ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 21/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

في المسألة السورية .. (غلطة الشاطر بألف)

2011-08-20

طاهر العدوان

العرب اليوم

بعد ان وصل النظام السوري الى هذا المدى من العنف الدامي ضد شعبه ليس من المتوقع ان يتراجع عن هذا الطريق, فالتراجع يعني سقوطه, كما ان الاستمرار فيه يقود الى السقوط الحتمي.

بعد 5 أشهر من الدبلوماسية والضغوط والمناشدات الدولية الى بشار الاسد من اجل اختيار الحل الديمقراطي وتجنب الحل الامني, انتقل المجتمع الدولي الى مرحلة من الضغوط القاسية واللغة الصريحة التي تدعو الرئيس السوري الى التنحي عن الحكم, بمعنى آخر "اسقاط النظام" لان طبيعة الحكم في دمشق, الرئيس هو النظام.

يراهن النظام على ادواته السياسية والامنية القديمة لمواجهة التحدي الجديد. فالأسد "الأب"كان قد واجه صغوطا شديدة في الثمانينيات قادته الى عزلة عربية, ومع الولايات المتحدة والغرب, لكنه فكك اسوارها بضربة واحدة عندما انتقل الى المعسكر المعادي في عام 1990 بانضمامه الى الجيوش الامريكية والاوروبية "وليس الى الدبلوماسية فقط" من اجل مواجهة صدام حسين في الكويت.

بالمثل, نجح الأسد "الابن" بمواجهة حملة بوش العسكرية الضارية في الشرق الاوسط وعلى حدوده الشرقية مع العراق من خلال استثمار سياسي وامني ذكي لاوراقه مع ايران وحزب الله من دون ان يطلق رصاصة واحدة او يضحي بجندي واحد. فهل يواجه الاسد اليوم ما كان قد واجهه قبل 7 سنوات او ما كان قد واجهه والده قبل ربع قرن .?

الشروط مختلفة, والزمان ايضا. وتبدو ان "غلطة الشاطر بألف". لان التحدي الحقيقي الذي يواجه الرئيس السوري قادم من الداخل, وليس على شاكلة كتيبة عسكرية متمردة, ولا "مجموعات مسلحة" انما هي موجات جماهيرية, كالعواصف التي لا تقف الحواجز في طريقها ولا ترعبها أنهر الدم المستباح في الشوارع . فالشرعية المنزوعة عن بشار الاسد, التي يتحدث عنها اوباما والغرب كافة هي في الواقع قد نزعت عنه في وقت مبكر من ايام الثورة السورية. عندما قرر اخراج الجيش الوطني, من معسكراته وخنادقه, وتوجيهه الى دمشق وحمص وحماه ودير الزور ودرعا واللاذقية, وهم من قبل "اي قادة سورية" لم يفكروا بهذه الخطوة لدخول مدن الجولان المحتلة ولم يطلقوا باتجاه اسرائيل رصاصة واحدة منذ نهاية حرب 1973 .

نتمنى ان لا تقود التطورات في سورية البلاد الى مسار كالمسار الليبي فالتدخل العسكري الدولي ليس مرتبطا بنظرية المؤامرة على "الصمود وعلى المقاومة" كما يزعم اعلام النظام, انما سيحدث هذا التدخل في حالة واحدة فقط عندما يقرر الاسد وشقيقه ماهر تطوير عمليات القتل من مجازر صغيرة قتلت حتى اليوم اكثر من "2000" مواطن, الى عمليات ابادة جماعية بقتل عشرات الالاف كما حدث في حماة المنكوبة عام 1980 . فقرار الابادة سيترجم الى "جرائم ضد الانسانية" وهو ما لا يستطيع العالم العربي "العاجز" ولا المجتمع الدولي "المنافق" ان يتحمله.

بالتأكيد لم تكن قرارات يوم الخميس الماضي الصادرة عن واشنطن وعواصم اوروبا معزولة عن مواقف الدول العربية المشرقية "خاصة السعودية والاردن وباقي دول مجلس التعاون الخليجي, ولا هي منعزلة ايضا عن الموقف التركي المتصاعد. فالدول العربية المذكورة انضمت الى واشنطن وباريس ولندن في الدعوة لعقد مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة. اما تركيا التي ذهب زعيمها الطيب اردوغان الى مقديشو "الجائعة المدمرة" مع عائلته ومساعديه ليقدم العون للجوعى الصوماليين باسم الاخوة الاسلامية في شهر رمضان... تركيا الجديدة المتطلعة نحو الجنوب ستتحول الى قاعدة رئيسية لترجمة الغضب الدولي ضد حكام دمشق .فهل يبادر الاسد بالرحيل الى طهران الآمنة فيفعل ما فعله مبارك وزين العابدين ليوقف القتل وخراب الاوطان ومتجنبا مصير مبارك, ام ان الوقت قد فات وبان القادم اسوأ.

===============

المطالبة بتنحي «الأسد»... لماذا تأخرت؟

بيتر جرير

محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة

«كريستيان ساينس مونيتور»

تاريخ النشر: السبت 20 أغسطس 2011

الاتحاد

دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الخميس الماضي الرئيس السوري بشار الأسد إلى الاستقالة بسبب استمرار القمع الوحشي لشعبه، معتبرا أن الدعوة إلى الحوار التي أطلقها الأسد لا تبدو صادقة في وقت يواصل فيه إطلاق الدبابات والمروحيات الهجومية على المحتجين السلميين في حماة ودير الزور ومدن سورية أخرى.

وقال الرئيس الأميركي في بيان له: "لقد قلنا باستمرار إن على الرئيس الأسد أن يقود انتقالاً سلمياً أو يتنحى عن الطريق. ولكنه لم يقم بالقيادة. ومن أجل الشعب السوري، فإن الوقت قد حان لكي يتنحى الرئيس الأسد جانباً".

وتعتبر هذه الخطوة الأكثر صرامة التي تتخذها الإدارة الأميركية ضد نظام الأسد حتى الآن. وقد كانت مشفوعة بعقوبات جديدة تجمد كل الممتلكات الحكومية السورية داخل الولايات المتحدة وتحظر على الشركات الأميركية التعامل مع قطاع النفط السوري.

وإضافة إلى ذلك، فإن الخطوة كانت جزءاً من هجوم قانوني وشفهي منسق بين عدد من الدول، حيث أصدر كل من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إضافة إلى رئاسة الاتحاد الأوروبي، بيانات تقول إن على الأسد أن يتنحى عن السلطة الآن.

غير أن الخطوة التي أقدم عليها أوباما يوم الخميس ربما تأخرت شيئاً ما، على اعتبار أن ما تبدو نية الأسد في التمسك في السلطة بأي ثمن كانت ظاهرة للعيان منذ أسابيع، في وقت زادت فيه قوات الأمن السورية عنف قمعها.

وعلى سبيل المقارنة، فإن إدارة أوباما دعت إلى استقالة الرئيس حسني مبارك بعد وقت قصير نسبيا على اندلاع الاحتجاجات في مصر. فلماذا استغرقت وقتاً أطول نسبياً في حالة سوريا؟

أحد الأسباب يكمن في حقيقية أن الولايات المتحدة كانت حريصة على التحرك بتنسيق مع الحلفاء، كما يقول مسؤول رفيع في الإدارة، وذلك على اعتبار أن دعوة للأسد للاستقالة موجهة من قبل عدة عواصم في وقت واحد لديها تأثير أكبر بكثير مقارنة مع دعوة صادرة عن دولة واحدة، حتى وإن كانت تلك الدولة هي الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، قال المسؤول في إدارة أوباما: "لقد كنا نريد التأكد من أننا لا نصدر بيانات فحسب بمفردنا، وإنما نقوم بذلك بطريقة منسقة دوليا".

وعلاوة على ذلك، يضيف المسؤول الأميركي، فإن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على سوريا منذ بداية القمع. وبهذا المعنى، يمكن لقول إن الولايات المتحدة كانت أكثر صرامة تجاه الأسد مقارنة مع مبارك، الذي كان حليفاً لأميركا.

وقال أيضاً: "خلافا لما حدث في مصر، اتبعنا في سوريا إجراءات عقابية من البداية".

وعندما ضاعف النظام السوري جهوده الرامية إلى قمع المظاهرات بالقوة في بداية شهر رمضان، كان من الواضح أن وقت اتخاذ الخطوة الأخيرة والدعوة إلى استقالته بدأ يقترب، يقول المسؤول ذاته. وفي هذه المرحلة أدركت الإدارة أنه لا توجد فرصة لكي يستعيد الأسد ما يكفي من الشرعية حتى يقود سوريا في السلم.

وفي هذا السياق، قال مسؤول ثانٍ في إدارة أوباما: "لقد بدأنا نشعر على نحو متزايد بالحاجة إلى تنسيق رد أقوى بالنظر إلى استمرار العنف ضد الشعب السوري".

فهل سيستقيل الأسد في الواقع كنتيجة للضغط الدولي؟ يبدو ذلك مستبعداً. ولاسيما أن نموذج مبارك، الذي تنحى طواعية ولكنه يواجه اليوم محاكمة قضائية في مصر، لا يمكن أن يكون نموذجاً مطمئنا للأسد.

ففي هذه اللحظة، يوجد الأسد في "مأزق الدكتاتور"، حسب تعبير آندرو تابلر، زميل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وذلك لأنه أطلق كماً كبيراً جداً من العنف لدرجة أنه سيكون من الصعوبة عليه بمكان أن ينسحب.

ومع ذلك، يلفت "تابلر"، في حوار معه على الإنترنت نشر على الموقع الإلكتروني لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إلى أن الضغط الدولي المنسق على سوريا كان ناجحاً وفعالًا في الماضي. وهو ما حمل سوريا على الخروج من لبنان في أبريل 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وفي هذا الإطار، يقول تابلر: "إن الشيء الثاني الذي يتميز بالفعالية مع السوريين هو العقوبات التي أثرت على اقتصادهم بشكل كبير".

ومن جانبه، تساءل "دانييل دريزنر"، أستاذ العلاقات الدولية بكلية القانون والدبلوماسية بجامعة "تافتس"، في مدونته الشعبية بالموقع الإلكتروني لدورية "فورين بوليسي"، حول ما إن كانت الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة حاليا ستحقق شيئاً جوهرياً وذا بال. غير أن ذلك لا يعني أن دعوة الأسد علانية إلى الاستقالة شيء سيء، يقول دريزنر. ذلك أن مثل هذا الخطاب يمكن أن يؤدي إلى تخلص صناع السياسات من الضغط الذي قد يدفع الولايات المتحدة نحو خيارات سياسية أكثر خطورة.

ويقول دريزنر: "عندما يتم استنفاد بقية الخيارات السياسات، فلماذا لا يدعى الأسد إلى الرحيل؟ في الواقع، لا أرى سبباً كيلا تعبر الولايات المتحدة عن تفضيلاتها الحالية، بدلا من الاختباء وراء الخطابات الدبلوماسية".

===============

سوريا: الإمساك بلحظة العقوبات

جورج لوبيز

أستاذ دراسات السلام بجامعة نوتردام - ولاية إنديانا

ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"

تاريخ النشر: السبت 20 أغسطس 2011

الاتحاد

بعدما اجتمع مجلس الأمن الدولي لمناقشة الأزمة في سوريا، يجب عليه الإمساك باللحظة لفرض عقوبات متعددة على نظام الأسد وشبكة دعمه. وهذا الإجراء سيكون متسقاً مع القرارات التي اتخذها المجلس في مناسبات سابقة لتجريد أي نظام مارق، من قدرته على قتل المدنيين الأبرياء من أبناء شعبه. وهذه الإجراءات القهرية القوية، باتت مبررة في الوقت الراهن بسبب القصف العشوائي الذي تقوم به قوات النظام السوري ضد المدنيين في مدينة اللاذقية الساحلية عن طريق سفن حربية، الذي بدأ يوم السبت الماضي.

ومعلوم أن القمع الذي يمارسه النظام السوري ضد المتظاهرين المسالمين في غالبيتهم العظمى مازال مستمرّاً على رغم المبادرات، والمهام الدبلوماسية العديدة، والإدانات الدبلوماسية القوية الصادرة من عدد من الدول العربية خلال الأسبوع الماضي، التي يبدو أنها قد فشلت جميعها في إقناع الأسد بإنهاء الهجمات التي تقوم بها قواته. وليس هذا فحسب بل إن الإدانة التي أصدرها مجلس الأمن الدولي في الثالث من أغسطس الجاري لم يكن لها تأثير يذكر على الأسد.

وإذا ما فشل مجلس الأمن الدولي في فرض العقوبات على النظام السوري، فإن هذه المهمة ستصبح مطروحة بشكل مباشر على تحالف واسع من أعضاء الأمم المتحدة -يمكن أن يشمل تركيا الشريك الاقتصادي المتمنع- تقوده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهذا التحالف يجب أن يعمل على فرض عقوبات صارمة على سوريا تشمل عقوبات على النفط والغاز السوري، سيكون لها تأثير في تعزيز تأثير العقوبات التي كانت قد فرضت بالفعل في السابق على ذلك النظام.

والعقوبات التي يمكن فرضها تشمل عقوبات دبلوماسية، ومالية، وقيوداً على السفر، وعلى استيراد السلاح، وفرض حظر على استيراد أنواع معينة من البضائع والسلع. ولمفاقمة العزلة التي يستحقها نظام الأسد في الوقت الراهن بسبب أعماله وسياساته يتعين على جميع السفارات الأجنبية في دمشق إغلاق أبوابها وسحب سفرائها رسميّاً.

والحزمة الجديدة المتوقعة من العقوبات المالية، والقيود على السفر، ينبغي أن تمتد أيضاً لتشمل النخبة السورية الحاكمة، بما في ذلك كبار قادة القوات المسلحة، وقادة الوحدات الأمنية المتخصصة التي تضطلع بدور كبير في حملة الدهم والقمع المتواصلة في سوريا في الوقت الراهن، بالإضافة إلى البنوك الرئيسية والبنوك من المستوى المتوسط، وكذلك الشركات والمصالح التجارية الكبرى، مع النظر أيضاً في فرض عقوبات على شركة الطيران التجارية السورية الحكومية من خلال تعليق رحلاتها إلى أجل غير مسمى لأن إجراءً كهذا سيكون له تأثير مؤلم للغاية على النظام.

===============

الاعتدال والممانعة... سقوط الأساطير

تاريخ النشر: السبت 20 أغسطس 2011

حسن الحنفي

الاتحاد

استقطاب وهمي مفتعل سري بين الأنظمة العربية التي تتهاوى الآن. محور الاعتدال ومن يقبل الحل السلمي للقضية الفلسطينية والمفاوضات مع إسرائيل والصلح والاعتراف بها، نموذج كامب ديفيد، وعدم التناطح مع الولايات المتحدة الأميركية التي بيدها 99.9% من أوراق اللعبة. وقد بقي هذا المحور منذ أربعين عاماً ولم تحل القضية الفلسطينية. ولم يتم الانسحاب من الأراضي المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان. وسيناء منزوعة السلاح. وترفض إسرائيل المبادرة العربية ومبدأ مدريد، الأرض مقابل السلام. ومحور الممانعة هو الذي يرفض الصلح والاعتراف والمفاوضة. ويرفض الحل السلمي، ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، ومنذ 1967 باستثناء حرب 1973 لم يتم تحرير باقي الأراضي المحتلة. وظلت الجولان والضفة الغربية وشبعا محتلة. والاستيطان فيها يزيد يوماً وراء يوم، من بضعة آلاف إلى نصف مليون، ومن مستوطنين مدنيين إلى مستوطنين مسلحين لهم الحق في القتل وتعقب الفلسطينيين وطردهم من المنازل والاستيلاء على بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم. فنتيجة الاعتدال والممانعة واحدة بالنسبة للقضية الفلسطينية على رغم ما يبدو عليهما من اختلاف في الوسائل.

فالخلاف بينهما أسطورة، مجرد وهم، وخداع للنفس. صراع مفتعل يستعمله كل محور لإيجاد شرعية على بقاء نظامه. وهو في الحقيقة نظام واحد لهما مصلحة واحدة. كل منهما يمجد زعيمه، ويعتبره بطل الأبطال. كل منهما يعتمد على حزبه الأوحد، الحزب الحاكم، والقائد الذي يأتي السلطة على مدى أربعة عقود بالانتخابات المزيفة، ورئيس الجمهورية فيها مدى الحياة ثم بالتوريث بعده. الغاية واحدة، السيطرة على الشعوب وقهرها، وحكمها بأجهزة الأمن وقوانين الطوارئ والأحكام العرفية. فالدولة في حالة حرب، يتربص بها الأعداء في الداخل والخارج، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة حتى لو كان صوت الشعب، صوت الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

في الممانعة الاحتلال قائم، والاستيطان مستمر، وتهويد الأرض على أشده. والمفاوضات مع الولايات المتحدة قائمة، التي لا ترى مانعا من التعامل مع الممانعة ما دام الأمن والاستقرار سائدين في المنطقة وإسرائيل آمنة على حدودها. والقوة كلها، الشرطة والجيش، موجهة ضد الشعب إذا ما تحرك أو ثار مطالباً بالحرية والكرامة. تتحرك الدبابات والمصفحات تحاصر المدن، وتقتحم الأحياء. ويدهم الجنود والشرطة المنازل لاعتقال النشطاء السياسيين وتعذيبهم حتى الموت. ليست وظيفة الجيش تأمين الحدود أو تحرير الأراضي المحتلة بل تأمين النظام وتحريره من فصائل المعارضة. وليست وظيفة الشرطة وأجهزة الأمن تأمين الحياة المدنية وحمايتها من اللصوص والخارجين على القانون بل تعقب الخارجين على النظام وقادة المتظاهرين.

أما المحور الآخر فيعترف صراحة بإسرائيل. يفاوض ويصالح. ويعقد معاهدات منفردة، ويجزئ القضية العربية. ليست إسرائيل بالنسبة إليه قضية وطنية بل قضية اقتصادية. ماذا يمكن أن يربح منها؟ تصدير الغاز أو الإسمنت أو الدقيق، وإقامة الشركات المشتركة، وقبض العمولات من كبار رجال الأعمال ورجال الحكم. لذلك تبدأ إسرائيل بفتح مكاتب تجارية لها في بعض الأقطار. فالاقتصاد مقدمة للسياسة. والاعتدال حليف لأميركا إلى درجة تأييدها في عدوانها على العراق، وصمته تجاه عدوانها على أفغانستان أو العدوان الإسرائيلي على غزة. وبعد خلع مبارك فقدت إسرائيل أعز صديق وحليف لها. اعتدال في الخارج مع إسرائيل وأميركا وتطرف في الداخل مع جماعات المعارضة، واستعمال أشد أنواع العنف ضد المعارضة السياسية.

وكلا النظامين، الاعتدال والممانعة، يشتركان أيضاً في الفساد والجمع بين رجال الأعمال ورجال الحكم، بين رجال الثروة ورجال السلطة على نحو شللي. فالدولة نفسها أصبحت قطاعاً خاصّاً يُباع ويُشترى من أفراد عائلة رئيس الجمهورية أو أصدقائه. وتهرب الملايين في الخارج حسباناً للمستقبل. الثروة والسلطة في أيدٍ واحدة. والإعلام جاهز للتزييف، للخطاب الثوري في الداخل والخارج، والترويج للأكاذيب والأوهام كي يصدق نفسه، ويبرر وجوده في السلطة، حماية للوطن من الأعداء في الداخل والخارج، أو حماية للنظام. القول باللسان، والعمل المخالف باليد.

وامتد الربيع العربي لكل من الاعتدال والممانعة. وقام الشعب يطالب بحقه في الحرية والعدالة. ولم تنفع إجراءات اللحظة الأخيرة في الإبقاء على النظامين، إقالة حكومة، تعيين حكومة جديدة، تعيين نائب للرئيس، عقد مؤتمر للحوار الوطني بين متكلمين وخطباء والشهداء يتساقطون بالعشرات كل يوم، إصدار تشريعات جديدة للتعددية السياسية، وحرية إقامة الأحزاب، وإجراء انتخابات حرة إلى آخر ما يطلبه ملايين المتظاهرين، ومدافع الدبابات وطلقات الرشاشات واعتداءات "البلطجية" و"الشبيحة" مستمرة. لم يفرق الربيع العربي بين الاعتدال والممانعة لأن كليهما أذلا الشعب وقهراه وتاجرا بالشعارات، الحرب والسلام. المقاومة والصلح.

قام الشعب العربي تحت كلا النظامين برفع مطالب واحدة في الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والمجتمع المدني والعدالة الاجتماعية. فمطالب الشعوب توحدها، والأنظمة وأساطيرها تفرقها. المطالب الشعبية تتجاوز الحدود بين تونس ومصر، وليبيا واليمن وسوريا. فما فرقته النظم وحدته الشعوب. تشترك كل التيارات السياسية في ثورة وطنية واحدة، في جبهة إنقاذ أو في ائتلاف سياسي بين إسلاميين وقوميين وليبراليين وماركسيين، بين إسلاميين وعلمانيين، بين تقدميين ومحافظين، بين يسار ويمين في ثورة وطنية واحدة. فقد وحّد الوطن الجميع. وأصبح الإنقاذ الوطني مسؤولية الجميع. وتحول النظام، من ممانعة أو اعتدال، مدافعاً عن نفسه، متخليّاً عن أساطيره حتى بعد أن لفظه حلفاؤه في الخارج، الولايات المتحدة الأميركية.

لقد كسرت الشعوب حاجز الخوف. وكشفت عن زيف الأسطورتين، الاعتدال والممانعة، واستعدت للنضال الشعبي السلمي بالنفَس الطويل، أياماً وأسابيع وشهوراً. والمظاهرة أقوى من الدبابة والمصفحة، والمواطن الأعزل هاتفاً بالحرية والعدالة الاجتماعية أقوى من الجندي المدجج بالسلاح، ووحَّد شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" الملايين في الشارع. ويتركز أحياناً ويصبح "الشعب يريد إسقاط الرئيس" لما كان النظام هو الرئيس، والرئيس هو النظام.

خرجت الجماهير، رجالًا ونساء، أطفالاً وشيوخاً، بقيادة الشباب للإعلان عن ميلاد وطن جديد. فقد قامت ثورات "الضباط الأحرار" منذ أكثر من ستين عاماً. وقادت حركات التحرر الوطني والتغير الاجتماعي. ثم تحولت الدولة الوطنية إلى دولة أمنية، وانقلبت الاشتراكية إلى رأسمالية عائلية، والنظام الجمهوري إلى نظام وراثي. وبعد أن استُبعدت الجماهير على مدى نصف قرن من العمل السياسي عادت بكل ثقلها لتفرض وجودها، وتطالب بحقها في السلطة والثروة بدلاً من استئثار رجال النظام السياسي بها. الآن يبدأ عصر الشعوب الحرة والجماهير الحرة من أجل ممارسة الممانعة الفعلية ضد أعداء الأمة في الخارج، إسرائيل، وفي الداخل التسلط والثروة والفساد. الآن يبدأ عصر الوحدة العربية التي تأخرت أيضاً على مدى نصف قرن لأنها كانت وحدة نظم سياسية ممثلة في جامعة الدول العربية. والآن هي وحدة جماهير عربية ممثلة في "جامعة الشعوب العربية". هنا تبدأ قضية فلسطين من جديد تأخذ مسارها الطبيعي منذ ثورة عز الدين القسام. وقد بدأت أميركا تخطب ود الثورات العربية الأخيرة كي تعيد النظر في مصالحها. وبدأت إسرائيل تخشى المستقبل حيث إنها لم تعد تتعامل مع جيوش نظامية عربية ولا مع نظم سياسية عربية بل تواجه شعوباً عربية تعرف كيف تحصل على حقوقها.

===============

الحلف الفارسي الشيعي يتفكك!!

المصدر: الرياض السعودية

التاريخ: 20 أغسطس 2011

ستبقى المعركة في حركة الكرّ والفرّ بين الشعب السوري وحكومته، لكن حالة التضييق المستمرة، وأخذ العبرة من وضع العقيد الليبي الذي يوشك على الهرب، يضعان سلطة دمشق في حالة انتحار طويل الأجل..

فأمريكا وأوروبا وحلفاؤهما في العالم، أدركوا أن لاشرعية لسلطة الأسد، وهي مسألة يعجز عن مقاومتها إذا مابدأت عملية الحصار والمقاطعة، وحبسُ المسؤولين في الداخل لممارستهم العنف جعلهم قيد الملاحقة والقبض، وقد لايجد المسؤولون إلا طريق بغداد للعبور لإيران، وهما اللتان تستطيعان تزويد دمشق بالمال والسلاح وحتى الأشخاص لقمع الثورة، ومع ذلك فالعائد المادي مهما تعالى، لا يستطيع أن يتساوى مع الإنفاق لأن من يعملون في ظل الحكومة السورية، ويتناغمون مع سياستها هم أقرب للمرتزقة، وبالتالي فإن أي خلل يقطع عليهم رواتبهم أو يخفضها، أو لايدفعها، سيجدون أنفسهم مع الطرف الآخر، وهو الذعر الذي تضع له السلطة الحسابات المعقدة.. كذلك الأمر بالداعميْن، فهما لايستطيعان اقتطاع مبالغ هائلة تثير عليهما سخط مجتمعاتهما، وسورية تختلف عن حكومة صدام حسين عندما قاوم الحصار بموارده النفطية، سواء بتعزيز الجيش، أو المخابرات والشرطة، ما جعل الشعب العراقي هو من يدفع الثمن..

ولاتماثل ليبيا التي جاءت «فزعة» حلف الأطلسي وأمريكا من أجل عوائد النفط في المستقبل، واحتكار إعادة بناء ليبيا التي تحتاج إلى بنية أساسية ومشاريع في مختلف المجالات، لذلك فإن مغريات الجغرافيا السورية الاستراتيجية لا تضعها في المقابل المادي، بمعنى أن إحجام الغرب عن التدخل جاء بدوافع حسابات المكسب والخسارة، وسورية تفتقد هذا الجانب المحفّز..

روسيا، وعلى ذكريات حلفاء اليسار القديم، تريد إبقاء علاقتها مع دمشق من أجل إبقاء صديق قديم على نفس المشاعر، وحالات التضامن، لذلك عارضت وجهة النظر الأمريكية، والأوروبية، وتدعم الجيش السوري بالأسلحة، لكنها لاتستطيع إغفال المشاعر الشعبية وتيارها الساحق، وهي تبقي فقط على رهان أن بشار الأسد لايزال في مركز قوة، لكنها ستتضاءل أمام الزحف الجماهيري مهما كانت قدرتها على الصمود، وروسيا ستأخذ في اعتبارها كلّ الاحتمالات لتبني عليها علاقات المستقبل..

إيران بدأت تدرك أن سقوط الحليف السوري يعني مشكلات لحزب الله، وأنصارها في بغداد، وأن مطبخ المؤامرات في دمشق الذي ظل يعمل لصالحها بما فيها حالة الاستعراض لأسطولها البحري الذي رسا في اللاذقية والموانئ السورية الأخرى، لن يجد طريقه إليها، ورهانها القائم على نجاح تجربتها مع المعارضة الإيرانية يفتقد الحس التحليلي للموقفين، إذ إن ما يجري في سورية ليس معارضة بل هو ثورة شعب تتسع كل يوم ما سيضعف القبضة العسكرية والأمنية، ولذلك ضاعت بوصلة إيران وصارت تحاول افتعال مواقف تجاه دول الخليج وتعزيز بعض الفصائل اليمينية لتخفيف الضغط على حكومة دمشق، لكن فتح باب الإدانة لأعضاء في حزب الله في جريمة قتل الحريري من قبل المحكمة الدولية أضاف لها مشكلة أخرى ربما تعجز عن التعامل معها وفقاً للقرائن الدامغة التي أدانت حزب الله ومن يرعاه..

===============

المحتجون السوريون وتصاعد الشعارات

حسين العودات

التاريخ: 20 أغسطس 2011

البيان

عندما بدأت حركة الاحتجاج السورية وانطلقت المظاهرات، لم تكن هذه الحركة تنبثق من منطلقات أيديولوجية التف حولها المتظاهرون، ولا تحمل برنامجاً يعبر عن مطامح تيار سياسي واجتماعي بعينه، كما لم تنطلق من رؤيا مسبقة لأهداف محددة، وإنما كانت تعبيراً عن رفض لواقع قائم نادى المحتجون بتغييره أو إصلاحه أو على الأقل تحسينه، دون أن يعتمدوا لا على خطة ثورية، ولا على هدف ينحو إلى تغيير جذري للنظام، ولم تتجاوز مطالبهم حينها أهدافاً أولية عامة ذات طابع أخلاقي، في أول الأمر، أكثر مما هي ذات طابع سياسي.

رغم أن الشرط الموضوعي القائم في سورية، السياسي منه والاقتصادي والاجتماعي، يشجع على طرح المطالب ذات العلاقة بتغيير بنية النظام ومنهجه وأساليب إدارته للدولة والمجتمع، ومع ذلك فإن الشعارات التي طرحها المحتجون لم تتجاوز مطالب ما قبل الحد الأدنى، فكان الشعار الرئيس الذي نادوا به وتبنوه في الأسبوعين الأولين من انطلاق حركتهم الاحتجاجية هو شعار (الشعب السوري ما بينذل) وهو شعار بسيط بديهي بدائي، فما من شعب في عالمنا إلا ويرفض الذل؟ والذي حصل أن السلطة السياسية، وعلى التحديد أجهزة الأمن، بدلاً من أن تتفهم أسباب طرح الشعار، وتعمل على تعديل ممارساتها وتعاملها مع المواطنين، اعتبرت أن طرح هذا الشعار هو نوع من التحدي للسلطة وفعل تمرد واجهته بالعنف والقمع، بل بأقصى درجات العنف (أطلقت النار على المتظاهرين وقتل أربعة منهم) مما أدى تلقائياً وخلال أسبوعين من التحدي المتبادل، إلى طرح شعار آخر مسيّس هذه المرة، وهو المطالبة (بالحرية).

وقد ترافق طرح هذا الشعار مع تأكيد المحتجين على سلمية نشاطهم واحتجاجاتهم، ولم تلتقط لا أجهزة الأمن ولا السلطة السورية هذا التطور النوعي، ولم تحاول أن تستوعب معنى تصعيد هذا الشعار، وبالتالي لم تعمل على إصدار قرارات أو تشريعات إصلاحية، تؤكد فيها ومن خلالها أنها بدأت فعلاً باحترام حرية المواطنين الفردية والجماعية، بل على العكس كنا نشاهد على شاشة التلفزيون رجال الأمن يضربون المتظاهرين ويعيبون عليهم أنهم يطالبون بالحرية. بل ويسخرون منهم لأنهم يطرحون مثل هذا الشعار. وأمام عنت السلطة وضغوطها ورفضها حوار المحتجين، وإصرارها على تبني الحل الأمني العنفي، طوّر المحتجون شعارهم تلقائياً إلى شعار (الشعب يريد إصلاح النظام) فزادت أجهزة الأمن عنفها وملاحقتها للمحتجين واعتقالهم وتعذيبهم، وتعاملت مع مناداتهم بإصلاح النظام على أنها جريمة كبرى تكاد تصل إلى درجة الخيانة الوطنية.

ويرى المراقبون السياسيون أن الحكمة كانت تقتضي أن تبادر السلطة إلى إصلاح النظام فعلاً أو البدء في إصلاحه، وأن تستجيب لمطالب المحتجين، وتتعاون معهم وتشعرهم بأنها سلطتهم وأن الدولة هي دولتهم. وهذا ما لم تفعله. وأمام هذا التجاهل وممارسة العقوبات الفردية والجماعية ومنع الاحتجاج، ورفض الحراك الجماهيري، ومواجهته باستسهال الاعتقال والتعذيب، رفع المتظاهرون وتيرة تطرف شعارهم فصار (الشعب يريد إسقاط النظام) مع ملاحظة دائماً أن تطور مضمون هذه الشعارات أو تدرجها لم يكن مكتوباً مسبقاً ولا مقرراً مسبقاً، بل كان رد فعل تلقائيا على ممارسات السلطة ضد المحتجين وشعاراتهم، وعدم محاولتها التقاط الفرص واستيعاب المطالب، بهدف الوصول إلى اتفاق ووفاق وطني، وعدم اعتبارها أعمال الاحتجاج بمثابة الصدمة التي توقظ النائمين.

لكل فعل رد فعل، وهكذا دون تخطيط مسبق، أو خطة متفق عليها، وأمام تبني السلطة كلياً ومطلقاً الحل الأمني، تصاعدت شعارات المحتجين، وارتفعت وتيرتها، وكان كل شعار يقود إلى شعار آخر أكثر تطرفاً وأشد قسوة على النظام، والخشية بعد الآن أن يقود تصعيد مطالب المتظاهرين واحتجاجاتهم إلى المزيد من عنف السلطة، ليصل الأمر إلى طريق اللاعودة عن الحل الأمني التي يبدو أنها تبنته بلا تردد ولا رجعة، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى طرح شعارات جديدة من قبل المتظاهرين أكثر تطرفاً، تشكل مقدمة لوقوع كارثة كبرى تكون تمهيداً لانتحار جماعي، أعني بذلك طرح شعارات اللجوء إلى العنف والدمار.

إن هذه الافتراضات المتعلقة بتصعيد شعارات المحتجين وممارساتهم، ليست مكتوبة مسبقاً، ولا متفقاً عليها، ولم يقرها المحتجون أو المعارضة السورية التقليدية وأحزابها، وإنما كانت رد فعل على ممارسات السلطة وعنتها وتجاهلها مطالب المحتجين المصرين عليها، خاصة بعد أن تصلب عودهم، في الوقت الذي تعتقد السلطة فيه بأن حلها الأمني سيقضي على المظاهرات وأعمال الاحتجاج وسيعيد الجميع إلى بيت الطاعة، وما دامت العلاقة الجدلية بين الحل الأمني والاحتجاج في تصاعد، فقد لا تكون نهايتها سعيدة لأحد.

هكذا تحولت صرخة احتجاج أطلقها متظاهرون تحت شعار «الشعب السوري ما بينذل»، رداً على سجن أطفال وتعذيبهم في مدينة درعا، إلى شعارات ما لبثت تتصاعد يوماً وراء يوم، وتكتسي مضموناً سياسياً لا لبس فيه، بسبب رفض السلطة سماعها، لافتراضها الكارثي أن الحل الأمني كفيل بحل أعقد المسائل، وعدم إيمانها بالحوار مع الشعب، وبالحل السياسي، وهو الوحيد الكفيل بالوصول إلى توافق واتفاق.

يبدو أن السلطة السورية لم تأخذ العبرة مما حصل، ولم تدرس الظاهرة وتفهمها فهماً جيداً لتستطيع حلها، وإن لم يحصل ذلك في وقت قريب فلا شك أن نهاية الطريق لن ترضي أحداً.

كاتب سوري

===============

مَن يزيح النار عن الشعب السوري؟

المستقبل - السبت 20 آب 2011 - العدد 4091

رأي و فكر - صفحة 19

دمشق غازي دحمان

لم يعد هناك من شك بأن النظام السوري يمضي في لعبته القاتلة حتى وإن كلف ذلك المجتمع السوري عشرات ألاف الضحايا، لا شيء في الأفق يشير إلى إمكانية تعديل قواعد هذه اللعبة، فالنظام يتعامل مع الأزمة بوصفها نوعاً من التحدي الشخصي لرجالاته السياسيين والأمنيين، وليست أزمة سياسية إقتصادية وإجتماعية، مثل ما يحصل في كل الدول (التي خلقها الله)، وكأن سوريا في ظل حكم هذا النظام هي مملكة الله على الأرض، وحكامها هم نوابه !.

الرواية الرسمية عن العصابات المسلحة، رغم ركاكتها وإفتضاح مكوناتها، باتت العقيدة الراسخة والموجهة للنظام، ورغم أن دير الزور وحماة وحمص وإدلب، ومن قبلها درعا واللاذقية وبانياس وجبلة وريف دمشق والرستن وتلبيسة، ومن بعدهما دمشق وحلب، قالت، ولاتزال تقول، شعار الشعب الأثير، وقدمت في سبيل ذلك خيرة أبنائها على مذبح الخلاص، دون أن يفهم المراقب بأي عين رأى النظام هذه الكتل البشرية، ومن أية زاوية رؤية إستطاع فرز مكونات هذه الكتل، بين عصابات مسلحة يستوجب سحقها على إعتبار أن ذلك من حق الدولة، وبين متظاهرين سلميين، لايعفيهم هذا التوصيف من السحق أيضاً بإعتبارهم خونة خرجوا عن الطاعة، فما فائدة ذلك الفرز والجهد المضيع إذاً !.

مقابل ذلك، يرفض النظام، محاسبة أي من قادته الأمنيين الذين تسببوا بكل هذا القتل، إذ من الطبيعي في إطار أي دولة، ذات بنى مؤسساتية وأطر قانونية، أن يقوم النظام فيها على مراجعة حساباته، في ظل أزمة إمتدت لنصف عام، ولا أفق لحل قريب لها، حيث يتم فحص الخيارات والبدائل، ودراسة الأخطاء، ونقد التقديرات التي على أساسها تم إتخاذ الكثير من القرارات التي تسببت بإستفحال الأزمة وتمددها، ومن الطبيعي أن تكون هنالك مسؤليات ترتبت على مؤسسات وأشخاص معينين... أين كل ذلك من الوضع في سورية، على عكس ذلك تماماً، يجري مكافأة الأشخاص المخطئين وترقيتهم، كما يصارإلى تعزيز صلاحياتهم وحمايتهم من كل مساءلة قانونية.

وبعد ذلك، يذهب النظام إلى إقرار سلسلة من القوانين والمراسيم، يسميها حزمة إصلاحات، ويذهب إعلامه بعيداً في توصيفها على انها الأرقى والأفضل والأفعل وأين منها قوانين الإنتخاب والأحزاب والإعلام في الدول المتطورة، في حين أنها لا تعدوا كونها وصفة لإعادة إنتاج مملكة الصمت والخوف والإستبداد، بطريقة ممجوجة وفظة، والمشكلة أن النظام لا يبغي من وراء قوانينه تلك كسر (عين) الثورة وحسب، وإنما إستثمار الأزمة والظهور بمظهر البطل المخلص؟.

لم يعد هناك من أوهام بأن النظام الحاكم في سوريا بات يضع نفسه في حالة تحد ضد شعبه، ويسلط عليه كافة صنوف النيران كي يرضخه لإرادته، وهذا النظام، الذي يمتلك الكثير من النيران والمقاتلين، يرفض الإعتراف لشعبه بأي حقوق، كما يرفض أن يرسم هذا الشعب مستقبله بالطريقة التي يرتأي أنها تحقق له العيش بكرامة، وهو يفعل كل ذلك من وضعية مريحة ترتكز على أساس كثافة النار وكثرة المقاتلين وموارد إقتصادية قابلة للتجدد والدعم، في حين أن الطرف الأخر أعزل وفقير محدود الموارد والأبناء أيضاً، ولن يستطيع مجاراة النظام في الرقص على حبال الخطر...، هي لعبة النار إذاً فمن يزيحها عن الشعب السوري؟.

===============

سوريا بين "الحل الأمني" و"الحل السياسي"

المستقبل - السبت 20 آب 2011

العدد 4091 - رأي و فكر - صفحة 19

علا شيب الدين ()

قبل أشهر قليلة من اعتقال وتعذيب رجال الأمن لمجموعة من الأطفال في درعا، كانت وزارة التربية قد حدّثت المناهج الدراسية، وجنّدت كوادر تقوم بتدريب وتأهيل المدرِّسين الموغلين في مناهج رثّة أكل الدهر عليها وشرب، متوعّدة بمعاقبة كل من تسوِّل له نفسه ألا يكون حداثوياً بعد اليوم. والمطّلع على المناهج المحدّثة يشعر وكأنه بات يحيا في مدينة فاضلة، ديمقراطية، تحترم الإنسان وتحرِّض العقل على الإبداع والتفكّر والتأمّل؛ غير أن الواقع والوقائع التي يلفّها البعث وقد استحال منذ زمن بعيد إلى مخابرات تفصفص كل شادرة وكل واردة في كل زاوية من زوايا الوطن؛ تدفع بالمطّلع إيّاه على عدم أخذ أي تحديث على محمل الجد. سيما وأن مدير المدرسة الذي كان قد تلقى تدريباً على الحداثة إياها عمد إلى الوشاية بتلامذته الذين خطّوا على جدران المدرسة عبارات تحمل معاني التحرر من نظام مستبد، ثم سلّمهم إلى فرع الأمن السياسي كون هؤلاء الأطفال "يهدّدون أمن الدولة واستقرارها، ويهزّون هيبتها، ويعملون على إضعاف الشعور القومي، ويساهمون في وهن الأمة..!".

تأتي هذه المقدمة كأنموذج ساطع على تطرّفيْن تبرع فيهما السلطة في سوريا، واحد في النَّظر وآخر في العمل. إنهما الخطّان المتوازيان اللذان طالما تأسّست بهما معاً واستمرّت عبرهما معاً. والغريب العجيب أنهما متوازيان يلتقيان.. يلتقيان عند سلطة متطرّفة، فالمحلل ل"شخصية" السلطة السورية يستنتج عبر تجربة أكثر من أربعين عاماً أنها سلطة تجيد النّظر في حدِّه الأقصى بالتوازي مع العمل في حدِّه الأقصى أيضاً. يتشكّل النَّظر من كل ما تقدر المخيِّلة على التقاطه من قيم وطنية وأخلاقية، ومفاهيم ديمقراطية وحداثوية وعَلمانية، وشعارات عروبية وحدوية واشتراكية، وأفكار حول الصمود والتصدي، والممانعة والمقاومة، كل ذلك وأكثر أجادته السلطة وبتطرّف شديد على المستوى النّظري المحض. يوازي هذا المستوى مستوى آخر عملي محض.. نقيض محض، يوازيه لكنه يلتقي معه عند سلطة تعمل على هذا وذاك بنفس الآلية ونفس الدرجة، وبهذه الآليّة استمرّت في الحكم لعقود طويلة. وسنرى كيف أنها عبر نفس هذين الخطّين المتوازيين تعاطت مع رياح التغيير حين هبّت على العالم العربي مع بداية العام الجاري ووصلت إلى سوريا.

ولئن كانت "شخصية" السلطة في سوريا ممعنة في التطرّف كما أشرنا، قرّرت ما يلي: بما أنه من غير المسموح، ومن المعيب أخلاقياً، وإنسانياً، ووجدانياً، ومحلياً، وإقليمياً، ودولياً، وقانونياً، وتاريخياً، وعُرفياً و..و أن يُرفع السلاح بوجه الأعزل المطالِب بمطالب مشروعة ومحقَّة؛ لا بد من اختلاق "جماعة دينية متطرّفة تكفيريّة" تنزع إلى إقامة إمارات سلفيّة في دولة "عَلمانيّة". ولمّا كانت السلطة المتخبِّطة في كيفية التعامل مع احتجاجات شعبية سلميّة قد شعرت أن رواية واحدة لتشويه الاحتجاجات لا تكفي ولا تقنع؛ قرّرت أن تختلق "عصابة مسلّحة إرهابيّة" تروِّع المواطنين الآمنين وتتنقل بين منطقة وأخرى، فيستغيث الأهالي طالبين استعانة الجيش، فيدخل الجيش "الوطني" المدن السورية المختلفة ليخلّص الأهالي من بطش تلك العصابات، أما الرواية القديمة الحديثة فهي تلك التي تتحدّث عن سوريا المُستهدَفة، والتي تُحاكُ ضدها مؤامرات خارجية قاصية ودانية تريد النّيل من موقفها "الممانِع، المقاوِم"، وراحت تسهب في الحديث عن شتّى المؤامرات، فتارة هي حريريّة وتارة بَندريّة وأخرى موساديّة و.. و.. و.. ينبغي العلم هنا أن السلطة السورية قررت التعاطي مع هذه "المؤامرة" وبالتحديد مع "العصابات المسلّحة" من خلال "حلّ أمني"، وهو الحلّ الأمثل لتأديب سوريين صاروا بين ليلة وضحاها "عصابات مسلّحة" و"مندسِّين" و"مخرِّبين" و"متآمرين" على الوطن وأمنه واستقراره، هكذا اقتُحمَت المدن السوريّة بالدبابات والمدرَّعات والمجنزرات، أي زُجّ بالجيش العربي السوري "حماة الديار" في معركة ضد أبناء جلدته بعد ثنيه لعقود عن القيام بمهمته الأساسية على الحدود؛ فأصبح العدو هو السوري المدني الأعزل (ابن الوطن)، وقد أُرفِقَ قمع الجيش بقمع أجهزة الأمن وميليشيات حكوميّة (شبيحة). جنَّدت السلطة فرق موت متعدّدة تتقن القتل والاعتقال والاغتصاب والتجويع والترويع والتهجير والتشريد والتمثيل بالجثث... يأتي "الحل الأمني" هذا في سياق المستوى العملي المحض الذي وكما أشرنا تجيده السلطة بتطرّف شديد.

أما المستوى الآخر لقمع الاحتجاجات السلميّة، وهو مستوى نظري محض، فهو "الحل السياسي"، يشتمل هذا الحل على حوار وطني لحل "الأزمة". مُنحت قيادة هذا الحوار لمن يأخذ الدور السياسي في نفس السلطة، فقد وزِّعت الأدوار بخبث ومكر شديدين بين من يتولى قيادة الحلول الأمنية العسكرية القمعيّة، ومن يتولى قيادة الحلول السياسية الحواريّة الإصلاحيّة، وبذلك تكون الحرب على ثورة الحرية والكرامة حرباً على كافة الجبهات. يتضمن الحل السياسي "إصلاحات" اقتصادية وسياسية عبر إصدار قوانين ومراسيم تبيّن للرأي العام، و- لكبريات الدول خصوصاً- أن السلطة في سوريا "جادّة" في الإصلاح وماضية في التغيير نحو الديمقراطية، وأنها دولة تحترم الإنسان وحقوقه و(إن حصل بعض الأخطاء على الأرض فهي أخطاء بسيطة من بعض رجال الأمن والشرطة "غير المؤهلين للتعاطي مع التظاهرات")، وأنها مع الحداثة والإصلاح والمعاصَرة وأنها وأنها.. كل ذلك يسنده إعلام يسهب في التضليل والتعمية ولا يتوانى عن تخوين كل من يخرج على "سنّة" البعث المتعارَف عليها منذ أكثر من نصف قرن، فهو الإعلام الذي صُمِّم كي يكون معبّراً عن السلطة، موالياً لها جملة وتفصيلاً.

وهكذا، بين الحل الأمني والحل السياسي قُسِّم السوريون المحتجّون بين "عصابة مسلّحة" ينبغي التعاطي معها عبر العسكر والأمن و"الشبيحة"، وأخرى - إن تم الاعتراف بها أصلاً- هي صاحبة مطالب مُحِقّة وهي من تسير الإصلاحات "الحقيقية" مواكبة لمطالبها.

وبالعودة إلى الخطّين المتوازيين المذكورين آنفاً، نعتقد أنه ينبغي التأنّي عند الحكم على السلطة السوريّة بأنها كاذبة بالمطلق وأن كل ما تتفوّه به صوريّ وشكلانيّ لا يُطبّق على الأرض؛ فإن كان "الحلّ السياسي" إيّاه كاذباً بلا أدنى شك بشأن الإصلاح والتغيير، فإن "الحلّ الأمني" إياه صادق بلا أدنى شك في قمعه لمتظاهرين سلميين. وإن كانت السلطة لا تقرن القول بالفعل بشأن الإصلاح الذي يؤدي إلى التغيير الديمقراطي، فهي تقرن قولها بفعلها وبأمانة تامة فيما يخص الحلّ الأمني؛ ذلك أن "جيشها" ودباباته، ورجال أمنها و"شبيحتها" برشّاشاتهم وسواطيرهم يطبّقون على الأرض كل قول وبأدق التفاصيل، فأين الصوريّة أو التنظير ها هنا؟!

===============

سوريا بعد الثمانينيات

ساطع نور الدين

السفير

20-8-2011

أصدر الغرب حكمه النهائي على نظام الرئيس السوري بشار الاسد، بعد تسامح وتمهل وتردد. الإجماع الاميركي الاوروبي الغربي لم يتشكل بسهولة. كان الاوروبيون أول المبادرين، وكان الاميركيون آخر الملتحقين، بعدما اغلقت دمشق النافذة التركية بقوة، ولم تفتح اي نوافذ عربية او دولية بديلة، واظهرت براعة استثنائية في كسب المزيد والمزيد من الاعداء والخصوم، وفي اختراع الاوهام وتصديقها.

ما سمي بالخيار الامني كان حاسما في بلورة ذلك الاجماع. ارتفع عدد القتلى والجرحى الى ارقام قياسية غير مقبولة حسب معايير الحاضر، التي تختلف بشكل جوهري عن معايير الثمانينيات. وتحولت ملاعب كرة القدم في العاصمة وفي مختلف المدن الكبرى الى معتقلات جماعية لم يخرج منها حتى الان الا الجثث او الجرحى. واجريت تصنيفات خيالية للمعارضين، كادت تحول شخصا معتوها مثل الشيخ عدنان العرعور الى اسطورة، وحكمت على الشعب السوري بانه قطيع مسير من الخارج، الذي غرر به ودس بين صفوفه ارهابيين.. انضم اليهم اللاجئون الفلسطينيون الذين كانوا منذ اللحظة الاولى للانتفاضة السورية في منتصف آذار الماضي موضع شبهة واتهام وتحولوا في الايام القليلة الماضية الى هدف.

ما سمي بالاصلاح كان مجرد خداع. لم يعط النظام الانطباع بانه راغب او قادر على القيام بالعملية الجراحية التي تقتضيها ظروف المرحلة. كان يميل بين الحين والاخر الى عمليات تجميلية، لكنه سرعان ما كان يتراجع عنها. ولعل الاجتماع الاخير للرئيس الاسد مع قيادة حزب البعث، كان السبب الرئيسي في ذلك التحول الجذري في الموقف الاميركي والغربي. تحدث عن مؤامرة خارجية تشبه مؤامرة العام 2005، التي كان مصدرها لبنان حسب التعريف السوري المعروف.. مع ان الادلة على هاتين المؤامرتين واهية، تماما مثلما هي الادلة على ان التمديد للرئيس اميل لحود كان قرارا حكيما .

والاسوأ من الربط بين المؤامرتين واتهام الشارع السوري نفسه هذه المرة بانه متآمر مع الخارج، هو ذلك الاستنفار للحزب المنقرض من اجل الانخراط اكثر فاكثر في معركة النظام، وحثه على العودة الى القواعد وسؤالها رأيها في المسيرة الاصلاحية، مع ان الجواب قاله البعثيون قبل الاجتماع وبعده، وهو انهم يرفضون بشدة إلغاء المادة الثامنة من الدستور، ويصرون على عدم التخلي عن مكتسبات القرن الماضي، في قيادة الدولة والمجتمع.. الى الخراب.

الاجتماع بحد ذاته كان استفزازا للشارع السوري وللخارج العربي والغربي. والاعلان عن المؤتمر القطري في الخريف المقبل كان تحديا، واستخفافا لا مثيل له بعقول السوريين وافكار جميع الوسطاء الذين كانت نصيحتهم الاولى والدائمة الى النظام هي التضحية بالحزب، غير الموجود اصلا، كعلامة على حسن النية والعزم على الاصلاح والتغيير، والدخول في معركة انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة كان يمكن، قبل الحملة العسكرية الرمضانية على المدن، ان تضمن للاسد وللنظام الفوز بغالبية مريحة!

قاتل النظام السوري بأفكار الثمانينيات وادواتها واساليبها، لكنه خسر المعركة.. وهو يظن انه لم يخسر الحرب.

===============

سوريا: بشائر النصر...

علي حماده

النهار

20-8-2011

أغرب ما في القمع الذي يمارسه النظام في سوريا ضد الشعب الأعزل الثائر، أنه في كل يوم جمعة يطبق إجراءات تمنع على من هم دون الخامسة والخمسين من العمر التوجه الى المساجد لتأدية الصلاة، وفي هذا الاجراء ما يفوق الاجراءات الاسرائيلية في حق أبناء القدس، حيث لا يسمح الاحتلال بالصلاة في المسجد الأقصى الا لمن تجاوزوا الخمسين عاماً. هذا المثال نورده في إطار التذكير بأن ما يمارسه النظام لا يختلف عما يمارسه الاسرائيلي في حق الفلسطينيين. فلكأن سوريا صارت واقعة تحت احتلال داخلي أشد مضاضة من الاحتلال الاسرائيلي نفسه. إنه العار بعينه.

من هنا الى أين؟ لقد انطلق الخميس الماضي القطار الدولي لمحاصرة النظام في سوريا، فإعلان الرئيس الاميركي باراك أوباما أن على بشار الأسد التنحي، بالتزامن مع إعلان مماثل عن الدول الغربية الكبرى فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، كندا وأوستراليا وحزمة عقوبات أميركية – أوروبية أكثر تشدداً، هي إشارات الى انتقال العمل الدولي الى سرعة أعلى من ذي قبل رداً على دموية الأسد ونظامه في قمع الثورة السورية السلمية. ومن العلامات الأخرى المشجعة التي ينبغي التمعن فيها بدء التحرك الجدي للمفوضية العليا لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة بتوزيعها تقريراً مخيفاً عن بعض ارتكابات النظام وجرائمه، اذ جاء في استنتاجات التقرير ان حملة القمع "قد ترقى الى مستوى جرائم ضد الانسانية"، وهذا ما يفترض ان يدفع ببشار الأسد ومعاونيه الى التفكير عميقاً بعواقب استمرارهم في ارتكاب هذه الجرائم ضد الشعب السوري. فلا الأسد، ولا عائلته، ولا قادة الأجهزة الأمنية، ولا قادة الجيش، ولا أركان الحكومة أو حزب البعث أكبر وأقوى من شارلز تيلور أو سلوبودان ميلوسوفيتش أو ردان كاراديتش وغيرهم ممن ارتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية. فالعدالة الدولية ماكينة ثقيلة وبطيئة، ولكنها متى انطلقت تصبح كالكاسحة لا يقف بوجهها شيء. واذا واصل الأسد الابن وفريقه النهج المتبع حالياً فلسوف ينتهي بهم الأمر في زنزانة في لاهاي، لأن العالم سيضيق عليهم وفي أحسن الأحوال لن يكون لهم مأوى في أي مكان إلا عند ملالي إيران. ومن العلامات الأخرى التي تقوض ما تبقّى من شرعية الأسد الابن زوال التمييز بينه وبين معاونيه الذين كان يمكن إلباسهم في مرحلة ما المسؤولية عن القتل في مقابل تحييده ليقود الاصلاح. فقد صار بشار الأسد هو المسؤول الأول في عيون العالم. وما الموقف العربي الذي تبلور بقوة إثر الخطاب التاريخي للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز والذي توجه به شطر الشعب السوري متخطياً النظام سوى خطوة متقدمة على طريق تدمير كل الجسور من خلف النظام، بحيث ما بقي له من أصدقاء في العالم سوى أنظمة مدرجة في لوائح الارهاب الدولي.

هل كان الشعار الذي أطلقته الثورة على يوم امس "جمعة بشائر النصر" متسرعاً؟ في يقيننا ان بشائر النصر لاحت منذ انكسر جدار الخوف، ثم أتت الأسابيع لتؤكد ان من خرجوا لتحريرها من سجن "حافظ الأسد" سيتممون المهمة. نعم إنها "جمعة بشائر النصر".

===============

هل سيسقط الأسد وكيف؟

ياسر الزعاترة

الدستور

20-8-2011

 لعل السؤال الأصعب الذي يواجهه المتابع للشأن السوري هو ذلك المتعلق بالمدة التي ستستغرقها معركة إسقاط نظام بشار الأسد، وقبل ذلك الكيفية التي ستتم من خلالها العملية.

الشيء المؤكد هو أن الشعب السوري قد كسر حاجز الخوف، ولم تعد لديه أية نوايا للتعايش مع هذا النظام، أكان بصيغته الحالية، أم بصيغة معدلة يمكن طبخها من أجل تجنب السقوط.

والواضح أيضا أن أطواق العزلة (العربية والإقليمية والدولية) ما زالت تشتد من حول النظام، ولولا الإصرار الإيراني على دعمه بكل وسيلة ممكنة لكان وضعه أسوأ بكثير.

على أن الذي لا ينبغي تجاهله في المقابل هو أن حجم الحراك الشعبي لا زال ضمن قدرة النظام على المواجهة، لاسيما أن مشاركة دمشق وحلب لا زالت محدودة (القبضة الأمنية الرهيبة هي السبب الأكثر أهمية)، كما أن النظام لا يزال متماسكا إلى حد كبير، حيث لم تحدث في صفوفه انشقاقات تستحق الذكر، لا في المؤسسة الأمنية ولا العسكرية، ولا حتى السياسية.

يحدث ذلك تبعا لوجود بنية صلبة يعتمد النظام عليها، أعني الطائفة العلوية التي يصعب القول إنها في وارد التخلي عنه ضمن الظرف الراهن، ويمكننا بعد ذلك إضافة نسبة كبيرة من الدروز، وبقدر ما من المسيحيين الذين يجري تخويفهم من البديل الإسلامي القادم.

قد يرى البعض أننا دخلنا في التصنيفات الطائفية والمذهبية، متجاهلا أننا نحلل الموقف ولا نمارس التكفير أو نتبنى الإقصاء لأي مواطن أيا يكن دينه أو مذهبه، لكن الفئات الاجتماعية غالبا ما تحدد مواقفها بناءً على مصالحها، لاسيما أن مصلحة الوطن هي محض شعار يمكن لكل أحد أن يدعي تبنيه.

سيقول آخرون إننا نتجاهل هنا فئات معتبرة من السنّة لا يزالون يرفضون الثورة، وأقله يقبلون الوضع القائم، وهذا صحيح إلى حد كبير، وهو تحديدا ما يمنح الفئات الأخرى فرصة تأييد النظام من دون الشعور بعقد الطائفية أو المذهبية.

في ضوء ذلك كله تبدو الصورة بالغة التعقيد لجهة الإجابة على سؤال متى وكيف سيسقط النظام السوري، بل ربما أضاف البعض إليه سؤالا يتعلق بما إذا كان سيسقط بالفعل أم لا؟!

هنا يبرز سؤال العمل المسلح الذي توفر في بعض المدن والمناطق السورية، والذي يستقي مدده من شبان ينشقون عن الجيش، ومن آخرين يميلون إلى هذا اللون من النشاط المسلح ردا على عنف النظام، ولعل كلام رئيس الوزراء التركي عن تكرار النموذج الليبي يشير إلى هذا البعد، ما يطرح بالضرورة سؤالا يتعلق بتطور هذا البعد المسلح، ومعه الموقف التركي وسط هذا السيل من التهديدات التي لا يعرف ما إذا كانت ستتحول إلى فعل مباشر، أم ستبقى محصورة في إطار الضغوط السياسية والانسجام مع الوضع الدولي في ضغطه على النظام.

من الأفضل بالطبع أن يتواصل الفعل الشعبي السلمي في مواجهة النظام لأنه الأقدر على صناعة الانتصار في حال اتسع نطاقه بشكل متواصل وشمل جميع المدن بمن فيها دمشق وحلب. ولكن سؤال العمل العسكري ونتائجه تبقى قائمة، ومعه سؤال التدخل الإيراني والمدى الذي يمكن أن يصل إليه، أكان في مواجهة الشارع في الداخل، أم في مواجهة أي تدخل تركي.

والحال أنه كلما أوغل النظام في الدماء، كلما تدهور وضعه وتزايدت أخطاؤه، وهو ما سيدفع الفئات المترددة نحو الانضمام إلى المعركة، لاسيما إذا شعرت أن النظام آيل للسقوط في المدى القريب، أكان بسبب التطورات الداخلية أم الضغوط الدولية.

هنا ينهض سؤال الحرب الأهلية في حال استنجد النظام بطائفته وورطها أكثر في النشاط العسكري تحت مسمى «الشبيحة» أو ضمن كتائب خاصة، وهو ما قد يفضي في وقت من الأوقات إلى التقسيم، وذلك بسيطرة العلويين على الساحل بعد عمليات تطهير عرقي لسكانه السنّة.

هو مجرد احتمال تحدث عنه البعض، فيما كررته دوائر بحثية إسرائيلية، لكن الأمر لن يكون بهذه السهولة، والأرجح أن يواصل النظام معركته حتى يسقط بالكامل، مع العلم أن فئات علوية قد أصدرت بيانات تؤكد رفض اعتبارها في جيب النظام وسندا لممارساته، وهذا شيء جيد من دون شك.

ما ينبغي أن يقال هنا هو ذاته الذي قلناه ونكرره في السياقات الأخرى، وهو أننا إزاء تحولات تاريخية تؤثر فيها عوامل كثيرة، ويصعب الجزم بنتائجها القريبة، ولا بكيفية حدوثها، لكن المؤكد هو أن الانتصار سيكون حليف الشعوب في مواجهة القمع والفساد، والشعب السوري خرج يطلب الانتصار، ولن يعود قبل أن يتحقق له ما أراد، طال الزمان أم قصر.

===============

سورية.. إلى أين؟

حازم مبيضين

الرأي الاردنية

20-8-2011

فور إعلان أمين عام الأمم المتحدة, أن الرئيس السوري, أبلغه بوقف العمليات العسكرية ضد مناوئيه, الذين يتظاهرون مطالبين بتنحيه منذ قرابة الستة أشهر, دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما في بيان الأسد إلى التنحي، وقال إنه كان عليه أن يقود انتقالاً ديمقراطياً أو أن يتنحى, لكنه لم يفعل, ولم يقد الانتقال, ولذلك فقد آن الأوان لكي يتنحى, وأعلن أوباما بالمناسبة عقوبات جديدة قاسية على دمشق, تضاف إلى سابقة شاركه فيها العالم الغربي.

بالتزامن مع البيان الأميركي, دعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك الرئيس السوري للتنحي, مؤيدة فرض عقوبات جديدة من جانب الاتحاد الأوروبي ضد نظامه, في حين دعا الإتحاد الأوروبي مجتمعاً وعلى لسان وزيرة خارجيته إلى تنحي الأسد, باعتبار إن نظامه فقد كل مشروعيته ومصداقيته في عيون الشعب السوري, وفي الأثناء تواترت أنباء عن نية مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان, اقتراح أن يحيل مجلس الأمن الدولي, الحملة التي تشنها الحكومة السورية على المحتجين المطالبين بالديمقراطية, إلى المحكمة الجنائية الدولية.

عربياً تغير الموقف من دمشق, ابتداءً من منظومة الدول الخليجية, مروراً بمصر والجامعة العربية, وليس انتهاءً بالأردن, الذي لا يستطيع المراهنة على نظام الأسد, بعد أن أعيتها الحيلة في إقناعه بالتخلي عن الحل الأمني والعسكري, لصالح حوار حقيقي, يجنب بلاد الشام هزة لا يعرف أحد النتائج الكارثية لارتداداتها.

يعتمد النظام السوري على تحالف رئيسي مع إيران, التي يبدو تحركها مضبوطاً على إيقاع طائفي, وهذا التحالف وإن بدا حتى اللحظة استراتيجياً, فان الظنون تكتنفه من حيث إمكانية فسخه ,إن تعارض مع مصلحة الولي الفقيه, وهو تحالف تمتد آثاره إلى حزب الله اللبناني, المسيطر اليوم على القرار السياسي اللبناني, لكنه يتصارع مع المجتمع الدولي على خلفية المحكمة الخاصة باغتيال الشهيد رفيق الحريري, ومؤخراً إلى حكومة المالكي في العراق, الذي يرى في آخر تصريحاته, أن ربيع العرب يصب الحب في الطاحونة الإسرائيلية, ويقال إنه يقدم دعماً مالياً سخياً لدمشق, وهو لن يتمكن من فعل أكثر من ذلك, ما دام فشل حتى اليوم في ضبط الأوضاع الأمنية في بلاد ما بين الرافدين.

يرى البعض في اقتراب ساعة الحسم بالنسبة لعقيد ليبيا, مع تقدم الثوار الحثيث باتجاه معقله الأخير في طرابلس, وتضييق الخناق عليه بكل الوسائل, مؤشراً على تحرك غربي تجاه سوريه, لا يبدو ممكناً قبل انتهاء مهمة الناتو في ليبيا, وهو تحرك مرفوض من معظم الثوار السوريين, غير أن بعض الأصوات بدأت تتعالى هنا وهناك, مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل, لوقف دوامة العنف التي تحصد يومياً حياة العشرات من أبناء الشعب السوري, وتعطل عجلة الحياة عن الدوران, في حين يصر معظم نشطاء الثورة على رفض التدخل العسكري الغربي في بلادهم, وهو ما أكده الرئيس الأميركي في خطابه الأخير.

نظام الأسد قدم (إصلاحات) يرى أنها جذرية, فيما يرى معارضوه أنها صورية, وغير متناسبة مع التضحيات التي قدمها الشعب, على مدار حوالي المائتي يوم, ظل فيها يرفع سقف مطالبه كلما سالت نقطة دم جديدة, حتى اخترقت تلك المطالب كل السقوف, وباتت المطالبة برحيله عن الحكم ومحاكمته, الجامع المشترك بين كل المناوئين لنظام البعث, الرافضين لدستوره الذي يمنحه ميزة قيادة الدولة والمجتمع, فيما يتخبط الإعلام الرسمي في تغطيته للأحداث, وبشكل مضر بالنظام في معظم الأحوال, في حين تتصاعد المشاعر الشعبية العربية ضده, وإن كان هناك من لا يزال يتمسك بفكرة المؤامرة ضد أنظمة الممانعة والمقاومة.

وبعد.. تقف بلاد الشام كلها على حافة الهاوية, وتتمسك كل واحدة من دولها بخيط أمل واه, ويبدو الانفجار الأخير وشيكاً إن لم يدرك النظام السوري, كنه التغيرات التي غيرت وجه العالم, وأعطت الشعوب الحق في اختيار حكامها.

===============

دموية النظام وعبقرية الشعب

مسعود ديلمي

القدس العربي

20-8-2011

في حديثي مع بعض أصدقائي السوريين في بداية شهر آذار/ مارس الماضي حول الثورات العربية إنتهينا إلى أن هناك دولتان ستتأخران عن ركب الثورة هما: سورية والجزائر نظرا لخصوصية البلدين، فسورية يحكمها نظام مخابراتي قوي لا يسمح بأي إنفتاح، وفي الجزائر تستعمل السلطة الطفرة المالية التي تحصلت عليها من مداخيل البترول لإسكات الشعب، وعوامل أخرى لا يتسع المجال لذكرها هنا. لكن لم تمض أيام عن حديثنا حتى إنطلقت الثورة السورية على يد مجموعات من الشباب بدرعا، استطاعوا تجاوز حاجز الخوف وفتحوا أمل التغيير إسوة بإخوانهم في تونس وفي مصر. ومع مرور الوقت إنتقلت المظاهرات إلى أغلب ربوع البلاد في تحد يومي من الشباب لآلة الموت بصدور عارية، وبشجاعة نادرة مصرين على تحقيق حريتهم وإسقاط نظام آل الأسد الذين يحكمون باسم حزب البعث حيث جعلوا سورية مزرعة لهم، بعد ما إستحوذوا على الدولة بأمنها وجيشها وإقتصادها.

ويعتبر النظام السوري أشد الأنظمة العربية قهرا وإنغلاقا فيعتمد على سبعة عشر جهاز أمني تحبس أنفاس السوريين ولا تترك لهم أي مجال للحرية. وهو نظام إيديولوجي مبني على الفكر الواحد والزعيم الأوحد يجبر الجميع على الإتباع، بسطاء ومثقفين، ومن يأبى كان مصيره السجن أو التصفية الجسدية، ويمنع عشرات المثقفين من السفر إلى الخارج خوفا من تحولهم إلى معارضين. وفي المقابل إستطاع هذا النظام حشد مجموعة من الإعلاميين والمثقفين والأكاديميين يدافعون عن خياراته على طريقة دعاية غوبلز النازية بالكذب وقلب الحقائق، مما دفع ببعض النشطاء السوريين إلى تسميتهم بالنبيحة على وزن الشبيحة. هذه الأخيرة التي نسمع بها لأول مرة بعد إنطلاق الثورة السورية، والتي هي مليشيات مكونة من المغرر بهم، غير خاضعة لأي قانون، وتتبع مباشرة لآل الأسد فهم من يمولونها بإقتطاع الأموال من قوت الشعب السوري التي تتفنن فيه ترويعا وقتلا اليوم. ولكن هيهات أن يستطيعوا إعادة إخضاع شعب ذاق طعم الحرية منذ 5 أشهر خاصة بعد إستشهاد المئات من أبنائه، وبعد أن نجحت ثورتا تونس ومصر.

وأبان هذا الشعب عن وعي عال بالحفاظ عن سلمية ثورته، وأبدع في أساليبه بالداخل وبالخارج، فهو شعب قديم في الحضارة، ويمتلك ثقافة ثرية ناتجة من تعدد الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية فيه التي عودته على التعايش السلمي لذا لم ينل من عزيمة الشباب المتظاهرين كيد النظام الذي يلعب على أوتار حماية البلد من الطائفية، والمؤامرة الخارجية، والمندسين، والسلفيين... ولقد كانت بلاد الشام المعروفة بكرم أهلها دائما في استقبال الغرباء واستجارة الهاربين من الظلم كالأرمن وغيرهم ومن بلاد المغرب العربي، وآخرهم اللاجئون العراقيون بعد 2003 الذين زاد عددهم عن مليوني شخص، دون أن ننسى احتضان الفلسطينيين منذ النكبة.

وبعد مرور شهور على الثورة أصبح فعلا الصمت العربي مخز تجاه ما يتعرض له السوريون من تقتيل في المدن والأرياف، فهذا الصمت سمح للنظام بالإستفراد بالمتظاهرين، الذين لم يجدوا إلا الله معينهم. فلا الأحزاب تحركت ولا المنظمات الأهلية، ولا الطبقة المثقفة، خاصة التي توجه الرأي العام، اتخذت موقفا مما يحدث في سورية؛ هذا البلد الجميل والشعب الأبي يحتاج منا كل المآزرة ضد طغيان واستبداد آل الأسد الذين هم سائرون في طريق الزوال لا محالة مثل رحيل سابقيهم عائلة الطرابلسية وبن علي في تونس، وعائلة آل مبارك في مصر، وآل القذافي في ليبيا. فرياح الثورة التي إنطلقت من تونس لن تتوقف، وستنجب نظاما جديدا ركيزته الحرية والمساواة بين المواطنين مهما كان المخاض عسيرا. وستنهي النظام الرسمي العربي ممثلا في الجامعة العربية التي يبدو أنها في حالة موت إكلينيكي منذ مدة ولم ينقذها تعيين رئيس جديد لها. هذا الأخير الذي زار دمشق قبل أيام ليخرج على الناس مزكيا الإصلاحات التي أعلنها النظام السوري ومتغاضيا عن القمع المتواصل ضد المتظاهرين السلميين؛ وها هو اليوم يتدارك الخطأ الذي ارتكبه بطلبه للنظام بوقف العنف ضد المدنيين.

لكن هذا النظام فقد شرعيته وهو مقدم الآن على إنتحار حيث لا يقبل بالنصائح لا التركية ولا غيرها بعد ما إرتكب من جرائم في حق شعبه ولا يريد أن يسلم بأن ساعة التغيير قد حانت، فسورية ما قبل شهر اذار/مارس تختلف عن ما بعده، ووعود الإصلاح التي يتكلم عنها لم تقنع الناس ما دام قمع المتظاهرين وسقوط الشهداء لم يتوقف. وإن طبقت هذه الإصلاحات لن تكون إلا عملية تجميلية لنظام دموي يريد أن يغير الشكل ويبقي على الجوهر كما هو، أي بناء فقط واجهة ديمقراطية. لذا تصر المعارضة أنه لم يبق له غير نقل السلطة سلميا والدخول في مرحلة انتقالية بالإستجابة لمطالب المتظاهرين. ويبدو أن النظام مغتر بقوة أجهزته الأمنية وتماسك مؤسساته، ولا يدرك دروس التاريخ بأن أنظمة من هذا النوع ممكن أن تتصدع في أي لحظة لأنه لا يجمعها إلا الخوف والعلاقة النفعية وهي مرتكزة فقط على الدعاية الكاذبة والمزيفة، ولا تنفعه تحالفاته الإقليمية غير طبيعية، ولا ينقذه دعم الصين وروسيا التي من الممكن أن تخذلانه إذا رأت أن بقاءه لا يحقق مصالحها مستقبلا، فالعلاقات الدولية تسير بمنطق حساب الربح والخسارة.

لقد سمحت لنا تضحيات أبناء سورية من أجل حريتهم إعادة اكتشاف ذاتنا العربية، يتجلى ذلك في أن الشعوب حية لا تموت مهما كانت قوة الإستبداد، فروح المقاومة تتفجر من جديد بعد عقود من اليأس وفقدان الأمل في أي إنفتاح ديمقراطي أسوة بالأمم الأخرى، بإفريقيا وأسيا وفي أمريكا الجنوبية، بفك ارتباط الدولة بالعصابات المافيوية والعائلية الفاسدة وإعادتها إلى الشعب لتعبر عن روحه بالقانون والمؤسسات النابعة من إختياره. كما سمحت ثورة سورية وشقيقاتها العربية للعرب بالتعرف على بعضهم البعض، بعد ما كنا لا نعرف إلا القليل من المدن العربية غير العواصم. ومن خلال تتبعنا لمجرى الثورات العربية، زادت معرفتنا بشعوبنا العربية وفسحت لنا بتكوين نظرة أعمق عن تركيبته الإجتماعية بعد ما كانت معرفتنا بها محدودة وسطحية، فكأننا نقرأ كتب التاريخ وعلم الإجتماع عن أسباب الثورات وتطورها ونتائجها. وأيضا، دفعت هذه الثورات الأمم الأخرى خاصة الشعوب الغربية إلى أن يكتشفوا طموحات العرب وآمالهم في الحرية والحكم الرشيد مثل غيرهم من بني الإنسانية، وتكسير تلك الصورة النمطية التي رسخت في أذهانهم بأننا شعوب خاملة تعيش على الماضي، ولا تعرف معنى الحرية، والعنف هو جزء من ثقافتها.

وفي الأخير نقول لإخواننا في سورية أن قلوبنا معكم نتألم لآلامكم، ونحزن لما يصيبكم، لكن سيكتب التاريخ أنكم كنتم مثالا في الشجاعة بتحديكم لعصابة فاشية لا تعرف حرمة النفس ولا مصلحة الشعب. فبفضل سلميتكم نزعتم عن هذا النظام الإجرامي كل المبررات لتكشفوا للعالم حقيقة نواياه ووسائله الخبيثة، ونبل مقاصدكم وسمو أهدافكم. وإن نجاح ثورتكم السلمية هو تثبيت طريق الحرية لهذه الأمة وبناء مستقبلها المشرق، وسيشجع حتما مواصلة التغيير في جميع البلدان العربية الأخرى لتكتمل ثورة الكرامة العربية.

===============

عودة إلى الهلال الخصيب: تاجه في العراق والشام وقلبه في السعودية والخليج

السبت, 20 أغسطس 2011

جمال أحمد خاشقجي *

الحياة

كتبت مقالاً بالعنوان نفسه منتصف عام 2005، أعترف أنني يومها كنت حالماً، كانت مجرد أمنيات صيغت في مقال، اعتقدت أن التدخل الأميركي في العراق يمكن أن يولّد حراكاً في المنطقة يدفعها إلى ثقافة جديدة، ولكننا لم نقترب لا من الهلال الخصيب ولا من التعاون الإقليمي ولا من إعلاء قيمة المصالح الاقتصادية للشعوب، فالتحول إلى ثقافة «الهلال الخصيب» يستلزم نوعاً من الحكومات لم يكن موجوداً عام 2005. حكومات منتخبة، تحت رحمة وتدقيق برلمانات أو هيئات تلزمها بالمراقبة والمحاسبة، تقدم الاقتصاد ورخاء الشعوب على السياسة والمحاور والمكائد. فهل تحقق ذلك الآن؟ بالطبع لا، ولكننا في الطريق إلى ذلك.

تحوّل سورية نحو الديموقراطية سيكون زلزالاً سريع التأثير في المنطقة يقلب طاولة التحالفات الإقليمية، أكثر بمراحل مما حصل في مصر، فالأخيرة لم تغير معالم الأرض، فتحولت قواعد الحكم فيها ولكنها بقيت في إطار محيطها الطبيعي، بينما النظام السوري غيّر معالم الأرض ودفع بسورية إلى غير محيطها التاريخي والسياسي والإقليمي، خاصة أنها ضمن فسيفساء متداخل مع جيران وعشائر واقتصاد لم تفرقه حدود «مصطنعة» كما يحلو للقوميين والإسلاميين تسميتها، وإنْ فرَّقتها أجهزة مخابرات وشكّ وتوجّس كادت أن تعزل سورية تماماً. ولكن بالرغم من ذلك بقيت علاقات عبر الحدود بين عشائر حوران وإخوانهم في الأردن، وكذلك العشائر السورية في مناطق الجزيرة والفرات والبادية وامتدادهم في العراق والسعودية. لبنان وسورية لم تنفك العلاقات بينهما، وإن اتخذت أشكالاً أمنية ووصاية لم ترضِِ اللبنانيين تحديداً، أما في الشمال، فسرعان ما تجددت صلات القرابة مع الأتراك خلال الأزمة الحالية.

ولكن طبيعة النظام الأمنية واقتصاده الشمولي عزلا التنمية في سورية عن محيطها الطبيعي، فضاعت فرص تنموية هائلة على بلد كان متقدماً صناعة وتجارة. زاد الطين بلة تخلف الدولة والمؤسسات عن مواكبة التطور الاقتصادي الهائل والتقني والخدماتي الذي حصل في العالم، ما أدى إلى هجرة عقول وأموال سورية ونموها خارج الوطن، تحديداً في السعودية والخليج وأوروبا وبريطانيا، ولا يستبعد أن تكون ثروة السوريين في الخارج أكبر من الناتج القومي السوري واحتياط بنك سورية المركزي.

المفارقة تبدو أوضح عندما يقارن الاقتصاد اللبناني بالسوري، والذي نما وتكامل مع دول الخليج، ولولا الحرب الأهلية الغبية في لبنان لكان تكامله أكبر، بل ربما تغير تاريخ دبي ومسارها وكذلك البحرين وبنوكها لولا تلك الحرب، أما سورية فلقد غابت أو غيّبت نفسها من غير حرب.

الكارثة الأكبر هي تحالف النظام السوري مع إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية هناك أوائل الثمانينات، على رغم الاختلاف الهائل في العقيدة السياسية بين البلدين، ولكن غلبت العقيدة المذهبية على نظام زعم أنه علماني حداثي ما يكشف هشاشة البنية السياسية في المجتمعات الطائفية عندما لا تحتكم إلى الديموقراطية وتعتمد في بقائها على القوة.

هذا التحالف قلب حال المنطقة، سمح لإيران بالتمدد في غير محيطها، في سابقة تاريخية ما كان لها أن تستمر، استمر التحالف «الطائفي» ولا يزال لأكثر من 3 عقود، نجح رغم تحديات هائلة، كالحرب العراقية الإيرانية، فانحازت سورية الى إيران ضد العراق البعثي العربي، وهي من هي «زعما» في القومية العربية، وتجاهلت إيران المنتصرة باسم الثورة الإسلامية ثورة إسلامية في سورية ضاربة بعرض الحائط توقعات الإسلاميين العرب الذين تفاءلوا بها. أثمر هذا التحالف خيراً للنظامين، عملا معاً في تأسيس قاعدة متقدمة لهما في لبنان (حزب الله) نجحت في الهيمنة على مقدرات ذلك البلد الليبرالي المنفتح على الغرب، في سابقة تاريخية هي الأخرى. عملا معاً في العراق ونجحا على رغم القوة الأميركية في توظيف آلة الحرب الأميركية العاتية في خدمة المشروع الطائفي الاستراتيجي. بدا أن الزمن زمانهم، حتى صيغت بقلق عبارة «الهلال الشيعي» من قبل أهل المنطقة وحكامها التقليديين وهم يرون هذه التحولات التاريخية الطارئة على عالمهم. وبينما كان الحلف الإيراني السوري يتوسع، ظل بعض العرب والأتراك يراهنون على أن ثمة فرصة ما في لحظة ما لفك هذا الحلف غير التقليدي، هؤلاء كانوا يفكرون في الجغرفيا السياسية والتاريخ. أولئك كانوا يتحركون وفق منطق الطائفة وحاجة الأقلية، حتى انفجرت الأرض تحت الجميع بفعل الغالبية المهشمة، فقراء السنّة، ففرضوا على المنطقة والعالم التعاطي مع «الحالة السورية» الطارئة بغرائبيتها طوال أربعين عاماً بعدما تجاهلها الغرب وإسرائيل، ذلك أنها تخدم مصالحهم، وتجاهلها العرب والأتراك لإدراكهم صعوبة تغيير الواقع من الخارج، بالرغم من استفزازات دمشق الهائلة بين آونة وأخرى، وكان آخر تلك الاستفزازات وأخطرها اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، الذي كاد يذهب دمه هدراً لولا ثورة فقراء السنّة المشار إليها آنفاً.

إذاً، حان الوقت للعودة إلى نظرية الهلال الخصيب الذي يفيض بالخير والتعاون الإقليمي وحرية التجارة والتنقل، في منطقة تمتد شمالاً من تركيا عبر سورية الحرة ولبنان باتجاه الجنوب، الأردن والمملكة العربية السعودية والخليج، منطقة تشكل أكبر اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولكنها نمت منفردة بعضها عن بعض، باستثناء دول مجلس التعاون التي تتمتع بوحدة اقتصادية ستمتد إلى الأردن، ويمكن أن تمتد إلى سورية الحرة ولبنان، ثم تتكامل مع العملاق التركي. صورة وردية يمكن أن تتحقق هذه المرة، بفرص أكبر من عام 2005، عندما حصل التحول في العراق الذي أخفق في أن يمتد إلى ما حوله، لفشل العراق ذاته، ولكون العراق الجديد قد ولد مشوهاً، نتج عن تدخل أجنبي أرعن وليس عن تحرك شعبي صادق، مثلما يحصل حالياً في سورية وحتى الأردن المقبل على إصلاحات حقيقية.

وقد توقف الزمن بالعمل العربي المشترك منذ مؤتمر بلودان عام 1948، الذي أسس للعمل العربي المشترك، وحان الوقت للعودة إلى تفاؤل الزعيم السوري سعد الدين الجابري في ذلك المؤتمر بعد أن ينتصر الشعب الذي يثور هذه الأيام في ساحة بحلب تحمل اسمه.

===============

على من يطلق الأسد الرصاص؟

منار الرشواني

الغد الاردنية

نشر : 19/08/2011

ينقل الصحفي الأميركي توماس فريدمان عن صديقه رجل الأعمال السوري كيف اعترض رفعت الأسد بشدة على تقدير عدد ضحايا مجزرة حماة في العام 1982 بحوالي

 7 آلاف مواطن سوري. فقد كان قائد سرايا الدفاع التي تولت تنفيذ المجزرة زمن حافظ الأسد، واضحاً وحازماً في رده: "ما الذي تتحدث عنه؟!... لقد قتلنا 38 ألفاً".

ومثل هذا التباهي الذي يُفترض أنه يتناقض مع أبسط مكونات الفطرة الإنسانية، لم يكن أبداً زلة لسان من عمّ الرئيس الحالي، أو اطلاعاً لصديق أو شريك، في جلسة خاصة، على سرّ لا يريد له أن يتسرب. فكما يروي فريدمان، صاحب كتاب "من بيروت إلى القدس"، الذي قدم للعالم الغربي خصوصاً ما يعتبر الوثيقة الأولى ولربما الأهم حول المجزرة، فإن النظام كان يشجع السوريين على زيارة حماه بعد إنهاء العمليات العسكرية فيها، للاتعاظ بمشاهد الدمار الذي لحقها، والتأمل بالصمت الذي بات يلفها.

لما يقرب من ثلاثين سنة، بدا أن "شرعية الرعب" تلك آتت أكلها. لكن إذا كان الشعب قد رضخ قسراً وقهراً، طوال تلك العقود، للبؤس والإذلال، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، فقد بدا مع انطلاق الانتفاضة السورية أن النظام وحده هو من استسلم تماماً وأسلم نفسه لتلك الشرعية التي صنعها بيديه، فما عاد يعرف غيرها أو يبحث عن سواها.

ففي مواجهة حراك شعبي محدد المطالب في البداية (إطلاق أطفال معتقلين، وإقالة محافظين، ومنح شهادات وفاة لأسر المفقودين في سجون النظام منذ ثمانينيات القرن الماضي...)، ظهر جلياً أن الحل الوحيد الذي يعرفه ويملكه النظام، أكثر من كونه خياراً مغرياً ضمن خيارات أخرى، متمثل في استعادة "شرعية الرعب". لكن بدلاً من النجاح الموعود والمأمول بإحياء مجزرة حماه في درعا هذه المرة، صارت المجزرة "وطنية" بعد أن شملت حمص، ثم جسر الشغور، وحماه مرة أخرى، ودير الزور، واللاذقية.. وكل بلدة أو مدينة أخرى منتفضة! فبدلاً من "الرعب"، صار القتل المتواصل والممتد وقوداً للثورة السورية التي ما عادت ترضى بأقل من النظام كله، رأساً وأركاناً وبقية سفاحين.

اليوم، جدير ببشار الأسد استذكار الآمال التي رافقت توليه الحكم خلفاً لوالده، وأن يتأمل في لحظة صدق المسؤول عن تحويل كل تلك الآمال إلى غضب جارف تعجز أمامه دبابات وزوارق حربية ومدافع رشاشة و"شبيحة". ورغم أن هذا الاستذكار ربما يبدو متأخراً جداً، إلا أنه قد يكون، مع ذلك، فرصة أخيرة للأسد للاستفادة من قذائف دباباته ورصاص جنوده وشبيحته في الانتقام من أركان حكمه المسؤولين وحدهم دون سواهم عن جعل نظامه آخر قتلى "شرعية الرعب" التي صنعها وصانها لأجيال!

===============

جاء دور اللاذقية!

منذر خدام

الشرق الاوسط

20-8-2011

في صبيحة 13-8-2011م احتشد نحو ثلاث عشرة دبابة، وعدد من السيارات المملوءة بالجنود في المنطقة الشرقية من حي الرمل الجنوبي لإنجاز مهمة عسكرية بغرض معلن، وهو اعتقال المخربين، بحسب مزاعم السلطة، غير أن الهدف الحقيقي وراء ذلك هو منع خروج المظاهرات من الحي. وما إن بدأت الآليات العسكرية في التحرك حتى بدأ أهل الحي يغادرونه إلى الأحياء الأخرى المجاورة، تنفيذا لنصائح عديدة قدمت لهم، تجنبا لوقوع خسائر بشرية كبيرة، وخصوصا أن الحي يكتظ بساكنيه. وبالفعل ما إن دخلت قوات الجيش الحي حتى وجدته شبه فارغ، ولم تواجه أي مقاومة تذكر، في دلالة واضحة على عدم وجود «عصابات» أو «مخربين» كما تدعي السلطة. ولم يكن اجتياح الحي المذكور سوى مقدمة لاجتياح المدينة بكاملها، وهذا ما حصل بالفعل، إذ سرعان ما انتقلت وحدات الجيش والأمن والشبيحة إلى الأحياء الأخرى، وبالتحديد حي الصليبة، وبستان السمكة، والسكنتوري، وقنينص، والشيخ ضاهر، وحي السجن، وغيرها من الأحياء القديمة في اللاذقية، أي إلى الأحياء التي ما انفكت طيلة الأشهر الخمسة الماضية تتظاهر سلميا في المساء، وتمارس حياتها الاعتيادية في النهار.

من المعلوم أنه منذ أكثر من شهرين انتشرت وحدات من الجيش في المدينة وأنشأت دشما لها على مداخل الشوارع، خصوصا في الأحياء الجنوبية من المدينة، التي كانت تنطلق منها المظاهرات، لتمتد إلى باقي أحياء المدينة. وكان الهدف من ذلك هو تجزئة المظاهرات وحصرها في الأحياء، حتى لا تكتسب طابعا جماهيريا، وتبرهن السلطة بالتالي على ادعائها بأن المتظاهرين لا يزيد عددهم على بضع عشرات، وأن غالبية سكان المدينة تقف مع السلطة وضد التظاهر. لقد أكد لي ذلك بعض الجنود الرابضين في الدشم المنتشرة على مداخل شوارع هذه الأحياء. واللافت أن هؤلاء الجنود قد نسجوا علاقات جيدة مع الأهالي، الذين يمدونهم بالماء والشاي وبعض الطعام، بل يتسامرون معهم دون أن يشعروا بأي خطر أو تهديد من عصابات مزعومة. وعندما سألت بعضهم: ألا تخافون من أن تهاجمكم العصابات المسلحة وأنتم في وضعية غير قتالية وتتسلون مع الأهالي؟ أجابتني ضحكاتهم، وألسنة بعضهم: عن أي عصابات تتحدث؟! لا وجود لها. مهمتنا المحددة هي منع المتظاهرين من الخروج من أحيائهم إلى وسط المدينة.

من المعلوم أن اللاذقية قد بدأت انتفاضتها بعد انتفاضة مدينة درعا بنحو عشرة أيام، أي في الخامس والعشرين من شهر مارس (آذار) من عام 2011، وسجلت بذلك المدينة الثانية التي تنتفض في سوريا ضد نظام الحكم. وقد حافظت المدينة طيلة هذه المدة على سلمية مظاهراتها رغم سقوط عدد كبير من الشهداء من أبنائها برصاص الأمن والشبيحة، ورغم ترويع الأهالي المستمر من قبل الشبيحة بسياراتهم الجوالة التي كانت تطلق الرصاص عشوائيا، تحت سمع وبصر قوات الأمن وحمايتها.

تتميز اللاذقية ب«خصوصية» كبيرة بحسب مصادر السلطة، لكونها، من جهة، مدينة الرئيس ومكان نفوذ العائلات الحاكمة، ومن جهة ثانية لكونها مدينة مختلطة، قد تتسبب مشاركة القاطنين فيها من العلويين والمسيحيين في المظاهرات بأعداد كبيرة في إحراج السلطة. لذلك كان هدف السلطة منذ البداية هو الإبقاء عليها كخط تماس طائفي، تهدد به بإشعال فتيل صراع طائفي، سرعان ما قد يمتد إلى مناطق أخرى، وربما يشمل البلاد بكاملها.. مع أن شعب اللاذقية المتعايش منذ قرون فوت هذه الفرصة على السلطة، وأبطل ذرائعها باستمراره في حياته الطبيعية خلال النهار والتظاهر في الليل ومشاركة الشعب السوري جمعاته. وأكثر من ذلك فقد صدر في اللاذقية بتاريخ 22-3-2011م أول بيان يتعلق بانتفاضة الشعب السوري التي كانت لا تزال مقتصرة على محافظة درعا، ووقعه نخبة من سكان اللاذقية وكان غالبيتهم من الريف يدعون فيه الرئيس للمبادرة إلى عقد مؤتمر وطني لوضع سوريا على طريق التحول الديمقراطي، منبهين إلى أن الانتفاضة لن تبقى مقتصرة على درعا، بل سوف تمتد إلى جميع أنحاء سوريا، وهذا ما حصل. لقد كان من الممكن لو أنصتت السلطة لصوت العقل، صوت أبناء سوريا الموقعين على ذلك البيان، بل لو استمعت قبل ذلك لما كتبته بتاريخ 5-3-2011م تحت عنوان «آفاق الزمن القادم»، أي قبل حصول الانتفاضة بعشرة أيام، لوفرت على الشعب السوري الكثير من الآلام والمعاناة، ولحقنت دماء السوريين، ولبقيت سوريا عصية على التدخلات الخارجية، قوية بشعبها، محافظة على دورها الإقليمي والعربي البارز. بدلا من ذلك شنت حملة شعواء على موقعي البيان واتهمتهم بأنهم عملاء بندر بن سلطان ينفذون خطته.

اليوم وبعد أن اجتاحت القوات العسكرية والأمنية السورية مدينة اللاذقية، كما اجتاحت مدنا وبلدات سورية عديدة، في تطبيق لخيارها الأمني الذي سارت عليه منذ البداية، فهي تتوهم بأنها تستطيع أن تقضي على انتفاضة الشعب السوري بعد كل هذه التضحيات الجسام التي قدمها على طريق الظفر بحريته وكرامته، وبناء دولته المدنية الديمقراطية، والتي تجاوزت حدود الألفي شهيد ونحو عشرين ألف معتقل بحسب تقديرات منظمات حقوق الإنسان. ورغم التواطؤ الدولي الواضح مع النظام، المتمثل في إعطائه المهل، مهلة بعد أخرى، لكي يقمع انتفاضة الشعب السوري، فإنه لن ينجح، والشعب الذي غصت به الشوارع والساحات لن يغادرها حتى تحقيق مطالبه المشروعة. ينبغي أن تقتنع السلطة الحاكمة قبل فوات الأوان، وقد بدأ يفوت بالفعل، بأن الشعب لم يعد يرضى العيش في ظل حكم استبدادي أمني مافيوي ظالم، إنه يتطلع إلى الحرية وإلى الديمقراطية، وإلى حكم القانون. وكلما تأخر النظام في الاستجابة لهذه المطالب، تعقدت الأزمة أكثر، وتدخلت القوى الخارجية في الشأن السوري، وهي بدأت بالفعل تتدخل معلنة عن مطالبها، بعد أن كانت تمررها من تحت الطاولة. لقد قلنا مرارا إن الدم يغلب الرصاص، وكلما تغول النظام في قمع الشعب رد عليه بإنزال مزيد من المتظاهرين إلى الشوارع. سوف تنجحون أيها المستبدون في اجتياح اللاذقية، لكنكم سوف تفشلون في كسر إرادة أهلها، الذين سوف يظلون يتظاهرون بأعداد أكبر وأكبر، وبمشاركة من جميع سكانها، حتى تتم هزيمتكم، وحتى يظفر الشعب السوري بحريته وكرامته ليبني دولته المدنية الديمقراطية. وسوف تعود اللاذقية إلى سابق عهدها مدينة التعايش والإخاء، رغم كل التشوهات التي حاولتم إدخالها إلى صورتها الحقيقية.

===============

معركة الدفاع عن الأسد

طارق الحميد

الشرق الاوسط

20-8-2011

الواضح أنه قد بدأت معركة الدفاع عن نظام بشار الأسد في المنطقة وبقيادة إيران، لكن اللافت أن طهران تستخدم كل أوراقها باستثناء حزب الله، إلى الآن. فقد شهدنا حادثة إيلات، وتحرك جبهة غزة، رغم نفي حماس تورطها في ذلك، يضاف إليها تصريحات نوري المالكي، ومقتدى الصدر، وتصعيد المعارضة الشيعية في البحرين، وهو ما قد هدد به المحسوبون على نظام الأسد بعد بيان الملك عبد الله بن عبد العزيز تجاه سوريا، والجديد بالطبع محاولة إشعال سيناء، وهو أمر خطر، هذا عدا عن تصاعد العمليات الكردية تجاه تركيا، مما قد يفسر تردد أنقرة في اتخاذ موقف حازم تجاه الأسد إلى الآن.

تحرك إيران كل أوراقها للدفاع عن الأسد، إلا أن هناك هدوءا لافتا من قبل حزب الله، وهذا يعني أن إيران غير واثقة من صمود نظام الأسد، ليس لأسباب خارجية، وإنما بسبب الضغط الشعبي السوري، وبالتالي فإن طهران تفعل المستحيل اليوم لرفع الضغط عن الأسد، لكن دون خسارة إحدى أهم أدواتها في المنطقة (حزب الله)، فمجرد فتح جبهة لبنان الآن مع التهور الإسرائيلي، أو قل الحرص الإسرائيلي على ضرورة بقاء النظام الأسدي الذي يشكل أفضل خط دفاع لها بالحدود مع سوريا، فإن إيران تدرك أيضا أن إسرائيل لن تفوت الفرصة لتدمير حزب الله لو تحرك.

فإيران، وكذلك إسرائيل، تدركان أن تحرك حزب الله سيكون قاتلا، فالحزب يمر بأسوأ مراحله اليوم من ناحية الدعم الشعبي، سواء في لبنان أو المنطقة، حيث بات اللعب على المكشوف، فلم تعد القصة قصة معسكر ممانعة واعتدال، بل هي طائفية واضحة، فمن يقفون مع الأسد اليوم هم إيران والنخبة الشيعية الحاكمة، وذات النفوذ في العراق، وكذلك حزب الله، والمعارضة الشيعية البحرينية، وأما من هم في غزة، وأيا كانوا، فهم جزء من أوراق بمحور أبو عدس، وبالتالي فإن دخول حزب الله في اللعبة قد يعجل بكسره اليوم. أما فتح جبهة في مصر فهو مكسب مضاعف لإيران، حيث يضرب استقرار مصر من ناحية، كما يعد فرصة لتشكيل جبهة جديدة في أرض الكنانة من السهل أن يصبح ولاؤها لإيران بحجة محاربة إسرائيل، وبالتالي تعوض طهران خسارة سمعة حزب الله عربيا، على المستوى الشعبي، فالاعتداء الإسرائيلي على مصر، في حال حدث، سيكون تأثيره عربيا أكثر بكثير من وقوعه على حزب الله في لبنان.

========================

هل يخاف الإسرائيليون من الأسد أم يخافون عليه؟

ياسر الزعاترة

بوسع أصدقاء النظام السوري - لاسيما القوميين منهم - أن يستخدموا الكثير من الوقائع المنتقاة من هنا وهناك في سياق إثبات "المؤامرة" التي يتعرض لها نظامهم الحبيب من قبل الإمبريالية والصهيونية، لكأن الكيان الصهيوني كان يصل الليل بالنهار في ترتيب المؤامرات الرامية للتخلص من النظام الجبار الذي يشكل تهديدا لوجوده، رغم أنه لا يمانع في تسوية تعترف له ب78 % من فلسطين (هذه الحقيقة ينساها المدافعون عن النظام بدعوى المقاومة والممانعة).

 

ينسى هؤلاء أيضا أننا حين كنا نتحدث عن مقاومة النظام السوري وممانعته، فقد كنا نفعل ذلك في ضوء الواقع القائم على الأرض عربيا، من حيث وجود أنظمة من لون نظام حسني مبارك لا تني تتبرع بتقديم الخدمات الأمنية والسياسية للكيان الصهيوني، مما يعني أنه وفق مفاهيمنا (الأيديولوجية) - وهي مفاهيمهم (أعني القوميين) - ليس مقاوما ولا ممانعا بالمعنى الحقيقي للكلمة، لأنها مفاهيم تؤكد رفض دولة العدو واعتبار الصراع معها صراع وجود وليس صراع حدود.

 

ألا يشكل النظام السوري جزءا لا يتجزأ من منظومة الاعتراف العربي بالقرارات الدولية التي تقول إن دولة العدو كاملة الشرعية ومشكلتها الوحيدة هي عدم التزامها بالقرارات الدولية؟!

 

صحيح أن النظام السوري قد ساهم في إخراج الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، ولكن الأخير ليس من أرض إسرائيل بحسب الرأي السياسي السائد (وليس الديني أو التوراتي)، الأمر الذي ينطبق على قطاع غزة بقدر ما، فضلا عن أريحا "المدينة الملعونة" بحسب التوراة.

 

لا يقلل هذا من قيمة المقاومة البطولية التي تفرد بها حزب الله (بقرار سوري بالطبع)، فلولاها لكان الجيش الصهيوني لا يزال هناك. وفي كل الأحوال، لم يكن ذلك كله سوى جزء من دفاع النظام عن نفسه، وليس دفاعا عن القيم والمبادئ، مع أننا لا نحاكم النوايا في تقييم المواقف السياسية.

 

بتحرير الجنوب اللبناني والتزام حزب الله بالقرارات الدولية الجديدة بعد حرب يوليو/تموز لم تعد ثمة مقاومة من لبنان، وارتاح العدو من وجع رأس تلك الجبهة، وإن أبدى قلقا كبيرا من تسلح الحزب بسبب الاحتمالات التالية غير المضمونة، وخاصة ما يتصل بإمكانية المواجهة مع إيران فيما خصَّ مشروعها النووي، وبالتالي رد الحزب على عدوان إسرائيلي عليها، وإن بدا الأخير مستبعدا في ظل الظروف الراهنة.

 

اليوم يبدو سؤال "ما إذا كان الإسرائيليون يريدون بقاء الأسد أم لا؟" جدليا إلى حد ما، والواضح أن الأمر لم يُحسم تماما لجهة إلقاء الثقل السياسي في هذا الاتجاه أو ذاك، لاسيما أن تل أبيب لم تر حتى الآن أن النظام برسم الانهيار السريع، فيما لا ينكر قادتها أن عموم الحراك الشعبي العربي قد فاجأها كما فاجأ الآخرين.

 

لكن المعطيات الأكثر وضوحا ما زالت تشير إلى أن الإسرائيليين يرغبون في بقاء الوضع على حاله لأكثر من اعتبار، أولها أنهم حيال نظام تعودوا عليه ويعرفون تماما سقفه السياسي، وقد وجهوا له أكثر من صفعة حامية خلال السنوات الأخيرة لم يكن رده عليها يتجاوز الكلام (قصف مفاعل دير الزور، اغتيال أكثر من شخصية سياسية وعسكرية وأمنية سورية ولبنانية وفلسطينية داخل الأراضي السورية).

 

المشكلة في سقوط النظام السوري تبدو عميقة بالنسبة للإسرائيليين، وبالطبع لأنه يعني أن مسلسل الثورات العربية سيستمر، الأمر الذي سيشكل خطرا وجوديا عليهم في حال استعادت الجماهير العربية - التي لا تعترف بالكيان الصهيوني - قرارها السياسي، وقبل ذلك تأثير ذلك السقوط على أنظمة عربية أخرى يهدد ارتباك وضعها، فضلا عن سقوطها مصالح الكيان الصهيوني ووجوده. أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في حقيقة أن البديل غير مضمون تماما.

 

في الدوائر الأمنية والسياسية الإسرائيلية يخشون بالفعل من البديل القادم، لاسيما دور الإسلاميين فيه، وهنا سيخرج عليك بعض الموتورين بقصة كلام علي البيانوني مراقب الإخوان السوريين السابق عن عيش المنطقة بسلام في حال طبقت الدولة العبرية القرارات الدولية (هل يبدو أمرا كهذا ممكنا من الأصل؟!)، والذي لا يغير في حقيقة أن أي طرف إسلامي لن يصل به الحال حد الاعتراف بدولة العدو، لاسيما إذا أدركنا أن الشارع العربي ومنه السوري يرفض ذلك.

 

ثمة أطراف إسرائيلية أخرى ترى أن سقوط نظام الأسد ومجيء نظام سني سيعني إضعافا لإيران، وكذلك لحزب الله، وفي ذلك مكسب للكيان الصهيوني على المدى القريب (المشروع النووي هو الخطر بالنسبة إليهم)، كما يرى آخرون أن النظام الجديد في سوريا سيكون مواليا للغرب، وتبعا لذلك لينا في علاقته مع الدولة العبرية، لكن سؤال الوضع التالي يبقى مقلقا، إذ إن تعبيره (أعني النظام الجديد) عن هواجس الناس سيجعله في موقف مقاوم أكثر بكثير من النظام الحالي.

 

يرى البعض أن محور المقاومة سينهار بانهيار نظام الأسد، وهو كلام غير صحيح بالطبع لأن قوى المحور الشعبية (وهي الأهم) ستبقى موجودة، فيما تراجع وسيتراجع أكثر دور المحور الآخر (الاعتدال)، فضلا عن أن مجمل التطورات العربية والإقليمية قد تبشر بوضع جديد لن يكون على الأرجح في صالح مشروع الاحتلال.

 

خلاصة القول هي أن الإسرائيليين لا يزالون أقرب إلى الحرص على بقاء النظام منهم إلى التخلص منه، وهم بذلك يتقدمون وعيا على الكثير من أبواق اليسار والقومية المنحازين لنظام البعث، والسبب أنهم يعرفون أن الشعب السوري أكثر عداءً لهم من بشار الأسد، تماما كما هو حال سائر الشعوب العربية مقارنة بأنظمتها.

 

من المهم التذكير هنا بأن عين الكيان الصهيوني ستبقى مصوبة في الوقت الراهن على ما يجري في مصر على وجه الخصوص، لأن مصيرها هو الذي سيؤثر جوهريا على مستقبل وجوده في المنطقة، ذلك أن استعادة مصر لدورها وحضورها وخروجها من دوائر التبعية للغرب والولايات المتحدة سيؤثر على عموم الصراع في المنطقة، بل على الربيع العربي برمته، كما سيؤثر على الوضع الإقليمي وعلاقات محاوره الثلاثة (إيران، تركيا، مصر)، وموقفها المشترك من الصراع العربي الصهيوني.

 

لا يعني ذلك أن ما يجري في سوريا لا يثير قلق الدولة العبرية، لكن شعورها بقوة النظام يجعلها أقرب إلى الانتظار منها إلى التدخل، لاسيما أن ارتباكه يفيدها في المدى القصير، فيما تترك لواشنطن مهمة التعامل مع الاحتمالات التالية، وهو تعامل يضع مصلحة الدولة العبرية في رأس الأولويات من دون شك.

 

يبقى القول إن تل أبيب ليست فرحة بأي حال بالربيع العربي، وهي لم ولن تخفي قلقها من تداعياته، وهي التي استمتعت طوال عقود بأنظمة عربية تقبل وجودها، سواء رفعت شعار أن ثمن المقاومة والممانعة أقل من ثمن الانبطاح، أم فضلت الانبطاح الدائم أو شبه الدائم ضمانا للسلامة وتجنبا للمغامرات.

=================

نهاية الأسد القريبة

أسامة الرنتيسي

الغد الاردنية

نشر : 10/08/2011

طرفان فقط ما يزالان يمارسان دور اللوبي في دعم النظام السوري؛ إسرائيل وإيران. فإسرائيل تعرف مصلحتها جيداً في بقاء النظام السوري الذي يحمي جبهة الجولان منذ نحو أربعين عاماً، بحيث لا يسمح لعصفور أن يخترق الحواجز، وتعرف أيضاً أن حبل أحزاب المقاومة والممانعة مربوط في دمشق، لذا فأي تغيير على بنية النظام السوري سوف ينعكس فوراً على الجبهة الإسرائيلية، ومن أجل هذا كان رامي مخلوف واضحاً منذ البداية عندما قال إن أمن سورية من أمن إسرائيل.

وإيران التي من مصلحتها أن يبقى النظام السوري على ما هو عليه، تعمل بكل جهد على دعمه، حتى يبقى مخلب قط لها في المنطقة، ومن خلاله تلاعب الغرب، وتمارس سياسة المصالح وكيفية إدارتها في مصلحة قرصها الإقليمي.

العرب، وبعد صمت طويل على مجازر النظام السوري الذي يواجه شعبه بالدبابات والقتل الواسع، غادروا مراحل الصمت والسلبية، وأخذت دول الخليج السبق في التعبير عن موقفها، أولاً من خلال بيان مجلس التعاون الذي دعا إلى وقف فوري لأعمال العنف والمظاهر المسلحة التي يتصدى بها نظام دمشق لاحتجاجات شعبية حاشدة مناهضة له، وثانياً بعد الخطاب الواضح للعاهل السعودي الذي طالب بوقف "آلة القتل"، وأعلن أن المملكة لا تقبل بما يجري في سورية، وتبع هذا الكلام الواضح استدعاء سفير بلاده في دمشق، وهو ما حذت حذوه دولة الكويت ثم البحرين.

الموقف السعودي جاء بعد ساعات من موقف بارز صدر عن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، الذي دعا السلطات السورية إلى "الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والحملات الأمنية"، بعدما كان أحد المتاجرين بالدم السوري أثناء زيارته لدمشق وثنائه في المؤتمر الصحفي على النظام، وإعلانه أنه يقوم بإصلاحات مناسبة للشعب السوري.

موقف العربي جاء وسط تزايد الضغط الدولي على سورية، إذ تبلورت بعد البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن، والذي دان العنف في سورية، مواقف لافتة لروسيا وتركيا التي قال رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان: إن صبر تركيا "نفد" إزاء استمرار نظام الأسد "بقمعه الدموي للمتظاهرين"، ما زاد من العزلة السياسية للنظام في دمشق، والذي صعّد عملياته العسكرية ضد عدد من المدن. ثم قيام أردوغان بإيفاد مهندس الدبلوماسية التركية أحمد داوود أوغلو إلى دمشق محملاً برسالة تركية "حازمة" وأميركية مهددة، يوم الثلاثاء الماضي.

وحده النظام السوري و"السحيجة" الموالية له ما يزالان يمارسان "إعلام الصّحاف"، فالمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السورية بثينة شعبان ما تزال تتحدث عن المؤامرة الخارجية، وتردّ دمشق على الموقف الخليجي في بيان لمصدر رسمي سوري، لم تسمه وكالة الأنباء الرسمية "سانا" التي نقلت تصريحاته، وقالت إن بيان مجلس التعاون "تجاهل بشكل كامل المعلومات والوقائع التي تطرحها الدولة السورية، سواء لجهة أعمال القتل والتخريب التي تقوم بها جماعات مسلحة تستهدف أمن الوطن وسيادته ومستقبل أبنائه، أو لجهة تجاهل حزمة الإصلاحات الهامة التي أعلن عنها بشار الأسد".

الأنكى من ذلك ما فعله عبقري النظام السوري وقائد دبلوماسيتها الخارجية وليد المعلم، الذي جمع السفراء العرب والأجانب في اليوم الذي كانت دبابات نظامه تخترق شوارع حماة، ليتفذلك عليهم قائلاً "إن المعارضة هي الملومة على ما يحدث في المدن السورية".

المعلم الذكي الذي مسح أوروبا من الخريطة في حديث سابق، تعهد أمام السفراء بإجراء انتخابات حرة ونزيهة قبل نهاية العام الحالي 2011، سينبثق عنها برلمان يمثل تطلعات الشعب السوري، غافلاً عن أن الشعب السوري قد تجاوز في مطالباته البرلمان والتمثيل الشعبي المزور تاريخياً، إلى إسقاط النظام، الذي يبدو أن نهاياته أصبحت قريبة حسب المعطيات الداخلية في استباحة حرمات جميع المدن السورية تقريباً، والمعطيات الخارجية باحمرار عيون العرب والغرب وروسيا وتركيا عليه.

من أكثر ما أضحك المتابعين ثم أبكاهم ما قام به القذافي من سحبه للسفير الليبي من دمشق وطرد السفير السوري من طرابلس احتجاجاً على القمع الدموي الممارس على الشعب السوري.

نعم، إنهم يمارسون الجنون والسلطنة على حساب دمنا.

=================

هل تذهب سوريا للمجهول؟

فواز حداد

الشرق الاوسط

11-8-2011

لم يكن بدعة أن تلجأ الأنظمة العربية للعنف.. لديها تاريخ طويل من العسف والتنكيل في التعامل مع شعوبها، ولقد رأينا مؤخرا نماذج منه في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، وكلها تصب في خانة التأديب وكسر الإرادة والإخضاع والامتثال.

إزاء هذه المشاهد المكلفة والباهظة الثمن والتي نجحت في إسقاط رأسي النظام في تونس ومصر، كان الأمل أن النظام في سوريا سيجترح مثالا فريدا في التحول الديمقراطي، يمهد له بإصلاحات جذرية وشاملة، طالما وعد بها، وحان أوان الوفاء بها أكثر من مرة، ويقدم للعالم أنموذجا سوريا في التعددية وسيادة القانون. للأسف، وجد النظام أكثر من مبرر لاستثناء الشعب السوري من التظاهر والاحتجاج والمطالبة بحقوقه، فسوريا، حسب السلطات الحاكمة، غير مهيأة للحرية ولا للديمقراطية.

اليوم تكاد الاحتجاجات الشعبية في سوريا تختتم شهرها الخامس وتدخل شهرها السادس، سقط خلالها ما يزيد على ألفي قتيل من الرجال والنساء والشباب والأطفال، ومنهم جنود وضباط ورجال أمن؛ حسم النظام أمره منذ بداياتها على إنهائها بحزم، واجتاحت أجهزة الأمن وعصابات الشبيحة الشوارع والقرى والمدن، وتهتكت خلال الأيام الأولى الثقة الهشة بين النظام والمتظاهرين، وباتت معدومة. القمع العشوائي ورصاص القنص لم يستثن أحدا. أما وعود الإصلاحات التي جاءت متأخرة، فتآكلت بمجرد الإعلان عنها، بعدما أعطيت الحرية كاملة لآلات القتل العمياء، وكأنه لا بديل عنها، لكن الموت أسقط الخوف، وانفتح زمن الاستعصاء والتساؤلات، وبات على السلطة أن تعيد حساباتها في هذا الوقت الذي يضيق، لكن ما زال يتسع للحل الأمني لا السياسي.

اختار النظام عدم الإصغاء للاحتجاجات السلمية، والتصدي لها بالرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والدبابات، وورط الجيش في اقتحام المدن والأرياف، وورط الإعلام بتزييف الحقائق، وورط البلاد في التقاتل. كان المطلوب فرز الأوراق، وليس خلطها بقمع المظاهرات المحقة على أنها عصابات مسلحة وجماعات أصولية متطرفة، حتى بات من المألوف أن نسمع معلقين سياسيين، سواء عن ذكاء أو جهل، يدعون إلى القتل وبشكل سافر، ويفتون بتحليل سحق المتظاهرين، بينما تعهد شبيحة الإعلام بتلفيق المؤامرات وتبرير المضي في العنف والسخرية من الشهداء. إن منظر رجال وشبان وأطفال يهانون ويضربون بكل ضراوة، لهو إهانة لسوريا، وهؤلاء الذين ينكلون بهم مجرمون يتباهون بفجورهم، أما من يحاول التبرير، فهو الأكثر انحطاطا. إن التضليل الإعلامي عمل إجرامي يمنح الشرعية للاعتداءات الغاشمة على أناس عزل يطالبون بالحرية.

هذا الحل إذا كان يسير بالبلاد نحو الاستقرار والوئام، فهو استقرار موقوت، ووئام مبطن بشرخ عميق. وإذا كان هناك من يروج لهما، فالأكاذيب وحدها تدعم هذا الرأي. إن القمع بالرصاص والدبابات والاعتقالات والتعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة وتلفيق الاتهامات والتخوين، تؤدي إلى قتل الحريات والناس معا، كما تستدعي عنفا بالمقابل، لا يمكن ضبطه، يجر أسوأ تفجير للاحتقانات غير المحسوبة في بلد كان مغلقا طوال عقود، أقلها الحقد والكراهية والانتقام والثأر.

إن استعداء الطوائف بعضها على بعض والشحن الطائفي عمل في منتهى الغباء وقصر النظر والإجرام، يقود سوريا نحو التقسيم. ما فشل فيه الاستعمار، قد تنجح فيه العقلية الأمنية. إن ما يرتكب خيانة للحلم السوري الجامع والعابر للطوائف والمذاهب والأديان، وما يجري يجلل السلطة بالخزي والعار؛ الأرض التي كانت ملجأ لطالبي الأمان والمضطهدين والملاحقين العرب من أنظمة بلدانهم الديكتاتورية، أصبح أصحابها لاجئين لدى بلدان الجوار، وجيش الشعب سلط فوهات بنادقه ومدافعه على صدور المتظاهرين، لا نحو العدو الخارجي. والجيش نفسه مهدد بالانشقاق والتشرذم مع انسداد الآفاق، وانفتاح البلد على المجهول الأسود، والمستقبل مهدد بالضغائن والثارات.

إن التستر وراء هيبة النظام، يحيلنا أيضا إلى إرادة الشعب.. إرادته هي الأعلى، ولها الأسبقية، والحق بالاحترام، وأن الشعب هو الأولى بالسيادة، والجدير بالكرامة والحرية.

حركة التاريخ اليوم إلى جانب البشر في تطلعهم نحو الحرية، وإذا أدركنا أن الله لم يميز بينهم.. منحهم الحرية مع الحياة، فلا يحق لسلطة؛ سواء كانت دينية أم زمنية، حرمانهم منهما. إن أفضل ما يفعله أي نظام هو الاستجابة لشعبه والوقوف إلى جانبه، لا يحرمه من الحياة، ويحمي حرياته. وإذا كان على الدولة القيام بإجراءات إنقاذية إسعافية وعاجلة، فإن الواجب عليها أن تكفل حياة المحتجين وكرامتهم، وتلبية مطالبهم العادلة، وطمأنتهم إلى أن الوطن الذي هبوا من أجله، لن يذبحهم النظام تحت سقفه.

* كاتب روائي سوري

=================

استراتيجية الشبيحة

ديانا مقلد

الشرق الاوسط

11-8-2011

منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في سوريا اعتمد النظام نهج المجابهة بالقوة والردع لقمع المحتجين مهما كانت تكلفة هذه القوة مرتفعة إنسانيا وسياسيا. أحد أركان سياسة القوة المفرطة هذه ما يمكن تعريفه باستراتيجية «الشبيحة»، أي استخدام طرف ثالث غير نظامي للبطش والقتل باسم الولاء للنظام من دون أن يكون النظام نفسه مباشرة.

ويبدو أننا كنا سذجا حين لم نقدر الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة أو لمدى اعتماد النظام في سوريا عليها ميدانيا من خلال القمع المباشر ومن خلال تطبيق «التشبيح» في الخطاب السياسي وفي المقاربة الإعلامية للاحتجاجات.

وظاهرة التشبيح هذه قائمة على القتل الجسدي والقمع فيما يتعلق بالداخل السوري، كما تقوم على عرقلة الاحتجاجات التضامنية، أو على خلق لغة ورأي عام مضاد لأولئك المنادين بالحرية وبسقوط النظام.. قوام الرأي العام «الشبيحي» إذا جاز التعبير قائم على السب والشتم والتحريض، وليس على أي منطق عقلي وإنساني قابل للاحتواء أو النقاش..

تطور التشبيح الإعلامي منذ بداية الاحتجاجات من خلال الإعلام السوري (الخاص) ومن خلال وسائل إعلام لبنانية موالية للنظام السوري مارست تشبيحها الإعلامي من خلال استضافة وجوه سياسية وإعلامية لا منطق لديها سوى الشتم والتحريض والدعوة الصريحة أحيانا للقضاء على المعارضة، أو من خلال الاستخفاف بحقيقة معاناة الشعب السوري واعتبار الدماء التي تسيل أنها ماء سكب على الطريق..

إلكترونيا، الحرب مستعرة بين مواقع وصفحات داعمة للثورة السورية وتلك التي يمكن إدراجها تحت مسمى الشبيحة الإلكترونيين، أو من يعرفون باسم «الجيش السوري الإلكتروني» الذين ينحصر دورهم في ملاحقة أخبار المعارضة للنظام والتعليق عليها أو شتمها ومحاولة تعطيلها..

لا يسع هؤلاء الشبيحة الإلكترونيون سوى السب والشتم أو إعادة نشر الروايات الرسمية للنظام..

ومنذ بداية الاحتجاجات اعتمد الشبيحة استراتيجية اعتراض منفر وقمعي وعنيف أحيانا لمواجهة مظاهرات أو اعتصامات تضامنية مع الشعب السوري في محنته، وقد اعتمد في ذلك على امتداداته البعثية والقومية..

حدث ذلك خلال اجتماع المعارضة في تركيا في أنطاليا وقبل أسبوعين في الأردن حين اعترض بضعة موالين للنظام السوري على مظاهرة في عمان تضامنا مع الشعب السوري..

أما المظهر الأكثر فظاظة لهذا التشبيح فيظهر جليا في لبنان حيث تكرر استهداف اعتصامات متضامنة مع الشعب السوري، وفي أحدها تعرض المعتصمون لضرب مبرح في غفلة من سلطة لبنانية تريد أن «تنأى» بنفسها عما يجري في سوريا. وحتى حين اعتصم ناشطون لبنانيون قبل أيام في وسط بيروت لدعم الحراك السوري حاول بضعة «شبيحة» الاعتراض وخلق مشكلة معهم..

هذا يظهر كم أن للنظام السوري امتدادات يستعين بها وهي الامتدادات والأدوات نفسها التي استعملت لتظهير خطاب ممانع ومقاوم بات ممجوجا..

يبدو جليا أن المهمة المطلوبة من هؤلاء «الشبيحة» الموجودين خارج سوريا ليست جزءا من مزاج محلي بل هي مهمة أمنية المطلوب عبرها إشعار المتضامنين مع الشعب السوري أن مهمتهم ستواجه بحلول أمنية موازية للحلول الأمنية التي يعتمدها النظام في سوريا.

=================

آليات الملاحقة القانونية للجرائم المرتكبة في سوريا

رضوان زيادة

الشرق الاوسط

11-8-2011

مع ازدياد عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا منذ بدء الاحتجاجات في سوريا في 15 مارس (آذار) الماضي بدأ حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يتكشف مع مرور الأيام.

لقد قامت الكثير من المؤسسات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان بتوثيق هذه الانتهاكات، واعتبرت في الكثير من تقاريرها أن ما جرى في سوريا يرقى لاعتباره جرائم ضد الإنسانية لسببين رئيسيين:

الأول: إطلاق الرصاص الحي والمباشر على المدنيين العزل مما أدى لارتفاع عدد القتلى بشكل كبير ليفوق بكل تأكيد 1500 شخص منذ بدء الاحتجاجات، منهم 83 طفلا تحت سن الثامنة عشرة، وإن كنت أعتقد أن الرقم أكبر من ذلك بكثير، فعلى سبيل المثال تحدثت المنظمات الحقوقية العاملة في مصر عن سقوط ما بين 230 و250 قتيلا أثناء ثورة مصر التي دامت 17 يوما، أدت بعدها إلى إسقاط النظام، لكن فيما بعد أكد المجلس العسكري المصري أن أعداد القتلى أكثر من 822 قتيلا، أي وجود فرق واضح بعدد الضحايا، رغم أن مصر كانت نموذجية من حيث الوجود الفاعل للمنظمات الحقوقية المحلية والدولية ولوسائل الإعلام العربية والأجنبية، ولا يمكن مقارنتها مطلقا بالحالة في سوريا، حيث لا وجود لمنظمات حقوقية مرخصة فعليا وفاعلة على الأرض، بالإضافة إلى حالة التعتيم الإعلامي التي فرضها النظام من خلال منع أي مراسل أو صحافي من الدخول أو تغطية الأحداث، بالإضافة لطرد كل المراسلين الموجودين مسبقا، مما جعلنا نعتمد في التوثيق على شجاعة ناشطين حقوقيين على الأرض، بالإضافة إلى التعاون المحدود من الأهالي، وهو ما يجعلنا نثق أن الرقم حقيقة أكبر بكثير من الأرقام المتداولة، خاصة مع ما بدأ في الظهور مع العملية العسكرية الواسعة في درعا، والتي بدأت مع نهاية شهر أبريل (نيسان) وما نجم عنها مما يسمى (جثث مجهولة الهوية) وتصاعد عدد المقابر الجماعية التي ظهرت بداية في درعا قبل أن يمتد الحديث عنها ليطال أكثر من مدينة سورية، خاصة ما خضع منها لأشكال من العقوبات الجماعية من حصار وقطع للاتصال والماء والكهرباء وقتل عشوائي باستخدام المدفعية والرشاشات الثقيلة والطائرات العسكرية في جسر الشغور ومعرة النعمان، مما يرفع عدد القتلى بشكل كبير.

إذن وبعد كل هذه الجرائم ضد الإنسانية كان هناك تحركات قانونية لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، وهي على ثلاثة مستويات:

1) مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث عقد في 29 أبريل بناء على طلب 16 دولة أعضاء بالمجلس، وكانت جلسة خاصة لبحث حالة حقوق الإنسان في سوريا، وخرجت الجلسة بتصويت أكثرية 27 دولة لصالح القرار وامتناع سبع دول وتصويت 9 دول ضد القرار، ينص القرار على إدانة استخدام العنف المميت ضد المتظاهرين المسالمين على أيدي السلطات السورية وإعاقة حصولهم على العلاج الطبي، وحث الحكومة السورية على وضع حد فوري لجميع انتهاكات حقوق الإنسان، وحماية سكانها، والاحترام التام لجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير وحرية التجمع للتظاهر، وكذلك حث السلطات على السماح بإيصال شبكات الإنترنت والاتصالات السلكية واللاسلكية ورفع الرقابة على التقارير، بما في ذلك السماح بتوفير الظروف المناسبة لاستيعاب الصحافيين الأجانب. ودعا المجلس الحكومة السورية إلى الإفراج فورا عن جميع سجناء الرأي والأشخاص المعتقلين تعسفا، بمن فيهم أولئك الذين اعتقلوا قبل الأحداث الأخيرة، فضلا عن أن تكف فورا عن أي من الترهيب والاضطهاد والاعتقالات التعسفية للأفراد، بمن فيهم المحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيين. وحث القرار السلطات السورية على الامتناع عن أي أعمال انتقامية ضد الناس الذين شاركوا في المظاهرات السلمية والسماح لتوفير المساعدات العاجلة للمحتاجين، بما في ذلك ضمان وصول حقوق الإنسان المناسبة والمنظمات الإنسانية. وشدد على ضرورة قيام السلطات السورية بإطلاق تحقيق نزيه يتمتع بالمصداقية وفقا للمعايير الدولية ومحاكمة المسؤولين عن الاعتداءات على المتظاهرين المسالمين، بما في ذلك القوات الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وفي النهاية طلب من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بسرعة إرسال بعثة إلى سوريا للتحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وإثبات الوقائع والظروف لهذه الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت، بغية تجنب الإفلات من العقاب وضمان المساءلة الكاملة، وتقديم تقرير أولي عن حالة حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية إلى المجلس في دورته السابعة عشرة، وتقديم تقرير متابعة إلى المجلس في دورته الثامنة عشرة، ويطلب كذلك إلى المفوض السامي لتنظيم حوار تفاعلي بشأن حالة حقوق الإنسان في الجمهورية العربية السورية خلال الدورة الثامنة عشرة للمجلس.

وبالتالي تشكلت لجنة تحقيق دولية مؤلفة من المفوضية السامية لحقوق الإنسان التي تقدمت أكثر من مرة بطلب لزيارة سوريا كما نص القرار، لكن لم يأت رد من الحكومة السورية، وحتى لو أتى رد الحكومة بالرفض فإن اللجنة ستقوم بزيارة الدول المجاورة وستعتمد في تقريرها على الشهادات والوثائق المتوفرة لدى المنظمات الحقوقية المحلية والدولية الموجودة هناك، بالإضافة إلى لقاء شهود العيان ممن هربوا إلى الدول المجاورة، ويفترض أن ترفع تقريرها هذا إلى المجلس في دورتيه الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، فإذا خلص التقرير إلى أن ما جرى في سوريا يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية فإنه سيوصي بتحويل الملف إلى مجلس الأمن ومنه إلى محكمة الجنايات الدولية، لا سيما مع فشل الحكومة السورية في فتح التحقيق الشفاف والضروري بعمليات القتل التي جرت، والتي صنفتها المنظمات الحقوقية على أنها (systematic)، أي منهجية وأيضا وصفتها بأنها (Wide spread)، أي واسعة النطاق، وهو ما يعني باللغة القانونية أنها جرائم ضد الإنسانية، لأنه على سبيل المثال وثقت منظمة هيومان رايتس ووتش في 22 أبريل أن عمليات القتل المباشر مورست في 16 مدينة مختلفة يوم الجمعة العظيم، مما خلف سقوط 112 شهيدا في يوم واحد، مما يدل على النية المبيتة لدى الأجهزة الأمنية لعمليات القتل، وهو ما أطلقت عليه منظمة العفو الدولية مصطلح Shoot to kill policy، أي سياسة الضرب بغرض القتل وليس تفريق المظاهرات ولا حتى تخويف المتظاهرين أو المواطنين العزل لمنعهم من المشاركة، بل الهدف هو القتل المباشر.

2) المسار الثاني هو المحاكم ذات الاختصاص الدولي، ففي عدد من الدول الأوروبية، لا سيما فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وإسبانيا، إذا كان أحد الضحايا الذين سقطوا في الاحتجاجات يمت بصلة قرابة مباشرة إلى أحد المواطنين السوريين ممن يحمل جنسية إحدى تلك الدول، فإن النظام القضائي يخوله رفع دعوى على النظام السوري بتهم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وقد تمكنت منظمات حقوقية من رفع دعاوى على السفير السوري في واشنطن، لا سيما أن ابنة أحد الضحايا الذين سقطوا باحتجاجات درعا تحمل الجنسية الأميركية، بالإضافة إلى السورية، وهي مقيمة في واشنطن، حيث رفعت دعوى مطالبة لتعويض من الحكومة السورية التي جمدت واشنطن أرصدة الكثير من المسؤولين بمن فيهم الرئيس قدرها 4 ملايين دولار أميركي.

3) المسار الثالث هو محكمة الجنايات الدولية، ولكن وبما أن سوريا ليست موقعة على اتفاق روما الأساسي، فإن المدعي العام للمحكمة (أوكامبو) لا يستطيع فتح تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي جرت، وإنما يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن الدولي يخوله فتح هذا التحقيق تماما، كما حصل في حالة الرئيس السوداني البشير والزعيم الليبي معمر القذافي، ولذلك فإن ضغوط المنظمات الحقوقية الدولية تتركز الآن على مجلس الأمن لاستصدار قرار مماثل منه يطالب محكمة الجنايات الدولية بفتح تحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في سوريا.

وقد قدمت عدد من المنظمات الحقوقية السورية، بما فيها مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، ببلاغ إلى محكمة الجنايات الدولية وفقا للمادة 15 من قانون روما الأساسي المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية يخطر المدعي العام بالجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا، ويطالبه بالمزيد من المراقبة والتحليل لما يجري في سوريا قبل فتح التحقيق الضروري الذي لن يفتح قبل صدور قرار الإحالة من مجلس الأمن.

* مدير مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان وباحث زائر في جامعة جورج واشنطن

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ