ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
2011-08-16 جهاد الرنتيسي العرب اليوم للمنعطفات خطاياها ايضا, وقد يكون خروج
رهط من المثقفين عن اطوارهم, من خطايا
المنعطف السوري, الذي اعاد الاعتبار ل
" التشبيح " بتجلياته الثقافية
والسياسية. التشبيح ببعده الترهيبي, لا يقتصر على
نزول المسلحين الى شوارع دمشق وحمص
وحماة, لترويع المطالبين بحقهم في
الحرية والكرامة, فهناك شركاء لهؤلاء,
ينتشرون في كل مكان, ولهم موطئ قدم
بيننا. وتكامل الادوار بين الشبيحة الذين
يواجهون الصدور العارية بالرصاص,
وواجهات اعلامية وثقافية, استمرأت
توجيه اتهامات المشاركة في المؤامرة,
لاحرار الشعب السوري, يطرحان سؤالا حول
ماهية العلاقة بين اولئك وهؤلاء. فهناك ما يوحي بان الشبيحة الذراع
المسلحة لواجهات ثقافية واعلامية,
تتجاهل ممارسة التشبيح, رغم حضورها في
المشهد, وتنكر على الشعب السوري حقه في
حريته واحترام انسانيته. في المقابل, يوحي المشهد السوري ايضا, بان
الواجهات الاعلامية والثقافية
المدافعة عن التشبيح, وجدت نفسها في
المقعد الخلفي لهؤلاء الشبيحة, وهم
يتوجهون الى الاحياء لقمع المحتجين. سواء سلم هؤلاء المثقفون عقولهم للشبيحة,
واستسلموا لنظرية المؤامرة, التي عفى
عليها الزمن, او وجدوا في فعل التشبيح
تجسيدا لفكرة الدفاع عن وهم الممانعة
التي تدور في اذهانهم, يتحول ترهيب
المدنيين واطلاق النار على الصدور
العارية في منظورهم الى فعل مقاوم
للمؤامرة, يبرر انكار نزيف الدماء,
وقوافل الشهداء, وهتافات المتظاهرين,
التي هزت حتى الضمائر المتبلدة, في
ارجاء الكون, وباتت معيارا يحكم النظرة
لطبيعة اسياد الشبيحة الحقيقيين. بين مظاهر خلل سياقات التفكير, التي تفضي
الى المواقف التشبيحية, انها تقلب
معادلة الاولويات, بحيث تعلو شعارات
التعويض عن حالة الهزيمة التي تمر بها
الامة, على دماء غالية تراق, وضحايا
يسقطون يوميا, دون ان يرف للقاتل, ومبرر
فعل القتل جفن. لا يخلو الامر من ازدواجية في معايير
التعامل مع الربيع العربي, فقد وجدت
ثورات مصر وتونس ترحيبا بين شبيحة
الثقافة والاعلام في منطقتنا, على
اعتبار ان النظامين المصري والتونسي
مواليان للغرب, الا ان الامور انقلبت
رأسا على عقب مع اندلاع الثورتين
الليبية والسورية, وفي ذلك ما يوحي,
باستعداد المثقف الشبيح للنوم مع
الدكتاتوريات والقمع في فراش واحد. ازدواجية الرؤية هذه, تظهر من بين ما
تظهره, خللا في القناعة بثورية الفكرة,
وميلا للارتداد نحو نمطية التفكير,
المغلفة بمقولة لا صوت يعلو فوق صوت
المعركة, اذا كانت هناك معركة بالفعل,
بين النظام السوري واسرائيل. سذاجة طرح المثقف الشبيح, لا تخفي عجزا عن
فهم نظرة الغرب لمنطقتنا, التي يتم
اختصارها بنظرية المؤامرة, وهي
بالمناسبة وصفة لمصادرة التفكير,
باثارة الشبهات حول الآخر, باعتباره
خصما, بدلا من بناء تصورات لمنطلقاته,
وطرق تفكيره. فقد كان بالامكان الوصول الى تشخيص اكثر
دقة لهذه النظرة, لو اخذت بعين
الاعتبار نظرة الغرب الفوقية لشعوبنا,
وحقها في الحرية والدمقرطة, وقدرة
مراكز صنع القرار الغربي, على
الاستفادة من عجز النظام الرسمي
العربي, ومواكبة التحولات السياسية في
بلادنا, وتجييرها في خدمة المصالح
الغربية. والى جانب ازدواجية معاييره وفشله في
قراءة الآخر عجز المثقف الشبيح ايضا عن
التقاط رغبة المواطن العربي الذي خرج
الى الشارع لنصرة الدم والفعل الشعبي
السوريين. رصيد العجز والفشل المتراكم بسرعة فلكية,
حوّل المثقف الشبيح الى راقص في حفلات
زار سياسي, بدلا من قيامه بدوره
المفترض, كعامل تغيير, ومتمرد على
الواقع. ويضع السقوط المدوي للمثقف الشبيح علامة
استفهام كبيرة حول جدوى دور المثقف
النمطي, الذي اكل الدهر وشرب على
ادواته التحليلية, والحاجة للمثقف
القادر على التعامل مع تحولات المجتمع
والسياسة في منطقتنا. ============= تاريخ النشر: الثلاثاء 16 أغسطس
2011 طيب تنزيني الاتحاد ليس خفياً أن منظومة الفكر السياسي تعيش
حالة من الاضطراب بل الإقصاء الفاقع من
المجتمعات العربية، وذلك على امتداد
بضعة عقود. والحديث ها هنا يتعلق بتلك
البلدان، التي كانت قد عاشت تجارب
سياسية انتهت إلى الإخفاق لأسباب
مختلفة، تلتقي في هيمنة نظم أمنية
تسخّر في خدمة مصالح أسياد السلطة
والمال، مع امتدادات ذات طابع أسري
وطائفي وطبقي وإثني وغيره. وعلى خلاف
ذلك، كان على السياسة والمجتمع
السياسي المدني والحراك السياسي أن
تُقصى من تلك النظم، وأن تُشكَّل بدائل
مناسبة عنها، مثل المخدرات والرياضة
العابثة، إضافة إلى أنماط من الفن
الهابط. ولا ينبغي أن تُنسى الجهود
التي تُبذل في سبيل إيجاد أُطر تنظيمية
ملحقة بالسلطة تستوعب الأطفال
واليافعين والشباب، مع الإيهام بوجود
حالة زائفة من أحزاب وتنظيمات تنضوي
تحت ما يسمى "جبهات وطنية تقدمية"،
يُراد منها الإيحاء بوجود تعددية
حزبية وسياسية. لكن في هذا كله، تظل
هيمنة "الحزب القائد وقائد المسيرة"
فوق الجميع، لا يجوز مسُها، بل يُعلن
في الدستور المعني أن تيْنك
المرجعيتين إنما هما -في الخط الأول-
مرجعيتا المجتمع برمته. وكي تبقى المرجعيتان المذكورتان في حِزر
حريز، يجب أن تُقونن صيغة ما من نظام
التوريث، بحيث يظل الحكم الفعلي في
أيدي الفئة أو الأسرة الأولى، دون
احتمال وجود اختراقات تقف في وجه ذلك
النظام. ومن أجل مزيد من الاطمئنان على
سلامة هذا الأخير. ينبغي أن يكون من ضمن
الجبهة الوطنية التقدمية أحزاب ذات
طابع تقدمي تاريخي، كي توهم المواطنين
بأن الأمر يتصل بالتقدم والنهوض
والإصلاح. بهذه الطريقة، تتضح معنا خيوط
الاستراتيجية، التي وضعتها النظم
الأمنية العربية، ومن ضمنها السوري.
فهي خيوط تحاصر كل ما يتصل بالسياسة
واقعاً حياتياً وفكراً نظرياً وخطاباً
سياسياً. إذ مع هيمنة ذلك عربياً، تكف
الصراعات غير المثمرة تاريخياً (كالصراع
الطائفي والآخر المسلح والثالث العرقي...إلخ)،
عن أن تكون خيارات قابلة للتحقق. أما
الإجابة عن السؤال الحاسم التالي: ما
البديل عن تلك الصراعات غير المثمرة،
فيتحدد بالممارسة السياسية المتعددة
بالحقول المذكرة. وفي هذا السياق يبرز
التساؤل عما إذا كانت هذه الممارسة
أكثر عقلانية في معالجتها للمشكلات،
كهذه التي تواجهها الأمة في سوريا
واليمن وغيرهما! إن إعادة السياسة إلى المجتمعات العربية
قد تكون خطوة عملاقة على طريق تقدمها.
وها هنا نتناول ما يحدث الآن في سوريا.
فثمة محاولة لفرض حلّ أمني عسكري، قد
يفضي إلى إحداث خراب هائل في البلد
يدفع ثمنه السوريون الوطنيون. أما
انتهاج الطريق فيتأسس على النظر إلى
الأزمة السورية على أنها إنتاج الداخل
السوري، بالدرجة الأولى. وثمة ملاحظة
ذات أهمية منهجية تتمثل في أن هيمنة
السياسة نظراً وفعلاً، لا يعني
الاعتقاد ببدء نهاية تلك الأزمة.
فالمجتمع السياسي لا يفتقد المشكلات
والصعوبات والصراعات، بل إن هذه
جميعها يمكن أن توجد فيه. ولكنه يحلها
على أساس ألا تتحول إلى صراعات غير
مثمرة تاريخياً، أي إلى ما يمكن حله
سلمياً وعلى نحو يسهم في اكتشاف
المخاطر عن طريق ما نعتبره صراعات
سلمية. هذا ما تحتاجه سوريا وبلدان
الوطن العربي، لتنتقل على أساسه إلى
مرحلة جديد ============= تاريخ النشر: الثلاثاء 16 أغسطس
2011 د. أحمد يوسف أحمد الاتحاد يبدو النظام العربي في تعامله مع الحركات
الاحتجاجية والثورية في الوطن العربي
في حالة ارتباك عظيم تنطوي في أحيان
كثيرة على فقدان المبادرة وازدواجية
المعايير وغياب الفعالية. في الحالتين
التونسية والمصرية تم إسقاط رموز
النظام القديم بسرعة نسبية، ولذلك لم
يتعرض النظام العربي لمحنة بلورة موقف
معلن مما يجري فيهما. أما في الحالات
اليمنية والليبية والسورية فقد طال
الأمد، وسالت دماء غزيرة فيما أصاب
الارتباك الظاهر موقف النظام العربي
مما يجري. كانت البداية بموقف الجامعة العربية من
الأحداث الليبية. بدا الموقف غير
مألوف، فقد حرمت ليبيا من حضور كافة
اجتماعات الجامعة ومنظماتها، ثم وُوفق
على التدخل لحماية الثوار الذين حملوا
السلاح ضد النظام القائم، غير أن هذا
التدخل كان للأسف منوطاً بمجلس الأمن
وفقاً لقرار الجامعة، وفيما بعد آلَ
الأمر كله إلى حلف الأطلسي الذي اتسم
تدخله العسكري حتى الآن بعدم
الفعالية، ولا يدري المرء أيرجع السبب
في ذلك إلى قيود العملية العسكرية
نفسها (كعدم التدخل بقوات برية) أم إلى
رغبة متعمدة في إطالة أمد الصراع لغرض
في نفس يعقوب؟ لكن المحصلة أن الثورة
الليبية امتدت شهوراً دون أن يُحسم
الموقف لصالح أي طرف، علماً بأنها
الحالة الوحيدة التي يحاول فيها
الثوار إسقاط النظام بعمل عسكري،
وبالتالي من المتوقع أن يكون نزيف
الدماء فيها أشد. وفي الحالة اليمنية اختلف الموقف إلى حد
بعيد، إذ إنه باستثناء تصريح خجول صدر
عن الأمين العام السابق للجامعة
العربية لم تحظ الثورة اليمنية بأي
اهتمام عربي شامل على المستوى الرسمي،
وإن كان مجلس التعاون لدول الخليج
العربية قد ملأ هذا الفراغ على الأقل
باعتبار أن اليمن يقع على حدوده، ومن
شأن ما يجري فيه أن تكون له تداعيات على
دول المجلس، ومن هنا تبلورت المبادرة
الخليجية التي لوحظ فيها أنها استجابت
للمطالب الشعبية بخصوص تنحي الرئيس،
وإن حاولت العمل على تنفيذ هذه المطالب
بما لا يفاقم عدم الاستقرار، وللأسف أن
مراوغات الرئيس اليمني ومناوراته قد
حالت دون تنفيذ هذه المبادرة حتى الآن،
وقد تدهورت الأمور إلى أن وصلت إلى حد
محاولة اغتيال خطيرة لرموز النخبة
الحاكمة وفي مقدمتها الرئيس نفسه،
وبعد أن بدأ الرئيس يتماثل للشفاء عاد
الحديث عن المبادرة الخليجية، وإن كنت
لا أتصور أنه سيقدم بإخلاص على تنفيذها
تاركاً اليمن لمزيد من الدماء
واستنزاف الموارد. وفي الحالة السورية أدى الدور العربي
المهم لسوريا إلى إخفاق قطاعات رسمية
وشعبية في التوصل إلى تكييف سليم لما
يجري، حيث ظهر الميل واضحاً إلى
اعتباره مؤامرة خارجية الهدف منها
النيل من سوريا ودورها القومي، غير أن
الطابع الشعبي الواضح للحركات
الاحتجاجية جعل من الصعوبة بمكان
القبول بهذا التكييف. وقد اقتصر الموقف
العربي من سوريا في البداية على
تصريحات لأمين عام الجامعة العربية
السابق أغضبت النظام السوري، ثم زار
الأمين العام الحالي سوريا والتقى
رئيسها، وأعرب عن ثقته في أن سوريا
تسير في طريق الإصلاح، وإن كان
الاستمرار المفزع لاستخدام القوة
المفرطة تجاه المتظاهرين قد ضيع الأثر
المتصور لتلك التصريحات، وأخيراً كانت
دول مجلس التعاون للمرة الثانية هي
المبادرة بموقف مسؤول تجاه ما يجري في
سوريا، فطالبت بوقف إراقة الدماء، وتم
استدعاء عدد من السفراء الخليجيين في
دمشق للتشاور. وبعدها تحرك موقف مصر
قليلاً، فأعلن وزير خارجيتها أن إراقة
الدماء يجب أن تتوقف، مع التمسك
بالموقف الرافض لأي تدخل خارجي. وثمة ملاحظات عديدة على هذه المواقف
العربية السابقة تجاه ما يجري في عدد
من البلدان العربية، ويلاحظ أولاً أنه
تمت الموافقة على التدخل العسكري
الخارجي غير العربي لدعم ثوار ليبيا،
غير أن هذا الموقف لم يتكرر في الحالات
الأخرى نظراً للآثار المريبة لتدخل
حلف الأطلسي في ليبيا، وأصبح التدخل
بعد ذلك سياسيّاً عربيّاً أو بالأحرى
خليجيّاً كما توضح الحالتان اليمنية
والسورية، وذلك مع ملاحظة أن الإدارة
الأميركية كانت منذ البداية حاضرة
بقوة على الصعيد السياسي كالحالة
اليمنية، ربما بسبب الخوف من أن مزيداً
من عدم الاستقرار في اليمن يمكن أن
يؤدي إلى انتشار الإرهاب فيه عامة،
وتمدد تنظيم "القاعدة" بصفة خاصة.
ويلاحظ ثانيّاً أنه باستثناء الحالة
الليبية لم يكن التدخل العربي شاملاً،
وإنما اضطلع بتبعاته مجلس التعاون
لدول الخليج العربية، وليس الجامعة
العربية كما كان الحال في الثورة
الليبية، ويلاحظ أخيراً أن المواقف
العربية بصفة عامة لم تفض إلى إنجاز
محدد حتى الآن، ولا هي حتى سعت إليه
باستثناء الحالة اليمنية التي بذلت
فيها دول مجلس التعاون جهوداً محددة من
أجل التوصل إلى حل سياسي. وفيما عدا هذا
اقتصرت المواقف العربية على إبداء
التعاطف مع الثوار الذين تعرضوا
لاستخدام مفرط للقوة، والمطالبة
بضرورة توقف استخدام العنف ضدهم،
دونما طرح لمبادرات سياسية محددة من
شأن نجاحها أن يؤسس قاعدة لإنهاء العنف. ويمكننا أن نخلص بسهولة إلى أن المواقف
العربية سواءً على المستوى الجماعي أو
على مستوى التجمعات الفرعية ليست
كافية للخروج من محنة عدم وجود سياسة
تجاه عملية التغيير الذي تجري
محاولاته في ليبيا واليمن وسوريا،
وذلك بمعنى محدد هو أن حلاً نهائيّاً
واحداً لن يتم التوصل إليه بفعل عربي
في أي من الحالات السابقة. وأعتقد أنه
آن الأوان لتطوير المواقف العربية في
اتجاه البحث عن حلول، دون أن يضمن هذا
التوصل إلى الحلول المطلوبة، ولكن
المعنى الرمزي البديهي والمهم هو أن
النظام العربي يأبه لما يجري داخله، إذ
لم يعد مقبولاً أن تكون إدارة كل أزمات
النظام بأيدٍ خارجية تتنوع بين قوى
إقليمية وقوى كبرى وأطر إقليمية وأخرى
عالمية، ولكنها تشترك جميعاً في غياب
البعد العربي عنها أو على الأكثر هو
حاضر دون تأثير يذكر على مجريات الأمور.
وقد حدث هذا بطبيعة الحال في الصراع
العربي-الإسرائيلي وبصفة خاصة المشكلة
الفلسطينية (الولايات المتحدة والأمم
المتحدة والاتحاد الأوروبي)، وفي
مشكلة الصحراء (الأمم المتحدة)،
والصومال (إثيوبيا والاتحاد الأفريقي)،
والعراق (الولايات المتحدة)، والسودان
(خليط من القوى والأطر الإقليمية
والدول الكبرى). وقد آن لهذا الوضع أن ينتهي ليس بالصوت
العالي أو الإدانات التي تصدر عن الدول
العربية، وإنما من خلال اجتماعات
رفيعة المستوى غير علنية تشارك فيها
كافة الأطراف المعنية، وتبحث في
التوصل إلى حلول سلمية في اتجاه
الإصلاح والتغيير، ثم تحاول إقناع هذه
الأطراف بجدوى ما توصلت إليه. وليس هذا
بالأمر السهل بطبيعة الحال، وخاصة أن
هذه الحلول لابد أن تنطوي على تغيير
حقيقي في المعادلات السياسية القائمة،
ولكن الضغوط العربية يجب أن تكون حاضرة
إلى جانب الضغوط الداخلية ومحاولات
التأثير الخارجي في مجريات الأمور
لمصالح غير عربية بطبيعة الحال. ذلك أن
صعوبة الطريق ليست مبرراً لعدم السير
فيه، وربما يكفينا هنا شرف المحاولة
إذا لم ننجح في عمل شيء، ناهيك عن أن
الغياب العربي ونجاح حركات التغيير
لاحقاً يمكن أن يفضي بنا إلى نظام عربي
أكثر تشرذماً لا تحمل فيه النظم
العربية الجديدة أي نوع من الود تجاه
هذا النظام. ============= ليز سلاي - بيروت تاريخ النشر: الثلاثاء 16 أغسطس
2011 الاتحاد تدفق عشرات الآلاف من السوريين يوم
الجمعة الماضي إلى الشوارع للتظاهر ضد
الحكومة في تحد واضح لحملات الدهم
الأمني المتصاعدة التي يشنها النظام،
وسط علامات تدل على أن المجتمع الدولي
ما زال غير راغب في دعوة الرئيس السوري
بشار الأسد مباشرة إلى الرحيل. وقالت جماعات حقوق الإنسان إن ما يقرب من
15 متظاهراً قد قتلوا على أيدي قوات
الأمن في الوقت نفسه الذي واصلت فيه
الحكومة السورية تحديها للضغوط
الدولية الرامية لدفعها لإيقاف العنف
الموجه ضد المتظاهرين والبدء في
الإصلاح. ومن بين المدن التي خرج المتظاهرون إلى
شوارعها بعد أداء صلاة الجمعة مدينتا
حماة ودير الزور وهما المدينتان
الرئيسيتان المستهدفتان بحملة الدهم
الأمنية الحكومية. والتظاهرات في
المدينتين تثبت بما لا يدع مجالاً للشك
أن الحملة الأمنية الحكومية المستمرة
منذ خمسة شهور الرامية لقمع
المتظاهرين من خلال القوة الباطشة لم
تنجح في إرهاب الشعب. ومن بين العلامات الدالة على الإحباط
الذي يشعر به المتظاهرون الذين خرجوا
إلى الشوارع في 22 يوم "جمعة" على
التوالي أن الهتافات التي ترددت في
مظاهرات هذا الأسبوع لم تدعُ فقط
لإسقاط النظام ولكن استهدفت الأسد في
شخصه أيضاً حيث ظلت الجماهير في دمشق
وحمص وحماة ودرعا وغيرها من المدن
والبلدات تهتف بشعارات مناهضة له
بالاسم. وفي مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض كررت وزيرة
الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون
مطالبة الولايات المتحدة للأسد "بالتوقف
فوراً عن ممارسة العنف ضد شعبه، وسحب
قواته الأمنية والاستجابة للتطلعات
الشعبية للشعب السوري في انتقال
ديمقراطي بطرق بناءة وذات معنى".
ودعت كلينتون في كلمتها الدول
الأوروبية إلى فرض عقوبات على صناعة
النفط والغاز في سوريا. ولكن الإعلان من جانب رئيس الوزراء
التركي أردوغان عن منح الأسد فترة
تتراوح ما بين 10 إلى 15 يوماً لتحقيق
الإصلاحات المطلوبة بدا وكأنه قد أبطأ
من وتيرة الزخم الذي كان قد بدأ يتكون
جراء المطالبات برحيله فوراً. وليس هذا
فحسب، بل إن بعض الناشطين السوريين،
نظروا إلى المهلة التي منحها أردوغان
للأسد كما لو أنها بمثابة ضوء أخضر
للرئيس السوري كي يواصل حملته القمعية. يشار إلى أن المئات قد ماتوا وأن آلافاً
غيرهم قد اعتقلوا منذ أن شن النظام
حملة دهم مكثفة عشية شهر رمضان، وهي
الحملة التي كانت مصممة على ما يبدو
لسحق الحركة الشعبية المطالبة بالحرية
نهائيّاً. وقد قال ناشط ديمقراطي سوري اشترط عدم ذكر
اسمه خوفاً على حياته: "إن الشعب في
كافة المواقع يشعر بغضب شديد تجاه
تركيا وهناك أحاديث كثيرة في الشارع
مؤداها أن هناك صفقة سرية بين تركيا
ونظام الأسد". يشار في هذا السياق إلى أن موضوع استقرار
سوريا يعد من الأمور المهمة بالنسبة
لتركيا التي قامت في السنوات الأخيرة
بتعزيز علاقاتها مع نظام الأسد بغرض
توسيع نطاق نفوذها في العالم العربي،
وهناك اعتقاد راسخ لدى المسؤولين
الأتراك مؤداه أن إطاحة نظام الأسد قد
تؤدي لإشعال نيران حرب أهلية. وفي بداية هذا الأسبوع قال مسؤولون
أميركيون إن أوباما سيدعو عما قريب
الأسد لترك الحكم وهي خطوة يأمل كثير
من نشطاء المعارضة أن تؤدي إلى المزيد
من التقويض لسلطة النظام. ولكن كلينتون عادت في موعد لاحق لتؤكد أن
الولايات المتحدة لن تقدم على هذه
الخطوة إلا بعد ضمان إجماع حلفائها
الرئيسيين عليها. ومن ضمن الأسباب التي ذكرت وزيرة
الخارجية الأميركية أنها قد دفعت
بلادها للتأني أن حركة المعارضة
العشوائية إلى حد كبير حتى الآن لم
تتوافق بعد على قائد أو خطة للعمل
لفترة ما بعد الأسد. ونطاق حركة الاحتجاجات الأخيرة في سوريا
ووتيرتها، حيث تتم الآن بشكل يومي
تقريباً، يوحيان بأن الحكومة السورية
لن تكون قادرة على قمعها بالقوة
المجردة من ناحية كما لن تكون قادرة
أيضاً على تفعيل الإصلاحات المرغوبة
التي يمكن أن تتيح لها الفرصة للبقاء
من ناحية أخرى، وهو ما يدخل البلاد في
دائرة مغلقة من الاحتجاجات والقمع
الدموي. وحول هذه النقطة يقول "وسام طريف"
ناشط حقوق الإنسان السوري الذي يعمل مع
مجموعة "أفاز" الحقوقية العالمية:
"لقد بات النظام يشعر بأنه لا سبيل
أمامه سوى المضي قدماً في حملات القمع
لأنه يعرف جيداً أنه إذا ما سحب قواته
فإن أعداداً هائلة من السوريين ستتدفق
إلى الشوارع". وأضاف المصدر لما سبق
قوله: "إن ما نشاهده أمامنا في الوقت
الراهن هو نظام مصمم للغاية على المضي
قدماً فيما يقوم به ومحتجون مصممون
للغاية هم أيضاً على الخروج للشوارع
والتظاهر". وقال ناشط آخر من حماة تم الاتصال به من
خلال هاتف يعمل بالأقمار الاصطناعية
إن الاحتجاجات قد انطلقت من 14 مسجداً
تقع في مختلف أنحاء المدينة يوم الجمعة
الماضي، على رغم الوجود الكثيف لقوات
الأمن السورية، وإن تلك الاحتجاجات قد
أسفرت عن مقتل متظاهر واحد وإصابة عشرة
آخرين عندما فتحت تلك القوات النار.
واستطرد ذلك الناشط: "إذا لم نواصل
التظاهر فسيجهزون علينا ولهذا فلن
نتخلى أبداً أبداً عن ذلك". يشار إلى أن أكبر عدد من القتلى يوم
الجمعة الماضي وقع في إحدى ضواحي دمشق
حيث لقي سبعة أشخاص على الأقل مصرعهم
في حين توزع عدد القتلى الآخرين بين
حمص وحماة وحلب وإدلب وفقاً لمجموعة
"آفاز" المذكورة. ============= محمد خرّوب الرأي الاردنية 16-8-2011 فيما ينخرط كثيرون... زعماء دول, معلقون
وقادة رأي ومراكز ابحاث ونشطاء في
قراءة الاحداث غير المسبوقة التي تعصف
بالمنطقة العربية, والتي كشفت في جملة
ما كشفته من أهوال وحقائق ومعطيات
هشاشة الانظمة العربية والحجم الهائل
لعفن نُخبها الحاكمة وتهتُكها,
واستعدادها لفعل أي شيء ودفع أي ثمن
والتخلي عن كل حيائها ووقارها المصطنع
من أجل البقاء في الكرسي أو الاحتفاظ
بالثروات والملاذات الآمنة, تبدو في
ثنايا هذا الكم الضخم من القراءات
والتحليلات, «جزيئة» لافتة تنحصر في
جعل الحرب خياراً ثانياً في المنطقة,
اذا ما اضطرت انظمة في المنطقة وخصوصاً
سوريا للمفاضلة بين الحرب الاهلية أو
الذهاب الى حرب مع اسرائيل لتصدير
الازمة التي تعصف بها.. فهل ثمة امكانية كهذه, وهل ما يُطرح ليس
سوى فزاعة أو رفع اصابع التحذير
والتهديد أمام دمشق لوضعها أمام
خيارين أحلاهما مُر؟ من السابق لأوانه الحديث عن حرب في الظروف
الاقليمية والدولية الراهنة, اللهم
إلا اذا أُريد من ورائها إعادة رسم
خريطة المنطقة بعد أن تكون الحلول
والمقاربات والسيناريوهات المطروحة,
قد وصلت الى طريق مسدود ولم تعد الحرب
إلا الوسيلة الوحيدة لاخراج المنطقة
من حال «الستاتيكو» التي ستكون كلفة
استمرارها أكثر فداحة من الذهاب الى
حرب «مبرمجة».. ربما, على غرار ما تكشّف
بعد حرب اكتوبر 1973 (مصرياً أو قل
ساداتياً على الأقل), ولعل القراءة
المتأنية لحال الدول المرشحة للانخراط
أو التي قد تنزلق الى حرب كهذه، يمكن أن
تُسعف المتابع على الخروج باستنتاجات
أو توسل مقاربات ترجّح هذا الخيار او
ذاك. ولنبدأ بسوريا التي هي الآن في عين
العاصفة, ولا أحد يعلم عمّا إذا كان
الفصل الاخطر قد بات وراء دمشق أم أن
الايام القليلة القادمة هي التي ستحدد
مسار الاحداث, بعد أن اوشكت العمليات
العسكرية على الانتهاء, من خلال الحديث
عن الحاجة الى يومين لاعادة الاوضاع
الطبيعية الى مدينة اللاذقية الساحلية. سوريا (التي يقول محللون أن نظامها القائم
قد «يهرب» الى الامام عبر تسخين «الجبهة»
مع اسرائيل لوقف أو تخفيف الضغط الشعبي,
لقناعته أن السوريين سيقفون مع النظام
في وجه اسرائيل)، لا تبدو صاحبة مصلحة
حقيقية في حرب كهذه لاسباب استراتيجية
وتكتيكية على حد سواء, ليس اقلها أن
جيشها (اقرأ نخبته) هي التي تقوم
بالعمليات الأمنية الداخلية، ناهيك عن
أن أحداً لا يتحدث عن حشود «متبادلة»
على الحدود بين البلدين، وكان يمكن
التكهن بتطور كهذا في الايام الاولى
للازمة السورية, سواء في ذكرى النكبة
ام في ذكرى النكسة. يكاد الأمر ذاته ينطبق على حزب الله رغم
ما يتعرض له الاخير من حملات تحريض
وتجييش طائفي ومذهبي, واتهامات له
بالمشاركة في قمع المواطنين السوريين,
وهو أمر لم يثبت رغم مرور خمسة اشهر على
الازمة.. أهي اسرائيل؟ ربما في ظل «الفوضى» التي تعصف بالمنطقة
وخصوصاً في الازمة الاجتماعية
والاقتصادية التي يواجهها الائتلاف
الفاشي الحاكم في اسرائيل, واحتمال
فقدان نتنياهو مستقبله السياسي, اذا ما
تواصلت احتجاجات الخيام في الدولة
العبرية, وهي مسألة انتبهت لها صحيفة
هآرتس الاسرائيلية فقامت في مقال
افتتاحي بتحذير نتنياهو من مغبة تسخين
«الجبهات» سواء مع حزب الله وسوريا أم
جنوباً مع حماس في قطاع غزة.. .. هل يتحدثون عن تدخل عسكري في سوريا...
أطلسي أو تركي بغطاء أطلسي وعربي؟ .. هذا موضوع آخر تماماً.. ============= الثلاثاء، 16 آب 2011 02:04
عمر
عياصرة السبيل الحس النظري والسياسي الدقيق يرفض بمنطق
عقلنته لنفسه، اي حديث عن احتمال
استمرار الاسد في حكمه، او -على اقل
تقدير- بقائه على حالته الاستبدادية
الشوفينية المجرمة. الحاكم الذي يقصف مدن مواطنيه بالمدافع
والزوارق، ويقتحم حرمات بيوتهم
بالدبابات، ويلطخ يده بدماء الاطفال
والنساء والشيوخ، هذا حاكم لا يمكن ان
يستمر وإن اعتقد ان الارض تحته ثابتة. السوريون يعلنون اليوم أبدية ثورتهم، وقد
قرر وعيهم الجمعي عدم التوقف، وعدم
التأثر بحجم التضحيات، فالكلفة عندهم
مهما ارتفعت فاتورتها، تجعلهم اكثر
تصميما على السير نحو تحرير انفسهم
واستعادة بلدهم التي سرقها طغمة من
ادعياء الممانعة الكاذبة. الاسد الابن، لن ينجح كما نجح الاب حين
اعتمد استراتيجة "أنا اقتل انا
استمر"، فاليوم ليس كالبارحة، و2011
ليست كما في بداية الثمانينيات، وأظنه
يعلم ذلك، فبأس الثورة اكبر اثبات. المعطيات يا سيادة الرئيس مختلفة عما
كانت عليه زمن ابيك السفاح الاول، فقد
قتل الاب واستمر، لكن الابن كلما قتل
اضاف قطعة الى نعش حكمه الذي سيدفن لا
محالة. الشعب السوري لن يلدغ من الجحر مرتين، فقد
طفح الكيل وانكشفت اكاذيب دعاوي
الثورية الايدلوجية، وأصبح حكم
العائلة والملكية الجمهورية عارا لن
يرضاه السوريون بتاريخيتهم وبطبيعتهم
وبتكوينهم الحضاري. لقد جاء الاسد الاب من رحم حالة انفصامية
اصابت الحركة القومية، فمارس عقده
وأمراضه على الشعب السوري ففعل ما فعل
في حماة وتل الزعتر وغيرها. أما الابن الطبيب فقد جاء من رحم "خشخيشة
العائلة" ليؤبد مصالحها على انقاض
الشعب وعلى بقايا التنظير الثوري
البائس. ويعد ذلك وعطفا عليه نقول: إن النظام
السوري لا يملك الذهاب نحو الاصلاح
والتعددية، فبنيته الايدلوجية
الثورية الخلاصية الكاذبة، ومصالحه
الفئوية العائلية، وعلاقاته المشوشة
في الداخل والخارج، لن تتيح له الا افق
الحل الامني، وهو الطريق الذي سيعلق
النظام لنفسه فيه مشنقته، وتلك هي غاية
المعرفة وغاية التحليل. الاسد قريبا وحكمه ونظامه في التابوت،
فلتتماسك الثورة، ولتضبط مفاهيمها،
ولتعلم حلب ودمشق القصبة، انهم على
الموعد وأن تحركهم بات مطلوبا وحتميا،
فالشام قادمة وسوريا قريبا مختلفة دون
اسد ودون حزب يقيني اوحد. ============= يارا بدر القدس العربي 16-8-2011 لم أكن يوماً ممّن يدعون شرفاً ليس لهم,
ولم أنسب لنفسي يوماً 'الوطنية' بأيٍّ
من معانيها, بل لطالما قرّبني شعورٌ
خفيٌّ من المفكر الفلسطيني الراحل 'إدوارد
سعيد' في حديثه عن معنى فقدان الوطن,
وكيف يمكن لهذا الفقدان أن يُنتج
التباساً في الهوية الفردية. في
المقابل أغرقت نفسي بالجماليات الأعظم,
بأن احتقرت الحدود واحترمت الشعوب,
وذهبت بعيداً في إغواء فكرة أن ليس لي
وطن صغيرٌ أو كبيرٌ, وإنمّا أنتمي إلى
الإنساني والأخضر في أيّ بقعةٍ كانت,
فأنا لا أريد إن أنتمي إلى هنا, وسيكون
زيفاً مضاعفاً, حسبما اعتقدت, إن سعيت
وراء جنسيّةٍ أخرى أدّعي الانتماء
إليها, فهذا سيضعني حتماً في مواجهة
السؤال الأوّل: ماذا فعلتِ كي تستحقي
الانتماء إلى بلدك وتحملي هويته قبل أن
تسأليه ماذا فعل هو لك؟ في لحظات الضعف الإنساني, ذات الطابع
الرومانسي في الغالب, اعتدت أن أجيب
على هذا السؤال, بأنّ والدي فعل ذات يوم,
ممّا أذهب اثني عشر عاماً من عمر
عائلتنا الصغيرة, وأضاف إلى شخصيتي
العديد من الإرباكات النفسية, في ذلك
الوقت لم يتحرّك الشارع في قريتنا, ولا
أصدقاء أهلي ولا العائلة. لقد صمتوا
جميعهم, وتعاملوا وكأنّ الذنب ذنب
والدي ووالدتي وذنبي, وبحساسيّة
الأطفال أطلقت مقولتي: 'أنا لا أحب
سورية, أرضاً وشعباً وسلطة', وهو تعريف
الوطن كما درسناه ونحن طلبةً في مدارس
حكومة حزب البعث العربي الاشتراكي تحت
عنوان مادة 'التربية القومية'. ومن أرض هذا الوطن لم أزر مكاناً تاريخياً
أو بقعةً جغرافية, إلاّ ما انسقت إليه
لأغراضٍ لا تشبه التعرّف إلى زوايا
بلدي وطبيعته, لم يبقَ في ذهني من
القليل الذي شاهدته سوى 'حصن سليمان'
الرائع ببوابة الشمس العملاقة خاصته,
وأسواره سوداء اللون, وقد حوّله
الإهمال الرسمي وعناية أهل المنطقة
إلى مرعىً لأغناهم ومَعِزهم الصغيرة,
لقد رأيت الحضارة تنتهك باليومي من
التفاصيل, بالعادي المنسيّ, واعتقدت
أنّ أسلافنا ينظرون إلينا اليوم من
عليائهم ويشمئزون من جهلنا, نحن الذين
نتغذى بالإنشائي من تاريخنا وبفتات
أمجادهم. لكن مؤخراً وتحت إلحاح أحد الموّلهين
بسورية, أرضاً وشعباً وتاريخاً
وثقافةً, ذهبت إلى مدينة اللاذقية,
مشيت في شوارعها وسوقها, رأيت مدينتها
الرياضية وشواطئها, ومطعماً على ضفة
البحر, لا يمكنني إلا أن أتساءل في
لحظتي هذه إن كان لا يزال صامداً. في الماضي اعتقدت أنّ الحال لن يتغيّر حتى
يقوم الزلزال وتنقلب دمشق, تضمّ وجهها
هذا إلى الأوجه السبع الغارقة تحت
السطح, ومن يبقى, من سيأتي من البعيد,
سيبني دمشق أخرى... فكلنا في سورية أجبن
من أن ننقلب, أو لعلنا لا نهتم كفاية
لنقلب وجه مدينتنا. لكنهم ومن درعا
المدينة التي لم أرَ حتى صوراً لها في
أيّ يوم, خرجوا. ومن حمص وحماة اللتان
اعتاد أهلهما التندر على بعضهما البعض
خرجوا, ومن الأفق, من أرضٍ كانت ملاذ
الخلفاء ذات يوم وقد غدت صحراء من عقود,
خرجوا, ومن اللاذقية ... اللاذقية التي
رأيتها أجمل من بيروت والإسكندرية,
خرجوا... ليقلبوا وجه المدينة,
ليستعيدوا وطناً سُلِبَ منهم وهويةً
ضاعت في طيّات الخوف, ولأنهم خرجوا
تعرّفت إلى تراب وطني ومنازله وكلّ
أزقته, تعرّفت عبر شاشات الفضائيات
العربية, إلى جغرافيا شعبٍ أنا أنتمي
إليه, ولا يمكنني إلا أن أشعر بعميق
خزيّ تجاه كل ما اعتقدته عنه يوماً,
اليوم أصبحت وبعد مضي خمسة أشهر على
خروجهم المستمر, قادرةً على تميّز نمط
البناء في هذه البقعة أو تلك من سورية
كما يظهر في مقطع الفيديو الذي أراه. إلا أنّ اللاذقية, كانت المدينة الوحيدة
التي أخذتني إلى ما هو أبعد من اكتشاف
وطني في الفضائيات الإخبارية,
فاللاذقية مدينة رأيتها وعشت لوهلة
قصيرة مع أهلها, اللاذقية اليوم, في
مكان ما, لم تعد هي اللاذقية التي عرفت,
ولن تعود. من هذه البقعة الصغيرة أدركت
ما يعنيه أن ترى وطنك وهو يحترق. تقول الأساطير, أو هكذا روت جدتي عمّا
تقوله الأساطير, أن البحر يسمع الأسرار,
يخبئها ويحملها بعيداً. لم يعد هناك
أسرارٌ في اللاذقية, لكن البحر سيأخذ
كل ذاك الرمادي القبيح للرماد, سيأخذ
من الأطفال صوت القصف ورائحة احتراق
اللحم البشري, سيُصفي من ذاكرة الشباب
صورة البيت المُخترق, ومن عيونهم ضباب
الدخان, ومع ابتعاد المد ستكون
اللاذقية, في تلك البقعة الحزينة
المكتوبة بالدم والموت, نقيّةٍ من ماض
مشوّه ومن نفوسٍ متعبةً مثلي, شعباً
يمتلك أرضه ووطنه, وسيرسل إلى
الفضائيات ذات يوم, وإلى شباب سيأتون
من بعدنا حكاياتٍ أفضل عن وطنٍ جديد
اسمه سورية. ============= ميشيل كيلو 2011-08-15 القدس العربي لو انك سألت أي
رجل سلطة عربي قبل عام عن الأوضاع في
بلاده، لأكد أنها على خير ما يرام،
فالشعب نائم أو غافل عن ما يجري حوله
وله، وشبه ميت، وأجهزة الأمن في كل
مكان، وليس بوسع ذبابة أن تطير في
الشارع أو غراب أن ينعق على غصن جاف دون
إذن منه، وإلا هلكا. ولو سألته عن أحوال الشعب، لأدار نظره في
قصره المنيف وأجابك: أحواله جيدة، ألا
ترى ذلك بأم عينك؟ الناس بخير، وهم
أحرار وسعداء ولا يطلبون شيئا غير
البقاء طوع بناني وتحت إمرتي. كأنني
سمعتك تقول الشعب، أو كأنني سمعت هذه
الكلمة من قبل، قبل زمن بعيد، فهل أنت
من الذين يؤمنون أنه ما زال هناك شعب،
وأن له إرادة وحقوقا، وأن على حاكمه،
الذي هو سيده ومولاه، تلبية مطالبه
والاستجابة لنوازعه وتقلبات مزاجه؟
أنا، ليس لدي في بلادي شيء اسمه الشعب،
وبالتالي لا أعرف أية إرادة مستقلة أو
منفصلة عن إرادتي، خاصة كانت أم عامة. بسؤاله عن أحوال نظامه، كان رجل السلطة
إياه سيجيبك: هو رقم صعب وقوة قاهرة
تستطيع تطويع إرادة الكبار ولي
ذراعهم، فلا خوف عليها من أحد، والخوف
كل الخوف منها على من يعاديها أو
يتحداها أو يخرج عن خطها أو يهدد ولو من
بعيد مصالحها. أخيرا، إن أنت سألته عن حقوق الإنسان
لأبلغك أن حقوقه في نظامه كاملة غير
منقوصة، وأنه يعيش في كنف أعظم قانون
هو إرادة سيده الخيّرة، وأنه يستطيع هو
نفسه، كإنسان أعلى، أن يفعل ما يشاء
دون أن يقيد حريته أي قيد أو يكون مجبرا
على مراعاة أي شيء. هذا الحوار الكاريكاتيري لا أعتقد أنه
كان يمكن أن يحدث بحرفيته في أي مكان،
لكنني أؤمن اشد الإيمان أنه كان يمكن
أن يكون على لسان كل حاكم عربي: من
المحيط إلى الخليج، وأن الأجوبة
المفترضة فيه كانت ستسمع بالتأكيد،
وإن بصيغة غير حرفية ربما، لو قيض لأحد
أن يحاور الحكام العرب بصراحة حول
الموضوعات التي سبق ذكرها. ومن يراجع
أحاديث صحافية رسمية سيجده مذكورا
بالتأكيد، لأن الحاكم العربي كان وما
زال يعتقد بالفعل أن أتباعه بخير
وسعداء، وأن نظامه قوي وأجهزة أمنه
حرة، وفقراء بلاده يعيشون في سبات
ونبات ويخلفون صبيانا وبنات، كما يقول
إخوتنا في أرض الكنانة حين يسخرون من
ظروف حياتهم أو يتمنون السعادة لأحد !. هذه الصورة الرسمية، التي كنا نظن إلى ما
قبل أشهر قليلة أنها تنطبق على حالنا
نحن بنات وأبناء شعوبنا، التي بدت
وكأنها دخلت بالقول والفعل في نوم شتوي
طويل، تبين أنها خاطئة من ألفها إلى
يائها، فالشعب الخانع كان على ما بينت
الأحداث يترصد حركات وسكنات حكامه
بروح ناقمة واعية وصلت خلال الأحداث
الأخيرة إلى حد الاستهانة بالموت،
الفردي والجماعي، إن كان الموت يحرره
من طغاته. تلك كانت، في رأيي، أعظم وأهم
مفاجآت زمن العرب الجديد. لقد فاجأ الشعب قتلته وطغاته بأنه موجود
ولى طريقته الخاصة، وكان هؤلاء
يعتقدون أنه اختفى أو انقرض أو زال من
الوجود، وأنهم يستطيعون تجاهله تماما
أو معاملته كجثة هامدة، أو كتلة غائمة
لا روح فيها ولا إرادة لها، بشهادة
تقارير أجهزة مخابراتهم، التي تنقل
إليهم لحظة بلحظة تفاصيل وافية تؤكد
صحة ما يقولونه، وهو أن الشعب مات وشبع
موتا، وأن حقبة الاستبداد العربي
الرابض على قلب المواطنين حققت هذا
الإنجاز، الذي يعتبر فريدا في تاريخ
العالم، حيث لم يسبق لغير نظمنا أن
شطبت الشعب إلى هذا الحد من خانة
الموجودات الحية، وكانت العادة في كل
مكان أن يشطب الشعب حكامه، فانعكست
الآية عندنا وتحققت معجزة زوال الشعب
وبقاء سلاطينه وحدهم باعتبارهم حكاما
وشعبا في آن معا. بينت الأحداث أن الشعب بقي ما كان عليه
دوما: روح التاريخ والواقع وقاطرتهما
ومحركهما، وأكدت أن قوته ما زالت عاتية
ولا تقاوم، وأنه يختزن طاقات وقدرات لم
تزدها المظالم إلا تبلورا ورهافة
وتكورا على الذات، وأنها بدل أن تقتلها
شحنتها بغضب لا يشبهه شيء غير غضب
الطبيعة العاصف المدمر، الذي يقوض
الجبال ويهد الأسوار ويأخذ كل شيء في
طريقه، حتى أنه لتصدق فيه كلمات شاعر
اليمن العظيم عبد الله البردوني، حين
يقول في قصيدة تنتقد انقلابا عسكريا
تجلبب برداء الشعب: لا يركب الشعب إلى فجره دبابة لا يمتطي قاذفة الشعب يأتي عاصفا هادرا وجارفا كالموجة الجارفة
أخرج الشعب المظلوم المكلوم طاقاته
الروحية الهائلة، التي تبين أنها لم
تستهلك كما توهم الحكام، وإنما كانت
تصقل وتتراكم وترتقي إلى مستوى
التحديات الخارقة التي تعرض لها في
وجوده وحريته وكرامته، وبدأ يرد عليها
بقوة خارقة لا تقف في وجهها أي شيء،
وواظب على تمرده حتى عندما أخذت دماؤه
تتدفق من جميع مسامات روحه، وواصل سيره
نحو الحرية مرفوع الرأس ثابت الجنان،
بينما دموع الألم تنسكب من عينيه
وابتسامة الحرية على شفتيه، لأنه يرى
خلاصه في نهاية طريق الجلجلة الذي قرر
السير عليه: طريق الموت والعذاب. هذه المفاجأة هي أعظم ما نعيشه في حاضرنا
وستعيشه الأجيال الجديدة في مستقبلها،
وهي العامل الذي سيغير كل شيء من الآن
فصاعدا، لأنه سيجعل من المحال استمرار
الاستبداد أو الرضوخ له، وسيغير
العلاقات بين فوق وتحت، لصالح من هم
تحت هذه المرة، سواء بقي هذا الحاكم أو
ذاك في كرسيه أو لم يبق. كما أنه هو الذي
يضع منذ الآن حدا لعصر اشتط وتمادى
وظلم وبطش، تعملقت رموزه إلى أن تألهت،
لكنه يعيدها اليوم إلى حجمها الحقيقي،
ويفضح أمرها ويثبت بدمائه أن من كان
يقال إنهم عباقرة الزمن العربي الرسمي
لم يكونوا غير تافهين قساة وجهلة، وأن
العمالقة ليسوا في الحقيقة غير أقزام
نفختهم إلى درجة الانفجار آلة دعائية
تخصصت في الكذب ولم تعد تتقن شيئا
سواه، وأن الزمن الجديد لن يكنس هؤلاء
عن وجه السياسة ومن عالمها فقط، وإنما
سيحول دون ظهور من يماثلهم في الغباء
والغرور والإجرام، لأنه سيكون عصر
حرية وشعوب وإرادات جامعة، عصرا يكون
الإنسان فيه موضوع السياسة الوحيد،
ومنطلقها وغايتها، ولن يكون لها
بالتالي أي هدف أسمى من تنمية حريته
وترقية وجوده. كشفت عودة الشعب إلى التاريخ حقائق
الواقع العربي وهويته، فإذا بنا أمام
حكام هم مجرد لصوص وكذابين ومجرمين،
وإلا كيف نفسر واقعة أنه لم يوجد رسمي
مصري أو تونسي واحد لم يسرق المال
العام، ويمارس الكذب، ويرتكب الجرائم؟
ومن أين حصل هؤلاء على الثروات التي
يملكها كل واحد منهم، لو لم يهبوا
الغاز بأسعار بخسة إلى العدو
الإسرائيلي ويبيعوا أرض الهرم وتوشكا
وساحل مرسي مطروح؟ ومن يستطيع الدفاع عن رئيس وصل إلى السلطة
ضابطا عاديا وخرج منها بمليارات
الدولارات، في حين تحول أبناؤه
وأقرباؤه إلى أصحاب ملايين، مع أن أيا
منهم لم يمارس أي عمل غير استغلال
النفوذ وابتزاز الشعب؟ ثم تجد من يعيب
على الثورة خير ما فيها: حلف المتعلم مع
الفقير، صاحب العقل مع طالب العدالة،
فكأن التاريخ الحديث لم يصنعه هذا
الحلف، أو كأن من انخرطوا فيه لم
يكونوا هم من صنع الحرية: أفضل ثروة
تملكها البشرية اليوم روحيا وماديا !. لا حاجة إلى القول: إن وجه المفاجأة الآخر
هو أنه سيكون من الصعب بعد اليوم شطب
الشعب من معادلات السياسة والشأن
العام، وأن من سيقوم بمحاولة كهذه
سيلاقي مصير من يلقى بهم اليوم إلى
مزبلة التاريخ من مستبدي العرب. لا حاجة إلى القول أيضا: إن مفاجأة الشعب
ليست مجرد حدث، بل هي بداية تاريخ
ستحمله بنية إنسانية وعقلية مغايرة
لكل ما عرفناه خلال عصرنا الظالم
الحالي، لذلك، لن تقتصر على الإطاحة
بأشخاص، وإنما ستطيح أيضا بزمن وعقلية
ورؤية للعالم، لتفتح أمامنا أبواب
مستقبل سيكون من صنعنا، سنجعله،
كمجتمعات وكأفراد، لنا ولمن سيخلفنا
من أجيال قد لا تصدق ما سيروى لها حول
فظاعة ما كنا فيه، لكنها ستعيش وسط شعب
حر، اجترع مفاجأة معجزة، عندما خرج من
رماده واندفع طالبا الحياة: له ولجميع
بني الإنسان! ' كاتب وسياسي من سورية ============= الياس خوري 2011-08-15 القدس العربي منذ اندلاع الثورة الشعبية السورية
والأفق اللبناني يعيش في الالتباس.
بيروت دخلت في ما يشبه السبات، الذي
لولا شجاعة بعض الشبان، لتحول موتا.
الشبان والشابات الذين حاولوا كسر
جدار الصمت دفعوا ثمنا غاليا، كانت
تجمعاتهم المؤيدة لثورة الشعب السوري
تواجه بالقمع عبر آلة من شبيحة النظام
السوري في لبنان، التي اعتقدت انها
تستطيع ان تقلد جلاوزة الاستبداد
السوري، عبر ضرب المعتصمين واهانتهم. كان الصمت اللبناني الخامل جزءا من لعبة
الصراع الداخلي على السلطة الذي له
عنوان واحد هو الطائفية السامة
والسقيمة. زعماء الطوائف اللبنانية
احجموا عن دعم الشعب السوري، لأن
الانتفاضة السورية ليست جزءا من
قاموسهم السياسي الطائفي كما انها
تبدو في دعوتها الى الديمواقراطية
والحريات العامة وكأنها نقيض استبداد
زعماء الطوائف باتباعهم. الى جانب هذين
السببين الاساسيين جاءت عوامل الخوف
والحسابات الاقليمية والتحالفات
الخارجية، كي تشلّ اي تحرك شعبي
لبناني، معلنة ان طائفية الطوائف
اللبنانية الكريمة هي العائق الاساسي
امام حق المواطن في الدفاع عن كرامته. لم يعد الانقسام بين تحالفي 8 آذار و14 آذار
سوى غطاء شفاف يحاول ان يحجب حقيقة
التمزق السياسي اللبناني العالق وسط
صراع لا هوادة فيه بين شيعية سياسية
بقيادة حزب الله وسنية سياسية بقيادة
تيار المستقبل. والطرفان هما جزء من
معادلات خارجية تستخدم لبنان في وصفه
ساحة، بينما تقوم الطوائف اللبنانية
باستخدام وضعيتها التبعية من اجل
تحسين شروطها وترسيخ نفوذها في النظام
السياسي اللبناني. بدا لبنان امام عالم عربي ينتفض ضد
الاستبداد وكأنه قلعة الاستبداد
الأخيرة. اذ اثبت النظام الطائفي
اللبناني بتوازنات الرعب التي تتحكم
فيه انه الأقدر على القمع، والأشد
انسدادا حين يتعلق الأمر بقضية الحرية
والدولة الديمقراطية المدنية. محاولة كسر معادلة الصمت القاتلة هذه لم
تأت من اي طرف سياسي لبناني، فقوى
اليسار صارت خارج المعادلة واندثر
تأثيرها لأنها وجدت نفسها مستتبعة
لأحد طرفي الانقسام الطائفي المذهبي،
رغم انها حاولت ان تضفي على هذا
الاستتباع بعض مساحيق التجميل
الايديولوجية، وهي في ذلك تشبه احزاب
ما يسمى بالمعارضة في مصر التي تهاوت
مع تهاوي نظام آل مبارك. كسر الصمت جاء من تلاق عفوي بين مجموعة من
المثقفين اللبنانيين وبين مجموعات
الناشطين الشباب الذين لم يتوقفوا عن
الاحتجاج على الرغم من الصعوبات.
والالتقاء هذا تم في ساحة الشهداء، حين
شهدت بيروت مساء الاثنين 8 آب/اغسطس اول
اعتصام تضامني كبير مع الثورة السورية. اثارت مجموعة اسماء المثقفين الداعين الى
الاعتصام والتي جمعت مروحة ضمت مثقفين
من اتجاهات مختلفة حيرة الكثيرين. كيف
اجتمعت هذه النخبة على دعم نضال الشعب
السوري ضد ديكتاتورية الجمهورية
الوراثية وما علاقة ذلك بالاصطفافات
اللبنانية ذات الطابع الطائفي الصارخ؟ اللقاء الثقافي الذي بدا شبه عفوي، واتخذ
طابع الوقفة الاخلاقية ضد القمع
الوحشي الذي يتعرض له الشعب السوري، هو
نتاج مخاض سياسي وفكري وثقافي طويل،
جاء كي يستخلص دروسا من تجربة مريرة
عاشها لبنان وسط عاصفة انقسام طائفي
كاد يطيح بقيم الحرية والديمقراطية
والاستقلال الوطني ومقاومة الاحتلال. اذا اردنا تحليل معطيات هذا التحرك
فعلينا التوقف عند ثلاث نقاط: النقطة الأولى هي الشعور العارم بعار
الصمت، الذي زاد من حدته افراغ النقاش
من مضمونه، والنظر الى الثورة السورية
من مواقع السلطات الطائفية والمذهبية
المختلفة، بحيث امحى الجانب الأخلاقي
والمبدئي. اذ ان السكوت عن الجرائم
التي يرتكبها النظام السوري مهما كانت
الحجج ليس سوى تجسيد للعار الأخلاقي
الذي يغرق فيه لبنان. النقطة الثانية هي الاقتناع بأن الاصطفاف
خلف او مع اي من القوى الطائفية صار
مستحيلا، لأنها قوى لا سياسة لها سوى
سياسة الاستقواء على الآخرين. من هنا
بات التمايز عن مختلف تشكيلات النظام
الطائفي ضروريا كي لا تنهار كرامة
الثقافة اللبنانية وتمرّغ في الوحول. النقطة الثالثة وتتألف من شقين، الشق
الأول هو مشاركة مجموعة صغيرة من
سياسيي تيار المستقبل في الاعتصام.
والحقيقة ان المنظمين، وانا واحد
منهم، لا يستطيعون الاعتراض على
مشاركة احد لأن الدعوة كانت عامة، لكن
المفاجأة ان قادة هذا التيار، تلطوا
خلف دعوة المثقفين، لأنهم يشعرون
بالخوف من جهة، ولأن قيادتهم الفعلية
في المملكة السعودية لم تحسم امرها من
جهة ثانية، ولأنهم اخيرا ارادوا
الايحاء بأن لهم علاقة بتحرك لا علاقة
لهم به البتة. اما الشق الثاني فيتعلق
بحملة الابتزاز حول الموقف من
المقاومة، كأن دعم النضال الشعبي
السوري من اجل الديمقراطية هو موقف ضد
المقاومة! المقصود بكلمة مقاومة هنا هو'
حزب الله الذي اتخذت قياداته موقفا
علنيا مؤيدا للنظام السوري! لم يتنبه
اصحاب هذا النقد ان المطلوب اليوم ليس
موقفا يتخذه المثقفون من حزب الله، بل
المطلوب هو موقف حزب الله من الشعب
السوري وثورته. وهنا يبرز السؤال، هل
تستطيع مقاومة شعبية مقاتلة ان تتخذ
موقفا ضد الشعب؟ وما معنى ذلك؟ الا
يثير مثل هذا الموقف الكثير من
الاسئلة؟ ام ان العلاقات الاقليمية
والتوازنات/ الصراعات الطائفية
الداخلية هي التي حكمت هذا الموقف؟ خلاصة هذه النقاط الثلاث هي الحاجة الى
الخروج، في المستويات الثقافية
والفكرية والسياسية، من اسار النظام
الطائفي اللبناني بكل اطيافه، الذي هو
تجسيد صارخ للاستبداد وآلياته. ان الموقف من ثورة الشعب السوري ومقاومته
البطولية المدهشة لآلة القمع الوحشية
هو اليوم المقياس الأخلاقي الاساسي،
لأن عودة سورية الى شعبها، لن يزيل
الظلم عن السوريات والسوريين فقط، بل
سيفتح احتمالات مستقبل المنطقة، حيث
تستعيد سورية دورها في قيادة الصراع مع
الاحتلال الاسرائيلي وتعود مسألة
تحرير الجولان المحتل اولوية الى جانب
تحرير فلسطين. غير ان ما كشفه الصمت اللبناني هو ان صوت
الحرية في لبنان مرهون بقدرة القوى
المعارضة للنظام الطائفي على بناء
موقعها، وبلورة خطاب فكري وسياسي
مستقل، يكون جزءا من الثورات العربية
من جهة، ويشكل اطارا لاستعادة زخم
الحملة من اجل اسقاط النظام الطائفي
اللبناني، من جهة ثانية. ============= رأي القدس 2011-08-15 القدس العربي الفلسطينيون
ليسوا افضل حالاً، او مرتبة، من
نظرائهم العرب، بل ان حالة التفرد التي
كانت تميزهم في الماضي، وتجلب لهم بعض
التعاطف، بدأت تتبخر، فالكثير من
ابناء الشعوب العربية باتوا لاجئين،
يعيشون في ظروف مأساوية بسبب
المواجهات الدموية التي تندلع حالياً
في اكثر من دولة عربية، بين قطاعات
عريضة من الشعوب التي تطالب بالكرامة
والعدالة والمساواة والحرية وبين
انظمة تريد حرمانها منها، وابقاء
الاوضاع على حالها. فعندما تعرض العراق لغزو واحتلال
امريكيين كان الفلسطينيون من ابرز
الضحايا، ولحق بهم ما لحق باشقائهم
العراقيين من معاناة تحت الاحتلال،
ولكن هذه المعاناة تفاقمت، وبلغت
ذروتها بسبب اقدام ميليشيات طائفية
على مهاجمة مخيماتهم وقتل اعداد كبيرة
منهم تحت ذريعة مساندة نظام الرئيس
العراقي صدام حسين، وانتهى الامر
بنسبة كبيرة منهم لاجئين في اماكن
متفرقة من العالم بعضها في ايسلندا
والبعض الآخر في البرازيل علاوة على
بعض الدول العربية مثل سورية والاردن. الشيء نفسه يقال ايضاً عن الفلسطينيين في
الكويت، فبعد اخراج القوات العراقية
منها بعد حرب عام 1991، مارست ميليشيات
كويتية اعمال انتقام شرسة ضد هؤلاء، من
اغتصاب وقتل وتعذيب واكملت الحكومة
العائدة من المنفى مثلث المعاناة هذا
بطرد حوالى 300 الف شخص من هؤلاء الى
الاردن تحت الذريعة نفسها اي مساندة
النظام العراقي، رغم ان مجموعة من
الفلسطينيين انخرطت في صفوف المقاومة
الكويتية ضد الاحتلال العراقي. سورية فتحت قلبها وصدرها دائماً
للفلسطينيين وعاملتهم على الدرجة
نفسها مع اشقائهم السوريين في الوظائف
والسكن، وجندتهم في الجيش السوري،
وحصل بعضهم على اعلى المناصب والرتب
المدنية والعسكرية، والاهم من ذلك
انها احتضنت المقاومة وخاضت حروبا
شرسة ضد اسرائيل، وقدمت آلاف الشهداء. بالامس اعلنت وكالة الاونروا لغوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين ان اكثر من خمسة
آلاف لاجئ فلسطيني فروا من مخيم الرمل
في مدينة اللاذقية الساحلية بسبب
القصف الذي استهدف مناطق عديدة من
المدينة بما فيها مخيمهم. السؤال هو حول المصير المجهول الذي يواجه
هؤلاء، فالى اين سيذهبون هذه المرة،
ولماذا يتم الزج بهم في هذا الصراع
المتفاقم بين السلطة والمعارضين لها،
والمنتفضين ضدها في اجزاء كبيرة من
سورية؟ لا نستطيع ان نتهم السلطات السورية
باستهدافهم بالقصف دون غيرهم، لان
الدبابات السورية قصفت معظم المدن
والارياف السورية لاخماد حركة
الاحتجاجات التي اندلعت فيها وتطالب
باطاحة النظام، كما انها في مدينة
اللاذقية نفسها القت بحممها من البر
والبحر على احياء مدنية، حيث تشير
التقديرات الى سقوط حوالى 30 قتيلا في
الايام الثلاثة الماضية. الفلسطينيون في معظمهم تمسكوا بادب
الضيافة في سورية، وكان لافتاً ان قادة
فصائل المقاومة الفلسطينية
المتواجدين في دمشق امتنعوا طوال
الاشهر الخمسة الماضية عن الادلاء باي
تصريحات استفزازية سواء للمعارضة او
للنظام، بتأييد جانب ضد آخر والتزموا
بالحياد المطلق، ولكن يبدو ان السلطات
السورية تريد منهم ما هو اكثر من ذلك
وهو الوقوف في خندقها وهي تطلق العنان
للحلول الامنية الدموية لانهاء
الانتفاضة بالقوة. الدكتورة بثينة شعبان اتهمت بعض العناصر
الفلسطينية المقيمة في مخيم الرمل
بانها كانت متورطة في بعض المظاهرات
الاحتجاجية التي اجتاحت المدينة قبل
اربعة اشهر، وكأن لسان حالها يقول ان
هؤلاء هم مصدر المشاكل، وان الشعب
السوري بريء من اي اعمال عنف او احتجاج. نأمل ان يكون مصير اللاجئين الفلسطينيين
في سورية افضل حالاً من مصير زملائهم
في العراق، اي ان لا ينتهي بهم الامر في
ايسلندا او سيبيريا في هذا الزمن
العربي الصعب الذي انقلبت فيه الكثير
من المعايير واصبحت آلة القتل
الجهنمية لا تفرق بين لاجئ او مواطن،
مقيم او عابر سبيل، فجميع الضحايا
متساوون. ============= إصلاحات «ديموقراطية»
لكن بالدبابات...! الثلاثاء, 16 أغسطس 2011 بهاء أبو كروم * الحياة يقدم النظام في سورية مشهداً سوريالياً
لجرعات الإصلاح السياسي، فالخطوات
الإصلاحية والقرارات كالعفو العام
وقوانين الأحزاب والانتخابات لا تصدر
إلا على وقع اجتياحات المدن والقرى
وسقوط شهداء من المدنيين. والتزامن بين
الإعلان عن الإصلاح والقمع الدموي
للمواطنين ينطلق من قناعة مُمنهجة
تقضي بفرض هيبة للنظام اعتمدها منذ
البداية ولا تسمح بتقديمه للتنازلات
تحت الضغط، أضف إلى أنها تعبير عن
عملية نفسية معقدة تظهر حجم الجهد
المعنوي الذي يُبذل لمجرد الإعلان عن
إصلاح ما. فبعد إلغاء قانون الطوارئ دخلت دبابات
الجيش مدينة درعا وتبعتها المدن
الأخرى وعند الإعلان عن الحوارالوطني
كانت جسر الشغور ضحية لهذا الإعلان
ومؤخراً «أهدي» الشعب السوري قانوني
الانتخابات والأحزاب في مقابل اجتياح
مدينة حماة. ومهما تضمنت هذه القرارات
الإصلاحية من وعود فالواضح أن الإصلاح
في سورية هو عملية تخضع لكل ما هو غريب
ومتناقض ولا شعوري وتهدف إلى إطلاق
فقاقيع دخانية تعمي بصيرة المبهورين
بإمكانات بشار الأسد الإصلاحية لكنها
لا تلج إلى جوهر المسألة. والحال فالفصام الذي يطبع انزلاقات
النظام وتصرفاته يؤشر إلى انعدام
القدرة على الإصلاح الحقيقي الذي
يُرضي الشعب. لقد نجح النظام في وضع
الشعب كله في مواجهته جراء قصوره عن
مواكبة الحركة المطلبية أو استيعابها
على الأقل، وتفشل عملياته الأمنية في
جني أي مردود أمني أو سياسي أو حتى نفسي
يتعلق بإخافة المواطنين. فحيث لم
يُحاسَب أي مسؤول لحد الآن عن عملية
قتل واحدة حصلت فإن صدقية النظام تبقى
معدومة. منذ عام تقريباً كانت السلطات السورية
تتحدث عن عملية تحوّل استراتيجي تقوم
بها سورية وتهدف إلى ربط البحار الخمسة
في شبكة من المصالح وإنشاء شبكات لنقل
الغاز والكهرباء وتطوير المواصلات
ولعب دور اقتصادي كبير يضم إليها كلاً
من تركيا، الأردن، لبنان، إيران،
والعراق وبعض الخليج وصولاً إلى الدول
المحيطة ببحري قزوين والأسود، وشكلت
هذه الرؤيا مضموناً لخطابات وزيارات
ورؤى ودراسات واستطلاعات أظهرت سورية
بأنها تدخل إلى العصر الحديث من زاوية
القادر على ترجمة ميزاته الجيوسياسية
إلى وقائع وامتيازات عصرية. والإصلاح الإقتصادي في سورية اقترب من
اقتصاد السوق لكنه لم يتزامن مع
تعديلات هيكلية تواكبه وتطاول النظام
في شكل عام، حيث كان لا بد لذلك أن
يترافق تلقائياً مع إصلاحات سياسية
تخدم الرؤى الإقتصادية بالدرجة الأولى
ومن دون أن تكون موضع مطالبة شعبية.
فربيع سورية كان حاجة للنظام قبل أن
يكون حاجة لغيره ولو حصل الإصلاح في
حينه لكان بشار الأسد نصّب نفسه
أتاتورك سورية الحديثة، إنما كغيره من
النماذج البوليسية التي سبقته، بقي
النظام أسير خوفه من الناس وفوّت على
نفسه فرصة قيادة الإصلاح. فالتناقض بين الوجهتين الاقتصادية
والسياسية للنظام شكلت الأساس الذي
فجر الأحداث حيث لم يكن النموذج
الصيني، فيما إذا جازت المقارنة،
لينجح في سورية. فسورية التي انساق نظامها وراء المصلحة
الإيرانية أخفت سياقاً من الاعتراض
الداخلي كان يمكن تحاشيه لو وقفت
المصلحة الوطنية والقومية وراء
سياساته، وعمى الألوان الذي أصيب به
النظام أودى إلى سياسات خارجية ضيقة
الأفق طبّقها في لبنان والعراق بطريقة
أضرّت بمصالحه على المدى البعيد، حيث
انزوت خياراته في مساحات تشغلها عادةً
الأحزاب والفئات العصبوية وهي لا
تميّز سلوكيات الدول، فللدولة بشكل
عام قواعد عمل وحدود لا تتوقف على
التعاطي مع الأطراف الخارجية بعقلية
البلطجة والإخضاع أو الإلغاء الذي
يبيّت وراؤه تراكمات شخصية. لقد تسنى للسوريين أن يكتشفوا كلفة «الممانعة»
عليهم، وهي كلفة تُحدّدها منظومة لا
تبدأ في بلادهم ولا تنتهي عندها،
والواقع أن المكتسبات التي تحققت في
سياق الثورة التي تأخذ مكانها منذ أشهر
أدت إلى زعزعة ركائز المنظومة كلها.
لذلك استدعى الأمر أن يلتحق لبنان
بمصلحة النظام السوري مُساقاً
بالتطبيع ذات التوجه الأمني وهو
المصاب ب «انفلونزا الممانعة» منذ
نشأتها. وحيث أن النظام في سورية لم
يوفّر أتباعه اللبنانيين من إعلاميين
وسياسيين وفنانين إلاّ وألحقهم ب «نهضته»
الإعلامية، أضف إلى تكبير حجم تمثيل
لبنان في مجلس الأمن ليصل إلى حد
امتلاكه «فيتو» عربياً مُستحدثاً من
خلال شذوذه عن الاجماع الدولي، فإن
المهمة الملقاة على عاتق السوريين
تتضاعف لأنهم يقفون في مواجهة منظومة
تتخطى حدود دولتهم ونظامها أضف إلى ذلك
تباطؤ الحركة الدولية في مواكبتهم في
شكل عام. ثمة تناقض يشوب المشهد العام في سورية
فالحل الأمني الذي يتبعه النظام لم
يترك أمامه خيارات أخرى لأنه متى توقف
تضاعفت أعداد المتظاهرين، وفيما إذا
استمر تصاعد الموقف الدولي وتنامت
المعارضة وضَعُف النظام. والغريب هو أن
الرئيس الذي حوَت معظم خطاباته مطولات
وشروحات في علم الاجتماع تلا بعضها
أمام القمم العربية وبعضها الآخر أمام
مؤتمرات البعث ومجلس الشعب السوري
يعجز اليوم عن تقديم خطاب مقنع يشرح
فيه لأهالي الضحايا أسباب قتل أولادهم! فالمسار الذي تذهب إليه الأزمة في سورية
يمنع من أن يشكل الإصلاح فقط حلاً يمكن
اعتماده، ولا الحوار أيضاً، لأن
الوجهة التي يتحرك وفقها النظام لا
تقبل بوجود طرفان متوازنان لإدارة
الحوار، فالدبابات التي تدخل المدن لا
توازنها حناجر المتظاهرين لكي تتنازل
لها عن امتيازات ورثها بشار الأسد عن
أبيه. ربما تخطت الأحداث فكرة الإصلاح ذاتها
رغم محاولات إنعاشها إقليمياً
ودولياً، فما يحتاجه السوريون اليوم
هو أن يتحوّل نظامهم السياسي إلى
المشروعية الداخلية بحيث لا يعود يشكل
خطراً على الناس ويدفّعهم أكلاف
سياسات تتجاهل توجهاتهم، ما سيكون
أفضل لهم ولمحيطهم الإقليمي، فسورية
ستخرج من هذه الأزمة أقوى فيما لو دخلت
الحريات إلى المدن بدل الدبابات. * كاتب لبناني ============= الثلاثاء, 16 أغسطس 2011 بكر صدقي * الحياة كأنما بكبسة زر سحرية تدفقت معاً
التصريحات الدولية والعربية المنددة
بالسلوك الوحشي للنظام السوري في
مواجهة الانتفاضة الشعبية السلمية. لا
أريد بهذا المدخل تأجيج الهوس
بالمؤامرة الساكنة فينا منذ قيام
كياناتنا الحديثة. لكنه أمر لافت حقاً
أن تتخلى جميع الدول العربية وغير
العربية تقريباً، في وقت واحد، عن
صمتها المديد أمام ما جرى ويجري في
سورية منذ خمسة أشهر من إراقة لدماء
السوريين واستباحة لمدنهم وبلداتهم
وحملات اعتقال واسعة شملت عشرات
الألوف وموجات من النزوح إلى البلدان
المجاورة شملت أعداداً مماثلة. من
السذاجة السياسية رد صحوة الضمير
المفاجئة والمتأخرة هذه إلى استجابة
تلك الدول لشعار «صمتكم يقتلنا» الذي
رفعه المتظاهرون السوريون على امتداد
الخريطة السورية قبل أسبوع من صدور
بيان مجلس الأمن بصدد إدانة
الانتهاكات السورية لحقوق الإنسان.
ففي العلاقات الدولية قلما تلعب
الأخلاق دوراً. الدول بلا ضمير من حيث
المبدأ، وإن كانت تلجأ إلى إخفاء
مصالحها الحقيقية تحت ستار قيم
وشعارات «إنسانية». ومع ترحيبنا بكل ما صدر من إدانات عربية
ودولية، على تأخرها، لا بد من محاولة
قراءة مصالح الدول وما قد تقوم به من «استثمارات»
في الأزمة الداخلية السورية. ولكن لا
بد، قبل ذلك، من تثبيت بعض المعطيات
الأساسية في ما يتصل بمفاهيم السياسة
الداخلية والخارجية كما مارسها النظام
السوري طوال حكمه في عهدي الأب والوريث. تعني «السياسة» في لغة النظام السوري
السياسية، تلك المتعلقة حصراً
بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية.
أما «الداخل» فينضوي في إطار ما يسمى
باللغة إياها «ميدان الخدمات» أي أمور
الإدارة بالمعنى المتعارف عليه والذي
تختص به «الحكومة». وهذه مجموعة من
الموظفين التنفيذيين لخطط وأوامر
اعتباطية تأتيهم من خارجهم. هذا التقسيم شفاف ومطابق حقاً بالنظر إلى
واحدية الفاعل السياسي في الإطار
الوطني. فالحكم فردي (رئاسي) ومؤبد
ووراثي، من أدواته الإيديولوجيا
البعثية المطعمة بعبادة الفرد (الأسدية)
وشبكة معقدة من الأجهزة الأمنية التي
هي «القائد الفعلي للدولة والمجتمع»،
وليس حزب البعث الذي قضى عملياً منذ
انقلاب حافظ الأسد على رفاقه
الشباطيين في خريف 1970. فليس في سورية
قوى سياسية معترف بشرعيتها يمكن
ممارسة السياسة معها. بل مجموعات من
السكان لهم «مطالب معاشية» تتدبرها
الحكومة إذا رأت «القيادة السياسية»
أنها محقة. والقيادة السياسية هذه تعني
الرئيس حصراً، ولا يجوز إضافة رئيس
الوزراء أو الوزراء أو نواب الرئيس إلى
«الطبقة السياسية» الغائبة في هذا
النظام. أما السياسة بالإطلاق فهي السياسة
الخارجية ويرسمها وينفذها الرئيس
شخصياً بالاستعانة بعدد من الأدوات
أهمها الأجهزة الأمنية قبل وزارة
الخارجية. فوزير الخارجية في هذا
النظام لا يعدو كونه حامل رسائل مكتوبة
له سلفاً، في حين أن «العلاقات مع
الدول» – دول الجوار خاصة – ترسم
وتنفذ من قبل قادة الأجهزة الأمنية
بسبب العقيدة غير المعلنة في العلاقات
مع الدول الأخرى والقائمة على مبدأ لي
الذراع من طريق الضغط بوسائل غير
ديبلوماسية. نحن نعرف مثلاً أن سياسة النظام مع
إسرائيل قامت على مبدأ استخدام أدوات
غير سورية لتحقيق أهداف سياسية، منها
المقاومة الفلسطينية بجناحيها الوطني
والإسلامي، و «حزب الله» وبعض القوى
اللبنانية الأخرى. ويمكن التذكير بهذا
الصدد بالعبارة الشهيرة التي طالما
أثارت سخرية المعارضين للنظام السوري
كلما وقع اعتداء إسرائيلي على الأراضي
السورية، عنيت بها «حق الرد في الزمان
والمكان المناسبين». الحق أن النظام
كان يفي دائماً بهذا الوعيد، ولكن ليس
من خلال ضربات عسكرية يقوم بها الجيش
السوري، بل من خلال أدواته غير
السورية، وبخاصة المنظمات الفلسطينية
الصغيرة التي لم يسمع بها أحد، ويتم
توجيهها من قبل الأجهزة. أما العلاقات السورية – التركية فقد قامت
على اللعب بورقة حزب العمال
الكردستاني إلى أن جاء إنذار ديميريل
الشهير في 1998، وتم التوقيع على اتفاقية
أضنة الأمنية – السياسية وتغير مجرى
العلاقات بين البلدين بعد ذلك. ولنتذكر
أن من وقّع هذه الاتفاقية عن الجانب
السوري هو اللواء عدنان بدر حسن رئيس
فرع الأمن السياسي آنذاك، وليس وزير
الداخلية أو وزير الخارجية. ونلاحظ
اليوم عودة جديدة إلى اللعب بهذه
الورقة بسبب السياسة التركية في
الأزمة الراهنة. بالمثل قامت العلاقات السورية –
العراقية، قديمها وحديثها، على
التعامل الاستخباراتي أكثر مما على
المستوى السياسي. ومن النافل التذكير
أخيراً بالعلاقات مع لبنان التي أوكل
بها ضباط في المخابرات العسكرية كغازي
كنعان وخليفته رستم غزالي. أما
الولايات المتحدة والدول الغربية فقد
امتزج في التعاطي معها المستويان
السياسي والمخابراتي. ويمكن التذكير
في هذا الصدد ببعض العمليات الإرهابية
التي وقعت في أوروبا أو «التسلل عبر
الحدود مع العراق» أو تنظيم «تظاهرات
عفوية» ضد بعض السفارات الغربية في
دمشق (الأميركية والدنماركية) وقام
خلالها المتظاهرون بتخريب مبنى
السفارتين. ولا ننسى الدور السوري في «تحرير»
الرهائن الغربيين في لبنان والعراق
على مدى عقود. هذه هي أدوات السياسة الخارجية في سورية،
أو «السياسة» باختصار والتي ترسمها «القيادة
السياسية» وحلقة المستشارين الذين هم
بالمصادفة قادة أجهزة الاستخبارات. هذه الوضعية التي أسسها حافظ الأسد طوال
عقود حكمه، هي ما وصفها باتريك سيل في
كتابه «الصراع على الشرق الأوسط»،
وكان بمثابة التوثيق للمطابقة بين
سورية وحافظ الأسد. النظام الأسدي الذي
نقل سورية من حالة الملعب لصراعات
الآخرين إلى لاعب في الجوار الإقليمي،
وإن كان دوره وظيفياً، دخل منذ 2005 طور
انحطاطه. وقد أشار ياسين الحاج صالح
حينها إلى أن سورية تمر بمرحلة
انتقالية من «الصراع على الشرق الأوسط»
إلى العودة إلى مرحلة «الصراع على
سورية». وإذا كانت حرب تموز (يوليو) في
2006، أعطت النظام جرعة انتعاش لدوره
الوظيفي القديم، فقد وفر التعامل
الدموي له مع الانتفاضة السلمية للشعب
السوري في 2011، المناخ الملائم لعودة
الصراع على سورية. فماذا يريد «الآخرون» من سورية ما بعد
الأسدية؟ * كاتب سوري ============= الثلاثاء, 16 أغسطس 2011 حازم صاغيّة الحياة حين تقول الانتفاضة السوريّة إنّها تمتلك
المنصّة الأخلاقيّة في صراعها مع
النظام، فإنّها تذهب أبعد من تعيين
الفارق بين القتيل والقاتل، أو
الضحيّة والجلاّد. ذاك أنّ بُعداً آخر أخلاقيّاً جدّاً يقيم
في هذه المساجلة هو رفض الكذب. والحال أنّ النظام السوريّ بزّ في الكذب
سواه من الأنظمة، حتّى عُدّ صاحب طريقة
في هذا الباب. والسبب وراء التفوّق هذا
سبب مزدوج: فهو، كنظام يُنيب العناصر
الخارجيّة والإقليميّة عن الداخل
وسياساته، كان مضطرّاً لأن يكذب
مخترعاً «إنجازات» داخليّة لم يتحقّق
شيء منها. وهو، للسبب نفسه، كان
مُضطرّاً لأن يكذب مخترعاً «انتصارات»
في المدى الخارجيّ والإقليميّ لم
يتحقّق، هنا أيضاً، شيء منها. لقد كان نظام صدّام حسين في العراق باهراً
في أكاذيبه. هكذا جعل من هزائمه
المذلّة «قادسيّات» و «أمّهات معارك»
أثارت سخرية العالم. بيد أنّ الثروة
النفطيّة التي وضع يده عليها أتاحت له
قدراً من الإنجازيّة الداخليّة لم
يتسنّ مثلها لشقيقه البعث السوريّ.
أمّا التوتاليتاريّات الأوروبيّة،
وأهمّها النازيّة الألمانيّة
والستالينيّة السوفياتيّة، فهي أيضاً
أوغلت في الكذب حتّى غدا الكذب جزءاً
تكوينيّاً منها. بيد أنّ النظامين
المذكورين كان في وسعهما الاعتداد
بانتصارات جدّيّة في الخارج والداخل:
فالستالينيّة انتصرت في الحرب
العالميّة الثانية، والنازيّة أخضعت
معظم أوروبا، بما فيها فرنسا، في خلال
عامين. والاثنتان، وبطريقتيهما،
ساهمتا في تصنيع البلدين اللذين
استولتا عليهما. في سوريّة كانت الحاجة إلى الكذب أكبر
تبعاً للافتقار إلى كلّ شيء آخر. هكذا
بات إدخال عشرة أجهزة كومبيوتريّة إلى
البلد دخولاً في العولمة من بابها
العريض، تماماً كما غدا «تجميع
الأوراق» في الخارج، بما فيه من معس
لهذه «الأوراق»، انتصاراً غير مسبوق ل
«القضيّة القوميّة». وربّما أمكن ردّ اللحظة التأسيسيّة في
هذه النزعة إلى 1963، حين اضطرّ البعث،
الحاكم للتوّ، إلى الدخول في مفاوضات
وحدويّة مع مصر الناصريّة تبيّن أنّه
كان يكذب فيها على عبد الناصر وعلى
مؤيّديه السوريّين. بعد ذاك كانت هزيمة
1967 التي قُلبت نصراً لأنّ «الأنظمة
التقدّميّة لم تسقط»، وتلى ذلك تضخيم
هائل ل «نصر تشرين» 1973 تبيّن أنّ الغرض
منه تمتين عبادة الشخصيّة التي تمتّع
بها الرئيس الراحل حافظ الأسد. فعندما
دخلت القوّات السوريّة لبنان في 1976
صُوّر دخولها دعماً للمقاومة
الفلسطينيّة وللديموقراطيّة
اللبنانيّة. بيد أنّ المقاومة
والديموقراطيّة ذُبحتا على نحو لم
تتعرّضا لمثله من قبل. وفي هذا السياق،
ظلّ النهج المتّبع في لبنان دليلاً على
الأخوّة التي لا تشوبها شائبة، تماماً
كما ظلّ التواري أمام الغزوات
والاجتياحات الإسرائيليّة تعبيراً عن
الرغبة في اختيار «مكان المعركة
وزمانها». وكان ما يفاقم هذا الميل الراسخ أنّ
سوريّة الرسميّة كانت تهرب من الداخل
إلى مواجهة لا تستطيعها في الخارج، ثمّ
تهرب من المواجهة تلك إلى الكذب. هكذا
راحت تصوّر خروج مصر من الصراع العربيّ
– الإسرائيليّ كأنّه تفصيل لا يؤثّر
في المواجهة، مثله في ذلك مثل انهيار
الاتّحاد السوفياتيّ الذي عُوّل عليه
تأمين «التوازن الاستراتيجيّ» مع
إسرائيل. وقد غدا النهج المذكور مدرسة
رأينا آخر تطبيقاتها الكاريكاتوريّة
في إعلان رامي مخلوف انتقاله إلى البرّ
والإحسان، كما رأينا عدواها على
الحلفاء اللبنانيّين الذين أعلنوا عن
إحراز «نصر إلهيّ» فوق أنقاض بلدهم
واقتصاده. والحقّ أنّ اعتماد الكذب إلى هذا الحدّ لا
يسوّغه إلاّ افتراض غياب الشعب، لا
غياب رقابته فحسب. فحين يصرّ الشعب على
أنّه موجود وحاضر تكون المنصّة
الأخلاقيّة قد انعقدت له حكماً. ============= الإثنين, 15 أغسطس 2011 غسان شربل الحياة تستطيع السلطات السورية القول انها حرمت
المعارضة من تأسيس بؤرة دائمة وآمنة
للاحتجاجات. حرمتها من العثور على
ميدان للتحرير تنظم فيه تظاهرات
مليونية وتنصب فيه الخيام بانتظار
انصياع النظام لمطالب شباب الثورة.
حرمتها ايضا من السيطرة على مدينة
واعلان مجلس انتقالي فيها. ومن السيطرة
على نقطة حدودية توفر لها فرصة استقبال
المعارضين العائدين من الخارج ومعهم
اجهزة الاتصال المتطورة وجمعيات حقوق
الانسان. تستطيع السطات السورية القول انها خاضت
على مدى خمسة شهور مواجهة صعبة ومريرة
وانها احتفظت فيها بماكيناتها
العسكرية والامنية والسياسية موحدة.
ففي هذه الفترة وعلى رغم القسوة
المفرطة للممارسات لم تسجل اي حالة
انشقاق كبرى لا في المؤسسة العسكرية
والامنية ولا على صعيد الدولة والحزب.
ويمكن القول ان حالات الفرار التي سجلت
في صفوف العسكريين كانت محدودة جدا ولم
تشمل اصحاب مواقع في الماكينة التي
تتولى تنفيذ عملية القمع. تستطيع السلطات السورية القول ايضا انها
اثبتت حتى الآن عجز حركة الاحتجاج عن
اقتلاع النظام ومؤسساته. وان مشاركة
دمشق في الاحتجاج لا تزال محدودة
وخجولة وغير خطرة. يمكن قول الشيء نفسه
ولو بدرجة اقل عن حلب. تستطيع السلطات السورية القول ايضا انها
بعثت برسالة قاطعة الى من يعنيهم الامر
ان الوضع في سورية لا يشبه ابدا الوضع
في تونس او مصر او ليبيا او اليمن.
وانها ستدافع عن وجودها واستمرارها
مهما كانت الاثمان في الداخل والخارج.
وانها تفضل التعايش مع طوق عزلة عربي
واسلامي ودولي على القبول بتقييد
آلتها الامنية وتفكيك اسباب قوتها. وان
على المعارضة ان تقبل بعد الحسم
بالاصلاحات التي ستقدم اليها من موقع
قوة. في المقابل تستطيع المعارضة ان تقول ان
الشهور الخمسة اظهرت استحالة الحل
الامني. وان عمليات القتل ادت الى
تأجيج الانتفاضة لا الى اخمادها. وان
المدن التي تعرضت لعمليات التأديب
تغتنم اي سانحة لمعاودة الاحتجاجات.
وان الاستخدام المفرط للقوة رفع سقف
المطالب من بضعة اصلاحات الى المطالبة
باسقاط النظام باسره. وتستطيع المعارضة ان تقول ان السلطة خسرت
معركة الاعلام. وان التجربة اظهرت انها
لا تملك رواية مقنعة تقدمها حتى لمن
كانوا يبحثون لها عن اعذار او اسباب
تخفيفية. ويمكن الحديث هنا عن تركيا
وروسيا ودول اخرى. وان علاقة سورية مع
ايران والتي اعتبرت من اسباب قوتها
تتحول الآن سببا لعزلتها. وان الرصيد
التقليدي للسلطة السورية في العالم
العربي سجل تآكلا ملحوظا كشفته
المناخات التي قامت بفعل الربيع
العربي. وان اصدقاء سورية من سياسيين
وكتاب ومحللين شعروا بحرج شديد وهم
يتابعون الصور المؤلمة التي تتكرر على
الشاشات ومن مدن عدة. وان التظاهرات
التي تنظمها الجاليات السورية في
الخارج هي مشاهد غير مسبوقة. وتستطيع المعارضة القول ان الصدمة التي
اصيبت بها السلطات بفعل اندلاع
الاحتجاجات تؤكد فشل اجهزة الامن في
معرفة حقيقة التحولات التي كانت تعتمل
داخل قطاع واسع من الناس. وان الصدمة
نفسها تكشف عزلة الحزب داخل مجتمعه
وتحوله في جزء كبير منه الى ناد كبير
للموظفين تتأثر قراءته للاوضاع
باحتكامه الى كتب قديمة ومفردات قديمة
كما تتأثر بسطوة المؤسسة الامنية على
مفاصله. وان غياب الحزب وسلوك اجهزة
الامن الحقا في الشهور الماضية ضررا
برصيد الرئيس الذي كانت المعارضة تسلم
بوجوده في بداية الاحداث. بين قراءة السلطة لحصيلة الشهور الخمسة
وقراءة المعارضة لها يستمر الحريق
ويتدفق الدم. الازمة في سورية تحولت
هاجسا مقلقا لدول الاقليم. الدول
الكبرى نقلت الملف الى طليعة
اولوياتها. الاتصالات الاخيرة لاوباما
تعكس رغبة في اختصار المهلة التركية.
التطورات على الارض تسهل لاردوغان غسل
يديه. كل شيء يوحي ان الايام المقبلة
ستكون من قماشة الايام الصعبة
والمكلفة في سورية وفي علاقتها بعدد من
دول الاقليم العالم. ============= حسين شبكشي الشرق الاوسط 16-8-2011 من الأشياء التي سجلها التاريخ للجيش
السوري أن أحد عناصره، حسني الزعيم،
كان صاحب أول انقلاب عسكري في منطقة
الشرق الأوسط، وذلك في عام 1949، وفتح
بابا شيطانيا في المنطقة عموما وسوريا
تحديدا لتفرز لنا وجوها مستبدة حاقدة
فاسدة لا تعرف إلا لغة القهر
والاستبداد والظلم حتى تملكها جنون
العظمة والغطرسة المهولة؛ مثل عبد
الناصر، وصدام حسين، وعبد الكريم
قاسم، والقذافي، وعلي عبد الله صالح،
والنميري، وطبعا حافظ الأسد، وتفنن كل
واحد منهم في أساليب تعذيب وإهانة
شعبه، ولكن يبقى نظام الأسد هو المثال
الأكثر وحشية ودموية وهمجية، خصوصا في
استخدام جيشه لتحقيق هدفه. الجيش السوري تحول في عهدي حافظ الأسد
وابنه بشار إلى أداة قمعية بامتياز
لتحقيق أهداف «نوعية» لصالح النظام،
فدخل في حروب ضد الأردن والعراق ولبنان
لأسباب مختلفة، وإن كانت كلها غير سوية
وغير منطقية. وها هو الآن نفس النظام
المستبد يطلق قواته بدباباته ومدرعاته
برا وصواريخه وطياراته الطوافة جوا
وسفنه وفرقاطاته بحرا يدك مدنه بلا
رحمة ولا هوادة، ويحصد العشرات من
القتلى في مشهد لا يمكن إلا ربطه
بالموقف «المريب» من حافظ الأسد وابنه
تجاه الجولان والمقاومة المزعومة التي
تبناها النظام، سياسيا فقط، وليس
عمليا، لأن الجولان تحولت فعليا إلى
أكثر المناطق أمانا بالنسبة لإسرائيل،
لأنه خلال فترة طويلة جدا تزيد على
ثلاثة عقود لم يحصل فيها أي شكل من
أشكال المقاومة باسم الجيش السوري،
الذي تصرف عليه أرتال من الأموال
والعتاد، وتعداده البشري المهول موجه
كله بشعارات تحرير الجولان ومواجهة
إسرائيل، إلا أن كل ذلك تحول إلى وهم
وسراب، ولم تكن هناك معركة حقيقية
لنظام الأسد إلا مع شعبه فقط. واليوم بعد أن أقنع بشار الأسد الحكومة
التركية بإمهاله فترة أسبوعين حتى «يقضي»
على الثورة، وطبعا الأيام تمضي مسرعة،
ومعدلات جنون القمع الأمني من قبل
النظام بحق الشعب ومع تلك المظاهرات
الشعبية المعارضة لم تتوقف في كل المدن
وبأعداد متزايدة لتفند أكاذيب الإعلام
السوري بأن الأمور مستتبة،
والانشقاقات داخل الجيش في ازدياد،
والمواجهات بين الأفراد المنشقين عن
الجيش تتزايد ضد رجال الأمن المحسوبين
على دائرة الرئيس وطائفته مباشرة.
النظام اليوم يواجه نهايته، والتدخل
العسكري قادم لإيقاف جرائم النظام
السوري بحق شعبه لا محالة، الرئيس
الأميركي وكذلك رئيس الوزراء التركي
سيعلنان، كل على حدة، في الأيام
القليلة المقبلة، ضرورة تنحي بشار
الأسد ونهاية شرعيته، وستوجه تركيا
بمهام «محددة» داخل سوريا لوقف هجوم
جيش النظام ضد المدن، وذلك بعد صدور
قرار الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيه
يوم الخميس على الأرجح، وستلحقه
مجموعة قرارات اقتصادية مهمة تخص قطاع
النفط والمصارف لخنق تمويل النظام «المنتهي». إيران حاولت أن تهدد تركيا بأنها ستطلق
الأكراد عليها، ولكنها أدركت أن نظام
الأسد منته، وكذلك أدرك العراق وحزب
الله أنهما يدعمان مركبا ملأته الثقوب
وغمرته المياه وفي طريقه للغرق وإلى
قاع المحيط وبسرعة مهولة. تزداد قناعة
المجتمع الدولي بأهمية رحيل نظام
الأسد المجرم، ويتفاعل الناس بأشكال
مختلفة مع جرائم الأسد بحق شعبه، فمن
المظاهرات التي تتزايد في العواصم
العربية مطالبة برحيله إلى المقالات
واللقاءات الإعلامية التي تناشد نفس
الغرض إلى مقاطعة مطعم سوري في العاصمة
السعودية لأنه يضع صورة بشار الأسد إلى
تمزيق صور بشار الأسد في مكاتب «الخطوط
السورية» بالقاهرة وغير ذلك. ولكن العالم يطلب حراكا أكبر، يطلب سحب
كافة السفراء المسلمين والعرب من
سوريا، وطرد سفراء هذا النظام المجرم
من الدول، وتجميد عضوية هذا النظام في
جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون
الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية وكل
المنظمات العربية والإسلامية بلا
استثناء. نظام لم يحترم نفسه ولا شعبه
ولم يراع حرمة شهر القرآن ويستمر في
مسلسل الإبادة. على الجميع العمل على
إخراجه ورحيله فورا. والجيش السوري
بموقفه «العجيب» لن يتذكره التاريخ
بالانقلاب العسكري ولكن بالانقلاب
الأخلاقي، فعلى الأحرار فيه التنصل من
النظام، وهذا أعظم جهاد سيقبلون عليه. نظام الأسد يثبت أنه للحظة الأخيرة وبكل
الفكر التآمري بحق شعبه والعرب الذين
حاربهم والفلسطينيين الذين يبادون
الآن في مخيماتهم داخل سوريا أيضا، لا
يقل خطورة عن إسرائيل على المنطقة ============= ذكريات وأحزان من مفكرة
سوريا الشهيدة غسان الامام الشرق الاوسط 16-8-2011 وفاء لذكراه وتقديرا له، دفنت سوريا
طبيبها وقائد ثورتها الدكتور عبد
الرحمن الشهبندر، في جوار ضريح البطل
صلاح الدين الأيوبي. عَزّ على الرئيس
حافظ الأسد أن يكون لسوريا زعيم كبير
حتى في الممات، فأمر بنقل رفات الشهيد
الشهبندر بعيدا عن ضريح صلاح الدين. كنت في الخمسينات أذهب إلى من بقي حيا من
رجال ثورة الشهبندر. أسمع كيف دَوّخَ
بضع مئات من الثوار أكبر جيش أوروبي
آنذاك، في ثورة الغوطة (غابة الأشجار
المثمرة الكثيفة التي كانت تتحلق دمشق
في دائرة من الخضرة قطرها 12 كيلومترا). كما هي سُنَّة العمر والحياة، راح هؤلاء
الثوار الطيبون. المجهولون يغيبون
الواحد تلو الآخر، من دون أن يطلبوا
أجرا أو تكريما. على بساطتهم، وبعضهم
لا يقرأ ولا يكتب، كانوا يقولون لي
يكفينا أن يعيش أبناؤنا وأحفادنا
أحرارا. ما معنى أن ينزل إنسان مدني إلى الشارع،
وهو يعرف أنه قد لا يعود حيا؟ ها هم
الأبناء والأحفاد يواجهون، بلا خوف،
بصدورهم العارية رصاص «ابن أبيه»،
وقذائف جيشه ونظامه، لأنهم لم يعرفوا
طعم الحرية. الكرامة. العدالة، على مدى
خمسين سنة من حكم الطائفة والعائلة. بعد متاهة عسكرية استغرقت عامين في غابة
الغوطة، تمكنت دولة الانتداب من تقويض
ثورة الشهبندر (1925 - 1927). حكمت عليه
بالإعدام، فلجأ إلى مصر. في عام 1983، كنت
في لارناكا القبرصية، أحضر ندوة فكرية
لمثقفي العرب عن الديمقراطية (رفضت
العواصم العربية استضافتها). التقيت
هناك فتحي رضوان الذي كان أول وزير
للإرشاد (الإعلام) في الدولة الناصرية. في شباب شيخوخته، حدثني «الفتوّة» فتحي
رضوان عن ذلك المثقف السوري الذي
استقطب وبهر الشباب والمثقفين
المصريين، في أندية الثلاثينات
الثقافية، وهو يحدثهم بالتفصيل عن
المذاهب الفكرية والسياسية في القرن
العشرين. لم يكن فتحي رضوان قوميا عربيا. كان
مناضلا وطنيا. ومثقفا مصريا صميما. كان
يعزّ عليه أن يبشر سوري بالعروبة في
مصر «الفرعونية». أحرجته شيخوخته. فنسي
اسمه. سألني. قلت: الدكتور عبد الرحمن
الشهبندر. نفض فتحي رضوان الكرسي من
تحته. هب واقفا. صائحا بصوته الفرعوني
العريض: «آه. أيوه. الطبيب ده كان أخطب
من سعد زغلول. كان يتميز عن خطيبنا، بأن
لديه فكرا يقوله». لو عاش الدكتور الشهبندر لما شهدت سوريا
الانقلابات العسكرية التي عصفت
بديمقراطيتها الوليدة، في الأربعينات
والخمسينات. كان قادرا بجاذبيته
السياسية والشعبية، على استقطاب
الشباب والناس العاديين. بعد العفو
عنه، عاد الشهبندر إلى سوريا
الثلاثينات. بدأ النضال السلمي فورا ضد
معاهدة الاستقلال المنقوص التي عقدها
زعماء الكتلة الوطنية (هاشم الأتاسي.
جميل مردم. سعد الله الجابري. شكري
القوتلي) مع دولة الانتداب (1936). التف السوريون حول الشهبندر. حلموا معه
بالوحدة العربية، قبل أن يحلم بها عفلق
والبيطار. رفضوا المعاهدة. ضاقت حكومة
فيشي الفرنسية الفاشية بالرجل. فدفعت
المتزمتين في المؤسسة الدينية إلى
تكفيره. وتصفيته. اغتيل الشهبندر في
عيادته الطبية. لطخ دمه الأحمر القاني
ثوبه الأبيض، على مشهد من الفقراء
الذين كان يعالجهم مجانا. كان الشهبندر وفارس الخوري المثقفين
الوحيدين بين قادة النضال الوطني. قرن
الشهبندر العروبة بالديمقراطية. فكان
أول ضحية للاغتيال الديني السياسي (1940).
ذلك قبل أن يغتال الإخوان المسلمون
أحمد ماهر رئيس وزراء مصر (1945). ثم رئيس
الوزراء الآخر محمود فهمي النقراشي
(1948). وقبل أن يحاولوا اغتيال (الكافر)
عبد الناصر في الخمسينات. لم تَقْوَ أسرة الشهبندر على تحمل عداء «الكتلة
الوطنية»، وتجاهل نظام شكري القوتلي
لذكراه. جمعت الأرملة الأم أطفالها.
وقفلت بهم راجعة إلى مصر. فالقاهرة
يتسع قلبها لكل العرب. وإذا لم تخنّي
الذاكرة، فقد لقيت خلال إحدى زياراتي
للقاهرة نجلا للشهبندر كان طبيبا مثله.
وتطالعني في الصحف المصرية، بين الحين
والآخر، أسماء صحافيات. ومحاميات (شهبندريات)،
أعتقد أنهن من سلالة الأسرة
المتمصِّرة. زرت، كصحافي في الخمسينات، روابي الجولان
البركانية مرارا. رأيت حصونا محفورة في
الصخر، فوق الأرض وباطنها. أطللت منها
على سهل الجليل منبسطا كالكف تحتها. لم
يملك جيش في العالم ميزة جغرافية على
عدوه، كما امتلكها الجيش السوري. إلى
الآن، ما زلت مذهولا. كيف سقطت تلك
المرتفعات. والجبال. والحصون، كأوراق
الشجر، عندما كان حافظ الأسد وزيرا
للدفاع؟! في حرب النكسة (1967)، رأيت شبيحة نظام صلاح
جديد ينقلون ليلا صناديق من المصرف
المركزي بدمشق. راودني الشك. سألت
صديقا مديرا في المصرف. قال لي بحزن
ساخر: «إنهم ينقلون رصيد المصرف الذهبي
شمالا، يخشون أن يتقدم الجيش
الإسرائيلي نحو دمشق. ثورة البعث بحاجة
إلى تمويل. هي عندهم أغلى من الوطن». نتحدث عن الأب والابن. ننسى صلاح جديد. هذا
الضابط الغامض المغامر كانت له مآثر.
كان اللواء جديد أول من أرسى هذا
النظام الطائفي (1966)، بعدما غدر
بشركائه المستقلين والقوميين في
انقلاب (1963). سرح هو وحافظ الضباط
العسكريين المحترفين. ملأ هو ودكاترة
البعث الثلاثة (نور الدين الأتاسي.
يوسف زُعَيِّنْ. إبراهيم ماخوس) الحزب
بشباب وطلبة مهووسين بالتروتسكية
والماركسية. الأحياء من هؤلاء هم اليوم
من المروِّجين للانتفاضة الديمقراطية! استدار جديد نحو العرب، ليزايد على
أنظمتهم وتنظيماتهم بشعار «التقدمية»
الزائفة. اضطهدت أجهزته الفلسطينيين.
اعتقل جورج حبش. قاطع لبنان. أرسل بمكر
الخديعة الأديب القومي سامي الدروبي
سفيرا لدى عبد الناصر. نجحت الخديعة.
حالف عبد الناصر (عدوه القديم) صلاح
جديد ضد السعودية، في ذروة الأزمة
اليمنية. ثم... ثم ورط جديد الزعيم المصري في حرب غير
متكافئة، بينما جيشه يقاتل في اليمن،
على بعد ثلاثة آلاف كيلومتر. كانت
هزيمة النكسة مدوية. إلى اليوم، لم
يقدم نظام الشبيحة مراجعة تاريخية،
ونقدا ذاتيا، لحرب مضت عليها 44 سنة. لم تكن هزيمة النكسة درسا رادعا. دفع جديد
وزيره الأسد إلى شن حرب حقيقية على
الأردن! كانت الذريعة أن الأردن يضطهد
الفلسطينيين! وصلت القوات السورية إلى
إربد، متكبدة خسائر فادحة، بينما كان
الإسرائيليون يتفرجون من مرتفعات
الجولان المحتلة على حروب الأشقاء. للمفارقة، اعتذر ديفيد كاميرون
للبريطانيين والعالم، عن تهديده برش
الانتفاضة الإنجليزية بالمياه. ليته
يرى جيش (حماة الديار) وهو يرش مواطنيه
الذين يمولونه بعرق جباههم، بالرصاص.
ويهدم في رمضان مساجد دير الزور وحماه،
بقذائف الدبابات. لم تهنأ دولة الانتداب يوما واحدا في
سوريا، على مدى 25 سنة. كانت حماه ودير
الزور (عاصمة العشائر السورية) أول من
يثور على الاستعمار. وآخر من يهدأ. هذه
العشائر التي عرّبت سوريا منذ ألوف
السنين. لكن إهمال الأب والابن، دفع
شبابها إلى الهجرة، فاحتضنهم أهل لهم
في السعودية. والكويت. والإمارات. لذلك، لم يكن غريبا أبدا أن يسحب
الخليجيون سفراءهم من دمشق. هؤلاء
الخليجيون هم عرب أيضا. يتذكرون
القُربى. فتسيل دموعهم. وتهب نفوسهم
ثأرا للحَمِيَّة القومية. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |