ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الغد الاردنية محمد أبو رمان نشر : 25/08/2011 يا له من مشهد مذهل تاريخي لتلك الجموع
الغفيرة بالآلاف، تخرج في شوارع المدن
السورية، تهتف بصوت موحد مرتفع "على
الجنة رايحين شهداء بالملايين"، "هي
لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه". هي شعارات وهتافات تعكس وعياً سياسياً
شعبياً، استثنائياً، غير مسبوق، بأنّه
لا بديل اليوم عن الحرية السياسية
كقيمة بحد ذاتها، لا يملك الإنسان أن
ينزل أو يتنازل عنها، مهما كانت الكلفة
حتى لو وصلت إلى ملايين الشهداء، وسجون
وتعذيب، فلم يعد أحد من هذه الجموع
الشعبية الكبيرة يفرّق بين الحق في
الحرية والحق في الحياة! بغير هذا الوعي الجديد المتسلّح بإيمان
مطلق بأنّه لا خيار آخر: إما الحرية أو
الموت، لا يمكن لنا أن نفهم هذا الشلال
المتدفق من التضحيات الإنسانية التي
قدّمها الشعب السوري الأبي خلال خمسة
أشهر من المواجهة اليومية مع نظام، ليس
له أي نصيب من القيم الإنسانية، ولا
أمل حقيقيا بإصلاحه، فكان الحل الوحيد
أن يمضي الشعب بهذا الطريق القاسي
جداً، وأن يدفع ثمنه المرير من دمه
وأبنائه وأطفاله وشيوخه! خمسة أشهر من المعاناة الفائقة والتحمل
المذهل لما لا يتحمله بشر، في مواجهة
صمت مجلل بالعار من المجتمع الدولي
والعالم العربي، بل وتزيين وتهريج من
نخب بائسة لهذه المذابح المروعة،
والمسيرات والمظاهرات والاعتصامات
والتضحيات مستمرة ومتواصلة، بلا توقف. ما قدّمه الشعب السوري إلى اليوم هو –بذاته-
نموذج جديد في الثورة العالمية، غير
مسبوق، حتى مع الثورتين التونسية
والمصرية، فهنالك كان الجيش حاضراً
ليمنع النظام من "الإبادة"، وثمة
إعلام عمل بسرعة وقوة وكان موجوداً ما
منع الانفراد بالعزل والمدنيين. وفي ليبيا؛ اتخذت الثورة طابعاً مسلّحاً
وحظيت بدعم عربي وغربي، ولولا ذلك
لأبادهم القذافي. وفي اليمن حمت
الانقسامات وتوازنات القوى الشعب من
إبادة شبيهة بسورية. في كل الثورات العربية دفعت الشعوب ثمن
حريتها، وكرامتها، وقدمت المطلوب منها
لإنجاز ثورتها. ولمن لا يعرف تماماً أو
ليس معنياً بصورة رئيسة، فإنّ في مصر
وتونس واليمن وليبيا اليوم آلاف
العائلات التي فقدت أبناءها وشبابها،
وفي هذه البلاد آلاف الشباب، في عمر
الورود، فقدوا أطرافهم وأبصارهم
ونالوا قسطاً كبيراً من العذاب الجسدي
والنفسي. أمّا في سورية، فالكلفة مضاعفة جداً، وهي
أعلى من الدول العربية الأخرى. وبالرغم
من الإبادة الهمجية، فإنّ الثورة
مستمرة ومتواصلة، وتصرّ على الطابع
السلمي، ولا تحظى بدعم لوجستي خارجي،
وتعاني من الحصار الإعلامي والسياسي،
فهي –بالفعل- نموذج تجاوز الثورات
الأخرى في مستوى التضحية والمعاناة
والألم. الشعب السوري اليوم يناضل من أجل أن يدخل
الزمن الديمقراطي، ويدفع أغلى ما
يملكه الإنسان، أبناءه وروحه وماله،
فقط من أجل حريته وكرامته وإنسانيته،
حتى أصبح مشهداً يومياً أن نرى الأب
يودع ابنه ذا السنوات المعدودة، أو
أماً تبكي أمام أبنائها الشباب، أو
زوجة فقدت زوجها، أو آلاف المعتقلين
الذين يتعرضون للإهانات والتعذيب
الوحشي الهمجي. في مواجهة هذا الصمود البطولي ضد
الإبادة، لا نملك إلاّ أن نقدّم له
اليوم دعماً معنوياً ورمزياً، بمسيرات
واعتصامات ومقالات، وهو ما سنقوم به
اليوم الجمعة في إحياء ليلة 27 رمضان
أمام السفارة السورية. فموقفنا، صوتنا
ضميرنا جميعاً لا بد أن يكون حاضرا في
الحدّ الأدنى، مع هذا الشعب الذي أعطى،
وما يزال، كثيراً؛ فلا يجوز أن نخذلهم. ============== الجمعة, 26 أغسطس 2011 حسام عيتاني الحياة المعتدون على رسام الكاريكاتور السوري
علي فرزات سيختفون وراء تلك الغابة من
الفروع والجذوع الأمنية ويضيع حق
الرجل في العدالة كما ضاعت حقوق الآلاف
من مواطنيه السوريين. وليس مستبعداً أن يظهر من صفوف النظام من
يدعو فرزات إلى الكشف عن أسماء
المعتدين عليه لتجري ملاحقتهم، لأن
السلطة، مثل كل سلطة، لا تقبل بتعرض
رجال الفن والثقافة لاعتداءات
المارقين والأوغاد. فهذه من قوانين
لعبة «الأمن» والمعارضة في كل
الديكتاتوريات. وفي سورية ينقلب تعدد أوجه النظام مشكلة
تواجه كل الساعين إلى التفاوض أو
التخاصم معه. فالشهادات أكثر من أن
تحصى عن قبول القيادة السورية
بالاقتراح ونقيضه، بإصدار الأوامر
بعدم إطلاق النار على المتظاهرين ثم
بتسيير القوات «لتطهير وتحرير» القرى،
بالاتصال بالصحافيين وإبلاغهم فقرات
كاملة من الخطاب المقبل للرئيس تتضمن
إصلاحات جذرية، ومن ثم بتجاهل كل
المطالب واللجوء إلى مقولات «الجراثيم»
و «العصابات التكفيرية السلفية».
بالتعهد بوقف العمليات العسكرية وبعد
ذلك بقصف الدبابات لمنازل حمص والرستن
وغيرهما. بل إن هناك معلومات عن حيرة
مسؤولين وديبلوماسيين أجانب حيال
الجهة التي تمسك فعلياً بالقرارين
السياسي والأمني في البلاد وصعوبة
إقناع المحاورين السوريين بالانتقال
من الكلام إلى الأفعال، كوسيلة لازمة
للبدء بالخروج من الأزمة. ثمة ما يزيد عن تقاسم الأدوار والتنسيق
المقصود بين «فروع» النظام الأخطبوطية.
ثمة ما يقول شيئاً عن تعدد مراكز
القرار وغياب خطة أمنية - سياسية
مركزية للنظام لمواجهة المعارضة. فلم
تعرف عن الحكم في سورية أي ميول «لا
مركزية» بل إن قانون الإدارة المحلية
ما زال بين القوانين التي يعد
الإصلاحيون بإصدارها ذات يوم. لكن حتى
لو بدا أن تعدد مستويات الرد على
المتظاهرين وصنوفه مكسب استراتيجي
للمحتجين الذين كشفوا عطباً رئيساً في
آليات رد السلطات على نشاطاتهم، إلا أن
ذلك ينطوي في الوقت ذاته على خطر كبير
على بنية الدولة في سورية وعلى
مستقبلها. ذلك أن إفلات الأجهزة الأمنية التي «تغولت»
في الأعوام الماضية من كل عقال ورقابة،
وتطبيق كل فرقة عسكرية سياسة مستقلة
وفق المعطيات الميدانية للمنطقة التي
تنتشر فيها، ينذر بمخاطر تفكك الأجهزة
والقوات المسلحة إلى مجموعات لا يربط
بينها سوى الولاء للنظام. ويضعها ذلك
في منأى عن أشكال الضبط والربط
المعروفة حتى في الدول الشمولية. ولمتابع المؤشرات الاقتصادية والمالية
السورية أن يضيف الانخفاض الكبير في
حركة السياحة والتصدير وارتفاع
الاعتماد على التحويلات الآتية من
الخارج، كوجوه ملازمة للحالة السورية
الراهنة. ويجوز الاعتقاد أن النظام
أيضاً قد زاد من الاعتماد على الأموال
«السياسية» الآتية إليه من الخارج
للحفاظ على الحد الأدنى من قدرات
مؤسسات الدولة على أداء مهماتها،
الأمنية والاقتصادية. يضع الواقع المظلم هذا الوطنيين السوريين
أمام مسؤولية ضخمة تتعلق بالنظر إلى
مستقبل بلادهم من زاوية جديدة هي تحمل
المسؤولية في العمل العام والانتباه
إلى عمق المشكلات التي سيواجهونها عند
حصول التغيير... وضرورة الإسراع في
إنجاز التغيير من باب أولى. ============== دول «الممانعة» الدولية
والمسألتان الليبية والسورية الجمعة, 26 أغسطس 2011 راغدة درغام - نيويورك الحياة ليس جلياً إن كانت السياسة الروسية على
ذلك القدر الهائل من الضياع والنكران
والانفصام كما يحدث في المنطقة
العربية، أو إن كانت لدى القيادة
الروسية استراتيجية سرية ترى الأمور
بغير ما تراها بقية العالم. حتى من باب
المصالح الوطنية لروسيا، إن مواقفها
تبدو عشوائية واعتباطية لا تليق بدولة
كبرى لها امتيازات وعليها التزامات
كدولة تمتلك حق النقض (الفيتو) في مجلس
الأمن واجبها الحفاظ على الأمن والسلم
الدوليين. فهي تستثمر في الماضي في
ملفي ليبيا وسورية وتغامر بأن تضيّع
عليها فرص الاستثمار في المستقبل، ليس
فقط بصفقات تجارية وإنما بعلاقات
أساسية مع الجيل العربي الجديد الذي
سيكون قريباً في السلطة حيثما مرّت
رياح الربيع العربي. الصين تسير في
الخطى نفسها في الساحة العربية، كما
روسيا، مع بعض الاختلاف في أولويات
المصالح. وهي أيضاً تغامر بمصالحها على
المدى البعيد، إذا استمرت في سياسات
تحقّر طموحات جيل المستقبل وتصطف مع
الأنظمة التي تقمع الشعوب. لعل كليهما -
روسيا والصين - تخشيان أن يطالهما
الربيع العربي في عقر داره سيما وأن له
نسيم الحرية والعزم على نيلها، لعلهما
تخشيان لغة حقوق الإنسان وترفضان
المحاسبة على انتهاكات لهذه الحقوق
لأن المحاسبة قد تصل داريهما. إنما في
نهاية المطاف، إن خسارة روسيا والصين
نتيجة الربيع العربي لن تقتصر على
امتعاض الناس من مواقفهما التي تكشف
زيف الزعم بأن أرباب الشيوعية الحاضرة
والسابقة وضعوا الشعوب أولاً في مرتبة
الأولويات. إن الخسارة ستشمل مصالح
حيوية لأن التعويض عن الأذى الذي
ألحقته موسكو وبكين باليقظة العربية
كلّف أرواحاً غالية سيما في سورية. الهند بدأت تستدرك عواقب مواقفها في مجلس
الأمن إزاء المسألتين الليبية
والسورية لكنها ما زالت في عمقها تنتمي
إلى حنين الماضي وتتردد في تقبل
المستقبل. أمامها فرصة الاستدراك في
الأيام المقبلة بصفتها رئيس مجلس
الأمن لشهر آب (أغسطس) الجاري. خطواتها
بطيئة لكن في وسعها تفعيل الاستدراك
لنقله من ساحة التردد إلى ساحة الأفعال
الحاسمة المؤثرة في توجهات مجلس الأمن.
فهكذا يمكنها أن تساهم حقاً في إنقاذ
الأرواح بدلاً من التلكؤ المكلف
غالياً للشعبين السوري والليبي على
السواء. فالرئيس المقبل لمجلس الأمن
لشهر أيلول (سبتمبر)، لبنان، يكاد يكون
دولة مبتورة الاستقلال نظراً إلى «خصوصية»
تقنينه إما في خانة التبعية لسورية، أو
خانة الضعف الساطع الذي يسلبه صلاحيات
اتخاذ المواقف الواضحة - فيلجأ إلى «إخراج»
لغوي هنا أو «تذاك» عملي هناك. الكل
يراقب كيف سيوفق لبنان بين هذه «الخصوصية»
وبين واجباته في موقع رئاسة مجلس الأمن
والتي تتعلق حقاً بالأمن والسلم
الدوليين وليس بحسابات سياسية ضيقة أو
مزايدات على الطريقة اللبنانية. ملف ليبيا باقٍ في مجلس الأمن وفي الأمانة
العامة للأمم المتحدة والوكالات
المختصة، وهو حي أيضاً في المنظمات
الإقليمية من حلف شمال الأطلسي (ناتو)
إلى جامعة الدول العربية. فإذا انتهت
مرحلة النزاع – هي لم تنته كلياً بعد –
إن مرحلة ما بعد النزاع ستشغل مجلس
الأمن، إنما بصورة بناءة. عندئذ ستصطف
الدول الأعضاء معاً مجدداً بعدما
افترقت بسبب علميات القصف التي قام بها
الناتو – وسيحاول بعض الدول التعويض
عن مواقفه السلبية من الثورة الليبية. فروسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب
أفريقيا تحالفت في حلف «بركس» المعارض
لعمليات الناتو والداعي إلى إعادة
تأهيل نظام معمر القذافي. هذا المحور
أخذ على عاتقه معارضة أي تحرك في مجلس
الأمن في الشأن السوري بذريعة الخوف من
تكرار النموذج الليبي Libyan
Syndrom. وهو افترض أن الثورة الليبية لن تنجح،
وأن القذافي سيستعيد الحكم. أقطاب في
هذا المحور ندموا على إعطاء الصلاحية
للمحكمة الجنائية الدولية لملاحقة
الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية.
وبعضهم حوّل كامل الأمر إلى عملية
استراتيجية لحلف الناتو باختزال كامل
للشعب الليبي الذي أتى فعلاً
بالمفاجأة تلو المفاجأة. وهناك بين
أقطاب هذا المحور من يراهن على فشل
الوضع الأمني بعد انهيار نظام القذافي
بما يدعو الناس إلى التحسر عليه. الأفضل لهذه الدول أن تفكر العكس وأن تعد
استراتيجية تتبنى بموجبها انتصار ثورة
الناس وتبني على مواقفها التي سمحت
أساساًَ بسابقة تفعيل مبدأ «المسؤولية
الجماعية» في حماية المدنيين في
قرارات مجلس الأمن. بالطبع سيكون هناك
من يتذكر تماماً صراخ روسيا وتحفظات
الهند والبرازيل ومعارضة الصين ومواقف
جنوب أفريقيا المخجلة لبلد مثل جنوب
أفريقيا. إنما، إذا أسرعت هذه الدول –
أو بعضها – إلى تهنئة مجلس الأمن
ونفسها كجزء منه، على ما أنجزه في
المسيرة الليبية، لربما كانت تلك
سياسة أنجع. لربما تدرّ عليها مثل هذه
السياسة قدرة الآخرين على نسيان مساوئ
مواقفها والقفز عليها. إنما هذا يتطلب
بالتأكيد تغييراً جذرياً ليس فقط في
الملف الليبي وإنما أيضاً في الملف
السوري على السواء. بقدر ما تعجِّل الأسرة الدولية الآن في
الانتهاء من النزاع في ليبيا، بقدر ما
تنقذ أرواح الليبيين وبقدر ما تمهّد
لعلاقات تحفظ الاحترام والمصالح على
السواء. الكلام الذي يشجع القذافي على
الاعتقاد بأنه في موقع يخوّله ويمكنه
من التفاوض مع الثوار حول السلطة – على
نسق كلام الرئيس الروسي – إنما هو حقنة
تشجيع للقذافي على الاعتقاد أن في وسعه
المقاومة والقتل والبطش للعودة إلى
السلطة. هذا تضليل يكلف أرواحاً. انه،
في أفضل الحالات، تشجيع على تقسيم
ليبيا بحيث يتمكن القذافي من السيطرة
على جنوب البلاد احتفاظاً بثلثها. وهو
في واقع الأمر تحريض على الانتقام لا
يليق بدول كبرى. ما حدث هذا الأسبوع ضرب بالتأكيد صدقية
المجلس الانتقالي وأساء إلى رئيسه
مصطفى عبدالجليل أكثر من مرة، بأخطاء
من الجليل. فهو أخطأ عندما أعلن أن نجلي
معمر القذافي في قبضة الثوار تحت «حراسة»
آمنة ثم خرج سيف الإسلام القذافي لينسف
بابتسامته والثقة بنفسه كطليق جزءاً
كبيراً من صدقية الثوار وعبدالجليل
والمجلس الانتقالي. تلك كانت غلطة كبرى.
الغلطة الأخرى أتت في تصريح عبدالجليل
بأن محاكمة الذين أصدرت المحكمة
الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحقهم
لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد
الإنسانية – معمر القذافي وسيف
الإسلام القذافي وعبدالله السنوسي –
ستكون في ليبيا. هكذا أذى عبدالجليل
نفسه وهو القاضي والمستشار في المحكمة
العليا. فليس هكذا يتم التسرع إلى
الضرب بعرض الحائط القرارات الدولية
والمذكرات الدولية الملزمة – حتى قبل
أن يصبح المجلس الانتقالي حكومة. هذا
يُظهر أن المجلس الانتقالي ضعيف جداً
وأن الوقت حان، وبسرعة، إلى بديل عنه
عبر حكومة انتقالية. المفاجأة الجميلة الأخرى هي الشعب السوري
الذي لم يتلقَّ من الأسرة الدولية ربع
ما تلقاه الشعب الليبي من دعم بل العكس
لقد تلقى «الممانعة»، ليس فقط من دول
أعضاء في مجلس الأمن وإنما أيضاً من
جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر
الإسلامي. إنما الأمور بدأت تتغير،
أيضاً نتيجة استمرار القمع والبطش على
أيدي السلطات السورية، أكثر مما هو
نتيجة استفاقة الدول أو المنظمات. هناك اليوم فرصة لدول «بركس»، بخاصة دول «أبسا»
التي تضم الهند والبرازيل وجنوب
أفريقيا لكي تتحوّل في الملف السوري
إلى محور إيجابي بدلاً من المحور
السلبي الذي ميّزها كدول ممانعة تباهت
بالعرقلة وبمنع طرح الأزمة السورية في
مجلس الأمن. هذه الدول الثلاث يمكن أن
تلعب الآن دوراً إيجابياً عبر تأثير
مواقفها في مواقف روسيا والصين بدلاً
من اتكاء روسيا والصين على ممانعة «أبسا».
والعبء الأهم يقع على أكتاف أكبر
ديموقراطية في العالم، الهند، سيما
لأنها في رئاسة المجلس عبر سفيرها
هارديب سنغ بوري. تدرك الهند تماماً أن النظام في دمشق زائل
إما عبر إصلاحات حقيقية جذرية وصادقة،
أو عبر القمع والبطش بالمتظاهرين ضد
النظام. تدرك أيضاً أن زمن الرهان على
الإصلاح في سورية ولّى، وفاته الأوان.
إذن، أمام هذه الدولة المهمة خيار إما
التلكؤ في الوصول إلى نقطة نهاية
النظام عبر سبيل هدر الدماء وبين
الإقدام على تسريع تلك النهاية حقناً
للدماء. مشروع قرار العقوبات المطروح في مجلس
الأمن - والذي هو سابقة - يفرض عقوبات
على الرئيس السوري بشار الأسد ورموز
نظامه ويلمح إلى احتمال تفعيل توصية
المفوضة العليا لحقوق الإنسان ب «إحالة
الوضع في سورية إلى المحكمة الجنائية
الدولية» بعدما استخلصت أن «الجرائم
في سورية قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد
الإنسانية». تستطيع الهند تعجيل تبني هذا القرار عبر
مواقفها ضمن «أبسا» للتأثير على
روسيا، وكذلك عبر رئاستها لمجلس الأمن.
هكذا تكون فاعلة ومؤثرة بدلاً من
اعتماد التلكؤ ليرث لبنان مسؤولية
وعبء هذا القرار. بهذا تكون الهند قد
استعادت قيادتها للديموقراطية ونبذ
الانطباع عنها بأنها ديموقراطية ضد
الشعوب العربية. أما لبنان، فإن عليه أن يكف عن الاختباء
وراء «الخصوصية» وأن يتصرف كدولة
بالغة وليس كدولة قاصرة. ملف ليبيا قد
ينقذه في رئاسة المجلس لأنه لم يجد
مشكلة معه بل إن سفير لبنان نواف سلام
تباهى بقيادته، إنما ملف سورية قد
يفضحه سيما أن تعاطي الحكومة
اللبنانية مع المحكمة الدولية الخاصة
بلبنان يدخل في خانة «التذاكي» الخطير
على العدالة. ============= سورية: بين التباس الفهم
والتباس المواقف فراس أبو هلال القدس العربي 26-8-2011 لا تزال الثورة السورية تواجه أكبر حالة
من الالتباس في الفهم والمواقف، دون
غيرها من الثورات العربية، على الرغم
من حجم الجرائم التي يرتكبها النظام كل
يوم ضد شعبه، وعلى الرغم من التصاعد
المستمر لجنون القوة في مواجهة ثورة
سلمية عظيمة، امتدت على معظم التراب
السوري. ويطرح الذين لا يزالون يدافعون عن النظام
السوري عددا من المخاوف التي تتركز في
وجود مؤامرة خارجية، تهدف إلى القضاء
على وحدة سوريا وتعاقب النظام على
مواقفه ' الممانعة ' للولايات المتحدة
وإسرائيل. ويستدل هؤلاء المدافعون
ومعظمهم من التيارات القومية
واليسارية على تلك المؤامرة بتدويل
الأزمة الليبية، وما يسمونه ب' غزو
النيتو ' لليبيا، لتفتيت وحدتها
والاستيلاء على ثرواتها. ويمكن القول
أن هناك نوعا من المشروعية لبعض
المخاوف من نتائج الثورات العربية،
وقد زاد من حدة هذه المخاوف استمرار
المعارك في ليبيا، والخلافات التي بدت
تبدو على السطح بين صفوف ثوارها، إضافة
إلى حالة عدم الاستقرار المستمرة في
اليمن، والمستقبل المجهول لهذا البلد
العربي المهدد بالتقسيم والحرب
الاهلية والفوضى، إذا لم يخضع الرئيس
علي عبد الله صالح لمطالب الثورة
الشعبية بالتنحي نهائيا عن الحكم. وتكتسب الحالة السورية وضعا خاصا، حين
يتكئ المدافعون عن النظام السوري على
مواقفه السابقة برفض الإملاءات
الأمريكية، ودعم المقاومة الفلسطينية
واللبنانية ممثلة بحزب الله، ورفض
التوقيع على اتفاق سلمي لا يحقق
المطالب السورية بالانسحاب من الجولان
السوري المحتل. وعلى الرغم من الإيمان بمشروعية المخاوف
من مستقبل الدول العربية التي تجتاحها
الثورات الشعبية، ومن الأهداف التي قد
تسعى القوى الدولية لتحقيقها من نتائج
هذه الثورات، فإن هذه المخاوف لا تبرر
بأي حال من الأحوال الالتباس في
المواقف الشعبية والرسمية تجاه
الثورات العربية المجيدة وعلى رأسها
الثورة السورية. لقد انطلقت الثورة الشعبية في سوريا
بدوافع محلية بحتة، ولأهداف مشروعة
تتعلق بحق الشعب السوري بالحرية
والكرامة والحكم الرشيد، ولم تلتفت
جموع النواة الأولى للثورة التي
انطلقت من درعا إلى أي طرف خارجي، بل
اعتمدت على المد الجماهيري السلمي،
الذي لم يشكل صدمة للنظام الدموي في
دمشق فحسب، بل إنه فاجأ المحبين للشعب
السوري، الذي أبهر العالم بصموده في
وجه الآلة الأمنية البشعة التي
يستخدمها النظام. وإذا كانت الولايات
المتحدة وغيرها من دول العالم
والإقليم تسعى إلى تحقيق إهداف سياسية
بالاستفادة من زخم هذه الثورة، فإن هذا
لا يعيب الثورة ولا يبرر التباس الموقف
تجاهها، بل إنه يجب أن يدفع كل من يخاف
على سوريا إلى تأييد الثورة ودعم
الاستمرار بسلميتها، ومنع مخططات
النظام لتحويلها إلى ثورة مسلحة
لتبرير استخدامه المفرط للقوة في
مواجهة شعبه. إن النظام السوري هو وحده المسؤول عن
استدراج أي مؤامرة خارجية على وحدة
سوريا ومنعتها، وهو الجهة الوحيدة
التي يجب أن يوجه لها اللوم على فتح
المجال للتدخل الخارجي، وتهديد النسيج
الطائفي في البلاد، ووضع وحدتها على
المحك، من خلال محاولة ' تطييف ' الثورة
السورية، وتخويف الأقليات من نتائجها،
واستخدام الأساليب البشعة في القتل
والتدمير لدفع الناس إلى ردات فعل
عنيفة. لقد أطلق نظام الرئيس بشار الأسد أول
الرصاص على شرعيته، منذ أن بدأ الحملة
العسكرية على درعا، وأطلق آخرها مع أول
قذيفة مدفعية أطلقت على حماة، ومع أول
طلعة لزورق حربي على اللاذقية، ومع أول
بيت جرفته المدرعات في حي الرمل، في
مشهد يعيد للأذهان أساليب الجيش
الإسرائيلي في محاربة الفلسطينيين. أما التذرع بالمواقف الممانعة والمقاومة
للإمبريالية فهي قصة لم تعد تقنع أحدا،
إذ أن الشعب السوري الذي أظهر شجاعة
منقطعة النظير خلال أشهر الثورة
الخمسة الماضية، هو الأقدر إن تحرر من
هذا النظام على حمل لواء الممانعة
والمقاومة، الذي لا يمكن أن يحمله سوى
شعب حر يمتلك كرامته، وعلى الحريصين
على بقاء سوريا في صف المقاومة أن
يطلبوا من هذا النظام الرحيل عن صدر
الشعب السوري، بدلا من إقامة زيارات
ومهرجانات الدعم والتأييد المخجلة،
لإن التباس الفهم وإن كان مبررا فإنه
لا يبرر التباس المواقف، الذي لا يمكن
أن يحسب في ظل وضوح الجريمة، إلا في
خانة المشاركة الفعلية بها. ============== هل تُغادِر "حماس"
دمشق وطهران... والى أين؟ سركيس نعوم النهار 26-8-2011 تزامنت الزيارة التي قام بها رئيس السلطة
الوطنية الفلسطينية محمود عباس للبنان
قبل عشرة ايام مع أخبار إعلامية تفيد
ان "حركة حماس" تفكر في نقل مقر
قيادتها من سوريا الى مصر. وتؤكد ان
امينها العام خالد مشعل، الذي كان في
حينه يزور القاهرة، فاتح المسؤولين
فيها بهذا الأمر. طبعاً حاول
الاعلاميون الافادة من وجود عباس في
بيروت للاستفهام عن هذا الموضوع،
وللاطلاع منه على خلفياته في حال صحته،
وكذلك على آثاره على السلطة وعلى
الانقسام الحاد داخل الصف الفلسطيني،
بل على عملية السلام كلها. لكنه لم
يتجاوب مع محاولتهم، وناب عنه في ذلك
عضو الوفد المرافق له عزام الاحمد الذي
اكتفى بجواب مقتضب نفى فيه الاخبار
المشار اليها اعلاه. هذا الجواب كان
"ما فيش منّو". هل كان جواب عزام
الاحمد تهرباً ديبلوماسياً من الخوض
في موضوع حساس ودقيق ام من ذكر
الحقيقة؟ الحقيقة ليس موضوع "الموقف"
اليوم الخوض في ما قاله، بل موضوعه
معرفة حقيقة موقف "حماس" من
انتقال قيادتها الى مصر الذي تناولته
وسائل الاعلام. والمعلومات المتوافرة
عند جهات عربية سياسية وأخرى
ديبلوماسية لا تنفي الانتقال المذكور
اعلاه ولا تؤكده، لكنها تشير الى ان
بحثاً معمقاً فيه جرى مرتين مع دولتين
عربيتين. واحدة لها ثقل سياسي كبير
عربياً واقليمياً ودولياً وحتى
اسرائيلياً، ولها تاريخ في مساعدة شعب
فلسطين وفصائله سواء لمقاومة الاحتلال
الاسرائيلي، أو لتمكينهم من التوصل مع
اسرائيل لتسوية سلمية عادلة وشاملة في
الحد الادنى تؤمن للفلسطينيين دولة
مستقلة وهوية وطنية رسمية. اما الدولة
العربية الثانية فلها ثقل مادي جراء
ثروتها الهائلة، فضلاً عن انها نجحت،
وخلال سنوات، في تكوين ثقل سياسي من
خلال قيامها بأدوار سياسية عربية
واقليمية أكبر من حجمها. وهي لم تكن
لتنجح في ذلك لولا انفتاح الحكم القائم
فيها، ونجاحه في نسج علاقات مع القوى
الاقليمية الكبرى في المنطقة ومنها
اسرائيل وايران، والقوى العظمى
والكبرى في العالم، وكانت نقطة
انطلاقها الاولى، وإن غير الوحيدة،
المصالح الوطنية. نبدأ مع الدولة
الثانية، وهي قطر، لأن البحث في موضوع
انتقال "حماس" الى اراضيها تم قبل
إثارته مع الدولة الاولى، والذي قام
بالبحث كان الأمين العام خالد مشعل. طبعاً لم تنجح المحادثات في النهاية رغم
استمرار العلاقات جيدة بين قطر و"حماس"،
لأن الاولى ابدت استعدادها لاستضافة
القيادات السياسية "لحماس"، ولم
تبدِ موافقة او حتى حماسة لاستقبال
القيادات العسكرية على تنوع
مستوياتها، كما الكوادر الأمنية. وقد
بيَّنت طبعاً اسبابها لذلك ولقيت
تفهماً من مشعل. اما الدولة الأولى فهي
مصر. وقد اجرت "حماس" معها محادثات
حول الموضوع نفسه اكثر من مرة قد تكون
آخرها اثناء زيارة مشعل الاخيرة
للقاهرة. لكن الفريقين لم يتوصلا الى
نتائج حاسمة. ويعني ذلك عدم القبول،
ويعني في الوقت نفسه عدم الرفض، او
بالأحرى ترك الابواب مفتوحة لمعاودة
البحث في الموضوع مستقبلاً. ما هي
اسباب عدم بت مصر نقل "حماس" او
قيادتها من دمشق الى القاهرة؟ الأسباب
متنوعة منها اصرار مصر على اتمام
المصالحة بين السلطة الفلسطينية
وعمودها الفقري "فتح" و"حماس"
بعد نجاحها، وإن بعد ثورة 25 يناير
فيها، في اقناع الاخيرة بتوقيع "ورقة"
المصالحة. وينبع ذلك من معرفتها بهوية
من يعطل الاتفاق وتنفيذه. ومنها ايضاً
اصرار مصر على سير السلطة و"فتح"
من جهة و"حماس" من جهة ثانية معاً
في عملية السلام بكل مندرجاتها، وعلى
مواجهة صعوباتها معاً تلافياً
لانفراطها الذي يصيب الجميع بالضرر.
وطبعاً لم يكن في وسع مشعل الالتزام
بذلك على الاقل الآن. هل يلتزم
مستقبلاً؟ لا احد يعرف. لكن ما لا بد من
الاشارة اليه هو انه ربما يعتقد ان على
حركته مغادرة سوريا اولاً، لأنها
عاجزة عن القيام بما يطلبه نظامها منها
من مشاركة في مواجهة الانتفاضة، ربما
لأن غالبيتها اسلامية، ولأن "حركته"
اسلامية و"اخوانية". وثانياً، لأن
مصر الجديدة، اي مصر الثورة، قد تكون،
ورغم كل شيء، مصر الاسلامية ذات
التمثيل "الاخواني" وإن تحت عباءة
العسكر. ولذلك فان الاسئلة التي تُطرح
هي: هل يستطيع اتخاذ قرار كهذا، مما
يعني التخلي عن حليفين ساعدا حركته
كثيراً ودعماها هما سوريا وايران؟ وهل
تقبل حركته او أجزاء منها الانتقال مع
كل مترتباته؟ ملاحظة: حلت خطأ في آخر السطر الحادي عشر
من المقطع قبل الاخير في "الموقف"
امس كلمة للانتقاد بدلا من للاقتصاد.
فتغيّر المعنى. ============== عبدالله تركماني () الرأي العام 26-8-2011 بعد أن تجاوز الشعب السوري حاجز الخوف
وانتفض في وجه الاستبداد متحدياً
قبضته الحديدية التي أمسكت بالمجتمع
طيلة العقود الأربعة الماضية، يستحيل
أن يقبل حكم سورية بالطريقة القديمة،
واحتكار السلطة من قبل أية جهة سياسية
أو فئة اجتماعية تحت أية ذريعة أو
شعارات. فقد رأينا، خلال الأشهر الخمسة
للانتفاضة، سوريا أخرى فيها طلاب حرية
وكرامة ومواطنة بمئات الألوف، وفيها
أناس يستشهدون ويُعتقلون ويتعرضون
للتعذيب من أجل مجتمع أكثر اتساعاً
وتركيباً من الأطر السياسية الجامدة
الضيقة المفروضة عليه بالقوة منذ عقود.
لقد تجمعت لدى أغلبية الشعب السوري
مؤشرات تظهر أنّ سلطة بلاده باتت محنطة
وعصية على الإصلاح، لأسباب عديدة منها
الخلل العميق في تركيبتها الداخلية
نفسها، وطريقة فهمها لدورها وموقعها
من الدولة السورية، ولطبيعة الهياكل
التي أنشأتها انسجاماً مع تلك
التركيبة وهذا الفهم. فقد انتفض
السوريون في وجه الدولة الأمنية التي
استبدت في كل مجالات عيشهم، وقرروا أنه
لا بد من التغيير على كل المستويات
الوطنية. وفي سياق الثورة السورية من أجل التغيير
فإنّ القوى الحقيقية، التي تنزل إلى
الشارع، أصحاب الانتفاضة الذين قدموا
ويقدمون حتى الآن الشهداء من أجل
الحرية وإعادة الكرامة للشعب، بلغت
بسقف مطالبها ضمان الانتقال من
الاستبداد إلى الديمقراطية، مع
المطالبة بمحاكمة رؤوس الأجهزة
الأمنية وقادة الشبيحة. وهي تتبنى،
بشكل واضح، تصوراً مستقبلياً لسورية:
ديمقراطية، دولة كل مواطنيها، ودولة
قانون وحريات عامة وفردية تنبذ العنف
والطائفية. وهكذا، لابد من تغيير سياسي
جذري، يبدأ من صياغة دستور جديد بعد
إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي
والضمير، وإجراء انتخابات رئاسية
وبرلمانية حرة ونزيهة، تضمن الحقوق
الكاملة لكل مكونات الشعب السوري
والمشاركة السياسية لها. والسؤال الرئيسي هو: كيف يمكن أن يتحقق
الانتقال من الاستبداد إلى
الديمقراطية في سورية ؟ أي كيف يتم
تفكيك النظام الشمولي والدولة الأمنية
؟ وكيف يعاد إنتاج النظام السياسي على
نحو يؤسس لديمقراطية تشكل أساساً
للتغيير بكل مستوياته الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية والسياسية،
بما يفرضه ذلك من إعادة بناء الدولة
الوطنية السورية الحديثة ؟ إنّ التحولات العميقة التي تشهدها
المجتمعات الإنسانية جعلت من
الديمقراطية وحقوق الإنسان أحد علامات
العصر، وأحد المعايير الأساسية للسير
في الطريق الذي ترسمه التحولات الكبرى
التي نشهدها الآن. إذ صارت الديمقراطية
ضرورة لا غنى عنها، واختياراً لا مفر
منه، فهي معيار صلاحية الاختيارات
الأخرى على صعيد السياسة والمجتمع
والاقتصاد والثقافة، إنها ما يمنح هذه
الاختيارات جميعها بعدها الإنساني.
ولا يمكن تمثّل هذه التحولات بعمق إلا
في إطار الدولة الحديثة التي تقوم على
أسس ثلاثة: فصل السلطات التنفيذية
والتشريعية والقضائية، ورقابة
المجتمع على سلطة الدولة، وخضوع سلطة
الدولة نفسها للقوانين التي تسنها.
بحيث يُنظَر إلى الدولة باعتبارها
حقلاً يعكس تناقضات البنية الاجتماعية
وتوازنات القوى فيها. إنّ ما يحدث في سوريا منذ خمسة أشهر يمثل،
في أحد أبعاده، محاولة استرداد
السياسة وممارستها عبر تجاوز مرحلة
عقد من اللعثمة التي كانت تصيب لغة
بشار الأسد منذ وراثته السلطة، كلما
تحدث عن حزمة إصلاحات ستقوم بها
السلطة، التي تعلم جيداً أنّ الإصلاح
السياسي الجدي سينهي النظام الشمولي
الذي تنتمي إليه وتدافع عنه، وسيضع
حداً لرموز الفساد وأصحاب الامتيازات،
وأنّ الشعب لن يقبل بعد اليوم إلا
باستعادة حقوقه ومحاسبة من نهبوا
ثروات البلاد وأوغلوا في قتل
المواطنين واعتقالهم وتعذيبهم. إنّ مضمون التغيير في سوريا هو الخروج من
هذا النظام المتلعثم إلى أوضاع تكفل
لعموم السوريين حريات وحقوقاً وأمناً،
وفرصاً أوسع للترقي الاجتماعي
والسياسي. خلاصة الأمر اليوم أنّ
السوريين متفقون على مبدأ تغيير
النظام، بما يعنيه من تغيير أنماط
حياتهم في التفكير والتدبير، غير أنّ
ثمة تمايزاً في المستويات التي ينبغي
أن يذهب إليها هذا التغيير. فأهل
النظام يرونه لا ينبغي أن يتعدى
إصلاحات محكومة في حدوده، وتحت قيادته.
فيما يطالب شباب الانتفاضة وقوى
المعارضة السياسية والمدنية
بالانتقال نحو نظام مغاير يقوم على
الديمقراطية والتعددية والمواطنة
والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون.
وفي ظل واقع الاختلاف هذا يظهر كلام
تركي، أخذ يتردد كثيراً في الآونة
الأخيرة، عن نظام انتقالي يكون حلقة
وسيطة بين النظام الحالي والنظام
المقبل، بما يمكن وصفه بأنه اجترار
لخطاب يمهل القمع مزيداً من الوقت،
وهذا ما حصل فعلاً خلال الأسبوع الماضي
في حمص ودير الزور ومعرة النعمان
واللاذقية ... ولعل ما طرحه ائتلاف إعلان دمشق للتغيير
الوطني الديمقراطي في مشروع بيانه
الختامي، الذي سيقدم إلى مجلسه الوطني
الثاني الذي سيعقد قريباً داخل سوريا،
يساعد على بلورة سبل الدخول في مرحلة
انتقالية يجري التوافق على أسسها من
خلال مؤتمر وطني جامع, تحت عنوان
التغيير الديمقراطي وتحديد مستقبل
البلاد وطبيعة نظامها السياسي، يضم
ممثلي الشباب الثائر وممثلي منظمات
المجتمع المدني السوري والمعارضة
السياسية، ومن كانت أيديهم نظيفة من
دماء الشعب أو ثروة الوطن من أهل
النظام، بهدف الكشف عن الممكنات في
الواقع السوري، وبناء أولوياتها
وتوازناتها عبر منهج عقلاني هادئ. إنّ سوريا تواجه فرصة تاريخية تمكّن من
إعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة،
بالاعتماد على تضافر جهود جميع النخب
الفكرية والسياسية من دون استثناء،
فلا يجوز تفويت هذه الفرصة التي خلقتها
الانتفاضة السورية، بل الحرص على
الانتقال الديمقراطي الهادئ
والممأسس، الذي يفتح الآفاق أمام
إعادة صياغة الحياة السياسية السورية
على أسس جديدة ============== بقلم منير شفيق موقع واحة العرب لقد فرض معمر القذافي على الثورة
الشبابية الشعبية في ليبيا أن تنتقل من
سلميتها إلى ثورة مسلحة. نعم تحوّلت ثورة الشعب في ليبيا إلى ثورة
مسلحة وليس في هذا ما يُعيبها، ولا ما
يجعلها شاذة ما بين ثورات الشعوب. صحيح أن ما من أحد فضّل الثورة المسلحة
على الثورة السلمية فما من ثورة سلمية
تختار الانتقال، برغبتها، إلى ثورة
مسلحة. بل إن ما من ثورة مسلحة إلاّ
وأعلنت أنها امتشقت السلاح اضطراراً
وبسبب سياسة القوّة المسيطرة التي
أغلقت كل الأبواب أمام ثورة سلمية
يمكنها أن تنتصر. على أن الانتقال إلى السلاح ليس له من
مسوّغ، مهما فعل الطرف الآخر، إلاّ إذا
حمل درجة مقدّرة من إمكان الانتصار.
وقد ذهب كبار المنظرين للثورات
المسلحة إلى اشتراط النجاح إلى حد
بعيد، ورفض الانجرار إلى السلاح تحت
عوامل اليأس أو انسداد أبواب العمل
السلمي. لأن من غير المسموح به
المقامرة بالدماء ما لم يكن النجاح
ممكناً في الأصل. وهذا ما ذهب إليه
الكثيرون من علماء الإسلام. بل إن
المسيرة النبوية المُعّلِّمة مرّت في
المرحلتين السلمية والمسلحة. ولم يؤذن
بالقتال واللجوء إلى السلاح إلاّ بعد
توفر شروط النجاح فيه وانسداد أبواب
العمل وفقاً للمرحلة الأولى-المكيّة. الذين لاموا، أو خطّأوا، انتقال الثورة
السلمية في ليبيا إلى ثورة مسلحة هم
الذين أخطأوا في موقفهم بدليل انتصار
الثورة المسلحة في ليبيا. الإشكال الأهم والأخطر الذي صاحب مرحلة
الانتقال إلى المستوى المسلح جاء من
خلال التدخل العسكري الأميركي-الفرنسي-البريطاني
ثم تحوّله إلى تدخل أطلسي-حلف الناتو.
وقد صحب ذلك هجمة سياسية واسعة من بعض
ممثلي الأجهزة الصهيونية والأمنية
المخابراتية، ممن سعوا إلى حرف الثورة
الشبابية الشعبية عن أهدافها، ومحاولة
استتباع بعض القيادات والنخب ليصبحوا
أدوات بيد الصهيونية وأميركا وبعض
الدول الغربية. أدى اجتماع التدخل العسكري بمرحلتيه
المذكورتين، واللقاءات التي عقدت بين
قيادات من المجلس الانتقالي
والمتدخلين السياسيين آنفي الذكر، إلى
انتقال البعض من تأييد الثورة إلى
إدانتها بسبب تأييد المجلس الوطني
الانتقالي للتدخل الخارجي كما بسبب
تلك اللقاءات أو عدم إغلاق الأبواب في
وجه متدخلين أمثال برنار ليفي
الصهيوني المعروف. ودعك من الذين
انتقلوا إلى تأييد القذافي بسبب هذيْن
العامليْن. على أن ما كان يجب أن يُلاحظ وقد أثبتت
التجربة صحته حتى الآن، وهو الآتي. 1- بقي الشعب متمسكاً بالثورة واتجاهها
الأساسي وراح يقدّم الدم في مواجهات
عسكرية غير متكافئة خاضها مع قوات
القذافي التي استمرت في العمل بكل حرية
وقسوة تحت قبة الطيران الأطلسي (التدخل
العسكري). ولم يشذ عن ذلك سوى منع طيران
القذافي من العمل، وسوى دحر آليات
القذافي العسكرية خلال بضع ساعات من
حول بنغازي. أما ما عدا ذلك فقد تصاعد
قصف مصراتة والزنتان وحتى إعادة
احتلال عدد من البلدات والمدن التي
تحرّرت قبل التدخل العسكري الخارجي. بكلم:ة الموقف الشبابي الشعبي من مواصلة
الثورة وانتقاله إلى السلاح إلى
التضحيات كان بمثابة المضاد الحيوي
الذي راح يبطل فعل التدخل الخارجي
ومبعوثيه في حرف الشعب عن أهدافه التي
أطلق ثورته على أساسها. 2- صحيح أن عدداً من القيادات أبدى تجاوباً
مذلاً أمام التدخل الخارجي من خلال
دفاعه عن الناتو، وهو يتآمر ضدّ الثورة
من خلال إطلاق قوات القذافي من أجل
السيطرة على المجلس الانتقالي وعدد من
كوادر الثورة. وإلاّ كيف كان من الممكن
أن تستمرّ قوات القذافي بالتحرك
المكشوف للطيران وتعمل صواريخه
ومدافعه وبوارجه في القصف وهي تحت مرمى
نيران الطيران الذي انشغل طوال أشهر في
قصف مواقع مهجورة لا معنى عسكرياً لها
في طرابلس بدلاً من أن يضع حداً للقوات
العسكرية الضاربة والمتحركة للقذافي. لكن هذا التجاوب، وربما كان هنالك ما هو
أكثر من تجاوب، لم يقنع قيادة الناتو
الأميركية-الأوروبية بحسم المواجهة مع
قوات القذافي، أو يوقف قتل المدنيين
الذي تضاعف أضعافاً بعد التدخل
العسكري. وذلك لأن القوى المقاتلة
العاملة في صفوف الثورة والشعب بقيت
بعيدة من الاحتواء لا سيما مع استمرار
انضمام قوى شعبية شابة إلى القتال في
صفوفها. 3- الثورات التي تعرضت، في التاريخ، لتدخل
خارجي مشبوه في دعمها أكثر من الثورات
التي لم تتعرض لمثل ذلك. بل إن أكثر
الثورات اتهمت من قبل خصومها بالتعاون
مع قوى خارجية بهدف تشويهها ومحاصرتها.
بل يمكن القول إن القائمة طويلة قديماً
وحديثاً، عالمياً وعربياً. ولكن هذا لم
يسمح للثوريين الذين أيّدوا تلك
الثورات، أو كانوا في قلبها، بأن
ينقلبوا عليها. ويصبحوا من خصومها.
ولكن مع بقاء اليقظة والعمل لمواجهة
محاولات الاختراق الخارجي للثورة
وحرفها بحجة دعمها. 4- إن الإنجازات العسكرية الميدانية التي
حققها الثوار خلال شهر رمضان ثم الأهم
انتفاضة طرابلس وحسم الصراع بإنزال
هزيمة ميدانية بالقذافي وقواته
ونظامه، أعادا المبادرة للثورة وراحا
يقزّمان دور أميركا وحلف الناتو إذ
أخذت الأحداث تسبق ما كانا يخططان له
من نهاية للصراع. لقد صرحت إدارة بوش من خلال كبار
العسكريين والسياسيين وكذلك قائد حلف
الناتو: "أن لا حل عسكرياً للصراع في
ليبيا وأن لا بدّ من الحل السياسي".
والمقصود الحل الذي تريد أميركا فرضه
على الطرفين. ولكن ما حدث جاء عكس التقديرات
والتخطيطات الأميركية والأطلسية. وإذا
بالشعب هو الذي يقرّر النهاية ويجترح
الإنتصار، فيما راحت أميركا تلهث
وراءه كما حدث لها في تونس ومصر. وذلك
حين أفلت الزمام منها وأصبحت لاهثة
وراء الأحداث تتصيّد في الماء العكر،
وليست صانعة لها. استعادة المبادرة من قبل الشعب في الشهر
الأخير من الصراع ثم في انتفاضة طرابلس
لا يترك مجالاً للشك في أن الطبيعة
الشعبية للثورة لم تتغيّر نتيجة
التدخل الخارجي العدواني أو محاولات
الاختراق من قبل الصهيونية والمخابرات
الدولية. جاءت انتفاضة الشعب في طرابلس يوم 21/22
رمضان/آب/أوت 2001 لتؤكدّ بصورة حاسمة
على الطبيعة الشبابية الشعبية للثورة
وتوجهها الحاسم لإسقاط القذافي الذي
جمع بين الاستبداد والفساد والتبعية
لأميركا (لا سيما منذ 2003)، فضلاً عن
دوره المشبوه في تقسيم السودان. (ولم
يقصّر ابنه سيف الإسلام في مدّ الخطوط
مع أطراف صهيونية. وهذا يفسّر لماذا
أعلن القذافي "أن أميركا خانته"
عندما تغيّر موقفها اضطراراً في
الأسبوع الثاني من اندلاع الثورة). مع هذا الانتصار العظيم الذي حققته ثورة
الشعب طوال سبعة أشهر من القتال الدامي
غير المتكافئ، (يكفي قصة مصراتة) ثم
تتويجه بانتفاضة طرابلس دخلت ليبيا
عهدها الجديد كما حدث مع تونس ومصر من
قبل. إن العامل الحاسم في تحقيق هذا الانتصار
يعود، بعد مشيئة الله، إلى الشعب
وشبابه ومقاتليه، ولا يجوز أن يُعْزى
إلى التدخل الخارجي الذي كان وجهه
الرئيس سلبياً وكارثياً ومعادياً
للشعب والثورة، وللمستقبل الذي ينشده
الشعب واستهدفته الثورة والتضحيات
الغالية. فمن يدقق في الخطة العسكرية
الأميركية-الأطلسية يلحظ أنها استهدفت
ضرب الطرفين والسيطرة على الحل
السياسي. والآن ما الموقف في مواجهة الصراع الذي
سيفتح سريعاً حول تقرير مصير ليبيا
ومستقبلها؟ إنه صراع سيكون في جوهره
ضدّ أميركا والناتو وضدّ الذين
سيعملون على تجيير مستقبل ليبيا
للتبعية لأميركا والغرب والصهيونية. باختصار يجب دعم الأطراف التي لعبت دوراً
أساسياً في الميدان، وفي صمود الثورة
واستمرارها، وفي انتفاضة طرابلس. وذلك
من أجل ليبيا المتحرّرة من التبعية
والاستبداد والفساد، ليبيا المتمسكة
بهويتها العربية-الإسلامية،
والمعادية للصهيونية، والداعمة
للقضية الفلسطينية.. ليبيا التعدّد
الحزبي والحريات والمحتكمة لصناديق
الاقتراع. ليبيا الخارجة من قوقعة
القطرية في التنمية والخارجة من أجندة
العولمة والبنك الدولي وصندوق النقد
الدولي. =========================== سوريا: الحوار لا يمر على
الجثث! د. أحمد عبد الملك الاتحاد تاريخ النشر: الخميس 25 أغسطس 2011 تسارعت الأحداث في المنطقة العربية
الأسبوع المنصرم بعد تفاقم الأزمة
السورية وازدياد سقوط القتلى
المطالبين بالحرية والعدالة على أيدي
قوات الجيش والأمن. وكانت حصيلة قتلى
"دير الزور" في يوم واحد 42 مدنيّاً
كانوا ضمن المظاهرات السلمية التي
تنادي بالإصلاح. فيما توغلت قوات الجيش
في عدة مدن وبلدات سورية لقمع
المتظاهرين. ويبدو أن ثورة سوريا ستكون
ضمن الأكثر دموية في الربيع العربي حتى
الآن. وقدرت المصادر حجم القتلى حتى
منتصف الأسبوع الماضي بحوالي 4 آلاف،
والجرحى ب 50 ألف شخص، والمعتقلين ب 25
ألف شخص، بينما كان هنالك أكثر من 5
آلاف مفقود. وضمن المواقف التي استنكرت موسم القتل في
سوريا موقف دولة قطر التي سحبت سفيرها
من دمشق، وهي أول دولة خليجية تأخذ تلك
المبادرة، كما أعلنت المملكة العربية
السعودية استياءها مما يجري على
الساحة السورية. حيث جاء في رسالة
وجهها العاهل السعودي إلى السوريين،
أن ما يجري في سوريا ليس من الدين وليس
من القيم والأخلاق. كما أن "ما يحدث
في سوريا لا تقبل به المملكة العربية
السعودية، فالحدث أكبر من أن تبرره
الأسباب، بل يمكن للقيادة السورية
تفعيل إصلاحات شاملة وسريعة". كما
طالبت الرسالة بوقف "آلة القتل
وإراقة الدماء وتحكيم العقل قبل فوات
الأوان". وكانت دولة الكويت ومملكة البحرين قد
استدعتا سفيريهما في دمشق للتشاور على
إثر الحوادث الخطيرة الأخيرة التي جرت
في سوريا. كما دعا مجلس التعاون
الخليجي إلى وقف فوري لأعمال العنف في
سوريا وإجراء إصلاحات تحقق تطلعات
الشعب السوري. وقد عبّرت دول مجلس
التعاون أنها "تتابع بقلق وأسف شديد
تدهور الأوضاع في الجمهورية العربية
السورية الشقيقة". ودعا بيان
التعاون إلى "وقف فوري لأعمال العنف
وأي مظاهر مسلحة، ووضع حد لإراقة
الدماء واللجوء إلى الحكمة، وإجراء
الإصلاحات الجادة والضرورية، بما يكفل
حقوق الشعب السوري الشقيق ويصون
كرامته". وقد رد ّالإعلام السوري الرسمي على بيان
التعاون مبديّاً الأسف على ذلك
البيان، ورأى أن على مجلس التعاون أن
يدعو إلى وقف "أعمال التخريب"،
وقال بيان وزارة الخارجية السورية إن
"الخروج من دوامة العنف الراهنة
وصدق الرغبة في مصلحة سوريا يتطلب من
الأشقاء العرب في مجلس التعاون
الخليجي الدعوة لوقف أعمال التخريب
وشجب العنف المسلح الذي تقوم به جماعات
لا تريد للمواطن السوري خيراً". وفي نيويورك حثّ الأمين العام للأمم
المتحدة "بان كي مون" الرئيس
السوري على وقف استخدام العنف، مندداً
بقتل المدنيين والقوات الأمنية. كما
عبّر عن قلقه وقلق المجتمع الدولي من
تصاعد العنف وازدياد عدد القتلى في
سوريا، وحث الأسد على وقف العنف فوراً
ضد المدنيين! إن الإعلام السوري الرسمي للأسف -بعد أن
حظرَ على الوكالات العالمية
والفضائيات دخول سوريا- بدأ يصوّر
الأحداث بمنطق الخمسينيات، ولكأن
العالم لن يسمع صرخات السوريين ولن
يشاهد الجثث التي عبثت بها الدبابات
التي كنا نأمل أن يتم تحريكها نحو جبهة
أخرى غير صدور السوريين المطالبين
بحقوقهم. هذا الإعلام الذي يصور الشعب السوري
المنتفض على أنه "جماعات مخرّبة"
وأنهم "خارجون على القانون، يقومون
بقطع الطرقات، وأن واجب الدولة حماية
مواطنيها" هذا الكلام مردود عليه
لأن الشعب السوري بأسره يريد حماية!
كما أن كل الاتصالات والصور تثبت أن
المظاهرات سلمية وهدفها نبيل ولم
يتعرض أي مواطن أو أية مؤسسة للمسّ،
وهذا الإعلام يذّكرنا بإعلام أحمد
سعيد الستينيات وهو لا يناسب العصر. إن
هذا العصر هو عصر الحريات والانفتاح
الإعلامي الذي لا يمكن فيه لأية قوة -مهما
أوتيت من سلطة وبأس وسرية- أن تحجب
المعلومة عن الناس وتمنع الناس من
الوصول إلى الحقيقة. ثم أين الإصلاح
الذي يتشدق به الإعلام السوري؟! هل
الإصلاح يأتي عبر الجثث والعاهات
وعشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء
الذين تم الزج بهم في السجون؟! وأين "الخطوات
الثابتة التي يحتاجها الإصلاح"؟ بعد
أن رفض الشعب السوري -ما عدا حاشية
النظام- استمرار هذا النظام في قتل
الأبرياء والإفراط في استخدام العنف.
وإذا ما صح المصطلح الذي تناولته وسائل
الإعلام السورية من أن المتظاهرين
المطالبين بحقوقهم الدستورية هم من
"الخارجين على القانون وأصحاب سوابق"،
فكأن كل الشعب السوري من أصحاب السوابق
ومن الخارجين على القانون! وإذا ما
أجمع الشعب السوري على عدم صلاحية
القانون، فمن حقه تغيير ذلك القانون
وما يترتب عليه من إجراءات! ولا يجوز
بأي حال من الأحوال وقف هذا الحق
باللجوء إلى العنف والرصاص الحي. وإذا
صح ذلك، فإن الشعوب الأخرى كالشعب
التونسي والمصري واليمني والليبي كلها
خارجة على القانون! إلا النظام فهو "المحصّن"
ضد الزلل والمحافظ على القانون! لقد
تزايدت أعداد القتلى خلال الأسبوع
الماضي في المدن والبلدات السورية،
وتم اعتقال المئات من المفكرين الذين
يقولون كلمة الحق في مصير وطنهم. بل إن
الرصاص لم يرحم المصلين بعد جمعة "الله
معنا" وحصد منهم 24 شخصاً في شهر
رمضان المبارك الذي يتطلع فيه
المسلمون إلى الرحمة والغفران
والتسامح والنجاة من العذاب. نحن لا نستطيع أن نتصور كيف يحاصر الجيش
أبناء الشعب ولا يكون مثل الجيشين
التونسي والمصري اللذين حافظا على
الدماء. وكيف تغلق المستشفيات وتشل
حركتها عن استقبال أبناء سوريا الذين
سقطوا برصاص الجيش، الذي ادخرته الأمة
لتحرير الجولان من الاحتلال
الإسرائيلي! ماذا سيفعل النظام مع الأطباء المحُتجين
ومع الأكاديميين ومع الطلبة ومع عمال
النقل؟ هل سيقتلهم كلهم؟ وهل الحوار لا
يأتي إلا بعد أن تتكرر المجزرة
المشؤومة في حماة، في مكان آخر من
سوريا هو "دير الزور"؟! لقد تحركت دول الخليج من أجل إنقاذ الشعب
السوري، وحتماً ستتحمل تبعات أخرى -كالعادة-
ولكن أين صوت أميركا؟! لابد أن تتنادى
دول العالم المتحضر من أجل وقف أعمال
العنف التي يمارسها الجيش والأمن
السوريان ضد الشعب المطالب بحقه في
حياة كريمة في ظل قانون يحقق العدالة
والأمن والرخاء، كما أن الحوار لا يمكن
أن يمرّ على جثث السوريين! هامش: قصف
مئذنة مسجد عثمان بن عفان في "دير
الزور" ليس شاهد زور! وإلقاء جثث
المتظاهرين في النهر شاهد آخر!
والشواهد تتوالى. ============== الأزمة السورية... والدور
العربي د. وحيد عبد المجيد الاتحاد تاريخ النشر: الخميس 25 أغسطس 2011 سوريا في خطر. ولكنها ليست وحدها. أزمتها
التي بلغت مرحلة اللاعودة ستكون لها
تداعياتها في محيطها الإقليمي إذا
تُركت لتزداد تفاقماً. وليس لبنان فقط هو الذي قد يكون مسرحاً
لهذه التداعيات. كما أن بعض الآثار
المحتملة للأزمة السورية في لبنان قد
لا يكون بعيداً عن الدائرة
الإسرائيلية وما يتعلق بها من قضايا
وصراعات. وانعكاس هذه الأزمة على
القضية الفلسطينية قد يكون أكبر من
مجرد قصف مخيم للاجئين في اللاذقية،
وخصوصاً مع تصاعد التوتر مجدداً فيما
يسمى "جبهة إسرائيل الجنوبية"
وامتداده إلى مصر. والعراق، بدوره، يقع في مهب رياح الأزمة
السورية التي قد يؤدي استمرارها
وتفاقمها إلى تعميق الانقسام الطائفي
فيه، وربما أيضاً تنامي المشكلة
العرقية إذا ازداد البعد الكردي في هذه
الأزمة ظهوراً. وإيران التي يزداد
قلقها كل يوم ليست بعيدة. نفوذها القوي
في العراق يؤثر في مسار أزمة سوريا،
وقد يتأثر بها أيضاً وخصوصاً في حالة
اشتداد تفاقمها سواء بقي نظام بشار
الأسد كما هو بدون إصلاح ونجح في إخماد
الاحتجاجات، أو سقط بدون تسوية ما تحدد
اتجاه المستقبل. أما تركيا الأكثر
نشاطاً حتى الآن في محاولة إيجاد مخرج
من الأزمة فهي تعبر عن قلقها وتؤكده
يوماً بعد يوم. ولعل أخطر ما في الأزمة السورية الآن هو
أنها لا تزال في المفترق بعد ما يقرب من
ستة أشهر على بدء الاحتجاجات في منتصف
مارس الماضي. فالنظام لا يبدو آيلاً
للسقوط على رغم توسع نطاق الاحتجاجات
التي باتت تغطي معظم أنحاء البلاد.
وينطوي استمراره عبر حل أمني وليس
سياسيّاً على تكلفة فادحة لن تتحملها
سوريا وحدها. كما أن إسقاطه بدون حل سياسي قد لا يكون
نهاية للأزمة، بل هو استمرار لها في
صورة أخرى إلى أن يتبلور سيناريو واضح
لبديله. فالوضع في سوريا معقد على نحو
لا يمكن مقارنته بمصر أو تونس. فليس
نظامها الأكثر شمولية والأشد قسوة فقط
هو الذي يختلف عن نظامي مبارك وبن علي
اللذين ثبت أنهما كانا بمثابة "هواة"
في لعبة السلطة وما يقترن بها. كما أن
الاختلاف لا يقتصر على أن الجيش المصري
والتونسي هما أكثر ارتباطاً بشعبهما
بحكم تاريخهما وتكوينهما. الوضع في سوريا أشد تعقيداً على مستوى
المجتمع بسبب التركيب الطائفي
والعرقي، وعلى الصعيد السياسي أيضاً
في ظل ضعف الجسور بين المعارضة
التقليدية التي توجد قيادة معظمها في
الخارج والمعارضة الجديدة التي تقود
الاحتجاجات على الأرض عبر روابط
مستحدثة (تنسيقيات). ولا يوجد حتى الآن
تواصل يُعتد به بين أطراف المعارضة
السورية، سواء في خارج البلاد حيث لا
يوجد سوى تمثيل رمزي للقوى الجديدة
التي تعمل على الأرض أو في الداخل حيث
تبدو المعارضة الحزبية التقليدية هشة.
فلا "ميدان التحرير" هنالك ولا
"ساحة القصبة" اللتين التحم فيهما
معارضو الرئيسين السابقين في مصر
وتونس. ولا يقل أهمية عن ذلك، إن لم يزد، أن الجيش
السوري لم يأخذ خطوة واحدة بمنأى عن
النظام ليكون قادراً على القيام بدور
فاعل في مرحلة انتقالية بعده سواء بشكل
مباشر كما في مصر أو بطريقة غير مباشرة
كما في تونس. ويعني ذلك أن إسقاط النظام بدون تسوية
سياسية تحدد أو على الأقل توضح اتجاه
المستقبل قد لا يكون حلاً للأزمة،
وربما يعيد إنتاجها في شكل آخر. وإذا كانت مصر وتونس تتعثران في مرحلة
انتقال صعبة تزداد مشاكلها بدلاً من أن
تقل يوماً بعد يوم، فما بالنا بسوريا
الأكثر تعقيداً منهما على مختلف
المستويات. وإذا كان مستقبل مصر وتونس
يبدو غامضاً بعد أكثر من ستة أشهر في
الأولى وسبعة في الثانية، على رغم أن
رأسي النظامين السابقين أُسقطا بعد 18
يوماً فقط في إحداهما و28 يوماً في
الثانية، فكيف يكون الحال في سوريا
التي دخلت الاحتجاجات فيها شهرها
السادس! ولا يقل أهمية السؤال عن مستقبل سوريا
وطريقها إلى بناء نظام جديد في غياب
مجتمع مدني كان المصريون والتونسيون
قد تمكنوا من تحرير مساحات متفاوتة فيه
وخصوصاً النقابات المهنية في مصر
والنقابات العمالية في تونس. ودلالة
هذه الأسئلة، وغيرها، أن تغيير النظام
في سوريا بدون حل سياسي قد لا يكون أكثر
من إعادة إنتاج أزمتها في صورة جديدة
إذا لم تتمكن المعارضة الجديدة
والقديمة من التواصل سعياً إلى
التوافق على صورة النظام الجديد.
فالنقاش في هذه المسألة محصور تقريباً
في المنفى. كما أنه لم يحقق تقدماً يذكر
في حل الخلافات بين الإسلاميين وغيرهم. أما نجاح النظام في إخماد الاحتجاجات
أمنيّاً بدون حل سياسي وإصلاح حقيقي
فلن يكون، بدوره، نهاية للأزمة التي
ستندلع مجدداً بعد فترة يُرجح ألا تطول
لأن مقومات الاستقرار ستكون مفقودة
بشكل كامل تقريباً. فقد تغيرت سوريا
فعلًا حتى إذا لم ينعكس ذلك على نظامها
السياسي بعد. ولم يعد ممكناً حكمها
بالطريقة السابقة. المجتمع تغير وصار
أكثر استعداداً للتضحية من أجل حياة
أفضل. والنظام فقد، ولا يزال يفقد كل
يوم، مساحات أساسية من القاعدة
الحزبية (البعثية) التي استند عليها في
إدارة البلاد. ويفيد مسار الصراع الداخلي منذ بدء
الاحتجاجات أن النظام سيكون مديناً
بالكثير لمن يُطلق عليهم "الشبيحة"
إذا نجح في إخماد هذه الاحتجاجات، وأن
اعتماده عليهم قد يُعجّل بالفصل
الثاني في الأزمة الذي قد يكون أكثر
عنفاً. وهنا تكمن المعضلة السورية التي قد تكون
فريدة في إطار ما يُطلق عليه "الربيع
العربي" الذي يبدو أنه بدأ في
الانحسار مع اقتراب فصل الخريف
جغرافيّاً. فاستمرار النظام بدون
إصلاح وبطابعه الراهن خطر يضاعف تكلفة
التغيير الذي سيظل في هذه الحالة
مؤجلاً وقد يجعلها أضعافاً. ولكن
إسقاطه بدون حل سياسي لا يعني بداية
الخروج من دائرة الخطر. وهذا الحل هو ما ينبغي أن يكون هناك تدخل
عربي من أجله عبر حوار منظّم مع النظام
والمعارضة سواء التقليدية أو الجديدة
سعياً إلى التوافق على برنامج زمني
محدد للإصلاح يبدأ بوقف العنف السلطوي
ويقود إلى انتخابات برلمانية حرة خلال
أشهر قليلة يتم الاتفاق عليها. ويتطلب نجاح هذا التحرك تقديم ضمانات
عربية، تشمل رعاية البرنامج الإصلاحي
والإشراف على الانتخابات. ويعني ذلك أن التدخل العربي هنا لابد أن
يكون مختلفاً عنه في ليبيا. ولكن المهم
هو أن الوقت يمضي والأزمة تزداد حدة
وتنتقل من الأطراف إلى القلب على نحو
ينذر باقتراب مرحلة الحسم سواء
إخماداً للاحتجاجات أو إسقاطاً للنظام.
فقد راهنت السلطات السورية على أن تبقى
الاحتجاجات بمثابة انتفاضة أطراف
وأرياف. ولكنها أخذت تتوسع وتنتقل إلى
مدن رئيسة وتقترب من قلب دمشق بعد أن
وصلت إلى أريافها وبعض ضواحيها
الفقيرة. فالوقت ينفد، والخطر يتعاظم،
على نحو يفرض الإسراع بتحرك عربي يقدم
رؤية لحل سياسي قابل للتطبيق. ============= الوطن السعودية التاريخ: 25 أغسطس 2011 أأثبتت تطورات الأحداث في ليبيا، أن
مواجهة الاحتجاجات بالحلول العسكرية
غير مجدية، وأن الأنظمة لا يمكن أن
تحافظ على كياناتها، في حال وجود تمرد
شعبي شامل، إلا حين تختار الاستجابة
للمطالب، والخضوع للإرادة الشعبية
الجمعية. هذه التطورات تقدم درساً عملياً للنظام
السوري، وما عليه سوى إدراك هذه
الحقيقة، ثم العمل بما تقتضيه، وخلق
أجواء حقيقية لإصلاحٍ سريع، يتجاوز
الوعود والشعارات، إلى ظهور أثره
المباشر على الحياة، في جانبيها
السياسي والاقتصادي. في ليبيا، كان للموقف الدولي الحازم،
دورٌ كبير في تحقيق أهداف الثوار، مما
يجعل من هذا النجاح، محفزا على القيام
بدور مشابه في سورية، بالنظر إلى تشابه
تعامل السلطتين مع الاحتجاجات
الشعبيّة، إلا أن الكثيرين من
المعارضين السوريين لا يؤيدون وجود
تدخل عسكريٍّ مباشر، إذ ما تزال
المواجهة في سورية دون صفة الحرب
الأهلية، بينما كادت تكون كذلك في
ليبيا، مما ينفي أسباب التدخل
العسكري، الذي يبدو أن المجتمع الدولي
لا يميل إليه، فلم لم يقترح أحد أن
تتدخل قوات حلف شمال الأطلسي في سورية،
كما فعلت في ليبيا، ما يجعل العقوبات
الاقتصادية، وفرض عزلة سياسية على
النظام السوري خياراً أفضل, وهو ما
يتجه إليه المجتمع الدولي، حيث تناقش
اليوم في مجلس الأمن مسودة عقوبات
اقتصادية على سورية. المراقبون يتوقعون أن تذهب الأوضاع في
سورية نحو المزيد من التدهور، فلن
يتراجع المتظاهرون عن مطالبهم، ولن
تستطيع عقلية السلطة استيعاب المرحلة،
والتخلي عن العنف، وهو ما تأكد من خلال
التصريحات الأخيرة للرئيس الأسد، حين
أعلن في مقابلة أجراها معه التلفزيون
السوري مطلع الأسبوع أنه لن يرضخ
للضغوط الخارجية، قائلا: إنها يمكن أن
تؤثر فقط "على رئيس صنع في أميركا
وتقال لشعب خانع وذليل". إن نهاية القذافي في ليبيا، قد تقود
النظام السوري إلى المزيد من التشدد
الأمني، لأنه بعقليته الحزبية
التقليدية سينظر إلى تركيز المجتمع
الدولي عليه، على أنه مؤامرة دولية
تستوجب المواجهة، وتتطلب التعبئة
العامة. الدعم الإيراني لسورية، لن يكون مفيداً،
في حال فرض حظر نفطي، أو تجميد الأرصدة
السورية، إذ تنتج سورية حوالي 400 ألف
برميل يوميا من النفط. تصدر منه نحو 150
ألف برميل يوميا إلى دول أوروبية، وليس
أمام النظام السوري إلا استيعاب
الدروس المحيطة، وتجاوز الشعارات
الحزبية، والخضوع لصوت العقل، بإجراء
إصلاحات حقيقية، بعيداً عن التشنج،
والخطاب الإعلامي المتطرف ============== أردوغان يصعّد ضد الأسد:
سيغرق في الدم الذي يسفكه! محمد نور الدين السفير 25-8-2011 أطلق رئيس الحكومة التركية رجب طيب
اردوغان أقوى مواقفه السلبية من
الرئيس السوري بشار الأسد في تطور يعكس
استمرار الرهان التركي على إسقاط
الأسد بعد سقوط الرئيس الليبي معمر
القذافي. ومع استمرار تركيا تنظيم واحتضان
المعارضات السورية التي لا تجد مكانا
مفضلا ودافئا للاجتماع سوى في
اسطنبول، أطلق اردوغان أقوى تصريحاته
السلبية ضد الأسد بقوله من دون أن
يسميه انه سيغرق في الدم الذي يسفكه. وأثناء احتفال بتدشين خط القطار السريع
بين أنقرة وقونية، وشارك فيه وزير
الخارجية احمد داود اوغلو بعد عودته
للتو من زيارة بنغازي في ليبيا، قال
اردوغان «قبل العيد أتوجه بالدعاء إلى
أخوتي في سوريا وليبيا والبحرين ومصر.
أريد أن يتوقف الدم أيضا في سوريا. لا
يمكن للظلم ان يستمر الى الابد. الذين
يعملون على ادامة الظلم سوف يغرقون في
الدم الذي يسفكونه». وقد وصفت الصحف التركية تصريح اردوغان
بأنه «حادّ ومتشدد» وأنه الأقوى حتى
الآن ضد الأسد. وقالت صحيفة «يني شفق»
إن اردوغان «وجّه بموقفه هذا رسائل
شديدة اللهجة إلى بشار الأسد». ومع كل يوم يمر يتبين مدى الانخراط التركي
في أدوار حلف شمال الأطلسي. فصحيفة «جمهورييت»
ذكرت أن أنقرة قد حددت بالفعل الأماكن
التي ستنصب فيها نظام الدرع الصاروخي
في تركيا من دون الكشف عن هذه المواقع.
وذكّرت بأن هذه الصواريخ تستهدف إيران
في الدرجة الأولى. وجاء تصريح وزير الخارجية التركية من
بنغازي أن قوات حلف شمال الأطلسي
ستواصل مهامها في ليبيا حتى استتباب
الوضع مؤشرا آخر على وضع تركيا نفسها
في موقع «الناطق الرسمي» باسم الحلف،
وهذا لا يفيد صورة تركيا في الجغرافيا
الإسلامية، حيث ان تدخل «الأطلسي» في
ليبيا لم يكن يستند الى اية شرعية
دولية، وقرارا مجلس الأمن 1970 و 1973 لم
يعطيا الحلف هذا الحق بهذه الطريقة. وتوالت تعليقات الكتّاب الأتراك على «الدرس
الليبي» متصلة بدور «الأطلسي» في
ليبيا واحتمالات تدخله في المستقبل في
سوريا. فكتب سادات ارغين في صحيفة «حرييت»
قائلا ان ليبيا كانت امتحانا جديا لحلف
شمال الأطلسي الذي أظهر تأقلما مع تغير
مهامه منذ انتهاء الحرب الباردة
والمرونة في التعامل مع الأزمات
الدولية. وأعاد الكاتب التذكير بموقف «الأطلسي»
المتفرج على مجازر البوسنة في قلب
أوروبا، وما تعرضت له صورته من أذى. ومع
أحداث كوسوفو نجح الحلف في عدم تكرار
خطأه في البوسنة. أما في أفغانستان فقد
كان للدور «الأطلسي» وضع خاص مختلف عن
الحالتين السابقتين. أما في الحالة الليبية فقد كان التدخل «الأطلسي»
منظما ومبرمجا بطريقة مثلى خارج اي
مغالاة. ولكن المثال الليبي عكس ان
الحلف اتخذ للمرة الأولى موقفا من صراع
داخلي في بلد ثالث اتخذ فيه موقفا مع
طرف ضد آخر، رغم ان القرار 1973 سهّل
مهمته هناك. وقال الكاتب ان «الأطلسي»
مر بنجاح في هذا الامتحان، ولا سيما
الولايات المتحدة وتركيا، وقدّم
نموذجا على امكانية التدخل مستقبلا في
أزمات مماثلة. ويقول ارغين «ان التدخل الأطلسي كان
نموذجا على أن دكتاتورا يواجه شعبه
بالقمع يمكن أن يواجه من جانب المجتمع
الدولي. وهنا لا يمكن تجاهل المثال
السوري. حيث ان عناصر التدخل في ليبيا
موجودة في الحالة السورية، وبالتالي
لن يكون مفاجئا اذا بادر الأطلسي الى
اتخاذ اجراءات مماثلة ضد سوريا. لكن
بالنظر الى الوضع الحساس لسوريا في
موازين الشرق الأوسط فإنه ليس واقعيا
أن يدخل الأطلسي في مثل هذه المغامرة.
غير أن عناد النظام السوري في موقفه هو
بمثابة دعوة للمجتمع الدولي من الأمم
المتحدة الى حلف شمال الأطلسي للتحرك
بطريقة لا يمكن الجزم بما ستكون عليه». وينهي الكاتب مقالته بالقول ان «كل دولة،
وليس سوريا فقط، يجب ان تتحمل
مسؤوليتها بنفسها، وألا تخرج ضد
المعايير القانونية والانسانية، وألا
تواجه شعبها وحقه في ممارسة التعبير عن
نفسه». ============== "الاقتصاد" لا
يُسقِط النظام بل يدفع نحو "الحرب"! سركيس نعوم النهار 25-8-2011 الوضع الاقتصادي في سوريا يزداد سوءاً،
في رأي مصادر ديبلوماسية عربية وغربية
مطّلعة، جراء الأزمة المتفاقمة بين
النظام الحاكم في سوريا وغالبية شعبها
المنتفضة عليه. فالسياحة، وخصوصا
العربية منها، التي كانت ترفد
الاقتصاد السوري بعائدات مهمة ضعفت.
أولاً، لأن اصطدامات السلطة
والمتظاهرين في سوريا تجعل السياحة
فيها مغامرة ربما مميتة. وثانياً، لأن
عجلة الانتاج تأثرت سلباً بما يجري.
وثالثاً، لأن المستثمرين الذين يفتشون
عن الأمن والأمان عند البحث عن اماكن
لتوظيف أموالهم، أشاحوا بوجوههم عن
سوريا بعدما صارت غير آمنة. ورابعاً،
لأن العلاقات بين الدول العربية
القادرة والغنية وسوريا الاسد توترت
الى درجة تقرب من القطيعة. اذ تبنّت هذه
الدول موقف غالبية الشعب السوري
المنتفض، وخصوصاً بعدما فقدت أملها في
النظام. والوضع الاقتصادي السوري هذا يزداد
سوءاً، وفقاً لمعلومات دقيقة تمتلكها
المصادر المذكورة اعلاه عنه، ومن
اسبابه الى الأزمة الداخلية المعقّدة،
التوتر المتصاعد بين سوريا وتركيا
التي تمكّنت، وخلال سنوات قليلة من أن
تكون احد اكبر الشركاء التجاريين
للأولى. وكان ذلك خلال شهر العسل بين
نظام الاسد وحكومة اردوغان الاسلامية
الذي مارس فيه الاثنان كل اصناف
الباطنية والتقية، اولاً، لإخفاء
الأهداف الفعلية "للتقارب"
السريع، وثانياً، لتحقيق اكبر مقدار
من المكاسب. وفي هذا المجال تشير
المعلومات المتوافرة الى ان نزوح آلاف
السوريين الى تركيا، وتوتر الاوضاع
على الحدود المشتركة، وارتفاع اسعار
التأمين، وإحجام السائقين عن العمل في
ظروف كهذه، أدى الى توقف الصادرات
السورية الى تركيا. علماً ان قيمتها
بلغت العام الماضي نحو 700 مليون دولار
اميركي. وتشير ايضاً الى توقف حركة
التجارة غير الرسمية للسلع الصغيرة
على الحدود المشتركة التي تقدّر
قيمتها وحدها بنحو 650 مليون دولار
اميركي. هذا فضلاً عن هروب رؤوس
الاموال من سوريا وبكميات كبيرة منذ
اندلاع الأزمة السورية. وقد أكدت ذلك
المصارف التركية التي سجلت تحويلات
وايداعات مالية سورية، كما تم سحب جزء
كبير من اموال الاستثمارات التركية في
سوريا التي تجاوزت قيمتها ال 750 مليون
دولار اميركي. والوضع الاقتصادي السوري هذا سيسوء حتماً
بعدما بدأت الولايات المتحدة والاتحاد
الاوروبي فرض العقوبات المؤذية على
سوريا الاسد. علماً ان الاولى ذهبت
ابعد في هذا الاتجاه، عندما قررت
عقوبات تطال قطاعي النفط والغاز
السوريين الذي هو مصدر لوارداتها التي
يحتاج اليها الاسد لدفع الرواتب
لأجهزته وإدارته. الا ان الخطوة
الاميركية هذه رمزية وغير فاعلة، ذلك
ان اميركا تستورد ستة آلاف برميل نفط
يومياً من سوريا والتوقف عن ذلك لا
يؤثر على الاطلاق. في حين ان غالبية
نفطها يذهب الى اوروبا فضلاً عن ان
القطاع النفطي تسيطر عليه شركات
اوروبية. ولهذا السبب تصر اميركا على
اوروبا مجاراتها في الضغوط النفطية
والغازية. لكن الاخيرة لا تزال تمانع
لأنها تريد الضغط على النظام لا الحاق
الأذى بالشعب السوري. ماذا يعني ذلك كله؟ هل يزعزع الوضع
الاقتصادي المتراجع في سوريا النظام
الحاكم فيها؟ يقول مؤيدون للنظام ان سوريا عانت ايام
المؤسس (الراحل) حافظ الاسد عقوبات
اقتصادية اكثر من مرة، ولم تتأثر. وهذا
صحيح. لكن الصحيح ايضاً الذي لا يقوله
هؤلاء هو ان الشعب السوري لم يكن
ثائراً على المؤسس لإسقاط نظامه، وهو
ان المجتمع الدولي برعاية اميركا
والغرب لم يكن ساعياً الى ضرب نظامه. بل
على العكس من ذلك كان يعتبر دوره بناءً
في المنطقة، وعلى هذا الاساس تعامل معه
وأجرى صفقات بعضها معلن وبعضها لا يزال
سرياً. علما ان الاسد الأب في حينه لم
يكن يكترث للانتقاد وخصوصا في ظل حصوله
بين وقت وآخر على مساعدات عربية كان
يفرضها ولا يستجديها. هذا الوضع تغيّر
الآن. فغالبية الدول العربية والمجتمع
الدولي يريدان تلبية مطالب شعب سوريا
من نظامها. والموقف الدولي والصيني
الممانع لذلك تمكن معالجته بمقايضات
معروفة. اما ايران الرافضة المطالب
المشار اليها فقدرتها، على وسعها
محدودة. طبعاً لا يعني ذلك ان الضغط
الاقتصادي "سيُسقِط" نظام الأسد.
لكنه يُعجِّل في اهترائه البادىء من
زمان، ويسرّع تحوٌّل الانتفاضة ثورة
وربما حرباً اهلية، وتصاعُد القمع
الرسمي لها. اما بعد ذلك فان الله وحده
اعلم به. ============== عبد الحميد المجالي الرأي الاردنية 25-8-2011 الثورتان الليبية والسورية اندلعتا في
نفس الشهر. وخلال الستة اشهر التي مرت
على اطلاق صافرة البداية، جرت في
المشهد الليبي مياه كثيرة، قرارات
دولية واخرى عربية، ومجلس انتقالي،
وتدخل عسكري، ومعارك على
الارض،ومبادرات سياسية، الى ان جاءت
معركة طرابلس لترسم خطا جديدا وفارقا
على الرمال الليبية، بعد ان كاد اليأس
ان ياخذ الجميع الى اتجاهات اخرى محبطة.
بمعنى ان الازمة الليبية، كانت ازمة
حيوية، نشيطة وفاعلة، تفرض نفسها
ولاتزال رغم قربها من الحسم، ووضوح
نتائجها النهائية. وبالمقابل فان
شقيقتها السورية،حافظت طوال تلك
الاشهر على مشهد رئيسي واحد بات محبطا
ويدعو الى الاسى. ويتلخص في ان هناك
شعبا يتظاهروجيشا يطلق النار. ويترافق
هذا المشهد مع انسداد في الفضاء الدولي
والاقليمي. فقد اغلق مجلس الامن الدولي
ابوابه في وجه الازمة منذ اليوم الاول،
ولايزال المجتمع الدولي يمارس نفاقا
يدعو الى الخجل في اطار لعبة المعايير
المزدوجه. فهو في الحقيقة لايريد
للنظام السوري ان يسقط، بل يريد ادخال
تغييرات داخلية فقط تؤدي الى تقاسم
السلطة دون الاخلال بقواعدها الاساسية
التي تم تجريبها والاطمئنان لنتائجها
عبر العقود الماضية وخاصة في العلاقة
مع اسرائيل واستخدام النظام لضبط
الكثير من العناصر غير المنضبطة في
منطقة حيوية. حتى تركيا الجارة الكبرى لسوريا، تجد
نفسها محرجة وعاجزة امام ازمة في
حديقتها الجنوبية، ولم تسمح لنفسها
حتى الان ان تدعو الاسد الى التنحي،
فيما هب العرب ليومين او ثلاثة
بتصريحات غير حاسمة،وعادوا الى النوم
حتى اشعار اخر. الى متى سيتحمل الشعب السوري، كل هذه
المذابح والاعتقالات والتشويه، وكل
هذا الخذلان من اشقاء ومجتمع
دولي،وهوينظر الى المشهد الساكن
والمرعب لازمته، رغم الحقائق والرسائل
التي بعثت بها الى الجميع؟. لماذا وصلت الثورة الليبية الى خط
النهاية وقبلها الثورتان المصرية
والتونسية كما ان الثورة اليمنية باتت
اقرب الى الحسم، بينما تراوح الثورة
السورية مكانها رغم حجم التضحيات
الكبير والمفجع، ولا يبدو حتى الان ان
هناك نورا في نهاية نفقها المظلم ؟. هل هناك خصائص للنظام السوري تجعل منه
نظاما يحظى بوسائل تفضيلية في التعامل
؟ ام ان سوريا كبلد مركزي في المنطقة هي
التي تفرض اجراء حسابات معقدة قبل
اتخاذ أي اجراء حاسم؟. لاسرائيل وايران وتركيا والشبكة
الداخلية المعقدة والبديل غير الجاهز
او غير الواضح الهوية، علاقة بكل هذه
الحسابات. في حين ان الخوف المتبادل
لطرفي الازمة، وهما الشعب والنظام من
نهاية مأساوية لاي منهما ان توقف عن
المواجهة، سيؤدي الى استمرار الازمة
ومضاعفة الثمن المدفوع في حالة
انتحارية، تسمى بخيار الصفر، الذي
يحتم اما الاستمرار في العمل واما
الفناء.! اغلب الظن ان الازمة السورية ستستهلك
وقتا مضاعفا بالقياس مع الثورات
العربية الاخرى. فالمنافذ لحسمها او
التوصل الى حلول وسط لتسويتها ما زالت
مغلقة في جميع الاتجاهات، وكان الله في
عون من يستسلم اولا. ============== كما في ليبيا النظام من
يتحمل الآن مسؤولية مصير سورية د. بشير موسى نافع 2011-08-24 القدس العربي لم يعد ثمة شك في
أن الشعب السوري قال كلمته. لأكثر من
خمسة شهور، قالها السوريون في
مظاهراتهم الحاشدة والصغيرة، في
ميادين حماة ودير الزور وحمص، وفي
التجمعات الطيارة في أحياء دمشق وحلب،
قالوها بالصوت وقالوها بالدم: أنهم
يريدون تغييراً جذرياً في بلادهم،
يريدون حياة سياسية حرة، وطناً حراً،
ووضع نهاية لسيطرة القلة الحاكمة. ولكن سورية ليست بلداً سهلاً، ولم تكن
كذلك يوماً، وما حدث في تونس ومصر من
انحياز المؤسسة العسكرية للشعب
وثورته، ليس من المتوقع أن يحدث في
سورية، أو ليس من المتوقع أن يحدث
قريباً على الأقل، وما حدث في اليمن
وليبيا، من انشقاق المؤسسة العسكرية
على نفسها، أو من تدخل خارجي عسكري،
ليس من المتوقع أن يحدث في سورية، أو أن
السوريين بإجماعهم يرفضون وقوعه حتى
الآن. المتيقن، أن سورية لن تعود مطلقاً إلى ما
كانت عليه قبل أندلاع رياح الثورة في
منتصف آذار/مارس الماضي. فإلى أين تمضي
سورية، إن كان لنا أن نستشرف المستقبل
القريب، والقريب جداً؟ أن ينجح النظام في قمع الحركة الشعبية
وتصفيتها، لم يعد أمراً محتملاً بأي
حال من الأحوال. في الحقيقة، لم تكن
الانتفاضة الشعبية في بدايتها بالحجم
الذي وصلت إليه في الشهور الأخيرة؛
وربما يمكن تشبيه الانتفاضة السورية
بشقيقتها التونسية، التي تطورت من حدث
صغير ومحدود إلى ثورة شعبية شاملة،
وليس بما حدث في مصر أو ليبيا، مثلاً. كما أن مطالب الحراك الشعبي السوري تطورت
هي الأخرى من معاقبة مسؤولين قتلة
ومفسدين، وصولاً إلى المطالبة بتغيير
سياسي شامل للنظام. لم يكن الحراك الشعبي العربي الثوري هو
وحده من دفع الحراك في سورية إلى
المستوى والحجم والاتساع الذي وصل
إليه، ولكن أيضاً مقاربة النظام
للتحدي الشعبي والوسائل والسياسات
التي تبناها للتعامل معه. بدلاً من
النظر إلى الحركة الشعبية ومطالبها
باعتبارها مسألة سياسية من الطراز
الأول، تصرف النظام وكأنه يواجه مسألة
حياة أو موت، وأن سورية لا يجب أن تكون
جزءاً من مناخ التغيير السياسي العربي
مهما كانت التكاليف. مقابلات الرئيس مع بعض الفعاليات الشعبية
المنتقاة، والهامشية في أكثرها، خلال
الأسابيع الأولى من انطلاق حركة
الاحتجاج الشعبي، لم تكن سوى وسيلة
لإضفاء واجهة إنسانية على المقاربة
الأمنية الشاملة وبالغة القسوة
والوحشية والاستهتار بحياة وكرامة
وإنسانية السوريين. لعب النظام الدور الرئيسي في تصعيد
الحراك الشعبي، وأخذ من ثم يحاول ويأمل
ويسعى إلى تحطيمه واحتوائه. وكما أخطأ
في مقاربته الأولية، أخطأ في المرحلة
التالية التي غطت الأشهر من نيسان/ابريل
إلى حزيران/يونيو. بتصعيد حملة القمع
الأمنية إلى حملة أمنية عسكرية،
واستدعاء فرق الجيش الموالية ووحدات
الحرس الجمهوري لاقتحام المدن
واستباحة البلدات، دخل النظام في حرب
سافرة ضد شعبه، ولم يعد من الممكن
إقناع عموم السوريين بجدية الإجراءات
الإصلاحية التي أعلنت. كيف كان من
الممكن أن يرى السوريون أن إلغاء قانون
الطوارىء كان جزءاً من توجه إصلاحي
جاد، بينما آلة القتل والاعتقال
والتدمير والحصار تعمل على قدم وساق في
كافة أنحاء البلاد؟ وكيف كان من الممكن إقناع السوريين بجدية
العزم الإصلاحي أصلاً، بينما تتنكر
وسائل النظام وناطقوه لشرعية الحراك
الشعبي وشرعية مطالبه، وتكيل له كافة
الاتهامات وتلقي عليه كافة النعوت؟
ولأن النظام كان من لعب الدور الرئيسي
في تصعيد الاحتجاج الشعبي إلى ثورة
شاملة، ولأن النظام لم يعد لديه من
وسائل لإقناع السوريين بجديه توجهه
الإصلاحي، ولأن الحركة الشعبية باتت
تطال كل أنحاء البلاد، ولأن العالم لم
يعد صامتاً إزاء حملة القمع الرسمية،
فمن غير المتوقع أن يستطيع النظام
تحقيق هدفه في وضع نهاية للثورة. يتعلق السيناريو الثاني بقدرة النظام على
إدراك عمق الأزمة التي تواجهه، وقدرته
على تطوير مقاربة إصلاحية شاملة
وعميقة، لا تستجيب للمطالب الشعبية
وحسب، بل وتنجح في ترسيب نوع من الصدمة
الإيجابية لدى الأغلبية الشعبية، تؤدي
بالتالي إلى تراجع الحركة الشعبية
وتلاشيها التدريجي. مثل هذا السيناريو
يتطلب أولاً، وقبل كل شيء، توقف حملة
القمع العسكرية الأمنية، إعادة قوات
الجيش إلى ثكناتها، وتبني إجراءات
فعلية وملموسة للإصلاح العسكري
والأمني، تواكبها إجراءات قضائية
شفافة ضد كل من ساهم في سفك الدماء
وممارسة التعذيب وارتكاب الإهانات.
ولكن ذلك مجرد بداية. يجب أن تشمل حركة الإصلاح في بدايتها
الإعلان عن تعديل دستوري جذري، لا
يتناول المادة الثامنة المتعلقة
بسيطرة حزب البعث على النظام والدولة
وحسب، ولكن ربما حتى دستور جديد مؤقت،
يؤسس لمرحلة انتقال ديمقراطي حقيقي
وملموس، من تعددية سياسية غير مقيدة،
انتخابات تشريعية حرة وتعددية،
انتخابات رئاسية مماثلة، ثم اختيار
جمعية تأسيسية لوضع دستور دائم جديد. كما لابد أن تشمل المرحلة الانتقالية
عملاً فعالاً للفصل بين نظام الحكم، أي
نظام حكم جديد، والدولة السورية، وما
يتطلبه هذا من تغيير في بنية الدولة
وأجهزتها الأمنية والعسكرية وبنيتها
القضائية، وطابعها الطائفي غير المعلن. بمثل هكذا توجه يمكن ربما، وليس من
المتيقن، على أية حال، إغراق الثورة
الشعبية بالأمل، واحتواء الحراك
الشعبي بمصداقية الإصلاح. ولكن السؤال
الكبير يتعلق بما إن كان النظام،
عقلياً وسيكولوجياً، اجتماعياً
وسياسياً، قادراً على اجتراح هذه
النقلة الإصلاحية الكبيرة. هل يجرؤ
النظام مثلاً على وضع حد لسياسية القمع
الأمنية العسكرية والمغامرة بخروج
الملايين من السوريين إلى الشوارع
والساحات؟ بعض أجنحة النظام تقدر أن
وقف حملة القمع ستؤدي بالضرورة إلى خلق
انطباع بالهزيمة والانكسار، ومن ثم
إسقاط النظام فعلاً بقوة حراك شعبي
مليوني في العاصمة دمشق. ولكن هناك ما
هو أسوأ من مثل هكذا نمط من التفكير،
وهو ذلك المتعلق بطبيعة النظام،
بالقوى والعلاقات والثقافة التي يستند
إليها، والتي تجعله غير قادر أصلاً على
تبني مشروع إصلاحي جدي وشامل، يمكن، بل
ولابد، أن يؤدي في النهاية إلى تغيير
تدريجي وعميق في بنية الحكم والدولة. ما تؤكده المؤشرات حتى الآن، سيما على
صعيد الاتصالات الرسمية التي أجراها
مسؤولون عرب وأتراك، أصدقاء سابقون
للحكم السوري، أن النظام لم يعقد العزم
بعد على نهج طريق الإصلاح، وأن أولويته
الأولى، وربما سياسته الوحيدة، لم تزل
تصفية الحراك الشعبي وقمعه بكافة
الوسائل الممكنة. ما يؤكد هذا الاستنتاج أن مواقف الرئيس
السوري المعلنة، خطاباته ومقابلاته
وتوجيهاته، لم تستطع حتى الآن توليد
قناعة بمصداقية توجهه الإصلاحي، ناهيك
عن التوجه نحو حركة إصلاح جذري وواسع.
احتمال الصدمة الإصلاحية لم يزل
قائماً، ولكن إمكانية وقوعه تتضاءل
بمرور الوقت، وربما تكون سورية الشعب
قد تجاوزته فعلاً. السيناريو الثالث هو الأكثر تعقيداً
وغموضاً، والأكثر ألماً بالتأكيد. إن لم يفلح النظام في الانتصار على شعبه،
وإن لم يكن لديه الاستعداد لخوض مغامرة
الإصلاح الجذري والسريع والملموس،
فمعنى ذلك أنه يدفع البلاد إلى مغالبة
ماراثونية، لا يمكن تقدير مداها، تفتح
سورية على كافة الاحتمالات. أحد
الاحتمالات أن تتعرض آلة النظام
الأمنية والعسكرية للانهيار والتشظي
السريع، وهو ما يعني سقوطا وشيكا
للنظام. ولكن، إن لم يتحقق مثل هذا
الاحتمال، فقد ينجم عن إطالة أمد
الصراع بين القوى الشعبية ومؤسسة
الحكم انفجار حالة من الحرب الأهلية،
يطلقها تداخل من الاصطفاف الطائفي
والسياسي والاجتماعي. وليس من المستبعد في مثل هذه الحالة أن
يكون للصراع الأهلي في سورية صدى في
الجوار العربي الإسلامي المشرقي، من
البصرة إلى بيروت، ومن الموصل إلى
إنطاكية. والاحتمال الذي لا يقل خطورة أن يؤدي
تفاقم الوضع السوري الداخلي إلى تدخل
دولي، تجبر القوى الشعبية على
المطالبة به، ويجد المجتمع الدولي
نفسه في المقابل مجبراً على الاستجابة
له، بفعل تصاعد معدلات العنف الداخلي. يكتب هذا المقال والثوار الليبيون يصلون
إلى الساحة الخضراء وسط مدينة طرابلس
العاصمة، بينما أخذ ما تبقى من نظام
العقيد في الانهيار السريع. كما في
سورية، ارتبط المسار الذي أخذته
ليبيا، منذ اندلعت الثورة الليبية
وتبلورت المطالب الشعبية، بخيارات
النظام. وربما يجدر بقادة نظام الحكم في دمشق،
مهما بلغت أوهام تماسك وولاء الآلة
العسكرية والأمنية، إدراك حقيقة
المزاج الشعبي العربي والحقبة التي
يمر بها المجال العربي. كل التدافعات المندلعة بين الشعب
والأنظمة الحاكمة ستنتهي على الأرجح
بانتصار الشعب، بغض النظر عن تجليات
الثورة في بلد ما والتعقيدات المحيطة
بحركة هذه الثورة. وخيارات النظام
والطبقة الحاكمة هي التي تحدد كيفية
ونمط وملامح الانتقال من الاستبداد
إلى الحرية ============== الاربعاء, 24 أغسطس 2011 برناردينو ليوني * الحياة زرت سورية أخيراً للمشاركة في عزاء والد
صديق لي. ولذا، استخدمت جواز سفر
عادياً غير ديبلوماسي في هذه الزيارة
الخاصة، قبل تعييني ممثلاً خاصاً
للاتحاد الأوروبي. ودوري اليوم هو
تيسير العملية الانتقالية في عدد من
الدول. ولا أرى أن سورية هي واحدة من
الدول هذه. وقابلتُ عدداً من الشخصيات
المقربة من النظام السوري في إطار غير
رسمي، ولم أتصل بالرئيس السوري.
وأبلغتُ المقربين من النظام رسالة
مفادها: «أنتم لا ترون الحقيقة على ما
هي. فالعنف بلغ مبلغاً لا يحتمل.
والمجتمع الدولي يدين أعمال العنف».
ونبهتُ من اجتمعت بهم الى أن تصديق
الناس والمجتمع الدولي الإجراءات
السياسية التي يقرها النظام هو رهن وقف
العنف ومحاسبة المسؤولين عنه من
المأمورين والآمرين، وتشريع الأبواب
أمام مرحلة انتقالية من طريق الدعوة
الى عقد مؤتمر مع المعارضة وشرعنة عمل
الأحزاب السياسية. ولكني لم أدعُ الى
عقد مؤتمر في مدريد. والتشاؤم يغلب على رأيي عند تقويم الوضع
الداخلي السوري. فالنظام أطاح
احتمالات الحوار مع معارضة منظمة،
وأجج الطائفية، وفاقم الشقاق في
المجتمع. وأعمال العنف تتواصل، في وقت
يدرك الشعب أنه بلغ نقطة اللاعودة
ويواصل النضال. وراقب النظام السوري
حوادث مصر وتونس، ويدرك أن بقاءه هو
على المحك. لذا ينتهج سياسات أشرس
وأقسى. والمجتمع الدولي ملزم مفاقمة
الضغط عليه. وليس انفراط الالتحام بين الجيش والنظام
راجحاً. فالضباط لم يشاركوا في دورات
تبادل مع الدول الغربية، على خلاف ضباط
جيوش الدول المجاورة. وإلى اليوم، لم
تبرز مؤشرات واعدة، على رغم انشقاق
ضباط من رتب عالية بعد إدراكهم أنهم
يساهمون في تنفيذ مجزرة فعلية. وقد
ينشق عسكريون سوريون ويهربون الى
الخارج، على نحو ما حصل في ليبيا. لكن
عمليات الانشقاق تقمع قمعاً عنيفاً. وتشهد منطقة الشرق الأوسط تغيرات كبيرة،
ويعوّل النظام السوري على مكانة سورية
الاستراتيجية في المنطقة ليتساهل معه
المجتمع الدولي. ولكن الرياح لا تجري
على حسابات النظام السوري، وصبر
المجتمع الدولي ينفد. وتبذل مساعٍ لتوفير الإجماع في مجلس
الأمن على قرار يتناول الوضع في سورية.
والإجماع هذا لناظره قريب. وقد تبلغ
المساعي هذه هدفها. وضغوط الدول
العربية وجامعتها على النظام السوري
تتعاظم. وآمل بأن تدخل الأراضي الليبية كلها في
العملية الانتقالية في القريب العاجل.
وأرى أن عجلة التغيير في سلسلة من دول
المنطقة لن تتوقف، ولن ترتكس الى
الوراء. وأعمل على الإسهام في العملية
الانتقالية من طريق التعاون مع أطراف
سياسية رفيعة المستوى. وعلى رغم كلامي
عن سورية وليبيا، ليست مهمتي إدارة
الأزمات. ويبرز الغضب في تونس ومصر جراء تأخر إرساء
البنى الجديدة. ولكن قضايا مثل تنظيم
الانتخابات وإرساء مؤسسات جديدة وبدء
الحوار بين القوى السياسية تحتاج الى
الوقت، وليس من اليسير على الناس الذين
أسقطوا الديكتاتورية وأطلقوا عجلة
تغيرات تاريخية إدراك ذلك. فالناس
كانوا يعرفون من يواجهون. واليوم،
وجدوا أنفسهم أمام مهمة تحديد أهداف
جديدة. والعملية هذه تفضي الى بروز
انقسامات جديدة. فعلى سبيل المثل، يميل
الإسلاميون الى توجيه العملية
السياسية الى وجهة محددة، بينما يميل
العلمانيون الى وجهة أخرى. ويبدو أن
الإسلاميين والعلمانيين في تونس ومصر
يدركون الأخطار المترتبة على انفراط
عقد الإجماع ويسعون في صوغه مجدداً. ويأخذ التونسيون والمصريون على أوروبا
دعمها الفاتر لهم. فأوروبا غلّبت كفة
الاستقرار على كفة الديموقراطية.
ويفترض بها أن تبادر الى تفسير موقفها،
وأن تبادر الى التزام فعلي في المنطقة.
والتحدي هذا وثيق الصلة بتمويل سياسة
الجوار مع دول الجنوب، في وقت نعاني
أزمة مالية لا يستهان بها. وتعاني الدول التي هبت عليها رياح
التغيير من نتائج انهيار العائدات
السياحية، وارتفاع أسعار النفط وتضخم
الدين العام، في وقت تطمح الى إرساء
ديموقراطيات لا يكون فيها التعليم
والخدمات الطبية حكراً على مجموعة
واحدة. والمؤسسات الأوروبية تدرك أن
المساعدات الاقتصادية ملحة. * ممثل خاص للاتحاد الأوروبي
لشؤون دول جنوب حوض المتوسط، عن «لوموند»
الفرنسية، 19/8/2011، إعداد منال نحاس ============= معضلة أزمة التحول
الديمقراطي في سورية د. موسى شتيوي الغد الاردنية نشر : 25/08/2011 بعد شهور عدة من اندلاع التظاهرات في
سورية والقمع المصاحب لها، فإن عملية
التحول الديمقراطي فيها تعاني من أزمة
متداخلة ثلاثية الأبعاد. البعد الأول؛ يتعلق بالنظام السوري. فقد
أظهرت الأحداث أنه عاجز عن قراءة
الواقع الجديد بعد الثورات العربية،
وأن التحول إلى الديمقراطية هو حق
للشعوب واستحقاق تاريخي في آن. لقد
اختار النظام السوري القمع والعنف بكل
ما أوتي من قوة، مستخدماً ترسانته
العسكرية وآلته القمعية. وقد أضاع
النظام ما كان لديه من فرص لقيادة
التحول السياسي والاستجابة للمطالب
المشروعة للشعب السوري. مما لا شك فيه أنه يوجد هناك غموض يتعلق
باندلاع العنف، زاد من وتيرته عدم
السماح للإعلام الخارجي بتغطية
الأحداث التي تظهر أن النظام السوري
عاجز عن الإصلاح، ليس فقط بسبب لجوئه
للعنف، وإنما قد يكون السبب الأهم من
ذلك هو أن النظام غير قادر على قيادة
العملية الديمقراطية، لأن منح الشعب
السوري أي قدر من الحرية وإجراء
انتخابات نزيهة سوف يؤدي إلى خسارة
الأسد وأسرته، وربما الطائفة العلوية،
وربما خروج الأسد وحاشيته من
المعادلة، ما أعطى الصراع على السلطة
والمحافظة عليها طابع صراع الوجود
والبقاء. أما البعد أو المعضلة الثانية؛ فتتمثل
بالمعارضة التي استطاعت أن تنمو
وتتوسع وتتجذر مع مرور الوقت، إلا أنها
ما تزال تعاني حتى الآن من بعض
الإشكاليات التي تحد من قدرتها على
الإطاحة بالنظام. ومن أهم هذه
الإشكاليات أن تلك المعارضة لم تستطع
التحوّل على الأرض إلى معارضة وطنية
شاملة تضم الفئات الإثنية والعرقية
والدينية كافة المكونة للشعب السوري،
ولم تستطع أن تحدث اختراقاً ملموساً
لصالحها في الطائفة العلوية. كذلك، فإن
العاصمة دمشق وحلب ما تزالان خارج
الحراك الشعبي. والمشكلة المهمة التي
تعاني منها المعارضة هي أنها لم تستطع
أن توحّد صفوفها وتخرج ببرنامج
ديمقراطي لسورية المستقبل يطمئن
الداخل والخارج. لقد حاولت الماكينة
الإعلامية السورية أن تصف المعارضة
بأنها عنيفة، وأنها طائفية ومدعومة من
الخارج، ولم تستطع المعارضة حتى الآن
نفي ذلك بالكامل، وتبديد مخاوف بعض
مكونات الشعب السوري بأنه لن تحدث فوضى
وحرب أهلية بالمستقبل. ولا شك أن
المعارضة ليست المسؤولة، بالدرجة
الأولى، عن هذا الوضع، وإنما النظام
الذي لم يسمح طوال العقود الأربعة
الماضية بتكوين أي شكل من أشكال
المجتمع المدني، والأحزاب السياسية،
وإطلاق حرية الرأي. أما المعضلة الثالثة؛ فتتمثل في بُعديها
الدولي والإقليمي. إذ صحيح أن نظام
الأسد استطاع أن يخسر أصدقاءه واحداً
تلو الآخر بلجوئه للعنف في قمع
المحتجين، إلا أن الذي يحرك الموقف
الدولي ليس فقط البعد الداخلي في
سورية، وإنما البعد الإقليمي الذي
يتمثّل بالمحافظة على المصلحة
الإسرائيلية، وإضعاف إيران وحزب الله،
حليفي النظام السوري. وعليه، فإن
الموقف الدولي والإقليمي في بدايته
كان خياره الأفضل والأقل خسارة هو أن
يتوقف قمع الشعب السوري، وأن يقود
النظام عملية تحول نحو الديمقراطية من
خلال إيجاد إصلاحات سياسية تضمن زيادة
المشاركة الشعبية والابتعاد التدريجي
عن إيران وحزب الله. ولم يشكل هذا
الخيار تواطؤاً مع النظام السوري بقدر
ما كان الخيار الذي يعظم الفوائد ويقلل
الخسائر، وما الموقف التركي إلا مثال
صارخ على ذلك، من خلال تقديمه النصائح
للنظام السوري، ومحاولة تجميع
المعارضة حول موقف موحّد. ولكن هذا
الرهان أثبت فشله حتى الآن، ما أدى إلى
التحول في الموقف الدولي والإقليمي
تحت ضغط الفظائع التي ارتكبها النظام
السوري ضد شعبه. وفشل خيار أن يقود
النظام الإصلاح بنفسه، يضع المجتمع
الدولي في أزمة بشأن كيفية إدارة عملية
التحول الديمقراطي بدون إحداث زلزال
سياسي في المنطقة. إن التغيير في سورية قادم لا محالة، ولكن
لا يبدو أن الحسم سيكون قريباً. وإن
العبء الأكبر في عملية التحول
الديمقراطي يقع على المعارضة لمجابهة
الأساليب القمعية للنظام، والتي عليها
القيام بطمأنة المواطنين السوريين،
وبخاصة من الأقليّات، وأن تطوّر
برنامجاً سياسياً واضحاً قادراً على
الحصول على الدعم الشعبي. ساعتئذ يمكن
لموقف المجتمع الدولي أن يكون فاعلاً
وحاسماً، ولكن يجب أن لا تنتظر
المعارضة من المجتمع الدولي أن يقدم
على تغيير النظام. ============== حسين شبكشي الشرق الاوسط 25-8-2011 ليس في المشهد السوري البائس جديد، فآلة
القمع الموتور تواصل حصاد أرواح
المواطنين بشكل إجرامي وعشوائي، ولا
تفرق بين طفل وشيخ وشاب وامرأة ولا
مسجد ولا مستشفى ولا بيت. ولقد زادت
وتيرة القتل والقمع بشكل هائل بعد
تدهور وضع القذافي وخروجه من السلطة
وسقوط حكمه، وتحولت البوصلة بوضوح نحو
الهدف التالي للربيع العربي وهو نظام
الأسد الدموي الذي يقتل في شعبه للشهر
السادس. ولكن ثمة تطورات لافتة لا بد من
الانتباه إليها داخل الساحة السورية.
اليوم الجيش السوري، الذي يستخدم لدك
المدن السورية، لا يستخدم إلا 50% منه
بعد أن عانى من الانشقاقات التي وصل
عددها إلى خمسين ألف فرد، إضافة لتذمر
الأفراد المنتمين إلى المدن المدكوكة
والمقموعة (وهي كثيرة) وحرصت قيادة
الجيش على عدم المجازفة بإشراك أفراد
من مدن محاصرة. حتى الجيش الذي كان
الحضن الدافئ لأبناء الطائفة العلوية
التي ينتمي إليها بدأ يلاحظ تذمرا
وتململا وانشقاقا، فبإزالة وزير
الدفاع السابق علي حبيب (العلوي) بشكل
مفاجئ كان بشكل أساسي لورود اسمه
كالشخصية الأكثر قبولا لاتفاق الثورة
معه على انقلاب عسكري على نظام بشار
الأسد ولكن النظام استشعر ذلك وأزاحه
ووضع وزير الدفاع داود راجحة (مسيحي)
بشكل رمزي وصوري، إذ إنه في واقع الأمر
يقع بين فكي كماشة دموية مؤلفة من ماهر
الأسد شقيق الرئيس وقائد الفرقة
العسكرية الرابعة التي تقود عمليات
القمع الحقيقية وتتنقل من مدينة
لأخرى، وآصف شوكت صهر الرئيس ورئيس
الأركان الحالي فعليا، وهناك طبعا
أعداد متزايدة من المنشقين من الجيش من
الطائفة العلوية لعل أبرزهم ضابط
برتبة عقيد من آل الأسعد وهي أسرة
معروفة وشكل الجيش السوري الحر، وهناك
أعداد كبيرة أخرى من مختلف الطوائف
انشقت عن الجيش يزيد عددها عن 50 ألف
مجند قرروا العودة لبيوتهم وتسليم
سلاحهم حتى لا يحاكموا عسكريا بسرقته،
غير من يقتل ويحرق لامتناعه عن تنفيذ
أوامر قتل الناس. الخناق الاقتصادي المتزايد نتيجة
الأزمات الداخلية والتظاهر غير
المتوقف من الثوار السوريين واتساع
رقعته ووقته وعدده بشكل مبهر وفعال،
هذا الخناق بدأ يشكل عائقا لافتا
بالنسبة للنظام السوري في قدرته على
تمويل الحكومة (رواتب الموظفين
الحكوميين تأخرت شهرين ومرشحة
للازدياد) وتمويل الآلة العسكرية
الكبيرة بشكل مستمر، فالجيوش «بالوعة»
مصاريف وتكاليف، ومهما استمرت تسريبات
الدعم الإيراني والعراقي واللبناني
للنظام فإن الخناق الاقتصادي المتزايد
سيجعل من هذه المسألة مستحيلة أن تستمر
وتتواصل، وها هي السلطات التركية
تواصل «فضحها» لإيران ودورها الفج في
دعم النظام الدموي في سوريا بإعلانها
عن ضبط شحنات السلاح التي ترسلها إيران
إلى حليفها الأسد، وهذه إشارة صريحة
إلى أن تركيا لن تسمح لإيران بمواصلة
دورها هذا، ويشير خبير اقتصادي مطلع
على الشأن السوري بتعمق فيقول: إن
سوريا ليس لديها الثراء الذي لدى
ليبيا، وبالتالي إمكانية صمود النظام
طويلا غير واردة، وسيخنق النظام قبل أن
يسقط فعليا، ويدرك الأتراك أن لديهم «كروتا»
استراتيجية يلعبون بها في الساعة
الأخيرة من عمر النظام في سوريا، وهي
قدرتهم على التأثير على مدينة حلب
وتحريكها نظرا لتأثيرهم الاجتماعي
والتاريخي والسياسي، وطبعا
الاقتصادي، على هذه المدينة الأكثر
تأثيرا اقتصاديا في سوريا، وكذلك
لديهم «عمق» معين في الجيش السوري
نفسه، ومعرفة هذا التأثير التركي
الخطير على الداخل السوري هو الذي جعل
سوريا والعراق وإيران يحركون الأكراد
لإشغال الجيش التركي الذي يقاتل
الهجمات الإرهابية من الأكراد على
بلاده. العلويون هم ترمومتر التغيير في هذا
الحراك، وباتوا يستشعرون أن النظام
انتهى، ولا مجال أن يصلح النظام ما
أفسده هو شخصيا، وبالتالي لا رجاء ولا
أمل منه أبدا، ويقول أحد أهم المدونين
العلويين على شبكة الإنترنت: «إن حكم
نظام الأسد حولنا من علويين إلى
بشاريين» وأقنعهم عبر السنين الطويلة
من غسيل الدماغ المستمر أنه إما الطاعة
العمياء للنظام أو الفناء والضياع.
النظام السوري يترنح بقوة على حبال
الحلبة، والضربة القاضية قادمة وهي
التي ستسقطه أرضا لا قيام بعدها، فهو
معزول دوليا وعربيا، ومنبوذ ولا حليف
له، ويشار إليه بأنه دموي وغير أخلاقي
وغير صادق. نظام كهذا لا يمكن أن يكون
قادرا على إدارة محل بقالة في حي
بسوريا وله سمعة كهذه، فكيف يتوقع منه
الاستمرار في إدارة البلاد. فقضي الأمر
الذي فيه تستفتيان. وها هو المجلس
الوطني يستعد لإعلان شخصياته وأهدافه،
وعلم بلاده الجديد، لتكون مرحلة جديدة
لسوريا يستحقها هذا البلد العظيم،
وهذا الشعب الكريم، ليتخلص من هذا
العهد الأليم ============== سوريا الجديدة ليست
بحاجة إلى «ماكو زعيم إلا كريم»! صالح القلاب الشرق الاوسط 25-8-2011 يتردد كثيرا الآن، بينما الوضع السوري
كله، معارضة وحكما، عالق في عنق
الزجاجة، أن نجاح الثورة السورية،
التي تختلف كثيرا عن مثيلاتها في بعض
الدول العربية في شموليتها من جهة وفي
غياب اللون الحزبي «الفاقع» عنها من
جهة أخرى، بحاجة إلى زعيم يشكل رمزا
يلتف حوله الثائرون، ويكون عنوانا لهم
إن في علاقاتهم الداخلية بعضهم ببعض،
أو في العلاقات الخارجية الدولية
والإقليمية. وحقيقة، فإن الذين يفكرون بهذه الطريقة
إما أنهم بسطاء حتى حدود السذاجة، أو
أنهم يسعون لأن ينتج هذا النظام السوري
«أسدا» جديدا إن على شاكلة الأسد
الكبير الذي حول الحزب إلى مطية له
للوصول إلى الحكم ثم ألغى كل شيء، أو
على شاكلة الأسد الصغير الذي أزاحت
الأقدار من أمامه شقيقه باسل وقبل ذلك
عمه رفعت فأصبح ديكتاتورا مغرورا
اعتقد في لحظة من اللحظات أنه يمسك
الشمس بيمينه والقمر بشماله. لا تحتاج هذه الثورة السورية، التي إن هي
أنجزت هدفها فإن التاريخ سيسجل أنها
واحدة من أهم ثورات القرن الحادي
والعشرين كما كانت الثورة البلشفية
الروسية والثورة الماوية الصينية
والثورة الخمينية الإيرانية من أهم
ثورات القرن العشرين، لا إلى زعيم رمز
ولا إلى قائد أوحد على غرار عبد الكريم
قاسم الذي كان أعوانه والمعجبون به،
ومنهم ذلك المهرج الكبير الذي كان
رئيسا لمحكمة الثورة فاضل عباس
المهداوي، يهتفون طيلة أيام حكمه
القليلة «ماكو زعيم إلا كريم»، بل إلى
صيغة ديمقراطية بديلة لكل هذا القمع
المتواصل الذي غير توجهات بلد عظيم
فأصبح في هذه الحالة المخزية التي «لا
تسر الصديق ولا تغيظ العدا»!! منذ البداية وقبل حسم هذه المعركة
المحتدمة يجب أن يضع الثوار في
اعتبارهم أن أي خطأ في الحسابات سيؤدي
إلى أن تذهب كل هذه التضحيات وكل هذه
الدماء الزكية هدرا، وأن يُستبدل بهذا
النظام، الذي لا يشبهه في هذه الوصلة
من التاريخ إلا نظام كيم جونغ إيل في
كوريا الشمالية، نظامٌ أكثر منه
ديكتاتورية ولكن بملمس مذهبي وبنكهة
طائفية ستكون في كل الأحوال «ديكورا»
لنزعة استبدادية ستغرق سوريا في عقود
ظلام جديدة على غرار ما حصل «منذ أن أدى
(البعث) رسالته»، وأخذ دوره في
الانقلابات العسكرية المتلاحقة التي
أنهكت هذا البلد الذي كانت بدايته
واعدة قبل أن يقوم حسني الزعيم
بانقلابه الذي انتهى بانقلاب مضاد،
وهكذا، إلى أن وصلت هذه الموجة إلى
حافظ الأسد الذي كرس نفسه بعد حركته
التصحيحية غير المباركة زعيما أوحد لا
يوجد غيره ولا كلمة إلا كلمته والشعب
هو وهو الشعب والحزب والجيش والاقتصاد
والسياسة وكل شيء. قبل حافظ الأسد لم تعرف سوريا الزعيم
الأوحد على الإطلاق، فشكري القوتلي
كان إنسانا طيبا، وكانت نزعته
ديمقراطية بعيدة عن الاستبداد
والديكتاتورية، وكل الذين جاءوا بعده
من قادة الانقلابات العسكرية كانوا
عابرين في طريق عابر، ومن بين هؤلاء
أمين حافظ أول رئيس لدولة «البعث» الذي
كان في حقيقة الأمر مجرد «قبضاي» حارة
أكثر منه رئيس دولة بحجم الدولة
السورية ومكانتها التاريخية وموقعها
على الخريطة العربية والإقليمية، وكان
من بين هؤلاء الدكتور نور الدين
الأتاسي الذي اعتاد، قبل إدخاله سجن
المزة بعد الحركة التصحيحية ليقضي في
إحدى زنازينه الانفرادية بقية عمره،
العودة إلى حمص ليرتاح من عناء الرئاسة
بضعة أيام في بيت عائلته العريقة عندما
يشتد عليه ضغط المنتقدين من الرفاق
وضغط إرهاصات الانقلاب الذي قام به
حافظ الأسد على رفاقه، ويضع لنفسه
شعارا بقي يردده أعوانه هو «إلى الأبد
يا أسد». إذا أرادت هذه الثورة السورية العظيمة
التي، حتى الآن، يمكن اعتبارها أم
الثورات العربية المعاصرة ورمز هذا
الربيع العربي، أن تسلم رقبة سوريا
وشعبها إلى ديكتاتور جديد، فإن عليها
ألا تستجيب لرغبات الذين ينصحونها
بالبحث عن رمز لها، فالمفترض أن زمن
الرموز الذين لا يجود الزمان بمثلهم قد
ولّى إلى غير رجعة، والمفترض أن ظاهرة
ستالين وأدولف هتلر وسالازار وفرانكو
وأيضا كاسترو وحافظ الأسد وصدام حسين
ومعمر القذافي قد أصبحت صفحة مطوية
وانتهت إلى مزبلة التاريخ. كان على حافظ الأسد حتى يكرس نفسه زعيما
أوحد لدولة هرستها الانقلابات
العسكرية حتى ألغت ملامحها
الديمقراطية التي كانت واعدة بالفعل،
قبل أن يبدأ حسني الزعيم هذه السلسة
الطويلة التي كان انقلاب «البعث» في
الثامن من مارس (آذار) عام 1963 إحدى
حلقاتها الرئيسية، أن يدمّر الحزب
ويحوله إلى مجرد إطار «ديكوري» لنظام
حركته التصحيحية، كما كان عليه أن يجرد
المجتمع السوري من كل قيمه النبيلة،
وأن يحول الذين من المفترض أنهم نواب
الشعب إلى مجرد هتيفة على غرار ما
شاهده العالم عندما ذهب ولده بشار الذي
هو سر أبيه إلى ما يعتبر برلمان سوريا
ليوجه من فوق منصته ذلك الخطاب البائس
المعروف بعد أيام من انطلاقة شرارة هذه
الثورة الواعدة العظيمة من درعا. إن هناك تجربة يجب أن تحرص هذه الثورة على
تجنبها منذ الآن كي لا يجد الشعب
السوري نفسه لا أمام حالة كحالة «ماكو
زعيم إلا كريم» ولا أمام صدام حسين آخر
ولا حتى عبد الناصر جديد، فالمفترض بعد
كل هذه المعاناة الطويلة أن تُقبر
ظاهرة «القادة مندوبي العناية الإلهية»
الذين لا يجود الزمان بمثلهم منذ الآن،
فالسوريون كأشقائهم العراقيين
وكأشقائهم الليبيين شربوا كأس السم
حتى الثمالة، ولذلك فإن من حقهم على
ثورتهم ألا تسلم أعناقهم لا إلى حزب
يكون نسخة أخرى عن حزب البعث ولا إلى
زعيم طامع لن يكون في أفضل الأحوال
أفضل من حافظ الأسد ولا أفضل من ابنه
بشار الذي تكمن مشكلته في أنه يعتقد أن
الزمان لم يجد بمثله وأنه قادر على ما
لم تستطعه الأوائل. حتى جمال عبد الناصر الذي جاء إلى الحكم
بانقلاب عسكري أبيض في الثالث
والعشرين من يوليو (تموز) عام 1952 كان
عليه حتى يكرس نفسه زعيما أوحد أن
يتخلص من محمد نجيب كبداية لمشواره
الطويل الذي كان رحلة تصفيات متلاحقة
بقيت تأكل رموز ذلك الانقلاب، الذي لا
يزال هناك من يصر ويواصل الإصرار على
أنه ثورة، وهذا هو ما حصل أيضا في
الجزائر بعد انتصار ثورتها العظيمة
حيث انقلب هواري بومدين على أحمد بن
بللا الذي لولا قضاء الله وقدره لربما
بقي في الحكم حتى الآن. بعد أكثر من ستين عاما من الانقلابات
العسكرية، وبعد حكم فردي استمر مع حافظ
الأسد ومع نجله هذا الذي هو سر أبيه،
فإنه آن الأوان أن يعود الشعب السوري
العظيم، وأن تعود سوريا العظيمة، إلى
نقطة البدايات عندما كانت هناك تجربة
واعدة لو أنه تم البناء عليها ولو أنه
لم يتم اغتيالها بمسلسل الانقلابات
العسكرية وبظاهرة الحزب الأوحد
والقائد الرمز لكان هذا البلد في وضع
دولة مثل فرنسا ومثل إيطاليا، إن من
الناحية الاقتصادية وإن من الناحية
السياسية والاجتماعية والتجربة
الديمقراطية العريقة الفعلية. كما أن هذه الثورة العظيمة تقدم كل هذه
التضحيات وتدفع كل هذا الثمن الباهظ
لتتخلص من آخر حلقات ظاهرة الانقلابات
العسكرية، ولتستعيد سوريا وجهها
الحضاري العريق فإن عليها ألا تقع في
الأخطاء التي وقعت فيها تجارب كانت
واعدة لكنها انتهت إلى كوارث مدمرة
عندما سلمت نفسها لحزب ديكتاتوري
النزعة سواء كان قوميا أو دينيا أو
يساريا أو يمينيا، حيث انتهت الأمور
إلى ظاهرة «ماكو زعيم إلا كريم»، وإلى
ظاهرة صدام حسين الذي دمر بلاد ما بين
النهرين العظيمة وانتهى بها إلى
احتلال أميركي علني واحتلال إيراني
مقنع ببعض الصيغ الحزبية التي أفرخت كل
هذه الميليشيات المذهبية والطائفية. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |