ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 23/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

نارٌ سوريَّة تُنْضِج ( الطبخة الليبية )

جواد البشيتي

العرب اليوم

ا2011-08-22

بعد سلسلة طويلة من معارك الكر والفر, وبعد وقت طويل نسبياً من الركود المُمِلِّ (والمثير للشبهات والرِّيَب) في جبهات وميادين القتال, وفي سَيْر الأحداث والتطوُّرات على المسرح السياسي الموازي للصراع بالحديد والنار, بدأت الأمور في ليبيا تُحْسَم, أو تسير سريعاً, وبأسرع مِمَّا ظنَّ أو توقَّع كثيرون من طرفي, أو أطراف, الصراع, في مسار الحسم; فثوَّار السابع عشر من فبراير بسطوا سيطرتهم (سريعاً) على كثير من المدن والمناطق الليبية, والواقع منها في غرب ليبيا على وجه الخصوص; ثمَّ طوَّقوا وحاصروا العاصمة طرابلس; ثمَّ اقتحموا ودخلوا مناطق وأجزاء واسعة منها بالتزامن مع انتفاضة (مفاجئة) لأهلها; ولقد جاءت كل هذه الأحداث والتطورات الحاسمة والسريعة والمباغتة لتقيم الدليل على أنَّ حلف "النيتو" يستطيع, عندما يريد, أنْ يساعد ثوَّار ليبيا من الجوِّ والبحر, ومن طُرُقٍ أخرى, بما يُقصِّر سريعاً من العُمْر السياسي لنظام حكم الدكتاتور معمر القذافي, ويسمح لثوَّار ليبيا بحسم الصراع, عسكرياً وسياسياً, لمصلحتهم; فما الذي جَدَّ وتغيَّر حتى أرادت الولايات المتحدة, وحلفاؤها من الدول الأوروبية, الإنهاء السريع للركود العسكري والسياسي, وتسيير الصراع بين ثوَّار ليبيا وبين نظام حكم القذافي و"كتائبة الأمنية" في مسار الحسم?

الجواب الذي قد يخالفني فيه, وفي وجاهته, كثيرون, هو "سورية"; فإنَّ قرار "الحسم" في ليبيا قد طُبِخَ على نارٍ سوريَّة.

كان الشعب الليبي, في المرحلة الأولى من انتفاضته وثورته ضدَّ حكم القذافي, وعلى ما بدا من الطرائق والأساليب والوسائل التي أخذت بها واستعملتها, أو همَّت بالأخذ بها واستعمالها, "كتائبه الأمنية" ضدَّه, وضدَّ انتفاضته وثورته, في حاجة ماسَّة إلى الحماية الدولية, فانتهت الجهود والمساعي المبذولة من أجل ذلك في مجلس الأمن الدولي إلى إناطة هذه "المهمَّة الإنسانية" بحلف "النيتو"; ولقد تخوَّف كثيرون من الغيورين على ثورة الشعب الليبي من عواقب هذا "التحالف الإنساني" لحلف "النيتو" مع ثورة السابع عشر من فبراير, ومن أنْ يتمخَّض هذا الصراع عمَّا يُثْبِت أنَّ الضحية, في عواقب استجارتها, كانت كالمستجير من الرَّمضاء بالنار.

وهذا التخوُّف سرعان ما عَظُمَت وتعاظمت واقعيته; فحلف "النيتو" خاض وأدار الصراع عسكرياً (وسياسياً) بما أظهر هذا الحلف (والولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين) على أنَّه في سعي ومَيْل إلى تسيير الأحداث بما تشتهي أهدافه ومصالحه هو, وبما يتعارض مع أهداف ومصالح ليبيا, شعباً وثورةً; وكأنَّ "المهمَّة" تحوَّلت, أو شرعت تتحوَّل, من "إنسانية", تحظى بالشرعية الدولية, إلى "إمبريالية", تجيزها شريعة المصالح الإمبريالية للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

من قبل, وفي العراق, نجحت الولايات المتحدة في ما ليس لها مصلحة في أنْ تنجح فيه, ألا وهو إقناع الشعوب العربية التَّواقة إلى الحرية والديمقراطية بأنَّ لها مصلحة حقيقية في نبذ "المثل الديمقراطي (العراقي) الأعلى"; ثمَّ نجحت, في ليبيا, بإقناع شعوبنا في ربيعها الثوري بأهمية وضرورة نَبْذ خيار طلب العون والمساعدة (ولو ببعدهما الإنساني فحسب) من الأمم المتحدة; فالعواقب جَعَلَتْنا أكثر تصميماً على أنْ نختار بما لا يجعلنا كالمستجير من الرَّمضاء بالنار.

وهذا التصميم بدا واضحاً جلياً في ثورة الشعب السوري ضدَّ نظام الحكم الدكتاتوري البعثي الأسدي.

الصراع في سورية, وبما يخالطه من مصالح وأهداف إقليمية ودولية, شدَّد الحاجة لدى الولايات المتحدة إلى أنْ تُسْرِع في تحسين وتجميل "الصورة", أي صورة تَدخُّلها, وتدخُّل, "النيتو" في ليبيا, عسكرياً وسياسياً, فتحرَّكت سريعاً, وعلى نحوٍ مفاجئ, لتسيير الأمور هناك في مسار "الحسم", متوقِّعةً أنْ يساعدها هذا في استجماع تأييد شعبي, وإقليمي ودولي, لفكرة "التدخُّل الخارجي", والذي من طريقه تكتسب مزيداً من القدرة على التأثير بالأحداث, والتحكُّم في سَيْر الصراع, بما يمنع, على ما تتوقَّع, أو تتوهَّم, الربيع العربي في سورية من أنْ يتحوَّل (كما نرى في مصر) إلى خريف لمصالحها وأهدافها على المستوى الإقليمي.

==============

الشباب... قوة تغييرية

د. طيب تيزيني

الاتحاد

تاريخ النشر: الإثنين 22 أغسطس 2011

منذ ما ينوف على الخمسة أشهر انطلق "الربيع العربي"، ممثَّلاً بالحراك الشبابي. كان ذلك في سوريا، لكن هذا "الربيع" قد بدأ في تونس، وامتد إلى مصر بعد ذلك، وبعده إلى اليمن. وراح البعض يقدم تفسيرات وتنظيرات وتشوّفات، كما راح بعض آخر يشكك في ذلك، استناداً إلى الاعتقاد بأنه ليس أكثر من ظاهرة بسيطة عابرة. وإذ استمرت هذه الأخيرة، فقد راح معظم الناس وقليل من الباحثين يُبدون اهتماماً متصاعداً بها، مُرافقاً بتساؤل ذكي، هو التالي: ألم نكن نرى في الشباب جيلاً يمتلك الوهج العاطفي، لكنه يفتقد الحكمة والرؤية العقلانية، في حين كان الكبار يمتلكون هذه الأخيرة، ويفتقدون ذاك الوهج؟ وظل الأمر على هذا النحو لمدى عقود انصرمت، إلى أن "وقعت الواقعة"، التي أعلنت أن التاريخ مفتوح، وأن ليس هنالك مطلقات إلى الأبد، لقد جاءت تلك الواقعة، وخربطت حسابات الثوابت المطلقة، مع الإشارة إلى أن هذه الأخيرة هي نفسها تمتلك ضوابطها.

ومع اتساع النظر في موضوعنا هذا من قبل باحثين ومثقفين، يداً بيد مع تعاظم إرادة الشباب في تحقق تحوُّل باتجاه "جديد ما" وثباتهم على نشاطهم وحراكهم، ظهر أن مقولة "الشباب" لم يحدث البحث فيها من موقع "الجيل" كافياً. لقد اتضحت ضرورة البحث فيها، كذلك، من موقع "الطبقة الاجتماعية". فها هنا راح يتضح أن "الشباب" إذ ينتمون لجيل واحد، بالاعتبار البيولوجي، فإنهم كذلك وعلى نحو متوازن ومتداخل، يشكّلون نسيجاً اجتماعياً عاماً مشتركاً، من حيث هم امتداد لكل البنية الاجتماعية، بما في ذلك طبقاتها وفئاتها ووحداتها. وهذا يعني أنهم يجسّدون حالة اجتماعية تجمع بين كل هذه الأخيرة. وثمة عنصر في الحساب العلمي، هو إن الشباب (العرب أو السوريين تخصيصاً) يجدون أنفسهم الآن أقرب إلى التضامن والتواحد، من باب أن كل الطبقات والفئات والوحدات التي يتحدرون منها، عاشت وما تزال تعيش (باستثناء نُخب منها) حالة من الفقر والإفقار المتسارعيْن، وحالة أخرى من الاستباحة في الكرامة والتهميش والإقصاء السياسي والثقافي والإداري.

وكي تكتمل اللوحة نسبياً، ينبغي الإشارة إلى أن ما تخضع له معظم الشعوب العربية راهناً، وعلى امتداد عقود مضت (ومنها الشعب السوري) إلى قانون الاستئثار بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية، أسهم في تقريب أهداف الشباب بل توحيدها. وهذا هو معْقِد المسألة، التي خرجوا من أجلها. إنها المسألة المركبة من ثلاثة أهداف عظمى، هي الحرية والكرامة والكفاية المادية، وهي أهداف تتناسل منها عدة ركائز حاسمة لمجتمع مدني وطني قائم على التعددية الحزبية والسياسية، وعلى المشاركة المتساوية في قيادة الوطن، وعلى إسقاط ما عاث فساداً تحت عنوان: منظومة الخط الواحد والقائد الأبدي والحزب الشمولي الذي يقود الفساد والإفساد، وكذلك التأسيس لذلك كله من موقع دولة أمنية تجفّف المجتمع وتفككه بعد جهود هائلة للمصادرة على مستقبله، مستقبل شبابه وشيوخه.

==============

الشارع السوري: نتائج الحراك

فاروق حجي

الاتحاد

تاريخ النشر: الإثنين 22 أغسطس 2011

خمسة أشهر ونيف خلت والنظام السوري يقول بأن الأوضاع التي تمر بها البلاد ما هي إلا حالة طارئة، وأنّه سيخرج من هذه الأزمة أقوى، مستنداً في ذلك إلى تجاربه السابقة، مهوّناً بذلك من قوة الحركة الاحتجاجية، بسبب تصوره أنه يمتلك قدرات (أمنيّة، عسكريّة، نقابات، ومنظمات شعبيّة- الرديفتين لحزب البعث- نفوذ في أوساط التجار بحلب ودمشق...الخ) ظنّ النظام أن قوّة المعارضة، التي تعتمد على قوة وحماسة الشارع وإرادته في التغيير، يمكن تفريطها بسلسلة من الوعود الإصلاحية ومن خلال تكثيف ضغطه على حركة الشارع، ومحاولته المستميتة لإفشالها، الأمر الذي أبدت معه حركة الاحتجاجات الكثير من القدرة على المقاومة بما فاق توقعات النظام، وهذا ما جعل النظام أمام خيارات ثلاثة: إمّا التراجع، أو الإقرار بالهزيمة، أو الاندفاع باتجاه الاستمرار في الحلول الأمنيّة والعسكريّة، وكلها بدائل أسوأ من بعضها وتنعكس سلباً على النظام.

والحق، إن وضع حركة الاحتجاجات قابل للتطوّر إيجابياً، فإذا كانت الاحتجاجات تنتعش وتقوى يوم "الجمعة" آخذة هذا الزخم الذي باتت عليه، فإن بقية أيام الأسبوع لا تخل من وسائل ثقافية ذات منشأ غير شعبي وغير عنفي كمسيرات الشموع المسائية، هذا عدا عن النشاط المكثف الذي بتنا نراه عبر الوسائل الإعلاميّة والإلكترونيّة وعبر صفحات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك).

وتقول المعطيات أنّ السوريين مقبلون على مرحلة أكثر حماسة وذات مدلول في الوعي المجتمعي السوري، وهو ما سيغّير من تكتيكات وخطابات الحركة الاحتجاجية، الأمر الذي سيحرج النظام أكثر من أي يوم مضى من خلال إيقاعه في الدوامة الأمنيّة والسياسية، خصوصاً أن الخيار الأمني، الذي كان متاحاً له طيلَة الأشهر الماضية سيغدو ذا تأثير رجعي بالغ عليه.

ويتفق غالبيّة السوريين بأن هذه الأشهر الأربعة التي دفع السوريون أثماناً باهظة خلالها، حققت أرضيّة صلبة لتحقيق الوحدة الوطنيّة، والحقّ أنّ ثمّة نتائج عدة حققتها حركة الاحتجاجات على الأرض، نقرأها من خلال: إنّ تعنت النظام وتكابره على ما يجري أصبح دافعاً لدى فاعليّ حركة الاحتجاجات للمزيد من النشاط والتوسع بشكل أكثر مما كان متصوّراً، وما أن استهتر النظام بأهميّة المطالب الشعبية التي تبلورت تحت عنواني "الحرية والكرامة"، واعتباره أن كل ما يحدث يمكن السيطرة عليه بسهولة عبر الوسائل الأمنيّة، حتى توسعت دائِرة الاحتجاجات وانخرطت كل المكونات فيها وتبلورت المطالب أكثر وضوحاً.

رغم ذلك مازال النظام مصرّاً على نهجه الأمني القمعي الذي أوقعه في نفق يصعب عليه الخروج منه، حتى إيحاء النظام بأنّ ثمة سوريا جديدة بدأ يشتغل عليها من خلال المراسيم والتعاميم وتأسيس اللجان الخاصة بإصدار قانوني الانتخابات والإعلام..الخ لم يعد ذا قيمة كبيرة لدى أحد من الأطراف المعارضة. نعتقد أنّ النظام السوري صار يعترف بأنّ الأزمّة الوطنيّة تفاقمت وهي تتفاقم بشكل أكثر حدّةً، لكن ما لا يفعله النظام هو تغيير قناعاته بأنه مازال ممسكاً بزمام الأمور. والسؤال الذي يطرح نفسه هو، إذا كانت المعارضة، (والتي عهدت على نفسها بالوقوف إلى جانب الشارع ودعمها له) عاجزة اليوم عن بلورة أفكارها السياسيّة وسط حركة الاحتجاجات، وضبط بعض شعاراتها وهتافاتها، فكيف للنظام الاقتناع بأنه يستطيع التأثير على الشارع وميوله، وتالياً تحريفه عن مآله وحلمه في التغيير؟

ولا نستغرب أنّ الحركة الاحتجاجيّة غيّرت مفهوم "الاستقرار"، فأصبح الناس يَرون أنّ "الاستقرار" يكمن في حماية الحركة وليس في صدِّها، وهناك شرائِح واسعة من المجتمع السوريّ لديها القناعة بأنّ الاحتجاجات جلبت لهم شيئاً من الطمأنينة والحرية والجرأة، وإلا، فماذا يعني عندما يقال"بأني أحمي نفسي من خلال مشاركتي في حركة الاحتجاجات" أليسَ هذا شعوراً بالأمان والطمأنينة؟ ويبدو أنّ النظام حينما كان يتحدث عن"الاستقرار"، فإنه كان يعني بذلك "استقراراً"مختلفاً.

والحال أنّ حركة الاحتجاجات لم تقف عند حدود تغيير بنيّة النظام، وإنمّا امتدت وظيفتها للحديث عن توحيد المجتمع السوريّ المتنوع في إطار دولة المواطنة الحقّة، وأحدنا يلمس روح الوحدويّة، التي تتحلى بها قطاعات الواسعة من المجتمع السوريّ المنتفض، وهو الأمر الذي أعطى للوحدة الوطنيّة معنىً آخر، فكل النشطاء ومن كل المكونات الوطنيّة والشرائح المجتمعيّة يلتفون حول هدف واحد هو الحفاظ والارتقاء بمكانَة الوطن وتطويره بمحض إرادتهم وبقناعة أنّ مصلحة تفعيل المواطنيّة إنما هي مصلحة خاصة قبل أن تكون عامة. يمكن القول إنّ المعطيات التي أوردناها قد أسهمت في تغيير الذهنيّة والمواقع، فالمثقف لم يعد منذ حين من تلك الطبقة المستعليّة على الشعب، وصار يرى نفسه جزءاً من مطالب الناس، والكثير من المثقفين فكّوا روابطهم مع النظام لصالح عامَّة المجتمع، ونعتقد أن هذا الشعور دفع بالمثقفين والفنانين للنزول إلى الشارع ليقولوا: ها نحن معكم في السرّاء والضرّاء.

إلى جانب ذلك لم يعد الكردي يصارع كردياً آخر على من يرفع علم كردستان أولاً (في سوريا)، والآن أصبح في الشارع الكردي يتزايدون على بعضهم على رفع العلم الوطني، وحتى أنّهم يحرصون على عدم افتعال قضيّتهم القوميّة وأهميتها في المستقبل السياسيّ في سوريا، ولعلّ مردّ ذلك كي لا يطرأ أي شقاق على الشارع المعارض. أليس هذا كله من إفرازات حركة الاحتجاجات السوريّة التي ما زالت وستبقى الحامل الوطنيّ وتحافظ على صبغتها الوطنيّة بعيداً عن العصبيّات؟

==============

حلفاء دمشق يميّزون بين النظامين السوري والليبي .. انهيار القذافي يوسّع الدعم الدولي للمعارضات

روزانا بومنصف

النهار

22-8-2011

يحبس سياسيون في لبنان انفاسهم ازاء تطورات الايام الاخيرة في ليبيا من حيث امكان تأثيرها في حال نجاح الانتهاء من النظام الليبي على التطورات في المنطقة على صعد عدة ومن بينها تطورات الانتفاضة السورية ايضا. اذ دأب بعض السياسيين والمراقبين الديبلوماسيين في بيروت في الاشهر الاخيرة على ربط تصاعد الموقف الدولي من الاوضاع في سوريا بما يجري في ليبيا باعتبار ان هناك احراجا في خوض الغرب معركة مع الثوار في ليبيا، من اجل اطاحة الرئيس معمر القذافي فيما يفتح جبهة اخرى في الطلب الى الرئيس السوري بالتنحي. وقد تزايدت المعلومات في الاسبوع الماضي التي تشير الى تقدم الثوار الليبيين في مناطق سيطرة القذافي لكن من دون ان تذهب اي من الدول الغربية المعنية الى المجاهرة صراحة بذلك علما ان المسؤولين الاميركيين كما الاوروبيين دأبوا على تكرار مقولة ان ايام القذافي باتت معدودة لكن من دون ان تنتهي فعلا. وهذه العبارة تكررت في الايام القليلة الماضية بالتزامن مع المعلومات عن التضييق على قوات القذافي وخسارتها امام الثوار بما سمح على الارجح وفق معطيات لدى المراقبين الديبلوماسيين للدول الغربية ان تخطو الى الامام في توجيه الرسالة الاساسية المتعلقة بضرورة تنحي الرئيس السوري.

وبحسب هؤلاء المراقبين فان حسم الوضع في ليبيا على النحو المتوقع وازاحة القذافي نهائيا سيعطي الدول الغربية زخما اكبر على صعد عدة بينها ما يمكن ان تستفيد منه لجهة انها ساعدت بقوة في حسم الموقف وقد تكللت هذه المساعدة بالنجاح بعد استنزاف بات يهدد الدول المتورطة فيه في الدخول في ازمات سياسية داخلية تنعكس على شعبية الحكام فيها لا سيما في الولايات المتحدة وفرنسا كما يهدد صدقيتها وقدرتها امام الخارج. لذلك فان الانتهاء من هذا الموضوع سيشكل تطورا مفصليا ستحاول هذه الدول استثماره سياسيا على اكثر من مستوى من بينها ان الاجماع الدولي مهم في توجيه رسالة قاسية وداعمة للانتهاء من استنزاف قاتل عاناه الشعب الليبي وكان يمكن تجنبه لو لم تقم دول اخرى حسابات اطاحت هذا الاجماع. وهي الرسالة التي سيسعى الغرب الى استخدامها في وجه روسيا ودول اخرى لا تزال تمانع مطالبة الرئيس السوري بالتنحي الامر الذي قد يسبب وقوع المزيد من المآسي على ما يقول المراقبون الذين شكلت الايام القليلة الماضية ذريعة في ايديهم لجهة الضحايا الذين سقطوا في سوريا على اثر دفاع روسيا عن النظام وعدم مطالبته بالتنحي.

 كما يمكن ان تستفيد من هذا التطور شعوب اخرى في المنطقة من حيث الرسالة التي يمكن ان تتلقفها وهي ان عليها المثابرة من اجل النجاح على رغم التضحية التي يمكن ان تقدمها ولمدة طويلة تماما وفق ما فعل الشعب الليبي. ومفاد ذلك في اطار الازمة السورية الراهنة التي شهدت ولا تزال فصولا يشبهها مراقبون كثر بما يحدث في ليبيا لجهة قمع النظام لمعارضيه الذين باتوا مطالبين برحيله، ما يصيبها لجهة الامرين معا اي ان الدول الغربية التي طالبت الاسد الاسبوع الماضي بعد فترة سماح طويلة لم يحظ بها القذافي بالتنحي ستلقى في انتصار ثوار ليبيا زخما يسمح لها بالتشدد في صوابية رأيها وفي تطلع شعوب المنطقة اليها من اجل مساعدتها ان لم يكن عسكريا فمعنويا او لوجستيا او سوى ذلك. ويمكن الدول الغربية في ضوء انتهائها من معمعة ليبيا العسكرية ان تسمح لنفسها بامكان التهديد بمساعدة المعارضة في اماكن اخرى ولو لم تكن هذه المساعدة عسكرية. كما ان نجاح الثوار الليبيين في الانتهاء من القذافي ودفعه الى الرحيل مع عائلته او ايا يكن المخرج الذي سيتم تأمينه له او في حال التخلص من القذافي بأساليب اخرى سيعطي المعارضين السوريين زخما ودفعا قويين من المنطلق نفسه الذي انطلقت فيه الانتفاضة في سوريا اي بناء على النجاح الذي حققته الانتفاضتان المصرية والتونسية وسمحتا باعطاء الضوء الاخضر للشعوب العربية الاخرى بوجود امكانات مماثلة لديها للثورة على الانظمة السياسية التي تحكمها ايضا.

على ان بعض حلفاء دمشق في لبنان ممن يرحبون بزوال النظام الليبي يتحفظون عن اقامة اي صلة بين النظامين لجهة احتمال ان يسري على النظام السوري ما سرى على النظام الليبي في ظل اقتناع بان سوريا غير ليبيا على عكس المقارنة التي يجريها الغرب بين البلدين لجهة التماثل بين النظام السياسي في كليهما وان الرئيس السوري هو على طريق معالجة التحديات التي يواجهها بجدية واستدراك ما جرى امنيا وعسكريا بشق اصلاحي سيأخذ مداه سريعا بحيث ينزع من ايدي الدول الغربية الداعمة لرحيله اي ورقة تعزز هذا المطلب في حين يتخذ هؤلاء ما حصل في البحرين نموذجا اقرب يرونه قيد التطبيق في سوريا منه الى النموذج الليبي.

الا ان مصادر ديبلوماسية وسياسية عدة لا ترى تمييزا حقيقيا بين النموذجين الليبي والسوري وان كانت تأمل ان يشكل مآل الازمة الليبية دافعا الى مسارعة النظام السوري الى معالجة جذرية حقيقية وفعلية تنأى بسوريا عن المآل نفسه الذي تواجهه ليبيا.

==============

مثلث الاحزان.. سوريا وايران وحزب الله!.

جابر التل

الدستور

22-8-2011

ما يجري الآن في الساحات العربية يثير الحزن والبكاء وما جرى في السابق يثير الشفقة والألم لاننا لا نتعظ بما قاسيناه!ارتباط حزب الله بالنظام الايراني لايستطيع احد ان ينكره سواء كان هذا الارتباط للتشجيع ام للمؤازرة والتدخل بكل قوة في شؤون المنطقة اللبنانية السورية، ومن هنا ظهرت قوة حزب الله ووصل الى ما وصل اليه في لبنان بحيث اصبح سلاح الحزب مثل اسلحة الجيش اللبناني وله قوته وميليشياته التي يستعرضها بين فترة واخرى!!الهدف من وجود حزب الله عندما تم كان تحرير الجنوب اللبناني ومن بعد دخلت قضية ومزارع شبعا وفلسطين على الخط وابتهج العرب خاصة الفلسطينيون بذلك لان قوة جديدة اضيفت الى المقاومة! ومن بعد 2006 لم تقم لحزب الله اية حركة وصمتت مدافعهم واستعاضوا عنها بالصواريخ الخطابية عن قوة الحزب وويلك يا اسرائيل والتهديد اذا «تحركشتي»باي عربي!في هذه الاثناء تم تدميرغزة واغتيالها امام اعين حزب الله والعرب جميعا احد الخبثاء يقول بان العرب لم يدعوا ولم يعلنوا رغبتهم في مساعدة غزة ولا فتح جبهات قتالية مع العدو الاسرائيلي من اجل تخفيف الضغط على غزة ولذلك «نفذوا بجلودهم «ولم توجه لاية دولة عربية انها تخاذلت في نصرة غزة حتى جامعة عمرو موسى اصيبت بالصمم والبكم! بينما انفرد حزب الله بانه سيساند غزة والمقاومة هناك ما استطاع وظلت قواته وصواريخه حبيسة المواقع بسلام امنة ولكن الخطب الرنانة استمرت بين الفترة والاخرى! ولكن الحقيقة تقول كما نشرت وسائل الاعلام ان لدى الحزب صواريخا بعشرات الالاف جاهزة «لتدك تل ابيب» اذا تجاوزت صواريخ اسرائيل الخط الاحمر- بينما نار اليهود تصل غزة! لا ادري اين الخط الاحمر في غزة حتى تتحرك قوات وصواريخ حزب الله والدول العربية التي تجد حجة في انها لاتريد فتح جبهة قتال في تلك الاوقات لانها تفضل ان تختار مكان وزمان المعركة وتحدده هي لا اسرائيل لانه كما يبدو يريدون «خوزقة العرب ثانية» كما تم عام 67 لان العرب كانوا ينتظرون الضربة الاولى لاسرائيل حتى «يتحمسوا ويردوا عليها بدل الصاع صاعين واكثر»وكانت النتيجة المعروفة والتي تلاها تمثيل كبير على مستوى الدول التي شاركت واضاعت البلاد!!

ايران الاخرى بقيت صامتة اثناء تلك الفترة اللهم الا من تصريح هنا وخبر هناك انها «زودت» القطاع بصواريخ واسلحة وانها «دعمت»حماس بالمال اما غير ذلك فقد كان جعجعة دون طحين!الان والامور كما نرى في سوريا من اخبار متناقضة بعضها يصدق وبعضها يقال بانه مفتعل لانجد الحكومة الايرانية تقدم شيئا لسوريا لا لاطفاء الحرائق ولا لحفظ ماء وجه سوريا والحكومة السورية واخر ما خرجت به القريحة الايرانية» ان ما يجري في سوريا هو امر داخلي» كما نشرت الصحف يوم 16\8 من الجاري مع ملاحظة ان التصريحات الايرانية تؤكد على عدم السماح بتدخل الاجانب –حلف الناتو والولايات المتحدة وتركيا- بالمجريات السورية! و الاعتقاد السائد ان حزب الله قد استطاع تهريب اسلحة وربما قوة من اعضائه الى داخل سوريا ليساندوا قوات الجيش والامن العام في عملياتهم ضد» اللصوص والعصابات المسلحة» كما تقول دمشق وضد الثورة السلمية كما يقول المؤيدون للتحرك الشعبي السوري! رغم ان الحزب ينفي كل ذلك ولكن بعض الذين يقفون مع الحراك الشعبي السوري يؤيدون ذلك ويستشهدون «بفظاعة طرق القتل» التي تمارس على المتظاهرين لان الذين يفعلون هذه الاعمال ليسوا سوريين بل من اعضاء حزب الله حسب بعض الاقوال وبالتالي من يقتلونه ليس قريبا منهم ولا يعني لهم شيئا!

اما والحال كما هو فان السؤال الذي يطرح نفسه هل ستتوقف «الامدادات «الايرانية والدعم الايراني عند هذا الحد ام ان الامر سيتطور خاصة وانه لم تظهر من ايران اية تحركات للجم قوى الجيش السوري ومحاولة تعديل صورة ما يجري في سوريا وذلك بمحاولة التقريب بين المشهدين!

ربما توقعت سوريا دعما اكبر من ايران في حالتها الحالية وربما كانت تتوقع من ايران التدخل بطريقة اكثر لمصلحة النظام ...

ولكن ايران والوضع الداخلي فيها حيث الانقسامات والمطالبات الكثيرة بتغيير الوزراء والتوقف عن القرارات الديكتاتورية وتحكم احمدي نجاد تارة والخامئني تارة اخرى واصحاب العمائم والمناهضين والاصلاحيين والمعضلة النووية الايرانية والتي تبدو وكانها للاستهلاك المحلي فقط ويبدو انها معركة «صورية» للقوة النووية الايرانية «وخوف» اسرائيل والولايات المتحدة المفتعل حسب رأيي من ذلك كل هذا يجعل الاسناد الايراني في ادنى مستوياته بل ربما يجبر ايران اذا رأت ان الميزان يسير باتجاه المعتصمين والمتظاهرين ان تأخذ منحى آخر من اجل الحفاظ على مصالحها وعلى القدم التي ارستها من خلال تعاونها لسنوات طويلة مع سوريا!

والامر كذلك بالنسبة لحزب الله الذي ولا شك قد يجد نفسه بين فكي كماشة سوريا الجديدة بعد انتهاء اعمال العنف الحالية كما يقول المؤيدون للاحتجاجات والجيش اللبناني ومن معه من ميليشيات لبنانية والجيش الاسرائيلي من جهة اخرى!

هذا المثلث الذي ربما تتجاوز زواياه المئة وثمانين درجة قد يسوق المنطقة الى اكثر مما يتوقع البعض ويتصور وليس غريبا ان تعمد السياسة الخارجية الاميركية الى سكين ومشارط كثيرة وادوات رسم لترسم منطقة جديدة تزرع فيها اكثر من دويلة وتقسم الكعكعة الى اجزاء كثيرة ستجعل العرب يندمون على مصيرهم !

ان ما يجري الان في المنطقة السورية او بلاد الشام كما عرفناها في المدرسة امر مثير ومخيف لمستقبل المنطقة ويبدو ان كل الدول تتوقع ان تصاب بشيء ما «من اثار هذه المجريات كل حسب دوره وقوته وقربه من الجهات المتحكمة في تقسيم الكعكعة!والسؤال الآن هل كانت ايران خلف المجابهة العنيفة كما تشير الاخبار التي يتعرض لها المتظاهرون السوريون ام ان سوريا ارادت من ذلك ان تجر ايران ومن بعدها حزب الله الى موقعة تنتهي فيها اساطير ونبدأ بمشاهدة فيلم جديد؟ ام يا ترى ان ايران دفعت واوغلت قلب سوريا على الوقوف في وجه العصابات والمتظاهرين الذين تدفعهم قوى اجنبية؟ الم تكن الشرارة الكاذبة عن الحشود الاسرائيلية على الحدود السورية الاسرائيلية هي القشة التي قصمت ظهر البعير العربي عام 67؟

باختصار ما يجري في سوريا وضع ايران على المحك كما يقولون ووضع حزب الله في وضع حرج لايقول فيه الا اللهم نفسي خاصة وانه الآن بالكاد يستطيع الدفاع عن الاتهامات التي وجهتها المحكمة الدولية الى بعض افراده كما تدعي متهمة اياهم بالضلوع في مؤامرة مقتل المرحوم رفيق الحريري فهو إذا سارت الامور كما يخطط لها سيجد نفسه وحيدا في اجواء مغبرة ولا ترى الشمس فيها بل تثير الزوابع والحرائق!.

==============

وللحريةِ الحمراءِ بابٌ بكل يدٍ مضرَّجةٍ يُدقُّ!

ا.د. فيصل الرفوع

alrfouh@hotmail.com

الرأي الاردنية

22-8-2011

إذا كان الباحث، أي باحث، في دهاليز التاريخ، وفي حالة غياب للضمير، قد يجد «مبرراً» لما فعله «هولاكو» في بغداد ذات يوم كربلائي سنة 1258، فإنه قطعاً لن يجد أي سبب مقنع لأنهار الدماء العربية التي تهدر على مدار الساعة منذ أن تخطى الجسد العربي المنهك حاجز الخوف أمام النظام العربي الرسمي على امتداد الساحة العربية من المحيط للخليج، وعلى أيد، يقال عنها وبكل أسف وحسرة، بأنها عربية. كما إنه، أي الباحث، قد يعثر على «مسوغ» لأعمال الإرهاب والقتل وسفك الدماء التي تقوم بها الشعوب ضد بعضها البعض في حالات الصراع والحروب، لكن هذا الباحث، لا يستطيع أن يستوعب ما تقوم به بعض الأيدي، التي تصنف بأنها عربية، بقتل وتدمير وإزهاق للأرواح العربية في هذه المدينة او تلك من الأمصار العربية.

إلا أن الكارثة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا، هو أن يستعين بعض الحكام، ومن أجل الاستمرار في السلطة والتسلط، بمرتزقة، تنصلوا من كل القيم الإنسانية والعقائد السماوية، وامتشقوا سلاح الحقد والإنتقام، وبدراهم معدودة، ليمتهنوا قتل شعبه والتنكيل به، واغتصاب حرائر العرب والمسلمين، اللواتي كان يخاطبهن ب» أخواتي وبناتي..!».

وإذا كان الغرب، وباقي شعوب العالم، قد تساءلوا مبكراً عن حقهم الطبيعي في الحياة والحرية، واستطاعوا تحطيم قيد الاستعباد والتبعية، في الوقت الذي لم يجرؤ فيه العرب على التفكير بكسر أغلال الخوف وتخطي حاجزه إلا بعد أزمان تلت، إلا أن ما نراه اليوم من صدور عربية عارية تواجه الرصاص الحي، وتتلقى شتى صنوف التنكيل والقهر، وبتصميم منقطع النظير على النصر وإستعادة الحقوق، يمثل حالة إستثنائية في مقاومة الظلم والقهر و»التهميش»، ومثالاُ لعظمة الهمة العربية إذا ما حصرت «بظم الحاء» في بوتقة الإهمال والدونية والإستباحة.

لقد أعاد الإنسان العربي اليوم، أمجاد امته، مستذكراً صرخة ذلك الأعرابي المسلم في وجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لو رأينا فيك إعوجاجاً لقومناه بسيوفنا»،، فأجابه عمر»...لا خير فيكم إن لم تقولوها... ولا خير فينا إن لم نسمعها..».

معشر النظام العربي الرسمي، إرفقوا بالأطفال والنساء والشيوخ، و»أذخروا» دماء الشباب العربي ليوم سيكونون سنداً لأوطانكم التي طالما تحدثتم عن إنجازاتكم في بنائها. وتذكروا موقف نبيكم العربي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم حينما إستأذنه جبريل عليه السلام أن يطبق «الأخشبين» على أهل الطائف، بعد إيذائهم للنبي صلى الله عليه وسلم، إلا انه رفض ودعا لهم لا عليهم، حيث قال مخاطباً جبريل عليه السلام « عسى أن يخرج الله من بينهم من يوحد الله» او كما قال صلى الله عليه وسلم.

معشر الحكام العرب.. اوقفوا هدر الدم العربي، وحاوروا شعوبكم بالتي هي أحسن، وتذكروا زهد الحسن بن علي رضي الله عنه، سبط رسول الله بالخلافة والرئاسة. ولا تمنحوا الفرصة لأعدائكم، صهاينتهم وصفوييهم وفرنجتهم، أن يبتسموا من خلال دموعكم.. ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حيث قال: وللحريةِ الحمراءِ بابٌ بكل يدٍ مضرَّجةٍ يُدقُّ..!. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

==============

هكذا تفكر واشنطن

د. حسن البراري- واشنطن

hbarari@gmail.com

الرأي الاردنية

22-8-2011

حتى يكون الانتقال من الديكتاتورية للديمقراطية منظما هناك شرطان غائبان في الحالة السورية: وجود نخبة حاكمة- تستبطن خطر الاستمرار في الحكم التسلطي- تبدي رغبة أو لا تمانع من تسليم السلطة ووجود نخبة بديلة منظمة وكافية لتولي السلطة. هكذا يكون الانتقال منظما وغير ذلك فإن نهاية النظام قد تفضي إلى فوضى وحالة من عدم التيقن.

الموقف الأميركي مما يحدث في سوريا اتضح أكثر في الاسابيع الأخيرة، الأسد فقد شرعيته، ولا يمكن لواشنطن التعامل معه لهذا طالب الرئيس أوباما برحيله. واستنادا على هذا، تعمل اميركا على إدارة التغيير من خلال مساعدة القوى المعارضة للنظام لوضع خارطة طريق للتعامل مع اليوم الأول الذي يلي سقوط النظام، فكل الحديث الذي يدور في واشنطن في الأسابيع الماضية يستند على فرضية زوال النظام. ويبدو أن أميركا استفادت من خبراتها في التغيير في المنقطة عندما لم تخطط لليوم الثاني الذي يلي التغيير.

التصعيد الأميركي الذي أخذ شكل عقوبات قوية ضد نظام الأسد يهدف من جملة ما يهدف إلى خلق شرطيّ الانتقال المنظم، فتأمل واشنطن من تضييق الخناق على الأسد لعله يتراجع عن المقاربة الأمنية ويتنحى، ثم تهدف واشنطن إلى تطمين المتظاهرين بأنهم ليسوا وحدهم في الميدان وبالتالي عليهم العمل سويا لإبراز قيادة بديلة.

اللافت في المقاربة الأميركية أن الإدارة لا تحاول التدخل أكثر مما ينبغي حتى لا تخلق أعداء جددا لها في المنطقة وحتى لا ينجح النظام السوري في تصوير المتظاهرين في سوريا وكأنهم صنيعة أميركا أو أنهم متعاونون مع واشنطن. فواشنطن تعي جيدا للمقولة «الصهيو- أمريكية» التي يوظفها النظام السوري ومؤيدوه من الداخل وبعض إعلام الخارج المأجور الذي يدعم النظام بحجة المقاومة والممانعة.

الخطوة التي أتخذتها إدارة أوباما هي نتيجة الانتقادات الشرسة التي توجهها منظمات حقوق الإنسان والاعلام الاميركي لتردد موقف أوباما، فالمزاج العام في واشنطن يدفع الرئيس أوباما للقيام بعمل ما. وفي المقابل، لا يمكن لهذه المقاربة أن تحدث التغيير المنشود بسرعة كافية لإنقاذ الشعب السوري من عنف النظام، والتقديرات تشير إلى أن التغيير يتطلب وقتا طويلا نسبيا إلا إذا حصل تدخل عسكري خارجي وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي، وإذا ما استمرت الحالة السورية كما هي- أي انقضاض النظام على المتظاهرين- فإنه على الأرحج ستسيل دماء كثيرة ما يقلل من فرصة انتقال سلمي أو منظم في سوريا.

==============

مطالب التغيير السوري وآلياته

د. عبدالله تركماني

2011-08-21

القدس العربي

 بعد أن تجاوز الشعب السوري حاجز الخوف وانتفض في وجه الاستبداد متحدياً قبضته الحديدية التي أمسكت بالمجتمع طيلة العقود الأربعة الماضية، يستحيل أن يقبل أن تُحكَم سورية بالطريقة القديمة، وأن يقبل باحتكار السلطة من قبل أية جهة سياسية أو فئة اجتماعية تحت أية ذريعة أو شعارات. لقد سقطت نظرية التحام الشعب بالقيادة، ومعها نظرية أنّ الشعب تكفيه شعارات الممانعة فحسب.

لقد رأينا، خلال الأشهر الخمسة للثورة السورية، البلد الذي جرى اختزاله طوال عقود بشخص واحد يتحلق حوله حفنة من الأعوان، هو بلد واسع، فيه طلاب حرية وكرامة ومواطنة بمئات الألوف، وفيه معارضون كهول وشبان، ونساء ورجال، وفيه أناس يستشهدون ويُعتقلون ويتعرضون للتعذيب، هو مجتمع أكثر اتساعاً وتركيباً من الأطر السياسية الجامدة الضيقة المفروضة عليه بالقوة منذ عقود.

إنّ للحالة السورية الراهنة أسبابها العميقة: تفاقم غير مسبوق للفقر والبطالة وفشل السياسات التنموية والخدمات، ونظام الامتيازات الاجتماعية والفساد الإكراهي الذي تديره الأجهزة الأمنية بصورة خاصة. هناك تعديات شاملة على حقوق المواطنين المدنية والسياسية أصبحت بمرتبة نظام عام شامل، وهناك سلب للحقوق يطال الكرامة الإنسانية نتيجة لنظام الدولة الأمنية وغياب الحد الأدنى من الحريات ومؤسسات الرقابة النزيهة ومرجعية القانون والعدالة.

لقد تجمعت لدى أغلبية الشعب السوري مؤشرات تظهر أنّ هذا النظام بات محنطاً وعصياً على الإصلاح، لأسباب عديدة منها الخلل العميق في تركيبته الداخلية نفسها، وطريقة فهمه لدوره وموقعه من الدولة السورية، ولطبيعة الهياكل التي أنشأها انسجاماً مع تلك التركيبة وهذا الفهم. فقد انتفض السوريون في وجه الدولة الأمنية التي استبدت في كل مجالات عيشهم، وقرروا أنه لا بد من التغيير على كل المستويات الوطنية.

إنّ السلطة السورية تنهض على مركّب سياسي - أمني - اقتصادي، هو ما لا معنى لأي تغيير في البلد من دون تفكيكه، حسب تعبير الكاتب والناشط ياسين الحاج صالح. هذا المركّب هو ما يتعين تغييره، بما يعني شيئين أساسيين: أولهما، طي صفحة الحكم الأبدي الوراثي واستعادة أصول النظام الجمهوري. وثانيهما، رفع الحصانة عن الأجهزة الأمنية وإخضاعها للمساءلة القانونية، وتغيير بنيتها وعقيدتها بحيث تصبح معنية بأمن السكان والبلاد، لا بأمن السلطة فقط.

وفي سياق الثورة السورية من أجل التغيير فإنّ القوى الحقيقية، التي تنزل إلى الشارع، أصحاب الثورة الذين قدموا ويقدمون حتى الآن الشهداء من أجل الحرية وإعادة الكرامة للشعب، لها يعود كل الحق بتحديد مطالب التغيير. إذ بلغت بسقف مطالبها ضمان الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، مع المطالبة بمحاكمة رؤوس الأجهزة الأمنية وقادة الشبيحة. وهي تتبنى، بشكل واضح، تصوراً مستقبلياً لسورية: ديمقراطية، دولة كل مواطنيها، ودولة قانون وحريات عامة وفردية تنبذ العنف والطائفية. وهكذا، لابد من تغيير سياسي جذري، يبدأ من صياغة دستور جديد بعد إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والضمير، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة، تضمن الحقوق الكاملة لكل مكونات الشعب السوري والمشاركة السياسية لها.

والسؤال الرئيسي هو: كيف يمكن أن يتحقق الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية في سورية؟ أي كيف يتم تفكيك النظام الشمولي والدولة الأمنية؟ وكيف يعاد إنتاج النظام السياسي على نحو يؤسس لديمقراطية تشكل أساساً للتغيير بكل مستوياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بما يفرضه ذلك من إعادة بناء الدولة الوطنية السورية الحديثة؟

إنّ التحولات العميقة التي تشهدها المجتمعات الإنسانية جعلت من الديمقراطية وحقوق الإنسان أحد علامات العصر، وأحد المعايير الأساسية للسير في الطريق الذي ترسمه التحولات الكبرى التي نشهدها الآن. إذ صارت الديمقراطية ضرورة لا غنى عنها، واختياراً لا مفر منه، فهي معيار صلاحية الاختيارات الأخرى على صعيد السياسة والمجتمع والاقتصاد والثقافة، إنها ما يمنح هذه الاختيارات جميعها بعدها الإنساني. ولا يمكن تمثّل هذه التحولات بعمق إلا في إطار الدولة الحديثة التي تقوم على أسس ثلاثة: فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ورقابة المجتمع على سلطة الدولة، وخضوع سلطة الدولة نفسها للقوانين التي تسنها. بحيث يُنظَر إلى الدولة باعتبارها حقلاً يعكس تناقضات البنية الاجتماعية وتوازنات القوى فيها.

إنّ ما يحدث في سورية منذ خمسة أشهر يمثل، في أحد أبعاده، محاولة استرداد السياسة وممارستها عبر تجاوز مرحلة عقد من اللعثمة التي كانت تصيب لغة بشار الأسد منذ وراثته السلطة، كلما تحدث عن حزمة إصلاحات ستقوم بها السلطة، التي تعلم جيداً أنّ الإصلاح السياسي الجدي سينهي النظام الشمولي الذي تنتمي إليه وتدافع عنه، وسيضع حداً لرموز الفساد وأصحاب الامتيازات، وأنّ الشعب لن يقبل بعد اليوم إلا باستعادة حقوقه المشروعة ومحاسبة من نهبوا ثروات البلاد وأوغلوا في قتل المواطنين واعتقالهم وتعذيبهم.

إنّ مضمون التغيير في سورية هو الخروج من هذا النظام المتلعثم إلى أوضاع تكفل لعموم السوريين حريات وحقوقاً وأمناً، وفرصاً أوسع للترقي الاجتماعي والسياسي. خلاصة الأمر اليوم أنّ السوريين متفقون على مبدأ تغيير النظام، بما يعنيه من تغيير أنماط حياتهم في التفكير والتدبير، غير أنّ ثمة تمايزاً في المستويات التي ينبغي أن يذهب إليها هذا التغيير. فأهل النظام يرونه لا ينبغي أن يتعدى إصلاحات محكومة في حدوده، وتحت قيادته. فيما يطالب شباب الثورة بانتقال نحو نظام مغاير يقوم على الديمقراطية والتعددية والمواطنة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون. وفي ظل واقع الاختلاف هذا يظهر كلام تركي، أخذ يتردد كثيراً في الآونة الأخيرة، عن نظام انتقالي يكون حلقة وسيطة بين النظام الحالي والنظام المقبل، بما يمكن وصفه بأنه اجترار لخطاب يمهل القمع مزيداً من الوقت، وهذا ما حصل فعلاً خلال الأسبوع الماضي في حمص ودير الزور ومعرة النعمان واللاذقية ...

وبالرغم من التوصيف السابق تبقى أسئلة المرحلة هي: هل يكون النظام الانتقالي مفتاحاً لتوافق سوري عام على محتوى التغيير المقبل، وفسحة لانتقال سلمي وهادئ نحو نظام جديد في سورية؟ وهل يستطيع هذا النظام أن يقوم بعملية إعادة بناء تنقله من حالة النظام المأزوم، المساهم في إنتاج الأزمة إلى حالة المشارك في معالجتها؟ وهل ينقل الرئيس سلطاته إلى واحد من أهل النظام الذين لم يلوثوا أيديهم بالفساد والجرائم ضد الشعب، مع إعلان فوري لوقفٍ تام لاستخدام السلاح والشبيحة ومنع الاعتقال، وإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والضمير، وإعلان عفو عام عن جميع المحكومين السياسيين والمبعدين خارج البلاد وعودتهم دون قيد أو شرط، مع الدعوة إلى مؤتمر وطني عام تشارك فيه كل المكونات الوطنية الناشطة والفاعلة تحت إشراف نزيه (عربي وإقليمي ودولي)، تنتج عنه حكومة انتقالية مكونة من كفاءات وطنية مستقلة مدتها لا تزيد عن ستة أشهر تعمل على متابعة وضمان الانتقال السلمي للسلطة، وصياغة دستور جديد يؤسس لدولة مدنية مبنية على الحرية والعدالة والديمقراطية تُتداول فيها السلطة سلماً، ويؤصل لإصدار قانون للأحزاب السياسية يؤسس لحركة سياسية مدنية ديمقراطية تداولية، وانتخابات برلمانية حرة تتم في الفترة نفسها؟

إنّ الإجابة بحاجة إلى كثير من التمعن والترقب لما ستحمله الأيام القليلة القادمة، إذ أنّ تماسك أهل النظام لا يعني بالضرورة تجانس مكوناته، فالمستجد الذي أفرزه الحراك الشعبي استطاع خلخلته، وهو ما فرض عليه إعادة النظر في بعض سياساته وممارساته. فإذا استمرت عملية توريط الجيش في تمشيط المدن والبلدات السورية فإنّ انقسامه، خاصة على مستوى الرتب العليا، سيصبح مسألة وقت، وربما في النهاية يتخذ الكثير من قياداته قراراً بحماية المتظاهرين مما سيدخلها في صراع مع الأجهزة الأمنية وكتائب الفرقة الرابعة ذات التسليح والتدريب الجيد، وهو ما يضع وحدات الجيش على المحك ويحتم على القيادات العليا اتخاذ قرارات تتعلق بمصير الجيش ولمصلحة المتظاهرين. وهو سيناريو يحتاج إلى بعض الوقت حتى تتأكد القيادات العليا من ولاء الرتب الدنيا لها في حال اتخذت قراراً بالانشقاق، كما يعتمد على استمرار الحراك الشعبي وتصاعده في أكثر من مدينة وبلدة ومحافظته على سلميته.

ولعل ما طرحه ائتلاف إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في مشروع بيانه الختامي، الذي سيقدم إلى مجلسه الوطني الثاني الذي سيعقد قريباً داخل سورية، يساعد على بلورة سبل الدخول في مرحلة انتقالية يجري التوافق على أسسها من خلال مؤتمر وطني جامع، تحت عنوان التغيير الديمقراطي وتحديد مستقبل البلاد وطبيعة نظامها السياسي، يضم ممثلي الشباب الثائر وممثلي منظمات المجتمع المدني السوري وممثلي المعارضة، ومن كانت أيديهم نظيفة من دماء الشعب أو ثروة الوطن من أهل النظام، بهدف الكشف عن الممكنات في الواقع السوري، وبناء أولوياتها وتوازناتها عبر منهج عقلاني هادئ.

إنّ سورية تواجه فرصة تاريخية تمكّن من إعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة، بالاعتماد على تضافر جهود جميع النخب الفكرية والسياسية دون استثناء، فلا يجوز تفويت هذه الفرصة التي خلقتها الثورة السورية، بل الحرص على الانتقال الديمقراطي الهادئ والممأسس، الذي يفتح الآفاق أمام إعادة صياغة الحياة السياسية السورية على أسس جديدة. فلم يعد هناك مجال اليوم للخوف من التغيير في سورية، أو للنظر إليه على أنه قد يهدد الاستقرار، وهو يعني أنّ الأوان قد آن لمشاركة الجميع على تحقيقه دون حذر مبالغ فيه، وبعيداً عن الحسابات التقليدية، لأنه أصبح المدخل الأكيد وربما الوحيد إلى الاستقرار الحقيقي الذي يبحث عنه الجميع.

إنّ نماذج التغيير التي عرفها العالم، بعد سقوط جدار برلين في عام 1989، تفيد أنّ التغيير هو ما ينتج البدائل، وليست البدائل الجاهزة هي ما يُحدث التغيير.

==============

ضاعت الطاسة على الشعب السوري!

صبحي حديدي

2011-08-21

القدس العربي

 ثمة، لدى مجموعات واسعة من المعارضين السوريين في الخارج، شراهة لعقد المؤتمرات واللقاءات والاجتماعات التشاورية، لا تبدو مفرطة فحسب؛ بل هي أفرزت وتفرز ظواهر مَرَضية، حالها في ذلك حال أية تخمة منافية لطبائع الأمور. من بروكسيل 1، إلى أنطاليا، إلى بروكسيل 2، إلى اسطنبول 1، إلى اسطنبول 2، إلى برلين، إلى اسطنبول 3... جرى إعلان لجان وهيئات ومجالس قيادية، بأسماء فضفاضة رنّانة، مثل 'المؤتمر السوري التغيير'، أو 'هيئة المعارضة السورية'، أو 'لجنة الحوار الوطني'، أو 'الائتلاف الوطني لدعم الثورة السورية'، أو 'مجلس الإنقاذ الوطني'، أو 'هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي في المهجر'، أو 'المجلس الوطني للتغيير'... وهذا الأخير هو الوليد الأحدث عهداً، والذي قد يرى النور خلال أيام.

النوايا، في نفوس غالبية المشاركين، طيبة ومخلصة ونزيهة، عينها على الوطن، وقلبها على الشعب، وفي رأس أهدافها مساندة الإنتفاضة بشتى الوسائل، ثمّ الحرص على الوحدة الوطنية، وقبلها حرص مماثل على توحيد صفوف المعارضة، وسوى هذا وذاك من أهداف تحظى بإجماع عريض، كما يتضح من المداولات والأدبيات في أقلّ تقدير. هنالك، أيضاً، ذلك الحرص الشديد على إظهار هذه المؤتمرات واللقاءات وكأنها تمثّل 'جميع أطياف المجتمع السوري'، حسب العبارة التقليدية؛ فلا يتردد مؤتمر في تفصيل انتماءات المشاركين الإثنية والدينية والطائفية والعشائرية، أو يتفاخر مؤتمر آخر بإعلان هويات سياسية أو فكرية، علمانية وإسلامية وليبرالية ويسارية!

ذلك كله يبدو للوهلة الأولى جميلاً، ضرورياً، مفيداً، وصيغة أخرى في العمل الوطني ينبغي أن تكمل الإنتفاضة في الداخل، أو تتولى تمثيلها في الخارج؛ لولا أنّ المشكلة تكمن هنا تحديداً: هل تكفي النوايا الطيبة، أياً كانت مقادير الطهر في مقاصدها، لكي يزعم هذا المؤتمر أو ذاك أية صيغة تمثيلية حقّة، وفعلية قائمة على أسس ديمقراطية في الحدود الدنيا، تسمح للمشاركين بالذهاب بعيداً، وأبعد ممّا ينبغي، إلى درجة تشكيل 'مجلس إنقاذ' أو 'مجلس وطني'؟ الإجابة التي يفرضها السلوك الديمقراطي الأبسط، هي: كلا، بالطبع، فالنوايا الطيبة لا تنيب بصفتها المجرّدة هذه؛ وليس لحاملها، أياً كانت خصاله ومصداقيته، أن يأنس في نفسه حقّ تمثيل الناس لمجرّد أنه مخلص نزيه حريص على الإنتفاضة والشعب والوطن.

ثمّ إذا كان المواطن المتظاهر في ساحات وشوارع سورية يخرج من داره وهو مشروع شهيد، في الواقع الفعلي وليس في المجاز، يحمل دمه على كفّه، أو تُختزل روحه في حنجرته، من أجل نظام في التمثيل الديمقراطي لا يصادر صوته ولا يزوّر إرادته؛ أفلا يتوجب على المعارضين السوريين في الخارج أن يقدّموا القدوة الحسنة في هذا المضمار، سيّما وأنّ شروط التمثيل الإنتخابي السليم متاحة تماماً أمامهم، إذْ يعيش معظمهم في ظلّ ديمقراطيات غربية تكفل حرّية الاجتماع؟ هل يجوز تنظيم مؤتمر طويل عريض، يتنطّح لقضايا كبرى شائكة، لكنه لا يستند إلى قواعد تمثيلية واضحة، بل يعتمد مبدأ 'أهلا وسهلا بلّي جاي'، أو خيار 'مؤتمر بمَنْ حضر'، أو المشاركة وفق تلك البدعة العجيبة التي اسمها 'عضو مراقب'، أو 'عضو ضيف'؟ ولا ينسى المرء بؤس تلك الرياضة القائمة على تلميع المؤتمرات عن طريق إبراز 'أعضاء نجوم'، من قادة أحزاب مهجرية، أو أكاديميين طنّاني الألقاب، أو نزلاء مزمنين على الفضائيات.

مَنْ فوّض مَنْ؟ متى، وأين، وكيف؟ ليست هذه علامات استفهام وسؤال وتساؤل، بل هي نقاط نظام وانضباط ومساءلة. ومع استثناءات قليلة، لم يحدث أنّ تنسيقيات الداخل، أو أحزاب المعارضة التي تحترم شعبها ونفسها، أرسلت مندوبيها إلى أيّ من المؤتمرات، ضمن أية صيغة مقبولة من التمثيل الديمقراطي على أسس قاعدية. كان العكس هو الذي يحدث، بصفة عامة، رغم حرص الجميع على عدم الذهاب بالتحفظ إلى مستويات العلن (وهذا، في يقيني، خلل سياسي وأخلاقي لا يليق بشهداء يتساقطون بالعشرات، كلّ يوم). ولدينا مثال حديث العهد، صدر بالأمس فقط، هو تحفظ 'الهيئة العامة للثورة السورية' على تكاثر المؤتمرات، والحثّ على 'تأجيل أي مشروع تمثيلي للشعب السوري'.

وأرى واجباً عليّ، لكي لا يبدو موقفي منفصلاً عن السلوك الشخصي العملي، الإشارة إلى إنّ هذه الاعتبارات جعلتني أعتذر في الماضي، وسأعتذر في المستقبل، عن حضور أيّ مؤتمر ولقاء وملتقى يُعقد في الخارج دون أسس تمثيلية ديمقراطية صريحة وملموسة. ومن الإنصاف التفكير بأنه إذا بات صعباً على السوري المسيّس، المثقف، والمتابع أن يفرز هذا المؤتمر من ذاك، ويميّز ماهية 'مجلس الإنقاذ' بالمقارنة مع 'المجلس الوطني'؛ فهل من الغرابة أن تضيع 'الطاسة' على الشعب السوري، في مختلف شرائحه الاجتماعية والسياسية الأعرض؟

وفي مقام آخر، هو الأهمّ ربما، هل يُلام المتظاهر، الخارج من بيته في طريق مستقيم نحو احتمال الشهادة، إذا اكتفى بعبارة مجاملة من نوع 'يعطيكم العافية يا جماعة'، يرسلها لأخوته السوريين المصابين بشراهة المؤتمرات الخارجية؛ ثمّ أدار ظهره، بأدب جمّ لا ريب، وانخرط في تظاهرة حاشدة تستشرف المستقبل وتهتف للوحدة الوطنية وتنادي بسقوط النظام، حيث الطاسة... ليست ضائعة أبداً؟

==============

الانتفاضة السورية وعزم الاستمرار...

الإثنين, 22 أغسطس 2011

أكرم البني *

الحياة

هو سؤال يثار باستغراب هذه الآونة، عن سر استمرار الانتفاضة الشعبية في سورية أمام هذا القمع العنيف والمعمم، ومن أين تستمد قوتها وعزمها بعد العدد الكبير من الضحايا والجرحى والمعتقلين واللاجئين، وفي ظل مشهد تبدو فيه كأنها تُترك وحيدة لتواجه مصيرها، في إشارة الى ضعف الموقفين العربي والدولي، فالأول لا يزال متردداً، لم يرق الى مصاف شدة هذه الأزمة وعمقها، والثاني يعاني من تشتت وحسابات سياسية تعوق خطوة التقدم لإعلان موقف أممي يدين أخلاقياً هذا التوغل في العنف والتنكيل.

اليوم، يلمس المرء إصراراً قوياً وغير مسبوق عند الناس على التغيير، نابعاً بلا شك من قهر وإذلال مديدين ومن معاناة شديدة من التمييز والتهميش، أوضح وأكثف صورة لها، أن يبيح أهل الحكم لأنفسهم كل شيء على حساب أبسط حقوق الناس ومصالحهم! فأي إصرار يكون حين تصل الأمور إلى حدود غير مقبولة، وتتجاوز كل طاقة على الاحتمال، ليغدو العيش محالاً وترجح كفة تفضيل الموت على الخضوع للوضع القائم؟ وأي حافز للنهوض والانتفاض حين تمدّه الثورات العربية المتواترة، إلى جانب قوة الدفع الأولى، بروح الدأب والمثابرة.

وما يزيد في دينامية النهوض والحراك الشعبي ويرفع روح الإيثار ودرجة الاستعداد لمواجهة العنف المفرط، شيوع إحساس لدى المحتجين، بأن ما يحصل هو لحظة للتغيير يصعب تكرارها ولنقل فرصة تاريخية نادرة للخلاص من منطق القوة والتمييز والغلبة، والأهم حضور إدراك عام بأن أي عودة الى الوراء أو توقف هو الطامة الكبرى ويمكن الدولة الأمنية من تثبيت تحكمها بمصائر البلاد والعباد ويضع الأجيال القادمة في شروط أسوأ بكثير مما هو قائم الآن. وهنا لعبت الأخطاء التي يرتكبها النظام في إدارة الأزمة واستهتاره بمعاداة الناس وأيضاً حجم الاحتجاجات الشعبية وطبيعتها، التي امتدت لتشمل عشرات المدن والبلدات السورية، دوراً كبيراً في منح الانتفاضة كثيراً من الأمل والثقة بقدرتها على تحقيق أهدافها، في مقابل ارتباك وتراجع مستمرين في قدرة الأدوات القمعية على سحقها أو محاصرتها وقمعها.

إن الحملات العسكرية والأمنية على اتساعها وشدتها لم تستطع أن تثني الناس عن الخروج الى الشارع والتعبير عن شعاراتها ومطالبها، ولم تنفع في تغطيتها مناورات النظام السياسية ودعواته الى الحوار والإصلاح، أو محاولات استمالة البشر بزيادة الأجور وتوفير بعض الحاجات الضرورية، أو تخويفهم بالفوضى وبتنظيمات إسلامية متطرفة وبخطر خارجي داهم! وبعبارة أخرى، فإن عجز الخيار الأمني والعسكري بأسلحته الجبارة عن حسم الأمور ولنقل فشله وبعد خمسة شهور في كسر شوكة الحراك الشعبي وإطفاء جذوته، عزز من ثقة الناس بأنفسهم وبخياراتهم وبجدوى ما يقومون به، وكأن قضيتهم أصبحت قضية عصية على القمع، بدليل أن المناطق المنكوبة هي المناطق الأكثر تحدياً وأول من تبادر ما إن ينحسر الحضور الأمني الكثيف للتظاهر والاحتجاج، وما يزيد الثقة والإصرار وعزم الاستمرار، نجاح الانتفاضة في إفشال محاولات تشويهها أخلاقياً بالطعن بسلميتها والتشكيك بأغراضها السياسية، أو عزلها وإثارة الفتن والتفرقة بين صفوفها وفئاتها، ما يشجع على الاستنتاج بأن لغة الحديد والنار، لم يعد لها مكان في الخصوصية السورية، بل صارت تحفز همم الحراك الشعبي أكثر، وتترك أصحابها عرضة للمزيد من ردود الأفعال العربية والدولية ولتأثيرات سلبية بعيدة المدى في علاقتهم مع المجتمع ومدى تماسكهم.

ثمة حافز آخر في الخصوصية السورية مكّن المحتجين وشد من أزرهم، هو تنوع التكوينات القيادية الميدانية التي أفرزتها الانتفاضة وانتشارها في كل مكان وتفاعلها مع بعضها بطرق غير مباشرة، ما جعلها عصية على الاعتقال، عرفت باسم «التنسيقيات» كشكل تنظيمي مرن نجح نسبياً في تحويل التظاهرات إلى ما يشبه الفعل اليومي، وهو شرط ضروري لاستمرارها وتغذيتها بالحماسة، وأيضاً في تسخير وسائل التواصل الاجتماعي لخلق لغة مشتركة للتفاعل وللتوافق على المهام وتوحيد إيقاع النشاطات!

ويبدو للعيان أن هذه «التنسيقيات» قد اغتنت مع الوقت واكتسبت خبرة أكبر في التعامل مع الحدث وقدرة لافتة على التنظيم وتحمل مسؤوليات متعددة كالرصد والإعلام والتوثيق ووضع الخطط الملموسة، والأهم الإحساس الذي أشاعته بين المحتجين والمتظاهرين، بأنهم ليسوا مغيبين أو أرقاماً نكرة، وأن تضحياتهم لا تذهب هدراً بل توظف لفائدة تقدم الحراك العام وتطويره، وبأن انتفاضتهم صارت الشغل الشاغل للعالم وما تسطره من شجاعة وإيثار ومن إبداعات نضالية هو موضع تقدير وإعجاب كبيرين، وأن شعوب كثيرة تترقب على أحر من الجمر النتائج ومقدار ما تتركه انتفاضتهم من أثر إيجابي في مستقبل المشرق العربي خصوصاً والعرب عموماً.

وضوح مطالب الحرية والكرامة والتمسك بالقيمة الأخلاقية السلمية واتساع بنيتها التكوينية وتنوع قياداتها الميدانية هي حوافز صريحة لهذا الاستمرار المبين للانتفاضة السورية، وإذا أضفنا ما تعممه الثقافة الإسلامية من حب للشهادة وأيضاً روح الوفاء للدماء الذكية ولمعاناة الجرحى والمعتقلين، وما يترتب على ذلك من حرج أخلاقي في التراجع ونكث الوعود، ومن مسؤولية كبيرة في الحفاظ على ظواهر الاحتجاج والاستبسال من أجل استمرارها، ثم الحماسة المنقطعة النظير لمن يفاخرون في المناطق التي عرفت لبعض الوقت إدارة أهلية لشؤونها، بأنهم تذوقوا طعم الحرية وصار الموت سهلاً دونها... يمكن أن نقف عند أهم الأسباب التي لا تزال تحفز همم الشباب المنتفض وتساعد تالياً على كسر تردد آخرين وضم فئات جديدة الى الصفوف. وبالفعل ثمة أعداد كبيرة أخذت ترفد الحراك الشعبي، يصعب تفسير دوافعها مع تصاعد شدة القهر والتنكيل، هل لأن حاجز الخوف انكسر، أم لانحيازها الأخلاقي مع المتظاهر الأعزل واشمئزازها من عنف أعمى لا يعرف حدوداً أو ضوابط، أم لإيمانها أخيراً بأن ما يحصل اليوم هو المعطى الأصيل للخروج من الأزمة السورية المزمنة.

ليس الغرض من عرض نقاط قوة الانتفاضة السورية وحوافز استمرارها تقديم أمل كاذب أو شحنة تفاؤل، بل لتأكيد أن الاحتجاجات الشعبية قد تجاوزت مرحلة الانتكاس ووصلت نقطة لا عودة منها، وأن خطر إجهاضها أو كسر شوكتها صار وراءها، وأيضاً لتأكيد أن الشعب السوري خرج أخيراً من خانة الاستثناء في حسابات الانتفاضات والثورات، وأثبت للعالم أجمع أنه شعب مثلما كابد وصمد طيلة عقود في مواجهة شروط لا ترحم، فهو يزخر بطاقة لا تنضب وباستعداد استثنائي للتضحية، وأن خلاصه الذي كان يظن أنه مجرد وهم أو حلم جميل وربما مغامرة خطرة، هو أمر آخذ في التجسد على أرض الواقع.

* كاتب سوري

==============

انتصارات ثوار ليبيا ترعب نظام الأسد

حمد الماجد

الشرق الاوسط

22-8-2011

تبدو الانتصارات الساحقة الأخيرة للثورة الشعبية الليبية مثل حبات المسبحة التي انفرطت فجأة، أو هي في معسكر القذافي مجموعة من الانهيارات: انهيار لقوات الكتائب التي غزاها الثوار في عقر دارهم طرابلس، وانهيار للمعنويات وصل إلى الحلقة الضيقة اللصيقة بمعمر القذافي، وحتى لو لم تسقط طرابلس خلال الأيام المقبلة تظل الانتصارات الميدانية التي حققها الثوار في المدن النفطية الاستراتيجية، مثل البريقة والزاوية، ووصولهم إلى مشارف طرابلس وسيطرتهم على بعض أحيائها غاية في الأهمية على الأقل لنسف نظرية أن الصراع بين الثورة الشعبية الليبية والقذافي قد وصل إلى طريق مسدود، التي تبناها عدد من المحللين.

الجانب الأكثر أهمية لانتصارات الثورة الليبية الأخيرة هو تأثيرها الإيجابي على «إنضاج» الثورة الشعبية السورية؛ فقد ألهمت هزائم الثوار الليبيين السابقة في عدد من المعارك أمام كتائب القذافي وقدرة الكتائب على استعادة بعض البلدات التي كان الثوار قد سيطروا عليها نظام سوريا.. أسهم هذا الوضع المحبط في بعث الأمل في حكومة بشار الأسد، فراهنت على اليأس الذي سيتسرب للتحالف الغربي في مناصرة الثورة الشعبية السورية.. إذن فالتغير الدراماتيكي لصالح كفة الثورة الشعبية الليبية سيحدث بالتأكيد تغييرا إيجابيا على الساحة السورية، بالمختصر المفيد الرعب الذي اختلج القذافي مع تسارع انتصارات الثوار الليبيين شاركه فيه رموز النظام السوري، والثوار الليبيون حين طرقوا أبواب طرابلس سمع بشار صداها جيدا.

اللافت أن مسبحة انتصارات الثورة الشعبية الليبية كرت معها أيضا عددا من القيادات التي كانت الساعد الأيمن للقذافي، وآخرهم عبد السلام جلود، الذي ألقى كلمة ثورية باهتة في محتواها وبليدة في توقيتها، حتى صورها البعض بأنها مثل الهدف الذي يسجله اللاعب بعد صافرة نهاية المباراة؛ إذ لا نتصور أن الثوار الليبيين سيقبلون هذه التوبة الفرعونية «حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت»، وحتى لو قبلها البعض كما قبل الرسول صلى الله عليه وسلم مسلمة الفتح أو أخذا بقاعدة «هل فتشتم عن قلبه؟»، فالمفترض أن يتنحى «مسلمة الفاتح» للصفوف الخلفية في المرحلة الانتقالية التي تعقب سقوط القذافي ونظامه، فسقوط 20 ألف ليبي ما بين شهيد وجريح، وولوغ عدد من رموز القذافي السابقين في الجرائم التي ارتكبها ضد شعبه، يجعلان من إشراكهم في القرارات المصيرية المقبلة إهانة للشعب الذي عانى حقبتهم وفسادهم.

بل إن تنحية رموز القذافي التائبة للصفوف الخلفية مهمة أيضا، لوحدة مكونات الثورة الليبية، ولليبيين في مقتل اللواء عبد الفتاح يونس عبرة، فإن صدقت الرواية التي تقول إن مجموعة مسلحة من الثوار قررت تصفيته بسبب مسؤولياته السابقة عن قتل وتعذيب معارضين ليبيين عندما كان وزيرا لداخلية القذافي، فإن هذا من شأنه أن يفت في عضد الثورة الشعبية. فلو تكرر «تنصيب» رموز القذافي المنشقين عنه فاحتمالية تكرار سيناريو اغتيال يونس واردة، عندها سيبدو للعالم وكأن الثورة الليبية بدأت تأكل أبناءها. نحن لا ندعو إلى تخوينهم ولا إقصائهم، لكننا نحذر فقط من تنصيبهم وتقديمهم للصفوف الأمامية. وباب التوبة مفتوح، المهم أن يقبل الثوار توبة رموز النظام السابق ما لم يغرغر القذافي.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ