ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عبدالله بن بجاد العتيبي الاتحاد تاريخ النشر: الإثنين 15 أغسطس
2011 الرئيس الأسد غارقٌ حتى أذنيه في مواجهة
شعبه، وحين يقارن نفسه برؤساء عربٍ
آخرين يتأمل فيجد أنّه ليس مثل زين
العابدين مستعدٌ للهرب سريعاً. وليس
مثل مبارك الذي أصرّ على الاتكاء على
تاريخه وعسكريته ورفض أمرين: الخروج من
بلاده أو تسليط الجيش على الشعب. وهو
ليس مثل صالح يسمح بالمظاهرات
ويقابلها بمثلها. ولكنّه أقرب ما يكون
للقذّافي حيث سلّط القوّات العسكرية
بكامل عتادها على شعبه، مع فارقٍ
بينهما، أنّ القذّافي لا يملك ملجأً
آمناً خارج بلده في حين يرى "الأسد"
إيران فاتحةً ذراعيها حين يجدّ الجدّ،
فلا يجد عن الرحيل بديلاً. بعد خمسة أشهرٍ على الانتفاضة الشعبية
السورية وإلى الأسبوع الماضي كان
الرئيس السوري يرى أنّ باستطاعته
تسليط الجيش على الشعب دون أن يتحرّك
أحد، فامتلأ عقله بهذا الطريق السهل،
فلا العرب احتجّوا، ولا الغرب تحرّك،
ولا حلفاؤه حيث الصين وروسيا وإيران –بالطبع-
تغيّروا، ومن هنا كان الطبيعي أن يؤثر
المسير في ذات الطريق. لكنّ الوضع تغيّر اليوم، فبعد خطاب الملك
عبدالله التاريخي تجاه المجازر والوضع
المضطرب في سوريا بدأت كثيرٌ من الدول
العربية والجامعة العربية باتخاذ
مواقف عملية ضد النظام هناك، من الكويت
والبحرين إلى المغرب. يتجافى الأسد الابن عن المجازر الكبرى
التي كان يؤثرها والده، ولكنّه يتبع
طريقة البطيء الفعّال، يقتل كل يومٍ
عدداً محسوباً، ويفتك كل أسبوعٍ
بقريةٍ معينةٍ، ويحاصر كل شهر مدينةً
كبرى، ويسعى لغرس الخوف والذعر في بلده
من جديد. لكنّ عينيه تعشيان وأذناه
تصمان وعقله يتجاهل أن شعبه لم يعد كما
ورثه، ولئن مرّت في ساقية العاصي دماء
جديدة تردف القديمة، فإن ذات النهر
يخلق اليوم أرواحاً جديدةً مصممةً
وحاسمةً باتجاه هدفها المعلن وغايتها
المرجوّة حيث التغيير الكامل سيّد
الأحكام. الحراك الأميركي تجاه سوريا بطيء وغير
فعّالٍ، ويظهر أنّ أميركا تقيس كل
خطوةٍ من خطواتها بمقياس الذهب، فهي لا
تريد الدخول في تحرّكٍ عسكريٍ يرهق
قوّاتها وميزانيتها بعد تجارب العراق
وأفغانستان ثم ليبيا التي انسحبت
منها، كما أنّها لا تريد أن تتم مواجهة
أيٍ من مشاريع قراراتها في مجلس الأمن
بفيتو روسي أو صيني، من هنا تستمر في
تصعيد لهجتها السياسية ضد النظام دون
أن تتخذ قراراتٍ حقيقيةٍ تؤثر في
مصيره، ولئن كانت العقوبات الاقتصادية
مؤثرةً في الوضع السوري فإن أميركا لا
تملك منها الكثير. أمّا الاتحاد الأوروبي، فيتخذ مواقف أكثر
تقدماً تجاه سوريا، وقراره الاقتصادي
يؤثر عليها، إلا أنّه لم يزل فاقداً
لحماسةٍ مماثلةٍ لما فعله في ليبيا،
ومن هنا تظهر تركيا كقائدٍ للحراك
الدولي تجاه سوريا، بدعم وتنسيق مع
أميركا أولاً والاتحاد الأوروبي
تالياً، فمعلوم أن لدى تركيا مشاكل مع
الاتحاد الأوروبي كانت أميركا هي
الداعم الأكبر لتركيا تجاهها. عربياً، فإن تركيا الحديثة التي أسسها
أتاتورك نأت بنفسها عن الخلافة واتجهت
لبناء الدولة الوطنية، التي لم تكن
معروفة آنذاك في المنطقة، وقد وصل
نظامها المدني بها أن تترك اللغة
العربية وحروفها وأن تتجه لاستخدام
الحروف اللاتينية في كتابة اللغة
التركية في مسعىً طويلٍ وشاقٍ للحاق
بركب الغرب المتحضر واجهته شتى أنواع
العراقيل. لقد مرّت تركيا بمراحل في تاريخها
الحديث، بدءاً من سقوط الخلافة
العثمانية، ثم أتاتورك وتأسيس الدولة
العلمانية، وصولاً لدخول الإسلاميين
في النظام السياسي الذي يحميه الدستور
والجيش، وحيث قدّم الإسلاميون هناك
شتى أنواع التنازلات السياسية لدرجة
التحالف العسكري مع إسرائيل، بيد وقلم
"أربكان"، الأب الأكبر لإسلاميي
تركيا، وصولًا لخلفه أردوغان، وحين
سدّت الأبواب الأوروبية في وجه تركيا
حاول "أربكان" تحويل ضعفه لقوة
حين أسس تحالف مجموعة الثمان التي أراد
بها الحضور الأقوى في العالم كلّه
والمسلم منه تحديداً. إنّ ذلك التحالف لم يخلق لتركيا المكانة
التي تسعى إليها كلاعبٍ قويٍ في
المنطقة، فاتجه التركيز للمنطقة
العربية، فها هي تركيا تلامس غالب
الملفات السياسية الساخنة في الشرق
الأوسط من غزة إلى مصر ومن ليبيا إلى
العراق، وبالتأكيد فإن أهم الملفات
بالنسبة لها هو الملفّ السوري. الحدود التركية السورية تعجّ بالكثير من
القضايا الحسّاسة، فالعلويون في تركيا
يقدرون بعشرة ملايين تقريباً في حين
أنهم لا يتجاوزون المليونين في سوريا،
وما يجري في سوريا يؤثر عليهم في
تركيا، قل مثل هذا في شأن الأكراد
الذين يشكل ملفهم الداخلي واحداً من
أصعب الملفات السياسية داخل تركيا،
وها هم يتحركون سياسياً في سوريا على
مرمى حجرٍ من الحدود التركية،
واللاجئون السوريون من بطش النظام
يملؤون المخيمات التي أقامتها تركيا
على الحدود. تمرّ منطقة الشرق الأوسط باضطرابٍ كبيرٍ
سقط فيه نظامان في تونس ومصر، ويعيش
بلدان آخران حرباً أهليةً في ليبيا
وعنف نظامٍ غير مسبوقٍ في سوريا، ويبقى
الاضطراب لاعباً مهماً في دولتين
أخريين هما اليمن والبحرين. لم يكتف الاضطراب بأن ينال من كيان الدول
فقط، بل تجاوزه للمحاور والتحالفات،
فالمنطقة ما قبل 2011 ولسنواتٍ كانت
مسرحاً لتجاذبات محوري الاعتدال
والممانعة، الاعتدال الذي كانت تقوده
السعودية ودول الخليج مع مصر انثلم أحد
أركانه بزوال النظام المصري السابق.
والمحور الآخر، يواجه تحدياً خطيراً
بانثلامٍ مماثلٍ في النظام السوري،
بحيث تتثلم المحاور لتبقى المنطقة
مشرعةً على تخلّق محاور وتحالفاتٍ
جديدةٍ. في المحاور الجديدة يتجلى في المشهد
الشرق أوسطي محوران يجدر أخذهما
بالاعتبار، المحور الأصولي أو محور
الإسلام السياسي، ذلك الجامح في مصر،
والطامح في سوريا، والمترقب في اليمن،
والمحور الآخر يمكن خلقه ورعايته وهو
المحور الخليجي- التركي. بالنسبة للخليج، فإن تركيا دولة مهمة في
المنطقة، لها استراتيجيتها ومواقفها
وسياساتها التي تحاول النأي بها عن
الغرب، خاصةً بعد أن رفعت كفّها من
محاولة الانضمام إليه، ولها ثانياً
مواقفها السياسية تجاه أحداث المنطقة
من مصر وتونس إلى ليبيا واليمن،
وبالتأكيد سوريا المتاخمة لحدودها –كما
سبق- وهنا يجب أن يثور تساؤل: هل الدور
التركي نقيض للدور الخليجي وينبغي
لدول الخليج أن تخاف منه؟ أم هو بديل
له؟ أم أنّه بالإمكان التنسيق بين
الدورين ليتكاملا في محور سياسي جديد؟
مع استحضار علاقة تركيا بالمحور
الأصولي وعلاقة المحور الأصولي بإيران. إنّ الموقف تجاه سوريا قد يكون بدايةً
لمثل هذا المحور فالفرصة التي منحها
الملك عبدالله في خطابه للنظام السوري
واضحة، إما الإصلاح العاجل وإما
الفوضى، وذات الفرصة تمنحها تركيا
للنظام السوري، عبر تصريحات وزير
خارجيتها أوغلو ورئيس وزرائها أردوغان
ورئيس جمهوريتها غول، الذي حذر الأسد
من الندم ولات ساعة مندم. يبقى هل نظام الأسد قادر على اجتراح حلٍ
جديدٍ أم لا؟ المنطق يقول إن تاريخه لا يسمح له بغير
الحل الأمني. وتجربته لا تخبره بغير
القتل. وحزبه لا ينصحه بغير العنف. فهل
يستطيع النظام هناك أن يتحمل تشكيل
حكومةٍ تقودها المعارضة؟ وهل يمكن له
أن يتصوّر أن الشعب هو مصدر الشرعية
السياسية لا الحزب؟ ==================== ادوغان يمهّد لها بزيارة
جائعي الصومال: تركيا تهدد بالتدخل
العسكري في سوريا ل"غايات إنسانية"! السفير 15-8-2011 محمد نور الدين واصلت تركيا
ضغوطها المحدودة بمهل زمنية على
سوريا، بعدما عاد وزير الخارجية
التركية احمد داود اوغلو إلى أنقرة من
لقاء الساعات الست مع الرئيس السوري
بشار الأسد. وإلى المعلومات الأولية عن
الزيارة التي حملت إملاءات وتهديدا
بالقطيعة مع سوريا كان التصريح الذي
أدلى به مصدر تركي رفيع المستوى أول من
أمس إلى صحيفة "حرييت" في غاية
الخطورة لتحديد العوامل التي تدفع
أنقرة إلى القطيعة مع سوريا، وما يمكن
أن تحمله في المستقبل القريب من
إجراءات ضد الأسد ونظامه، ومن ذلك
المشاركة في تدخل عسكري. فقد قال
المسؤول الرفيع المستوى الذي طلب عدم
ذكر اسمه إن رسالة عبد الله غول إلى
الأسد، التي وصفتها الصحف التركية ب"الإنذار"،
كانت واضحة لجهة انه إذا لم يلتزم
الأسد بمضمونها من وقف العنف ضد
المحتجين وإذا لم يبادر إلى خطوات
الانتقال إلى الديموقراطية فإن تركيا
ستنتقل إلى "مرحلة التدخل الدولي".
لكن هذا التدخل لا يعني في المرحلة
الأولى "تدخلا عسكريا". وقال
المصدر انه "إذا لم يُظهر الأسد
زعامته الآن كي لا يندم لاحقا" فإن
تركيا ستبدأ بعقوبات اقتصادية وتصل
إلى خفض العلاقات الدبلوماسية مع
دمشق، ومن بعدها ستكون أنقرة مستعدة
لدعم المعارضة السورية وحتى إنشاء
حزام امني على الحدود السورية. أما
التدخل العسكري التركي في سوريا فليس
مستبعدا، لكن في إطار قرارات دولية
يتخذها مجلس الأمن الدولي. وذكّر
المسؤول بأن تركيا كانت، منذ بدء
الأزمة في سوريا، قد ضاعفت
استعداداتها العسكرية على الحدود
السورية ولا يزال الآلاف من اللاجئين
السوريين في معسكرات داخل تركيا. أكثر
من ذلك تقول المصادر التركية لصحيفة
"راديكال" إن مرحلة "مشاركة
تركيا في التدخل الدولي" في إطار
مفهوم "التدخل الإنساني" الذي بدأ
بعد المجازر التي شهدتها رواندا، كان
موضع نقاشات وتقييمات تركية واسعة على
الصعيد الرسمي، كما كان في صلب الاتصال
الهاتفي الذي تم بين رئيس الحكومة
التركي رجب طيب اردوغان والرئيس
الأميركي باراك أوباما. وتبعا لذلك قال
المسؤول التركي الرفيع المستوى إن
اردوغان طلب من أوباما تأجيل مطالبة
الرئيس السوري بالتنحي ريثما تنتهي
المهلة المعطاة للأسد لتحقيق وعوده
بالإصلاح. وقال المسؤول إن تحديد مهلة
زمنية هو من باب الضغوط على الأسد
ليكون لإنذار غول مفعوله. وقال المسؤول
التركي الرفيع المستوى، الذي طلب عدم
ذكر اسمه، إن تركيا كانت إلى ما قبل
ثمانية أشهر في علاقة تجسدت باجتماع
مشترك لحكومتي البلدين وإلغاء تأشيرات
الدخول. وإذا كان من مسؤول على المستوى
المتدهور الذي بلغته الآن فهو الأسد
الذي يخادع شعبه. ورفض المسؤول اختباء
الأسد وراء رفض التدخل في الشؤون
الداخلية السورية لتبرير انتهاكه حقوق
الإنسان. وقال إن "إعلان حقوق
الإنسان العالمي" واضح في هذه
النقطة، وان تركيا لا يمكن أن تكون
صديقا لإدارة تواصل قمع شعبها. وتعيد
أوساط تركية معارضة أن قرار اردوغان
وداود اوغلو الذهاب بصحبة زوجتيهما
إلى الصومال مساء الخميس المقبل
لإظهار التضامن والدعم للجائعين هناك
يأتي في إطار التحضير وتهيئة المناخ
"الإنساني" للتدخل التركي في
سوريا بذريعة حماية حقوق الإنسان. وكان
لافتا وخطيرا في تصريحات المسؤول
الرفيع المستوى لصحيفة "حرييت"
أنها تتطابق مع النزعة التي أطلقها
اردوغان في بداية الأحداث في سوريا وهي
العزف على الوتر المذهبي، عندما ذكر
المسؤول المذكور أن الحكم في سوريا هو
في يد أقلية علوية على صلات قربى مع
الشيعة في المنطقة وإيران. وانطلاقا من
ذلك فإن الدعم الإيراني الشيعي لدمشق
هو من عوامل استعداد تركيا للمشاركة في
تدخل عسكري ضد سوريا كما قال المسؤول
التركي الرفيع المستوى. من جهتها، قالت
صحيفة "زمان" أمس إن احتمالات
مشاركة تركيا في عقوبات على النظام
السوري ستكون عالية بعد انتهاء شهر
رمضان، حيث أيضا ستزداد ضغوط الغرب على
روسيا والصين والهند لتعديل موقفها من
الوضع في سوريا. في هذا الوقت جدد زعيم
حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال
كيليتشدار اوغلو حملته على سياسة
اردوغان تجاه سوريا، قائلا إن على
تركيا ألا تكون طرفا في أي تدخل عسكري
في سوريا. وانضم إلى انتقاد سياسة
الحكومة زعيم حزب الحركة القومية
المتشددة دولت باهتشلي متهما اردوغان
بأنه يعمل لحساب القوى الكبرى في
المنطقة، رافضا أي تدخل عسكري تركي في
سوريا. ==================== اوكتافيا نصر
النهار 15-8-2011 ما هي المدينة التالية التي ستلقى نصيبها
من الهجوم السوري؟ أي "عدو"
ستواجه سوريا هذا الأسبوع؟ أي واحدة من
ترساناتها ستستعمل في معركتها ضد
نفسها؟ أي كابوس ستزرعه في قلوب شعبها؟ كم مواطناً سورياً سيموت بعد قبل أن يدرك
الرئيس بشار الأسد أنه حان الوقت
ليعتدل او يعتزل؟ بعد الكثير من المدن السورية، بدأت
الزوارق الحربية السورية قصف اللاذقية.
وقد أعرب سكّان المدينة الساحلية عن
شعورهم بالخوف والقلق، فيما تحدّثت
التقارير الإعلامية عن "قصف الزوارق
الحربية الثقيلة" المدينة الأحد،
وأوردت "بي بي سي" أن مرفأ
اللاذقية تعرّض ل"هجوم عسكري دموي".
لقي كثرٌ حتفهم من جرّاء الهجمات،
ويخشى الناس أن الأسوأ لا يزال
ينتظرهم؛ فالكلام عن احتمال حصول
إبادة لم يعد بعيداً من الواقع. في وجه
الهجوم المتواصل والمتصاعد، يبدو أن
المعارضة للرئيس الأسد تنمو داخلياً
وخارجياً. بعد خمسة أشهر من انطلاق الانتفاضة
السورية، ثمة أمر أكيد: الرئيس الأسد
في مأزق لكنّه متمسّك بالسلطة وهو
مستعدّ للذهاب الى النهاية في استخدام
كل الوسائل العنفية المتوافرة لديه.
إنه يطبّق القول العربي المأثور "يا
غالب يا مغلوب" ولا يقبل بحل وسط بين
الاثنين. بعبارة أخرى، لا يهمّه التوصل
إلى تسوية للنزاع يخرج الجميع منها
منتصرين. ومن المؤكّد أنه لا يهمّه أن
تخرج سوريا منتصرة. فعلى غرار نظرائه،
ولا سيما منهم صدام حسين وحسني مبارك
وعلي عبدالله صالح وسواهم، يعتقد أنه
يستطيع أن يكون الفائز الوحيد. وكانت دول الخليج قد استدعت في وقت سابق
سفراءها في دمشق احتجاجاً على لجوء
النظام السوري إلى القوّة ضدّ شعبه.
وأصدر العاهل السعودي إدانة شديدة
اللهجة، فيما دعت تركيا إلى وقف العنف
فوراً. تزداد سوريا الأسد عزلةً، ومع
ذلك ليست ثمة مؤشرات لانحسار العنف على
الأرض، ولا تلوح في الأفق أي نهاية
منطقية للأزمة. تحتل سوريا صدارة الاهتمامات على شبكات
التواصل الاجتماعي مثل "فايسبوك"
و"تويتر" و"يوتيوب". يبدي
الناشطون عبر هذه المواقع دعماً قوياً
جداً للبلاد وشعبها. لا يمكن تجاهل
المعارضة التي ترفع صوتها عالياً ضد
بشار الأسد في أنحاء العالم. تشكّل هذه
الشبكات فسحة يتشاطر فيها المشتركون
الأخبار وأشرطة الفيديو والمعلومات
والمستجدّات. من خلالها ينفِّسون
غضبهم وينظّمون حملات للتضامن مع
معاناة الشعب السوري والشعوب الأخرى.
الأهم هو أن شبكات التواصل الاجتماعي
تتيح للجميع التعبير عن آرائهم، وكثرٌ
لا يوفّرون جهداً لاستخدامها. خلال شهر رمضان الكريم، ركّز الناشطون
جهودهم على تسليط الضوء على الهجوم
الذي شنّته القوّات السورية على مدينة
حماه، وأطلقوا عليه اسم "مجزرة هلال
رمضان". والأسبوع المنصرم شنّوا
حملة بعنوان "سوريا تنزف". يبدو أن
التطوّرات في سوريا ستظلّ الخبر
الرئيسي هذا الأسبوع، فيما تستمرّ
الأنباء عن إصدار الأسد أوامر بإرسال
الدبّابات إلى القرى بينما يتواصل قصف
المدنيين جواً وبحراً. لقد أصبحت سوريا بكاملها مقبرة للكثير من
المدنيين الأبرياء، وحيث من يُفترَض
فيهم أن يؤمّنوا الحماية للشعب هم من
يصدرون الأوامر ويرتكبون المجازر. في
مرحلة ما، سيُدرك منفِّذو الأوامر
أنهم يقتلون شعبهم وعائلاتهم. وعندئذٍ
سينعطفون ويتمرّدون على من يصدرون
الأوامر. يجب أن يشعر الأسد بالخوف،
لأنه يبدو أن هذا اليوم لناظره قريب. ==================== "الربيع العربي
الاسلامي" والأقليات المسيحية
والإسلامية! سركيس نعوم النهار 15-8-2011 ... أي مصير سيكون لمسيحيي لبنان اذا سقط
الرئيس السوري بشار الاسد جراء
الانتفاضة الشعبية على نظامه الذي
أسسه الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1970؟
وأي مصير سيكون للأقليات في لبنان
وكذلك في المنطقة، اسلامية كانت أو
مسيحية، في حال انتهى "الربيع
العربي" الى جعل الاسلاميين
المتنوعين اصحاب السلطة فيه وفيها؟ ... وأي مصير سيكون لليبراليين العرب
المؤمنين بالدولة المدنية وبالنظام
الديمقراطي اذا نجحت تركيا "حزب
العدالة والتنمية" الاسلامي في
اقناع اميركا بعدم معارضة أو بتسهيل
وصول "اسلامييها" العرب الى
السلطة في دولهم لأنهم سيكونون
معتدلين مثلها ولأنهم سيكونون خير
معين لها وللعالم كله، كونهم ينتمون
الى الغالبية في العالم الاسلامي في
مكافحة الارهاب الاصولي الذي صار
عنوانه اسلامياً رغم ارهاب الاصولية
المسيحية الذي بدأت تشهده مجتمعات
اوروبية متقدمة، وربما في حل ازمة
الشرق الاوسط. وهؤلاء الليبراليون
ينتمون الى الغالبية والاقليات في
الاسلام، كما ينتمون الى الاقليات
المسيحية؟ هل الاسئلة المطروحة أعلاه في محلها؟ وهل
من اجابة واضحة وشافية عنها؟ لا شك في ان السؤال الأول يعكس مباشرة أو
مداورة اموراً ثلاثة. الأول، هو ان
النظام في سوريا ورغم "بعثيته"
القومية ينتمي في شكل ما الى الاقليات.
والثاني، هو انه حمى الأقلية التي
ينتمي اليها اصحاب الأمر والنهي فيه
والأقليات الاخرى وفي مقدمها المسيحية.
والثالث، هو ان الخطر على الاقليات في
سوريا من مسلمة ومسيحية انما ينبع من
الغالبية الاسلامية وخصوصاً بعدما
سيطر على قطاعات واسعة منها فكر "اخواني"
او "سلفي" أو "قاعدي" أو "مجاهد"
متطرف. ولا شك ايضاً في ان السؤال الأول
يعتبر ان وجود سوريا في لبنان مباشرة
ومداورة عسكرياً وامنياً وسياسياً
واجتماعياً قرابة ثلاثة عقود،
واستمرار نفوذها فيه رغم خروجها
العسكري والامني منه عام 2005 ، لا شك في
انه حمى، وإن من دون ان يذكر ذلك،
اقليات لبنان وفي مقدمهم مسيحييه.
والامور الثلاثة المذكورة اعلاه لا بد
من التدقيق فيها لأن ظاهرها قد يوحي
بصحتها، في حين ان باطنها يرخي ومن دون
ادنى شك ظلالاً سميكة على هذه الصحة.
فنظام آل الأسد لم يبدأ نظام اقلية، بل
بدأ نظاماً بعثياً قومياً عربياً ذي
هموم متنوعة، منها داخلي ويركز على
اعطاء دور مهم للأقليات في القرار
السياسي بل الوطني من دون مصادرة دور
الغالبية أو القضاء عليه، ومنها
اقليمي ويتعلق بالقضايا والمشكلات
والأزمات العربية. وكان في الشق
الداخلي من همومه نوع من رد الفعل على
ممارسات قديمة جداً أو أخرى حديثة حيال
اقليات معيّنة وتحديداً حيال دورها
السياسي والوطني. لكن مع الوقت فقد
النظام بسبب الممارسة، وبسبب اصحاب
المصالح من أهله، وبسبب انتشار
الافكار الاصولية المتطرفة غير
المتسامحة مع الاقليات او غير
المعترفة بها، وكذلك بسبب مواقف جهات
اقليمية واحياناً دولية، الثنائية
المشار اليها اعلاه وتحوّل عملياً
نظام اقلية. الا ان التحول هذا في "هوية"
النظام لا يعني ابداً ان الاقليات في
سوريا ومنها المسيحيين تساوت مع
الاقلية الحاكمة. فالدور والقرار
والسلطة والأمن والاقتصاد انحصرت في
ايدي الاخيرة وإن شاركه في التنفيذ
اشخاص او جهات من الاقليات الاخرى. وقد
حصلت الاخيرة جراء ذلك على الحماية،
وعلى ضمان ممارسة دياناتها او مذاهبها
ونوعية حياتها وعلى اعمالها. اما في
لبنان، فإن المسيحيين خسروا دورهم
الأول في البلاد لأنهم اساساً لم
يكونوا واقعيين فتمسكوا بمكاسب
وضمانات وامتيازات لا قيمة لها في ظل
تغير الميزان الديموغرافي، ولم
يحاولوا التوصل مع المسلمين (غالبية
واقليتان) الى عقد وطني ثابت ونهائي.
لكن من ساعد على خسارتهم اياه كانت
سوريا الاسد عقاباً لهم على رفضهم ان
يكونوا مثل مسيحييها، اي ابناء النظام
وداعميه ومنفذين لسياساته حتى
المتعلقة بوطنهم من دون ان يكون لهم
دور فيها. علماً ان جهات اخرى عربية
واقليمية ساهمت في هذا الأمر ايضاً ولم
تمانع فيه سوريا! فهل يعني اصحاب
السؤال الاول انهم يقبلون وضعاً كهذا
في بلادهم اذا استمر نظام الاسد
واستعاد نفوذه اللبناني عبر اقلية
اسلامية كبيرة وقوية في آن واحد؟ وهل
يدعون الى السير مع حلفائه في لبنان
والى مواجهة اخصامه الذين هم اقلية
كبرى فيه ارغم انتمائها الى الغالبية
في محيطه؟ وهل يضمن ذلك مصالح لبنان؟ انطلاقاً من السؤال الأول والتعليق عليه،
هل يمكن الخوض في ماذا ينتظر مسيحيي
لبنان؟ وماذا عن السؤالين المتعلقين
بالليبراليين والاسلاميين؟ ==================== مطلوب موقف مصري - خليجي
حازم إزاء النظام السوري د.خالد الحروب – جامعة كامبردج الدستور 5-8-2011 لم يعد بالإمكان قبول اي مسوغ للصمت
العربي المخجل إزاء ما يحدث من جرائم
يرتكبها النظام في سوريا واجهزته
الامنية ضد المواطنين العزل في المدن
والحواضر السورية. ما قتلته تلك
الاجهزة تجاوز بكثير ما قتلته إسرائيل
في حربها المجنونة ضد قطاع غزة في
اواخر عام 2008. الصمت العربي المدوي
يوفر المبرر للشلل الدولي الذي لا زال
يسم اي موقف او تحرك تجاه المجزرة
اليومية التي يشهدها العالم في سوريا.
الموقف المتخاذل الذي تتخذه روسيا
والصين يتذرع بالموقف العربي, ويقول لا
يمكن ان نكون حريصين على الشعب السوري
اكثر من العرب انفسهم الذين لا حس لهم
ولا خبر. الموقف الاوروبي الذي يحاول
ان يتطور بإتجاه موقف ابعد عن النفاق
والتردد المُعتاد يواجه نفس المعضلة.
في الجوار الشرق اوسطي, العرب يراقبون
تركيا وخطواتها وحركاتها وتصريحات
قادتها حول الشأن السوري ويتصرفون
وكأن ما يحدث لا علاقة لهم به ولا يؤثر
عليهم من قريب او بعيد. خلاصة ذلك كله
هو الانتهاء إلى مشهد مأساوي يُترك فيه
الشعب السوري لرحمة المواقف والتدخلات
الغربية وخاصة الامريكية. عندما يتخاذل العرب عن نصرة الشعب السوري
في مواجهة نظام لا يتردد في ارتكاب
ابشع المجازر ضده وفي دك مدنه العزلاء
بالدبابات التي لم تعرف طريق الجولان
منذ اربعين سنة يصبح الحل الوحيد هو
التدخل الخارجي. لا يريد اي عاقل ان تصل
الامور في اي بلد عربي لمرحلة التدخل
الخارجي الذي له سمعة وتاريخ سيىء في
المنطقة ماضيا وحاضرا. وما يتمناه كل
محب لسوريا ولكل وطن من الاوطان
العربية ان تتحرر من الطغيان والقمع
والدكتاتورية على ايدي ابنائها وفقط,
كما حدث في تونس ومصر. لكن ماذا يمكن
للشعوب ان تعمل بعد ان تثور سلمياً
لشهور مديدة وتقدم زهرات شبابها
وفتيانها شهداء على مذبح الحرية في وجه
انظمة تعلن انها مستعدة لإبادة مدن
وتدميرها على رؤوس ساكنيها, ولا ترعوي
في استخدام كل انواع الاسلحة لطحن
شعوبها, كما في ليبيا وسوريا واليمن؟
اين هو الحل السحري الذي يمكن ان يُقدم
لهذه الشعوب لفك المعادلة المستحيلة
التي تفرضها الانظمة الباطشة عندما
تتعامل مع سلمية الثورات بوحشية
وشراسة تفوق التوقع بل والخيال. من كان
يدور في خياله مثلا ان النظام في سوريا
سيقدم على قصف حماة مرة ثانية
بالدبابات بعد جريمته التاريخية
والشهيرة في اوائل الثمانينيات حين
أباد عشرات الالوف من ابنائها؟ كيف
يمكن التعامل مع انظمة تحولت إلى مجرد
عصابات مافيا لا هم لها إلا نهب مقدرات
البلدان وثرواتها واستعباد الناس
وتحويلهم إلى خدم؟ المعادلة المستحيلة التي واجهها الشعب
الليبي عندما اعلن القذافي حرب
الابادة عليه هي ذاتها التي يواجهها
الشعب السوري اليوم: إما الاستسلام
للإبادة وإما التدخل الخارجي. والذين
يتوترون من فكرة التدخل الخارجي
موقفهم وتوترهم مشروع, لكن اين هو
البديل الذي يمكن ان تحتمي به الشعوب
من نار دكتاتورييها وقمعهم؟ النار
التي احرقت الليبيين فيما الكل
يراقبهم قبل صدور قرار مجلس الامن الذي
كان يسابق قوات القذافي المتقدمة إلى
بنغازي مستهدفة إراقة دماء اهلها بيتا
بيتا وزنقة زنقة. ألم يكن غريبا ومدهشا
ومحزنا ومؤلما ومريرا في آن معاً ان
تجأر حناجر مئات الالوف في ميدان
بنغازي بالدعاء وهم يراقبون شاشات
التلفزة الكبيرة تنقل مداولات التصويت
على قرار التدخل الغربي لأن يكون
التصويت لصالح ذلك التدخل؟ لكن من
يمكنه ان يلوم الليبيين وقد انسدت
السبل امامهم؟ ومن يمكنه ان يلوم
السوريين اليوم وكل الطرق تنقطع بهم,
واهمها طريق اخوانهم العرب؟ حتى لا يترك السوريون يواجهون معادلة
مستحيلة اخرى, حيث النظام من امامهم
والتدخل الخارجي من ورائهم لم يبق إلا
فرصة اخيرة تتمثل في موقف مصري خليجي
مشترك وحازم ضد بطش النظام. صحيح ان مصر
تواجه مشكلات من العيار الثقيل داخليا,
لكن هذا يجب ان يبقيها على الهامش في
السياسة الاقليمية وفي التقدم نحو
مواقع القيادة في المنطقة. كما ان
توجيه النظر إلى مجلس التعاون الخليجي
مرده إلى ان النظام العربي متهالك
اليوم وليس فيه كتلة شبه متماسكة إلا
الكتلة الخليجية. وصحيح ايضا ان هناك
احتقانات كثيرة فيها وبين بلدانها, وان
عددا منها عانى هو الاخر من ثورات
وتمردات وبعضها لا زال كامنا تحت السطح,
لكنها بصورة نسبية ما تزال على قدر من
الاستقرار يتيح لها اتخاذ موقف موحد.
وكما كان الموقف الخليجي هو المساعد
الاساسي للشعب الليبي الذي افسح
المجال لقرار مجلس الامن بالتدخل, فإن
موقفا خليجيا (ومصريا) مشابها بات
مطلوبا اليوم إزاء سوريا. سيقول قائل
هنا ان مثل هذا الموقف لن يكون سوى غطاء
لتمرير التدخل الخارجي الغربي, لكن هذا
القول لا يتعدى السجال الذي لا معنى له
في وقت يواجه فيه السوريون آلة بطش
النظام يوميا ويسقط منهم شهداء
بالعشرات كل اسبوع. المهم هنا ان يتبلور موقف عربي يقدم
للسوريين يد العون ويثبت لهم بأنهم
ليسوا وحيدين وان مصيرهم ليس متروكاً
بالكلية لكل الاطراف غير العربية: من
واشنطن, إلى بروكسل, إلى موسكو, وبكين,
وصولا إلى طهران وانقرة. يفيد مثل هذا
الموقف في إحتلال مساحة من الفراغ
القيادي القاتل الذي تعاني منه
المنطقة في ظل غياب الدول العربية وهو
فراغ يغري الآخرين وفي مقدمتهم إيران
وتركيا وحتى إسرائيل كي تملأه وتتحرك
فيه بكل حرية ووفقا لمصلحة كل منها. على
دول الخليج ومصر ان تعي ان المنطقة في
طور حراك دراماتيكي حاد وتتشكل بسرعة
كبيرة وان مصلحتها والمصلحة العربية
تحتم عليها ان لا تقف موقف المتفرج من
الاحداث الكبرى التي تتسارع في
المنطقة وعلى رأسها الحدث السوري
الراهن. ==================== الإصلاح السوري بين «البيضة»
وكرة «البونغ بونغ»؟! رجا طلب الرأي الاردنية 15-8-2011 من الواضح تماما ان الرئيس السوري ونظامه
مصممان على الاستمرار في اتباع الحل
الامني الى النهاية، وكلمة النهاية
هنا تحمل معنيين، فاما الاجهاز على
الثورة الشعبية المستعرة منذ اكثر من
اربعة شهور او انهيار النظام بالكامل،
ومن شبه المؤكد انه ليس في وارد النظام
التوقف في منتصف الطريق او في اخره بعد
ان اقدم على ما اقدم عليه من قتل وتنكيل
وقصف للقرى والمدن بالدبابات وخاض
حربا حقيقية ضد شعبه الاعزل مسجلا
سابقة تاريخية اخرى تضاف الى سابقة
توريث الحكم في نظام من المفترض انه «جمهوري
- حزبي» انها سابقة خوض دولة مٌحتلٌ جزء
من ارضها حربا ضد شعبها لمطالبته
بالحرية في الوقت الذي تعللت وعلى مدى
اربعين عاما بألف علة وعلة للتهرب من
خوض حرب ضد عدوها ومحتل ارضها لتحرير
تلك الارض. هذا الاصرار رغم كل الاضرار السياسية
والاقتصادية التي الحقها بالدولة
السورية، يدلل على ان النظام يراهن على
ما يلي: اولا: الموقف الإيراني المستنفر حد الحرب
في توفير كل سبل الدعم للنظام امنيا
واقتصاديا ولوجستيا، ووجود قناعة لدى
النظام من ان سقوطه او ضعفه هو
بالضرورة ضعف مباشر لايران ولحزب الله
ولمشروعهما بالمنطقة. ثانيا: الرهان على النظرية القائلة بان
المجتمع الدولي وتحديدا مجلس الامن
وبسبب موقف كل من روسيا والصين لن يكرر
تجربة الموقف المتخذ ضد العقيد
القذافي، والرهان على ان الوضع
الجيوسياسي لسوريا لا يسمح بتدخل دولي
عسكري على غرار الحالة الليبية. ثالثا: ايمان النظام المطلق بالحل الامني
وبان فائض القوة والعنف المتوفرين لدى
اجهزته الامنية والعسكرية قادران على
تكسير ارادة الجماهير بل وانهائها،
وقناعة راس النظام وقادة الاجهزة
الامنية بان الجماهير لن تستطيع
الاستمرار في «لعبة الموت المجاني». وبالمقابل يدرك النظام ان البنية
التاريخية له هي بنية شمولية تأسست على
حكم مطلق غطاؤه الخارجي حزبي وجوهره
عائلي - طائفي والية حمايته 12 جهازا
امنيا تمارس اقسى انواع القمع، فهي غير
قابلة للاصلاح وبالتالي فان دعوات
الاصلاح تعد عمليا دعوات صريحة من اجل
ان يقدم النظام على نحر ذاته، لذا كانت
كل وعود الاصلاح في الخطب والبيانات
الرسمية تأخذ بعدا عمليا على الارض
يتمثل في زيادة منسوب الموت للجماهير
المطالبة بالحرية. يقول المفكر العربي فؤاد زكريا في كتابه «مقامرة
التاريخ الكبرى: على ماذا يراهن
غورباتشوف؟» الصادر عام 1990 والذي كرسه
لدراسة مستقبل المعسكر الاشتراكي بعد
بروز ظاهرة غورباتشوف واتباعه ما سمى
بسياسة «البيريسترويكا» اي اعادة
البناء يقول ان غورباتشوف لن ينجح في
تجديد خلايا جسم الاتحاد السوفياتي
لان هذا الجسد حتما سوف يموت، ويشبه
الفرق بين وضع الدول الرأسمالية
وامكانية تجديد نفسها والدول
الاشتراكية والشمولية تماما مثل
الفارق بين البيضة وكرة «البنج بونج»
(... وفي وسعنا ان نوضح الفارق بين
الحالتين بالمقارنة بين كرة الطاولة «البونج
بونج» والبيضة، فالاولى تقفز وترتد
سليمة اذا اسقطت او ضربت، والثانية
تنكسر وتسيل بمجرد ان تصطدم قشرتها باي
جسم صلب». ان اي اصلاح للنظام في سوريا سوف يكسره
ويحطمه تماما كما هي البيضة وهي حقيقة
يدركها النظام جيدا لذلك يراهن على
الدم بديلا عن الاصلاح. ==================== النظام السوري: سلطة
الأيديولوجية ونكران الشعب خلود الزغير القدس العربي 15-8-2011 في أحد مطاعم باريس كنا ثلاثةُ سوريين
نتبادلُ الطعام وأسباب الثورة
ومآلاتها مع الشباب التوانسة
والمصريين الذين أنجزوا المرحلة
الإنقلابية من ثورتهم على الاستبداد
وبدأوا الآن مرحلة البناء السياسي
للدولة. بعد ساعاتٍ من التحليل السياسي
والاجتماعي والفلسفي لبنيةِ النظام
والمجتمعِ السوري وسؤالٍ وجّه لنا
أعادنا لنقطةِ البداية من الحديث: نحن
لا نفهم كيف بعد كل هذه المجازر
والإعتقالات والتعذيب لا يزال هناك
موالون للنظام في سورية؟ ماذا فعل
النظام السوري بالشعب غير ما فعله
مبارك وبن علي ليبقى لديه حتى الآن من
يدافع عنه ويغني ويرقص له؟ حينها كان من الصعب علينا، نحن السوريين،
إعادة الكلام بذات الخطاب التحليلي
الأول للوعي وبنية النظام وسلطة
المعرفة وسلطة الأيديولوجية التي
مارسها النظام لأكثر من أربعين عاماً
وبنفس اللغة السياسية والفلسفية التي
بدأنا بها النقاش. لذلك خرج من أحدنا
بشكل عفوي، كما يقال، نشيد الطلائع: 'للبعث
يا طلائع.. للنصر يا طلائع...' وختمناه
بالصيحة الطلائعية طبعاً : 'تشرينُ
أقبل..الخ'، ومن ثم غنينا لهم نشيد
الشبيبة(لنرفع الجبين للأبد..شبيبة
لحافظ الأسد..ونرخص الدماء في موطن
الفداء ونمتثل عقيدة الرفيق حافظ
الأسد وننتمي لكبرياء حافظ الأسد'،
وأغنية: 'حماكَ الله يا أسدُ سلمتَ
وتسلمُ البلد وتسلمُ أمّةٌ فخرت بأنك
فخرُ من تلدُ' وباقة من الأغاني 'الوطنية'
كما يقال لنختتم السهرة بترديد الشعار
الصباحي مكررين هتاف 'قائدنا إلى الأبد:
الأمين حافظ الأسد' ثلاث مرات كما كنا
نفعل كل صباح لأثني عشر عاماً في
المدرسة. عندها حاول الأشقاء العرب الذين كانوا
للتو يشكون ويبكون من الدكتاتورية
السابقة لديهم التغلب على دهشتهم مما
سمعوا وقالوا لنا نحن الآن متفاجئون من
السوريين الذين ينزلون ضد النظام وليس
العكس كيف تخلص هؤلاء المتظاهرون من
عمليات غسل الدماغ الممارسة ضدهم كل
هذه السنين؟ حقيقةً إن ما فعله النظام السوري زيادةً
على إفقار مبارك للشعب المصري وقمعه،
وزيادةً على تسلط واستبداد واحتكارات
بن علي السياسية والإقتصادية هو
امتلاكه لِ'السلطة الأيديولوجية'. تلك
التي حُفرت عميقاً في وعي وسلوك الشعب
السوري عاموديّاً وأفقيّاً، زمنيّاً
ومكانيّاً وعلى كافة قطاعات المعرفة.
وعملت أدوات النظام على ترسيخها
مستعينة ب'دراساتها' وتجاربها مع
السوفييت والألمان. فمن قراءة سريعة للمناهج المدرسية،
لأغاني الأطفال المدرسية، لأغاني
المراهقين المدرسية، للخطاب الجامعي،
التلفزيوني، الصحفي، الإذاعي، لخطاب
مؤسسة العمل أيّاً تكن وبنظرة للشارع
الذي نعبره في أي حارة بسورية سنجد
أننا مخترقون محاصرون مصفوعون بشعار'سورية
الأسد' أو ' أبدية النظام'. هذا الشعار
الذي تم تمريره ضمن خطاب كل هذه
المؤسسات وأدواتها. بحيث أنّ هذه
الخطابات ومؤسساتها هي بنفس الوقت
كانت الأدوات التي مارس بها النظام 'سلطته
الأيديولوجية'. وعبر التاريخ الطويل
الذي جمع النظام مع الشعب السوري
نستطيع ربما استشفاف النظرة التي رأى
بها هذا النظام لشعبه منذ وصوله للسلطة
وحتى هذه اللحظة. باعتقادي حين وصل الفصيل العسكري للبعث
بحركته الانقلابية لكرسي الحكم في
سورية، قادماً من خارج المؤسسة
السياسية المدنية، فإنه تشكّل كنظام
سياسي خارجياً وأمني - عسكري داخليّاً،
لم يستطع النظر للشعب السوري كمواطنين
لأنهم ببساطة لم ولن ينتخبوه، كما أنهم
لن يشاركوه لا الدولة ولا مؤسساتها ولا
مناصبها. لذلك نظر النظام للشعب السوري
ك'كائنات' أقل من بشرية موجودة حُكماً
على هذه المزرعة يتوجب الاستفادة منها
لشرعنة الزعامة والقيادة أوّلاً،
ولتضخيم الثروة ثانياً. لكن قبل هذا
الاستثمار كان يستوجب تطويعهم
وأدلجتهم لضمان ولائهم وصمتهم، من
خلال ممارسة 'سلطته الأيديولوجية'
المتمثلة بِ(البعث) القائم على الخلطة
السحرية آنذاك المكوّنة من الإشتراكية
المُكتسِحة العالم أجمع، والقومية
العربية العاصفة بقلب ومشاعر كلّ
عربيّ. فتقدم النظام - البعثي في
شعاراته- كعرّاب لهذه الأفكار واضعاً
نفسه في مقدمة الصف العربي المدافع عن
قضايا الأمة خارجياً، وممارساً بنفس
الوقت أدلجةً منقطعة النظير لهذه 'الكائنات'
السورية حيث اجتاح عالمها بصوره
وشعاراته التي ترفعه لمصاف الآلهة،
ومصادراً حياتها من أول دخول لها في
المجتمع إلى خروجها من الحياة حيث وضعت
الصور حتى في بيوت العزاء لضمان 'كائنات'
صالحة ومطيعة ومسالمة. في المرحلة الثانية وبعد أن اطمأنّ
النظام من نجاح عملية الأدلجة، بدأ
ينظر للشعب ك 'أشياء' يمكن توظيفها في
مهمات تخدم مصالح داخلية أو خارجية.
لذلك كنا نجده بهاتف فقط يطلب مظاهرة
مليونية من أجل مسألة ما تخص الرأي
العالمي أو لإبراز جماهريته، فنجد
خلال ساعات قليلة الملايين نزلوا
بلافتات وشعارات لم يقرأوها أو يطلعوا
عليها ليهتفوا بحماسة منقطعة النظير
ويغنوا ويفدوه بالروح والدم!! إنهم
أشياؤه التي يحركها ساعة يشاء. وكلما
زار مسؤول صغير أو كبير مبنى أو مؤسسة
تُستخدم مجموعة 'أشياء' طلابيّة،
عماليّة أو فلاحيّة لاستقباله ووداعه
في مشهد أكثر ما يؤسس لنخبوية أزلام
النظام وشيئيّة الشعب. كما أن النظام
بشرعنته للفساد كنمط حياة أصبحت 'الأشياء'
السورية بالنسبة له وقود عمليات
الفساد والرشوة وفي مرحلة لاحقة كبش
الفداء لرجالاته. فهي ببساطة 'أشياء'
ليس أكثر. أما في المرحلة الأخيرة، وفي العقد
الأخير تقريباً وبعدما وصل النظام
لمرحلة من الترف النخبوي والنرجسية
السياسية، فإنه لم يعد ينظر للشعب
السوري ك 'كائنات' أو ك 'أشياء' بل أصبح
هذا الشعب بالنسبة له يساوي 'العدم' فهو
لا يكترث به ولا يراه أصلاً. لذلك ما يثير النظام اليوم ويستفزّه ليس
تمرّدُ العبد على سيّده، بل تمرد 'العدم'
على 'الوجود الأبدي' وصدمة هذا النظام
بوجود آخر لا يكتفي اليوم ببضعة طلبات
يرميها له، بل يريد إسقاطه وإعادة
إدخاله لمنطق الوجود السياسي من جديد
عبر الديمقراطية التي ستسقطه حتماً. ربما يمكننا فهم استسهال القتل الجماعي
والتعذيب المفزع بحق الإنسان-المواطن
إذا فهمنا رؤية النظام لشعبه من خلال
عدم الاعتراف به كوجود له حقوق، ومن
خلال احتقاره لشعبه ودعسه بالأحذية
والتشهير به حيّاً أو ميّتاً الذي بدا
جليّاً في الاتهامات الموجّهة
للمتظاهرين بدءاً من 'الحثالة'
انتهاءاً ب 'خونة' يستحقون القتل
والسحق. يظهر عدم الإكتراث والتجاهل أيضاً في
خطوة 'الإصلاحات' المزعومة، فكان كمن
يقدم هذه 'الإصلاحات' بيديه للشعب
بينما رأسه وعيناه تنظران باتجاه
الغرب لتلقّف نظرة الرضا. فهو يدرك
والشعب كذلك، الوزن الشكلي لها-
الاصلاحات- على الأرض وأنّها لن تغيّر
شيئاً طالما هو وأجهزته الأمنية وحزبه
يمسكون بالسلطة والمجتمع، لكن النظام
ربما كان يأمل من صدىً لإصلاحاته في
الإعلام من مبدأ تسجيل نقطة بحيّز
الحركة. ولم تكن زيارات المعلم للعراق
وغيره أو قوانين الأحزاب والانتخابات
المشروطة ومناوشات جبهة الجولان غير
بعض هذه 'الحركشات' مع الخارج التي تعكس
أخذ الخارج بعين الاعتبار أكثر من
الداخل، وتجعلنا نسأل إذا كان المطروح
حواراً وطنيّاً شاملاً منذ أشهر
فلماذا النظام يبدو مستعداً لحوار
الخارج لحل الأزمة أكثر من حوار الداخل
الذي يرفض حتى الآن أن يراه؟ هذه العنجهيّة التي يُدير بها النظام
الانتفاضة السورية وهذا التعنّت
والاستخفاف بالدم والشعب السوري حين
نُحيله إلى بنية ووعي وتاريخ هذا
النظام، بإمكاننا أن نتصور أنه اليوم
يمشي بمنهجية تقوم على الإمعان في
الوحشية والإبادة لإجبار السوريين على
تخفيض مطلبهم بحقهم بالحرية إلى مطلب
الحق بالحياة فقط. و بنفس الوقت هذا
النظام الذي لم يعترف بوجود الشعب منذ
أربعين عاماً لازال يراهن اليوم عليه ك
'كائنات' وك 'أشياء' وأحياناً ك 'عدم'
لكنه لم يستوعب بعد أن الروح السوري
عاد يتدفق في جسد الشعب معطياً للنظام
درساً في روح الحرية وروح التاريخ الذي
لا يتوقف تحت أحذية العسكر. ==================== الدرس السوري والممانعة
الأردنية الإثنين, 15 أغسطس 2011 محمد برهومة * الحياة ربما لم تؤثر أحداث القمع الدموي الجارية
في سورية في أيّة معارضة سياسية عربية
كما فعلتْ مع المعارضة في الأردن.
فاليوم يصعب الحديث عن معارضة واحدة،
عُرِف منذ سنوات بعيدة بأنّ أهمّ ما
يجمعها هو الموقف من قضية فلسطين ومن
إسرائيل ومن «جبهة المقاومة والممانعة». هذا ما كان يجمع الإخوان المسلمين مع
اليساريين والقوميين وبعض المستقلين.
اليوم يتغيّر هذا المشهد في شكل كبير،
إذ ثمة «حفنة» قليلة من المعارضة
الأردنية ما زالتْ مقتنعة بأنّ من يقتل
شعبه في سورية يمكن أنْ يكون داعماً
للمقاومة والممانعة وقضية فلسطين!
وأمام حفنة من «المعارضين» يمكن المرء
أنْ يعدّهم خلال ثوانٍ قليلة تجمعوا
أمام السفارة السورية في عمّان
لمناصرة النظام السوريّ، كان يحتشد في
الموقع ذاته آلاف المعارضين
الإسلاميين واليساريين والقوميين
والمستقلين والليبراليين منددين بقمع
«نظام الممانعة والمقاومة». صحيح أنّ بعض هؤلاء الأخيرين تأخروا في
البداية في الإعلان عن موقفهم
الأخلاقي المطلوب تجاه قمع المتظاهرين
في سورية وقتلهم، وصحيح أنهم قد يكونون
غيّروا رأيهم بعد اعتداء النظام
السوريّ على من يشابههم سياسياً في
سورية، أو أنهم ربما خضعوا للضغط الذي
مارسه مثقفون وإعلاميون أردنيون
اعتبروا أنْ لا ثقة في من ينادي
بالإصلاح في الأردن ويعتبره محرّماً
على السوريين، وفي من يندد بتفريق
التظاهرات بالقوة في الأردن ولا يدين
شلال الدم في درعا وحمص وحماه... أقول
ربما يكون هذا صحيحاً، لكنها استجابة
وإنْ تأخرتْ شيئاً ما، فهي خيرٌ من
موقف تلك الحفنة الأردنية المعارضة
التي تتشدّق بقضية فلسطين وتشتم
الصهيونية والإمبريالية التي، في رأي
هذه الحفنة، تخطط لتفكيك سورية وضرب
حصن المقاومة والممانعة عبر أولئك
المتظاهرين السوريين الذين رفعوا
أصواتهم يريدون الكرامة والحرية،
مصممين على فضح أكاذيب شعارات
المقاومة التي تبين أنّ من يحملها يحمل
كذلك سادية وإجراماً وحشياً على أبناء
شعبه إذا هم قالوا: «لا للمذلة»! فهذا الشعار الذي كان «ماركة مسجلة» لحلف
الممانعة، يكتسب اليوم معناه الحقيقي
وهو أنّ القضاء على ذلّ الداخل هو
الطريق إلى التحرر من ذلّ الاحتلال،
وأننا ننصر فلسطين حقاً حين نكون
أحراراً وديموقراطيين في أوطاننا لا
قطيعاً وسبايا في مزرعة من يرفع شعار
المقاومة في يد ويطلق في الأخرى وابل
الرصاص على المدنيين العزّل والأبرياء
من أبناء وطنه. التحدي الآن، أنْ يغدو مبدأ الحرية
راسخاً متجذراً في فكر وممارسات
المعارضة الأردنية التي قالتْ لا
للقمع في سورية، وأن قضية فلسطين لا
تتشرف بمجرمين وشبيحة يقتلون شعبهم،
وبمن يساندهم في إيران وحزب الله
والجبهة الشعبية - القيادة العامة...
وغيرهم. التحدي الآن أيضاً أن يكون «الممانعون
الجدد» ممن أعلنوا أنْ لا معنى لدعم
المقاومة وفلسطين إنْ لم يكن الداعم
ديموقراطياً لا يساوم على مبدأ حقوق
الإنسان وحرياته، هو أنْ يكون «الدرس
السوري» فرصة لإعادة النظر في الكثير
من الرؤى والأفكار والمقولات
والسياسات التي تبنّتها لسنوات
المعارضة الأردنية تحت مبدأ «انصر
أخاك ظالما أو مظلوماً». يساورنا الحلم في أنْ يكون ذلك بعض ثمار «الربيع
العربي»، ونتمنى بأن يكون «الدرس
السوري» قد أحدث انزياحاً فعلياً لا
جزئياً، وأنتج بنية تحتية جديدة ل «ممانعة
جديدة» تقدّس الحرية والإنسان
وكرامته، ولا تضللها الاستثناءات
والشعارات والادعاءات، وتدرك أنّ رسوخ
الديموقراطية والعدالة والتنمية في
أوطان الممانعة وغيرها أهم سلاح نقاوم
به احتلال إسرائيل وعدوانها وبطشها
واستيطانها وتهويدها للمقدسات. ==================== تركيا أمام التحدي
الأصعب لاستراتيجيتها الإثنين, 15 أغسطس 2011 جورج سمعان الحياة من المبكر التكهن بما ستفعله تركيا، إذا
فشلت مساعيها مع دمشق. من المبكر معرفة
الوجهة التي ستسلكها للحفاظ على
مصالحها أولاً قبل استجابة نداءات
المعارضة السورية، بعدما رفضت واشنطن
المهلة التي أعطيت للنظام السوري. فإذا
كان الحراك العربي شكّل ويشكّل
امتحاناً للسياسة الخارجية لأنقرة.
فإن ما يحدث في سورية هو المفصل في
توكيد صحة هذه السياسة أو خطئها
وتعثرها. والسؤال هل يحتمل رجب طيب
أردوغان نكسة كبيرة لمواقفه التي
تنتظر نتائجها الولايات المتحدة
والكثير من البلدان الأوروبية
والعربية... نتائج المحادثات التي
أجراها وزير خارجيته أحمد داود أوغلو
مع الرئيس بشار الأسد؟ الذين يأخذون على تركيا التنسيق مع
واشنطن ينسون أنها لا يمكن أن تجازف
بترك الدول الكبرى تتفرّد ببناء
النظام الإقليمي الجديد. ألم تنفرد
تركيا مع البرازيل في محاولة إبعاد سيف
العقوبات عن إيران قبل نحو سنة؟ فعلت
ذلك للحفاظ على ما بنته من علاقات مع
جارتها الجنوبية. فعلت ذلك لأنها تدرك
معنى اندلاع مواجهة جديدة في المنطقة
وما يمكن أن تلحقه من أضرار بنفوذها
السياسي ومصالحها الاقتصادية
والتجارية. تكفي نظرة إلى العلاقات
النفطية مع إيران لإظهار مدى انخراط
أنقرة في سياسة تحويل البلاد إلى الممر
الأساس للغاز والنفط الآسيوي نحو
أوروبا. ما يعطيها ثقلاً سياسياً.
فضلاً عما يجنيه اقتصادها من منافع
ومداخيل إضافية. تخطط تركيا لرفع دخلها القومي الذي يقرب
اليوم من تريليون دولار، إلى
تريليونين مطلع العقد الثالث من هذه
الألفية. وهي تلعب دوراً أساسياً كأرض
عبور لصادرات الغاز الإيراني إلى
أوروبا. وقال أردوغان باكراً من سنوات
إن بلاده تعتمد على ما تستورده من
إيران وروسيا وسيكون «من المستحيل وقف
هذه الواردات من أي من هاتين الدولتين».
ولكن على رغم أهمية الجمهورية
الإسلامية في المنظومة الاقتصادية
لتركيا، لم تخف هذه معارضتها امتلاك
طهران سلاحاً نووياً عدته دائماً
بمثابة تهديد جدي للأمن في الشرق
الأوسط. فضلاً عن أنه يؤهلها لموقع
متقدم وراجح في النظام الإقليمي. وفي
الإطار نفسه سعت تركيا إلى إقامة منطقة
تجارية واحدة مفتوحة بين بلاده وسورية
والأردن ولبنان. وكان لذلك تأثيرات
إيجابية في اقتصادها، في حين لحق
بالاقتصاد السوري وبعض قطاعاته
الزراعية والصناعية بعض الأضرار. وجاهد أردوغان ويجاهد لتحويل بلاده
نموذجاً ديموقراطياً للعالم
الإسلامي، كما لتلبية شروط الاتحاد
الأوروبي. لذلك، لا يمكنه أن يتغاضى
عما يحصل من أعمال عنف في سورية. لا
يمكنه أن يغض الطرف عن الشأن السياسي،
في مقابل الحفاظ على مصالح بلاده
التجارية والاقتصادية مع سورية وغيرها.
لذلك، كان ثمة شيء من الظلم في رد
مواقفه في أوائل الحراك السوري إلى
دواعٍ انتخابية محلية. ربما استعجل
وتقدم كثيراً على الآخرين، عرباً
وغربيين. مرد ذلك ربما تردده الذي طبع
موقفه الأول من الحراك في ليبيا. دمشق عبّرت عن غضب شديد على المواقف التي
اتخذها ويتخذها. عبّرت عن ريبة وشكوك
مكبوتة ساورت بعض النخب العربية من «إحياء
العثمانية» والعودة إلى إدارة شؤون
المنطقة. وهي في محلها وإن تبدلت
الظروف والتسميات. بالطبع لا يمكن
أنقرة أن تستعيد دور اسطنبول العثماني
في سورية أو في غيرها. لكن الذاكرة
التركية الجماعية لا تزال حية. كان
العثمانيون ينظرون إلى جارتهم
الجنوبية الموقع الاستراتيجي الأهم في
إمبراطوريتهم. أبدى القادة العسكريون
وهم يتراجعون أمام فرنسا وبريطانيا في
الحرب العالمية الثانية، حرصاً كبيراً
على عدم خسارة سورية، «درة التاج
العثماني»، على ما ورد في مذكرات جمال
باشا. يومها ترك الوزارة ليقود الجيش
الرابع، من بلاد الشام إلى السويس.
والهدف منع البريطانيين من العبور إلى
القدس أولاً... وللحفاظ على «درة التاج».
ويومها كان الصراع... على سورية أيضاً. يرغب حزب العدالة والتنمية في إظهار موقع
تركيا الفريد وقيمتها الاستراتيجية
للغرب والاتحاد الأوروبي خصوصاً، من
خلال ديبلوماسية تسعى لجعل تركيا مركز
الاستقرار وسط منطقة تتخبط في شتى
أنواع الاضطرابات، من أفغانستان
وباكستان والعراق، وصولاً إلى المنطقة
العربية كلها. كما أنها تسعى إلى تقديم
نموذج يمكنه أن يوائم بين التحديث وقيم
المحافظة الإسلامية، بين الغرب والشرق
الإسلامي. ولا حاجة إلى التذكير
بالسباق والتنافس اللذين خاضتهما
تركيا في آسيا الوسطى والبلقان والشرق
الأوسط لتوكيد دورها الجديد وموقعها
المؤثر. وكانت خسرت بانهيار الاتحاد
السوفياتي دورها الرادع لهذه القوة
العظمى والركن الجنوبي الأساس لحلف
شمال الأطلسي. لا يمكن أردوغان أن يصم آذانه عن أصوات
المتظاهرين قرب حدوده مطالبين بالحرية
والديموقراطية. يؤمن بلا شك بأنه لولا
هذه الديموقراطية والحريات لما وصل
إلى السلطة عام 2002 وظل متربعاً على
كرسيه بفضلها. فاجأه الحراك في ليبيا.
غلب أولاً المصالح الاقتصادية
واستثمارات بنحو 15 مليار دولار،
والحفاظ على وجود نحو خمسين ألف تركي
في قطاع البناء والمنشآت. لكنه سرعان
ما التحق بالركب الدولي والعربي. غلب
القيم على المصالح. بفضل هذه القيم
يواصل حكمه ويواصل معركته مع المؤسسة
العسكرية التي تراجعت إلى الثكن
نهائياً ربما. وهذا حدث تاريخي بالنسبة
إلى مؤسسة كانت تعتبر نفسها، منذ قيام
الجمهورية في 1923، الحارس الأمين
للنظام، والناظم للسياسة
والديموقراطية والعلمانية وكل قوانين
التحديث التي تبناها كمال أتاتورك. صحيح أن سورية اليوم هي الجسر الذي لا بد
لإيران أن تعبره للوصول إلى المنطقة
والمتوسط، إلى لبنان وفلسطين. صحيح
أنها خط دفاع أمامي ومحوري في الدفاع
عن الوجود الإيراني في العراق. لكن
الصحيح أيضاً أن تركيا ترى إلى جارتها
الجنوبية جسراً إلى لبنان وفلسطين
والأردن وباقي الخليج وحتى مصر. وإذا
كانت لم تهضم ما حل ببعض القوى
العراقية، وعلى رأسها كتلة «العراقية»
بقيادة إياد علاوي، فإنها لا يمكن أن
تسلم بأي حال بخسارة هذا الجسر. خسارته
تعني خسارة قلب سياستها الخارجية،
خصوصاً حيال العالم العربي الذي عبر في
غير مناسبة عن مدى حاجته إليها لإقامة
حد أدنى من توازن القوة مع إيران،
ولمواجهة تمددها في المنطقة. أتبعت تركيا في تعاملها مع إيران حتى الآن
نهجاً توسل الكثير من الصبر وطول
الأناة. وهي تتبع اليوم مع سورية النهج
نفسه. لم يعجبها تخلي دمشق عن موقفها في
العراق لمصلحة نوري المالكي في مواجهة
إياد علاوي الذي كان يحظى بدعم أنقرة
ومعظم العواصم العربية. ولم يعجبها رفض
منطوق الوساطة التركية - القطرية
لتسوية الوضع الحكومي في لبنان. علماً
أن أنقرة لعبت دوراً في التقريب بين
السعودية وسورية قبل سنوات. كما لعبت
دوراً للتقريب بين سعد الحريري ودمشق. بعد هذه التجربة، لا بد أن ثمة شكوكاً في
أن يثمر هذا النهج في تخلي دمشق عن
خياراتها الأمنية في مواجهة الحراك.
وما يعزز فشل المساعي التركية هو عدم
قدرة النظام السوري على التغيير
المطلوب والمقبول، في الداخل قبل
الخارج. حيال احتمال كهذا ما هي
الخيارات المطروحة أمام أردوغان
لإنقاذ سياسته التي بنى عليها كل رصيده
ورصيد حزبه منذ 2002 وحتى اليوم؟ وما هي
الوسائل التي يمتلكها - بعيداً طبعاً
من قوة تركيا العسكرية الثانية بعد
الولايات المتحدة في حلف الناتو -
لتغيير مسار الأحداث والتطورات في
سورية؟ لن يتأخر هذه المرة كما فعل
حيال ليبيا، فالاستراتيجية التركية
على المحك. ==================== سوريا.. اسحبوا السفراء
وجمدوا العضوية طارق الحميد الشرق الاوسط 15-8-2011 يجب ألا يكتفي العرب بالمواقف التي
اتخذوها تجاه وحشية نظام بشار الأسد
بسوريا، بل المفترض أن يكون الموقف
العربي متصاعدا وفقا للتصعيد،
والجرائم التي يرتكبها نظام الأسد بحق
السوريين العزل. فوحشية نظام الأسد فاقت كل معقول، أو
مقبول، حيث يواصل الأسد عملياته
العسكرية ضد السوريين وكل مدنهم، فيوم
أمس وحده قتل النظام قرابة 30 مدنيا على
الأقل، وحتى كتابة المقال، بينهم 26
بمدينة اللاذقية الساحلية التي تحولت
إلى هدف لعملية عسكرية واسعة استخدم
فيها النظام الزوارق الحربية التي
قصفت بعض أحياء المدينة، فما الذي
ينتظره العرب بعد كل هذا؟ المفروض اليوم أن يتحرك العرب، كل العرب،
وتحديدا الدول القادرة، لاتخاذ عدة
خطوات منها سحب السفراء العرب من دمشق،
وتعليق عضوية سوريا في جامعة الدول
العربية، وقد يقول البعض إن العرب قد
ينقسمون حول ذلك، وهذا أمر لا بأس به،
فمن المهم أن تعرف الشعوب العربية
اليوم من الذي يقف مع وحشية الأسد، ومن
الذي يقف ضدها من العرب. المفروض اليوم
أن يلتئم مجلس الجامعة العربية،
المتهالكة أصلا، لتكون الحالة السورية
التجربة الأخيرة قبل المطالبة بحل هذه
الجامعة والبحث عن صيغة أخرى تستطيع
مواكبة الواقع العربي، فيجب أن تجتمع
الجامعة وتصوت على سحب السفراء العرب
من دمشق، وتعليق عضوية سوريا، على أن
يكون التصويت على الهواء مباشرة أمام
السوريين والشعوب العربية، ليتحمل
الجميع مسؤوليته، بدلا من أن يكون
العمل خلف الأبواب المغلقة، ثم يحاول
البعض التجمل أمام الرأي العام
العربي، أو يحاول بث الإساءات عبر
الإعلام. فجميعنا رأينا كيف اتخذت السعودية موقفا
أخلاقيا ومسؤولا عندما وجه الملك عبد
الله بن عبد العزيز خطابه التاريخي عن
سوريا، والذي مثل نقطة تحول بالتعامل
مع الأزمة السورية، حيث بات الغرب
متحركا أكثر لمحاصرة نظام الأسد، لكن
لا بد من تحرك عربي أيضا اليوم، وقد
يكون من المجدي أن تتحرك السعودية
نفسها لدعوة العرب إلى اتخاذ موقف
مسؤول تجاه سوريا، أو تنفضح مواقفهم،
أي بعض العرب، وذلك من خلال دعوة
الجامعة العربية للانعقاد على مستوى
وزراء الخارجية والتصويت على سحب
السفراء العرب من دمشق وتجميد عضوية
سوريا، خصوصا أن العرب قد جمدوا عضوية
ليبيا لمعاقبة القذافي، فلماذا لا
يفعلها العرب مع الأسد الذي فاق وحشية
القذافي؟ بل ولماذا يستبعد الخيار
العسكري لإنقاذ السوريين العزل؟ الإشكالية التي لم يتنبه لها العرب أنهم
باتوا في مأزق أخلاقي، فعندما وقعت حرب
لبنان صيف 2006 هب العرب لإقناع المجتمع
الدولي بضرورة إيقاف العدوان
الإسرائيلي، وتم إيقاف الحرب في فترة
وجيزة، بينما يواصل نظام الأسد ضرب
السوريين ومدنهم برا وبحرا وجوا طوال
خمسة أشهر وأكثر دون أن يوقفه أحد! وعليه، فقبل أن يطالب العرب الغرب، أو
الأتراك، بالتدخل وإيقاف الحرب
الأسدية على السوريين، أو مطالبة
الأسد بالرحيل، فعلى العرب أنفسهم سحب
سفرائهم من دمشق، وتجميد عضوية سوريا
في الجامعة العربية، وذلك أضعف
الإيمان. ==================== حسين علي الحمداني الشرق الاوسط 15-8-2011 بين القلق على مستقبل سوريا، وتوجيه
النصح، ومحاولة تفادي ما يمكن تفاديه
من منزلقات قد تحصل ليس في سوريا وحدها
بل في عموم المنطقة التي تتأرجح ما بين
أزمات سياسية وأخرى اقتصادية قادت إلى
تغييرات جيوسياسية كبيرة في الأشهر
الماضية. بين كل هذا وذاك وجدنا العاهل السعودي
الملك عبد الله يوجه خطابا لسوريا في
وقت أشد حرجا ليس لسوريا فقط بل لعموم
المنطقة، وأيضا يأتي في ظل فقدان
الحكمة لقادة سوريا الذين اتخذوا من
البطش والقمع الحلول التي تكلف الشعب
السوري ثمنا باهظا. من خلال الأحداث
اليومية ليس داخل سوريا وحدها بل في
خارجها أيضا، والتي تمثلت في حراك
المعارضة السورية التي تبدو نشطة جدا،
يضاف إلى ذلك تحركات دولية وإقليمية
لوضع حد للمجازر التي ترتكب بحق الشعب
السوري، نجد أن بيان مجلس التعاون
الخليجي الذي صدر مؤخرا والذي أبدى فيه
قادته قلقهم إزاء الوضع المتردي في
سوريا، يقابله في نفس الوقت البيان
الصادر من مجلس الأمن الدولي الذي يبدي
هو الآخر ذات القلق، يضاف إلى هذا كله
المواقف الأميركية والفرنسية
والبريطانية من نظام الرئيس بشار
الأسد. ما يمكن أن نستخرجه من خطاب الملك أنه لم
يقل كل ما يريد أن يوصله للحكومة
السورية، لكنه ضمنه ما بين الأسطر ما
يمكن أن يتفهمه أي لبيب من أن المجتمع
الدولي، وبخاصة الناتو وبرعاية من
مجلس الأمن الدولي، سيتدخل في الشأن
السوري آجلا أم عاجلا، وبالتالي فإن
المنطقة ستكون مهددة أكثر مما هي الآن،
وربما هذا ما يبحث عنه النظام السوري
الذي يحاول قدر الإمكان قتل الثورة
ومحاولة جرها للتدويل وصناعة حرب بأي
طريقة كانت ومهما كان الثمن. فهل وصل المجتمع الدولي لحالة فقدان
الحلول؟ هل من الصعب أن يقيم النظام
السوري جملة إصلاحات مقنعة من شأنها أن
تقوض أي تحالفات دولية للتدخل في سوريا
عسكريا كما حصل في ليبيا، ومن قبل في
العراق عام 2003، ولكن على ما يبدو أن
النظم الشمولية حين تواجه شعوبها
تحاول جهد الإمكان استنزاف الوقت من
أجل تذويب هوية الثورة أولا، وثانيا
محاولة جر المجتمع الدولي لمتاهات
كبيرة وخطيرة. في ليبيا كان القذافي يخطط لتدويل ثورة
الشعب الليبي، لأن هذا النظام لا يمكن
له أن يتصور أن الشعب قادر على إسقاطه،
ورغم هذا فإنه مستعد للسقوط بتدخل
عسكري أجنبي، هذا السيناريو كان حاضرا
في العراق عام 2003 عندما رفض صدام كل
الحلول التي تجنب العراق ويلات الحرب
والاحتلال، ورفض كل المبادرات التي
طرحت في حينها، كما رفض كل الحلول التي
طرحت عليه بعد غزو الكويت عام 1990، وفضل
خيارات الحرب على خيارات السلام، وجر
المنطقة لويلات كبيرة ما زالت آثارها
موجودة، وسبب الرفض يكمن في أن هذه
الأنظمة غير قادرة على أن تتعايش إلا
مع الكرسي، ومن دونه فإنها تفضل تدمير
البلد وإحراقه ما دامت ستكون خارج
السلطة وهالتها وبهرجها. وبالتأكيد فإن ما دفع الملك عبد الله لأن
يخاطب السوريين سواء الشعب أو النظام
ليس من مبدأ الوصاية عليهم بقدر ما أن
المملكة العربية السعودية وما تمثله
من ثقل سياسي في المنطقة وخبرتها في
شؤونها وقراءتها المسبقة للأحداث تكون
قد كونت رأيا مفاده أن ثمة عملية
عسكرية قادمة من شأنها أن تطيح بالنظام
السوري أو على أقل تقدير تدمر الماكينة
العسكرية التي تبطش بالشعب منذ أشهر
كثيرة. هذا السيناريو محتمل جدا في ظل
الانتهاكات الخطيرة التي تقوم بها
القوات الأمنية في هذا البلد، وهذا
السيناريو وارد بشكل كبير جدا في ظل
تنامي موجات السخط والاحتجاج على
النظام السوري في عموم العالم، خاصة أن
الجرائم اليومية التي ترتكب لا يمكن
السكوت عنها. فهل المنطقة على شفا حرب جديدة؟ أم أن ثمة
عقلاء قادرين على تجاوز هذا؟ واللجوء
للحلول السلمية عبر الحوارات
والإصلاحات، خاصة بعد أن أثبت الحل
الأمني والبوليسي فشله، وهل النظام
السوري يمتلك القدرة والاستعداد
للإصلاحات الحقيقية وليست الوهمية كما
اعتاد عليها؟ وهنالك فرق كبير بين
الإصلاح والوعود الإصلاحية. ==================== الهروب إلى الأمام.. على
الطريقة السورية! اياد ابو شقرا الشرق الاوسط 15-8-2011 (فريدريك دوغلاس) «أسوأ من الثورة.. ما يسبب الثورة» إذا كنا من المقتنعين بأن النظام السوري
ما زال ممسكا بزمام المبادرة في تسيير
سياسته الخارجية، فإن هذا الوضع يفرض
عليه من حيث المبدأ أن يعي إلى أين يقود
سوريا في هذه الأيام العصيبة. ولكن إذا
ما كان قد غدا لاعبا ثانويا في صراع
إقليمي أكبر منه، وهو ما يتبدى أكثر
فأكثر للمتابع المدقق، فعليه أن يتحلى
بالحد الأدنى من شجاعة مصارحة الشارع،
ومحاولة احتواء ما يمكن احتواؤه من
تفجر يستحيل ألا يفضي إلى التفتيت
والفوضى. هنا أتذكر مجددا سؤالا طرحه علي صديق
بريطاني، إبان أسوأ مراحل العنف في
الحرب اللبنانية، وهو «إذا كنتم كشعب
لبناني تبغضون بعضكم بعضا إلى هذا الحد..
فكيف تمكنتم من التعايش بنفاق طيلة
العقود السابقة؟ أما إذا كنتم ما زلتم
تؤمنون بأنكم شعب واحد وستعودون في يوم
ما للعيش معا.. فكيف ترتكبون هذه
المجازر البشعة أحدكم بحق الآخر؟». إنه تساؤل منطقي تماما يثير قضيتي النفاق
من ناحية، وقطع خط الرجعة من ناحية
أخرى. تساؤل يأتي من صاحب ذهن عملي يقرأ
مسيرة التاريخ، ويقدر تبعات الحرب،
ويفهم «الأساطير» التي تبني الهوية
والذاكرة القوميتين. لكن ما نشاهده في «سوريا البلد» ونسمعه من
«سوريا النظام» يؤشر إلى أن من اعتاد
الهروب إلى الأمام من العيوب البنيوية
في مؤسسة حكمه يجد صعوبة في تغيير
عادته. وأيضا على أن من استمرأ إيهام
نفسه وشعبه بالقدرة على لعب أدوار أكبر
من حجمه، وفي وجه خصوم يستطيعون
التأثير على دول أكبر من سوريا، بات
سجين ذهنية ترسخت وتيبست.. ما عاد معها
متيسرا له الانطلاق ببداية جديدة. وهنا نلحظ عبثية «محاولات» جهات غربية
العمل على فصل دمشق عن طهران. والأهم من
هذا، التنبه إلى استمرار «محور طهران -
دمشق» في الطريقة التي يدير بها «ممانعته»
الظاهرية لإسرائيل والنفوذ الغربي في
الشرق الأوسط.. يسهل لإسرائيل، ومن هم
وراء إسرائيل – من حيث يدري أو لا يدري
– تنفيذ مخطط الفرز الديني والمذهبي
الكبير في معظم أنحاء المنطقة. وسائل الإعلام السورية، والتوابع
الذيلية لإعلام دمشق في لبنان، ماضية
قدما في التعتيم على الانتفاضة
الشعبية التي تنتشر في مختلف أرجاء
سوريا، على الرغم من القمع العنيف
واستفراد مدن البلاد وأريافه مدينة
مدينة وقرية قرية. غير أنها في تضليلها
– بأسبابه المفهومة – تتجاهل
الكراهية العميقة التي تولدها «القبضة
الحديدية» بمرور كل يوم، كما أنها
تتجاهل علامات الاستفهام التي تطرح
الآن، داخل سوريا وخارجها، عن
الاستراتيجية الحقيقية للنظام. ثم
علينا ألا ننسى أن أشد المدافعين في
لبنان عن ممارسات دمشق بحق مواطني
سوريا يحملون مشروعا مذهبيا واضحا. فهل
ما زال النظام يريد حقا مواصلة حكم «سوريا
واحدة موحدة»؟ أم تراه أقنع نفسه بأن
عليه استنهاض بدائل «جيوسياسية» سواء
لابتزاز خصومه.. أو التوجه لتنفيذها
على الأرض عبر اعتماد سياسة «الأرض
المحروقة» والفرز السكاني؟ من اللافت تحليل الاختلاف النسبي في زخم
الانتفاضة الشعبية على امتداد الأراضي
السورية، وكيف حقق النظام نجاحا نسبيا
في بث الخوف في بيئات طبقية وفئوية
معينة – بعضها في مناطق جغرافية ذات
حساسية خاصة – رابطا احترام مصالحها
الوجودية والاقتصادية ببقائه حيث هو.
وفي المقابل، رصد ما نشهده من ردود فعل
متفاوتة القوة من قبل النظام على مناطق
معينة من سوريا، مما يشي بأن ثمة جهات
داخل هرم السلطة ربما كانت تتحسب ل«السيناريوهات»
الأسوأ منذ الآن. واشنطن تدعو الآن إلى تضييق الخناق على
نظام دمشق، وهي تلتزم اليوم عبارات هي
الأكثر مباشرة وقطعا منذ اندلاع
الانتفاضة الشعبية السورية. لأول مرة سمعنا بالأمس من كبار المسؤولين
الأميركيين أن نظام الرئيس «فقد
شرعيته» - بصيغة الماضي - بعد خمسة أشهر
تقريبا من إبقاء واشنطن باب التسامح
مفتوحا أمامه. وهذا الالتزام يستحق هذه
المرة أن يؤخذ على محمل الجد على الرغم
من تدني صدقية المواقف الأميركية في
تعاطيها مع أول انتفاضة شعبية عرفها
الشرق الأوسط خلال العقدين الأخيرين،
ألا وهي «انتفاضة 14 مارس (آذار)» 2005 في
لبنان. يومذاك أوحت واشنطن للبنانيين بأنها
بمجرد تجاوز اللبنانيين حاجز الخوف،
وكسرهم هيمنة «الجهاز الأمني السوري -
اللبناني»، ستحمي إنجازهم من رد الفعل
الشرس ضدهم. غير أن المعطيات اختلفت
بعد «الانقلاب» الفرنسي على المنتفضين
اللبنانيين بقيادة الرئيس نيكولا
ساركوزي، والتراخي الذي أظهرته
دبلوماسية البيت الأبيض في عهد باراك
أوباما إزاء استعادة «محور طهران –
دمشق» نفوذه بقوة السلاح. أما اليوم، فالصورة ما عادت تحتاج إلى «رتوش».
وما تفعله «القبضة الحديدية» مع «شبيحتها»،
وما يبدو أنها تخطط له في اللاذقية
وغيرها من مدن الساحل بعدما فعلته في
جسر الشغور وجبل الزاوية وأرياف حماه
وحمص، تطورات مقلقة جدا. مقلقة جدا جدا على وحدة سوريا ونسيجها
الاجتماعي. ========================== الخميس, 11 أغسطس 2011 أكرم البني * الحياة لولا التطورات الأخيرة في سورية ما كان
المواطن ليتجرأ ويغامر في كشف مشاعره
والتعبير الصريح عن مواقفه، وقد اكتوى
بنار سنين طويلة من القمع ومحاربة
الرأي الآخر. وتسمع ممن كانوا خائفين
ومترددين أن انضمامهم الى جموع
المتظاهرين أعطاهم، بعد المرة الأولى،
الكثير من الشجاعة! بينما كان للثورات
العربية دور محرض لآخرين، فهم كأبناء
تلك الثورات، ليس لديهم ما يخسرونه، في
إشارة إلى تشابه مشكلات الشباب العربي
ومحفزات تمردهم جراء انسداد الأفق
أمامهم وتعاظم شعورهم بالظلم وغياب
العدالة. نعم، استمد الكثيرون الحماسة والعزيمة من
الثورات العربية، كما الثقة والأمل
بعد نجاحها في تونس ومصر، لكن معاناة
هذه الثورات وغموض أفقها في مقابل وضوح
مطامع بعض تيارات الإسلام السياسي
ورغبتها في الاستحواذ بثمار التغيير،
شكلت ذريعة عند بعض المترددين، كي
يبرروا ترددهم وأحياناً دفاعهم عن
الوضع القائم، وشجعتهم على المجاهرة
بخشيتهم من بديل أسوأ أو من انجرار
البلاد إلى أحد النموذجين، الليبي أو
اليمني. إن رفض المعالجات السياسية وإصرار أهل
الحكم على الحسم بالقوة العسكرية
العارية وبلا حساب للعواقب، طبع
الأسابيع الأخيرة من عمر الانتفاضة
السورية بطابعه وخلق لغة جديدة، إن صح
التعبير، بين المواطنين مفرداتها
أخبار التظاهرات والاعتقالات وأعداد
الضحايا التي سقطت. ومع تحية الصباح،
يمكنك أن تستشف من العيون، ماهية
الجديد الحاصل وتكتشف من طبيعة الحزن
المرتسم على الوجوه، الحصيلة المؤلمة
التي خلفتها شدة القمع والتنكيل. لقد هزت الأحداث الأخيرة الصورة المرسخة
عن نموذج حكم كان يفاخر بأنه خالق
الأمن والاستقرار وحامل لواء التصدي
والتحرير، ما شكل نقلة مهمة لتحرير
الوعي الشعبي من تشوهات عدة حول جدوى
هذه الطريقة في الحكم، وتحديداً
قدرتها وصدقيتها على إنجاز المهمات
التاريخية الوطنية والتنموية التي
يتطلع الناس لتحقيقها. واستدراكاً
تلمس اختلاط الأحاسيس الوطنية التي
تميز الشعب السوري بشعور عميق بمرارة
المهانة والخديعة، وعند السؤال عن
أحوال المسألة الوطنية اليوم، يأتيك
جواب بأن ما حصل أطلق رصاصة الرحمة على
ادعاءات الممانعة والمقاومة، وأفقد
الناس الثقة بالشعارات الوطنية
الطنانة التي ولدوا وترعرعوا عليها
والتي ظهر أنها ليست أكثر من جوز فارغ
أو رايات خادعة استخدمتها النخبة
الحاكمة لتعزيز سلطانها وتبرير قمعها
وحماية امتيازاتها. المعروف أن للسوريين حساسية خاصة من
التدخل الأجنبي مهما كان الرداء الذي
يرتديه، لكن حين يطرح السؤال اليوم عن
الوضع السوري ربطاً بمعاناته الشديدة
وبانسداد الأفق أمام أي تحول يمكن أن
يوقف آلة القمع والعنف ويكف يدها، تبدو
إجابات البعض غامضة وتسمع تمتمات أو
عبارات غير مفهومة يصعب عليها أن تعترف
بأن البلاد تحتاج اليوم الى نوع من
الضغوط الخارجية لردع الأساليب
الأمنية، وهي إشارة ربما تفسر حالة
الترقب والاهتمام التي رافقت صدور
بيان رئاسي عن مجلس الأمن يدين العنف
المفرط ضد المدنيين. يفيق الناس في سورية اليوم من خدر أوهام
الوصاية والوعي الزائف عن أنهم بشر
قاصرون وغير قادرين على إدارة شؤونهم
بأنفسهم، وتحضرنا مشاهد عشرات الألوف
من المحتجين في غير مدينة وهم
يتقاطرون، من دون تدافع أو أحداث شغب،
إلى ساحات التظاهر والاحتجاج، التي
يعاد تنظيفها وتهيئتها لاستقبال يوم
جديد، ما يشير إلى نضج ملموس وشعور
عالٍ بالمسؤولية، والأهم شيوع توافق
ورغبة عفويين لدى هذه الجموع في أن
تثبت للعالم نزوعها الحضاري السلمي
وتضرب مثلاً مسلكياً حول أصول
المعارضة الديموقراطية. إن شعارات الدعم والمساندة حتى الموت
التي يطلقها المتظاهرون لنصرة المدن
والمناطق المحاصرة والمنكوبة، إنما
تدل على وحدة وطنية من طراز جديد، تقوم
على اتحاد هموم البشر وإيمانهم
المشترك بالحق في الحياة والحرية وعلى
رفضهم التفرقة والتمييز في مجتمع عرف
تاريخاً طويلاً من التعايش بين
الإثنيات والأديان والمذاهب، ما أفشل
الجهود الحثيثة التي بذلت لجر
الاحتجاجات إلى الفتنة وحرفها عن
جوهرها السياسي، وقطع الطريق على
محاولة إثارة الحساسيات القومية بين
العرب والأكراد السوريين، الذين لم
يتأخروا في الاستجابة لنداء
الانتفاضة، ولعبت مشاركتهم المستمرة
في التظاهرات دوراً كبيراً في بناء
أواصر ضرورية من الثقة والاطمئنان بين
الطرفين! وما إطلاق اسم «جمعة آزادي»
وتناوب الهتافات للحرية والكرامة
باللغتين العربية والكردية في غير حشد
وتظاهرة، سوى أمثلة عن عمق التضامن بين
العرب والأكراد ووحدة همومهم
وتطلعاتهم. واللافت مع تفشي خيبة أمل من الدعوات
للحوار والإصلاح وإدراك الجميع أنها
مجرد مناورات سياسية لتمرير مزيد من
الفرص للقمع والتنكيل، لا يزال
الكثيرون يراهنون على مبادرة السلطة
للإصلاح والتغيير كخيار ناجع لمعالجة
الأزمة، ولا يمر يوم إلا وتسمع نداء
يدعو لوقف الحل الأمني والاستجابة
لمطالب الناس وإزالة أسباب معاناتها،
مرفقاً بتحذير من الاستمرار في إدارة
الأمور بعقلية الماضي الذي يزيد
الأزمة عمقاً ويفضي الى نتائج مدمرة. أخيراً، وعلى رغم تنامي حدة اصطفاف الناس
ووضوح مواقفها، لا يزال المزاج الشعبي
يتميز باختلاط المشاعر وتنوعها، مرة
برفض تصديق هذا الإفراط في التنكيل
الدموي، ومرة بحنق وغضب شديدين من
أساليب القمع الظالمة، ومرة بأحاسيس
حماسية لا تهدأ تصر على التظاهر السلمي
لوأد العنف، ومفعمة أملاً وتفاؤلاً
بالخلاص وإزاحة منطق القوة والغلبة
مرة وإلى الأبد، وأيضاً بتوجس وخوف من
راهن غامض ومن مستقبل يبدو أن صياغته
تتطلب تكلفة باهظة، وتالياً مما يحتمل
أن يحل بالبلاد جراء استمرار الخيار
الأمني والعسكري، كاستنزاف قوى
المجتمع واستجرار العزلة والتدخلات
الخارجية وحصول اقتتال أهلي بغيض، ما
قد يعيد البلاد إلى الوراء عشرات
السنين ويكمل دورة الخراب التي بدأها
الاستبداد. * كاتب سوري ================= انكسار الصمت العربي «الرسمي»
مؤشر لتحرك دولي أكبر الخميس, 11 أغسطس 2011 عبدالوهاب بدرخان * الحياة الذهاب إلى منطق المجازر لم يعد ممكناً من
دون تكلفة. ويفترض أن النظام السوري
يدرك ذلك جيداً. ما عدا أنه ينمّ عن يأس
وقلة خيارات وإدارة بائسة للأزمة، فهو
يشي خصوصاً بأن النظام لم يعد قادراً
على طمأنة أنصاره مثلما أنه بات عاجزاً
عن ضبط معارضيه وجذبهم إلى حوار أو إلى
قبول «إصلاحات» يعلن عنها تباعاً
لتأكيد أنه باقٍ، وسيستمر. غير أن
ممارساته نفسها هي التي زرعت الشكوك في
إمكان بقائه، فللبقاء مقومات لا ينفك
يقوّضها. في منتصف الشهر الخامس للانتفاضة الشعبية
استطاع مجلس الأمن أخيراً أن يضع
الأزمة السورية تحت مجهره. فقدت الدول
«الممانعة» فيه، روسيا والصين والهند
والبرازيل وجنوب أفريقيا، القدرة على
تجاهل نهج ستاليني لم يعد هذا أوانه.
ذاك أن تسكير المدن وعزلها وإرسال
دبابات الجيش لقصف عمرانها وقتل كل من
يتحرك فيها باتت فعلاً من التراث
الأسود لعالم آخر وعصور غابرة. لم يبقَ
لسورية نصير في مجلس الأمن سوى لبنان،
ولا يعني ذلك أي امتياز لبيروت بل يبلغ
العالم أن حكومتها متماهية مع السطوة
السورية وبالتالي فلا رأي لها إلا ما
تراه دمشق. الأهم، أخيراً، أن الصمت العربي بدأ
ينكسر. فالأنظمة والحكومات التي صرفت
النظر طوال الأسابيع السابقة، وعلى
رغم سماعها نداء «صمتكم يقتلنا»،
استشعرت المأزق ولو متأخرة. فهي صمتت
دعماً لنظام دمشق، علّه يفلح في تبديد
الأزمة، لكنها مضطرة الآن للتعامل من
الإدانة الدولية لهذا النظام. وهي
انتظرت دعوات أميركية وأوروبية ملحّة
لتشرع في التخلي عن سكوتها. كانت
الاتصالات معها ناشطة منذ فترة بعيداً
من الأضواء ولم تفلح. غير أن القاهرة
استشعرت أولاً أن الريح الدولية بدأت
تتغيّر باتجاه التدخل، لذا سجّل وزير
الخارجية المصري الجديد، محمد كامل
عمرو، في الأول من آب (أغسطس) موقفاً
متقدماً لكنه ضاع يومذاك في دوي
القذائف المنهالة على حماه. دعا إلى
الإسراع بحلٍّ سياسي للأزمة تجنباً
لتدويلها، مشيراً إلى أمرين: أولهما أن
الحلول الأمنية «لم تعد مجدية»،
والآخر أن المنطقة العربية «لا تحتمل
تدويلاً جديداً» (بعد ليبيا). بعد ذلك
جاء الموقف الكويتي الذي حضّ على حوار
وحل سياسي حقناً للدماء. ثم بيان مجلس
التعاون الخليجي الذي استوحى بيان
مجلس الأمن من دون أن يذهب إلى «إدانة»
النظام السوري، وحاولت تعابيره القوية
الموازنة بين النظام ومعارضيه، كما في
دعوته إلى «وضع حدٍّ لإراقة الدماء،
وإجراء الإصلاحات الجادة». لكن عدم
إدانة النظام وتزكية دوره في الإصلاح
لم يمنعا صدور «أسف» سوري ليس فقط
لمجرد صدور البيان الخليجي وإنما
خصوصاً ل «تجاهله» الرواية الرسمية عن
«جماعات مسلحة تقوم بأعمال قتل وتخريب».
وعنى ذلك أن دمشق لم تشأ فهمَ مغزى
البيان الخليجي، بل طالبت دول المجلس
بإعادة النظر في موقفها، ولعلها تفهم
أكثر بعد تصريحات الملك عبدالله بن
عبدالعزيز واستدعاء الرياض سفيرها، إذ
كان العاهل السعودي بالغ الوضوح في أن
ما يرتكبه النظام ليس مقبولاً، وأنه هو
من يتحمل مسؤولية دفع سورية في أحد
التوجهين: الحكمة أو الفوضى. قد يكون بيان الأمين العام للجامعة
العربية أكمل كسر حلقة الصمت، على رغم
أنه لم يخرج عن الحد الأدنى الذي
تلتزمه الجامعة في حدود ميثاقها
المهترئ، فليس متوقعاً من أمينها أن
يفكر مثلاً في الاتصال بالرئيس السوري
- كما فعل بان كي مون - ليلفته الى أن
الكيل قد طفح وأن الحكومات العربية
تعاني تململ الرأي العام لديها
وغليانه. لكن، ماذا بعد هذا التغيير في
الموقف العربي؟ إذا اعتبرته دمشق مجرد
كلام لرفع العتب الدولي أكثر منه
إيذاناً بالتحرك، وواصلت صمّ آذانها
إزاء كل ما تسمعه من الخارج، على رغم
أنها توشك أن تخسر آخر «الممانعين» في
مجلس الأمن وآخر الصامتين العرب، فلا
تغيير يرتجى، بدليل أن النظام تابع
اقتحاماته المدن بغية إخضاعها. لكنه
مضطر الآن لمراجعة حساباته، فالموقف
العربي مؤشر لتحرك دولي أكبر وأوسع ل «نبذ
النظام» وقد يكون سحب السفراء عنوانه
الأوّل. من شأنه أن يصرّ على معالجة
أزمته بنفسه بل «الخروج منها أقوى»،
لكنها واقعياً في صدد أن لا تعود «أزمته»
وحده، فالمجتمع الدولي تريث كثيراً
ومنحه كل الفرص التي يحتاجها لبلورة
إصلاحات جادة، ولما تأكد أن المجازر هي
الهدف بات يتعجّل التدخل بأي شكل وأي
صيغة. فالسكوت يعني انتظار «المجزرة
الكبرى» بل إتاحتها، وهي قد تعني ما هو
أخطر: أزمة مفتوحة لا يبقى فيها من خيار
أمام الشعب سوى اللجوء إلى السلاح
والانخراط في حرب أهلية يتمناها
النظام لاعتقاده بأنه سينتصر فيها
وأنها ستعطيه «المشروعية» التي فقدها
لمحاربة «الخارجين على القانون». مشكلة الموقف العربي الرسمي أنه يُظهر
متأخراً ما لم يعلن سابقاً أنه يؤمن به
ويريده في شأن وقف العنف وإراقة
الدماء، إذ حاذر آنذاك المسّ بحساسية
النظام. مشكلته الأخرى أنه، بذهنيته ال
«ما قبل ربيع - عربية»، لا يزال
مستنكفاً عن تقبّل ما «يريده» الشعب،
ولا يزال متلبساً بما «يريده» النظام.
مشكلته أيضاً أنه، حتى بعد كسره صمته،
غير قادر على مباشرة مسؤولياته في
إيجاد نهاية لهذه المقتلة وغير مهيّأ
لمشاركة المجتمع الدولي في ضغوطه
وعقوباته على النظام، كما أنه لا يملك
«خلية أزمة» أو «لجنة للتوسط» أو حتى «لجنة
حكماء»، وليس لديه تصور أو رؤية أو خطة
أو نفوذ لوضع نظام دمشق أمام الحقيقة
التي باتت بعيدة من تمنياته... في ذلك
درس مؤلم ينبغي الأخذ به إذا كان
للنظام العربي أن يخضع لاحقاً لجراحة
إصلاحية مطلوبة وضرورية كي يتعصرن
ويواجه أزماته ويعالجها من دون أي تدخل
خارجي. * كاتب وصحافي لبناني ================= الخميس, 11 أغسطس 2011 زهير قصيباتي الحياة يتساءل وزير عربي هل ل «الإخوان المسلمين»
أو السلفيين أو سواهم من الجماعات
الإسلامية دور في لهيب المواجهات في
بريطانيا؟ كان ذاك في سياق تفنيد
مقولات بعض الأنظمة العربية التي تبرر
عنفها مع الثورات أو الانتفاضات
بمؤامرة خارجية، أصابعها في أيدي
الإسلاميين أو المتطرفين، وفي جيوبهم.
يسخر الوزير من دعاوى تلك الأنظمة،
ويصنّف «الربيع العربي» ضمن أزمة تهز
العالم كله، شراراتها وراء حرائق
بريطانيا. الفقر والبطالة وسحق الطبقة الوسطى، في
المشرق والمغرب، كما في أوروبا
وأميركا، ولعل من مظاهر تلك الأزمة
التي تصدم مشاهدها حتى المؤمنين ب «عدالة»
الديموقراطيات الغربية، الأوروبية،
حجم العنف وكمّ الأحقاد التي تنقلب
حرائق وتخريباً ودماراً ونهباً،
للاقتصاص ممن تجاهلوا إنسانية الشباب
والفقراء. لكن للأحقاد وجهاً آخر في
دنيا العرب، يراه الوزير – حين نسأله
عن حجم العنف واستسهال إراقة الدماء في
سورية – في تلك «العقيدة» التي تربّت
عليها معظم الجيوش والأجهزة الأمنية
العربية: كل معارِض عدو، والحل بالقضاء
على العدو! المسؤول العربي يبدي اقتناعه بحاجة سورية
الى تغييرات شاملة لأن المحنة «تجاوزت
مرحلة الإصلاح»، ولكن أي مخرج لحمامات
الدم؟ «إلى أن يتوافق عليه السوريون
جميعاً... الإصلاح تجاوزه الوقت
والكلام على شفافية كلام عام يحتاج
أطراً. المشكلة تكمن في قدرة الحكومة
على استيعاب التغيير». الى متى مأزق الدم والقتل والوعود التي
يتجاوزها الوقت: «في أيدي السوريين
وحدهم ان يكون المأزق طويلاً مريراً،
أو أن يختصروا الوقت». ماذا عن
احتمالات التدويل ومساراته؟ يوحي
الوزير العربي بما يطابق الموقف
المصري والخليجي، الرافض التدخلات
الخارجية لأن «النموذج الليبي ما زال
حياً». ولكن، ألا يشجع استبعاد سيناريوات
التدويل، النظام في سورية على
الاطمئنان الى ان عواقب تشبثه بما يسمى
«الحل الأمني» لن تؤلم مفاصله،
عسكرياً واقتصادياً؟ قد يكون الجواب
في التريث اياماً، هي ما بدا مهلة
اخيرة (أسبوعين) حددتها أنقرة للقيادة
السورية لوقف إراقة الدماء والامتناع
عن «تصويب المدافع الى الشعب السوري»،
كما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب
أردوغان، ولم تكن قد مضت بعد سوى ساعات
قليلة على عودة وزير خارجيته داود
أوغلو من دمشق. وإن كان بعض المصادر القريبة من دوائر
القرار التركي يتحفظ عن صدقية الوعود
التي تطلقها القيادة في دمشق لتقطيع
الوقت، فالحال ان محادثات الفرصة
الأخيرة التي أجراها داود أوغلو مع
الرئيس بشار الأسد، تتزامن مع حاضنة
عربية جسّدها بيان الملك عبدالله بن
عبدالعزيز، لإقناع دمشق بأن الكيل
طفح، فيما القتل اليومي مآله المجهول
الذي لم يعد مجهولاً لدى العرب
والأتراك: حروب طائفية وتصفيات لا تودي
بالدولة السورية وحدها، بل تطيح وحدة
البلد، لتشعل حرائق كبرى في المنطقة
العربية. سورية بموقعها وتركيبتها التعددية
وبتضحيات شعبها، هي أولاً قضية عربية
داخلية، قبل كونها قضية داخلية لتركيا.
وإذا كانت الأولويات الكبرى تتوحد بين
أولوية سعودية لوقف إراقة الدماء،
وأخرى تركية لوقف «المواجهة بين الجيش
والشعب»، وثالثة روسية ل «وقف العنف
وتسريع الإصلاح فوراً»، فالحملة
الديبلوماسية التي باشرتها واشنطن (جولة
فرد هوف المسؤول عن الملف السوري في
الخارجية الأميركية) ترجح استعجال
مسار مختلف من العقوبات. لكنه ليس
المسار الذي يشبه معاقبة إيران،
بمقدار ما يقرّب سورية من سيناريو
الحصار على العراق الذي تلى غزوه
الكويت، ثم تدرّج سنوات لينتهي
بالكارثة. كرر داود أوغلو امام الأسد ان النظام
سيكون أول من يلتهمه الحريق، إذا أصر
على تجاهل كل النصائح والضغوط. واشنطن
مقتنعة بأن الأسد «لا يستمع»، أنقرة
مقتنعة بوجود أطراف يريدون مواجهة
سورية – تركية أو سنية – شيعية. لكنها
ايضاً تُعِدّ «خريطة عمل»، إذا أهدرت
دمشق الفرصة الأخيرة، وعلى تلك
الخريطة تدابير «مؤلمة». يبقى الشعب السوري واثقاً بأن انسحابه من
الشارع قبل انسحاب الجيش الى الثكن،
سيضيّع الفرصة الأخيرة للتغيير، فيما
القيادة لا تبدّل أولوية «الاستقرار =
مطاردة الإرهابيين». وهذه لن تعني سوى
مزيد من الدم والحقد، ف «الإرهابيون»
في كل مدينة وقرية، وكل أسرة سورية. بين الفرصة التركية وفرصة الشارع وعناد
القوة، لن يبقى سوى مسار الحصار
المرير، ومواكب جنازات. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |