ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 18/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

دلالات التصعيد الأردني ضد النظام السوري

فهد الخيطان

العرب اليوم

2011-08-17

تنسيق دائم مع تركيا وتفاهم مع الحلفاء يؤشر على تحرك دولي محتمل .

رفع الاردن من وتيرة انتقاداته للعنف في سورية, اتصال رئيس الوزراء معروف البخيت مع نظيره السوري امس الاول مثّل ذروة التصعيد في اللهجة ضد النظام السوري, وهو ما عده المراقبون خطوة تمهد لتبني موقف اكثر تشددا ينسجم مع المواقف الخليجية والامريكية والتركية.

وذهب محللون الى القول ان التصعيد الاردني مؤشر على تحرك دولي وشيك ضد نظام الاسد, وبحكم طبيعة التحالف الاردني مع الولايات المتحدة ودول الخليج لا يستطيع ان يبقى متخلفا في خطواته عن تحركات هذا التحالف, ناهيك عن الضغوط الداخلية التي تطالب الحكومة بمقاطعة النظام السوري وطرد سفيره من عمان.

في الاسابيع الأخيرة بدا الاردن اكثر ميلا لضبط تحركاته على ايقاع الموقف التركي والتناغم مع خطواته الدبلوماسية بشأن الازمة في سورية, ويظهر ذلك جليا من الاتصالات المكثفة واليومية بين وزير الخارجية ناصر جودة ونظيره التركي احمد داوود اوغلو, التي باتت يومية وعلى مدار الساعة لتنسيق المواقف, مع اقتراب الازمة في سورية من نقطة اللاعودة.

الاردن وتركيا الجاران لسورية هما الاكثر تأثرا بالاحداث الجارية في بلد يعد حجر الرحى في اقليم تتصارع قوى اقليمية ودولية للسيطرة عليه, ولا يمكنها بأي حال تجاهل التطورات في سورية والاستعداد للتعامل مع السيناريوهات المحتملة لمسار الاحداث, خاصة مع اصرار النظام السوري على الحل الدموي في مواجهة انتفاضة شعبية هزت اركانه.

ويعتقد مراقبون ان التصعيد الاردني يأتي في سياق خطة لعزل النظام السوري وتضييق الخناق عليه للقبول باستحقاقات الاصلاح. وفي حال اصرار النظام على مواصلة نهج العنف ضد المتظاهرين يمكن استخدام الخطة المذكورة كمظلة لموقف دولي في مجلس الامن يسمح باستخدام القوة والعقوبات بحق النظام السوري.

التنسيق مع تركيا في شؤون المنطقة عموما والشأن السوري خاصة امر مطلوب, والحرص على الانسجام مع توجهات الحلفاء التقليديين للاردن سياسة ألتزمت بها الحكومات الاردنية على الدوام, لكن ينبغي الحذر قبل التورط في الازمة السورية, وجَرّنا الى لعب دور عسكري او استخدام الاراضي الاردنية في عمليات عسكرية غربية. يتعين منذ الان ان نعرف حدود التصعيد في الموقف, اخذين بعين الاعتبار شبكة المصالح الاردنية مع سورية ووجود آلاف الاردنيين على ارضيها, وفي ضوء الوضع القائم حاليا, يمكن للنظام السوري ان يلحق الاذى بمصالحنا اذ تكفي الاشارة ان أكثر من 60 بالمئة من تجارتنا البرية تمر عبر سورية.

تستطيع دول الخليج ان تتخذ ما يناسبها من مواقف, ولتركيا من عناصر القوة ما يؤهلها للعب دور محوري في المنطقة, لكن بالنسبة للاردن المعادلة مختلفة, الخيار الوحيد أمامه الان هو الانفتاح على مختلف اطياف المعارضة السورية من دون قطع الصلة مع النظام, والالتزام العلني باحترام خيارات الشعب السوري الحرة, ومواصلة التنسيق مع القوى الدولية والاقليمية المنخرطة في الملف السوري.

ما من احد لا يساند الشعب السوري في انتفاضته ضد نظام استبدادي يمارس ابشع انواع القتل بحق شعب اعزل جريمته الوحيدة ثار في وجه الظلم والطغيان. علينا ان نبحث عن انسب الطرق لاسناده, لكننا ببساطة لا نريد ليبيا ثانية الى جوارنا.

==============

سوريا... وصمت «الجنائية الدولية»

دان مرفي

محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"

تاريخ النشر: الأربعاء 17 أغسطس 2011

الاتحاد

مازال القمع المتواصل للمحتجين على الديكتاتورية "البعثية" في سوريا يرتكب الفظاعة تلو الفظاعة في وقت تقوم فيه الحكومات الغربية المرتبكة، التي تملك أوراقاً قليلة لتلعبها ضد نظام عاقد العزم على ما يبدو على التمسك بالسلطة مهما كلف الأمر، بمراقبة الوضع وسط شعور بالعجز في الغالب.

وقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بشار الأسد وبعض من أقرب حلفائه؛ ودعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بلداناً أخرى إلى أن تحذو حذوها يوم الخميس. ومن جانبها، استدعت السعودية، سفيرها من دمشق رداً على قتل مئات المحتجين خلال شهر رمضان الكريم.

وفي الولايات المتحدة، هناك دعوات متزايدة إلى أوباما لمطالبة الأسد بالتنحي عن السلطة. غير أنه إذا كان ثمة شيء واضح في ما قام به الأسد خلال الأشهر الأخيرة، فهو أن نطق "كلمات الديمقراطية السحرية" من قبل أوباما (مثلما يسميها بعض مؤيدي سياسته المتمثلة في الإبقاء على السفير روبرت فورد في دمشق) لن يغيّر النظام بها.

ولكن أكثر ما فاجأني، بالنظر إلى الأدلة المتزايدة على أن سوريا تقوم بشكل متعمد بتحويل أجزاء من المدن المضطربة إلى مناطق حرب وتعذب المحتجين حتى الموت أثناء اعتقالهم، ومن بينهم مراهقون، هو جمود المحكمة الجنائية الدولية.

فيوم الخميس فقط، قُتل 17 محتجاً على أيدي قوات الأمن عبر البلاد، مثلما أفادت بذلك وسائل الإعلام.

وفي حماة، وهي مدينة مضطربة كان والد الأسد، الرئيس السابق، قد أمر بقتل الآلاف فيها في مطلع الثمانينيات لأنهم انتفضوا ضده، يقول نشطاء محليون إن 200 شخص قُتلوا منذ بداية شهر رمضان واعتقل أكثر من ألف شخص.

وقد مضت خمسة أشهر على بداية الانتفاضة في سوريا، وقتل أكثر من 2000 شخص حتى الآن. هذا في حين قامت المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق رسمي مع القذافي وبعض قادته العسكريين بعد مرور ثلاثة أسابيع فقط على بدء الانتفاضة؛ وطلب المدعي العام في المحكمة "لويس مورينو أوكامبو" مذكرات اعتقال في السادس عشر من مايو، والتي منحت له في السابع والعشرين من يونيو الماضي.

غير أن اللافت أن "مورينو أوكامبو"، الذي كان قوياً ونشطاً في شكواه بخصوص الجرائم في ليبيا، التزم الصمت عموماً بخصوص سوريا. والحال أن العنف في سوريا، كان بالقدر نفسه من السوء الذي كان في ليبيا، إن لم يكن أكثر، ومن الواضح أنه ينفذ كجزء من حملة منظمة.

فرغم الادعاءات التي تقول بأنه في كل مرة توجه فيها اتهامات، يتم البعث برسالة إلى مجرمي حرب حاليين ومقبلين، وأن المحكمة الجنائية الدولية لديها تأثير رادع لسلوك أنظمة تقاتل من أجل بقائها، إلا أن سوريا تمثل تذكيراً على أن ليس كل جرائم الحرب متساوية. فالسياق مهم – من أنت، ومن هم أصدقاؤك، وإلى أي مدى تخاف القوى الكبرى من العواقب.

وكانت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أفادت هذا الأسبوع بأن "حكومة غربية" ستدفع المال من أجل إجراء تحقيق يهدف إلى أن يؤدي إلى توجيه اتهامات (الصحيفة لم توضحها)، وأن بعض الحكومات الأجنبية، وفي مقدمتها المملكة المتحدة، دعت المجتمع الدولي إلى اتخاذ تدابير أقوى وأشد.

ولكن حتى الآن، لم يتم اتخاذ أي تدابير، وخلال هذا الأسبوع، ذكّرت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة "سوزان رايس" الصحافيين بأن عمل المحكمة الجنائية الدولية يتطلب دعماً من مجلس الأمن الدولي إذ قالت: "أعتقد أننا كنا نتحدث عما إن كان ذلك سيكون قريباً. وعليّ أن أقول بصراحة إنني أشك في ذلك".

ورغم أنها لم تقل ذلك، إلا أنه من الواضح أن أعضاء في مجلس الأمن الدولي مثل الصين وروسيا قلقون بشأن نوع القضايا التي تنظر فيها المحكمة الجنائية الدولية.

وفي هذا السياق، جادل "ستيوارت باتريك"، من مجلس العلاقات الخارجية في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأن الصين وروسيا خائفتان لأنه "إذا كان مخولاً لمجلس الأمن الدولي التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان واستعمال القوة ضد الحكومات الوطنية، فإنه قد يتخذ خطوة ما بخصوص غضب قديم من انتهاكات حقوق الإنسان في دولتيهما".

ولئن كان توجيه اتهام للأسد لن يؤدي إلى شيء ذي بال ربما، فإنه سيمثل خطوة أكثر قوة، وسيمثل تهديداً حقيقياً لتحركات الأسد المستقبلية ووضعه في العالم – شيء سيدفع العديد من حلفائه بلا شك إلى التوقف والتساؤل حول ما إن كان الدور سيكون عليهم في المرة المقبلة. وبالطبع، فإن توجيه المحكمة الاتهام إلى القذافي لم يدفعه إلى التزحزح عن مواقفه؛ ولكن توجيه الاتهام إلى الأسد سيشكل حقاً خطوة دولية عازلة وموحدة، خلافاً لقطع لكل العلاقات بشكل أحادي من قبل أوباما، وهو ما من شأنه أن يترك الولايات المتحدة لا تعلم شيئاً عن الأوضاع في سوريا في وقت يواصل فيه الأسد العلاقات مع دول أخرى.

بيد أن الحالة الليبية مقارنة مع سوريا مفيدة بخصوص إلى أي مدى يمكن أن تكون مواقف المحكمة الجنائية الدولية غير منسجمة عندما يتعلق الأمر باتخاذ إجراء ما، وهو مؤشر يتأثر بالسياسة الدولية مثلما يتأثر بالرغبة في توفير العدالة. وإذا كان إجماع عالمي وإقليمي واسع قد ظهر ضد القذافي بسرعة عقب بدء انتفاضة ذلك البلد في فبراير الماضي، فإن حالة سوريا الأكثر تعقيداً - حيث يوجد خوف واضح من اندلاع قتال طائفي في مرحلة ما بعد سقوط النظام ومخاوف من أن المشاكل هناك، يمكن أن تزعزع استقرار جيران مثل لبنان - خلقت صورة دولية أكثر تشويشاً.

===================

اللقاح الثلاثي

د.خالص جلبي

الاتحاد

تاريخ النشر: الأربعاء 17 أغسطس 2011

فكرة اللقاح فلتة عبقرية يكافح فيها الجسم عدواً لم يطأ مملكة البدن بعد؛ فيفتك به وهو على الحدود، وكذلك الأفكار العضوية في الثورات. ويعتبر "باستور" الفرنسي أبو فكرة اللقاح ضد السعار، وكانت ملحمة من ملاحم الطب في إنقاذ الأطفال من عضات الكلاب المسعورة، وهي قصة تنفع مع السعار "البعثي" في سوريا، وهو ينقض نهشاً في المدن؛ فيهلك الرهط من الناس في عضة واحدة من الشبيحة.

واستطاع كل من "سالك" و"سابين" تطوير لقاح "البوليو" ضد شلل الأطفال، وهو مرض أعرفه جيدًا نجوت منه بالصدفة وأنا طفل، ووقع بين براثنه الرئيس الأميركي روزفلت ومعه أخي الأكبر فانشلت حياته، وكذلك قدر الثورات يمكن أن تصاب بالشلل، إذا لم تلقح ضد أمراض خطيرة يمكن أن تهلك روح الأمة.

ومن أروع ما طوَّر الطب اللقاح الثلاثي والرباعي، وهو مزيج من عدة لقاحات في ضربة واحدة؛ فينجو الطفل من ألعن الأمراض من شهيق الديكة وذباح الصدر وشلل الأطراف والحلق فيموت مختنقاً وافتراس الرئة بالسل الآكل للنسج والعظام.

ولعل أخطر ما يواجه الثورة السورية من أمراض اجتماعية ثلاثة فوجب التلقيح، وهذا المرض الثلاثي هو مزيج (العنف) و(الطائفية) و(تورط الأجنبي)، قد تنزلق إلى واحدة، وقد تتراكب الثلاث، فتهلك سوريا، ولا تصل إلى خلاص الأمة من سرطان مستفحل، يجب أن ترتفع فيه قوة الجهاز المناعي، فيتخلص من السرطان البعثي.

لقد رأينا ضربة الصدمة والدهشة من رامسفيلد في العراق؛ فهلك صدام، ولكن نبت من لحمه ألف صدام، وتحول المرض الطاغوتي "البعثي" إلى طاغوت مختلف، فركب نفس العرش ولم تتغير الصورة إلا قليلًا.

إذا تورطت الثورة في سوريا بتدخل الأجنبي، فقد انتهت؛ ويكون النظام "البعثي" قد نجا برأسه، وقد ينهض الكثير من السوريين لمحاربة الأجنبي.

علينا اتباع الأرقام دوماً بضرب الرسمي بثلاثة أضعاف كما في حسابات المهندسين في كلفة البناء قبل أن يأكل المقلب. وإذا تورطت الثورة بالطائفية، فتودع منها لأنها ستجر إلى حرب لا تبق ولا تذر، يموت فيها الأبرياء قبل الظالمين. ونفق الطائفية بغيض قذر وصفها نبي الرحمة أنها نتنة. لو تحول قسم من النظام السوري إلى هذا المرض من سعار الطائفية، فقتلوا الناس فعلينا بالصبر حتى يأذن الله بالفرج.

وإذا تورطت الثورة بتبني السلاح والقوة، فقد ارتهنت للقوة وخسرت خسراناً مبيناً على الطرفين؛ إن خسرت ذبحت من الوريد للوريد، وإنْ نجحت ارتهنت للسلاح كما في قصص الانقلابيين الذين أهلكوا الحرث والنسل بالانقلابات العسكرية.

كيف ترسم إذن أسطورة الخلاص من نفق الاستبداد إلى فضاء الحرية؟ والجواب هو الإسراع بتعاطي هذا اللقاح الثلاثي، كما في انتشار الأوبئة، فيلقح الناس في الحج ضد الحمى الشوكية التي تضرب الدماغ فيهذي المصاب ويسخن مثل مرجل.

كذلك وجب تعميم اللقاحات حتى لا يتورط الناس بطائفية، ليحترب العلوي مع السني، والعشائري مع الكردي، ثم ليقتل الكل الكل، كما في حرب لبنان التي دامت عشرين عاماً.

قصص الحروب الأهلية مروعة، ويروي لنا التاريخ فظاعات يقشعر لها البدن، وتكاليف تستهلك جهد الأجيال؛ فقد هلك في حرب الثلاثين عاماً على الأرض الألمانية ستة ملايين ونصف المليون من الشباب، في حرب طائفية من أصل عشرين مليوناً هم السكان، واحتاجت ألمانيا إلى ثمانين عاماً لترمم المصاب الجلل.

حذار من الأمراض والمراهنة على وعي الثورة أن لا تدخل هذا الوحل، وأن لا تجر إلى هذا المساق، كما فعل العقيد الليبي فصمد حتى اليوم. ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد.

===================

من يحسد السوريين؟!

محمد خلفان الصوافي

الاتحاد

تاريخ النشر: الأربعاء 17 أغسطس 2011

كم هي لافتة تصريحات مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، التي قالت فيها مؤخراً إن سوريا "موضع حسد العالم". وبررت هذا الحسد الذي تتصوره من واقع تصدي سوريا للمؤامرات الخارجية!

أغلبنا كعرب يتمنى أن يكون الشعب السوري موضع حسد العالم كله، سواء من حيث مستوى المعيشة أو من حيث علاقته بحكامه. ولكن بالنظر إلى تلك التصريحات في واقعها، لا يمكن إلا أن نضعها في خانة الاستهلاك الإعلامي بعد أن عاش النظام أزمة سياسية داخلياً من خلال فقدانه شرعيته، وخارجياً بالضغط الدولي من أجل تغيير أسلوب التعامل مع شعبه.

حديث بثينة شعبان إذا كان واقعاً مَعِيشاً في سوريا فهو كلام لابد أن يحظى بالتقدير والاحترام. المشكلة ليس كما جاء على لسان المستشارة، بأنهم محسودون ولكنهم فعلاً يحتاجون إلى أن يشفق العالم عليهم. الشعب السوري منذ أكثر من ثلاثة عقود يعاني قهراً اجتماعياً وسياسياً من نظامه. وهو اليوم يسجل أرقاماً قياسية في أعداد القتلى على يد مؤيدي النظام وبطرق بشعة، وهذا مشهد لا يمكن لأحد أن يحسدهم عليه!

أكثر المراقبين تفاؤلاً لم يكن يتوقع حجم المأساة الإنسانية أو الاستعانة بقوات نظامية لتمارس التقتيل. الرأي العام العالمي لا يحسد الشعب السوري، ولكنه متعاطف معه بسبب ما يحدث له من حكامه.

الذي يحسد السوريين على ما هم عليه هي الأنظمة الشبيهة بالنظام السوري الذي بإمكانه أن يدخل "موسوعة جينيس" للأرقام القياسية، بعد أن استطاع أن يقتل أكثر من 2000 مواطن سوري في فترة زمنية قصيرة.

أي إنسان طبيعي في العالم كله يمتلك فكرة ولو بسيطة عن طبيعة الأوضاع الاجتماعية في سوريا، لا بد أن يتملكه شيء من الشفقة على تلك التصريحات التي لا يمكن أن تصدر من مسؤول كبير. السوريون وهم خارج وطنهم لا يستطيعون الحديث عن النظام السوري حتى بالإيجاب، إلا بعد أن يلتفتوا يميناً ويساراً أكثر من مرة. وخوفي أن يكون هذا هو ما تقصده مستشارة الرئيس السوري بأن العالم يحسد السوريين.

مثل هذه التصريحات تذكر الشعب العربي بإعلام أحمد سعيد من إذاعة صوت العرب. وتذكرنا بظاهرة محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام في نظام صدام، وإن كانا أكثر ذكاء؛ لأن وسائل تداول المعلومات لم تكن متوافرة بالحجم الحالي، فكانوا يحاولون أن يتلاعبوا بالمعلومات بشيء من الذكاء الإعلامي فيؤثروا على الرأي العام العربي. وبرغم غرابة التصريحات من حيث الزمن، فإنها بالنسبة للمواطن العربي باتت شأناً طبيعياً له. فمن الطبيعي أن يعترض المستشارون العرب على ما تنشره وسائل الإعلام عن النظام. وصار يعرف أن المستشارين في الدول العربية دورهم أن يقولوا للحاكم ما يحب أن يسمعه منهم، فمهمة المستشار اقتصرت على أن يطرب ويمدح الحاكم ويثبت صحة نظرياته.

ما نتمناه فقط أن يتم التعامل مع هذا المواطن بشيء من الذكاء، لأنه أصبح واعياً بكل ما يحدث حوله، واكتشف كل شيء وعرف أن مثل هذه التصريحات مادة إعلامية لم تعد صالحة ل"الاستهلاك الإعلامي". إنه يعيش أزمة ثقة مع إعلام وطنه، ولم يعد يستقي معلوماته منه ولا من المتحدثين الرسميين. التجارب علمته أن هذه تصريحات إما غير دقيقة أو غير صحيحة بالمرة، هدفها فقط تجميل الصورة والتستر على الوضع الحقيقي، وليس توضيحه.

===================

النظام السوري يتخطى حدود الشر المعتاد

مها بدر الدين

الرأي العام

17-8-2011

حمل السيد أوغلو استياء السيد أردوغان بين عينيه وتوجه إلى سورية لينقل لنظامها رسائل الغضب التركي من ممارساته القمعية التي لم يعد بالإمكان تجاهلها دولياً، وحمل معه آمال السوريين بقدرة الأتراك على كبح جماح النظام السوري المائج والسيطرة على أسلوبه القمعي الهائج، وتفاؤلهم ببريق أمل لاح لهم من أنقرة يوحي بأن الفرج قريب، لكن يبدو أن استياء أردوغان وغضب أوغلو كانا كالنار التي تضرم بغصن أخضر، فلا الغصن يحترق ولا النار تستعر، ولا ينتج عن هذا الإضرام سوى سحابة من الدخان تنتشر بكثافة وتتلاشى بسرعة في مكانها.

فالفزعة التركية القوية التي سبقت زيارة الوزير أوغلو إلى دمشق لم تتناسب مطلقاً مع نتائج هذه الزيارة التاريخية التي كان ينتظرها ملايين السوريين القابعين تحت أسواط النظام السوري وهمجية جلاديه، ولم تتناسب كذلك مع سقف التوقعات الذي ارتفع بارتفاع حرارة التصريحات التركية وهوى سريعاً ببرودة النتائج التي خرج علينا بها الأوغلو من زيارته تلك.

لقد تفاجأ السوريون بأن تركيا التي تمثل حالياً دور الناطق الرسمي باسم المجتمع الدولي في ما يخص الأزمة السورية، قد أعطت النظام السوري مهلة خمسة عشر يوماً لإجراء إصلاحاته التي وعد بها سابقاً، والكفيلة (من وجهة نظرهم) بإعادة الأمن والأمان إلى أرض الشام، متناسين بأن مفردات اللغة السياسية السورية تختلف في معانيها عن مفردات السياسات الأخرى، فهي لغة ضدية تنقل الصورة بشكلها المقلوب وتمزج الأبيض بالأسود لينتج عنهما اللون الأحمر، فكما حولت هذه اللغة المتظاهرين السلميين إلى جماعات إرهابية، ووصفت القمع الوحشي للشعب السوري بعمليات التطهير لإعادة الأمان، فإنه من هذا المنطلق يصبح معنى الإصلاح مزيداً من القتل والعنف للسيطرة على الشارع السوري، وتعني المهلة التي سيُراقب بها أداء النظام الضوء الأخضر الذي أُعطي له لتنفيذ سياساته القمعية ومحاولة إنقاذ نفسه من السقوط أمام تصاعد الاحتجاجات الشعبية، ولأن السوريين وحدهم يعرفون عقلية مستبديهم ولغتهم الدموية أدركوا أن خمسة عشر يوماً ستعطي فسحة لهذا النظام وشبيحته بممارسة هواياتهم في القنص والقتل والتنكيل بهم في محاولة مستميتة لإخضاعهم واستعبادهم لردح آخر من الزمن يعلم الله وحده كم يمكن أن يطول.

ولم يخب ظن الشعب السوري بهم فالنظام الفاشي لم يضع وقته هدراً، وأرسل قوافل جنده في أصقاع سورية المختلفة لتحاصر المحافظات بدباباتها ومدرعاتها، وتقتحم المدن مدينة تلو الأخرى لتقتل الأرواح وتعيث في الأرض فساداً، وتشن حملات دهم واعتقال واسعة، وتمارس طقوساً جاهلية في شهر رمضان الفضيل يستحي المشركون بالله من القيام بها، فالمآذن تستهدف بمدفعياتهم، والجوامع تحاصر بدباتهم إما لمنع قيام الصلاة فيها وإما لقتل المصلين داخلها، ويجبر المعتقلون وأهاليهم على السجود لقائدهم وتأليهه والتسبيح باسمه، وما خفي كان أعظم.

ورغم التحرك الدولي الملحوظ بعد جمعة «صمتكم يقتلنا» إلا أنه كان تحركاً سلحفاتياً لا يتماشى مع الخطب الجلل الذي يلم بأهلنا في الشام، ولم ينجح حتى الآن في إيقاف توغل قوات الجيش والأمن في الديار التي أصبحوا حرامييها بعد أن كانوا حُماتها، كما لم يمنع النظام الديكتاتوري من التغول في استبداده والتفنن في أساليب قمع وقتل واعتقال المواطنين السوريين الذين يؤكدون يومياً بتظاهراتهم السلمية اليومية رغم الحصار والدمار والقصف بأنهم قد حزموا أمرهم على التخلص من كابوس النظام، وحسموا موقفهم برفضهم لإصلاح لا يبدأ من سقوطه أولاَ.

وقد لوحظ بشكل لافت ازدياد النشاط الإجرامي للنظام السوري منذ منحه المهلة المثيرة للشك والريبة، واتساع رقعة الحرب التي يشنها هذا النظام على شعبه الأعزل، وأصبح واضحاً بأنه بدأ مرحلة الجنوح السلطوي والجنون القمعي وفقدان التوازن السياسي بعد أن استشعر رجحان كفة الشعب الثائر على كفة سلطته المستبدة، وبأن المجتمع الدولي بدأ يعد العدة لإقصائه وإعلان سقوط شرعيته بعد أن أكد بغبائه السياسي ومجاراته للأساليب الإيرانية في إدارة الأزمة بأنه نظام فاشي يستعصي على هتلر نفسه أن يتخيل أن له خليفة في القرن الواحد والعشرون يسابقه في تخطيه حدود الشر المعتاد.

السؤال الملح الآن في ذهن أي مواطن سوري ماذا بعد هذه المهلة المهلكة؟ فالسلطان الجائر لا يزال ماضياً في غيه، والشعب الثائر لا يبرح أماكن احتجاجه، وعجلات الآلة العسكرية لا يزال يسمع هديرها القاتل في أرجاء الوطن المكلوم، والشهداء يزفون كل يوم إلى بارئهم والمعتقلات الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود، وماذا يخطط زعماء المجتمع العربي والدولي للأيام المقبلة على السوريين، وما هي السيناريوات التي ستطرح بعد اجتماعاتهم ومهاتفاتهم ومشاوراتهم الدائرة في أروقتهم الآن؟ خصوصا وأن قد ثبت أن النوايا الصادقة في الإصلاح لم تكن يوماً على أجندة النظام السوري، وأن لغة الدم هي اللغة الوحيدة التي يجيد التفاوض بها.

===================

نعم هناك مؤامرة على سوريا ..

خيرالله خيرالله

المستقبل

17-8-2011

ليس في الامكان تجاهل وجود مؤامرة كبيرة على سوريا. ولكن من وراء المؤامرة؟ الجواب ان هناك بالفعل مؤامرة على البلد وشعبه. مؤامرة ضخمة الى درجة يمكن ان تؤدي الى تفتيت هذا البلد العربي المهم نتيجة الاحداث التي يشهدها حاليا. في اساس الاحداث الراهنة، التي هي في الواقع ثورة شعبية، بل امّ الثورات الشعبية العربية، نظام مريض يعتقد ان في استطاعته معالجة المشاكل التي يعاني منها عن طريق الهرب المستمر منها من جهة والغاء من يعتبرهم خصومه داخل البلد وخارجه من جهة اخرى.

نعم هناك مؤامرة على سوريا. عمر هذه المؤامرة ثمانية واربعون عاما واكثر. واذا كان على المرء ان يكون دقيقا، بدأت المؤامرة في الثامن من آذار 1963، تاريخ وصول حزب البعث العربي الاشتراكي الى السلطة عن طريق انقلاب عسكري. جاء هذا الانقلاب ليعيد التذكير بان سوريا تعاني منذ العام 1949 من الانقلابات العسكرية التي ادت الى انهيار الديموقراطية والحياة الحزبية فيها.

لكن نقطة التحوّل الاساسية نحو الاسوأ جاءت مع تولي البعث السلطة معتمدا على تنظيمه العسكري الذي ما لبث ان تخلّص من الواجهة المدنية وصولا الى تصفيات بين العسكر انفسهم انتهت بتولي حافظ الاسد مقاليد السلطة من دون اي منازع في السادس عشر من تشرين الثاني من العام 1970. عرف ذلك ب"الحركة التصحيحية" التي اوقفت مسلسل الانقلابات العسكرية، لكنها ادخلت سوريا في غياهب مزيد من الديكتاتورية والتسلط والقمع على الطريقة الستالينية...

في سوريا، منذ العام 1970، نظام لا يؤمن سوى بالهرب الى امام من مشاكل الداخل، بما في ذلك المشاكل التي ورثها عن العهود السابقة. فالعلاقة بين النظام البعثي، الذي تحول تدريجا الى نظام عائلي، والمدن الكبرى وبعض المناطق السورية متوترة منذ ما قبل تولي حافظ الاسد السلطة. احداث حماة بدأت في العام 1964، بعد سنة من وصول البعث الى السلطة. وكان في الواجهة وقتذاك ضابط سنّي من حلب هو امين الحافظ عُيّن رئيسا للدولة. لم يتردد امين الحافظ الذي لم يكن سوى واجهة لضباط آخرين كانوا يتحكمون بالبلد، على رأسهم صلاح جديد وحافظ الاسد، في اللجوء الى القمع الوحشي.

ما شهدته حماة في العام 1964 تكرر في العام 1982 عندما انتفضت مجددا. انه وضع شبيه بما تشهده المدينة اليوم مع فارق ان اهل حماة يدركون في السنة 2011 ان اسوأ ما يمكن ان يلجأوا اليه هو السلاح والعنف...

تكفي نظرة الى العدد الرقم 5528 من جريدة "الحياة" الصادر بتاريخ الواحد والعشرين من نيسان 1964 للتأكد ان الثورة في سوريا ليست بنت البارحة وان الشعب السوري لا يزال يقاوم المؤامرة منذ العام 1964. في الصفحة الثالثة من الصحيفة التي كانت وقتذاك لا تزال ملكا لصاحبها ومؤسسها الشهيد كامل مروه سلسلة من العناوين تصلح لاي عدد في اي صحيفة محترمة تصدر اليوم او غدا او بعد غد. هناك خمسة عناوين في الصفحة الثالثة من العدد المذكور من الصحيفة. العنوان الاوّل لمقال كتبه كامل مروه هو: "يا لها من مأساة". الى جانب المقال قطعة على ستة اعمدة عنوانها: "46 جثة تحت انقاض جامع السلطان ومئذنته وتفاصيل رهيبة عن المجازر والقمع الدموي". اما العناوين الثلاثة الاخرى فهي الآتية: "تأميم شركة الاخشاب باللاذقية بعد تأميم شركتي نسيج كبيرتين" و"اضراب دمشق مستمر في يومه الثاني تضامنا مع حماه" و"اضرب محامو دمشق تضامنا مع حماه وطلبوا الغاء حالة الطوارئ واجراء انتخابات".

منذ 1963، المؤامرة على سوريا مستمرة. حصل تهجير لكل العقول السورية وحصل تأميم لكل المصانع التي كانت منتجة بالفعل، كما اممت الاراضي الزراعية وفق خطة عشوائية حولتها من ارض غنية الى ارض بور. كان الهدف إفقار سوريا تحت شعار "الاصلاح الزراعي". والاهم من ذلك كله، انه لم تعد في سوريا حياة حزبية او سياسية في وقت فقد المواطن حريته وكرامته...

لا تزال سوريا تقاوم. تقاوم المؤامرة وتقاوم نظاما الغى الانسان وهو مستعد لإلغاء كل من يعترض على تصرفاته داخل البلد وخارجه.

من هذا المنطلق، يمكن فهم كم ثورة الشعب السوري عظيمة وكم هذا الشعب عظيم. انه يقاوم مؤامرة عمرها نصف قرن تقريبا. مؤامرة استهدفت عمليا شعب سوريا بحجة ان لسوريا دورا اقليميا وانها تمسك بكل الاوراق في المنطقة. يا لها من مؤامرة ادت الى تمكين إسرائيل من احتلال الجولان، مؤامرة امتدت الى لبنان بهدف وضع اليد عليه عن طريق اثارة كل انواع الغرائز الطائفية والمذهبية في الوطن الصغير واغراقه بكل انواع الاسلحة والمسلّحين.

لدى سوريا شعب عظيم. هل يتغلب على المؤامرة التي يتعرض لها منذ سنوات فيعيد سوريا الى السوريين ام تقضي المؤامرة على البلد بمن فيه؟ هل ينتصر الشعب السوري على المؤامرة؟

===================

صراع على "الجسر السوري"!

راجح الخوري

النهار

17-8-2011

أسقط أحمد داود أوغلو "مهلة الأسبوعين" التي أعطاها رجب طيب أردوغان للرئيس بشار الأسد لوقف العمليات العسكرية ضد المتظاهرين. وفي أقل من 24 ساعة، انهالت المطالبات على النظام السوري من واشنطن ولندن وأنقرة والرياض والسلطة الفلسطينية بوقف القصف فوراً. ولكن ليس من المحتمل ان تتوقف عمليات القصف، التي دفعت الدبابات الى محاصرة المدن السورية والاضطرار لدخولها المرة تلو المرة، بما يؤكد ان دورة التظاهر والمطالبة بالحرية لن تتوقف بعد ستة أشهر من استعمال القوة والعنف!

لا ندري معنى ان يقول أوغلو لدمشق حازماً: "أوقفوا القتل، هذه كلمتنا الأخيرة". ما معنى" كلمتنا الاخيرة" الآن بعد كل ما تردد عن استعداد تركي للتدخل عسكرياً، أو على الأقل لإقامة حزام داخل الأراضي السورية؟ الأخطر أننا لا ندري ما معنى المشاورات الأخيرة بين أردوغان والرئيس باراك أوباما، التي قيل إنها درست الوضع في سوريا، على قاعدة المجازر التي سبق ان شهدها العالم في رواندا، بما قد يعني ضمناً وجود تفكير بتدخل عسكري دولي في سوريا!

وإذا كانت تركيا قالت كلمتها الأخيرة، فإن إيران مستمرة في قول كلامها اليومي حيال دعم الأسد ومساعدته لوجيستياً وعسكرياً ومادياً كما يعلن علي خامنئي تكراراً، والذي أعطاه ستة مليارات دولار، وخصه ب290 ألف برميل نفط يومياً، وأوعز الى نوري المالكي في العراق بدعمه بمبلغ 10 مليارات دولار.

من الواضح تماماً ان الأزمة في سوريا تحولت حلبة صراع متصاعد بين تركيا وإيران يدخل الآن مرحلة الضرب في الخواصر. وليس سراً ان البلدين يجدان أنهما يقفان على رقعة استراتيجية ذات بُعد إقليمي مهم لكل منهما. فاذا كانت سوريا تمثل المنصة الإيرانية الضرورية لمصالح إيران وامتداداتها غرباً في اتجاه العراق ولبنان والأردن وفلسطين ووقوفها كقوة تملك نفوذاً على الشواطئ الشرقية للمتوسط، بما يعطيها نفوذاً في الإقليم وفعالية في مواجهة الغرب، وهو أمر حيوي لها بالنسبة الى النوويات والى دورها الخليجي، فإن سوريا تمثل الجسر الذي تعبر عليه مصالح تركيا في اتجاه الجنوب وصولاً الى لبنان والأردن وفلسطين والعراق، وهو الذي يؤمن بالتالي وزناً كبيراً لها كقوة إقليمية يعتمد الغرب عليها كمحور إقليمي كونها القوة الثانية في الأطلسي بعد أميركا.

 ورغم اتساع المصالح الاقتصادية بين إيران وتركيا التي استطاعت ان تلعب دور معبر صادرات النفط والغاز الإيرانيين، وهو ما أنعش اقتصادها بتريليون دولار، فإن من المحتم حصول صدام إيراني – تركي متصاعد فوق الحلبة السورية. كل ذلك على قاعدة متناقضة تماماً، بمعنى: إن بقاء النظام السوري يعني استمرار الجسر الإيراني شرقاً وسقوطه يعني اتساع الجسر التركي جنوباً، والقصة تتعدى الجسر وحتى دور الدولتين الى تغيير جذري في الواقع الاستراتيجي في المنطقة الأشد حساسية وخطورة على نطاق دولي... ومرة جديدة: الحكمة... الحكمة أو الفوضى!

===================

الموقف الاردني تجاه سوريا: الحسابات والتحولات!

حسين الرواشدة

 الدستور

17-8-2011

يبدو أن حسابات السياسة الاردنية تجاه «سوريا» تغيرت، فبعد اكثر من خمسة شهور تدرج فيها الموقف الاردني من الرهان على قدرة النظام السوري على ضبط ايقاع الاحتجاجات واستيعابها بحلول اصلاحية الى الدفع باتجاه ما يلزم من نصائح للخروج من الازمة، الى الوقوف في المنطقة «الرمادية» انتظاراً لمواقف اقليمية ودولية ناضجة للضغط على النظام بشكل جدي ومؤثر.. بدأ الموقف الاردني يأخذ شكلاً أكثر وضوحاً، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء في مكالمة مع نظيره السوري، فهمنا منها ما يشبه التحذير من الاستمرار في التعامل مع المطالب الشعبية بمنطق العنف والقوة.. وهو تحذير سبقنا اليه الاتراك والخليجيون، ويبدو انه سيتطور قريباً باتجاه مواقف اكثر حزماً ضد ممارسات النظام السوري التي تجاوزت كل الحدود والاعتبارات السياسية والانسانية ايضاً.

لا يستطيع الاردن – بالطبع – ان يتفرج على مشهد القتل وا لقمع الذي يتعرض له السوريون، ولا يمكن للمسؤول الاردني الذي دخل مبكراً على خط الأزمة من باب «النصيحة» وبدافع الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها ان يستمر في التعامل مع نظام تخلى عنه معظم حلفائه، وانكشفت شرعيته السياسية، وأصمّ اذنيه عن سماع أي رأي آخر أو نصيحة، واذا اضفنا لذلك اعتبارات الجيرة والمصالح المشتركة بين البلدين، والآثار «الكارثية» التي يمكن ان تترتب على «الحل الامني» الذي انحاز اليه النظام السوري، وكذلك الخيارات التي سيذهب اليها في حال تصاعد الثورة وانسداد أبواب الخروج من الأزمة وتدخل «الاجنبي» وفق اكثر من سيناريو.. فإن التحول الذي طرأ على الموقف الاردني أخيراً يبدو مفهوماً، ومن المتوقع ان يتطور لاحقاً، سواءً لجهة استدعاء السفير الاردني في دمشق، او المساهمة مع عواصم عربية للتمهيد لقرار تصدره الجامعة العربية قد يذهب «بالازمة» السورية الى مجلس الامن.. وهذا يعني دخولها مباشرة في دائرة «التدويل»، واعتقد ان ثمة من يدفع باتجاه هذا الخيار، رغم خطورته وكارثيته.

لا شك – ايضاً – ان لهذا التحول في الموقف الاردني تحديداً، والمواقف العربية والاقليمية والدولية بشكل عام دلالات عديدة، أهمها أننا أمام مرحلة جديدة أصبح فيها النظام السوري «معزولاً» تماماً، ومجرداً من أي ورقة سياسية تمكنه من المناورة، وهذا يستدعي تبلور «تحالف» عربي بمشاركة اقليمية (تركيا تحديداً) ودولية (الناتو أصبح جاهزاً) لنزع الشرعية عن الرئيس الأسد ونظامه، وتحويل الملف الى مجلس الأمن، وربما تكرار «سيناريو» معدل للسيناريو الذي جرى تنفيذه في ليبيا.. إن لم تحدث مفاجآت على صعيد «التغيير» من داخل النظام بحدوث اشتقاقات في الجيش مثلاً.

ثمة اكثر من ورقة يراهن عليها النظام السوري، منها جرّ المنطقة الى صراعات او ربما حروب تساعده في تصدير أزمته الى الخارج او اقلمتها وتدويلها وفق حساباته الخاصة، ومنها تحريك «الازمات» الطائفية في المنطقة لدفع بعض العواصم العربية الى «الاحجام» عن الضغط عليه، ومنها اشعال حرب أهلية تشغل السوريين وتمنح النظام فرصة لتبرير الحل «العسكري».. وهذه بالطبع سيناريوهات ممكنة، ولكنها لن تسعف النظام في الخروج من ازمته نظراً لاعتبارات عديدة، ابرزها انه وصل الى نقطة العجز واللاعودة.. كما ان الوقت قد فات بعد ان جرّب ما لديه من خيارات واستنفدها بالكامل.

نظراً لهذه المخاوف، وأمام اصرار النظام السوري على المضي في طريق الحل الامني والعسكري بهذا الشكل «المرعب»، لم يعد بوسع السياسة الاردنية ان تبقى على «الحياد» او ان تستمر في ممارسة دور «الناصح» او «المتهم» او «المراقب»، وكان لا بد ان تتحرك باتجاه آخر.. ولكن هذا – بالطبع – لا يكفي اذا ما اردنا ان تكون حساباتنا في المسار الصحيح، سواءً باتجاه الداخل السوري، بمكوناته وخياراته المستقبلية، او باتجاه الاقليم والخارج وما يرتب من «قرارات» او اجراءات لمواجهة الحدث السوري والدخول في «تفاصيله» المعقدة!.

التاريخ : 17-08-2011

===================

هل دخلت سوريا «مرحلة ما بعد الأسد» ؟!

عريب الرنتاوي

 الدستور

17-8-2011

لم تبق دولة في العالم – باستثناء إيران – إلا ونصحت النظام السوري أو ضغطت عليه، لتنفيذ إصلاحات جوهرية، والإصغاء لنبض الشارع وهدير حناجر السوريين...الآن وقبل فوات الأوان...الآن وقبل أن تبلغ التطورات نقطة «اللاعودة»...الآن وقبل أن يتكامل بنيان المجتمع الدولي، وينعقد إجماعه حول الحاجة متعدد الأشكال والمسارات والجبهات والجنسيات.

وما كان للأردن (الرسمي) بالطبع، أن ينأى بنفسه بعيداً عن «مربعات سياسته الخارجية» و»دوائر تحالفاته وصداقاته»...فكان ما كان من «تطور» في الموقف، بلغ ذروته في الاتصال الهاتفي بين رئيسي الحكومتين، والذي ينذر – ربما – بخطوات تصعيدية إضافية، تزامناً مع تصاعد نشاط آلة القمع الدموية السورية، التي تتنقل من مدينة إلى بلدة، ومن قرية إلى مخيم، غير آبهة بشلال الدماء التي تنزف غزيرة.

مدفوعاً بشبكة واسعة من المصالح والروابط، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعوائلية...ومتحسباً لاعتبارات أمنه الوطني الذي طالما تأثر بهبوب رياح التهديد «الشمالية»...لزم الأردن (الرسمي)، جانب الحياد في الأزمة السورية...وأبقى تعبيراته عن مواقفه من مجريات الأحداث، في أدنى مستوياتها...عرض النصح وعبر عن القلق ولوّح بنفاذ الصبر وعدم القبول باستمرار عمل ونشاط آلة القتل الوحشية...والأرجح أن قادمات الأيام، ستشهد خطوات إضافية على هذا الطريق.

وفي ظني أن «تصعيد» لغة الخطاب الرسمي حيال النظام في سوريا، لن تجد مقاومة أو رفضاً شعبياً أردنياً...غالبية الأردنيين تكره ما يفعله النظام السوري بشعبه، والذين ذهبوا إلى دمشق، يعبرون عن آراء شريحة ضيقة من الأردنيين...والمستمسكون بنظرية «عنزة ولو طارت» ويصرون على تقديم فروض الولاء والطاعة لنظام دمشق، حتى بعد دخول سلاح البحرية على خط الحرب على اللاذقية، مدينة ومخيماً، هؤلاء لا يجدون من يصغي لترهاتهم...فنحن نسمع في كل محفل ومجلس، ضيق الناس و»قرفهم» مما يجري على حدودنا الشمالية.

التيارات الرئيسة في المعارضة، وبالأخص الإسلاميين على اختلاف توجهاتهم، سبقت الحكومة في التعبير عن الرفض والإدانة والتنديد بسياسات النظام السوري وممارسته...والأرجح أن الحال سيستمر على هذا المنوال، طالما ظلت «كرة اللهب» تتنقل من قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، ومن مخيم للاجئين إلى مخيم آخر لهم.

ثم، أن الأردن، الذي يقيس مواقفه هذه الأيام، بميزان خليجي حساس بامتياز، ما كان له أن يتأخر طويلاً أو أن يقف بعيداً عن الموقف السعودي، الذي استدرج مواقف بحرينية وكويتية، فضلا عن مواقف قطرية وإماراتية، سبّاقة في إدانتها للنظام السوري...علماً بأن البحرين والكويت، مدينتان لنظام الأسد، الأب والابن، بالشيء الكثير...فالأسد الأب، بعث بقواته إلى حفر الباطن، في حرب تحرير الكويت، والأسد الابن بارك دخول السعودية وقوات درع الجزيرة على البحرين لاستئصال دوّار اللؤلوء الذي كاد يتحول إلى «ميدان تحرير» بالمقاييس والمعايير البحرينية.

أما على المستوى الدولي، فلم يعد بالإمكان بعد التصاعد والتصعيد في المواقف الأوروبية والأمريكية، وبعد التبدّل الذي طرأ على مواقف الصين وروسيا، وبعد التصريحات التي صدرت عن زيارة ترويكا مجموعة «الإيبا» التي تضم كلا من الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، لم يعد ممكناً بعد كل هذا الانزياح في المواقف الدولية، أن يظل الأردن ملتزماً الصمت حيال ما يجري في سوريا، فكانت الانتقالة، مؤلمة وطبيعية ومحفوفة بالمجازفة كذلك.

إن صحت القراءة الأردنية لمجريات الأحداث السورية، فإن عمّان كغيرها من العواصم، بدأت تتعامل مع مرحلة ما بعد الأسد في سوريا...وعمّا قريب جداً، سيدأ المجتمع الدولي بمطالبة الرئيس بالتنحي، وسنسمع عن عروض بملاذات آمنة بدأت بأسبانيا، ولن تكون جدة من بينها، لا سيما بعد أن بدأ الإجماع الدولي ينعقد على الإقرار بفقدان النظام لشرعيته، و»أن سوريا من دون الأسد، ستكون أفضل حالاً».

والحقيقة أن أحداً غير النظام السوري نفسه، لا ينبغي أن يُلام على الأوضاع الصعبة التي انتهت إليها الأزمة...والحال المؤلم الذي آلت إليه الأوضاع في سوريا...لقد أدار النظام أذنا من طين وأخرى من عجين لكل النداءات المخلصة والمغرضة على حد سواء...وفقد أصدقاءه وحلفاءه تباعاً، الواحد تلو الآخر...عربياً فقدت دمشق الحليف القطري النشط، الذي تحوّل إلى خصم شرس...إقليمياً فقدت «ذخراً استراتيجياً» تمثل في تركيا / أردوغان وليس من المستبعد أن تتحول أنقرة عمّا قريب إلى «عبء استراتيجي» على النظام...ودولياً، فقد النظام حليفاً قوياً في الإليزيه، لطالما لعب أدواراً ريادية في فكفكة عزلة دمشق الدولية...والآن يبدو أنه لم يبق للأسد سوى أحمدي نجاد وحسن نصرالله و»اللجنة الشعبية الأردنية لمساندة سوريا».

===================

لهذا كان هذا الموقف!

صالح القلاب

الرأي الاردنية

17-8-2011

عندما يرفض النظام السوري كل مناشدات الذين ناشدوه وفي مقدمتهم الأردن بأن يغلب الحكمة على التهور وألاّ يتعامل مع شعبه بكل هذه القسوة والعنف وألا يلجأ إلى حلول القوة العسكرية الغاشمة والى سياسة جنازير الدبابات وفوهات المدافع فإنه أمرٌ طبيعي بعد أن طفح الكيل وفشلت كل محاولات الإقناع أن تكون هناك مطالبة بوضع حدًّ لذبح الشعب السوري وأن يقال: «يجب وقف هذا الذي يجري وعلى الفور».. وقد تتطور الأمور إلى ما هو أكثر من هذا!!.

منذ اللحظة الأولى ,وفور انطلاق شرارة هذه الاحتجاجات التي كانت مطالبها متواضعة ومعقولة والتي بسبب التصرفات الخاطئة والعنجهية المتمادية تحولت إلى ثورة عارمة وعلى هذا النحو, كانت النصيحة ,وبلا جملٍ ولا ناقة, إلى الرئيس بشار الأسد بأن عليه ألاّ يلجأ إلى الحلول الأمنية والعسكرية وأن عليه أن يبقى قريباً من شعبه ومتواصلاً معه وأن عليه أن يبادر إلى إصلاحات فعلية حتى وإن هي متواضعة لكن وللأسف فإنه لم يستمع إلى كل هذا كما أنه لم يستمع إلى نصائح رجب طيب اردوغان واختار أن يسلك الطريق الشائك والوعر الذي أوصله إلى هذا المأزق المتفاقم الذي يفرض على دول الجوار فرضاً أن تطالب بوضع حد له و«فوراً» لأنه بات يشكل شأناً داخلياً لهذه الدول كما هو شأن داخلي سوري.

ولهذا ولأنه لم تعد هناك إمكانية للمزيد من النصائح ولأن التصعيد العسكري المتلاحق ضد الشعب السوري سيُعرَّض الأمن الوطني للدول المجاورة لسوريا والمتداخلة معها سكانياً وجغرافياً إلى أخطار فعلية ومؤكدة فإنه كان لا بد من أن يقول الأردن للمسؤولين السوريين: «كفى» وإنه لا بد من إفهامهم بأنهم لن يُتْرَكوا ليواصلوا التصرف مع شعبهم بكل هذا العنف والذبح وجنازير الدبابات ويقحموا المنطقة كلها في اضطرابات مدمرة ستكون نتائجها وخيمة.

ربما إن من حق النظام السوري أن ينتحر كما يشاء لكن بشرط ألا يفعل ما كانت فعلته أنظمة عربية أخرى أصيبت بداء الغرور والعنجهية فكانت النتيجة أَنْ جلبت إلى هذه المنطقة كل هذا التواجد العسكري الأجنبي وكل هذه الويلات والمصائب فهذا تلاعب بأمن دول المنطقة كلها ولذلك فإنه يجب أن يكون مفهوماً أنه عندما يُسمح لإيران بالتدخل في الشأن الداخلي السوري الذي هو شأن داخلي أردني وشأن داخلي سعودي كما هو شأن داخلي تركي فإنه لا يوجد أي مجالٍ للسكوت وأنه يصبح من الضروري التفكير حتى باللجوء إلى ما بقي مرفوضاً حتى مجرد التفكير فيه.

إنه ليس شأناً داخلياً أن تفتح الأبواب على مصاريعها للمشاركة العسكرية الإيرانية ,بالخبراء والأموال والنفط ومن خلال ألوية «عاشوراء» السيئة الصيت و«فيلق القدس» بقيادة قاسم سليماني السيئ السمعة, لقمع الشعب السوري ومصادرة تطلعاته ولإغراق بلد عربي رئيسي تتأثر المنطقة كلها بما يجري فيه في الفوضى وعدم الاستقرار فهذا لا يجوز السكوت عليه وبخاصة وأن المسؤولين السوريين رفضوا الاستماع إلى أصوات العقل والحكمة التي وصلت إليهم من الأردن ومن المملكة العربية السعودية ومن دول عربية حريصة أخرى وتمسكوا بصيحات الحرب القادمة من إيران واستجابوا لتعليمات الولي الفقيه الذي يسعى لإحياء «الصفوية» القديمة.

نتمنى مع طالع شمس ألف مرة أن يلهم الله الحكمة للمسؤولين السوريين ليكتفوا بما فعلوه بشعبهم ويعودوا للغة العقل ويتخلوا عن سياسة جنازير الدبابات ويستجيبوا على الأقل لمطالبات الشعب السوري السابقة قبل أن يرتفع بمطالباته إلى ما وراء الخطوط الحمراء تحت الضغط المتواصل والتقتيل الأهوج والوحشي الذي تجاوز كل الحدود لكن عندما يستمر هؤلاء بالتصعيد والإصرار على معالجات العنف والقوة فإنه أمر طبيعي أن يلجأ الأردن وتلجأ الدول المتأثرة إلى التحذير والى ما هو أكثر من التحذير إذا استمر التلاعب بأمن هذه المنطقة على هذا النحو السافر وبهذه الطريقة الخطيرة.

===================

كلمة تركية «أخيرة».. ماذا في الأفق؟

Kharroub@jpf.com.jo

محمد خرّوب

الرأي الاردنية

17-8-2011

اصداء تصريحات رئيس الدبلوماسية التركية أحمد داود اوغلو, ما تزال تتردد في جنبات المنطقة وتخومها, بعد أن بدت وكأنها تقترب من نقطة اللاعودة وارتقت الى درجة الانذار الذي يتجاوز مرحلة الكلام, على ما قال اوغلو نفسه فهل نحن أمام خطوة بل خطوات تركية دراماتيكية تضع المنطقة دولها والشعوب، أمام مشهد جديد يؤسس للعصر التركي, الذي لا يجد اردوغان كما عبدالله غل وخصوصاً مهندس دبلوماسية صفر مشاكل (التي باتت موضع تساؤل ان لم نقل فشلاً كبيراً) غضاضة في الحديث عنه والعمل بدأب ومثابرة على بلورته وتشكيله؟

من المبكر القول أن تركيا ستذهب الى نهاية الشوط في «سياستها السورية», وبخاصة بعد اجتماع الساعات الست التي عقدها مع الرئيس السوري ووزير خارجيته, الذي خرج بعد اوغلو ليتحدث بتفاؤل عن خطوات سورية جريئة خلال اسبوعين من الآن, ما يعني أن الرجل سمع كلاماً-حتى وهو ينقل رسالة من عبدالله غول لنظيره السوري, قالت تسريبات الصحف التركية أن الاول «حذّر» الأخير من التلكؤ في اتخاذ قرارات تستجيب لمطالب الشعب السوري «حتى لا يندم لاحقاً»!!

نقول تصريحات أوغلو اوجدت انطباعا فوريا بان دمشق مقبلة على مرحلة جديدة رغم ان الاعلام السوري الرسمي نقل له مصادر رئاسية ان الاسد اكد ان بلاده لن تردد في محاربة الجماعات المسلحة.

موقف انقرة الاخير الغاضب والمنفعل يعكس ازمة في الدبلوماسية التركية اكثر مما يؤسس لضغوط مماثلة على دمشق، التي لا تبدو في عجلة من امرها او انها «محشورة» بين مواعيد وتواريخ واستحقاقات ملزمة بتسديدها «غب الطلب» سواء في «غضون اسبوعين» على ما اعلنت انقرة عند مغادرة اوغلو العاصمة السورية وليس بالتأكيد «فورا» على ما هدد وزير الخارجية التركية الذي يستعد ورئيسه غل للهبوط في مقديشو في خطوة انسانية رمزية وذات عوائد كبيرة على الدبلوماسية التركية تضامنا مع الجائعين وضحايا الجفاف في الصومال المنكوب.

اين من هنا؟

انقرة (لا دمشق كما تجب الاشارة) هي التي وضعت نفسها في ظرف ضاغط وباتت «ملزمة» باتخاذ خطوات تعكس حجم غضبها الذي يبدو انه مبالغ فيه، تفوح منه رائحة المزايدة والبحث عن دور قيادي اكثر مما يشكل انتصارا للشعب السوري ومطالبه المحقة وهي بتكرار تهديداتها انما تكون صعدت شجرة عالية بات من الصعب عليها الان النزول عنها الا عبر سُلّم يوفره لها الاخرون، بعد ان لم يتريث قادتها في قطع «المتر الاخير» من مشوار الزعم بان ما يحدث في سوريا هو شأن داخلي تركي.

ويبدو ان قميص او اعلان حقوق الانسان العالمي هو السُلّم الذي قد تلجأ انقرة للاستعانة به للنزول او للتصويب على النظام السوري متذرعة ايضا بمبدأ التدخل الانساني (...) الذي طالما شكل الذريعة التي تخفت وراءها قوى الاستعمار التقليدي والحديث على حد سواء، ناهيك عما يمكن ان يكون في جعبة انقرة من «ايذاء» لدمشق سواء في فرض عقوبات اقتصادية ام في سحب سفيرها وتخفيف بعثتها الدبلوماسية وربما قطع العلاقات كخيار متطرف.

هل من مزيد؟.

نعم.. ثمة التلويح بالخيار العسكري او اقامة منطقة عازلة (بالقوة) في شمال سوريا بحجة حماية اللاجئين لا نحسب ان انقرة لا تدرك عواقبه ومخاطره وبخاصة ان المعارضة التركية لن تقف متفرجة بل هي الان لا تتردد في اتهام اردوغان بالعمل لحساب القوى الكبرى كما قال دولت بهشتلي زعيم الحركة القومية المتشددة، فيما حذر كمال اوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري من مغبة مشاركة تركيا في أي تدخل عسكري في سوريا.

===================

الثورة السورية.. المواجهة والأسئلة الإشكالية

الأربعاء، 17 آب 2011 01:26 

د. عيدة المطلق قناة

السبيل

بات من الواضح للعيان أن مفردات الحالة السورية تتلخص بنظام -كغيره من أنظمة الاستبداد في المنطقة- يدير البلاد وفق منهج أمني، أقام دولة أمنية حديدية.. وأدار البلاد بسلطوية مفرطة.. حتى تصدرت الدولة السورية قائمة الدول العربية التي تصادر الحريات وتنتهك حقوق الإنسان وتمنع الأحزاب السياسية المعارضة من التنظيم والعمل الشرعيين، وتضيق على المجتمع المدني.. فكان من الطبيعي أن تؤدي مثل هذه الإدارة الحديدية وغياب الحرية إلى الاستبداد وسيطرة الفساد المالي والإداري.. بل تعاظم في البطش وتكميم الأفواه.. والاستئثار بالسلطة والثروة والإعلام... إلى أن نصب من ذات الحاكم "إلهاً" يعبد يسجد له ويسبح بحمده!

وحين بدأت مؤشرات الاحتقان والتوتر الاجتماعي بالظهور.. تلقاها النظام باستعلاء واستصغار.. ما أدى إلى ارتفاع منسوب التوتر وتعاظم السخط واتسعت دائرة الناقمين.. وبدلاً من التوقف والتدبر والحكمة في المعالجة كان التحدي بالمضي في تهور متواصل.. وركوب حماقة الطغيان إلى مداه الأبعد.. حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه من حالة انحباس حاد.. ووضع سياسي متشنج..

نحن اليوم أمام نظام يعاني من مركب حقد ثأري مرعب.. جعل عنوانه الاستراتيجي "أنا أو الفوضى".. وحتى يمنع الفوضى لا مانع لدية من بحار من الدماء.. ولا مانع من تنفيذ سلسلة من المجازر والإبادة الجماعية المنهجية.. دون تمييز -في القتل والاستهداف- بين رجل وامرأة أو طفل.. ودون حرمة لشيء.. فلا حرمة لمسجد أو مستشفى.. ولا حرمة لبيت أو مدرسة.. ولا مانع بين الفينة والأخرى -ومن قبيل التنويع- من التسويف والمراوغة وشراء الوقت وإطلاق بعض وعود التنفيس.. ولو أدى ذلك إلى الوقوع المتكرر في حالة الانفصام بين معسول القول.. ووحشية السلوك!!

إن نظاماً يعاني من كل هذه التشوهات.. من الطبيعي أن تأتي ردود أفعاله وأقواله ومواقفه على ذات الشاكلة من التشوه والارتباك.. ومن هذه التشوهات نكتفي بالإشارات التالية:

1- حين اعترف رأس النظام ب"الأزمة".. قام بإطلاق وعود بالإصلاح وأعلن عن إصلاحات في مجالات محددة.. ولكنه كان يقدم هذه الإصلاحات باليمنى لينتزعها -في الوقت نفسه- باليسرى.. فمثلاً:

- حين أعلن رفع حالة الطوارئ؛ قام بعدها بتوجيه الجيش لاجتياح المدن السورية الواحدة تلو الأخرى..

- وحين أعلن عن إطلاق سراح المعتقلين.. استتبعها بحركة اعتقالات واسعة النطاق حتى ضاقت السجون بعشرات الآلاف من الثوار..

- وحين أعلن عن قانون الأحزاب السياسية.. ظل مصراً على الإبقاء على المادة الثامنة من الدستور التي تنصب "حزب البعث" قائداً للدولة والمجتمع..

- وحين أطلق الحوار مع المعارضة.. أصر على الإبقاء على قانون يحكم بالإعدام على منتسبي جماعة الإخوان المسلمين..

وهكذا.. حتى فقد الشعب ثقته بكل وعود الإصلاح.. واعتبرها كاذبة هدفها التنفيس وشراء الوقت..

2- عندما اعترف النظام بالانتفاضة الشعبية ووصف مطالب المنتفضين ب"المحقة والمشروعة".. استتبع هذا الاعتراف بتصنيف المنتفضين إلى ثلاث فئات هم: أصحاب الحاجات المعيشية.. وفئة العملاء والمخربين والمندسين الذين ينفذون أجندة خارجية لضرب النظام الممانع وهؤلاء ينتشرون على امتداد الأرض السورية يعيثون فيها فساداً (حتى تجاوز عديدهم 65 ألفا.. وهؤلاء مزودون بأسلحة ثقيلة ومتطورة وسيارات دفع رباعي ووسائل اتصال حديثة).. وفئة ثالثة هي الأصوليون والإرهابيون والتكفيريون..

ويبدو أن الهدف من هذا التصنيف كان تبرير كل ما تلاه من قمع وحشي واجتياحات عسكرية للمدن السورية الواحدة تلو الأخرى بالدبابات والمصفحات والمدرعات وكتائب القناصة والشبيحة.... وتبرير قيام الدبابات بفتح نيرانها على الجميع (لا تستثني منهم أحداً.. حتى حافلات أطفال المدارس -أطفال الرستن مثالاً-).

وفي مرحلة تصعيدية تالية بدأ النظام باستخدام الطائرات العمودية في قتل المتظاهرين!.. ثم تطور الأمر إلى حد استخدام البوارج البحرية لقصف المخيمات والأحياء والمدنيين..

إن هذه الاستهدافات تشير إلى أن النظام السوري اختار الحل العسكري في مواجهة الثورة.. والزج القسري بها نحو (النموذج القذافي ولا أقول الليبي)!! وذلك على الرغم من التأكيدات المتواصلة للثوار وتنسيقياتهم بعدم تكرار "التجربة القذافية".. والتأكيد على تمسكهم بسلمية الثورة.. وتعهدهم بعدم رفع حجر بوجه النظام وآلته الحربية!!

3- الإصرار على أداء إعلامي بائس.. إعلام إنكاري تبريري ما زال يصر على إلغاء الآخر وتجريم الاختلاف.. وتزييف الحقائق.. وتجميل النظام... وتسويغ الممارسات.. والتغطية على الانتهاكات.. والمبالغة في تقدير فكرة "المؤامرة".. إعلام حافل بالعناوين الملفقة.. إعلام تتدنى فيه لغةِ الحوارِ الى أدنى مستوياتها الأخلاقية!!

4- تحريك الفتن تحت عناوين مختلفة، ولعل من أخطرها اللعب على وتر الطائفية.. في حين أن النظام نفسه هو الذي عمل ويعمل وفق نظام المحاصصة الطائفية والمناطقية والإثنية في انتهاك صريح للدستور الذي يحرم هذه المحاصصة.. ولعل المشهد الإعلامي الرسمي، يحتشد بالطروحات المريبة التي يروج لها أنصار النظام والتي تدور حول الاستهداف الطائفي واتهام الأصوليين بما يجري في البلد!!

5- الإصرار على أن ما يجري في سوريا من ثورة من أجل الحرية إنما هو بفعل تآمر خارجي يستهدف دور سوريا في الممانعة والمقاومة.. ويستهدف تقسيم البلاد وتفكيك وحدتها..

صحيح أن سوريا -وكل الأمة- تتعرض بالفعل لمؤامرة دولية حقيقية، ولكن ربط هذا التآمر بالانتفاضة الشعبية.. ما هو إلا محاولة بائسة لتشويه هذه الثورة المباركة..

ولو سلمنا جدلاً بدور النظام السوري الممانع والمقاوم.. فإن هذا التسليم يستببع تساؤلات إشكالية منها:

- أي معركة تحرير يمكن أن يخوضها نظام يقتل شعبه بكل وحشية؟

- وهل يستطيع هذا النظام أن يخوض بشعب جله من المندسين والعملاء والسلفيين والعصابات المسلحة والمخربين والمتآمرين معركته التحريرية؟

- وكيف لشعب تم تجريده من جميع عناصر إنسانيته وكرامته -وبشكل منهجي منظم- أن يخوض معركة تحرير الوطن؟ وعن أي وطن يمكن أن يدافع مثل هذا الشعب؟

===================

الموقف الرسمي من سوريا

الأربعاء، 17 آب 2011 01:29 

  جمال الشواهين

السبيل

طلب الأردن على لسان رئيس الوزراء من سوريا ضرورة وقف العنف فوراً الذي تزامن مع الطلب التركي على لسان وزير الخارجية بضررة رفض العنف فوراً أيضاً، يحتاج إلى وقفة وتفسير حول ما إذا كان موقفاً أردنياً خاصاً فرضت الحاجات والمصالح الأردنية والخشية من انعكاسات عليها جراء الأحداث، أو إذا كان موقفاً منسقاً مع دول وجهات عربية وأجنبية، أو إذا ما كان مجرد انسياق غير مدروس سياسياً، وذلك لأن الموقف الرسمي الأردني في سوريا لا يكون نفسه على سبيل المثال في ليبيا، وذلك بحكم الجوار والعلاقات المتشابكة بين البلدين والشعبين. والتي هي محل حسابات دقيقة، حتى في الظروف الطبيعية، فما بالنا وهي على ما هي عليه الآن في سوريا.

قبل رئيس الوزراء معروف البخيت كان الموقف رسمياً يخرج على لسان وزير الخارجية ناصر جودة، وكان محدداً بالدعوة للحوار والأسف على ما يجري وإطلاق الأمنيات بحل الأزمة، وهو موقف لا يحرج الأردن ولا يحمله أي أعباء، أما الآن ونحن أمام تصريح جديد من رئيس الوزراء حمل موقفاً حاسماً بالطلب لوضع حد فوراً، فإن حساب الأعباء على ذلك يبدو في واقع الأمر أنه غير دقيق، وفيه ما يبعث للبحث حول أهمية الموقف على ما هو عليه من قوة وتحديد وطلب، وفيما إذا كان مؤثراً ومحسوباً له حساب كما هو الحال بالنسبة للموقف التركي.

الأردن الشعبي مجمع على إدانة ما يتعرض له الشعب السوري، ووجود قلة قليلة على عكس ذلك معروف أمرها وعدم تأثيرها بأي مستوى من المستويات، لا يعني شيئاً أردنياً وسورياً أيضاً.

لو أن تصريح رئيس الوزراء الأردني جاء مستنداً للموقف الشعبي الرافض لتعرض الشعب السوري للقتل والقمع، وعبر عنه تماماً بهذا السياق، لكان فيه تفهماً، حتى من الجهات الرسمية السورية نفسها، خصوصاً أنه كان كذلك في تجربة الموقف من الحرب على العراق عندما لم يشارك الأردن فيها انسجاماً صريحاً مع الموقف الشعبي، وتفهم الغرب الموقف آنذاك، غير أنه في سوريا ليس على ذات تلك السوية أبداً، ما يبعث للقلق حوله، حتى من القوى الشعبية التي تقف إلى جانب الشعب السوري، ذلك إذا ما حمل في طياته ما يدفع للمواجهة مع النظام في سوريا عبر تبرير التدخل الأجنبي وتمهيد الطريق لذلك.

من أول الذين اتخذوا موقفاً ناصحاً للنظام السوري ومديناً للحل العسكري والأمني وشاجباً له كان هنا في هذه الزاوية، ولأن الأمر نفسه الآن، فإن المطلوب ما زال نفسه أيضاً، إذ لا حل دون عودة الجيش للثكنات وإتاحة التظاهر السلمي والالتزام بإجراء انتخابات حرة، ويضاف إليها الآن تعويض الذين تضرروا.

===================

الانتفاضة السورية إذ تطرق باب 'قصر الروضة'

فراس كيلاني

القدس العربي

17-8-2011

 يكاد يتفق غالبية المعنيين بالملف السوري على حقيقة حتمية سقوط نظام البعث بصيغته التي حكمت البلاد والعباد لأربعة عقود ونيف، وذلك بعد أن ثبت فشل كل الطرق التي اتبعها الرئيس السوري والمقربون منه في وأد انتفاضة الشعب المطالب بالحرية، لكنها حقيقةٌ يبدو أن أركان هذا النظام لا يزالوا يرفضون الاعتراف بها حتى اللحظة.

وبالمقابل، ليس من المبالغة في شيء القول بأن الانتفاضة السورية، ورغم هول الإنجاز الذي استطاعت تحقيقه بصمودها حتى اليوم، ستختبر في مقبل الأيام أصعب اللحظات وأقساها، قد تخلف في البلاد ندوباً كبيرة لن يكون من السهل التخلص منها سريعاً.

ليس التشاؤم هو ما يدفع إلى هذا التوقع بقدر ما هو المسلك الذي اتبعه نظام الأسد منذ بدء الاحتجاجات في درعا منتصف آذار/مارس الماضي، والذي لا يدع مجالاً للشك بأن هذا النظام سيخوض معركته، في الداخل والخارج،حتى النهاية.

السيناريوهات المتعددة التي بدأت تتسرب عبر بعض وسائل الإعلام العربية والغربية لدفع الأسد لوقف حمام الدم في غير مدينة سورية، تؤكد أن الانتفاضة استطاعت دفع كل القوى الفاعلة في المشهد الإقليمي للبدء بترتيب نفسها لمرحلة ما بعد نظام البعث. شكل ذلك تطوراً تلا مرحلة طويلة من التردد الذي وسم غالبية مواقف الدول الغربية إزاء هذه الانتفاضة، والامتناع عن الإدلاء بأي رأي من قبل الدول العربية لحين صدور الموقف الخليجي وبيان المملكة العربية السعودية قبل أيام.

لكن هذا التطور، وما تلاه من رسائل وصفت بالحاسمة وصلت القيادة السورية من حليف الأمس التركي، لم تدفع بشار الأسد للقيام بأي تغيير حقيقي على صعيد سحب قوات الجيش والأمن والشبيحة من المدن السورية، والبدء بخطوات إصلاحية حقيقية. حتى أنه لم يكلف دبلوماسيته عناء الرد رسميا على البيان السعودي وما تلاه من استدعاء للسفراء من قبل الكويت والبحرين، ما يشي بأن النظام السوري اختار متابعة مسار اختطه منذ البدء بوأد هذه الاحتجاجات بقوة النار.

ويلحظ المتابع لما يجري على الارض السورية بسهولة أن مستوى العدوانية الذي يميز سلوك قوات الاسد قد ارتفع بشكل ملحوظ بعد هذه التطورات وصل حد استهداف مآذن الجوامع بالقذائف كما حدث في مدينة دير الزور الاربعاء الماضي، وهو ما يشكل مرآة تعكس حجم الحنق والتوتر اللذان يميزان سلوك القيادة السورية في هذه اللحظة العصيبة التي يمر بها النظام في مواجهة السؤال الابرز، وهو سؤال القدرة على الخروج من هذه الأزمة مع الاحتفاظ بالسلطة.

حتى اليوم لم يصدر عن هذا النظام ما يشي بتفكيره في احتمال تسليم مقاليد الحكم للشعب الذي يبدو أن جزءاً كبيراً منه مصرٌ على المضي قدماً في تحقيق مطالبه بإسقاط النظام، بل لم يوحِ هذا النظام حتى بمجرد وضع هذا الاحتمال بعين الاعتبار. العكس هو ما يثبت يوماً تلو آخر، إذ لم يطرأ على الخطاب السياسي للنظام أدنى تغيير، رغم توسع الاحتجاجات لتعم غالبية المدن والقرى السورية، مخلفة أكثر من ألفين وخمسمائة قتيل وآلاف الجرحى والمعتقلين، ناهيك عن نحو ثلاثة آلاف مفقود، بحسب تقديرات إحدى المنظمات الحقوقية السورية.

لكن هذا النظام بات على ما يبدو قاب قوسين من تجرع كأس السم، إن لم يكن قد تذوقه بالفعل مؤخراً من يد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو. فالمؤشرات على اختلاف مصادرها، تؤكد أنه بات مضطراً لمجابهة الحقيقة التي اصر على تجنبها طيلة الاشهر الماضية، ماضياً في خياره الامني لوأد الاحتجاجات دون جدوى.

بات على نظام بشار الاسد الذي ورث حكم الجمهورية العربية السورية عن أبيه أن يفكر جدياً في الخيارات التي تضيق، ليس يوماً إثر يوم، بل ربما ساعة تلو أخرى، وأن يضع في الحسبان احتمال خسارته معركة بقائه، وهو الاحتمال الذي لو كان وضعه نصب عينيه مبكراً لكان جنب البلاد الكثير من الدم الذي سفك، والويلات التي تلوح في الافق.

لكن، وبناء على الخطاب السياسي لهذا النظام، لا يبدو أن ثمة من يبدي أي استعداد لهكذا خيار ضمن التركيبة التي تدير شؤون البلاد. بناء على هذا الخطاب، وعلى ما تقدم من سلوك هذا النظام منذ بدء الاحتجاجات، يمكن القول بأن اللحظة الاصعب على الانتفاضة السورية، قد تكون تلك التي سيبدأ فيها نظام البعث الإدراك بأنه فقد زمام المبادرة وفي طريقه لفقدان خيوط اللعبة بالكامل والخروج من قصور الحكم إلى مهب الريح.

فهذه اللحظة قد تدفع النظام، الذي يدار اليوم من قبل أشد المتطرفين ضرواة، للإيغال أكثر فأكثر في الدم السوري، لدرجة لا يستبعد معها أن يقوم باستخدام أقصى أنواع القوة ضد المحتجين، ربما في محاولة أخيرة لإنهاء الاحتجاجات، أو انتقاماً لن يتورع عنه إذا ما وجد نفسه على أبواب محاكمة دولية، تقول بعض المصادر الدبلوماسية الغربية أنها بدأت أولى فصولها بالفعل بجمع الأدلة على ارتكاب نظام الاسد جرائم ضد الإنسانية.

فبنية وتركيبة النظام التي تستر عليها الاسد الأب والابن طيلة أربعة عقود، بمزايدات قومية على الخليج الرجعي ومصر كامب ديفيد والنظام الاردني العميل واليمين الفلسطيني وغيرها من اتهامات ظل يسوقها هنا وهناك، بنية هذا النظام تكشفت في الاشهر الماضية بأقبح صورها عبر جيوش الشبيحة التي استباحت البلاد بطريقة 'شائنة' والتعبير للخارجية الأمريكية.

ومفهوم الشبيحة هنا لا يقتصر كما كان سابقاً على بعض مرافقي أبناء أعمام الرئيس في اللاذقية، إذ فوجئ المجتمع السوري بعد بدء الانتفاضة بأنه تعبير مطاط اتسع ليضم بين جنباته جزءاً كبيراً من جيش 'حماة الديار'، خصوصاً في الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، وكذا الحال فيما يتعلق بعشرات الآلاف من العاملين في المؤسسات الأمنية، المدنية منها والعسكرية، وأيضاً أولئك الذين تصدوا لدورهم في المعركة عبر 'التشبيح الإعلامي'، فبات بحسبهم الطفل حمزة الخطيب 'في طريقه لسبي نساء مساكن الضباط' قبل أن يختطف ويقتل بأبشع الطرق. وربما يتسع المفهوم أيضاً ليشمل جيش الاسد الالكتروني واتحاد الطلبة وقطاعات لم تكن لتخطر على بال.

جيوش لن تتوانى عن ارتكاب أبشع الانتهاكات في اللحظة التي ستستشعر فيها خطر فقدان السلطة، فحبل نجاة هؤلاء لن يكون إلا بانهيار بنية الدولة وزوالها، وهي معركة يجب أن تضعها كل الاطراف المشاركة في الانتفاضة السورية وفي مقدمتها معارضة الداخل نصب عينيها والتحسب لها، لما قد تقود إليه من مخاطر قد تستدعي إعادة النظر في الموقف المعارض للتدخل الخارجي، ونشدد قد تستدعي ذلك، امام هول ما قد يقدم عليه هذا نظام الاسد الجريح الذي لم يبد أي استعداد لأدنى تنازل حقيقي حتى اللحظة.

وفي هذا السياق، وبالنظر إلى شح المعلومات عما يدور في اروقة السلطة، ليس من الواضح إن كان لا يزال ثمة مجالاً لصوت العقل، لا مؤشرات علنية على ذلك حتى اللحظة، اللهم باستثناء المبادرة التي صدرت عن وزير الإعلام السوري الأسبق محمد سلمان وبعض المسؤولين السابقين الذين لعبوا دوراً بارزاً خلال حكم الأسد الاب، والتي اشتُم منها رائحة انتقادات قد تكون مقدمة لتصدعات في الجدران المنيعة لهذا النظام، تستند إلى ضروة تأمين استراتيجة خروج آمن ولو متأخرة من السلطة قبل أن يغرق المركب بجميع من عليه، خصوصاً وأن المحتجين تظاهروا على بعد عشرات الامتار من مكاتب الرئاسة في قصر الروضة على كتف قاسيون قبل بضعة أيام.

===================

الحجج الساقطة للديبلوماسية السورية

الاربعاء, 17 أغسطس 2011

رندة تقي الدين

الحياة

رسالة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون في ٨ آب (اغسطس) الماضي، تعليقاً على البيان الاول لمجلس الامن الذي دان قمع النظام السوري لشعبه، مضحكةٌ مبكية بمضمونها. يقول رئيس الديبلوماسية السورية في هذه الرسالة إنه «توجد مبالغات كثيرة في تصوير الأحداث السورية الراهنة، وإنه يتم تضخيم حقيقة ما يجري على الأرض بهدف التحريض والتهويل، مع إغفال واضح لحجم الأضرار والخسائر بسبب ما تقوم به المجموعات المسلحة...»، وكأن الديبلوماسية السورية الرسمية ترتكز على حجج من العصور الماضية، متجاهلة عولمة المشاهد المريعة التي تأتي للجميع عبر الوسائل الحديثة، من هواتف جوالة الى شبكات الإنترنت و «الفايسبوك».

إن مشهد محاصرة اللاذقية بحراً وبراً، والهجوم العسكري والمخابراتي على أبناء المدن السورية الباسلة، من اللاذقية الى دير الزور الى درعا وحماة وغيرها، يذكر للأسف بمحاصرة وضرب غزة من قبل الجيش الإسرائيلي، وحصار المناطق الشرقية في بيروت في ١٩٧٨. إنها مشاهد لا تُحتمل، خصوصاً أنها من جيش من ابناء الشعب يستخدمه النظام في وجه شعبه. فما هو مستقبل مثل هذا النظام حتى لو استطاع ان يخمد الثورة بالقتل والقمع؟ الكراهية والشعور بالانتقام نتيجة هذا القتل والقمع سيزيدان، والنظام لن يرى يوماً الاستقرار. إن إستراتيجية النظام السوري في تكثيف القمع لعبور شهر رمضان بسلامة، هي أيضاً من ضمن نهج العصور الماضية وعلى الطريقة الاسرائيلية، فهي لن تنجح يوماً في الحصول على الاستقرار والامن في البلد. النظام السوري يقتل اولاده بسلاح جيشه، والنظام السوري يعذِّب معارضيه الشجعان، كما تؤكد شهادات الناشطة سمر يزبك والمعارض هيثم المالح والكثيرين، الذين بشجاعة لا مثيل لها ومن دون اي مساعدة خارجية، يخرجون من بيوتهم رغم خطر القتل ليصرخوا ويعبِّروا امام العالم عن ألمهم لما يقوم به النظام الذي يحاصرهم، فالنظام السوري الذي غذّى وشيّد وساهم في إنشاء المقاومة اللبنانية بوجه العدو الاسرائيلي، هو نفسه، ولكن بنهج قمعي مختلف، يساهم في خلق مقاومة شعبية شجاعة لا تحتاج الى احد لصمودها، من اجل الحرية والحياة الكريمة بعيداً عن القتل والتعذيب.

ان زيارة وزير الخارجية التركي الاخيرة الى دمشق أثبتت ان صمود الشعب السوري في وجه نهج نظام يدّعي نية اصلاحية وهو يصفي شعبه، أصدق من أي ديبلوماسية تعطي مهلة ايام معدودة وفرصاً لنظام كان مناسباً لها، فما ان غادر الوزير التركي حتى كثف الجيش السوري العمليات على شعبه. واذا كان الرهان السوري على الاستمرار في القمع في الوقت الذي تعقد الامم المتحدة الجلسات حول الدولة الفلسطينية وينسى العالم ما تقوم به سورية، فهذا ايضاً من ضمن قصر نظر ديبلوماسية سورية المليئة بالحجج الساقطة، فصحيح كما يرى البعض انه لا الثوار انتصروا بعد ولا النظام والجيش انقسما، ولكن عاجلاً او آجلاً لا يمكن للنظام ان يخرج من مثل هذه المعركة إلاّ مهزوماً امام عزم شعب باسل يطالب بأدنى حقوق الانسان الكريم، فإن تمكن النظام السوري من اللعب على تناقضات الشعب اللبناني وتوظيف وكلاء له على الساحة اللبنانية، لن ينجح في المسلك نفسه بوجه شعبه، الذي كان شاهداً لما حصل في لبنان من قتل وتصفيات وتحريض واستخدام للمجموعات المسلحة، التي يزعم عنها معلم الديبلوماسية السورية ما يزعم. واليوم، وأهم دولتين عربيتين، هما السعودية ومصر، عبَّرتا عن ضرورة وقف قمع النظام السوري لشعبه، والمسؤولون السوريون غائبون عن السمع، يجب السؤال: كم من الضحايا من ابناء المدن السورية الباسلة سيسقطون قبل ايقاف سفك الدماء ومحاسبة نظام يريد إغفال مشهد محاكمة حسني مبارك، لاعتقاده أنه بمنأى عن مثل هذا الاحتمال، ولأنه اعتقد أنه نجح في لبنان وأنه سينجح في سورية.

===================

خطة مزدوجة!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

17-8-2011

يلزم النظام السوري نفسه بخطة من شعبتين غير متساويتين أو متوازنتين ينفذها على جبهتين: شعبة عسكرية غالبة، تشكل قرابة تسعين في المائة من جهوده الرامية إلى دحر التمرد الشعبي العاصف الذي يجتاح البلاد. وشعبة فرعية لها في المعركة الراهنة فعل الدخان الذي يطلقه جيش مهاجم ليحول بين عدوه ومعرفة حجمه واتجاهات هجومه، وهي تعتبر في العلم العسكري جهدا تضليليا غرضه صرف أنظار الخصم عن حقيقة نوايا الصديق.

بكلام آخر: هناك خطة عسكرية، مدروسة ومدبرة حتى تفاصيل التفاصيل، أعدت كما تؤكد قرائن كثيرة منذ أشهر ربما تكون تلت مباشرة قيام الثورة في تونس، تمثل محور الجهد الرئيسي للسلطة القائمة، التي يبدو من قرائن كثيرة أخرى أنها قررت حسم صراعها مع المتظاهرين المحتملين بالقوة وحدها، واعتمدت بالتالي ما نسميه هنا «الحل الأمني»، فلا عجب أنه بدأ منذ الأيام الأولى للمظاهرات التي عاشتها حوران عامة ودرعا خاصة ردا على تصرفات العميد في الأمن السياسي عاطف نجيب، الذي كان قد اعتقل وعذب أطفالهما وأهان شيوخهما، ثم أمر بإطلاق النيران على مواطنيهما، وليست نظرية المؤامرة التي اعتمدتها السلطة غير تبرير سياسي يسوغ هذا الحل، الذي ما كان يجب أن يكون له دور، لو كانت السلطة عازمة بالفعل على تلبية مطالب الشعب وحراكه السلمي، التي أقرت أعلى جهاتها بشرعيتها وأحقيتها.

في ظل الخيار الأمني المقرر سلفا، من المفهوم وغير المقبول طبعا، أن يكون النظام قد استخدم قوة مفرطة منذ لحظات الاحتجاج الأولى، وأنه ما زال يراهن على العنف لحل مشكلة يستحيل حلها بالقوة، تتعلق بمطالبة الشعب بالحرية واحترام حقه في العمل والعدالة والمساواة أمام القانون وفي الواقع، وبمكافحة الفساد ووضع حد لنظام رئاسي وراثي يراد له أن يستمر مدى الحياة... إلخ. إلا أن النظام يسوغ الحل العنيف برؤية مفادها أنه يكافح عصابات إرهابية مسلحة، لا يسمح قتالها بالتنازل أمامها، مهما كان عدد القتلى والجرحى والمختطفين والمعتقلين والملاحقين من الشعب العادي، وكانت هائلة جموع المتظاهرين، علما بأنه لم يقدم بعد أي أدلة مقنعة على صحة ما يقوله حول حشود المسلحين والإرهابيين، التي كان الأمن ينفي نفيا قاطعا إلى الأمس القريب وجودها في سوريا، وهو المشهود له بالقدرة على معرفة كل ما يدور داخلها وإحصاء أنفاس كل فرد فيها، فلا عجب أن يتساءل السوريون باستغراب: إذا كان قادة الأمن قد قصروا كل هذا التقصير في رصد ومتابعة الآلاف المؤلفة من عصابات الإرهاب المسلحة، لماذا إذن تم إيكال مكافحة هؤلاء إليهم، ولماذا لم يحاسبوا على تقصيرهم في حماية الدولة والشعب والنظام!

هذه السياسة الأمنية الصرفة، وهي محور جهد رئيسي يعتمده النظام لمكافحة التمرد واحتجاز أي تغيير في بنيته ومؤسساته، غطتها «تدابير إصلاحية» لم يكن لها أي مردود غير إقناع السوريين بأن الخيار الأمني هو وحده الحل الذي قرره النظام، وأن إصلاحاته غير جدية، وإلا لما كان تبنى قانون أحزاب قدمت مسودته الأولى إلى مجلس الشعب عام 2005، وها هو يصدر اليوم، في عام 2011، كأن شيئا لم يحدث خلال هذه الفترة الطويلة، أو كأن ما كان يصلح لتلك الأيام يصلح الآن أيضا، علما بأن الشعب كان صامتا خائفا آنذاك، ولم يعد كذلك اليوم، حيث ينزل إلى الشوارع مطالبا بحقوقه وفي مقدمها حقه في بناء أحزاب حرة، أي غير تابعة للبعث، وفي أن يقيم نظاما من اختياره يتفق مع إرادته. بدوره، يثبت قانون الانتخاب الجديد أنه لم يكن خطوة إصلاحية، ما دام يعطي 50% على الأقل من مقاعد مجلس الشعب إلى العمال والفلاحين، أي إلى أتباع النظام القائم، كأن الشعب لا يعترض على تركيبته وبنيته أو يقبل أن يتمثل شكليا وصوريا بأقل من نصف النواب.

أخيرا، فإن من شاركوا في صياغة قانون الإعلام من صحافيين وإعلاميين يقولون إن القانون الذي قد يصدر قريبا ليس هو الذي اقترحوه، وأنه حذفت منه فقرات مهمة تقر بحرية الصحافة، وتوصي بإلغاء وزارة الإعلام وتأسيس مجلس أعلى يشرف على شؤونه يتألف من شخصيات مستقلة وقضاة ومثقفين... إلخ.

باختصار: هذه التدابير لا وظيفة لها غير أن تكون وجها «سياسيا» للحل الأمني وأن تحجب بالأحرى حقيقة عدم وجود حل سياسي، لأنه لو كان هذا الحل هدف السلطة، لما قال الرئيس في آخر خطبة له إنه لا يستطيع مواجهة العصابات المسلحة، ولما كان تم استخدام العنف المفرط ضد المدنيين العزل، ولوضع الأمن في خدمة السياسة بدل أن توضع السياسة في خدمة الأمن، ولما صار الحقل السياسي مجرد فرع منه يراد به حجب الحقيقة ونشر الأوهام حول وجود إصلاح سياسي أصيل يطبق في موازاة حل أمني عابر ومؤقت، تمليه المؤامرة الخارجية وامتداداتها الداخلية، وتحتمه حماية المواطنين من المسلحين، حسب أقوال النظام، فهو ليس إذن خياره الحقيقي، كما يزعم المغرضون من المعارضة والشعب!

يتمسك النظام بسياسته حيال الأزمة الراهنة، ويرفض تغيير نظرته إلى ما يجري والتخلي عن أطروحاته حوله، على الرغم من نزول نيف ومليون شخص في مدينتين فقط هما حماه ودير الزور إلى الشارع طيلة أسبوعين، للمطالبة سلميا ومدنيا بالحرية، ودون أن يقع أي حادث يكدر صفو الناس أو يهدد حياة وسلامة وأمن المواطنين. هذا الإصرار على حل أمني دائم بتغطية «إصلاحية» شكلية لا تهدد طابع النظام وإنما تكرسه وترسخه، هو اليوم أخطر جزء في الأزمة التي تعصف بسوريا وتهدد كيانها، ويرجح أن تستمر وتتفاقم ما دام أهل القرار لم يعترفوا بعد بأن معالجتهم للأحداث لم تكن صائبة، ولم يقروا أصلا بأنها نتجت عن أزمة مستعصية، وبأن مطالب الشعب، التي وصفوها ذات مرة بالمشروعة والمحقة (الرئيس في أول خطبة له أمام مجلس الشعب) لا تلبى بالدبابات، بل بحل يقوم على خطة مزدوجة معاكسة: تسعون في المائة منها سياسي يقوم على إصلاح يبدل أبنية النظام، يبطل الحاجة إلى العنف، ويستخدمه بحساب وحذر، فيحاصر المسلحين، إن كانوا موجودين حقا هنا أو هناك، بحرية الشعب وكرامته ووحدته، وفي نهاية الأمر بالشرطة والقضاء!

===================

المكشوف والمستور في الأزمة السورية

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

17-8-2011

إلى أين تتجه الأزمة السورية من هنا؟ فالشعب أعزل، والنظام يستخدم أقصى درجات العنف لقمع الانتفاضة، والمعادلة لا تستقيم في مثل هذه الحالة. هناك من يراهن على أن النظام لا يستطيع نشر قواته في كل مكان، وأن المتظاهرين لو صمدوا وواصلوا انتفاضتهم فإن النظام سيرهق، أو أن قواته ستنقسم وسينشق بعضها على النظام. لكن مثل هذا السيناريو يعني أن الأزمة ستطول وأن الشعب السوري سيدفع ثمنا باهظا أمام نظام أثبت أنه مستعد لاستخدام كل آلته العسكرية والأمنية لإخماد الانتفاضة ولقمع المتظاهرين، بغض النظر عن عدد الضحايا، ودون أي اعتبار لبيانات الإدانة والاستنكار من العالم العربي والمجتمع الدولي. كما أن النظام يستخدم الفرق الموالية له، التي يقودها أشخاص يرتبط وجودهم ببقائه، لذلك يقاتلون بشراسة من أجل حماية مصالحهم وبقائهم في السلطة.

السؤال الأخلاقي الذي يبرز هنا هو: هل يُترك الشعب السوري وحده في مواجهة نظام تجرّد من أي رحمة؟

لقد صدرت مواقف عربية واضحة في شجب القمع السوري ضد المتظاهرين، كان أقواها الموقف السعودي الذي تمثل في رسالة علنية مباشرة غير مسبوقة خاطب بها الملك عبد الله بن عبد العزيز الشعب السوري والنظام السوري ناصحا ومحذرا ومُدينا القمع والتنكيل بالمدنيين. دول الخليج والجامعة العربية أدانت أيضا سياسة النظام السوري في مواجهة الاحتجاجات والاستخدام المفرط للقوة. هذه المواقف مثلت خطوة عربية متقدمة مقارنة بسياسة الصمت السابقة والتعبير عن الضيق والإدانة وراء الأبواب المغلقة. المشكلة أن الشجب والإدانة قد يقدمان دعما معنويا للمنتفضين، لكنهما لن يغيرا من الواقع كثيرا لأن النظام السوري مثل غيره من الأنظمة التي تعودت على عدم الاكتراث بأي رأي عام أو خاص غير رأيها، سيصم أذنيه ويدير وجهه ويواصل سياسة البطش والتنكيل لخنق الانتفاضة.

دمشق تراهن على أن المجتمع الدولي، أو بالأحرى الدول الغربية، في ظل أزماتها الاقتصادية والمالية، وبعد أن طالت عملية الناتو العسكرية في ليبيا، وأحرقت أصابع أميركا وبريطانيا قبل ذلك في العراق وأفغانستان، لن تقدم على تدخل عسكري في سوريا. هذا في الظاهر، أما في الباطن فإن النظام يراهن على أن أميركا مهما كرهته فإنها تفضل وجوده على المغامرة مع بديل غير معروف، والمجازفة باحتمال بروز الإخوان المسلمين كقوة على الساحة السياسية السورية قرب الحدود الإسرائيلية، خصوصا مع وجود حماس في غزة وحزب الله في لبنان، والمؤشرات على الصعود المتواصل لنفوذ الإخوان المسلمين في مصر. وربما فهم النظام من التصريحات الأميركية أن واشنطن تريد إصلاحات سياسية وليس تغيير النظام.

تفكيك الشفرة الدبلوماسية جعل النظام السوري يتوصل إلى مثل هذه القناعة، فواشنطن أدانت بشدة وتبنت عقوبات ضد نظام الأسد وبعض رموزه، لكنها لم تطالب علنا وبوضوح برحيل النظام. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية قد لمحت إلى مخاوف واشنطن عندما صرحت في مقابلة مع شبكة تلفزيون «سي بي إس» الأميركية قبل أيام إلى أن المعارضة السورية ليس لديها عنوان معروف يمكن التعامل معه، وأنه رغم وجود بوادر هنا وهناك، ووجود شخصيات معارضة في الداخل والخارج، ووجود مواطنين سوريين شجعان يواجهون النظام، فإنه لا توجد معارضة منظمة لها عنوان معروف يمكن التعامل معه. وعندما ألح المذيع في سؤالها لماذا لا تقوم واشنطن بالخطوة التالية في الضغوط وتطالب علنا وبوضوح برحيل الأسد، قالت كلينتون في ثنايا ردها: «سوريا لديها انقسامات كثيرة، وأحد الأسباب في أن هذه المسألة كانت تشكل تحديا لنا نحن الذين كنا نراقب من الخارج، هو أن هناك مجموعات سكانية كثيرة، أقليات سكانية، داخل سوريا، تقول بصراحة إن الشيطان الذي نعرفه أفضل من ذلك الذي لا نعرفه».

كلينتون أشارت بعد ذلك إلى أن هذه الأقليات تؤيد النظام، ليس لأنها توافق على ما يحدث، بل لأنها قلقة مما سيأتي بعده، مشيرة إلى أن واشنطن تشجع المعارضة على تبني أجندة موحدة للناس وضامنة لمشاركة كل الفئات من سنّة وعلويين ودروز وأكراد ومسيحيين.

قلق واشنطن يعكس أيضا قلق الحليف الإسرائيلي الذي لم يخف موقفه الذي يفضل بقاء النظام القائم في دمشق، ولا يريد تغييرا ربما ينهي حالة الهدوء السائدة على الحدود السورية منذ عقود. ولا ننسى في هذا الإطار الرسالة الشهيرة التي وجهها رامي مخلوف، رجل الأعمال وابن خال الرئيس السوري، إلى إسرائيل وأميركا في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» مع بدايات الأزمة في سوريا، عندما ربط بين وجود نظام الأسد وأمن إسرائيل قائلا: «لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا، ولا أحد سيضمن ما سيحدث إذا وقع أي شيء لها النظام». الرسالة الواضحة أحرجت النظام في دمشق لأنها كشفت المستور وأفصحت عما لا يقال علنا. لكن مخلوف ربما لم يكن في حاجة إلى هذا التصريح لأن إسرائيل أصلا تبنت موقفا مؤيدا لاستقرار نظام الأسد، وأفصحت عن ذلك في تصريحات سياسية.

اللافت أن القلق على نظام الأسد يضع أيضا إيران في صف واحد مع موقفي إسرائيل وواشنطن، وإن تباينت الدوافع والأهداف. فإيران تتحرك سرا وعلنا لإنقاذ حليفها الاستراتيجي إلى درجة أنها اعتبرت هذا الدعم «واجبا دينيا»، وهو تعبير يضع الأزمة السورية في خط التجاذب الطائفي الحاصل في المنطقة. وليس سرا أن طهران تتحرك مع حلفائها في المنطقة، خصوصا حزب الله وبعض الأحزاب والأطراف في العراق، لدعم النظام السوري لأنها لا تريد خسارة حليف استراتيجي لصالح الطرف السني في المنطقة الذي تتهمه علنا بأنه يريد تقويض الحلف القائم بين طهران ودمشق.

كل هذه الأمور قد تعني أن الأزمة في سوريا قد تطول، فالمحتجون أظهروا عزيمة على مواصلة انتفاضتهم رغم القمع الشديد، بينما النظام فشل حتى الآن في تحقيق هدفه في إنهاء الاحتجاجات بسرعة. ولأن العرب كالعادة غير موحدين في مواقفهم، وغير قادرين على تحرك قوي يجبر النظام على وقف سياسة البطش والتنكيل، فإن الأرجح أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيدا لسياسة العقوبات وتحركات دولية ومن بعض الأطراف العربية لعزل النظام في سوريا، في انتظار تطورات داخلية في اتجاه تغيير في النظام بشكل أو آخر.

=========================

مذكرات دبابة سورية

خلف الحربي

طيبة 16/8/2011

 حين كانت في المصنع الروسي قبل 30 عاما تلقى المهندسون طلبا بأن يضاف إلى أجهزة التحكم فيها زر (ضبط النفس) وحين وصلت إلى دمشق استدعى قائد المشاغل العسكرية خطاط الجيش كي يكتب على مؤخرتها: (نحتفظ بحق الرد) ثم أرسلت إلى الجولان بلا ذخيرة وتحولت مع مرور الأيام إلى علامة حدودية !.

 

**

نسي الجنود أنها دبابة حتى تلقوا أمرا عاجلا بإرسلها إلى حماة، شحنت بالذخائر وزودت بالوقود ودبت الحركة في أوصالها، كانت كمن يستيقظ من غيبوبة مفاجئة، استعادت عنفوانها وتعرفت في الطريق على عشرات الدبابات التي خرجت من المصنع ذاته، وما أن دخلت المدينة حتى بدأت تطلق قذائفها في كل اتجاه.. هدمت البيوت وقصفت المساجد وحطمت أسوار المدارس وشعرت أنها قد ولدت من جديد.

 

**

بعد عام واحد ذهبت في رحلة سياحية إلى لبنان.. عبرت السهل وتجاوزت الجبل حتى وصلت إلى شوارع بيروت، كانت مرحلة رائقة في تاريخها، صحيح أنها تحولت إلى سيارة شرطة ولكنها استمتعت كثيرا بلعبة الأمر والنهي، كان وجودها في هذا الشارع أو ذاك يحدد توجهات الأحزاب المتصارعة أما شحنها بالذخائر فيعني بداية مرحلة فاصلة في الحرب الأهلية اللبنانية، الشيء الوحيد الذي أزعجها خلال هجرتها إلى لبنان هو أن الجنود جعلوا من جوفها مستودعا للبضائع المهربة حيث كانت تغص بعلب السجائر وبنطلونات الجينز وأشرطة الفيديو !.

 

**

بعد أن خرجت من لبنان بقيت سنوات دون عمل، أزعجتها البطالة المقنعة ولكنها كانت تسلي النفس بقراءة الجرائد التي تتحدث عن الممانعة والمقاومة والصمود.. تعرفت على الكثير من الدبابات الصامدات في المعسكر ولم تعد بحاجة لقطع الغيار بعد أن أصبحت تمانع في مكانها !.

**

 

فجأة ودون مقدمات طلبوا منها أن تحاصر درعا، وما أن انتهت من مهمتها حتى جاءت الأوامر بأن تتوجه إلى أدلب ثم إلى حمص ثم إلى اللاذقية، لم تعد تملك أي وقت للراحة أو الممانعة، عادت إلى شوارع حماة كي تطلق قذائفها على البيوت ذاتها التي قصفتها قبل 30 عاما، كانت في سباق دائم مع سيارات الشبيحة تخترق الحقول وتقتحم القرى وتحول المدن إلى خرائب.

 

**

حين خرجت من المصنع قبل 30 قالوا لها إنها سوف تقاتل دبابة الميركافا الإسرائيلية ولكنها وجدت نفسها تقاتل عربة الخضار !.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ