقليمي والدولي قد تهيأ، لفرض العزلة الكاملة، على النظام السوري، وتصنيف هذا النظام، على أنه نظام يقتل شعبه، وبالتالي ستكون المطالبة الدولية بإنهائه ووقفه عن العمل، مطلباً عربياً وإقليمياً على حد سواء.

لا نستطيع أن نقول، إن النظام قد أخطأ في الحساب فقط، بل يمكن القول، إن النظام القائم، هو نظام أمني وعسكري وفئوي بجدارة، وبأن تكوينه أساساً جاء على الأساس الاستبدادي، البعيد عن مفاهيم تداول السلطة والتعددية السياسية، ولا علاج له، وفي حالته الراهنة سوى عزله، وإسقاطه من الأجندة السياسية، إسقاطاً لا رجعة عنه!

=================

سورية.. السيناريوهات المحتملة في ظل غياب الأفق السياسي

عمر كوش

الاقتصادية

12-8-2011

بعد مرور ما يقارب خمسة أشهر على بداية الانتفاضة السورية يبرز السؤال بقوة عن اتجاهات ومآلات تطور الوضع في سورية، وعن ماهية السيناريوهات المحتملة، والمتغيرات التي تؤثر في مستقبل الشعب السوري والدولة السورية، خصوصًا أن كل المؤشرات تشير إلى غياب أي أفق لحلّ سياسي للأزمة الوطنية العامة في الوقت الحالي؛ نظرًا لانسداد الأفق أمام أي حلّ سياسي للأزمة، وإمعان النظام السوري في المراهنة على الحلّ الأمني والعسكري، الذي يزهق أرواحًا كثيرة وعزيزة في مختلف المدن والبلدات والقرى السورية، فيما تتزايد الضغوط الدولية والعربية على النظام لوقف استخدام العنف وسحب الجيش إلى ثكناته، لكن الأهم هو استمرار الحركة الاحتجاجية في الازدياد والتصاعد مع انقضاء الأسبوع الأول من شهر رمضان، مظهرة قدرة كبيرة في الدفاع عن مطالبها، واستعدادًا منقطع النظير للتضحية، والمضي قدمًا في الحراك السلمي الوطني، ومبرهنة على أنها عابرة للإثنيات والمذاهب والطوائف والمناطق.

تزايد الضغوط

مع اشتداد الحملة الأمنية والعسكرية على مختلف المدن والبلدات، خاصة مدينة حماه ومدينة دير الزور ومعرة النعمان وغيرها، خرجت أصوات دولية وعربية عديدة، تطالب بوقف إراقة الدماء والبحث عن حلول سياسية، حيث صدر بيان رئاسي عن مجلس الأمن طالب السلطات السورية بوقف العنف، في إثر التغير في الموقف الروسي، الذي توّجه التحذير الذي وجهه الرئيس الروسي ميدفيدف للرئيس بشار الأسد من المصير الحزين في حال عدم الشروع في إصلاحات جدّية، وتناغم مع التحذير الذي وجهه رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين إلى الأسد، واعتبر فيه أنه يسير في طريق خطر باعتماده على الحلول الأمنية وإراقة دماء شعبه. ومن جهته، طالب بان كي مون الأمين العام الرئيس بشار الأسد، في اتصال هاتفي معه، بوقف العنف فورًا، حيث من المقرر أن يقدم تقريرًا لمجلس الأمن الدولي الذي سينعقد لمناقشة الوضع في سورية. أما فرنسا فقد دعت من جهتها إلى مرحلة ''انتقالية ديمقراطية''، محذرة من أن ''زمن تهرب السلطات السورية من العقاب قد وَلَّى''.

وجاء التصعيد في الموقف التركي حيال ما يجري في سورية، منسجمًا مع التصعيد الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وفرنسا، حيث اعتبر رئيس الوزراء التركي أن صبر تركيا قد نفد حيال ما يحصل في الجار السوري، وأنه سيرسل وزير خارجيته إلى دمشق كي ينقل رسالة قوية، ويبني على نتائجها موقف تركيا النهائي حيال النظام السوري. في المقابل، سارعت بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري إلى الرد على رجب طيب أردوغان، بقولها ''إذا كان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قادمًا إلى سورية لينقل رسالة حازمة، فإنه سيسمع كلامًا أكثر حزمًا''، بمعنى أن النظام لا يكترث بالضغوط والمطالبات الدولية.

ولا شك في أن اهتمام تركيا بما يجري في سورية يختلف عن اهتمامها بما جرى في مصر أو تونس؛ لأن الوضع بالنسبة لسورية مختلف تمامًا، حيث تعتبر تركيا أن ما يجري في سورية مسألة تمسها تمامًا؛ لأن سورية دولة مجاورة، وهناك حدود تمتد على مسافة 850 كليو مترًا.

وفي السياق نفسه، يرى بعض المسؤولين الأتراك أن ما يجري في سورية يرقى إلى مصاف مسألة تركية داخلية، تتطلب تعاملًا مختلفًا. وقد سعت الحكومة التركية منذ بداية الأحداث في سورية إلى اقتراح معادلة، تقول بإنجاز الإصلاح مع المحافظة على الاستقرار، وأن يقود الرئيس السوري بشار الأسد شخصيًا الإصلاح في بلاده، لكن النظام في سورية لم يطبق وعود الإصلاح التي وعد بها، ولم يطبق حتى المراسيم التي أصدرها الرئيس.

ويبدو أن تطور الموقف التركي لا يبتعد عن التنسيق مع موقف الإدارة الأمريكية، إذ أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن على داود أوغلو أن ينقل رسالة واضحة إلى السلطات السورية، مفادها ''ضرورة سحب جنودها إلى ثكناتهم وإطلاق سراح جميع المعتقلين''.

ولم تكتفِ الدول الغربية بالتصعيد السياسي، بل طاول تصعيدها الجانب المالي، حيث علقت النمسا عقدها القاضي بتسليم أوراق مالية من الليرة السورية طبعها أحد فروع البنك المركزي النمساوي، حيث صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية ''بيتر لانسكي تيفنتال''، بأن بنك ''أو بي إس'' لإصدار الأوراق المالية والضمانات، ''اُتخذ هذا القرار بسبب القمع العنيف الذي يتعرض له المتظاهرون في سورية''، مع العلم أن هذا البنك وقع في عام 2008 عقدًا مع البنك الوطني السوري، يقضي بتسليم 600 مليون ورقة مالية لسورية.

انكسار الصمت العربي

غير أن التطور الجديد حيال ما يجري في سورية هو انكسار حاجر الصمت العربي الذي دام ما يقارب الخمسة أشهر، ودشنه إصدار مجلس التعاون لدول الخليج العربي بيانًا ينتقد الاستخدام المفرط للقوة، تلاه صدور بيان عن الجامعة العربية، دعت فيه السلطات السورية إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والحملات الأمنية ضد المدنيين. لكن ثقل التحول في المواقف العربية، المطالبة بوقف حمام الدم، دشنه البيان الذي صدر عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وإعلانه سحب السفير السعودي من دمشق للتشاور، وشكل ذلك رسالة واضحة تطالب بوقف ''آلة القتل وإراقة الدماء''، وتضع النظام السوري أمام الاختيار ما بين الحكمة أو الفوضى، الأمر الذي يشير إلى تحوّل مهم في الموقف السعودي والخليجي، ومعه الموقف العربي، حيال ما يجري في سورية من قتل وتدمير، حيث سارعت على إثره كل من الكويت والبحرين إلى سحب سفيريهما من دمشق تناغمًا مع الخطوة السعودية.

وتشير التغيرات في الموقف السعودي والخليجي إلى جانب التغير في الموقف الروسي والتصعيد في الموقف التركي، إلى تزايد الضغوط العربية والدولية على النظام السوري، وبما يرسل رسالة قوية على أن السياسة الأمنية في معالجة الأزمة في سورية لم تعد تُحتمل دوليًا وعربيًا، بالنظر إلى الكلفة البشرية العالية.

وقد بقي الموقف السياسي الرسمي لدول الخليج، طوال ما يقارب الأشهر الخمسة، بعيدًا عما تطمح إليه غالبية المواطنين الخليجيين، لذلك فإن التغير الأخير في الموقف الخليجي فاجأ السلطات السورية، واعتبرته وسائل الإعلام الرسمية السورية موقفًا يحابي المواقف الأمريكية.

ويبدو أن أمورًا عديدة دفعت دول الخليج العربي والجامعة العربية إلى تغيير موقفها حيال ما يجري في سورية، ولعل العامل الأهم هو استمرار الانتفاضة السورية في حراكها الاحتجاجي، وتقديمها لتضحيات جسام في الأرواح والجرحى والمعتقلين، والحفاظ على سلميتها وشعاراتها الوطنية الجامعة، وتحول حراكها الاحتجاجي في شهر رمضان إلى فعل يومي، الأمر الذي أثار المزيد من الضغوط داخل دول الخليج، وازدياد التعاطف الشعبي فيها، خاصة في الكويت التي شهدت تحركات شعبية عديدة، ومطالبات من طرف برلمانيين كويتيين بسحب السفير الكويتي من دمشق، وبطرد السفير السوري من الكويت.

وقد اعتمدت معظم دول الخليج العربي منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في سورية سياسة أراحت النظام السوري، وجعلته يعتقد أنها تدعمه وتعترف بشرعيته، وتصمت في الوقت نفسه حيال ما يقوم به من أعمال ضد الحركة الاحتجاجية. ثم بدا وكأن دول الخليج تقف على الحياد حيال الأزمة في سورية، وتتخذ موقف المتفرّج، على الرغم من وقوف وسائل إعلامها إلى جانب المحتجين في الشوارع السورية، الأمر الذي دفع لجان تنسيق الانتفاضة السورية إلى إطلاق تسمية ''صمتكم يقتلنا'' على تظاهرات الجمعة الأخيرة قبل رمضان، بوصفها رسالة لكل الصامتين في الداخل والخارج، ولا تخلو من إشارة عتب إلى الصمت العربي الرهيب، المشوب بالتآمر، حيال الحراك الاحتجاجي، حيث لم يجرؤ أي نظام عربي على انتقاد عمليات القتل التي يتعرض لها المحتجون السلميون في التظاهرات والاحتجاجات، التي بدأت منذ خمسة أشهر وذهب ضحيتها أكثر من ألفي شهيد. ثم مع استمرار صمت الصامتين أطلقت تسمية ''الله معنا'' على الجمعة الأولى من شهر رمضان''، وحملت معها دلالات عديدة ورمزية لما يعانيه المحتجون من محنة وويلات.

اتجاهات الأزمة

ليس من المرجح أن تستمع السلطات السورية، أو أن تستجيب للمطالبات بوقف الحل الأمني؛ لأن أصحاب هذا الحل يجدون فيه السبيل الأوحد لحماية النظام وحل الأزمة الوطنية، على الرغم من أن تجارب الشعوب أثبتت أن استخدام العنف المفرط وأعمال القتل لا تنقذ أي نظام كان، بل تزيد من فرص سقوطه، لذلك فإن النظام في سورية سيلجأ إلى الالتفاف على المواقف العربية والدولية، وهو يمتلك في هذا المجال خبرة لا بأس بها، ويستند في ذلك إلى أن المواقف الدولية والعربية تستجيب للمساومات والمقايضات التي تقدم من مختلف الأطراف.

ويبدو وفق هذا السياق أن اتجاهات وسيناريوهات الأوضاع في سورية تحكمها محددات عديدة، أهمها، استمرار الانتفاضة الشعبية وزخمها واتساعها، بوصفها جوهر كل الحسابات والمعادلات الداخلية والخارجية، بما فيها المواقف والمعطيات الدولية، والموقف الشعبي والرسمي في البلدان العربية.

في المقابل، يراهن أصحاب الحل الأمني في سورية على عامل الوقت في قمع الانتفاضة، حيث سمعنا كلامهم عن الحسم العسكري قبل بداية شهر رمضان، بينما الذي حصل هو العكس تمامًا، حيث ازدادت الانتفاضة زخمًا، وتحول كل يوم رمضاني إلى ما يشبه جمعة.

وهذا ما يفسر تزايد الضغط الدولي والعربي على النظام. ومع ذلك هناك من يراهن على الحل الأمني لقمع التظاهرات وإنهاء الاحتجاجات السلمية بشكل نهائي، وذلك على غرار ما حصل في إيران مع ''الثورة الخضراء'' عام 2009، مع العلم أن الوضع في سورية مختلف كثيرًا، حيث تجري عملية توريط الجيش في حصار ودخول المدن والبلدات والقرى السورية، الأمر الذي يفضي إلى حدوث انشقاقات داخل صفوفه، كالتي حصلت خلال اقتحام العديد من المدن والبلدات السورية، ونشرت في أشرطة فيديو وصور على الإنترنيت. وقد تتعمق هذه الانشقاقات، وبما يهدد وحدة الجيش وسير الأمور نحو الاقتتال وإسالة المزيد من الدماء.

وهناك من لا يستبعد التدخل الخارجي المباشر في سورية في حال تزايد أعداد الشهداء من المدنيين، لكنه احتمال يرفضه المحتجون السوريون، وترفضه قوى المعارضة السورية بمختلف أطيافها. كما أن الأحاديث تكثر عن احتمال أن تتجه الأمور نحو الفوضى والاقتتال الأهلي، لكن هذه الأحاديث فيها كثير من التهويل، وتحمل نغمة التحذير من خطورة تغيير الأوضاع القائمة، بوصفها الخيار الأسوأ، المفضي إلى انهيار الدولة وإشاعة الفوضى، وبما يسمح للمتشددين والسلفيين بالسيطرة على السلطة والإجهاز على المجتمع وفرض أجندتهم عليه، وهو أمر بعيد كل البعد عن حقيقة الأمور.

ويبقى أن البحث عن ممكنات الخروج من الأزمة السياسية والوطنية العامة، ما زال يجد طريقًا في توقف الحل الأمني وجميع أشكال العنف والاعتقال التعسفي وقمع المتظاهرين، وسحب وحدات الجيش إلى ثكناتها، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، والإقرار بأن الأزمة فريدة من نوعها في تاريخ سورية الحديث، وتتطلب تضافر جهود جميع السوريين وإشراكهم الفعلي والعملي في تحديد حاضر ومستقبل ومصير بلدهم، وفي تحديد ممكنات الانتقال إلى دولة مدنية، ديمقراطية وتعددية، تتسع لجميع أفراد الشعب السوري ومختلف مكوناته.

=================

في سوريا قانون انتخابات قديم بثوب جديد

ميشال شماس()

المستقبل

12-8-2011

صدر في سوريا يوم الخميس 4/8/2011 المرسوم التشريعي رقم 101 المتضمن قانون الانتخابات الجديد الذي احتوى على أحدى وسبعين مادة، إلا أنه لم يأت بجديد من حيث المبدأ، بل كرس ما كان موجوداً في قانون الانتخابات القديم وسار على نهجه، وباستثناء بعض الرتوش والتعديلات الجديدة التي لم تغير في جوهر القانون القديم شيئاً. لقلنا إنه نسخة مكررة من قانون الانتخابات القديم.

ومن استعراض مواد القانون الجديد يتضح أن المستفيد الوحيد من هذا القانون الجديد القديم هم ممثلو أجهزة الدولة وأصحاب النفوذ من الملاكين والتجار وأصحاب رؤوس الأموال، أما الخاسر الأكبر من هذا القانون هم الفقراء وذوي الدخل المحدود والأقليات الذين يمثلون الشريحة الكبرى من الشعب السوري. فعلى سبيل المثال في مدينة دمشق هل سيتطيع مرشح من ذوي الدخل المحدود تغطية كامل أحياء دمشق بالدعاية؟ أو هل يستطيع الناخب في حي الميدان معرفة مرشح من حي القابون أو القصاع؟ وكيف سيستطيع المرشح في ريف دمشق تغطية كامل مناطق ريف دمشق أن لم يكن يملك المال؟ وما هو الرابط بين الناخب في بلدة قارة التي تقع على حدود مدينة حمص وبين مرشح مدينة قطنا التي تبعد عن قارة أكثر من مائة وثلاثين كيلو متراً جنوباً باتجاه مدينة القنيطرة..؟

فرغم الملاحظات الجدّية التي أُبديت على مشروع القانون قبل أن يصبح قانوناً ساري المفعول، إلا أن التصديق النهائي على مشروع القانون لم يعكس ولو بنسبة قليلة جزءاً من تلك الملاحظات التي طرحتها شخصيات وقوى سياسية. فالقانون بصيغته النهائية كما أقر واعتمد من قبل رئاسة الجمهورية كرس من جديد جوهر القانون القديم ولاسيما لجهة اعتماد المحافظة دائرة انتخابية واحدة، والأخذ بمبدأ النجاح على أساس الأكثرية، وأما الجديد في القانون هو تحديده المدة التي يجب أن تستغرقها عملية الانتخاب بيومين، بينما كان القانون القديم يسمح بتمديد فترة الانتخاب إذا لم تتجاوز نسبة المقترعين 50% من عدد الناخبين في اليوم الأول، وعملياً كان يتم تمديد فترة الانتخابات ليوم ثانِ. والجديد أيضاً هو تشكيل لجنة قضائية صرفة بالأشراف على عملية الانتخابات وهو أمر مهم لو كانت السلطة القضائية مستقلة فعلاً، فمعظم القضاة مازالوا ينتمون إلى حزب البعث العربي الاشتراكي ويخضعون للسلطة التنفيذية ممثلة بوزير العدل الذي يرأس مجلس القضاء الأعلى نيابة عن رئيس الجمهورية..!

ومما يؤخذ أيضاً على قانون الانتخاب اقتصاره فقط على تنظيم عملية الانتخابات لمجلس الشعب والمجالس المحلية دون الانتخابات الرئاسية (يهدف هذا القانون إلى أ- تنظيم انتخاب أعضاء مجلس الشعب وأعضاء المجالس المحلية) المادة 2. كما خلا القانون من أية إشارة إلى ضرورة إجراء الانتخابات في يوم عطلة، وجاءت المادة 49 منه متوافقة مع صلاحيات المحكمة الدستورية العليا (تحقق المحكمة الدستورية العليا في الطعون الخاصة بصحة انتخاب أعضاء مجلس الشعب وتحيل إليه تقريرا بنتيجة تحقيقها) أي أنها لا تملك البت بصحة الانتخابات من عدمها) ورأيها غير ملزم لأعضاء مجلس الشعب.. وهذا مؤشر على أن التعديلات المرتقبة على الدستور السوري لن تشمل اختصاصات المحكمة الدستورية العليا.

باختصار يمكن القول: إن قانون الانتخابات الجديد جاء مخيباً لآمال السوريات والسوريين الطامحين الى التغيير والإصلاح، ويرى كثير من السوريات والسوريين أن هذا القانون سوف يجهض الجهود الخيرة والساعية نحو تحقيق إصلاح وتغيير جذري وشامل يساهم في إخراج البلاد من أزمتها الراهنة بأقل الخسائر.

وإن هذا القانون بصيغته الحالية سيمنع كما منع القانون القديم من وصول ممثلي المجتمع السوري الحقيقيين إلى مجلس الشعب، وسيجهض قيام حياة سياسية، وسيفرغ قانون الأحزاب السياسية من معناه.. بسبب اعتماده على المحافظة كدائرة انتخابية واحدة وعدم أخذه بالنسبية، وهو نفس النهج الذي سارت عليه البلاد منذ خمسين عاماً وثبت فشله..

=============================

نظام الأسد... ضغوط إقليمية تتراكم

نيكولاس بلانفورد - بيروت

تاريخ النشر: الخميس 11 أغسطس 2011

الاتحاد

تتفاقم في الوقت الراهن عزلة الرئيس السوري، وذلك بعدما كسر جيران سوريا جدار الصمت وانضموا إلى معزوفة النقد الدولية للعنف المتعاظم في ذلك البلد.

في آخر مؤشر على تزايد السخط الدولي، قام وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بزيارة إلى العاصمة السورية دمشق أول من أمس الثلاثاء، لكي يوصّل رسالة لرئيسها تتضمن تحذيراً حازماً مؤداه أن"صبر أنقرة قد نفد" من جراء الحملة الأمنية القاسية التي تقوم بها السلطات السورية ضد شعبها، والتي خلفت ما يقرب من 2000 قتيل منذ بداية الانتفاضة.

وعلى الرغم من أن تركيا كانت أول دولة تنتقد الطريقة التي تعاملت بها سوريا مع أزمتها الداخلية، فإن الدول العربية قد كسرت صمتها لأول مرة لتعبر عن عدم موافقتها على العنف الذي لا يزال مستمراً في سوريا. ولكن الضغط الإقليمي المتزايد على سوريا قد لا يولد نتائج فورية - كما يقول المحللون. فعلى مدار العقد الماضي نادراً ما خضع النظام السوري لضغط خارجي، بل إن الحقيقة هي أنه قد استمد شهرته من براعته في ضرب الأطراف المختلفة ببعضها بعضا.

أحد هؤلاء المحللين هو"أندرو تابر" الخبير في الشأن السوري بمعهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، الذي يقول:"سيحاول النظام السوري إطالة أمد النقاش إلى أقصى حد ممكن".

ويرى "تابر" أيضاً مشيراً إلى المجموعة التركية التي تناضل من أجل الحصول على الحكم الذاتي في تركيا أن دمشق "يمكن أن تقوم بإطلاق سراح أعضاء حزب العمال الكردستاني الموجودين في سجونها على الرغم من أن الحزب قد تم تصنيفه على أنه منظمة إرهابية من قبل تركيا، وسوريا والدول الغربية".

ويوم الثلاثاء الماضي وهو اليوم نفسه، الذي انضمت فيه الهند، وجنوب أفريقيا، والبرازيل إلى تركيا في إرسال مندوبين من عندها إلى دمشق للدفع من أجل وضع نهاية للعنف، شنت الدبابات السورية عدة هجمات مما أدى إلى مصرع 30 شخصاً بحسب بيان صادر عن المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان التابعة للمعارضة السورية.

وفي يوم السبت الماضي، عبر مجلس التعاون الخليجي عن قلقه من"العنف المتفاقم والاستخدام المفرط للقوة الذي أسفر عن قتل وجرح أعداد كبيرة من السوريين"، ويوم الأحد الماضي دعت جامعة الدول العرية سوريا إلى إيقاف كافة أعمال العنف فوراً.

بيد أن النقد الأكثر دلالة على الإطلاق جاء من المملكة العربية السعودية عندما وصف الملك عبد الله بن عبد العزيز النظام السوري بأنه" آلة قتل". وقال الملك عبد الله في تصريحه:"إن مستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما فإما أن تختار الحكمة، وإما أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع، لاسمح الله". وفي نهاية الكلمة التي ألقاها الملك السعودي بشأن سوريا أعلن أن بلاده تعلن عن سحب سفيرها من دمشق للتشاور.

وإدانة السعودية للعنف فتحت الباب لاتخاذ موقف أشد صرامة ضد النظام السوري من جانب جيرانه، الذين التزموا الصمت حتى الآن حيث سارعت البحرين والكويت إلى السير على نهج السعودية في انتقاد موقف النظام في دمشق واستدعاء سفرائها للتشاور.

في مواجهة ذلك كله لا تزال سوريا تصر على أن قواتها تقاتل ضد "المخربين" والإرهابيين الأجانب وتشكك في دقة رقم القتلى جراء الأحداث(ما يزيد عن 2000 قتيل) وتشير في الوقت نفسه إلى مصرع المئات من قوات الأمن، وتعتبره دليلًا على أنها تواجه ما هو أخطر من مجرد انتفاضة مدنية سلمية.

وفي حين تولت دول مجلس التعاون الخليجي القيادة في انتقاد النظام السوري وسحب السفراء، إلا أن جيران سوريا المباشرين وأهمهم العراق والأردن كانوا أكثر تردداً. فالأردن التزم الصمت منذ بداية الأزمة، في حين لم يتوصل العراقيون حتى الآن إلى رأي موحد بشأن ما يحدث في سوريا.

فشيعة العراق ينظرون بقلق إلى احتمال سقوط النظام السوري المنتمي إلى الطائفة العلوية، وهي إحدى الطوائف المتفرعة عن المذهب الشيعي.. أما سُنّة العراق وخصوصاً هؤلاء الذين يعيشون في محافظة الأنبار، والذين يرتبطون بروابط عشائرية قوية مع سكان منطقة شرق سوريا، فقد أعربوا عن تأييدهم للانتفاضة ضد النظام السوري.

وفي هذا السياق كان أسامة النجيفي رئيس البرلمان العراقي، هو أول مسؤول عراقي كبير يعرب علناً عن رفضه للطريقة التي يتعامل بها نظام الأسد مع الانتفاضة حيث قال:"ندعو لوقف جميع الأنشطة والأعمال غير السلمية، وما يحدث في سوريا من إراقة للدماء وقهر للحريات أمر مدان وغير مقبول".

وعلى الرغم من أن الصراع في سوريا هو في جوهره صراع بين القمع والتطلع للحرية، فإنه لا يمكن فصله مع ذلك عن شبكة الهويات المعقدة سواء داخل سوريا أو داخل لبنان المجاورة.

والانقسام الطائفي في لبنان، الذي يعيش في ظلال جاره السوري القوي هو الذي جعل الحكومة اللبنانية المكونة في غالبيتها من حلفاء لحزب الله اللبناني هي صاحبة الصوت الوحيد في المنطقة المستمر في تأييده لنظام الأسد.

هذا الموقف يلقى اعتراضاً من جانب سعد الحريري رئيس الوزراء السابق وزعيم تيار "المستقبل" المعارض الذي أدلى بتصريح قال فيه إن:"لبنان لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن المذبحة التي تجري في دولة شقيقة هي الأقرب للبنان"، وأضاف الحريري:"ولكن الرئيس اللبناني، والحكومة اللبنانية والمؤسسات اللبنانية يجب، مع ذلك، أن ينأوا بأنفسهم عن تبني سياسات القمع الذي يواصل النظام السوري انتهاجها".

=================

أوغلو و"مهمة الحافة"؟!

راجح الخوري

النهار

11-8-2011

إذاً المسألة الآن مسألة ايام. هذه الايام قد تنتهي مع الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها السبت المقبل، الرئيس التركي عبد الله غول الى الرياض الحريصة على وقف حمام الدم في سوريا. لكن السؤال الاهم هو: ماذا يستطيع النظام السوري ان يفعل في ثلاثة ايام؟ هل يوقف النار فوراً ويبدأ سحب الجيش الى الثكنات، تمهيدا لفتح صفحة الاصلاح الذي يطالب به السوريون في الداخل ويؤيده العالم في الخارج؟ ثم هل يستطيع ان يقوم بهذا بعدما اوغل بعيداً في العنف، وبعد اتساع وطأة الضغوط العربية والدولية المتزايدة عليه، وان يبقى بالتالي ذلك النظام الذي يريده اهله؟

محادثات الساعات الست التي اجراها احمد داود اوغلو مع الرئيس بشار الاسد، تجاوزت التراشق ب"الحزم" الذي سبقها، لتتحول نوعاً من الملاكمة السياسية الواضحة. فإذا كانت بثينة شعبان لوّحت بحزم اشد رداً على رسائل الحزم التركي، فإن الدبابات السورية تعمدت اطلاق رسائل نارية بمحاذاة الحدود التركية رافقت وصول اوغلو. ثم إن انكار دمشق تلقي رسائل تركية في وقت تحدث اوغلو عن رسالتين واحدة من غول والثانية من اردوغان، يؤكد ان ما جرى هو فعلاً ملاكمة سياسية.

تعمّد الاسد استقبال اوغلو بالحديث عن "عدم التهاون في ملاحقة المجموعات الارهابية المسلحة"، وعن "التصميم على الاصلاح والانفتاح على مساعدة الدول الشقيقة"، ولكن تصريحات وزير الخارجية التركي شكلت رداً قوياً عندما قال: "تركيا طالبت الحكومة السورية بوقف قتل المدنيين... تحدثنا بوضوح وصراحة عن التدابير الواجب اتخاذها لوقف المواجهة بين الجيش والناس، وكي لا تتكرر احداث مثل التي شهدتها حماه... ان الايام القليلة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة الى تطلعات الشعب السوري".

وعلى رغم ان اوغلو حرص على القول انه ليس حامل بريد دولي وانه ينقل رسائل تركية فقط، بدا وكأنه في "مهمة الحافة" أو "المبادرة الاخيرة"، او كأنه وزير خارجية العالم ينقل رسالة حازمة الى النظام السوري، تدعوه الى وقف العنف والمباشرة في الاصلاح تحت طائلة اجراءات عقابية قد تفتح الابواب على ما لا تحمد عقباه عند احد. ليس سراً ان الزيارة جاءت محاولة اخيرة لوقف دورة القتل، الذي يعتبره اردوغان "شأناً داخلياً تركياً" بات يستدعي الحزم، وهي محاولة من الواضح انها منسقة على الصعيدين الاقليمي والدولي. صحيح ان اوغلو نفى ان يكون قد حمل رسائل من الآخرين، لكن التنسيق قائم على مدار الساعة مع واشنطن. واتساع الدعوات الدولية لوقف العنف يؤكد اهمية "مهمة الحافة" التي قام بها. فقد علقت هيلاري كلينتون عليها بالقول: "يبدو ان الاسد لا يستمع الى الاصوات العالية للمجتمع الدولي".

كانت ملاكمة سياسية اكثر منها زيارة حاسمة، لكن من الواضح انها مهمة على حافة زلزال اقليمي!

=================

هل تقوم مصر بمبادرة تجاه سوريا ؟

سركيس نعوم

النهار

11-8-2011

انشغلت مصر منذ 25 كانون الثاني الماضي بثورتها الشعبية التي اسقطت الرئيس حسني مبارك، والتي تحاول الآن اسقاط نظامه بأسسه كلها واقامة نظام جديد مكانه لا تزال ملامحه غامضة لأسباب متنوعة قد يكون ابرزها التجاذب بين جناحيها الليبرالي – الديموقراطي والإسلامي، وامتناع "الجيش الحاكم" او الحَكَم، اذا جاز التعبير على هذا النحو، عن الدفع في اتجاه النظام الذي يراه مناسباً إما لأنه غير مؤهل لذلك، وإما لأنه لا يؤمن إلا بنظام مشابه للذي سقط من حيث بقاء الكلمة الاخيرة له في كل المسائل، وإما لأنه ينتظر "انتصار" جناح على آخر لكي يمشي مع المنتصر، او تعب الجناحين لكي يفرض عليهما معاً النظام الذي يناسبه هو.

وحال انشغال مصر هذا دون تعاطيها رسمياً وعلانية مع اي قضية خارجية ساخنة مثل الانتفاضة او الثورة الشعبية التي بدأت في سوريا بعد زهاء 29 يوماً من اندلاع ثورتها، طبعاً باستثناء القضية الفلسطينية التي تعتبر مصر نفسها ملتزمة اياها. وتقديم الدعم الواسع لها، سواء من خلال مساعدة منظمة التحرير والسلطة الوطنية في مساعيها الاسرائيلية والدولية الباحثة عن تسوية سلمية نهائية وشاملة وعادلة، او من خلال العمل لرأب الصدع داخل الصف الفلسطيني الذي تسبب بحرب بين "فتح" العمود الفقري للسلطة وبين "حماس" الاسلامية الموالية لسوريا وايران، وتالياً بانفصال سياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كأن الانفصال الجغرافي الذي فرضته اسرائيل عليهما لا يكفي.

إلا ان ما فاجأ الاوساط الاعلامية والشعبية العربية قبل يومين كان تناول مصر، المترجّحة بين قديم يزول وجديد لم يبدأ بعد، وبلسان وزير خارجيتها محمد عمرو الازمة السورية بل الثورة السورية. اذ اعلن ان بلاده تتابع بقلق شديد التدهور في سوريا وتخاف ان يبلغ تطور الاوضاع فيها نقطة اللاعودة. ودعا الى وقف فوري للنار لافتاً الى ان الاصلاح المخضَّب بالدم لا يجدي نفعاً. كما دعا الى توفير شروط حوار وطني يشمل كل الاطياف، والى تنفيذ إصلاحات ذات مستوى مهم تلافياً لأخطار تدويل لا تريده المنطقة ولا تتحمله. وشعور المفاجأة المشار اليه هذا كان سببه تساؤل عن الدافع الى مبادرة مصر وبعد طول صمت الى "التدخل" او بالاحرى التعاطي مع الوضع السوري المتفجر، وهل هو نتيجة تشاور وتنسيق مع الدول العربية التي صمتت غالبيتها وعلى مدى خمسة اشهر عن التعليق على ما يجري داخل سوريا والتي تذكرت قبل يومين "ضرورة وضع حد لما يجري فيها"، فدعت السلطة الى التحلي ب"الحكمة تلافياً للفوضى"، ام هو نتيجة شعور، بعدما كسر العرب صمتهم، بضرورة ابداء الرأي والموقف الذي يفرضه حجم مصر ودورها العربي الريادي التقليدي في العالم العربي كما في المنطقة؟

طبعاً لا يمتلك احد اجوبة عن النوع المشار اليه من التساؤلات. لكن القليل من المعلومات المتوافر عند مصادر ديبلوماسية عربية واجنبية تشير الى أن هناك في مصر، وتحديداً داخل ادارتها الرسمية المحترفة اذا جاز التعبير على هذا النحو، مَن يعتقد ان على مصر، وعلى رغم انهماكها بترتيب اوضاعها الذي قد يستغرق وقتاً طويلاً، ان تقوم بمبادرة لمحاولة وقف العنف في سوريا من الدولة ومن الناس، ولاقناع الجميع ببدء حوار يؤدي الى إصلاح حقيقي يزيل اسباب التوتر ويضع سوريا من جديد على طريق الامن والاستقرار والحرية والديموقراطية. والاسباب الموجبة لمبادرة كهذه كثيرة، منها ألم مصر لما يجري في سوريا وحرصها على استعادة دورها الريادي وتلافي تدويل الموضوع السوري، اي احالته على مجلس الامن، مع ما يستتبع ذلك من اجراءات عقابية ولاحقاً ربما من عمليات عسكرية محدودة او واسعة قد تشكّل خطراً على العالم العربي كله. والقليل من المعلومات نفسه يشير الى ان اقتراحات بهذا المعنى قدمت الى مسؤولين كبار في الدولة والى ان جواباً عنها لم يتكوّن بعد.

هل تستطيع مصر القيام بمبادرة تتعلق بسوريا؟

الجواب الواقعي هو كلا. والاسباب كثيرة. منها ان مصر الجديدة لا تزال تبني نفسها، وان استقرارها لا يزال مهدداً وكذلك امنها، وان النظام الجديد فيها لم يتأسس بعد. وفي وضع كهذا لا يمكن ان تبادر لأن ظهرها غير محمي داخلياً، ولأن المُستهدَف بالمبادرة قد يقول لها: حلّي مشاكلك قبل ان تحاولي حلّ مشاكلنا. ومنها ايضاً ان اسلاميي مصر قوة اساسية في الثورة وبعدها وفي النظام الجديد المرتقب. وان اسلاميي سوريا قوة اساسية في الانتفاضة الكائنة او الثورة. ولن يسمح اسلاميو مصر بمبادرة يمكن ان تكون نتائجها مؤذية لأخوانهم السوريين.

=================

عواقب الألاعيب والمناورات !

صالح القلاب

الرأي الاردنية

11-8-2011

في غير مصلحة النظام السوري ,وهو يواجه كل هذه الضغوطات العربية والدولية الهائلة ومن بينها ما يقوم به ما يعتبرهم أصدقاءه كالهند والبرازيل وجنوب إفريقيا, أن يلجأ إلى الألاعيب المكشوفة كأن يسحب بعض المجنزرات من حماه أو من أي مدينة أخرى في الصباح ويعيدها إلى مواقعها في الليل فسوريا الآن تحت أنظار العالم كله وعدسات وسائل الإعلام الالكترونية تراقب كل شيء وهناك دبلوماسيون وغير دبلوماسيين يراقبون كل حركة في هذا البلد ويرصُدون كل شيء فيه.

والأفضل ,إن لم تكن هناك قناعة فعلية بالتوقف عن حلول جنازير الدبابات والقصف المدفعي الثقيل وحلول إرسال فرق «الشبيحة» لتزرع الموت والرعب في كل مكان, أن يستمر الوضع في السياق الذي هو عليه الآن لأن فقدان المزيد من المصداقية المفقودة أصلاً سيجعل أي استجابة فعلية لرغبة الشعب السوري المقتنع بها العالم كله لا تؤخذ على محمل الجد وسيجري التعامل معها على أنها مناورة جديدة كالمناورات التي بقي النظام منهمكاً بها منذ بداية هذه الأحداث التي بدأت في الخامس عشر من آذار (مارس) الماضي.

لا يعيب أي نظام في العالم أن يرضخ لإرادة شعبه حتى وإن كان يخشى أن يؤدي مثل هذا الرضوخ إلى تنازلات لا نهاية لها وهنا فإن الأفضل أن يستجيب من هو في مواقع المسؤولية للتوجهات الشعبية في بلده من أن يتراجع أمام الضغط الخارجي وتحت التهديد والوعيد.

في البداية كان شعار هذه الاحتجاجات كما هو معروف بعض المطالب المتواضعة التي من المفترض أنها معقولة ومقبولة لكن الرئيس بشار الأسد أضاع فرصة عظيمة كانت سانحة بالفعل عندما واجه شرارة البدايات ,منذ البداية, بعنف شديد لا يعرف الرحمة ولا يعرف التسامح ولا اللين ولا المهادنة مما جعل المنتفضين الذين هم الشعب السوري بمعظمة يصَّعدون مطالبهم إلى حد المطالبة بإسقاط النظام نفسه.

لقد كان بالإمكان أن يبقى كل هذا الذي جرى في سوريا كلها ,وليس في مدينة وحدها ولا في ميدان تحرير على غرار ميدان التحرير في القاهرة, شأناً سورياً داخلياً لكن تصرفات من هم في مواقع المسؤولية في هذا النظام واعتمادهم تجربة مذبحة حماه في عام 1982 كأفضل وسيلة للتعامل مع هذه الانتفاضة هي التي فتحت أبواب التدويل على مصاريعها وهي التي أفسحت المجال لمحاولات إملاء شروط إذعان على رئيس دولة مستقلة وذات سيادة من المفترض أنها لا تقبل بمثل هذه الشروط.

إنها ليست بطولة ولا شجاعة أن يضع أي رئيس دولة نفسه ويضع بلده في مواجهة العالم كله بعد أن وضع نظام حكمه وجيشه و»شبيحته» في مواجهة شعبه والمفترض أن تتذكر القيادة السورية وهي في هذا الوضع الذي لا تحسد عليه كيف أن «العباطة» قد أوصلت نظام صدام حسين وأوصلت العراق معه إلى ما وصل إليه.

=================

كرة الثلج السورية

د. عبد الحميد مسلم المجالي

Almajali.abdalhameed@yahoo.com

الرأي الاردنية

11-8-2011

كان يمكن للنظام في سوريا، ان يحتوي انتفاضة الشعب وهي لا تزال تطالب بالاصلاح داخل النظام، قبل ان تتحول للمطالبة باسقاط النظام، وتدخل في مرحلة اللاعودة. فالفرصة كانت مواتية له في الداخل وفي الخارج. فأطفال درعا الذين كتبوا على الجدران محاكاة لما كانوا يشاهدونه في الفضائيات، كان يمكن مداعبتهم كصبيان حارة سورية، وليس باعتقالهم مع اهاليهم او قتلهم.

وفي الخارج تم تغطية موقف النظام بتوافق اقليمي ودولي على ضرورة اعطائه كامل الوقت للتصرف. وبناء عليه لاذ العرب والاقليم بالصمت، وصمدت الضمائر امام الضغط الاخلاقي الذي يضاعفه كل يوم قتل واعتقال وتعذيب مئات الابرياء. كما ظلت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، تتلاعب وتناور بالكلمات، في محاولة للحفاظ على ما تبقى من مصداقيتها، في حين خلت المشاريع التي قدمت لمجلس الامن، وتم تقزيمها او احباطها بعد ذلك، من الدعوة تلميحا او تصريحا الى اسقاط النظام.

وبمعنى اوضح، فان الدلال الذي حظي به النظام في سوريا لم يحظ به النظامان الليبي والمصري. ورغم هذه الشهور من الصمت العربي والمناورات الكلامية والإجراءات الشكلية الغربية، فقد فشل النظام في وقف اندفاع الشعب السوري نحو التغيير، وساهم في فشل الحل الامني، غياب الطروحات الاصلاحية الجدية من قبل النظام الذي بدا انه يتحدث عن الاصلاح دون ان يحدد مضامينه او سقوفه، وراح يعلن من جانب واحد عن قوانين للاحزاب والانتخابات تبقي كل مقدماتها ونتائجها السياسية في قبضته.

واغلب الظن ان الفرصة المعطاة للنظام السوري قد قاربت على الانتهاء. فدول الاقليم والدول الغربية نسقت مواقفها للتحرك، بعد ان اصبح الصمت اوالمناورات الكلامية حالة اكثر من محرجة بل ومخجلة، وتضرب في العمق القيم الانسانية والاخلاقية. ولهذا، قالت انقرة ان صبرها قد نفد، كما قالت دول الخليج ان ما يجري لا يمكن قبوله والسكوت عليه. وتوج الموقف الخليجي بخطاب من خادم الحرمين الشريفين الذي اراد ان يكون على لسانه هو، وليس على لسان مسؤول سعودي.

لقد حذر العاهل السعودي ونصح ورفض التبريرات الرسمية السورية لكل هذا القتل لشعب شقيق. كما دعا الى الحكمة او الدخول في الفوضى. ولكي تكون الرسالة واضحة وتوحي برسائل اخرى قادمة، اعلن سحب السفير السعودي من دمشق.

وبالطبع لم تكن الفرصة الممنوحة كلها من اجل عيون النظام السوري. بل لان الوضع السوري معقد وشائك، وسوريا بلد مركزي ونقطة التقاء كثير من التداعيات السياسية والامنية. فهناك مخاوف اقليمية ودولية حول البدائل المتاحة للنظام،لان المعارضة السورية ما زالت هيكلا هلاميا لا يحكمه اطار تنظيمي او سياسي يمكن من خلاله معرفة ملامحها النهائية. كما ان الفسيفساء السورية الداخلية العرقية والطائفية وامتداداتها الى دول الجوار، تطرح احتمالات وهواجس جدية حول مستقبل الاقليات، والتداعيات السياسية والامنية لطغيان الاكثرية السنية عليها. وتضاف الى هذه المخاوف حالة العلاقة السورية المستقبلية مع اسرائيل، وتلك مسالة مهمة لا تزال غير محسومة وبعيدة عن اليقين اذا ما اطيح بالنظام، الذي كان يدير الازمة مع اسرائيل بنسق يحافظ على مواقف منتظمة الاساليب والاهداف، وان كان يلجا احيانا الى ما يمكن تبريره لغايات الدعاية السياسية، وليس لغايات تغيير الواقع على الارض.

الدول الاقليمية والعالمية المعنية بالاقليم، تسابق الزمن في هذه الايام العصيبة، لكي لا تنحدر الاوضاع في سوريا نحو الفوضى، التي ان وقعت، فلن تقتصر على سوريا وحدها، بل ستمتد كبقعة الزيت الى منطقة واسعة من الشرق الاوسط المترابط الخيوط والامتدادات العرقية والطائفية والمذهبية. وهذا ما دعا الى اختراق حاجز الصوت فوق دمشق خلال الايام القليلة الماضية من القوى الاقليمية بتأييد واضح من الغرب، واستعداد روسي وصيني لتغيير المواقف قبل ان تتجاوزها الاحداث. لقد سمح النظام السوري بانغلاقه السياسي وتشبثه بالتحكم في كل قواعد اللعبة في البلاد لكرة الثلج السورية ان تكبر الى هذا الحد، دون ان يدري ان تضخمها وحركتها سيأخذ معه اكثر مما هو في خياله السياسي.

=================

العصابات المسلحة في سوريا

الخميس، 11 آب 2011 04:35

السبيل

على الملأ

الجيش السوري في وضع لا يحسد عليه، إذ إن وجوده بالمدن ومواجهة الناس بمعداته المختلفة، إنما يفقده صورته المشرقة كجيش وطن وشعب، ويحد من شخصيته العقائدية المبنية على أساس حماية الوطن والدفاع عن شرف الأمة.

وإذا ما استمر الجيش السوري بدباباته بالشوارع، فإن الأكيد بعد ذلك أنه سيفقد هيبته والثقة به بأنه جيش الشعب، وسيتكرس حوله أنه جيش النظام فقط، وأن واجبه محدد لحمايته، ومحصور بذلك.

وهو على هذا الحال في وضع قد يخسر من خلاله لقب واسم الجيش، ليكون بدل ذلك قوات أمنية أو كتائب أو أي شيء آخر ما عدا صفة الجيش.

أمام الجيش السوري واجبات وطنية عديدة، ليس منها على الإطلاق الكون بالشوارع لمنع المسيرات والمظاهرات، التي هي من مهام الأمن الشرطي والدرك أساساً، باعتبار منع الشغب والاخلال بالنظام، وهذا ما هو متعارف عليه، ونزول الجيش للشوارع ليكون مشروعاً فإنه محدد لمواجهات حقيقية مع قوات إرهابية أو عصابات كبيرة ومنظمة، يعقل أن تنزل الدبابات بالعشرات والمئات لمواجهة عصابة مسلحة من عدة أفراد، والأخيرة أن وجدت حقاً فإنه يكفيها قوات النخبة الخاصة المدربة لمكافحة الإرهاب والعصابات، وليس الجيش بدباباته المعدة للحروب مع العدو.

الرواية الرسمية السورية للأحداث ركيكة وغير مقنعة لأحد، ولا يمكن معها تصديق أن المواجهات الجارية هي قوات وعصابات مسلحة بعد أن وصل عدد الضحايا إلى أكثر من ألفين، أو أنه علينا تصديق أن هؤلاء، ومعهم الأسرى هم من أعضاء العصابات التي تتحدث عنها الرواية الرسمية. وإلا لماذا يموتون ويعتقلون.

في واقع الأمر يمكن القول إن هناك عصابات مسلحة، غير أنها لا يمكن أن تكون بالآلاف وإنما الأقرب للعقل أن تكون مجموعات فردية ومواجهتها يلزمه بحث أمني استخباري للقضاء عليه، وليس بواسطة أي دبابة.

ووجود عصابات مسلحة في أحداث سوريا يدفع للتساول عمن تخدم في وجودها وأفعالها، وفيما إذا كانت تخدم المتظاهرين أم النظام. والأمور على ما هي عليه بالرواية الرسمية فإن مثل هذه العصابات توفر الغطاء لمنع الناس من التظاهر والاحتجاج، باعتبار أولوية محاربتها.

ولو سألنا أي متظاهر سوري عن رأيه بالعصابات المسلحة فإن الجواب لن يكون سوى أنها أكثر من يسيء للشعب وحقه بالاحتجاج والتظاهر، فلماذا يتم الربط بينها وبين الشعب، ومن الذي يصدق وجود علاقة بين هذه وذاك أصلا؟.

=================

الطائفي والجيوبوليتكي في الموقف من سورية

د. بشير موسى نافع

2011-08-10

القدس العربي

 منذ البداية، لم تخف إيران دعمها للنظام في سورية وتبني روايته للأحداث التي تجتاح البلاد طوال الأشهر الخمسة الماضية. السيد خامنئي، القائد الأعلى ومرشد الجمهورية الإسلامية، أصدر تعليماته لأركان الدولة بتقديم كل جهد ممكن للحفاظ على النظام السوري، وتأجيل كل نصائح الإصلاح إلى ما بعد التأكد من تأمين وضع النظام ونجاحه في مواجهة 'المؤامرات التي تحاك ضده.' وقد أصبحت هذه التعليمات/ الفتوى الإطار المرجعي للمقاربة الإيرانية لسورية، التي يعتقد أنها شملت تقديم الخبرات التكتيكية والفنية، وربما العون التسليحي والمالي والاقتصادي أيضاً. وسرعان ما انعكس الموقف الإيراني على، أو واكب، مواقف حلفاء إيران في الجوار السوري.

لم يخف حزب الله، على لسان كبار قادته، تأييده للنظام السوري ودعوته السوريين للحفاظ عليه؛ كما تبنت وسائل الإعلام التابعة للحزب موقف النظام والدعاية له.

ثمة تقارير سورية وأممية تفيد بأن عناصر من حزب الله تقدم عوناً مادياً للأجهزة الأمنية السورية، بدون أن تتوفر أدلة بعد لتوكيد مثل هذه التقارير. ولكن تشكيل حكومة ميقاتي حزب الله عون في لبنان، التي كسرت تقاليد حكومات الوحدة الوطنية اللبنانية منذ نهاية الحرب الأهلية، تشير بوضوح إلى حجم تحالف الحزب مع النظام السوري. وكذلك سلكت حكومة المالكي في العراق، حليف إيران الآخر في الجوار، الذي استقبل وزير الخارجية السوري، وأكد لمجموعة من رجال الأعمال السوريين المرتبطين بالنظام أن سورية ستحل محل تركيا في عدد من عقود العمل والبناء الكبرى التي يحتاجها العراق. ثمة تخطيط لربط إيران والعراق وسورية بشبكة أنابيب نفط وغاز؛ وقد أكد وليد المعلم في لقائه مع المالكي أن دمشق قد أدارت ظهرها للعلاقات الاستراتيجية مع تركيا وأن تصورها للمستقبل يقوم على بناء محور سياسي استراتيجي يصل طهران ببغداد بدمشق وبيروت. أما التقارير الغربية التي أفادت بأن العراق سيقدم ستة مليارات دولار من القروض والضمانات لسورية، فليس ثمة ما يؤكدها هي الأخرى.

المؤكد أن اصطفاف حكومة المالكي إلى جانب نظام الأسد يشمل الآن حتى التنكر للجانب الإنساني البحت، بعد أن بدأت بغداد إجراءات قاسية لإغلاق كل المنافذ الحدودية غير الرسمية أمام اللاجئين السوريين المحتملين من مدن الشرق السوري التي تتعرض لهجمات من قوات الأمن والجيش الموالية للنظام.

في المقابل، وبعد تردد في الحالة التركية، وصمت في الحالة العربية، ثمة تصاعد في المواقف من النظام السوري خلال هذا الأسبوع. كانت تركيا منذ اندلاع الحركة الشعبية السورية قد بادرت إلى إجراء عدد من الاتصالات مع الحليف السوري، ومحاولة الضغط على الرئيس بشار الأسد للمبادرة بإصلاحات جادة تستجيب للمطالب الشعبية. ولكن القادة الأتراك سرعان ما أدركوا أن النظام في دمشق يستخدم زيارات المسؤولين الأتراك لتعزيز شرعيته وكسب الوقت، وأن السياسة الوحيدة التي يتبناها النظام هي سياسة القمع الدموي والمغالبة مع الشعب. ولأكثر من شهر، انسحبت أنقرة كلية من الشأن السوري، بدون أن تتجاهله، إلى أن بدأت وتيرة القمع في التصاعد مع بداية هذا الشهر، وبدا واضحاً أن لا الرأي العام التركي والعربي، ولا الرأي العام العالمي يمكنه الصمت أمام ما تشهده المدن السورية من مجازر. كان نائب رئيس الوزراء التركي، بولنت أرينتش، ضمير حزب العدالة والتنمية، أول من أعرب عن الغضب إزاء آلة القتل التي نشرها النظام السوري في أنحاء البلاد؛ ليتلوه تصريح رئيس الحكومة التركية، الذي أكد على أن علاقات التاريخ والقرابة ومئات الأميال من الحدود المشتركة تجعل من سورية مسألة تركية داخلية. وقد أشار أردوغان إلى أن وزير خارجيته، أحمد داوود أوغلو، سيزور دمشق يوم الثلاثاء، 9 آب/أغسطس، لنقل رسالة حازمة للقيادة السورية؛ الأمر الذي ولد رد فعل سوري مباشر خلال ساعات. وكما رئيس الحكومة التركي، أصدر الملك السعودي بياناً لا يقل انفعالاً تجاه سورية، معلناً عن سحب السفير السعودي بدمشق للتشاور، لتتلوه خطوات شبيهة من حكومات الكويت والبحرين؛ وتصريح أكثر دبلوماسية، وإن لم يخل من الدلالة، من الأمين العام للجامعة العربية، أعرب عن قلق الجامعة تجاه العنف المتزايد في سورية.

لم يكن من المفترض أن تتباين مواقف الجوار العربي الإسلامي من الحدث السوري، ناهيك أن تأخذ كل هذا الوقت لتتبلور في حالتي تركيا والسعودية. تدرك الأطراف المعنية جميعاً أن ما تشهده سورية لا يخرج عن حركة الثورة العربية الشاملة من أجل الحرية وإقامة حكم أكثر مصداقية وعدالة؛ الاستثناء الوحيد أن السوريين أظهروا صلابة وبسالة واستعداداً لتقديم التضحيات، لم تظهره، أو تتطلبه، أية ثورة عربية أخرى. وتدرك الأطراف المعنية في الجوار، المؤيدة للنظام السوري والمنتقدة له، أن سردية النظام لما يحدث في البلاد هي سردية كاذبة، ليس هناك ما يؤيدها، وأن حجم العنف الذي يمارسه النظام لقهر شعبه وهزيمته لم يعد من الممكن للعالم قبوله، أو تبريره بأية منظومة من القيم العربية الإسلامية. فلماذا هذا التباين إذن؟

تتعلق المقاربة التفسيرية الأولى لاختلاف المواقف من الحدث السوري بالتدافع الطائفي، السني الشيعي، الذي أخذ في التصاعد في عموم المشرق العربي الإسلامي منذ غزو العراق واحتلاله على الأقل. فسورية، التي تقودها منذ الستينات، وخاصة منذ تولي الرئيس الأسد الأب في 1970، نخبة علوية بعثية، هي الدولة الوحيدة في المشرق التي ترتبط مع الحكم الشيعي في إيران وبالحكم المهيمن عليه من القوى الشيعية السياسية في العراق، وبحزب الله في لبنان، بروابط طائفية. ولأن إيران باتت تقود هذا المحور الشيعي السياسي، وأن إيران حققت مكاسب استراتيحية ملموسة خلال العقدين الأخيرين في المنطقة، سواء بإطاحة نظام صدام حسين وصعود القوى الشيعية السياسية في العراق، أو تحول حزب الله إلى القوة السياسية العسكرية الرئيسية في لبنان، فإن الدول العربية والإسلامية الأخرى، مثل السعودية ودول الخليج ومصر وتركيا، تنظر بقلق كبير إلى اتساع نطاق التحالف السوري الإيراني واعتماد سورية المتزايد على إيران والمحور الشيعي. إطاحة حكم الأسد في سورية، بكلمة أخرى، يمثل انتصاراً للدول العربية والإسلامية ذات الأكثريات السنية وتحكمها قيادات سنية، وهزيمة كبرى لإيران والمحور الشيعي في المنطقة.

أما المقاربة الثانية فتستند إلى قراءة جيوبوليتيكية لهذا الانقسام. سورية، أو بلاد الشام ككل، هي المنفذ الشمالي البري الوحيد للجزيرة العربية والمملكة العربية السعودية؛ وسورية هي الممر الأقصر والأكثر أمناً لمناطق الثقل التركي الصناعي الزراعي إلى المجال العربي، والمجال العربي النفطي على وجه الخصوص، وهي أيضاً منطقة التماس الوحيدة الممكنة لتركيا مع القضية الفلسطينية، القضية المركزية للعرب والمشرق؛ وسورية هي منفذ العراق الوحيد والآمن عربياً باتجاه المتوسط؛ وهي كذلك بالنسبة لإيران ولأية كتلة شيعية محتملة تقودها إيران؛ وسورية هي فوق ذلك السند الاستراتيجي وحبل الحياة السري لحزب الله. سورية، باختصار، هي هدف جيوبوليتيكي حيوي لا يمكن تعويضه لكل من هذا الأطراف، قد تؤدي خسارتها لأي منها إلى انكفاء استراتيجي طويل المدى للخاسر. التوسع الإيراني لن يتوقف وحسب، بل ويمكن أن ينقلب بخسارة سورية إلى سلسلة من التراجعات، سواء في لبنان أو في العراق.

وفقدان سورية، سيجعل أية محاول تركية لتوطيد الأقدام في المشرق العربي أسيرة لإيران وحلفائها. أما حسم صراع النفوذ في سورية لصالح إيران، فلن يغلق ممر السعودية الشمالي كلية وحسب، بل وقد يضع السعودية في موقف دفاعي في مناطق جوار أخرى.

ثمة شيء من الحقيقة الباردة في هاتين المقاربتين بلا شك؛ فلا التوتر الطائفي في المشرق يمكن إغفاله، ولا حقائق الجغرافيا وموازين القوى يمكن تجاهلها أو تغييرها. ولكن ذلك لا يعني أن الثورة السورية اندلعت بإرادة طائفية أو بدافع إقليمي جيوبوليتكي. ما تستبطنه هاتان المقاربتان هو تصور شبيه بديناميات 'الصراع على سورية' في الخمسينات، عندما جعل القلق السياسي الداخلي وضعف الإرادة الوطنية القومية من سورية مسرحاً لتدافعات القوى الإقليمية والدولية في أولى عقود الحرب الباردة. ولكن الشعب السوري لم ينتفض ضد نظام بشار الأسد لأن الرئيس وأغلب النخبة الحاكمة الملتفة حوله من العلويين، ولا لأن النظام حليف لإيران وحزب الله.

الحقيقة، أن الشعب السوري أكثر التزاماً بمصالح سورية في لبنان وبمسؤوليات سورية في مواجهة الدولة العبرية؛ وأن الخطوط العامة للسياسة السورية الإقليمية والخارجية لم تتغير كثيراً منذ رئاسة شكري القوتلي في الخمسينات.

طوال شهور، تجاهلت السعودية، والعرب جميعاً، الحدث السوري، وتركت نظام بشار (المفترض أنه علوي) يحاول مواجهة أزمته بالطريقة التي يراها. وحتى الأتراك (المفترض أنهم سنيو التوجه) لم يترددوا في رفض التدخلات الخارجية في الشأن السوري، وبذلوا كل جهد ممكن لإنقاذ نظام الرئيس الأسد بدفعه إلى تبني مشروع إصلاح جذري. من جهة أخرى، فمن التبسيط النظر إلى سورية، حتى وهي تشتعل بالثورة وتشتغل بنفسها، قد تحولت إلى منطقة فراغ استراتيجي، مفتوحة لتسابق القوى الإقليمية والدولية. والأغلبية العربية تعيش لحظة استعادة الإرادة والمصالح، لن تسمح دول وشعوب المجال العربي باستباحة سورية، بغض النظر عن مصير نظام الأسد أو طبيعة القوى السياسية التي يمكن أن تحل محله.

مصلحة سورية، ومصلحة الشعب السوري، ومصلحة كافة الأطراف المعنية، من إيران والعراق وحزب الله، إلى السعودية والأردن ومصر وتركيا، أن تتجرد في تعاملها مع الثورة السورية من التحيزات الطائفية قصيرة النظر، ومن التصورات المتسرعة بأن سورية متاحة للنفوذ الخارجي. بدون ذلك، لن تتضرر سورية والسوريون بكافة طوائفهم وحسب، بل وهذه الدول ومصالحها كذلك.

=================

رسالة اردوغان تكرس زعامة تركيا

عبد الباري عطوان

2011-08-10

القدس العربي

 كرّست الرسالة التي بعث بها رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا الى القيادة السورية، وحملها الدكتور احمد داوود اوغلو، وزير الخارجية، الزعامة التركية في المنطقة العربية، مثلما أبرزت حجم النفوذ التركي وفاعليته في ظل غياب دول المركز العربي، مثل مصر والعراق وسورية.

فبعد يوم واحد فقط من زيارة السيد اوغلو للعاصمة السورية، بدأت الدبابات تنسحب من مدينة حماة، بعد حملة عسكرية استمرت عشرة ايام، سقط خلالها اكثر من مئتي شهيد، وخفت حدة اعمال القتل التي تمارسها القوات السورية لاول مرة، وان كان ذلك بطريقة نسبية.

والاهم من ذلك ان السيد اردوغان صرح امس انه يتوقع اصلاحات فورية في سورية، في غضون اسبوعين على الاكثر، وهذا يعني ان القيادة السورية تجاوبت مع اهم ثلاثة مطالب تركية، وهي وقف قتل المواطنين برصاص الامن، وسحب الدبابات السورية من المدن، واعادة الجيش الى ثكناته، والبدء فورا في اصلاحات ديمقراطية جذرية، من بينها انتخابات برلمانية ورئاسية حرة وشفافة.

من الصعب الاغراق في التفاؤل، والتسرع في اصدار احكام حول نتائج، او مفعول السحر للرسالة التركية الحازمة التي حملها اوغلو، ولكن يبدو واضحا ان القيادة السورية سمعت كلاما لم تسمع له مثيلا من قبل دفعها الى اعادة النظر في الكثير من حساباتها وسياساتها الداخلية والاقليمية معا.

اللقاء المغلق الذي عقده السيد اوغلو مع الرئيس بشار الاسد كان الاكثر تأثيرا دون ادنى شك، حيث قال فيه الضيف التركي لمضيفه السوري ما لم يستطع قوله في اللقاءات العامة، في حضور مسؤولين آخرين، وسلم رسائل على درجة كبيرة من الخطورة، قد تكون من بينها رسالة امريكية حملها الى القيادة التركية المسؤول عن ملف سورية في الخارجية الامريكية.

كثرت التكهنات حول مضمون هذه الرسالة والرسائل الاخرى، ولكن الامر المؤكد ان تركيا ليست ساعي بريد، وانما قوة اقليمية رئيسية في المنطقة، وتحركها الحالي ليس من اجل التهديد بتدخلها في الملف السوري عسكريا، مثلما صرح البعض، وانما من اجل منع تدخل الدول الغربية او حلفائها، مثلما حدث في ليبيا، لان السلطات التركية تدرك مدى خطورة مثل هذا التدخل الغربي في حال حدوثه عليها، وعلى جميع دول المنطقة.

فمن الواضح، ان هناك قوى تريد استغلال تدهور الاوضاع في سورية كذريعة لتفجير حرب اقليمية طائفية في المنطقة، يكون الشعب السوري بكل طوائفه ودياناته وقودا اساسيا لها، ثم بعده شعوب وثروات المنطقة، والسيد اردوغان يعلم جيدا ان هناك مخططا لإحداث مواجهة بين تركيا وايران، تؤدي الى تدمير البلدين وامكانياتهما الاقتصادية والعسكرية، بحيث تخرج اسرائيل، الاكثر قوة واستقرارا.

' ' '

كان لافتا ان عمليات الحشد والتجييش الطائفية في المنطقة على ارضية المجازر في سورية، قد تصاعدت من خلال وسائل اعلامية جرى توظيفها بشكل ذكي ومكثف في هذا الصدد، ومن اجل التسريع باندلاع شرارة الحرب. ومن المؤسف ان النظام السوري، او بعض قيادات اجهزته الامنية المتعطشة للدماء، والتي ما زالت تعيش بعقلية الحرب الباردة، ساهمت بدور كبير في ايقاع سورية في هذه المصيدة، عندما تغولت في اطلاق العنان لآلتها القمعية للبطش بالمواطنين المطالبين بابسط حقوقهم في العدالة والحرية والكرامة والتغيير الديمقراطي.

السيد اردوغان اظهر وعيا لمثل هذا المخطط الجهنمي منذ اللحظة الاولى لاندلاع الانتفاضة السورية في مدينة درعا، قبل خمسة اشهر، حيث توسل الى اصدقائه في القيادة السورية بالاحتكام الى العقل، والبعد عن التهور، وادخال اصلاحات فورية لتطويق 'المؤامرة' التي يتحدثون عنها، وقتلها في مهدها، ولكنهم لم يستمعوا اليه، والى نصائح كل المخلصين الحريصين على سورية واستقرارها، وتغولت الاجهزة الامنية في سفك الدماء اعتقادا منها بقدرتها على ارهاب الشعب السوري وتركيعه واعادته الى مرحلة السكينة والتذلل التي استمرت لاكثر من اربعين عاما، وهو اعتقاد ثبت خطؤه بل كارثيته، مثلما نرى على الارض.

القيادة السورية كانت امام خيارين لا ثالث لهما، الاول الاستمرار في القتل والزج بالجيش لتطويق المدن واقتحامها، واطلاق العنان للميليشيات (الشبيحة) لممارسة ابشع انواع القتل والترويع، وهذا سيؤدي حتما الى جر البلاد الى حرب اقليمية وتدخل خارجي. والثاني هو البحث عن طوق نجاة من خلال وساطة اقليمية لايجاد مخرج يؤدي الى هدنة تسمح بالتقاط الأنفاس، والبدء في الحوار الوطني الحقيقي، وبما يؤدي الى تحقيق الاصلاحات الفعلية، وليست الشكلية الكاريكاتورية المطروحة حاليا.

ندرك جيدا ان سورية ليست ليبيا، وان الاولى تملك قوة عسكرية جبارة، وتحالفات اقليمية راسخة (ايران وحزب الله)، مثلما ندرك ايضا ان دول حلف الناتو، وخاصة الولايات المتحدة، تواجه ازمة مالية طاحنة، وهزائم محققة في كل من العراق وافغانستان، وتدخلا مكلفا غير واضح النتائج في ليبيا، ولكننا ندرك ايضا ان هناك قوى في المنطقة، وخاصة اسرائيل، تريد تفجير المنطقة طائفيا، للخروج من عزلتها الدولية الحالية، واضعاف مصادر الخطر على وجودها.

' ' '

لا نريد الدخول في سيرك التكهنات حول مضمون رسالة السيد اردوغان للرئيس السوري، ولكن من المؤكد انه ابلغه بكل صراحة ووضوح بكل ما تقدم. ابلغه بالمؤامرة الحقيقية، ليس على بلاده، فقط وانما على المنطقة باسرها، وشرح تفاصيلها بدقة، وكيفية مواجهتها من خلال وقف فوري لشلالات الدماء، وتطبيق الاصلاحات الحقيقية، والا فإن عليه تحمل مسؤولية كل ما يمكن ان يترتب على ذلك من نتائج.

لا نستبعد ان تكون تركيا قد هددت بتسليح رجال الانتفاضة السورية للدفاع عن نفسها، في مواجهة آلة القتل الجهنمية التي تستخدمها الاجهزة الامنية في محاولاتها اليائسة للسيطرة على المدن والارياف المنتفضة، اذا لم تتم الاستجابة لوساطتها، او بالاحرى تحذيراتها، وهذا ما يفسر اتخاذ قرار سحب الدبابات من حماة، وربما من دير الزور لاحقا.

الرئيس الاسد ادرك خطورة الاختلاف مع الجار التركي، وعدم الاستماع الى تحذيراته، عندما لم يتوان لحظة في ابعاد، وبالتالي تسهيل تسليم الزعيم الكردي عبدالله اوجلان، وانهاء كل تعاون مع حزب العمال الكردستاني الذي يتزعمه، وتجنب بذلك مواجهة خطيرة مع الجار العنيد القوي، بل وتنازل عن جميع المطالبات السابقة بإقليم الاسكندرون.

لا نعرف ما اذا كان الرئيس بشار الاسد يملك حكمة والده 'وبراغماتيته'، ويضع العناد جانبا، عندما يتعلق الامر بمصلحة سورية وشعبها، بل والامة العربية بأسرها، ويحدونا الامل بان يكون حاله كذلك. فالنزعة الانتقامية ليست من صفات السياسيين المحنكين، والمرونة من خصال 'الدهاة' عندما يتم استخدامها في الوقت المناسب.

الرئيس بشار الاسد بلع جزءا كبيرا من كبريائه عندما سحب قواته مكرها من لبنان، وتجنب كارثة محققة، في انحناء ذكي امام العاصفة الامريكية الغربية في حينها، واستطاع ان يحول نفوذ بلاده في لبنان الى ذروته دون ان يكون له جندي واحد على ارضه.

المطلوب الآن اتخاذ قرار مشابه، بل واكثر اهمية، اي الوقف الكامل لكل اعمال القتل وسفك الدماء، والسير بخطوات سريعة وجدية على طريق المصالحة الوطنية والاصلاحات الشاملة، ومحاكمة جميع الذين تورطوا في اعمال القتل في محاكمات عادلة، مهما علت قامتهم ورتبهم، وسيجد في الجار التركي كل مساعدة حتما اذا خلصت النوايا، لان البديل مرعب بالمقاييس كافة.

=================

تصعيد عربي مطلوب

الخميس, 11 أغسطس 2011

حسان حيدر

الحياة

لم تستطع الكياسة الديبلوماسية المفرطة التي اعتمدها وزير الخارجية التركي داود اوغلو لوصف نتائج زيارته الى سورية اخفاء النتائج الضئيلة التي عاد بها بعد ست ساعات ونصف الساعة من المحادثات المنفردة والموسعة مع الرئيس السوري بشار الاسد. اذ ما كادت طائرته تغادر الاجواء السورية حتى اعلنت دمشق انها «لن تتهاون» في مواصلة حملتها الدموية لاخضاع المحتجين، وهو كلام سمعه الوزير التركي مصحوباً بمحاولات التذاكي السورية المعتادة في اللعب على عامل الوقت، ووعود قدمت اليه عن «خطوات اصلاحية مهمة» ستعلن خلال ايام وعن خطوات امنية محدودة يمكن التراجع عنها بسهولة.

كانت الاولويات واضحة تماماً في البيان السوري عن المحادثات: قمع الانتفاضة أولاً ثم يمكن الحديث عن اصلاحات تبقى غامضة وصورية. وهذا العناد الذي واجهته انقرة هو الذي دفع قبل ذلك بيومين السعودية والكويت والبحرين الى اعلان يأسها من امكان عودة الحكم في دمشق عن اعتماد الحل الامني في مخاطبة شعبه، فقررت سحب سفرائها احتجاجاً على سفك الدم المتواصل، وهو ايضاً ما دفع القاهرة الى الخروج عن صمتها والتحذير من ان دمشق تتجه نحو «نقطة اللاعودة». وكانت قطر، الدولة التي راهنت بصدق على الأسد واستثمرت في بلاده سياسياً ومالياً، توصلت الى الخلاصة ذاتها، وهي ان النظام السوري لا يعرف سوى المراوغة ولا يمكن الوثوق به وباصلاحاته المزمعة.

ومع اهدار «الفرصة التركية» الاخيرة، يكون الحكم السوري اختار المواجهة مع العالم كله، ولم يبق له من سند سوى ايران وأتباعها في لبنان، ذلك ان روسيا والصين بدأتا اعادة النظر في موقفيهما من دمشق والابتعاد عن الدعم غير المشروط لها ودعوتها الى وقف المواجهات، نتيجة الاحراج الذي تسببه لهما انباء وصور المجازر القادمة من المدن السورية، ولانهما لا تستطيعان الاستمرار في مقاومة الاجماع الدولي إلى ما لا نهاية.

لكن المشكلة الفعلية هي ان العزلة المتزايدة التي يتعرض لها النظام السوري قد لا تنعكس تغييراً سريعاً في سلوكه، بل انه قد يستغلها، مثلما فعل في السابق، في احكام قبضته الامنية على الشارع عبر المزيد من القتل والاعتقال، لأنه يعرف ان العالم متردد كثيراً في التدخل المباشر لوقفه. وحتى تركيا التي تعتبر الازمة السورية شأناً يخصها نتيجة الحدود الطويلة والتداخل السياسي والأمني بين البلدين، تفضل في الوقت الحاضر عدم منح الاسد اي ذريعة لتحويل رفضه الاعتراف بالمطالب الشعبية الى مشكلة بين دمشق وانقرة، ولهذا كان حرص داود اوغلو على انتقاء تعابيره بعناية فائقة وعدم التلويح بأي عمل عسكري او أمني طالما ان ذلك ليس من اولويات بلاده.

ما الذي يمكن فعله اذاً لانقاذ السوريين من نظامهم؟ العملية معقدة وطويلة، وتتطلب جهوداً كبيرة قبل التوصل الى اجماع دولي على خطوات فاعلة، ولا بد من ان المعارضة السورية تدرك ذلك وتعوّل على قدراتها الذاتية في مواصلة الاحتجاجات رغم الثمن الباهظ الذي تدفعه، لكنها تأمل على الأقل في ان تصعد دول العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة، لهجتها ازاء الحكم في دمشق وتدعو الاسد بوضوح الى التنحي، وان تتخلى الدول العربية عن ترددها وتشارك في فرض عقوبات اقتصادية ومالية عليه، وتتخذ موقفاً موحداً لادانة نهجه في اطار الجامعة العربية، لمساعدة المعارضة على الصمود وتعزيز آمالها في التغيير.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ