ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 03/09/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

الثورات العربية... تجربة مختلفة

تاريخ النشر: الجمعة 02 سبتمبر 2011

د. عمار علي حسن

الاتحاد

لا يخلو السجال الدائر حول تقييم الثورات العربية من تسرع وخبل. فهناك من يتعامل مع الثورة على أنها نموذج واحد يجب أن يتكرر في كل زمان ومكان على غرار ما وقع في التجارب الثورية التي تركت بصمات واضحة وعلامات فارقة في تاريخ البشرية، مثل الثورات الفرنسية والروسية والصينية والإيرانية والمكسيكية وغيرها. ويقيس هؤلاء نجاح الثورة أو فشلها على مدى تطابقها مع هذه الأنماط التي يتم استدعاؤها كلما اندلعت ثورة في أي بقعة من بقاع الأرض.

ومثل هذا التصور يغفل أموراً عدة منها اختلاف السمات النفسية لبعض التجمعات البشرية عن غيرها، واختلاف التجربة التاريخية، والجينات الحضارية، وطبيعة الشخصية القومية لأمة من الأمم أو دولة من الدول عما عداها. كما يغفل هذا التصور اختلاف الزمان وتطور أساليب المعيشة وتقدم وسائل الاتصال. فما كان يستغرق سنين في السابق يمكن أن يتم في بضعة أسابيع حاليّاً. والتلاقي عبر مواقع "التواصل الاجتماعي" على الشبكة الدولية للمعلومات "الإنترنت" لعب دوراً أسرع في إطلاق الثورة المصرية من ذلك الذي لعبته "الكاسيت" في الثورة الإيرانية، نتيجة الفرق في التقنيات والإمكانيات بين هاتين الوسيلتين. وتسجيل المواقف والتعبئة للتظاهر والاحتجاج السلمي من خلال "الفيسبوك" و"التويتر" و"اليوتيوب" أسرع وأمضى وأكثر انتشاراً من قيام الإيرانيين مثلًا بالتكبير فوق أسطح البنايات ليلاً، ليقوي بعضهم بعضاً في وجه نظام الشاه.

وفي حقيقة الأمر، لا تشبه أي ثورة أختها، فكل منها حالة فريدة في ذاتها، كبصمة الإصبع، أو أقرب إلى وضع المرضى النفسيين، الذين قد يتشابهون في بعض الأعراض العامة التي تمكن الأطباء من تشخيص وإحالة كل مريض إلى مرض بعينه في تصنيف لا مفر منه توطئة لأقرب علاج، ولكن سمات كل فرد على حدة، حتى داخل المرض أو الاضطراب الواحد، لا تشبه ما لدى غيره أبداً.

ومن هنا فإن من العبث أن يعتقد أحد أن بمُكنته أن يقيس أيّاً من الثورات العربية الحالية على ثورات أخرى، أو يضع نموذجاً لثورة قد وقعت أمام عينيه وهو يقيم ثورة تندلع أو لا تزال وقائعها تجري، ولم تتم بعد. كما ليس بوسع أحد أن يعتقد أن للثورات طريقاً واحداً في التطور والارتقاء، وأن غاياتها ومقاصدها مأمونة ومضمونة في كل الأحوال. فبعض الثورات أكلها الزمن. وبعضها توقف في منتصف الرحلة فسجله المؤرخون مجرد "انتفاضة" أو "هبة" أو "فورة". وبعضه تم تشويهه وشيطنته ونزع التعاطف الاجتماعي حياله، مثل ما حدث للثورة العرابية العظيمة، التي ساد عنها نعت أعدائها لها بأنها "هوجة" ليصموها بالتهور والانفعال والعدوانية، ووصل الأمر إلى حد تحميلها مسؤولية احتلال مصر على يد الإنجليز عام 1882.

وهناك ثورات انتهت إلى مجموعة من الإصلاحات البسيطة على النظام القائم. والأفدح من هذا هي الثورات التي فشلت فشلًا ذريعاً، حين تمكنت "الثورة المضادة" من الانتصار، وأعادت النظام القديم، وكأن شيئاً لم يجر. أو حين دخلت قوة شريرة على مسار الثورة وجعلتها تنزلق إلى عنف مفرط وفوضى شاملة أو حرب أهلية.

وإذا انطلقنا من هذا الأساس نستطيع أن نفهم طبيعة الثورات العربية الراهنة، التي اكتمل فصلها الأول في كل من مصر وتونس، ولا يزال هذا الفصل الأول جاريّاً في اليمن وسوريا وليبيا. وحين تكتمل الفصول كلها، يمكن أن نقول بملء الفم ما إذا كان العالم العربي قد شهد ثورات فعلًا أم أنها كانت مجرد انتفاضات هزت أركان النظم بقوة، ولكنها لم تسقطها تماماً.

فالتعريف البسيط والمباشر والدال للثورة هو أنها "عملية تغيير جذري"، وهذا التغيير يتم حين نهدم النظام القديم هدماً مبرماً، ونشرع في بناء نظام جديد على أنقاضه. وهناك فارق جوهري بالطبع بين هدم النظام الحاكم وبين هدم الدولة. فالثورات يفترض أنها تقوم لبناء الدول، وتسعى إلى أن تنتشلها من التهديد المادي والمعنوي الذي تتعرض له، أما الحركات العنيفة التي ترمي إلى هدم الدولة فيمكن أن ينصرف تصنيفها إلى شكل احتجاجي آخر من قبيل "التمرد" و"الحرب الأهلية" و"العنف الاجتماعي المفرط" و"إشاعة الفوضى"، والعبرة في الحكم على ما إذا كان الفعل الاحتجاجي عملاً إيجابيّاً لصالح الوطن من عدمه مرتبط أساساً بالأهداف الرئيسية التي حددتها الطليعة الثورية لانطلاق حركتها، التي يجسدها "البيان الأول" أو "الشعار الأثير" أو ما يعرف عن هذه المجموعة من أفكار وتوجهات قبل انطلاق الفعل الثوري.

وإذا توقفت حركة النضال من أجل التغيير قبل بلوغها حد إحداث تبدل جوهري في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة فإنها لا ترقى إلى أن تكون "ثورة" وقد يحكم عليها التاريخ فيما بعد على أنها "انتفاضة" شعبية أسقطت أركان السلطة أو رأسها ولكنها لم تمتلك القدرة التي تمكنها من الإجهاز على بنية النظام القديم وركائز قوته تماماً.

ولكن لا يمكن الحكم على حركة تغيير فارقة بأنها ثورة من عدمه إلا بعد أن تعطى فرصة زمنية كافية. فالثورة قد لا تحوز قدرة إسقاط النظام الحاكم بالضربة القاضية، وتدخل ضده في "معركة استنزاف" يطول أمدها، لتصفيته تباعاً، وتتقدم خطوات إلى الأمام حتى ولو كانت وئيدة، نحو بناء نظام سياسي جديد، ما إن تكتمل أركانه وتتعزز ركائزه حتى يتصاغر النظام القديم ويتلاشى.

الثورات موجات، فلا يحكم على الثورة، نجاحاً أو فشلاً، بمجرد تقييم موجة واحدة لها. وفي الغالب الأعم تكون الموجة الأولى للثورة هي الأسهل، لاسيما في الثورات الشعبية، التي تشهد حضوراً جماهيريّاً طاغيّاً، وزخماً ظاهراً، بما يجعلها تمتلك قوة دفع هائلة، تجرف أمامها أي عقبات أو عثرات ترمي إلى إعاقة التقدم الثوري، وتعطيل الثوار عن بلوغ هدفهم الأساسي الأولي وهو إسقاط النظام الحاكم.

ولكن هناك من بين القوى الشعبية الغفيرة التي صنعت الثورة من تظن أن مهمتها قد انتهت بمجرد إجبار الحاكم على التنحي، لأن تواجده في السلطة يمثل التحدي النفسي الرئيسي لهؤلاء، وهم يقيسون نجاح الثورة أو فشلها بقدرتهم على إزاحة الطاغية في أسرع وقت ممكن، دون أن تعنيهم مسألة بناء "مؤسسة للثورة" تستطيع أن تملأ الفراغ الذي ينجم عن الغياب المفاجئ لحاكم مستبد مدجج بصلاحيات واسعة. وهذا الوضع يفتح الباب أمام القوة المنظمة في المجتمع، التي غالباً ما تكون الجيوش، للدخول بثقلها وجذب إمكانات الثورة إليها، وتوظيفها كأداة للاستيلاء على السلطة تدريجيّاً، أو الاحتفاظ بها، لاسيما إن انفضت الجماهير العريضة عن ثورتها.

=============

المقاومة الكبرى والمقاومة الصغرى

الفضل شلق

السفير

2-9-2011

الحرية هي أنت وذاتك مندمجين متحدين. في نظام الاستبداد تنسلخ ذاتك عن نفسك، وتغرق في دياجيرها. يجبرك الاستبداد على أن تصير شخصين في واحد، على أن لا تظهر على حقيقتك؛ أن تكون مرائياً، أن تكون مصاباً أخلاقياً؛ أن تقول في المجال العام الرأي الذي تقوله في مجالك الخاص. يبلغ الاستبداد حده الأقصى حين لا تجرؤ أن تقول لنفسك ما تفكر فيه. الخطوة التالية هي أن تتوقف عن التفكير، خوفاً من أن يعرف النظام، بطريقة أو بأخرى، ما تفكر فيه. يتوقف التفكير حين تكون نتائج التفكير محسوبة. يتوقف التفكير حين لا يكون الهم إلا إرضاء أهل السلطة. هذا عن الانسلاخ الفردي.

أما الانسلاخ الجماعي فقد ظهر في الربع الأول من القرن العشرين، بعد مؤتمر فرساي، وعلى أساس اتفاقيتي سايكس بيكو. انسلخت الأمة عن بعضها. كان الجمهور يعتقد أن وحدة الأمة، أو على الأقل، وحدة معظمها، ستكون أمراً طبيعياً. في كل مكان كانوا يتمنون عودة لواء اسكندرون وفلسطين. لكن التجزئة غلبت. الأمبريالية كانت مصدر التجزئة: هي التي قررت ذلك. تشلّعت الأمة، وانسلخت عن بعضها؛ أو على الأقل هذا ما أصاب وعيها وتصورها حول المستقبل.

كان جورج بوش الابن، على سبيل المثال، يردد أن الحرية منحة من الله. بالنسبة له، الله يمنح الحرية من السماء؛ الولايات المتحدة تمنحها على الأرض؛ وهو وكيل الإثنين معاً. على هذا الأساس وطدت الأمبراطورية العزم على تلبية مصيرها المحتوم، على تلبية النداء الإلهي وتصدير الحرية إلى البلدان الأخرى؛ التي تحتاجها، والتي لا تريدها.

اعتقدت الأمبراطورية أنها ذات قدرات تضاهي القدرات الإلهية، فانطلقت في مشروع تدمير الدول الاستبدادية، وإجراء الانتخابات الديمقراطية، لبناء أمم حديثة تليق بما أنعم الله وأميركا. صارت الحرية أهم صادرات الرأسمالية الأمبراطورية، مع الدولار

لاستيراد سلع ومدخرات دول آسيا الشرقية، طبعاً الدولار المخفض القيمة تدريجياً. وطبعاً كان تصدير الحرية أمراً مربحاً، خاصة في منطقتنا ذات النفط الكثير. علماً بأهمية النفط الاستراتيجية. بعض نخبنا استفاد من استيراد الحرية، كما استفاد بعض التجار من استيراد السلع، وجميع ذلك بالدولار طبعاً. لكنهم يجدون في ما بعد أنهم يستوردون قبض ريح، وأن النتائج كانت وخيمة على أقطار أمتنا.

حقيقة الأمر أن الحرية لا تُستورَد ولا تصدّر. هي تصنع محلياً. يصنعها من يريدها؛ الإرادة هي التي تصنع الحرية. يصنعها الناس في تماسك كل فرد منهم؛ في نضاله ضد الاستبداد؛ يصنعها المجتمع في وحدته، أو في سعيه نحو التوحد في نضاله ضد الامبراطورية. ضد الرأسمالية العالمية. الأمبريالية والاستبداد متحالفان. والنضال ضدهما واحد.

تُصنع الحرية بالنضال ضد جميع أنواع الاستبداد، ضد جميع أنواع السلطة والتسلط؛ سواء كان ذلك ضد السلطة السياسية أو الدينية أو الأمبريالية. تُصنع الحرية بالمقاومة، شتى أنواع المقاومة؛ ضد شتى أنواع الاستبداد المحلي والإقليمي والعالمي؛ ما النضال في لبنان، أو غيره، ضد إسرائيل أو غيرها، سوى مقاومة مموضعة، جزئية، تشمل بعض الأمة في صراعها مع أعدائها. المقاومة في لبنان ليست كل المقاومة العربية ضد عقود من القهر والإذلال والنهب والتخريب والتدمير. المقاومة في لبنان مقاومة صغرى. مقاومة الأمة هي المقاومة الكبرى. تحرز كل مقاومة صغرى انتصارها، حين تندمج في المقاومة الكبرى، كما يندمج المرء مع نفسه.

بالمقاومة، بالنضال، بالصراع، يتحد المرء مع نفسه، ويصير ذاتاً فاعلة؛ يتحول من ذات مشلّعة منسلخة تعاني الذل والهوان، إلى ذات فاعلة فخورة بنفسها ممتلئة بالمعنى والمغزى. بالمقاومة الكبرى تصير الأمة ذاتاً جماعية فاعلة؛ تمنح أفرادها العزة والكرامة. الثورة العربية تستعصي على التحليل. يستعصي كل زلزال على التحليل. استعصت الأزمة المالية العالمية، التي تلتها انهيارات ما زالت مستمرة، على تحليل علماء الاقتصاد.

الثورة فيض روحي، تفيضه الأمة على الأفراد والجماعات. في الثورة وحدها تتجلى إرادة الشعب، يتجلى الشعب الذي كان من قبل كماً مهملاً، حتى بالنسبة لعلماء الاقتصاد والاجتماع والأنتروبولوجيا والجغرافيا والتاريخ. لا ننسى أن هناك في الغرب والشرق من قالوا أننا لا نستحق الثورة ولا نستحق الديمقراطية ولن نستطيع صنع أية منهما. بعض شعرائنا الكبار قالوا ذلك.

ما ندعو إليه هو بعض التواضع أمام شعبنا وأمتنا. الدفاع عن بعض الأنظمة بحجة غياب البدائل، فيه استغفال لإرادة الشعب؛ إن لم نقل وصاية عليه. على كل حال، الذين في موقع السلطة هم الذين يجب أن يُسألوا عن البدائل؛ ألم يتولوا السلطة من أجل ذلك.

منذ أيام، تحديداً الاثنين في ولاية أيوا، ذكر الرئيس أوباما شيئاً عن انهيار السياسة في الولايات المتحدة. تنهار السياسة في العالم من جراء السياسات الأمبريالية، وخضوع الرأسمال الصناعي والزراعي للرأسمال المالي، وسيطرة المال على القيمة، وتردي أوضاع العمال الذين يصنعون القيمة. لا غير العمل البشري يصنع القيمة.

نستعيد السياسة، أي الإرادة، عندما تعود الثورة بعد طول غياب. تناضل أمتنا، تقاوم، تمارس السياسة، تفرض إرادتها على الحكام. الثورة طريق التحرر. التحرر عملية طويلة؛ ربما استغرقت سنوات أو عقوداً من السنين. ستكون الكلفة عالية باهظة. سيكون هناك خراب ودماء وقتل كثير. أمتنا هي منطقة الوصل والفصل في العالم. ثورتها تعيد صنع العالم بمقدار ما يكون مشروعها إنسانياً كونياً. وما كان صدفة أنها حدثت في النقطة الأضعف من النظام العالمي، في لحظة الأزمة العالمية. كما لم يكن صدفة أن الثورة العربية انطلقت في وقت واحد في مختلف الأقطار العربية، تطلب شيئاً واحداً، لكنه ليس بسيطاً.

لا يضير الثورة عفويتها، والتباسات مطالبها. لم يتوقعها المثقفون والقادة. وهذا لا يضيرها أيضاً. إذا كانت الثورة لا تتفق مع الشروط الثورية المنصوص عليها في كتاب الثورة، فهذا لا يعني أن ننكرها. نغيّر أفكارنا عندما تتناقض مع الواقع. نرمي الكتاب جانباً نقرأ من كتاب الحياة. على كل حال ليس هناك كتاب لشروط الثورة إلا في الوهم والخيال.

يتمسك المثقفون والقادة بأوهامهم حيال الثورة. ما يتمسكون به هو السلطة المعرفية أو السلطة السياسية الجزئية التي بيدهم. ينكرون، لأنهم لا يدركون مشروع الأمة.

مشروع الأمة يتجلى يوماً بعد يوم، من دون إيديولوجيا مسبقة، ومن دون قيادة كاريزمية، ومن دون ما يعتقد أنه دليل الثورات.

ما نعرفه من دراسة التاريخ أن ما من ثورة حدثت إلا ونشأت الإيديولوجيا الخاصة بها في ما بعد، وركبتها القيادة الكاريزمية في ما بعد. الثوريون الحقيقيون يُقتلون خلال الثورة. صناع الثورة من الفقراء يعاد استعبادهم بعد ظهور القيادة الكاريزمية.

انفتحت آفاق الأمة العربية على نقاش مفتوح في السياسة وفي الدين وفي كل ما يتعلق بشؤون الحياة. انفتحت أبواب كانت مغلقة. ما نراه لم نكن نحلم به قبل بضعة أشهر.

من حسن الحظ أن الثورة العربية انطلقت من دون أن تستشير العجائز الذين نحن منهم. انطلقت الثورة عفوية تلقائية، وسوف تجد من الأفكار والقيادات ما يناسبها، أو لا يناسبها. المهم أن لا نضع أنفسنا في موضع الوصاية على شعوبنا ومجتمعاتنا. بين التواضع والاستكبار، نختار التواضع.

=============

هارا وفرزات اقلقا الجنرالات: لماذا يجب تهشيم اصابع الموسيقي والرسام

باسل علي

2011-09-01

القدس العربي

ليلة الجريمة النكراء، حشر في ستاد سانتياغو دي تشيلي ألوف الشبان الذين جمعهم جنود الجنرال بينوشيه، كان من بينهم شاب في الثلاثين من عمره، اشتهر بعزفه الشجي على الغيتار، وانتصاره للتجربة الديمقراطية التي أوصلت الرئيس سلفادور الليندي إلى سدة الحكم، تقدم منه أحد ضباط الانقلاب، الذي قاده الدكتاتور بينوشيه، وأمر جنوده بإحضار الغيتار، وقدمه للشاب فيكتور هارا، طالبا منه العزف، إلا أن الشاب هارا رفض قائلا إن موسيقاه خلقت للحياة وليس للموت، فما كان من الضابط إلا أن قطع أصابع يدي هارا العشرة، قائلا له: أصبح بوسعك الآن أن تعزف موسيقى الموت.

صباح الجريمة النكراء ذاتها، حشرت مجموعة ملثمة من شبيحة الجنرال الصغير رجلا خمسينيا في سيارة سوداء قاتمة وانهالوا عليه بالضرب بأكعاب البنادق ذاتها، كان ذلك الرجل فنان ذاع صيته برسوماته الكاريكاتورية اللاذعة، وانتصاره لثورة الحرية في بلاده التي هزت مضجع الجنرال وسدة حكمه، تقدم منه أحد الملثمين وقال له: أهذه هي الأصابع التي ترسم وتتطاول بها على أسيادك، وانهالت عليه الضربات واللكمات والرفسات وأعقاب البنادق والمسدسات من كل الجهات قبل أن تلفظه السيارة على طريق عام سريع لما كانت قطرات الندى تتسرب بين ثنايا بياض الياسمين.

بين فصلي الجريمة ذاتها ثمة فاصل زمني يمتد لنحو 35 عاما، لكنه فاصل لا يغير في صورة وجه القاتل شيئا، فعند هذا المستوى الرفيع من الجريمة تتشابه وجوه القتلة بكل ما فيها من ندوبات خلفتها رعونة ذلك الإصرار على الإيغال في ممارسة القتل والتعذيب والبطش.

بعد أن انقضت عقود من الزمن على الفصل الأول من الجريمة النكراء، أعاد قاض تشيلي فتح القضية المتعلقة بجريمة قتل الموسيقي والمغني والشاعر والمخرج المسرحي التشيلي فيكتور هارا، الذي اغتيل في 16 ايلول/سبتمبر 1973 في ملعب لكرة القدم في العاصمة سانتياغو، حيث زج به مع خمسة آلاف شخص آخر على يد القوات القمعية التابعة للنظام الديكتاتوري الذي كان يقوده الجنرال أوغستو بينوشيه والتي لم يكن قد مضى على اطاحتها بحكومة الرئيس الراحل سلفادور دالي المنتخبة بصورة ديمقراطية سوى خمسة أيام.

لم تمض سوى ساعات قليلة على الفصل الثاني من الجريمة النكراء ذاتها، حتى تنادت الأصوات من داخل سورية ومن جميع أنحاء الوطن العربي والعالم لإدانة الاعتداء على الفنان والمثقف والمناضل السوري علي فرزات وباستنكارها وبالمطالبة بمحاسبة المجرمين الذين اقترفوها والمعروفة أسماءهم وعناوينهم وأرقام قيودهم، بينما وثقت أصابع بيضاء لكل هذه التفاصيل المكونة للجريمة والمحيطة بها في دفتر أوراقه غير قابلة للتلف وحبره لا يذوب ولمن دونها ذاكرة من حديد لا تنسى.

في الفصل الأول من الجريمة، قال بعض الجنود إن ضابطا من الجيش يطلقون عليه لقب الأمير، كان قد عذب هارا حتى الموت بما في ذلك قيامه بتهشيم وتقطيع أصابع يديه العشرة بعد أن رفض المغني العزف على قيثارته نزولا عند طلب ذلك الضابط الذي لم يرق له رد الثائر التشيلي على طلبه حين قال له: 'أنا لا أغني للموت، أنا أغني للحياة فقط'.

في الفصل الثاني من الجريمة، قال الجنرال للرسام: كفى، رسوماتك بدأت تزعجني وتقضّ مضجعي وتهز عرشي وتثير حفيظة أتباعي، وإذا أردت أن تنجو بنفسك، فعليك التوقف عن الرسم والتخلي عن (صبيانيتك) السياسية، فرد الفنان في رسالة تحذير شديدة للنظام، بأنه إذا كان يريد أن يخرج من الحفرة التي هو فيها حاليا فعليه أن يوقف الحفر، مشككا بإمكانية خروجه بعد سقوط أعداد كبيرة من القتلى والضحايا منذ بداية الانتفاضة السورية ضد النظام.

في الوقت الذي يصعب فيه تحديد هوية الجنود شبه العسكريين الذين شاركوا في المجزرة الانسانية الوحشية في تشيلي، يدرك جميع التشيليين في يومنا هذا، بلا أدنى شك، أن الاسم الحالي لملعب كرة القدم ذاك هو اسم من كان رمزا موسيقيا للمقاومة ضد الانقلاب العسكري الدموي الذي قاده الجنرال المجرم، الذي مات خلف القضبان قبل أن يسدل الستار على محاكمته، وقبل أن يصدر حكما قضائيا في حقه طالبت به أمهات وزوجات وآباء وأزواج وشقيقات وأشقاء وصديقات وأصدقاء وجيران وجارات فقدوا أحبة لهم بفعل آلة القمع ذاتها المستخدمة في هذين الفصلين من الجريمة ذاتها.

في الوقت الذي لا حاجة فيه لأن يرفع اللثام عن أسماء الملثمين الذين اعتدوا على رسام الكاريكاتير، فوجه المعتدي الأكبر عليه معروف للجميع، لا حاجة أيضا لأن يطلق اسم من لا يزال رمزا فنيا للمقاومة ضد الاستبداد والقهر والقتل على ملعب كرة قدم مماثل أو حتى شارع من شوارع دمشق أو حمص أو درعا، لأن صاحب الرمز سيظل يرسم وسيواصل مسيرته الكفاحية التي كان يدرك منذ البداية أن دربها ليس مفروشا إلا بورود حرية منشودة طال انتظارها.

يدا الموسيقار تحولتا إلى اسطورة منذ لحظة اغتياله، فهناك روايتان بهذا الخصوص. الأولى يرويها من يؤكدون أنه بعد تلقيه ضربات شديدة والتعرض لأساليب متعددة ومتنوعة من التعذيب، فإن هاتين اليدين، اللتين طوعتا القيثارة لإلهاء الخوف وابعاد شبح الموت وترسيخ روح المقاومة، تعرضتا للتعذيب بأعقاب البنادق القاسية بطريقة وحشية أدت إلى إعطابهما تماما قبل أن يطلق الملثمون أنفسهم رشقة من الرصاص كانت اكثر من كافية لإغتياله. أما الرواية الأخرى فتقول إن كلتا يديه قد تم بترهما، بينما تم رمي جثته على الفور بعد التعذيب الذي تعرض له ورفاقه في ملعب كرة القدم في حرج قريب من مقبرة العاصمة.

يتذكر التشيليون فيكتور هارا في هذه اللحظة على طريقتهم، حيث يقف محبوه ومؤيدوه على النظرة الجديدة التي تكنها العدالة التشيلية لهذا العملاق الفني والوطني والانساني وذلك لجهة الدور الذي تلعبه في عدم ترك الجريمة تمر دون معاقبة مرتكبيها.

ينظر السوريون إلى علي فرزات بالطريقة ذاتها حتى لو كان يتعين عليهم الإنتظار قليلا حتى يرى محبوه العدالة السورية وهي تقاضي من حاولوا تهشيم أصابعه وشلها عن الحركة في محاولة بائسة منهم لاسكات صوت لم يقترف صاحبه أي ذنب آخر سوى أنه طالب برفع راية الحرية في بلد هو أحوج ما يكون لها.

كل تشيلي بشيوخها برجالها بنسائها بصبيانها وصباياها ولا سيما أطفالها ومعهم أطفال امريكا اللاتينية والعالم يحتفظون بهذه القامة العالية في أعز ركن من وجداناتهم وأفئدتهم وتفكيرهم، الجميع هناك في الوطن، في امريكا الأصيلة يبتهجون لحضور وجه هارا بين ظهرانيهم حتى بعد رحيله رغم ضخامة الخسارة واتساع مساحة الحزن في قلوبهم .

لا يدرك الذين هشموا اصابع علي فرزات وضعضعوا جسده دون فكره أن ملايين الاصابع سترتفع إلى أعالي السماء وتبقى تنادي بالحرية، حرية التعبير والعيش الكريم بلا هواجس ولا حواجز ولا كواتم صوت ولا غرف معتمة تحت الأرض ولا فرق للموت، لا يدرك هؤلاء الذين أعمتهم السلطة واستمرأوا لون الدم أن اصبع رسام يرتعش في يد مبدع انسان سيولد في البلاد ملايين الأصابع والحناجر.

=============

عن مدينة ساحلية في سورية: الاخوة الاعداء

خولة دنيا

2011-09-01

القدس العربي

اليوم اقتحموا باب الدريبة.. اعتقلوا الشبان.. ونهبوا المنازل ثم أحرقوا ما تبقى.. هي جبلة الأدهمية التي تنتظر الرعب منذ عشرة أيام.. والمخاوف من الاقتحام لا تفارق شبابها..

جبلة اليوم هي مفتاح حديثي هذا.. بعد أن رأيت على الصفحة الخاصة بها دعوات طائفية للانتقام من العلويين بسبب مواقفهم السلبية من الحراك هناك، والمظاهر التي رافقت الشبيحة فيها من إبراز مظاهر الانتصار على الأخوة الأعداء فيها.

هذه الدعوات التي أصبحنا نتفهمها اليوم بعد كثرة التشبيح بأنواعه المادية والمعنوية.. وبعد الانقسام الحاصل فيها، الذي طال حتى شاطئها.. فترى نصف الكورنيش ممتلئا ومليئا بالحياة والناس .. والنصف الآخر مليئا بالجيش والأمن والقناصة ويعاني من فراغ سكاني يملأ الجو بالخوف والذعر من القادم.. لم تكن جبلة وحدها على هذا الحال، فكذلك بانياس، واللاذقية والكثير من المدن المختلطة.. والتي يوجد فيها تواجد للعلويين. فمع ازدياد الربط بين الطائفة والنظام.. بدأت هذه المظاهر بالازدياد ومما فاقم الوضع الانكفاء الواضح لدى المثقفين وعدم الفعل للتخفيف من هذا التوتر الطائفي، وهو ما أرغب بالأتيان على ذكره هنا، وتفصيله. في اللاذقية، وعند زيارتي للرمل الجنوبي، التقيت بأحد الرجال الناشطين هناك، قال لي: نريد تبيان موقف من الطائفة العلوية من النظام، وأن على المثقفين والمعارضين فيها التبرؤ منه، ومن أفعاله، وقتها قلت له، الكثير من المعارضين هم مع الحراك، ولكن لا يقبلون أن يحسبوا على النظام فقط لأنه علوي، نحن مع الحراك لأننا سوريون ولأنكم سوريون، ولأن وجعكم وجعنا، وما يصيبكم يصيبنا. الرجل تفهم الأمر ولكن لم يستطع تقبله فهو لم ير أيا من هؤلاء المعارضين متواجدا بينهم كسوري، وبقوا لوحدهم هناك في الرمل الجنوبي يعانون الحصار والعزلة.. وكان الاقتحام في اليوم الثاني لهذا الحديث. وعلى الرغم من الصدى الإيجابي لكلامنا ذاك، إلا أنه لا يشفي قلب المواطنين الذين يعانون في كل لحظة من تعنت وعسف النظام.

في نقاشنا مع الشباب المعارضين هناك في الساحل كان موقف الجميع نحن سوريون ولا نريد أن نحتسب الآن على أساس طائفي..

ولكن ما لفت نظري هو الموقف من الذهاب إلى مناطق الحصار، أو محاولة التظاهر في مناطق أخرى.. فقد قالوا لي: نحن علويون في النهاية، والشبيحة لن يتركونا بحالنا أبداً ونحن نتلقى تهديدات يومية ومحاولات إيذاء ولا نستطيع النزول بحرية للتظاهر وتبيان الرأي!!!

سوري بمواقفك.. طائفي في خوفك.. أيها المثقف كيف؟ الشيء الآخر: أن الجميع احتج على توقيعي على بيان للعلويين يتبرأون فيه من النظام مع أني كتبت (مع فصل الدين عن الدولة) لتبيان علمانيتي، غير أنني أحسست أن هذا التوقيع قد يجد صدى في قلوب الناس، فالناس متدينون والاحتقان موجود، وإن كان توقيعي يخفف منه فلم لا... صحيح أنا في النهاية علمانية، ولكن كل كلمة أو فعل لا نقوم به، قد نندم مستقبلاً على عدم فعله، وخاصة إن كان يصب في مصلحة توحيدنا كسوريين. العلمانيون رفضوا التوقيع بحجة أنهم سوريون أولاً، ولكن خوفهم مما يجري يتم بحسابات أخرى وبأنهم علويون في النهاية ويخافون الانتقام.

الملخص:في التضامن نحن سوريون ومواطنون أولاً.. وفي تبيان هذا التضامن نحن نخاف كطائفيين!!! هذه المعادلة وكيف( ظبطت) ما تزال تثير استغرابي.

الأثمان التي دفعها السوريون هناك كبيرة جداً على وجدان أي واحد منا.... وطريقة التعامل الطائفي التي يحاول النظام تكريسها بل وكرسها في الساحل بالفعل، تحتاج إلى فعل سريع وفوري، كي نستطيع تجاوزها، والأخطر هو هذه الدعوات التي نراها اليوم بالانتقام، فهؤلاء المحتجون لم يروا أمامهم سوى القتلة والشبيحة ورجال الأمن الذين يلبسون لبوسا طائفيا، ويتهمون الآخرين على أساس طائفي بالسلفية والعرعرة... وغيرها من تهم. وخوف المعارضين أو المؤازرين للانتفاضة السورية لم يظهر على السطح للأسف بسبب خوف هؤلاء، هذا الخوف الطائفي بامتياز، فأنا معارض ولكني علوي في النهاية، وسيتم الانتقام مني، من العلويين، كعلوي..... ومع أننا يجب أن لا نتجاهل أن الشبيحة والمدافعين عن النظام ليسوا فقط من طائفته، وأن هذا يظهر في المناطق التي لا يوجد فيها هذا التمايز الواضح في الطوائف، كالمناطق الشرقية والشمالية وحلب، غير أن خطورة هذه الدعوات توجب علينا عدم تجاهلها، والعمل ضدها، وتبيان الرأي المخالف لها، وهذا يتطلب شجاعة من الجميع من خلال تبيان مواقفهم كسوريين أولاً، ومعارضين ثانياً بغض النظر عن طوائفهم.

المشكلة اليوم، أنه إن لم تظهر مواقف صريحة وواضحة من هؤلاء، وإن لم تظهر معارضتهم واستعدادهم لدفع ثمن هذه المعارضة، وأن يشاركوا إخوتهم السوريين معاناتهم بحق وحقيق... فستذهب هذه المعارضة الصامتة أدراج الرياح... ولن تفيد في ساعة ازدياد التوتر الطائفي وبروزه بأشكال عنيفة.

المثقف من الطوائف الأخرى يبدو ثقله أكبر اليوم، بسبب انتمائه لتلك الطائفة، لذلك رأيت أن هناك إشكالية يجب تجاوزها عند التمييز بين خوفنا الطائفي، وانتمائنا الوطني، وأن هناك ضرورة الآن تبدو ملحة للخروج من البوتقة الطائفية وإعلان مواقفنا بغض النظر عن طوائفنا، وتجاوز مخاوفنا الطائفية تلك.. فنحن كسوريين معارضين يجب أن نكون في الشارع.. ولا يمكن تبرير عدم نزولنا بأننا ننتمي إلى طوائف قد تحاربنا لأننا نزلنا. على السوريين الذين يمتلكون موقفا مما يحدث إن كانوا مع الانتفاضة بشكل صريح أو رافضين للتعامل الطائفي للنظام، أن يبرزوا هذه المواقف وأن يحددوا من هم:

هل هم سوريون فعلاً وعلى استعداد للمشاركة في الصالح والطالح مما يجري؟ أم هم طائفيون وعليهم أن يتحملوا نتائج ما تعنيه هذه الكلمة الآن وفي المستقبل. كاتبة من سورية

' كاتبة من سورية

=============

المعارضة السورية في مأزقها «الأخير»

الجمعة, 02 سبتمبر 2011

إياد العبدالله *

الحياة

لم تكن الانتفاضة السورية مفاجئة للنظام السوري وحسب، بل كانت كذلك للمعارضة التقليدية أيضاً. يظهر هذا من خلال الحضور المتأخر والهزيل لهذه الأخيرة في مواكبة وقائع الانتفاضة وأهلها. وفشل المعارضة السورية في ردم الهوة التي تفصلها عن السوريين والدخول إليهم من بوابة الانتفاضة - وهي هوة كان يعتقد أن القمع يكاد يكون سببها الأوحد - يعكس أزمتها العميقة على صعد عدة تطاول بنيتها وتنظيمها وفهمها لواقع حال السوريين والنظام الذي يحكمهم. ومع تفوق أخلاقي يسجل لها على هذا الأخير، تبدو أن هذه الهوة بينها وبين السوريين لا تقل مسافة عن تلك التي تفصل النظام عنهم. ودافعنا إلى هذا القول الأخير عوامل كثيرة، لعل أهمها، أن الأهداف والشعارات التي أطلقتها الانتفاضة السورية وتسعى إلى تحقيقها، تكاد تكون متطابقة مع ما نادت به المعارضة، منذ أكثر من عقد على أقل تقدير؛ وهو ما قد يوحي، نظرياً، بسهولة الالتقاء بين الطرفين، لكن ذلك لم يحدث!

لقد نجح النظام، حتى الآن، في اختراق بعض الفئات الاجتماعية والنخب الثقافية، وتحويل جزء منها إلى قاعدة اجتماعية له، وتحييد الجزء الآخر وتفويت فرصة انضمامه إلى صف المحتجين، على رغم أن غالبية هؤلاء ليست من المستفيدين أو الموافقين بالضرورة على سياساته، خصوصاً الاقتصادية منها. الوسائل التي اتبعها النظام لأجل ذلك كثيرة، لعل الخوف أهمها. فإذا كان الخوف مفهوماً وهو النظام الباطش الذي لا يرحم، فإن خوفاً من نوع آخر، ناجم عن انعدام الثقة بين الفئات المكونة للاجتماع السوري، والذي عمل النظام على تكريسه منذ عقود، كان له الثقل الأكبر في عمليتي الاستقطاب والتحييد.

أما المعارضة فقد فشلت في النزول إلى ساحة لم تكن تحلم بمثلها بعد سنوات التهميش والعنف التي عاشتها، وهو ما يوحي بعزلة أشد من السابق، وبأزمة أكثر عمقاً مما كنا نعتقد.

ربما لا نبالغ إذا قلنا إن الأزمة بين المعارضة السورية والسوريين تجد أصولها في تاريخ سابق يعود إلى بدايات تشكلها. حيث إن الخيارات الأيديولوجية التي انتظمت قوى المعارضة في فضائها، كانت تتيح لهذه الأخيرة أن تكون طليعة في مجتمع يعجّ بالأهواء والأخطاء والأعداء. وهو ما تضمن تصوراً فوقياً في التعامل مع هذا المجتمع يكمن أساسه في عملية نقل «الوعي الصحيح» من «خارج» هذا المجتمع، أي من الطليعة المنفصلة عنه.

تطاول صفة «الخارجية» المعارضة السورية أيضاً كما تطاول النظام، وإن في سياقات تختلف إلى هذا الحد أو ذاك. فإضافة إلى ما أتاحته الطليعية من «خروج وانفصال» عن المجتمع كما أشرنا؛ كرست الانتماءات الأيديولوجية (الإسلامية والقومية والشيوعية) تخارجاً من نوع آخر، عبر إلحاق المجتمع السوري بمشاريع كبرى تتجاوزه، ولا تنظر إليه إلا على أنه «جزء» من «كل» تنبغي استعادته أو السير لتحقيقه (الأمة الإسلامية، الأمة العربية، الأممية). لقد كانت المعارضة السورية، جغرافياً، على الأرض السورية، أما أيديولوجياً فهي تنظر وتسعى إلى ما يتجاوزها وينفيها. ثمة «خارجية» من نوع مغاير ظهرت مع تلك الدينامية التي بدأت مع «ربيع دمشق». وعلى رغم أن مناخاً عالمياً بعد انهيار الاشتراكية ومعسكرها ودخول أهلها ومقولاتها في أزمة، يكمن وراء الجاذبية المتزايدة لمقولات الديموقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني؛ إلا أن اللحظة الحاسمة في انطلاق ربيع دمشق كانت لحظة «داخلية»، وجدت في وفاة الرئيس حافظ الأسد وتولي ابنه الشاب مقاليد الأمور، الفرصة لفتح ما تم إقصاؤه من ملفات على مدى عقود، كالفساد والديموقراطية والحريات. إثر ذل انطلقت المنتديات لتعم أرجاء البلد الذي لم يشهد منذ عقود أي حوار بين نخبه أو أبنائه. لقد كان «ربيع دمشق» حالة نخبوية صنعها مثقفون وسياسيون قادمون من غياهب السجون أو الصمت. لم يمهل النظام هذا الربيع، فتعرض القائمون عليه للسجن والملاحقة وشتى ضروب العنف. وستنتظر المعارضة السورية لحظة دولية «خارجية» وفّرتها أحداث 11 أيلول وما بني عليها، أو تلاها من وقائع (كاحتلال العراق واغتيال رفيق الحريري وخروج السوريين من لبنان إثر ذلك). إذّاك قرأت المعارضة السورية أن مزاجاً تغييرياً دولياً يسير باتجاه تغيير النظام السوري أو الضغط عليه لتغيير سلوكه، فما كان منها إلا أن سارعت لتنظيم صفوفها، أواخر 2005، عبر تحالف سيكون الأكبر والأكثر تنوعاً في تاريخ المعارضة السورية، سيطلق عليه «إعلان دمشق». غاية هذا التحالف هو الحد من آثار الفراغ السياسي الذي سينجم في حال أصبحت عملية تغيير النظام أمراً واقعاً، كما لا يعدم هذا التحالف رسالة إلى الدول الضالعة في هذه العملية مفادها أن البديل السياسي للنظام قائم في الواقع السوري، وقادر على ملء هذا الفراغ. وكان الاعتقال لسنوات المصير الذي سينتظر قيادات إعلان دمشق، وخصوصاً تلك المنبثقة من المجلس الوطني لإعلان دمشق الذي عُقد في 2007. سيخرج النظام من أزمته آنذاك، وستستتب له الأمور داخلياً وخارجياً حتى قيام الثورة التونسية، بداية ما سمي ب «الربيع العربي».

اليوم، ومع دخول الانتفاضة السورية شهرها السادس، غدا للمحتجين «ذاتية» يعتدون بها، استمدوا عناصرها من تجاربهم التي تراكمت خلال هذه الأشهر ومن الوقائع التي صنعوها على الأرض. وهذا ما سيلزم المعارضة التقليدية بجهود كبيرة ومضاعفة إذا ما أرادت البقاء على قيد الحياة، فهي الآن في واقع جديد تجاوزها تنظيمياً ولا تستطيع أيديولوجياتها أن تكون مرجعاً له.

تعكس كلمة منسوبة لميشيل كيلو في مؤتمر سميراميس جانباً كبيراً من الأزمة بين المعارضة والمحتجين، قال ما معناه: عندما كنا وحدنا لم نقدم أية تنازلات للسلطة، فلماذا نفعل الآن والموازين قلبت؟ واضح أن هذا الكلام كان رداً على محتجين وصلت الأمور مع بعضهم إلى حد تخوين المؤتمر وأهله، وعلى تصور مشكك ب «السياسة» بصفتها مدخلاً للتسويات المرفوضة. إنها أزمة ثقة على ما يبدو، ولا حل لها إلا أن يرتقي أداء المعارضة التقليدية إلى مستوى الأزمة الوطنية التي تمر بها البلاد، فهل ستفعل؟

=============

سورية والعامل الداخلي

الجمعة, 02 سبتمبر 2011

وليد شقير

الحياة

يراهن كثيرون على أن يكون الموقف الخارجي من الحالة السورية قابلاً للتطورات المتسارعة، على رغم الاعتقاد السائد بأن الأمور في بلاد الشام لن تشهد تحولات سريعة أو مفاجئة، على الصعيد الداخلي، كالتي شهدتها الثورات العربية الأخرى.

الشيء الوحيد المفاجئ داخلياً هو هذا التصميم المزدوج من المحتجين والمعارضين على التظاهر والنزول إلى الشارع على رغم ما ينتظرهم من قتل، ومن النظام السوري على مواصلة القمع واستخدام الرصاص وشتى أنواع العنف تحت عنوان «مواجهة العصابات المسلحة والإرهابية». فالمطالبون بإسقاط النظام يظهرون القدرة على النزول إلى الشارع على رغم العمليات الأمنية الموجعة والدموية التي تنفذها القوى الأمنية والجيش والميليشيات، وهذه الأخيرة، ما أن تنتهي من حملة عسكرية في مدينة أو محافظة أو بلدة حتى تعود إليها نتيجة نزول الناس إلى الشارع مع تصعيد في لهجتها وهتافاتها حيال رأس النظام، كما حصل مرات عدة في درعا وحماة وحمص ومعظم المناطق، ليسقط المزيد من القتلى ويتصاعد عدد الموقوفين. وإن دل هذا التصميم من طرفي الأزمة على شيء، فعلى أن أياً منهما غير قادر على الحسم في المدى المنظور.

وعدم القدرة على الحسم عند أي من الطرفين يدفع قوى خارجية عدة إلى البحث عن مخارج تراعي حساسية الشعب السوري إزاء أي تدخل خارجي، وتبقي على الضغط الخارجي على النظام في الوقت نفسه، لعل ازدياد طوق عزلته يقود إلى انضمام قوى أخرى في المجتمع وفي المؤسسات السورية إلى المطالبة بتغييره، بحيث يميل ميزان القوى لمصلحة المعارضين.

فحتى الآن بقي التدخل الخارجي لمصلحة النظام أكثر فعالية من التدخل لمصلحة المعارضة. وضغوط العقوبات على النظام التي صدرت من واشنطن والاتحاد الأوروبي قوبلت بإجراءات أبطلت مفعولها بفضل المساعدات التي قدمتها إيران له. وهذا ما دفع دولاً مثل تركيا إلى السعي لدى طهران كي تمارس ضغوطاً على حليفها السوري كي يوقف القمع ويسرّع الإصلاح تفادياً لتشكّل إجماع دولي حول عقوبات أشد قسوة على سورية قد تمهد لتدخل خارجي يتسبب بتفاقم الصراع الدولي والإقليمي عليها. ولعل هذا ما دفع المسؤولين الإيرانيين في الأسبوعين الماضيين إلى الحديث عن ضرورة الإصلاح وعن أهمية الإصغاء إلى مطالب الشعب، إلى درجة خيّل للبعض أن المعادلة انقلبت على الصعيد الإقليمي وأنه بدلاً من مطالبة دمشق بالتخلي عن علاقتها بطهران كما جرت العادة في السنوات القليلة الماضية، باتت تطورات الموقف الخارجي حيال سورية تمهد لإمكان تخلي طهران عن النظام السوري إذا بقي على مواجهته للمعارضة في شكل يضعه في مهب الريح، ما يهدد مصالح طهران في الشرق الأوسط ويدفعها إلى البحث عن بدائل منها الاتصال بالمعارضة السورية كما تردد في بعض الأنباء. لكن انقلاب المعادلة وتخلي طهران عن النظام مسألة غير قابلة للتحقيق في هذه المرحلة، ما يعني أن التدخل الخارجي ما زال يميل لمصلحة النظام في ظل قدرته على تجاوز العقوبات عبر المساعدات الإيرانية والبوابتين العراقية واللبنانية. إلا أن هذا سيطرح إشكالية أخرى هي مدى قدرة كل من بغداد وبيروت على مقاومة الضغوط الدولية على كل منهما لتطبيق العقوبات الدولية إذا أصبحت أممية. وهو ما سيحول العراق ولبنان إلى ساحتين لتصعيد الصراع بين إيران والمجتمع الدولي، بفعل الصراع على سورية. وفي ظل حكومتين تتأثران بالنفوذ الإيراني بهذا الشكل أو ذاك، سينتقل الوضع في كل منهما إلى مرحلة حرجة أكثر مما هي عليه الآن من تناقضات داخلية وخلافات عميقة في ما يتعلق بالخيارات الخارجية لكل منهما.

في ظل وضع خارجي شديد التعقيد يبدو الوضع الداخلي السوري هو العامل الرئيس الذي يحمل القوى الخارجية على تسوية حساباتها. وهذا ما يدركه كل من النظام والمعارضة على السواء. فالأول يسعى إلى الحسم بالوسائل القمعية غير آبه بردود الفعل الخارجية وإمكان تشكل وحدة دولية ضده، والمعارضة تسعى إلى التوحد وضم المزيد من القوى الاجتماعية والسياسية التي ما زالت مترددة أو خائفة، إليها. والإعلان من ثوار الداخل عن «المجلس الوطني الانتقالي» وتكليف بعض الشخصيات بتشكيله، محاولة لإنشاء جسم سياسي موحد، يستطيع مخاطبة الخارج ويوسع قاعدة المعارضة، في خطوة قد تمكنها من مواكبة التحولات الخارجية المرتقبة. وأولى الاشارات الى موقف المعارضة المستقبلي ان نواة المجلس اعلنت التزامها الاتفاقات المعقودة مع الخارج.

=============

كيف سترد إيران و«حزب الله» على أزمة النظام السوري؟

الجمعة, 02 سبتمبر 2011

راغدة درغام – نيويورك

الحياة

قد يشوب حملة رموز الحزب الجمهوري على السياسة الخارجية للرئيس الديموقراطي باراك أوباما التبعثر في المزايدات، لكن تجاهلها أو التعامل معها بفوقية نكهة الإنجاز في ليبيا سيكلف أوباما غالياً لا سيما إذا تقاعس في الحسم في سورية وأعطى إيران و «حزب الله» في لبنان منفذاً لهما وللنظام في دمشق. أوروبا شريك للولايات المتحدة في التحالف الجديد الذي يخيف إيران ويضم دولاً عربية فاعلة مثل دول مجلس التعاون الخليجي الى جانب تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي (الناتو). إنما هناك الكثير من الاختلاف بين المواقف الأميركية والمواقف الأوروبية لأن المصالح مختلفة ولأن ديناميكية العلاقة الأوروبية مع دول المنطقة مختلفة عن ديناميكية العلاقة الأميركية. فإذا كان لباراك أوباما ألاّ يقع في حفرة هنا أو فخ هناك، عليه التنبّه الفائق لمعادلة العلاقة الأميركية – الأوروبية مع إيران والبدء فوراً بالتفكير في ما يتطلبه التعامل مع لبنان في المرحلة الراهنة، من الآن الى حين زوال النظام في دمشق، إما بتغييره أو بانفتاحه الجذري أو بالانقلاب عليه. وثانياً، التعمق بالتفكير في نوعية وجغرافيا الانتقام الإيراني من الخسارة الفادحة له المتمثلة في زوال حليف في دمشق كان مركزياً في طموحات نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

واضح أن لبنان كان بالأمس القريب بالكاد على رادار الإدارة الأميركية، لكنه اليوم، في أعقاب اليقظة الشعبية في سورية، بات تحت المجهر. والسبب ليس فقط العلاقة الثلاثية التحالفية بين نظام بشار الأسد في دمشق ونظام الملالي في طهران ونظام «حزب الله» في لبنان، ولا إسرائيل التي تشكل عنصراً رئيسياً في السياسة الأميركية المحلية والإقليمية والدولية. السبب هو الجغرافيا السياسية التي تجعل من لبنان بنوعية حكومته اليوم رئة لإيران ورئة للنظام في دمشق.

إدارة أوباما أقرّت أخيراً بأنه مهما فرضت ثنائياً أو جماعياً عبر الأمم المتحدة من عقوبات على رموز النظام في دمشق وطهران، فمعظم ذلك لن يجدي طالما أن للنظامين السوري والإيراني رئتين يتنفسان من خلالهما عبر لبنان. وبالتالي، أقرّت الإدارة الأميركية أن لبنان هو العنصر الحاسم في إتمام المهمة – مهمة إغلاق أنابيب الأوكسيجين الممتدة الى الرئتين في دمشق وطهران. وهذا يتطلب إجراءات عبر عقوبات لا تنحصر في سورية وإيران وإنما تمتد الى أركان الحكم في لبنان.

العقوبات التي يتم تدارسها بعيداً عن الأضواء لا تقتصر على قطاع المصارف والتأهب لمكافحة تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات وعلاقة ذلك بالإرهاب، ولا تطاول فقط أفراداً في شراكات وشركات داخل وخارج لبنان وبالذات مع رموز النظام في سورية. إن العقوبات التي دخلت الذهن الأميركي والأوروبي أيضاً تصب في خانة ضرب البنية التحتية للرئتين لدمشق وطهران بدءاً بمطار لبنان الذي يسيطر عليه «حزب الله».

باراك أوباما لا يريد أن يكرر نموذج ليبيا في سورية عبر عمليات قصف جوي يقوم بها حلف الناتو، وهو يخشى حتى دوراً غير مباشر لحلف الناتو عبر عمليات برية، فهو لا يريد «الأحذية العسكرية الأميركية» على الأرض لا سيما في مرحلة انتخابية.

لذلك، إن سد الرئتين للنظامين السوري والإيراني في لبنان مُغرٍ جداً لا سيما وأنه ينجز أمرين آخرين معاً هما، تضييق الخناق على «حزب الله» وفسح فرصة تنفس طبيعي للبنان.

فإذا كان مطار لبنان مدرج إقلاع للعمليات اللاقانونية على مختلف الأصعدة، فتضييق الخناق عليه بعقوبات متراكمة يقيّد أيدي التحالف الثلاثي بين نظامي دمشق وطهران و «حزب الله» في لبنان.

الأدوات كثيرة إن كانت أميركية حصراً أو أميركية – أوروبية ولا تحتاج الى قرارات دولية. إنها أدوات فاعلة تكبّل التجارة الحرة غير المنتظمة عبر المطار وغيره بما يسحب البساط من تحت أقدام الحلف الثلاثي بلا حاجة لعمليات عسكرية. إنها عملية تضييق الخناق على إيران وسورية عبر لبنان يمكن أن تتفق عليها الإدارة الأميركية مع الحكومات الأوروبية، ويمكن لها أن تطبقها بمفردها إذا بدت ملامح التلكؤ أو الاختلاف على بعض القيادات الأوروبية نظراً لعلاقاتها المختلفة مع كل من إيران و «حزب الله».

فالتحالف القائم اليوم بين الولايات المتحدة وأوروبا في الشأن الليبي لا يمحو واقع الاختلاف في نوعية وديناميكية العلاقة الأوروبية مع إيران و «حزب الله» عن العلاقة الأميركية معهما، وبالتالي مع سورية. و «حزب الله» ليس على قائمة الإرهاب في أوروبا كما هو في الولايات المتحدة. وللأوروبيين علاقات خفية مع إيران. بالأمس القريب كانت فرنسا عرّاب فك العزلة عن النظام في دمشق - بقرار من الرئيس نيكولا ساركوزي – بغض النظر عن أسباب فرض العزلة أساساً بمساهمة جذرية من سلفه جاك شيراك بسبب أدوار سورية في لبنان بما فيها الاغتيالات السياسية.

إذاً، إن الولايات المتحدة في حاجة الى سياسة تصوغها لنفسها لما بعد فترة الحماسة للشراكة الأميركية – الأوروبية الراهنة، لا سيما أن الأوروبيين لا ينظرون الى الأمور بالمنظار الأميركي، والعكس بالعكس، الى إيران وامتدادها في سورية أو لبنان.

دول مجلس التعاون الخليجي شريك حلف شمال الأطلسي (الناتو) في الزواج المؤاتي، marriage of convenience تنظر الى العنصر الإيراني في أعقاب زوال النظام السوري من وجهة نظر مختلفة تماماً. إنها تهيأ لقيام إيران بعمليات انتقامية عبر «حزب الله» وعبر ميليشات تابعة لها، ليس ضد إسرائيل، وإنما في الدول الخليجية العربية.

ما صدر أخيراً عن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي من دعوة بشار الأسد الى تلبية المطالب «المشروعة» للشعب السوري يكاد يكون مبادرة من رجل أكاديمي أراد أن يكون المصلح لكنه «ليس من المطبخ» بحسب تعبير خليجي مطلع. فهذا الكلام بقي لرجل واحد لا نفوذ له ولم تكن له إفرازات أو صدى لا في أركان الحكم في إيران ولا عبر الأبواق اللبنانية.

فلا حليف لسورية الأسد اليوم سوى إيران و «حزب الله» بعدما نجحت أوروبا والولايات المتحدة بعزله إقليمياً ودولياً عبر استنزافه بالعقوبات والتطويق، وعبر التحالف مع دول مجلس التعاون الخليجي، ثم – وإن كان متأخراً – عبر موقف لجامعة الدول العربية وعرض لزيارة وفد منها الى دمشق لقي الرفض من النظام السوري.

حتى تحالف روسيا مع نظام الأسد هو تحالف موقت – على رغم كلفة هذا التحالف العابر بأرواح الشعب السوري. فمصالح روسيا مع الغرب أكبر من مصالحها مع النظام في دمشق. والقيادة الروسية ستفعل ما سبق أن فعلته عندما ارتأت أن ذلك في مصلحتها – أي اللف والدوران تراجعاً. وهذا سيحدث قريباً بذريعة أو أخرى.

إيران لن تفعل ذلك. نظام الجمهورية الإسلامية يدرك أنه إذا خسر سورية فإن ذلك سيسبب له انتكاسة كبرى وسيقرر التعويض عنها. إنه يخشى التحالف الجديد الذي يضم دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وسورية مع أوروبا والولايات المتحدة، لكنه لن يجلس في الزاوية.

ما تتوقعه دول مجلس التعاون الخليجي هو أن يتحول النظام في إيران بعد سقوط حليفه في دمشق الى «نمر مجروح» فيتأهب للانتقام. إنما الانتقام، بحسب توقعات هذه الدول، لن يكون في لبنان على الحدود مع إسرائيل باستخدام ورقة «حزب الله» هناك. إنه سيكون عبر تفعيل ورقة «حزب الله» وورقة ميليشيات في العراق وغيره داخل منطقة دول مجلس التعاون الخليجي عبر عمليات تخريب وترهيب لضرب الاستقرار.

أي إن «حزب الله»، بحسب هذا الرأي، سيتحول الى عامل ضرب استقرار وتشويش على الصعيد الإقليمي وليس على الصعيد اللبناني، لأن موقع إسرائيل على الحدود اللبنانية سيؤدي الى لجم «حزب الله» وإيران معاً.

دول الخليج ستحاول أن تبتعد عن محاور الإيديولوجية والأحزاب وهي تعتقد أن «حزب الله» ما بعد سقوط النظام في سورية سيكون هادئاً في لبنان وصاخباً في منطقة الخليج لحساب إيران.

هنا أيضاً يطل ظل الاختلاف بين المواقف الأميركية والأوروبية. وما تعمل عليه الدول الخليجية هو إيصال رسالة واضحة الى الإدارة الأميركية فحواها أنه ما لم تتحد الصفوف الأميركية والأوروبية في مواجهة جدية مع إيران، فإن أوراق التخريب والتدمير ستطاول تلك المنطقة المهمة بمواردها، وستطاول معها المصالح الأميركية والأوروبية معاً.

لكل هذه الأسباب، إن موضوع السياسة الخارجية للولايات المتحدة لا يمكن أن يكون مبارزة لغوية ما بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي في مثل هذه المرحلة الحاسمة لمنطقة الشرق الأوسط. إنه موضوع يستحق منتهى الجدية.

=============

التاريخ لن يلوي عنقه

الجمعة, 02 سبتمبر 2011

حسام عيتاني

الحياة

في سبيل طمأنة النظام السوري، لا يمانع سياسيون وكتاب من ليّ عنق التاريخ وابتذال منطقه. وبدلاً من النظر في أسباب الانتفاضات الشعبية والتوق إلى التحرر والانعتاق من الاستبداد، تحضر المؤامرات والتفسيرات البهلوانية للحاضر والماضي.

لا يريد هؤلاء، أو لا يستطيعون، فهم العمق والاتساع التكتوني (إذا جاز التعبير) للثورات العربية. وبينما يرقى «الربيع العربي» إلى مستوى انزياح القارات وتغيير الخرائط، يصر محللون ومثقفون على اعتباره غيمة صيف عابرة أو صاعقة في سماء زرقاء.

العالم العربي لن يعود الى ما قبل 14 كانون الثاني (يناير) 2011، ولا إلى ما قبل 11 و17 شباط (فبراير) ولا الى ما قبل 15 آذار (مارس). الطريقة الأسرع للتصالح مع الحاضر والسعي الى التعامل معه، تكمن في التخلي عن أوهام تجميد ما تبقى من زمن ولّى ومضى. كل رطانة الممانعة والخصوصيات الطائفية والقومية والتهويل بالحروب الأهلية والتقسيم، لا تكفي لترميم النظام السوري الذي بات سقوطه أو إدخال تعديلات جذرية على صيغته (كحد أدنى) في حكم المؤكد.

وسيان إذا رفع ممانعو بيروت أصواتهم ونبرات تهديداتهم أو لزموا الهدوء، وراء شاشاتهم العملاقة ومنابرهم المضادة للرصاص. لقد شبّت الشعوب العربية عن طوق السلطات وخداعها، ولن تعود إلى بيوت الطاعة بعد اليوم. وعلى الخائفين من مستقبل تصوغه الشعوب، أن يعيدوا النظر في المواقع التي زعموا الانتماء اليها. الخطوة الأولى في المجال هذا، التوقف عن رمي الاتهامات على شعوب بأسرها بالعمالة للحلف الأطلسي والبحث عن المسؤول الحقيقي عن استدراج التدخل الدولي.

هذا لا ينفي أن العالم العربي دخل فترة طويلة من الاضطراب وغياب الاستقرار. ومن السذاجة الاعتقاد ان الانتخابات المقررة هذا الخريف في مصر وتونس، وان البدء بالاعداد لقانون انتخابي وجمعية تأسيسية في ليبيا، أمور ستعني استهلال الخروج من المرحلة الانتقالية الى طور الاستقرار. الأقرب إلى الصواب ان عمليات الفرز السياسي والاجتماعي في الدول التي انتصرت ثوراتها لم تبدأ بعد ولن تحسمها دورة انتخابات واحدة او دورتان. ولا ينفي، خصوصاً، ان موجة الثورات العربية لم تصل بعد إلى ذروتها أو إلى خاتمة مطافها.

والأهم من ذلك ان الثورات العربية انهت الشكل الإنقلابي للثورة ووضعت، مجدداً، الناس العاديين او «الجماهير» التي استغلت ووظفت من دون علم او دراية، في موقع القيادة، ما يفترض تراجع الشكل الحزبي، الضيق والإئتلافي، عن التأثير لمصلحة قوى جديدة على تماس مباشر مع الشارع. ولعل التجربة المصرية هي الأكثر غنى حتى الآن في هذا التعبير.

والتدقيق في الوضع الحالي يُبين أن الدفاع عن الواقع المتهالك للأنظمة العربية، تارة بذريعة الحفاظ على الاستقرار وطوراً بحجة الوقوف في وجه الهيمنة الاميركية والاحتلال الاسرائيلي، لن يؤدي سوى إلى مفاقمة المسار الذي شقته تلك الانظمة منذ خمسين عاماًَ والذي أدى إلى هيمنة سياسية واقتصادية غربية شاملة على المنطقة وإلى جعل الاحتلال الاسرائيلي يهنأ بالاقامة سعيداً على الاراضي العربية.

الخروج من النفق العربي المظلم لن يكون مجانياً. ستضطر الشعوب العربية الى دفع فاتورة طويلة ثمن تلكؤها عن إزاحة تلك الحكومات طوال الأعوام الماضية. وستقاوم أنظمة الفساد والجمود كل محاولات التغيير، بالقوة وبمزاعم الإصلاح وبغيرهما. بيد أن مقاومتها تلك لن تشكل غير مظهر من مظاهر التعلق بالماضي.

=============

الجامعة العربية والثورة السورية

رضوان السيد

الشرق الاوسط

2-9-2011

ما قرأت تصريحا أطرف وأكثر مأساوية من بيان وزارة الخارجية اللبنانية عن المبادرة العربية لحل الأزمة في سوريا بين النظام هناك وشعبها الثائر عليه. فقد حضر وزير الخارجية اللبناني بنفسه اجتماع مجلس الجامعة العربية يوم السبت في 28 أغسطس (آب) 2011. وهو الاجتماع الذي ناقش المبادرة، وأصدر بيانا بشأنها، وأخبر الجمهور العربي أن الأمين العام للجامعة سيتوجه إلى دمشق لعرض المبادرة على المسؤولين السوريين. وتعبر المبادرة عن القلق العميق لأحداث العنف وسفك الدم في البلاد، وتدعو النظام إلى مغادرة الحل الأمني الذي فشل تاركا آلاف القتلى، وعشرات آلاف المعتقلين والمشردين بين الداخل السوري ومخيمات النفي في تركيا والأردن ولبنان. كما تدعوه إلى الإصلاحات الاقتصادية والسياسية بما يتلاءم وحق الشعب السوري في المشاركة وإنجاز التحول الديمقراطي المطلوب. وعندما عاد وزير الخارجية اللبناني إلى بيروت، كانت عدة تطورات قد حدثت: رفض النظام السوري المبادرة، وأنجز حملات قمع وقتل واعتقال في صفوف المصلين بالمساجد في ليلة القدر، وعلى رأسها جامع الرفاعي بكفرسوسة، أحد أحياء دمشق، كما كان الأتراك والإيرانيون والروس (وهم جميعا من أصدقاء النظام في سوريا)، قد عبروا عن استنكارهم لتصرفات النظام، ووجهوا تحذيرات إليه. والظاهر أن القمع الذي نال السوريين في ليلة القدر، نال بعضه وزير خارجية حكومة حزب الله بلبنان الذي ما جرؤ على التصدي للإجماع في مجلس الجامعة، فأصدر بيانا جاء فيه أن نص المبادرة ما نوقش في اجتماع الجامعة، ولذلك ما تسنى للوزير الهمام التصدي له بالإنكار، مع أن المندوب السوري في الاجتماع كان قد تصدى له!

لقد مضت على الثورة الشعبية في سوريا ستة أشهر، وطُرحت خلالها عشرات المبادرات للحل على المستويات الدولية والإقليمية، وعلى مستوى المعارضة أو المعارضات السورية في الخارج؛ وبخاصة ذاك الفريق أو أولئك الفرقاء المتجولون في تركيا بين أنطاليا وإسطنبول. وبقيت التصريحات والبيانات العربية على مستوى الدول خجولة أو مترددة، باستثناء بيان الملك عبد الله بن عبد العزيز، الداعي إلى وقف العنف، وصَون مصالح الشعب السوري ووحدته. وكان بين الإشارات الأسوأ قبل شهرين زيارة الأمين العام الجديد للجامعة العربية إلى دمشق، ودعمه للرئيس الأسد، دونما كلمة عما يجري في الشارع السوري وعليه من قتل وقمع وملاحقة. ولهذه الأسباب كلها، كانت مبادرة الجامعة العربية - وإن تأخرت - قوية وصادمة للنظام وأنصاره، ومنتصرة لقضية الشعب السوري في الحرية والديمقراطية. إنما الأهم من ذلك كله أنها هي الخطوة الأولى التي تعلن الجامعة العربية من خلالها دخولها إلى زمن الثورات التغييرية العربية. فقد اتخذت قرارات بشأن دعم التحول الديمقراطي في ليبيا، وتبنت قضية السوريين الثائرين وحقهم في الحياة الحرة والكريمة والخالية من القمع والقتل. إنها تعريب للأزمة إذا صح التعبير، وإعلان عن أن الجامعة تريد أن تلعب الدور المرجو منها في الزمن الجديد، حفاظا على الانتماء والتماسك، وصونا لسوريا من مخاطر الحلول الإقليمية والدولية.

منذ بداية الثوران في سوريا أعلنت إيران عن وقوفها إلى جانب النظام هناك، وقدمت له الدعم بشتى السبل، معتبرة أن الصورة هي مؤامرة على نظام الممانعة والمقاومة. وأضاف الأمين العام لحزب الله في لبنان إلى ذلك القول مرارا إنها مؤامرة لن يستفيد منها غير إسرائيل والولايات المتحدة.

أما الأوروبيون والأميركيون فقد انصرفوا لتطبيق سياسات العقوبات المتدرجة ضد رجالات النظام بدءا بالرئيس الأسد وأسرته. وقد حاولوا ولا يزالون يحاولون الوصول إلى قرار ثان في مجلس الأمن بحق النظام السوري تحت الفصل السابع. وهو القرار الذي لا تزال تمانع فيه روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا، ومع ازدياد مطالبها من النظام بالتوقف عن القمع وتسريع الإصلاحات.

وتردد الأتراك لبعض الوقت، ثم تصاعدت لهجتهم ضد تصرفات النظام في مواجهة الثائرين، وفتحوا مخيمات على الحدود للاجئين إليهم من القمع، والسماح للمعارضات السورية المتنوعة بعقد جلسات واجتماعات لها بتركيا. وفي الوقت نفسه تكثيف التواصل مع النظام السوري للغرضين: وقف القمع، وإجراء الإصلاحات، ورغم قول عبد الله غل رئيس الجمهورية التركية أخيرا - وتحت وطأة ما جرى على المساجد والمصلين في ليلة القدر - إن النظام ميؤوس من صلاحه تقريبا؛ فإن الأتراك يعتقدون أنهم نجحوا في استمالة الإيرانيين إلى جانبهم لزيادة الضغوط على الرئيس الأسد من أجل وقف القمع، والدخول في الحل السياسي.

والواقع أن المراوحة التركية، بل ومراوحة بعض العرب والدوليين تجاه الثورة السورية والنظام لها سببان: التخوف من التردي في نزاع داخلي مسلح لا مخرج منه إذا طال القمع والتظاهر معا، أو التخوف من تدخل دولي مخرب شأن ما جرى في العراق وليبيا!

وسط هذا المشهد المأساوي، يبدو تصرف قيادات النظام غريبا وعجيبا بالفعل. فهؤلاء لا يزالون يرون أن الثورة يمكن إخمادها بالقمع والقتل والملاحقة والاعتقال. لكنه ليس قمعا عشوائيا وحسب؛ بل هو قمع يتقصد إهانة الجمهور والمساس بمشاعره ورموزه الدينية. وهو سلوك دائم بدءا من إرغام المعتقلين على الصراخ تحت التعذيب بأنه لا إله إلا بشار أو ماهر، وانتهاء بالإغارة على المساجد والمصلين قتلا وقمعا وقصفا وإقفالا وهدما، وفي شهر رمضان على الخصوص! لقد بدأ هؤلاء بذلك في الأسبوع الأول للثورة بدرعا بما فعلوه في الجامع العُمَري هناك، ووصلوا أخيرا إلى غزو جامع الرفاعي بدمشق في ليلة القدر. وبين هذا وذاك تكرر المشهد في عشرات المساجد بسائر أنحاء سوريا، ومن البوكمال إلى حمص وحماه. وهذا التصرف فضلا عن حمقه، يشير إلى أمرين اثنين؛ أولا: أن أرباب النظام لا يزالون يقرأون في كتاب قديم يعود إلى السبعينات والثمانينات من القرن الماضي عندما كان نظام الراحل حافظ الأسد يشتبك مع الإخوان المسلمين، ويعتبر أن ضرب المساجد بحماه وحمص وإدلب وحلب يرعب الثائرين، ويشهد لعلمانية النظام ويساريته في عيون الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. أما الأمر الثاني فهو أن النظام يتجاهل، بل يجهل، طبيعة الثورة السورية الحالية. فهي ثورة مدنية بامتياز، ولا علاقة للتنسيقيات القائمة بالفعل بالحزبيات الإسلامية أو الأصوليات التي بنى النظام البعثي سمعته على مكافحتها قبل ثلاثة عقود. وهو بذلك ينجز للشبان المدنيين وبسرعة ما لم يستطيعوا إنجازه في خضم هذه الحشود الهادرة بإسقاط النظام: إشعار المتدينين والمحافظين والذين ما شاركوا في المظاهرات، أن النظام لا ينتمي إليهم على الإطلاق، لأنه يكره ليس فقط مطالبة أبنائهم بالحرية (شأن كل نظام استبدادي)، بل هو يكره أيضا دينهم ويتعمد إهانة مشاعرهم العميقة في الإيمان والكرامة الأخلاقية والإنسانية.

لقد جاءت مبادرة الجامعة العربية تجاه الشعب السوري إذن معلنة عن أمرين اثنين: أن الجامعة دخلت في الزمن العربي الجديد، وأن قضية حريات الشعب السوري وكرامته هي قضية عربية بامتياز، بلا أقلمة ولا تدويل. هل يتجاوب النظام السوري أو يستفيد؟ لا أحسب أن ذلك سيحدث، فهو نظام من أنظمة الماضي تحركه دوافعه وأحقاده وأوهامه، إنما المهم أن الشعب السوري لن يرفع بعد اليوم شعار الخيبة من الأمة في صيغة: صمتكم يقتلنا. وسواء استقبل الأسد الأمين العام للجامعة أم لم يفعل، فهذا يوم له ما بعده!

====================

الشعب السوري رهينة قضايا العرب وضحيتها

حسان الجمالي

موقع حوار المنطق الحيوي

1/9/2011

من حق شعب تونس أن يتظاهر من أجل الحرية والكرامة ••••

من حق شعب مصر أن يتظاهر من أجل الحرية والكرامة ••••

من حق شعب اليمن أن يتظاهر من أجل الحرية والكرامة ••••

من حق شعب ليبيا أن يتخلص من الديكتاتورية والفساد ••••

بالاختصار٬ من حق جميع شعوب الأرض أن تناضل وتتظاهر وتعيش حرة كريمة في أوطانها باستثناء شعب سوريا!

ولمجرد أن يتظاهر سلميا٬ رافعا نفس شعارات شعبي تونس ومصر٬ يصبح شعب سوريا مشبوها والتزامه بالقضايا «المصيرية » موضوع شك•

ذلك أن «صوت المعركة» الذي لا يعلو عليه صوت لا يبقى مدويا إلا إذا خرس شعب سوريا!

وحتى تبقى سوريا قلعة «للصمود» و«للمقاومة» وداعمة لدولة ولاية الفقيه ومقاومة حسن نصر الله٬ على شعبها أن يدفع الثمن من كرامته وحريته ولقمة عيشه وأن يقبل أن يعيش إلى أبد الآبدين في حالة من الرعب والذل لم يعرفها أي شعب آخر على وجه الأرض•

حاولت كثيرا معرفة سبب الفرح العارم الذي اجتاح كثيرين من العرب لسقوط بن علي وحسني مبارك والقذافي

بينما اهترأت مسابحهم وسجادات صلواتهم وهم يدعون لبقاء سوريا أرضا وشعبا تحت نعال أكثر الأنظمة العربية استبدادا وفسادا وهمجية•

وبعد عناء كثير وتفكير عميق وجدت أن المسئول عن هذا الوضع والذي يجب أن يلام هو شعب سوريا وحده•

ذلك أن هذا الشعب الذي ناضل من أجل أن تكون عنده دولة مستقلة أطلق على دولة الاستقلال لقب «الكيان المصطنع» واعتبرها دولة مؤقتة وزائلة!

وهو الذي رضي أن يضحي بلقمة عيشه وبميزانية التنمية والتعليم والصحة ليغذي جيشا استعمل أسلحته ودباباته لاحتلال الإذاعة والتلفزيون وتعطيل البرلمان• وضباط جيش «الكيان المصطنع»هم الذين قدموا سورية وشعبها لقمة سائغة لعبد الناصر الذي قضى على كل مؤسسات المجتمع المدني والحياة السياسية وعلم شعب سوريا أبجدية التصفيق وصفات القائد الأوحد الملهم• في تلك الفترة عرف السوريون معنى نظام المخابرات والتعذيب بل القتل في السجون ولم يحتج وقتها عربي واحد على معانات شعب سوريا بل كان لوم معظم العرب له شديدا يوم قام الانفصال• مع أن الشعب لم يصنع الوحدة ولم يقوضها! أليس كون كيانه «مصطنعا» وهمومه أبعد من حدوده ووجوده مكرسا كليا لأمة عربية وقضية فلسطينية يذوب فيها ويموت من أجلها يحرمه من أن يكون له حقوقا خاصة به أو حتى ترف التفكير ولو في أحلامه بمصلحة شعبه ؟

أما اللبنانيون فقد انقسموا حينذاك كالعادة إلى قسمين: قسم ضد الانفصال لأنه كان يستقوي بعبد الناصر (المسئول الأول عن الحرب الأهلية الأولى سنة 1958) وقسم مع الانفصال نكاية بخصومه اللبنانيين• ولم يكترث أحد كالعادة بشعب سوريا ومعاناته• واليوم أيضا ينقسم اللبنانيون بين مؤيد ومعارض للنظام السوري٬ الأول بسبب مصالحة وتحالفاته والآخر لنفس الأسباب ناسين أو متناسين أن هناك شعبا يعاني من القتل والتهجير والاعتقال وأن لا قضية تعلو على قضية الإنسان•

هكذا وبفضل استعداد شعب سوريا للتضحية بكل غال ونفيس ولأنه لم يوجد إلا ليكون وقودا للثورة العربية وللوحدة العربية وللقضية الفلسطينية٬ تضاعف عدد السوريين٬ في نصف قرن٬ ثمان مرات (بينما تضاعف عدد شعب تونس ثلاث مرات فقط) وأصبح معظم شعب سوريا فقيرا٬ تصحرت أرضه٬ وجفت مياهه٬ واقتلعت أشجار غوطته٬ وخسر قطعة عزيزة من أرضه٬ وحرم المواطن في بلده من أبسط حقوق الإنسان٬ وأصبح المنادون بالوحدة العربية خائفين على وحدة بلدهم ومهددين بحرب أهلية•

اليوم ومع قرب نهاية نظام البعث تعلم شعبنا دروسا لن ينساها وألقى في مزبلة التاريخ أوهامه وأحلامه ومسئولياته تجاه الغير وقرر أن تنحصر همومه وتطلعاته وجهوده في خدمة شعبه•هذه الدروس هي باختصار:

- سوريا ضمن حدود الاستقلال وطن لجميع السوريين على قدم المساواة•

- سوريا ليست عربية أو إسلامية وإنما وطن لجميع القوميات والديانات المكونة لهويتها•

- سوريا ليست بحاجة إلى جيش كبير لا قدرة لها على تحمل أعبائه•

- ستعمل سوريا على استعادة الجولان وتترك القضية الفلسطينية لأهلها•

قضية الشعب السوري هي التنمية ومستوى التعليم ودولة القانون والحد من النمو السكاني ومن التصحر•

وسنختار أغنية «وطني أنا» لابن حمص البار مالك الجندلي نشيدا وطنيا لسوريا الحرة:

http://www.youtube.com/watch?v=fjqR7H6Y

umE&feature=player_embedded

ومن لا يعجبه هذا عليه أن يختار ضحية أخرى ٬ هذا إن وجدت!

========================

في الانتفاضة السوريّة ومآثرها : الانتفاضة تسعى إلى تأميم الدولة وتحويلها من الملكية الخاصّة إلى العامّة

موقع الأوان الالكتروني

الثلاثاء 30 آب (أغسطس) 2011

بقلم: بدرخان علي

منذ ثورة البوعزيزي في تونس ونحن نشهد موجة قوية من عودة الشعوب العربيّة إلى السياسة والمقاومة في سبيل تحصيل ما فاتها من حقوق أساسيّة.ذاك أنّ الأوضاع التي عانتها البلدان المنتفضة وصلت لدرجة لا تطاق من كافة النواحي حتى شهدنا ذلك الاندفاع الجماعيّ للمواطنين، المفاجئ بدرجة ما سيما في سوريا، وتطلّب الحرية والكرامة الشخصيّة والعامّة ولقمة عيش كريمة في مواجهة سلطات غاشمة احتكرت الدولة لصالح فئات أهل الحكم والقريبين إليها.

 

وفي تاريخ سورية لأول مرّة ومنذ عقود تخرج مظاهرات غير منظّمة من قبل السلطة لتمجيد الحاكم، لا بل تتحدّى السلطة الحاكمة وتنادي بشعارات ما كنا نحلم بها في سورية، أو كان الخوف يلجم دماغنا وألسنتنا من المناداة بها حتّى ونحنُ نيام..

مواطنون عزّل يخرجون إلى الشوارع للاحتجاج والتظاهر وهم يحملون أرواحهم على أكفّهم مقابل سلطة متجّبرة تتملّك الدولة بكل مؤسساتها وبناها. القتل ممارسة يوميّة، الاعتقالات بالآلاف، التعذيب في السجون روتين. وكان معروفاً سوريّاً أن الانتفاضة السورية لن تكون يسيرة كما في مصر وتونس إذ هي تواجه خصماً شرساً عدوانيّاً بسبب طابع السلطة الخاصّ في سوريا الذي يشابه ليبيا مع فوارق شكليّة(الواجهة الحزبيّة مثلاً) وبسبب نواة السلطة الضيّقة جداً و المتحمورة حول الرئيس وعائلته ومقرّبيه، وهي لن ترضى بأي انفتاح سياسيّ حقيقيّ ولا بالقبول بأهليّة المواطنين ومشاركتهم في شؤون بلدهم كمواطنين لا رهائن.

 

 صحيح أن الانتفاضة السوريّة لم تتعمّم بعد. هناك عدا القطاعات الموالية تماماً فئات كثيرة يقال أنها صامتة أو مترددة وخائفة. لكن النظام الحاكم اهتزّ بشدّة تحت ضغط الاحتجاجات وهو مرتبك رغم كل إدّعاءاته وإظهار جبروته. صحيح أيضاً أنه لم يحصل تغيير أي شيء في السلطة والنظام حتى الآن. لكن سورية الجديدة بدأت بالتكوّن منذ اليوم الأول للاحتجاجات. والانتفاضة اليوم تتحول إلى قطب سياسيّ فعّال مقابل السلطة الحاكمة بكل عتادها الحربيّ والسياسيّ والإعلاميّ الضخم. وحتى المعارضة التقليديّة التي ضحّت سنين من أجل "إعادة السياسة إلى المجتمع"، كما تكرر تلك العبارة في خطابتها، تفاجأت بهذا الزخم الشعبيّ.

 

في هذه الشهور الخمسة التي اندلعت فيها الانتفاضة السورية استفاق الشعب السوري لتقرير مصيره، والعزم على خوض معركة غير متكافئة البتة مع النظام الحاكم لاسترداد الدولة والجمهوريّة، اكتشف السوريون أن بلدهم ملك لهم جميعاً وليس لشخص أو عائلة أو أجهزة أمنية أو حزب. وحصل انخراط مدهش في الشأن الوطنيّ والقضايا العامّة، والسلطة بسلوكها الحربيّ والصلف تخلق مزيداً من المعارضين والمحتجّين بصورة يوميّة. ظهرت في سورية طاقات جديدة و ها هي سورية جديدة بكل المعاني، قيد الولادة، حتى مع بقاء النظام الحاكم راهناً. سورية مخضّبة بالدماء والأحزان لكنّها واعدة .

 

تكتيك "الإصلاحات" في مواجهة الاحتجاجات:

إلى جانب الحسم العسكريّ المعتمد لسحق الاحتجاجات وترويع المواطنين بالاعتقالات الجماعيّة ارتأت السلطة عرض رشى مزيفة سميّت ب"حزمة إصلاحات". كان من الممكن القيام ببعض الإجراءات الفعليّة التي ربما تخفّف من حدة الاحتقان الشعبيّ، في بداية الانتفاضة، شريطة أن تكون جديّة وحقيقيّة. وهذا ما لم يكن. لكن بعد أن سفكت دماء وافتدى سوريون دماءهم وحياتهم فقد قضي الأمر على الأرجح. ولا يبدو أننا محقّون في طلب الإصلاح الحقيقيّ من هذا النظام، لأن الإصلاح الفعليّ- و إن كان تدرجيّاً – سيؤدي إلى تغيير النظام في المحصلة. لنتخيّل مثلاً أن أجهزة الأمن لن تتدخّل في حياة المواطنين، كما هو الحال منذ عقود، وفي فرض الطاعة، وفي إذلال المواطنين و إهانتهم؟ لنتصوّر أنّ السجون لن تكون إلاّ لمرتكبي الجرائم واللصوص؟ لنتخيّل أن هناك قضاء مستقل ونزيه في سوريا؟ وأن تنظّم انتخابات حرّة ونزيهة؟ وأن تكون كلّ الأحزاب متساوية في المنافسة في الانتخابات؟

 

 ثمّ ما هي الإصلاحات الممكنة التي سيقدم عليها النظام؟ لازالت قصص الاعتقال الكيفي تتوالى يومياً ومعها قصص التعذيب في السجون. هل جرى محاسبة أيّ من رموز القتل والتعذيب، على الأقل منذ اندلاع الاحتجاجات؟ أين يمكن للمواطن السوري أن يقدم شكوى على عنصر أمن أهانه وعذّبه؟ لم يتم تقديم مسؤول أمني واحد إلى المحاكمة أو التلويح بإمكان ذلك. هل يمكن أن يتجرّأ رئيس الجمهورية، الذي ورث الرئاسة وراثة وحسب وتم تعديل الدستور في دقائق من أجل مناسبة سنه حينها، أن يعلن عدم ترشيح نفسه لولاية قادمة أو أن يتم تقييد دورات الرئاسة باثنتين فقط؟ لا بل هل يمكن أن تثبت السلطة فعلاً أنها تسمح بالتظاهر السلميّ ليوم واحد فقط؟ عندها يمكن أن نتوقع حصول إصلاحات.

 

 حتى الآن كل ما أعلن من "إصلاحات" ينطلق من نفس الموقع السلطويّ والعقلية الاحتكارية :السلطة هي المصدر الوحيد لإقرار أي شيء وعلى المجتمع الطاعة. فعلى سبيل المثال لم يشرك أي حقوقي مستقل ومعروف بدفاعه يوماً ما عن حقوق الإنسان والمواطنين في ما سمي بلجنة إلغاء قانون الطوارئ، ولا في لجنة صياغة مشروع قانون الأحزاب، ولا في أي هيئة أخرى.

 

المشكلة الأساسيّة في "الإصلاحات" الموعودة أنّ السلطة كانت وما تزال تنكر وجود معارضة حقيقيّة تقليديّة أم جديدة تزداد يوماً ما. وهي تنكر الجوهر السياسيّ للأحداث أصلاً. لكن السلطة تلهث طبعاً وراء أيّ مظهر شكلي، لا يفضي إلى تغيير في ممارسة السلطة بحد ذاتها. من قبيل عقد احتفال كبير في مجمع صحارى برعاية فاروق الشرع وبثينة شعبان سمّي ب"اللقاء التشاوري". وهي تقبل، على مضض شديد وكبديل عن الاحتجاج، أن يقوم بعض المثقفين و النشطاء بعقد جلسة نقاش في فندق سمير أميس. كل هذا يقع ضمن استراتيجية السلطة لمحاصرة الاحتجاجات عبر الإدّعاء أنّ ليس لديها مشكلة مع المعارضة بحدّ ذاتها، فمشكلتها مع الفتنة والتخريب والسلفييّن والعصابات المجهولة المتجوّلة في طول البلاد وعرضها كما تزعم. كأن العمل المعارض كان مسموحاً به من قبل.

 

الواقع أنّ السلطة تنظر إلى الدولة على أنها ملك شخصيّ وحصريّ لها وتعتبر المواطنين رعايا أو خدم. لم يتردّد ابن خال الرئيس، رامي مخلوف، الذي لا يشغل أي منصب رسميّ في الدولة أن يقول أننا نتخذّ القرارات بصورة جماعيّة-أي عائليّة-؟ و أن يصرّح :"سنقاتل حتى النهاية". هذا منطق السلطة الحقيقيّ.( سرعان ما قالت وسائل إعلام رسمية أن رامي مخلوف "مواطن عادي" ولا يمثل رأي الحكومة)

 

 هواجس ومعضلات:

 النظام مازال قويّاً رغم اهتزازه. ثمة تقديرات تقول بأن النظام سينهار لأسباب اقتصادية بعد بضعة شهور بسبب تعطّل قطاعات مالية وسياحيّة، وبسبب العقوبات الاقتصادية. لكن النظام لن يتوانى عن اقتراض الأموال من هنا وهناك وبأية شروط كانت في سبيل الاحتفاظ بالسلطة. ويبقى احتمال الانهيار الاقتصادي وارداً. علماً أن طبقة رجال الأعمال وأثرياء البلد، من كافة الطوائف، تقف إلى جانب النظام حتى الآن، و لا يتوقع أن تصطفّ إلى جانب المعارضة والتغيير راهناً.

المشكلة الكبرى التي تبرز هنا هي عدم قدرة الانتفاضة على إسقاط النظام في المدى المنظور وأن تتراوح في مكانها مع ما يترتب على ذلك من خسائر وتضحيات – وهذا مفسّر في ضوء ما نعرفه من طبيعة النظام أولاً والانتفاضة الشعبيّة بقواها الذاتيّة الصرفة التي لم تستطيع اختراق بنية النظام السياسيّة والأمنيّة والعسكريّة ولا تحريك مدينتي حلب ودمشق- و هي لن تتراجع أيضا كما هو واضح من مسار الاحتجاجات وأن النظام بدوره لن يقوى على القضاء عليها. و"التوازن" هذا يكلّف سورية المزيد من الدماء والضحايا. لكن ما حدث ويحدث في سوريا كبير جداً بالمقاييس السورية.

 

الطائفية والحرب الأهليّة؟

الواقع أن التهويل من خطر "حرب طائفيّة" محببّ جداً لدى موالي السلطة وأتباعها، لكن لا يقتصر عليهم فحسب. مستشارة الرئيس بثينة شعبان تذكرنا يومياً بذلك صباحاً مساء. و ما إن يفتح مواطن سوري فمه تردّد شعبان نفس الكلام عن ضرورة الحفاظ الوحدة الوطنيّة(التي تعني بقاء النظام عندها) وخطر الحرب الأهليّة!

الانتفاضة في سوريا ذات وجهة وطنية تحرّرية عامّة. ويشارك فيها مواطنون سوريّون من مشارب سياسية و مناطقيّة ومهنيّة وعمريّة متنوّعة. ليس فيها أية ملامح طائفيّة أو مذهبيّة بمقدار ما هي انتفاضة المهمّشين في النظام السياسيّ-الاجتماعيّ-الاقتصاديّ. لا ينتقص من شرعيّة هذه الانتفاضة ، ووطنيّتها، أنّ الأقليّات تتملّكها مخاوف من التغيير ولا أن هناك أغلبيّة طائفة سورية تقف مع النظام لأنّها ارتبطت مع أجهزة السلطة أكثر من غيرها، ولذلك ارتهنت غالبيتها للسلطة، من غير أن نقول أنّ هذا النظام يمثّل طائفة معيّنة دون غيرها أو نحمّل طائفة معيّنة أيّة مسؤولية عن موبقات النظام . من غير الجائز أصلاً أن نتكلم عن الجماعات كأنّها كتلة صماء أو وضعها في كبسولة واحدة (وليس في هذا الكلام إدانة بقدر ما هو إقرار بالوقائع ويلزمها شرح ليس هنا مكانه). كما أن الركون إلى التفسير الطائفيّ لديكتاتوريّة النظام واستمراره يحمل مجازفة علميّة و سياسيّة.

 

 لا يبرئ هذا الكلام بعض المعارضين لأسباب طائفيّة بالطبع و لا يمكن نفي وجود احتقان طائفيّ في البلاد، لدى بعض الفئات، بسبب جذور النظام الحالي(حضور أبناء الأقليات من الأرياف والمهمّشين في سلك الجيش الذي تحكّم في مستقبل سوريّة وأزاح أعيان المدن التقليدييّن وملاكي الأراضي ("السنّة") قبل أن تتحول السيادة للأجهزة الأمنيّة في عهد حافظ الأسد وحتّى اليوم الذي جمع حوله الأثرياء من كافة الطوائف وأفسح المجال لهم شرط الابتعاد عن السياسة كما خلق أثرياء جدد)،و جرح الثمانينات العميق وبسبب تغييب السياسة و الحجر على المجتمع وعدم وجود قنوات يمكن تصريف الصراعات سلمياً عبرها، و لا ينفي أن هناك من يعارض النظام لأسباب طائفية مثلما لا يمكن نفي طائفيّة بعض القطاعات والأشد موالاة للنظام وعدوانية تجاه المعارضة والانتفاضة سيما الذين تطوعوا ك"شبيّحة" وقوات أمن خاص، أي الجيش الموازي.. لكن يجب ألا ننسى أن الطائفيّة في حقيقتها هي تعبير عن صراعات سياسيّة وعلاقة قوّة. لا يخلق الناس طائفييّن لأنهم ينحدرون من طائفة أو مذهب معيّن. بل يجري تطييف الحقل الاجتماعيّ والسياسيّ عبر الصراعات على السلطة أو الاحتفاظ بها، وفي الأزمات الوطنيّة وانسداد الأفق السياسي فالطائفية ليست إلّا "سوق موازية، سوق سوداء للسياسة " بتعبير برهان غليون، كما هي" محصلة لأزمة الهيمنة الوطنية و استراتيجية سيطرة سياسية" بتعبير ياسين الحاج صالح.

 

هناك إشكالات موضعيّة حصلت في حمص مثلاً (حيث قيل أن محتجّين هاجموا على ناس موالين للسلطة) وفي تلكلخ قبل ذلك( حيث هاجم أناس عاديون موالون للسلطة بيوت محتجّين وجرت صدامات،حسبما توارد). لكن تم إحاطتها على الأغلب وطبعاً لا يعرف بالضبط ماذا جرى.

 

 غير أن الطائفيّة ليست وجهة للانتفاضة بأيّ حال من الأحوال، إلاّ في نظر من يرى النظام ممثلّاً ل"تحالف الأقليّات" سواء من يشرعن لوجوب ذلك،صراحة أو ضمناً من الموالين، أو من يعارض النظام للسبب ذاته. على أنّه يمكن بسهولة ملاحظة الشعارات الوطنية الجامعة والديمقراطية المرفوعة والتي تنادي بتحقيق المواطنة والمساواة و الكرامة و دولة القانون. لم يرفع أي شعار عكس ذلك. كما يمكن العودة إلى بيانات التنسيقيات الشبابيّة التي تحمل حسّاً عالياً بالمسؤولية الوطنية تجاه البلد وأهله، وكذلك مواقف القوى المعارضة والمثقفون والنشطاء ضمن صفوف المعارضة والحراك الشعبيّ. المخاطر الحقيقية على البلد ونسيجه الوطني تنجم عن استمرار حالة الحرب على المنتفضين وإنكار السياسة، واللعب على الولاءات وعلاقات القرابة لحماية النظام.

الانتفاضة السوريّة في مواجهة السلطة المطلقة تسعى إلى إعادة الدولة إلى نصابها ككيان عام وهيئة وطنيّة عموميّة، بعد أن جرى ابتلاعها من قبل السلطة الحاكمة و خصخصتها. الانتفاضة تسعى إلى تأميم الدول وتحويلها من الملكيّة الخاصّة إلى العامّة . وبعدها تبدأ سورية، ما بعد الأسد والمخابرات والبعث ، بالبحث الجديّ عن حلول لمشكلاتها الوطنيّة التي حجبها النظام التسلطيّ الفاسد وتلك التي تسبب هذا النظام بحدّ ذاته في خلقها.

• كاتب سوري

bedirxaneli@hotmail.com

======================

عيدٌ دامٍ في سوريا

الراية القطرية

التاريخ: 01 سبتمبر 2011

واصلت آلة القتل في سوريا فعلها في يوم عيد الفطر المبارك حيث سقط سبعة أشخاص قتلى خلال تفريق أجهزة الأمن السورية مظاهرات خرجت بعد صلاة عيد الفطر في عدد من المدن السورية تُطالب بالحرية والتغيير.

النظام السوري ما زال ورغم ارتفاع أعداد الضحايا ليتخطى حاجز الألفي قتيل وآلاف الجرحى وعشرات آلاف المعتقلين ورغم تزايد الضغوط الدولية عليه يستخدم الحل الأمني في مواجهة الاحتجاجات الشعبية السلمية.

اللافت للانتباه أن المظاهرات التي شهدتها المدن السورية أمس وخلال شهر رمضان المبارك هي المدن نفسها التي اقتحمتها قوات الأمن والجيش وما يُعرف "بالشبيحة" خلال الأشهر الماضية بهدف إخماد الاحتجاجات الشعبية إلا أنه ما وإن تُغادر هذه القوات المدن السورية حتى تعود الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير والإصلاح وإسقاط النظام إلى سابق عهدها ما يُؤكّد أن الشعب السوري قد اتخذ قراراً لا رجعة فيه بضرورة التغيير في سوريا مهما بلغ حجم الضحايا ويُؤكّد فشل الحل الأمني الذي ينتهجه النظام في إخماد جذوة الثورة.

إن الانتشار الأمني المكثف حول المساجد وحول المقابر في العديد من المدن السورية التي زارها الأهالي للدعاء بالرحمة لشهدائهم الذين سقطوا خلال الانتفاضة الشعبية لم يمنع عشرات الآلاف من السوريين من الخروج من منازلهم وكسر الطوق الأمني والوصول إلى المساجد لأداء صلاة العيد وإلى المقابر لزيارة أحبائهم وذويهم.

لقد بات الوضع في سوريا التي أصبح النظام فيها معزولاً دولياً ويخضع لقائمة طويلة من العقوبات مفتوحاً على جميع الاحتمالات بما فيها احتمالات التدخّل الدولي لوقف أعمال العنف التي تستهدف المدنيين خاصة بعد أن تحدّث وفد أمني زار سوريا مؤخراً عن الاستخدام المفرط للقوة الذي تقوم به أجهزة النظام في سوريا ضد المدنيين المطالبين بالتغيير.

لقد قدّمت الجامعة العربية خلال الاجتماع الوزاري الأخير "مبادرة " لحقن دماء الشعب السوري وتحقيق الإصلاح الجذري والسريع ضمن إطار زمني محدّد وهي رغم رفض النظام السوري التعامل معها ورفضه لاستقبال وفد عربي في دمشق فإنها تُعدّ طوق النجاة الأخير الذي قدّمته الجامعة العربية للنظام السوري والذي قد يندم مستقبلاً لتفريطه بها خاصة إذا تحققت السيناريوهات التي يجري تناولها فيما يخص الأزمة السورية وهي تتراوح ما بين الحرب الأهلية في حال استمرّ النظام في استخدام العنف ضد المحتجين واستمرّ سقوط الضحايا المدنيين وما بين التدخل الأجنبي المباشر لإيقاف هذا العنف المميت.

===============

الثورة السورية

زين الشامي

الرأي العام

1-9-2011

تطورات عديدة شهدها الملف السوري أخيرا وخاصة لناحية الدعوات التي وجهها أقرب حلفاء النظام الاقليميين، ايران وحزب الله اللبناني، الذين طالبوا نظام الرئيس بشار الأسد القيام بإجراء اصلاحات وتحقيق مطالب الشعب. فها هو وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي يدعو الحكومة السورية لأن تلبي «المطالب المشروعة لشعبها».

هذا الموقف سبقه عدة إشارات ايرانية استوقفت المراقبين للعلاقة السورية - الايرانية، اولها تمثلت في تغيير السفير الايراني في دمشق احمد موسوي بمحمد رضا شيباني، وسط تقارير اكدت ان السلطات السورية اعربت عن قلقها من هذا التغيير الذي تزامن مع سحب سفراء عدد من الدول الخليجية والعربية. من ناحيتها مصادر ايرانية في المعارضة ومحسوبة على «مير حسين»، قالت ان السلطات السورية اعتبرت القرار تأييدا لتفاقم الازمة في البلاد.

وكانت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية نقلت عن مصادر في المعارضة السورية أن مسؤولين إيرانيين اجتمعوا مع معارضين سوريين في إحدى العواصم الغربية وبحثوا الأزمة الراهنة في البلد. وقالت «إن حزب الله اللبناني سعى بدوره إلى خوض محادثات مباشرة مع معارضين سوريين، معتبرة أن أمينه العام حسن نصر الله بدا في خطابه الأخير، أقل حماسة في دعمه للرئيس الأسد عما عبّر عنه في خطاباته السابقة».

ايضا، كان لافتا الزيارة التي قام بها أمير قطر إلى طهران الذي يعتقد أنه حضّ النظام الإيراني على الحفاظ على مسافة بينه وبين النظام السوري، ومعلوم ان هذه الزيارة تأتي بعد ان طالبت الولايات المتحدة وبريطانية وفرنسا والمانيا وكندا واليابان وغيرها، من الرئيس بشار الأسد التنحي من الحكم. وبعد التطورات الدراماتيكية في المواقف العربية والتي عكست نفسها في البيان الصادر عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حول الأوضاع في سورية، وبعد المواقف المتقدمة للجامعة العربية التي طالبت نظام دمشق بوضع حد فوري للعنف واراقة دماء السوريين.

بالتزامن مع هذه التطورات على المستوى الاقليمي، بدأ ناشطون يقودون التظاهرات في المدن السورية يرفعون لافتات تطالب بتوفير الحماية الدولية للسوريين من بطش القوات الامنية والجيش الذي لم يتوقف عند استخدام الدبابات والمدافع ضد المتظاهرين، بل دخل مرحلة استخدام الطائرات.

في شريط فيديو نشر على اليوتيوب منذ أسبوعين في احدى بلدات محافظة درعا، تظهر بوضوح لافتة كتب عليها: «الشعب يطلب الحماية الدولية»، وفي شريط آخر من محافظة ادلب في أقصى الشمال رفع ناشطون لافتة كتب عليها باللغتين الانكليزية والعربية:

«نحن في حاجة الى الحماية الدولية».

في شريط الفيديو المسجل في درعا شوهدت لافتات لبعض المتظاهرين تقول «نعم لقوات الردع العربية». وهناك المزيد من الجدل في اوساط المعارضة حول التدابير الجديدة التي تتراوح بين المطالبة بتدخل عسكري وفرض منطقة حظر الطيران فوق سورية. أيضا وفي خطوة غير مسبوقة دعا احد المعارضين السوريين المقيمين في الخارج السوريين الى حمل السلاح، وطالب بالتدخل العسكري الدولي.

ورغم ان لجان التنسيقيات المحلية قالت في بيان لها انها تتفهم الدافع لحمل السلاح أو الدعوة إلى التدخل العسكري، لكنها عبرت عن رفضها لمثل هذه الدعوات واعتبرت ان ذلك غير مقبول من الناحية السياسية والوطنية والاخلاقية.

لكن هذا الموقف المتقدم للتنسيقيات نظريا، من المرجح انه لن يفيد في الاجابة عن أسئلة المحتجين عن سؤال: وماذا بعد كل هذا القمع وماذا بعد كل هذه الضحايا؟؟

كل المؤشرات تقول ان الدعوات لطلب الحماية الدولية وربما التدخل العسكري بين المتظاهرين سوف تزداد يوما بعد يوم طالما ان النظام السوري مستمر في نهجه وخياره الامني والعنفي في التعامل مع المحتجين.

ان هذه التطورات، نقصد طلب بعضهم للحماية الدولية والدعوات المتزايدة للتدخل العسكري او التسلح، تشكل خروجا كبيرا عن موقف المتظاهرين على مدار الستة أشهر من عمر الاحتجاجات الشعبية حيث كان يرفض النشطاء أي تدخل عسكري أجنبي على غرار تدخل حلف شمال الاطلسي في ليبيا. ان ذلك يعتبر مؤشرا لتنامي الاحباط بين المحتجين والى ارتفاع عدد ضحايا الاحتجاجات نتيجة القمع الوحشي لقوات الرئيس بشار الأسد وعناصر الشبيحة الموالية له. ووفقا للمنظمة الوطنية لحقوق الانسان فقد قتل 3100 شخص منذ بدء الانتفاضة في منتصف شهر مارس وحتى نهاية شهر أغسطس. هذا عدا عن عشرات لآلاف من المعتقلين والمهجرين الى تركيا ولبنان والاردن الذين نزحوا اثر عمليات اقتحام الجيش لبعض المدن والبلدات الحدودية مثل تلكلخ وبانياس وجسر الشغور وكل محافظة درعا تقريبا إضافة الى حماة وحمص ودير الزور.

ما نود قوله في النهاية، ان هذه التطورات الاقليمية والداخلية في ما يخص الانتفاضة السورية، تؤشر لمرحلة جديدة ومختلفة عن تلك التي مضت، مرحلة يمكن وصفها بالمرحلة الاخطر او الممهدة لسقوط النظام.

===============

الشعب السوري اتّخذ قراره...

خيرالله خيرالله

الرأي العام

1-9-2011

أخيرا حصلت صحوة عربية. تذكّر العرب ان شيئا ما يحصل في سورية وان عليهم ان يأخذوا علما بذلك. هل ستكون للصحوة العربية نتائج ايجابية وهل الصحوة قابلة لأنّ تتطور مستقبلا ام ستبقى مجرد بيان خجول يصدر عن مجلس جامعة الدول العربية لا يسمّي الاشياء باسمائها؟ وحده مرور الوقت كفيل بتوفير الجواب الشافي عن سؤال من هذا النوع. الامر الوحيد الأكيد ان الصحوة العربية جاءت متأخرة. ولكن كما يقول المثل الفرنسي: ان تأتي الامور متأخّرة افضل من ألا تأتي ابدا. الأكيد ايضا ان الشعب السوري فرض الصحوة وان هذا الشعب سيقرر مستقبل سورية بغض النظر عن موقف العرب والعالم.

في كلّ الاحوال، كشفت الازمة العميقة التي يعاني منها النظام السوري امرين. اولهما ان العرب كانوا دائما مقصّرين في اتخاذ موقف من نظام لم يعمل سوى على ابتزازهم وعلى تدمير بلد اسمه لبنان وضرب صيغة العيش المشترك فيه... وعلى منع اي تسوية يمكن ان يتوصل اليها الفلسطينيون مع اسرائيل.

لم يكن لدى اسرائيل يوما اي اعتراض على هذا التوجه. على العكس من ذلك، شجعت دائما انغماس الفلسطينيين، بفضل النظام السوري اوّلا، في الحروب اللبنانية واغراقهم في المستنقع اللبناني نظرا الى ان ذلك يبعدهم عن خدمة قضيتهم من جهة ويضعهم تحت هيمنة دمشق من جهة اخرى. الم يكن شعار السياسة السورية الذي رفعه الراحل حافظ الاسد في كلّ وقت «انّ القرار الفلسطيني المستقل بدعة» وان «فلسطين جنوب سورية؟».

المؤسف ان الفلسطينيين في معظمهم لعبوا، بسبب قصر نظرهم، لعبة النظام السوري في معظم الاحيان وارتضوا ان يكونوا تحت هيمنته. لم يتمكنوا من ممارسة سياسة مستقلة الاّ بعد فوات الاوان وذلك بعد خروجهم من لبنان وشعورهم بانّ العالم ليس شوارع بيروت وازقتها او جمهورية الفاكهاني «حيّ في بيروت» وان الطريق الى فلسطين لا تمرّ لا بالعاصمة اللبنانية ولا بجونيه ولا بعمّان ولا بايّ عاصمة او مدينة عربية اخرى او بقلب هذا النظام العربي او ذاك.

اما الامر الثاني الذي كشفته الازمة التي يعاني منها النظام السوري فهي تتمثل في ان الكيان السوري نفسه غير قابل للحياة في غياب دولة مدنية تتصرّف بشكل طبيعي. يفترض بالقيمين على مثل هذه الدولة ان يأخذوا في الاعتبار ان البلد مليء بالمشاكل وانّ ليس في استطاعته الهرب منها باستمرار تحت لافتة كبيرة اسمها الدور الاقليمي لسورية. هذا الدور اقرب الى الوهم من اي شيء آخر. الدليل على ذلك ان النظام السوري الذي يعتبر نفسه مالك كل الاوراق في المنطقة انتهى تحت رحمة النظام الايراني في لبنان. لولا ايران والميليشيا المذهبية التي شكلتها في لبنان، لما كان في استطاعة النظام السوري الاتيان في السنة 2011 بحكومة موالية له تتخذ مواقف سخيفة مثل ذلك الموقف الذي اتخذته وزارة الخارجية من البيان الصادر عن وزراء الخارجية العرب من الوضع السوري. انه موقف يكشف بكل بساطة عجزا مكشوفا عن فهم ما يدور حقيقة في سورية او تعاميا عن ذلك من جهة فضلا عن انه يسيء الى كل لبناني وعربي شريف يمتلك حدّا ادنى من الشعور الانساني ويرفض في الوقت ذاته ان يكون تابعا للنظامين الايراني والسوري من جهة اخرى.

يكمن الامل بمستقبل افضل لسورية والسوريين في العودة الى الديموقراطية والى دولة مدنية طبيعية تجري فيها انتخابات نيابية ورئاسية حقيقية بديلا من دولة الحزب الواحد. هذه الدولة التي تحولت شيئا فشيئا الى دولة العائلة الواحدة التي تتحكم بمصائر السوريين ومستقبل اولادهم. هذا هو الامل الوحيد لسورية التي كشفت الثورة التي تشهدها انها تمتلك شعبا حيّا يرفض العبودية والذلّ وسيتخلّص من نيرهما عاجلا ام آجلا.

هذا الشعب لم تعد تنطلي عليه الشعارات الكاذبة من نوع «المقاومة» و«الممانعة». هذا الشعب يدرك انه يحق له رفع شعار «سورية اوّلا» لانه يعرف ان كل ما فعله حكامه منذ الانقلاب العسكري الاول الذي قاده حسني الزعيم في العام 1949 استهدف الغاء المواطن تمهيدا لالغاء الوطن.

استفاق العرب اخيرا على ما يجري في سورية لانّ المواطن السوري استفاق على ذلك. اثبت هذا المواطن ان لا شيء يوقف ثورته وانه يرفض العيش في دولة هربت في العام 1949 الى الانقلابات العسكرية وفي العام 1958 الى وحدة مصطنعة مع مصر لا تمتلك ايا من مقومات النجاح وفي العام 1963 الى سخافة البعث بكل ما يمثله من تخلف وصولا الى حكم العائلة القائم على الغاء الآخر. لم يستطع هذا الحكم ممارسة اي نوع من انواع السياسات البناءة. لم يكن قادرا حتى على الاستفادة من السوريين بما يمثلونه من ثروة انسانية. اضطر كل سوري له معنى العيش خارج سورية من اجل المحافظة على كرامته اوّلا.

يجدر بنا نحن اللبنانيين الاعتراف بما قدمه السوريون الهاربون من النظام الظالم للبنان ومدى مساهمتهم في نهضة الوطن الصغير الذين اصبحوا جزءا لا يتجزأ منه. لكننا لا نستطيع في الوقت نفسه ان ننسى ما فعله النظام السوري بلبنان بعدما اعتبر ان همّه الاوّل محصور منذ العام 1970، وحتى قبل ذلك، في اغراقه بالسلاح، لا فارق الى اين يذهب هذا السلاح؟. سلّح النظام السوري الفلسطيني واللبناني بغض النظر عن الطائفة التي ينتمي اليها. سلّح ميليشيات اسلامية واخرى مسيحية. المهمّ بالنسبة اليه أن يكون لبنان تحت حكم الميليشيات وان يكون هناك تدمير منظم لمؤسسات الدولة اللبنانية. ارتكب مجازر في حق اللبنانيين من مسلمين ومسيحيين مثلما ارتكب مجازر في حق الفلسطينيين الذين لا يزال يتاجر بهم حتى هذه اللحظة.

هل يمكن ان ننسى انه زود ميشال عون «عضو مجلس النواب حاليا» بالذخائر عندما كان يحارب «القوات اللبنانية» في العامين 1989 و1990 على الرغم من ان عون المذكور كان وقتذاك على علاقة بصدّام حسين العدو اللدود لحافظ الاسد؟

ما نشهده حاليا بداية النهاية لنظام لا يعرف سوى الهدم. الهدم في سورية والهدم في لبنان. لم يكن اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من فبراير 2005 والجرائم الاخرى التي كان لبنان مسرحا لها في تلك المرحلة سوى تعبير عن عمق الازمة التي يمرّ فيها النظام السوري والتي غض العرب النظر عنها طويلا خوفا منه اكثر من اي شيء آخر.

في هذا السياق، يمكن النظر الى الموقف العربي المستجد وادراك اهميته ولكن مع الاصرار في كل لحظة على ان من فرض هذا الموقف هو الشعب السوري بثورته العظيمة التي يبدو ان النظام في دمشق آخر من يريد الاعتراف بها. انه يدرك ان ذلك معناه ان عليه الرحيل اليوم قبل غد رحمة بسورية والسوريين اوّلا ولبنان واللبنانيين ثانيا والعرب آخرا ولكن ليس أخيرا!

===============

نقاش ايراني

ساطع نور الدين

السفير

1-9-2011

حتى ايران لم تعد تحتمل ما يجري في سوريا، وصارت تجاهر باعتراضها او على الاقل بتحفظها عن سلوك الرئيس بشار الاسد الذي يقدم كل يوم المزيد من الادلة على براعته في فقدان الحلفاء والاصدقاء، وفي كسب الاعداء والخصوم.

ما ورد في الايام القليلة الماضية على لسان كبار المسؤولين الايرانيين لا يوحي فقط بان الازمة السورية بلغت مرحلة الخطر الشديد، بقدر ما ينبئ بان طهران اعلنت حالة الاستنفار القصوى، على الصعيدين السياسي وربما ايضا العسكري، للتعامل مع المفاجآت السورية المقبلة.. تماما كما هي الحال بالنسبة الى تركيا التي شكلت غرفة عمليات خاصة بالاعداد لمرحلة ما بعد النظام السوري الحالي الذي سعت بكل جهدها طوال الشهور الخمسة الماضية الى اقناعه بتفادي الانتحار، من دون جدوى، وأصبح رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان يعبر بطريقة فظة عن شعوره بالخيبة لخسارة صديق سوري حميم، سبق ان تقاسما واحدة من اهم الصفحات المشرقة في تاريخ العلاقات بين البلدين.

لم تصل طهران الى مرحلة اليأس من الرئيس الاسد، لكن الاشارات التي ترسلها الآن بشكل علني وصريح مثيرة للذهول فعلا، ولعلها من ابرز مظاهر الازمة السورية واخطرها: بعدما قدمت ايران كل ما تستطيع من مساعدات مالية ونفطية الى دمشق، بدأ النقاش داخل القيادة الايرانية منذ مطلع شهر رمضان حول ما اذا كانت فرص انقاذ النظام السوري باتت معدومة، وآن الاوان للتفكير، مثلما يفعل الاتراك، في البحث عن البديل. كانت هذه هي وجهة نظر الاقلية في مكتب المرشد آية الله علي خامنئي وفي بقية اجهزة السلطة. لكن التصريحات الايرانية الاخيرة تنبئ بان الغالبية الحاكمة لم تعد تعارض هذا التقدير. كما ان الانباء عن اتصالات ايرانية تجري مع المعارضة السورية في الخارج تشير الى ان ايران تتصرف الآن كدولة تود المحافظة على مصالحها الحيوية في سوريا بغض النظر عن شكل الحكم فيها.

ثمة اشارات عدة الى ان طهران تريد ان تحذو حذو تركيا، من دون ان تتصارع معها، بحسب الاعتقاد الشائع في اكثر من مكان، لانها تعرف يلا شك بعد خمسة اشهر من الانتفاضة الشعبية، حدود دورها السوري الذي لا يمكن ان يعادل بأي حال من الاحوال النفوذ التركي المقبل في سوريا. وفي اي قراءة متأنية للتصريحات الايرانية ما يدفع الى الاستنتاج ان طهران ربما تخطت انقرة نفسها في تقييمها للازمة السورية، لا سيما عندما هددت اسرائيل بالصواريخ اذا ما حاولت الاستفادة مما يجري في سوريا، وانذرت حلف الاطلسي بمستنقع اعمق من افغانستان والعراق اذا ما تدخل في سوريا، او عندما تحدثت عن خطر الفراغ في سوريا، وهو الاحتمال الذي لم يجرؤ اي مسؤول تركي على ذكره!

رب قائل ان طهران تسعى حاليا الى توفير شبكة امان للنظام السوري الذي لن تتخلى عنه وستظل تقاتل الى جانبه حتى اللحظة الاخيرة... مع علمها الاكيد بأن احدا لم يرجع من عملية انتحارية.

===============

علي فرزات قلم رصاص الثورة

أحمد السنوسي

2011-08-31

القدس العربي

 نشرت أسبوعية 'لوكانار أونشيني' الفرنسية التي احتفلت هذه السنة بعامها السادس والتسعين من الحضور الساخر والنافذ في المشهد السياسي الفرنسي، في عددها ليوم 24 آب/اغسطس 2011 كاريكاتورا لأحد رساميها يختزل وعود الرئيس السوري بالاحتكام 'الديمقراطي' لصناديق الاقتراع في دبابة تحمل صندوق اقتراع له امتداد في شكل مدفع يصوّب فوهته نحو صدور الجماهير.

ولا شك ان الاسد لا يملك من الجبروت ما يسمح له بتقطيع اصابع رسامي 'لوكانار أنشيني'، لكن كانت له من 'القوة' هو وأجهزته القمعية، لتبعث بعناصر ملثمة من أفرادها لاختطاف الرسام علي فرزات الأعزل الا من قلم رصاصه، في مواجهة جلاديه المدججين بأحزمة الرصاص، والتنكيل به واخضاعه لحصة تعذيب شملت كافة اطراف جسده ولم تستثن بطبيعة الحال اصابع اليد التي ابدعت رسوماً ساءلت الواقع السوري والنظام 'الصّوري' وكل انظمة القهر العربية، بنفس الطريقة التي ساءل بها الصديق الشهيد المبدع ناجي العلي وضميره المستتر في جبّة حنظلة، محيطه الخاص وأشجان شعبه، فجاءت رصاصة غادرة حاقدة لتحطم قلمه دون ان تنجح في تغييب السؤال العربي المحوري حول طبيعة تتغذى بإدمان رهيب من دماء شعوبها.

هذه الأنظمة المستبدة، تملك تراثا غنيا في مجال تكسير اصابع حملة الأقلام واختطاف واغتيال ونفي كل من قال 'لا' علنا ضد الديكتاتور بنفس الطريقة التي ألجمت بها سلطة زمن غابر صوت ابن المقفع صاحب 'كليلة ودمنة' حين قتل ودفن، ثم عمدوا الى اخراجه من قبره للعبث بجسده وكأن موتا واحدة لا تكفي حين يوظف المبدع يراعه وفنه كمرآة تعكس مواطن الخلل واهتزاز القيم في ظل الطغيان الآثم الذي يستبيح كرامة الانسان.

وقد حوكم أب السخرية العربية الجاحظ والاغلال تقيد رجليه، وخاطبه قاضي ذلك الزمان بالقول: 'اني أثق في ظرفك ولا أثق بدينك' بعد ان فشلت السلطة في اغراء الجاحظ بالعمل في ديوانها، حيث لم يعمّر به صاحب كتاب الحيوان اكثر من ثلاثة ايام معدودة، وغادره الى دفء كتبه وحروب قلمه القاطع كالسّنان ضد الشعوبية وأشباه العلماء والمتبججين والواقفين امام باب الحاكم من محترفي المديح الفج والبذئ الذي جسده في زمن آخر المدّاح ابن هاني الأندلسي الذي حث الخليفة على التمادي في الطغيان 'المقدس': 'ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهّار' فما أشبه اليوم بالبارحة.

وقد ورثت أنظمة الحكم العربي حتى هذا العقد الثاني من الألفية الثالثة حيث 'غطىّ' ضجيج المداحين على الأصوات المغرّدة خارج السرب، فحين تخطئ الرصاصات صدور الساخرين فإن مصيرهم المحتوم يتأرجح بين النفي والتهميش والمنع والإقصاء وشن حملات الإفتراء لتشويه ذممهم وسمعتهم، لكن الديكتاتور كما قال الشاعر 'ايفتشينكو' لن ينتصر ابد على الساخر'. وتأتي واقعة العزيز الفنان علي فرزات لتكشف عن ذلك الخيط الرفيع الذي يربط بين ماضي الإسبتداد العربي وحاضره، وها هي سجون العرب، حتى تلك التي تدعي الليبرالية والانفتاح على العالم، تأوي كتابا وصحافيين وفنانين ومناضلين سياسيين وحقوقيين وأصحاب رأي، تمت محاكمتهم الصورية بمقتضى نفس الفصول الجنائية التي يحاكم بها قطاع الطرق والمجرمون وتجار المخدرات، فيما القانون الجنائي يصاب بالعمى التام حين يتعلق الأمر بملاحقة المفسدين السياسيين ولصوص المال العام وكل الذين سطوا على الشرعية وتعَّبدوا في محراب كراسي الخلود، وقرصنوا القيم الروحية للشعوب ووظفوها عنوة من اجل تمتيع استبدادهم بالحصانة والمناعة حتى يضمنوا توريث الشعوب المقهورة لابنائهم وكأنهم أبقار في ضيعة محروسة بحد السيف.

واليوم جاء الاستثناء الربيعي العربي ليشرع في كسر القاعدة الظالمة التي عمّرت قرونا الى درجة توهم معها الطغاة دوام الحال وهو محال. فاستسهلوا تكسير الاقلام ووأد صوت الحرية في المهد، بالتحجير او النفي او بسطوة العصابات 'الأمنية' الملثمة ضد حملة أقلام الرصاص الذين سيستمدون من استشهاد ناجي العلي ومحنة علي فرزات وصحوة الشعوب العربية التاريخية القدرة الهائلة على ان يكونوا 'أنبياء في وطنهم'، ومطربي الحي الذين يطربون انتشاء بثورة الجماهير العارمة التي ستجرف قاذورات الطغيان والاستبداد العربي القديم منه والمستجد والطارئ من أجل بناء ثقافة جديدة قوامها الحرية والكرامة والشرعية للشعب وبالشعب وحده.

===============

عندما يفرض التحدي على الشعب السوري

د. بشير موسى نافع

2011-08-31

القدس العربي

 في تعليق له على انتصار الثورة، قال مسؤول ليبي سابق أنه لم يشك طوال الشهور الماضية في أن لحظة الانتصار قادمة، لسبب بسيط: أن الشعب الليبي قبل منذ اليوم الأول للثورة التحدي الذي فرضه عليه نظام القذافي.

ثمة من يقول اليوم، وقد أنجز الشعب الليبي الأغلبية العظمى من مهمة إطاحة نظام الاستبداد، أن هذا الانتصار لم يكن ليتحقق لولا التدخل العسكري الكبير الذي قدمته بعض دول الناتو وعدد من الدول العربية في الصراع الذي شهدته ليبيا منذ شباط/فبراير الماضي، أو منذ بدأ التدخل العسكري الخارجي بعد شهر من اندلاع الثورة.

التدخل الغربي الحاسم في الأيام الأخيرة من آذار/مارس هو الذي منع قوات العقيد المخلوع من اقتحام عاصمة الثورة، بنغازي، وارتكاب المجزرة التي كان يهدد بها شعبه. والتدخل الغربي هو الذي دفع قوات العقيد إلى الخلف وأوقفها على محور إجدابيا البريقة، والعون العسكري العربي، سيما من قطر ودولة الإمارات، وفر للثوار عوامل الصمود والنصر في مصراتة، والصمود والتقدم في الجبل الغربي. وأخيراً، كان العون العربي والغربي معاً من أعد الثوار لعملية تحرير العاصمة طرابلس.

ليس ثمة من جدل في صحة هذا كله. ولكن الصحيح أيضاً أن الشعب الليبي هو الذي فجر الثورة، واستطاع خلال أقل من شهر تحرير كل الشريط الليبي الساحلي، من بنغازي إلى طبرق، مقدماً تضحيات كبيرة بلا شك. والشعب الليبي هو الذي نهض، بشبابه وشيوخه، ونسائه في أحيان كثيرة، وحمل السلاح، عندما فرض عليه النظام خوض الحرب في مواجهة قواته. وقد تسلح الليبيون، وقاتلوا، قبل أسابيع طوال من وقوع أي تدخل خارجي، عربياً كان أو غربياً.

في مصراتة وفي الزاوية، قاتل الليبيون ببسالة نادرة، قبل وبدون حتى مجرد أمل في تدخل خارجي ما. وكذلك حرر ثوار الجبل الغربي قطاعاً واسعاً من بلادهم، وأخذوا في التقدم نحو الزاوية وطرابلس. كنت أحد العرب الأوائل الذين دخلوا ليبيا بعد يوم أو يومين من بدء القصف الجوي الغربي لقوات العقيد على الطريق بين إجدابيا وبنغازي، وهي العملية التي يعزى لها حماية بنغازي من الدمار الذي كان يمكن أن تتعرض له على أيدي النظام السابق.

والحقيقة، أنه لأسابيع طوال، لم يكن للتدخل الخارجي من إنجاز سوى حماية بنغازي. ما شاهدته طوال مئات الكيلومترات، من الحدود المصرية  الليبية إلى بنغازي وإجدابيا، كان شعباً ثائراً، أخذ قراره بالتخلص من نظام القمع والاستبداد؛ وقد تدفق الشبان الليبيون إلى ساحات الحرب والقتال، بأي سلاح توفر لهم، وأحياناً بغير سلاح يذكر.

وليس لدي شك أننا سنشهد منذ اليوم حضوراً هائلاً للشعب الليبي، ليس فقط في حسم ما تبقى من المعركة لتحرير كامل البلاد وتوحيدها، ولكن أيضاً في بناء ليبيا السياسي والاقتصادي وتقرير مستقبل البلاد وعلاقاتها.

ما قيل عن سيطرة دول الناتو على الشأن الليبي لن يحدث؛ ما سيحدث أن الليبيين سيستعينون بدول مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة بقدر حاجات بلدهم لهذه الدول، وربما بدرجة أقل من ارتماء نظام العقيد أمام العواصم الغربية في سعيه البائس لتأبيد حكمه وسيطرة أسرته على ليبيا وشعبها.

وتدخل الناتو لن يجعل من ليبيا ملحقاً بأوروبا؛ والأرجح، كما تدل مؤشرات عديدة، أن هوية لليبيا العربية  الإسلامية ستصبح أكثر توكيداً وأعمق معنى، وأن علاقات ليبيا العربية والإسلامية ستكون أكثر وثوقاً. والمسألة هنا لا تتعلق بالتخلص من نظام مزاجي، غير عقلاني، ومتمحور حول عبادة فرد معتوه وحسب، بل في الحضور الشعبي من جديد، وتسلم الليبيين مقاليد بلادهم. وربما يجدر التذكير بأن مصر ما بعد الثورة أصبحت أكثر صلابة في الدفاع عن حقوقها، وأكثر اقتراباً من محيطها العربي، بالرغم من أن البلاد لم تزل تمر بفترة انتقالية قلقة.

وهذا بالتأكيد ما يجب أن يرى في الحالة السورية، حيث يبدو أن النظام لم يقرأ بعد حجم وعمق الحركة الشعبية التي تقود الثورة السورية، وقدرة السوريين على الارتفاع إلى مستوى التحدي، أي تحد يفرضه النظام عليهم.

منذ منتصف مارس/ آذار، والسوريون يتظاهرون للمطالبة بالحقوق التي طالب ويطالب بها أشقاؤهم في تونس ومصر وليبيا واليمن، وغيرها من بلاد العرب. ومنذ منتصف آذار/مارس، والنظام يقود سورية من هاوية إلى أخرى، مسكوناً بوهم قهر الشعب وهزيمته. بتوظيفه لأبشع وسائل القمع وأكثرها وحشية، وتوريطه الجيش العربي السوري في حرب شاملة ضد شعبه، واستمرار عمليات القتل والاعتقال الجماعي والتعذيب والإهانة وانتهاك الحرمات، يدفع النظام السوريين دفعاً إلى حمل السلاح.

أكثر من خمسة شهور والسوريون يقتلون بلا هوادة، يقتلون في ساحات التظاهر، في شوارع مدنهم وفي بيوتهم، ويقتلون تحت التعذيب، وهم يهتفون بتصميم وإصرار أن ثورتهم سلمية، سلمية. وليس هناك شك في أن ادعاءات النظام المبكرة، ومن الأيام الأولى للثورة السورية، بأنه يواجه عصابات مسلحة، سلفية وغير سلفية، عندما لم يكن هناك من مسلح واحد، ولم يتوفر مراقب واحد رأى أو سجل أثر أولئك المسلحين، إلا محاولة لدفع الشعب إلى التسلح، ومن ثم تحويل سورية كلها إلى ساحة حرب دموية، يظن قادة النظام أنها ستنتهي بانتصارهم.

ما هو أخطر كان محاولات النظام الحثيثة لإيقاع انقسام طائفي، وإشعال حرب أهلية  طائفية. بينما كان السوريون، في كافة أنحاء البلاد، يؤكدون وحدة البلاد والشعب، كان النظام ينشر خطاباً طائفياً، مدعياً بأن المتظاهرين في حمص أو في إدلب يحملون توجهات طائفية.

ولتعزيز الانقسام الطائفي، عمل النظام كما لم يعمل من قبل على حشد الطائفة العلوية من خلفه، زارعاً الخوف والأوهام في صفوف البسطاء والجنود من أبناء الطائفة. ولم يكن يخفى أن أغلبية شبيحة الأمن، وليس كلهم على أية حال، هم من العلويين. شهراً وراء شهر، والنظام يدفع سورية إلى الهاوية الطائفية، التي لم يعرفها الشعب السوري في تاريخه من قبل. وعندما رفض السوريون الوقوع في مخطط النظام، بدأ تصعيد من نوع جديد: من قيام قوات الأمن وميليشيات النظام بكتابة الشعارات المهينة لعقائد المسلمين السوريين، إلى إجبار النشطين على التفوه بعبارات الكفر، وصولاً إلى تدمير المآذن واقتحام المساجد والاعتداء على العلماء. ما حدث لمساجد في حماة ودير الزور، وما حدث في مسجد الرفاعي بدمشق مؤخراً (بل وتوسيع نطاق التوتر إلى العراق، الذي شهد تفجيراً مشبوهاً في مسجد أم القرى)، لا يمكن تفسيره إلا بأن النظام يدفع الأوضاع إلى انفجار طائفي  أهلي، في مسعى لإضفاء الشريعة على مستوى أعلى من القمع الوحشي.

ليست هذه دعوة لحمل السلاح في سورية، لا ضد قوات النظام وميليشياته، ولا ضد مشروعه الطائفي. ولكن المتيقن أن الشعب السوري لن يكون أقل من أشقائه الليبيين، إن وضع في مواجهة من هذا القبيل، وخير في النهاية بين استمرار عجلة الموت أو القتال. وربما على النظام وأنصاره أن يدرك الفرق الحرج بين مواجهة جماعة أو تنظيم مسلح، كما كان عليه الأمر في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي، ومواجهة شعب مسلح، كما هو عليه الأمر في ليبيا اليوم. التنظيمات المسلحة، مهما بلغ إيمانها بعدالة قضيتها، سرعان ما تنتهي فريسة لآلة الدولة الحديثة، الأعلى تسليحاً وتنظيماً وكفاءة.

أما الشعب المسلح فمسألة أخرى، سيما إن كانت الظروف المحيطة مواتية. وإن كان النظام قد بدأ بالفعل يعاني من انشقاقات متتالية، وإن صغيرة، في آلته العسكرية، فمن المستحيل أن يستطيع الحفاظ على وحدة الجيش وقوى الأمن في حال انحدرت البلاد إلى حرب واسعة النطاق بين النظام والشعب.

السوريون ليسوا استثناء، وإن إجبروا على خوض امتحان المواجهة المسلحة، فلا يجب أن يكون هناك شك في من سيكون المنتصر في النهاية.

من جهة أخرى، لم يسمع من السوريين حتى الآن، متظاهرين أو قادة معارضة، من دعا إلى تدخل عسكري أجنبي في البلاد، اللهم إلا أصواتاً متفرقة وهامشية. يستشعر السوريون حساسية موقع بلادهم ودورها ومسؤولياتها، ولا يريدون أن تجري عملية الانتقال إلى سورية حرة وعادلة بفعل أو في مواكبة تدخل خارجي في شؤون البلاد، يؤدي، على نحو أو آخر، إلى خلل فادح في دور البلاد وموقعها. ولكن تصميم النظام قصير النظر، والمؤسس على حسابات خاطئة وعدم وعي بطبيعة الحركة الشعبية، على الإمعان في سياسة القمع الوحشي، وانحدار البلاد إلى حالة من انفجار أهلي وواسع للعنف، قد يفسح المجال في النهاية للتدخل الأجنبي.

سورية القديمة قد انتهت. سورية لن تعود إلى حكم الأسرة والمجموعة الصغيرة من الملتفين حولها، انتهازية أو ربحاً أو خوفاً.

وكلما أسرع النظام وحلفاؤه في رؤية هذه الحقيقة، وأن الشعب السوري قبل أعباء التحديات المطروحة أمامه، كلما كان ذلك أفضل وأسلم واقل ضرراً، للنظام ورجاله وحلفائه، للعرب وللجوار الإقليمي، ولسورية ككل.

' كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث

===============

البيدر السوري وحسابات الحقل التركية

الاربعاء, 31 أغسطس 2011

أكرم البني *

الحياة

لا تزال المواقف التركية إلى اليوم تنوس بين تقديم النصح ومنح المهل والتغطية الجزئية على ما يجري مشفوعة بالإلحاح على إجراء إصلاحات سريعة وجدية، وبين إعلانات تأخذ مرة على السلطة السورية تمنعها أو تباطؤها في الإصلاح وتدين مرة العنف المفرط ضد المدنيين وتطالب بإعادة الجيش السوري إلى ثكناته، وتشير مرة ثالثة إلى نفاد صبرها وأن الكيل طفح مهددة باللجوء إلى خيارات أخرى لمواجهة ما يجري، منها التلويح بإمكانية إقامة منطقة عازلة على الحدود المشتركة لحماية المدنيين من البطش والتنكيل، ومنها إثارة أوضاع اللاجئين السوريين كقضية إنسانية لا تحتمل الحياد، وسمعنا أخيراً إعلان وزير خارجيتها بأن بلاده ستقف إلى جانب الشعب السوري عند المفاضلة بينه وبين النظام، تلاه تصريح الرئيس غول بأنه قد فقد الثقة بأهل الحكم في سورية، من دون أن تصل هذه المواقف إلى حد المطالبة بتنحية النظام كما أعلنت غالبية الدول الغربية.

الأمر مفسّر ومفهوم، فسياسة أنقرة من الأزمة السورية تبدو كمن يسير على حبل مشدود، وحساباتها ترتهن لمرتكزات بالغة التعقيد ومتعارضة أحياناً، فهي لا تستطيع التنكر لشعارات الحرية والديموقراطية أمام ما تراه العيون من عنف مفرط وانتهاكات مفضوحة لحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه لا تريد القطع مع النظام السوري وخسارة ما تم بناؤه طيلة عشر سنين! وهي مع إقرارها بأن النظام يعمل على شراء الوقت لتصفية الاحتجاجات الشعبية بقوة السلاح، لا تزال تراهن عليه لإصلاح نفسه وتعول على الضغوط لإجباره على تبني خطة طريق للتحول الديموقراطي كفيلة بمعالجة أسباب الأزمة، طالما لا يرضيها حصول تغيير في دمشق يأتي بسلطة جديدة قد تتحفظ عما تم بناؤه من علاقات تعاون وقواعد إيجابية بين البلدين.

ثمة مخاوف حقيقية لدى الحكومة التركية من تأثير الأحداث السورية فيها ليس راهناً فقط، وإنما مستقبلاً أيضاً، وهي تدرك جيداً أن بلادها ستكون المتضرر الأول والأكبر مما يمكن اعتباره تطورات غير محمودة في سورية، أهمها انتقال الصراعات الأهلية بعد انفلاتها إلى الداخل التركي، عبر مكونات عرقية وثقافية متداخلة بين البلدين الجارين على حدود طويلة تزيد عن 800 كيلومتر، وأخطرها احتمال استغلال حزب العمال الكردستاني المعارض وتنشيط دوره ما قد يربكها ويشغلها ويزعزع الاستقرار هناك. وهو الحزب الذي ينتظر فرصة تأزم العلاقات بين الطرفين كي يصعّد عملياته ضد أنقرة، الأمر الذي يفسر الضربات الجوية الأخيرة ضد مواقع الحزب في العراق والتي تبدو كما لو أنها إجراء استباقي لتحجيمه وشل فاعليته في حال أكرهت الحكومة التركية على إعلان موقف صريح مناهض للحكم السوري.

الجميع يتفهم جديد السياسة التركية في حنينها إلى الماضي الإمبراطوري العثماني وتوقها الشديد إلى تحسين نفوذها الإقليمي، كشرط لتعزيز سلطتها وحضورها، وأيضاً أوراق قوتها في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن يبدو أن مطامع النفوذ تتعارض، في القراءة الاستراتيجية، مع تكلفة الدخول في صراع مكشوف ضد النظام السوري ومفتوح على احتمالات مضرة وخطيرة، أوضحها الانجرار إلى اشتباك مع إيران وحلفائها في العراق ولبنان وما يستتبع ذلك من تداعيات قد تضع القطار التركي على سكة لا يريدها، وربما تستنزف قواه وتهدد طموحاته وتعطي منافسه الإسرائيلي اللدود فرصة ثمينة لاستعادة نفوذه في المنطقة وقد جاهدت الحكومة التركية لسنوات من أجل إضعافه.

ثمة من ينظر إلى المشهد من زاوية مختلفة بأن تركيا لا تريد أن تخسر ما راكمته من حضور وسمعة طيبة في أوساط الرأي العام العربي كمثل ونموذج لبناء العمارة الديموقراطية الإسلامية، وكطرف عرف كيف يدعم ويستثمر القضية الفلسطينية ويحصد تعاطفاً شعبوياً في الشارع عبر تصعيداته المتنوعة ضد الكيان الصهيوني ومحاولة كسر حصار غزة! في إشارة إلى أن أي اصطفاف حاد أو انخراط في صراع عنيف ومسلح داخل إحدى الساحات العربية قد يحرق هذه الصورة أو على الأقل يشوهها، والتي تعرضت بالفعل للاهتزاز مع وضوح استغلال حزب العدالة التنمية الحدثَ السوري في معركته الانتخابية حين صعّد لهجته قبلها ليضمن الربح، ثم خبت مواقفه بطريقة غير مفسرة ما إن انتهت الانتخابات.

إن إعجاب البعض ببراغماتية السياسة التركية لا يعفي من القول إنها تواجه مأزقاً صعباً مع استمرار تفاقم الأزمة السورية، لكن ما قد يخفف من وطأة مأزقها، هو حرصها على توفير أوسع غطاء عربي وعالمي قبل أن تتخذ قراراً قاطعاً ونهائياً من الحكم السوري، بدليل أن تصعيد المواقف التركية يرتبط في كل مرة بتصعيد يستجد في المواقف وردود الأفعال العربية والعالمية، وكلنا يتذكر توقيت تصريح أردوغان الغاضب والذي جاء فور التصعيد السعودي، وقرار الملك عبدالله استدعاء السفير السعودي من دمشق للتشاور، كأنها محاولة للتذكير بالدور التركي في تقرير تطور الأحداث السورية يفترض ألّا يكون أقل من الدور العربي، وكأن حكومة أنقرة وهي تنأى بنفسها عن التورط منفردة في الأزمة السورية تحرص أيضاً على ألّا تخسر حصتها من المستقبل السوري أو تسمح لآخرين بقطف ثمار هي الأولى بها.

هامش المناورة محدود والمهلة قصيرة، وعلى رغم ما يحيط بالأزمة السورية من تعقيدات فإن ما قد تستجره من تداعيات وأدوار إقليمية وعالمية، لن يسمح للسياسة التركية أن تبقى في الآمان وتستمر في لعبة الرقص على الحبال، ما يرجح أن تحمل الفترة المقبلة جديداً في مواقف أنقرة تكون أكثر وضوحاً وحسماً ربطاً بالحضور الجديد والفاعل لدور الجامعة العربية في الأزمة السورية واحتمال نجاح المحاولات المتكررة لإصدار قرار أممي يدين العنف المفرط ضد المدنيين.

===============

سلمية الانتفاضات متغير مجتمعي أم حاجة تكتيكية؟

الخميس, 01 سبتمبر 2011

عبدالامير الركابي *

الحياة

 المظهر الرئيسي للانتفاضات الجارية في العالم العربي، «سلميتها». هذا الاسلوب بالذات، هو الاسلوب الرئيسي الذي يطبع حركة المنتفضين الآن. في اليمن مثلا، حيث الاحصاءات تقول ان البلاد فيها 60 مليون قطعة سلاح منتشرة بيد السكان، ما زال التصرف الرئيسي الذي يحكم حركة المنتفضين سلمي الطابع اجمالاً. واذا استثنينا الحالة الليبية، فالحركة في مصر اتسمت بالسلمية، وكذا الحال في تونس، عدا حادثة الانتحار التي هي عنف فوق سلمي. كذلك فان الطابع السلمي مهيمن على الانتفاضة في سورية. المنتفضون جميعاً، بمن فيهم الليبيون، يلاحظون سلوكهم هذا وكأنهم اخترعوه متعمدين ليفاخروا به. والكل سعيد بهذه الخاصية، لدرجة ان البعض ينحرف متناولاً اياها من زاوية الخصوصية او «التميز». واللافت ان هذه النغمة الاخيرة تعالت، او انها وجدت، عندما بدأت الشعارات تضطرب امام تراجع وحدة الاهداف منذ سقوط الرؤوس الحاكمة في كل من مصر وتونس، او كما يحدث في سورية، حيث الانتفاضة، لا تتوافر على قيادة موحدة وناضجة على مستويي الشارع والقوى «المنظمة» المعارضة.

السؤال الذي لم يطرحه المنتفضون، هو ما اذا كانت سلمية انتفاضاتهم نابعة بالفعل من انقلاب مجتمعي، ام انه اجراء تكتيكي، اقتضته الظروف او ظروف بعينها. هذا علماً بأن بعض الظواهر التي يمكن احتسابها يقول بأن الاستعداد لتغيير نهج الانتفاضات، من حالة الى اخرى، ليس بالامر الذي لا يجب توقعه. واذا اخذنا بمنطق الصراع البشري (باستثناء الحالة الغانديّة) فان القوانين المعروفة، والتجربة، وعلم الانتفاضة يقول بأن احتمالات الهزيمة، أمر من شانه ان يقلب الخيارات. وكمثال، فان خيار المنتفضين السوريين يمكن ان يتغير بين ليلة واخرى اذا اعتقدت الكتلة المحركة للانتفاضة، أن الخيار، او ما يسمى الحل، الامني الذي تعتمدة القيادة السورية حتى الآن، سيؤدي الى الحاق الهزيمة بالانتفاضة، او يصيب معنويات السكان المنتفضين بمقتل.

وفي التطبيقات يمكننا ان نتخيل ميدانياً، ان هنالك تياراً يصر على سلمية الانتفاضة لا يزال هو الغالب. وان تياراً صغيراً أو أصغر، يريد الذهاب بالمواجهة الى الصدام المسلح. ذلك يعني ان احتمالات الهزيمة، خصوصا اذا لاحت في الافق، وارتبطت بخاصة بلجوء النظام الى القوة، سوف لن تكون في صالح الكتلة «السلمية». ونحن نلاحظ مفاعيل اعتبارات، أدت في ساحات وحالات اخرى الى غلبة اتجاهات لم تكن هي الغالبة في بداية الانتفاضة، كما هي حالة «السلفية» في كل من سورية ومصر. هذه السلفية تقول المعلومات انها قد تم تدريبها في السنوات السابقة، وحتى تزويدها بالسلاح، من قبل النظام السوري نفسه وداخل معسكرات جيشه. وذلك عندما كانت الظروف تقتضي تسريب هذه العناصر الى العراق بعد الغزو الاميركي له واحتلاله، اسهاماً اما في ضرب القوات الاميركية هناك، او القيام بعمليات عنف عشوائية تستهدف المدنيين العراقيين. وهؤلاء هم النواة التي يرجح ان تزداد نفوذاً داخل الكتلة المحركة للانتفاضة اذا تزايد التهديد، وكاد النظام يحقق نصراً على المنتفضين، الامر الذي سيغير رأسا على عقب طبيعة الانتفاضات، ويدخلها في اتجاهات مختلفة ومنحى آخر.

معنى ما تقدم هو: هل العقبات الكبرى، او التعرض لعمليات اعتقال واسعه، او لتصفيات دموية من قبل السلطات، يمكن ان يكون عاملاً له شأنه في الحكم على الطبيعة الفعلية للانتفاضات القائمة؟

يتوجه السلفيون، من ناحية اخرى، في مصر وفي سيناء تحديداً، الى اقامة «جماعة ادارة من الحكماء» هناك، تحت دعوى «ادارة لفض النزاعات». ويقول هؤلاء انهم يهيئون خمسة آلاف مسلح، لضمان تنفيذ سلطة هذه الجهة، وكقوة حفظ «للقانون»، وهو ما يعتبر منحى لاقامة امارة مسلحة. البعض يعتقد انها يمكن ان تكون مقدمة لظهور امارات اخرى، تعتمدها ديانات اخرى في صعيد مصر مثلا، واية توجهات من هذا القبيل من الصعب تصور عدم اثارتها لردة فعل من نزعة التوحيد القسري القوية في مصر، وبالذات من جهاز الدولة والجيش، علماً بأنها ستؤدي لانتعاش القوى المضادة للانتفاضة، وتمنحها المبرر لرفع صوتها علناً، باعتبار ان الانتفاضة هي المسبب لاحتمال تمزق بلد مثل مصر، شديد الاعتزاز بوحدته الكيانية وقوة دولته المركزية.

هذه المظاهر لا ينبغي ان تثير الهلع، وما يتردد عن احتمالات «التمزق»، او استشراء الصراعات الطائفية والاثنية التي تزخر بها المنطقة، هو امر جدير بالانتباه، الا انه ينظر اليه غالباً ك «صندوق مقفل»، مسبق وحتمي المقدمات والنتائج، مع استبعاد حتى احتمال ان تكون هذه الظاهرة مثلا، من قبيل حالة «التفكيك» و«اعادة البناء». هذا اذا صدقنا ان الذي يجري يشير فعلا الى جدية وتاريخية ما يشهده العالم العربي اليوم. فالثورات الفعلية هي انقلاب في البنى، ومقدمة اي انقلاب تستوجب التفكيك قبل اعادة البناء من جديد، الامر المنوط تدبره عادة بالافكار وبالابتكار التصوري. فالديناميات الفكرية المضادة للتشرذم، ولقوة عناصر وقوى ما قبل الدولة الحديثة التي هي معطى واقعي، ليس امامها غير مواجهة تلك العناصر، والبحث في ما يجعلها تتراجع عن طريق اكتشاف قاسم مشترك اعلى، متجاوز لها وراهن.

وعموماً سواء نظرنا الى معسكر الانتفاضات او خارجه، فما نطالعه هو الارتباك في تعيين الحقائق الملموسة، والمعطيات الحية، والقدرة على ترتيبها حسب الاهمية والضرورة. وهذا يعني في الواقع العملي ترك هذه الظواهر الحيوية من دون علاج مناسب. فالنظر اليها حسب ترسانات ايديولوجية مسبقة، يعني تركها تفعل مفعولعا بذاتها، ومن دون تدخل يتماشى مع احتمالات التغيير المتاحة. وهذا ما يؤدي الى تسرب كل ما نشاهده من عثرات، وعودة فعل ما يفترض انه ماض اندحر، او انبثاق معوقات واسباب تشويش جديدة غير محسوبة. وكل هذا سيفضي الى تآكل مساحة الانتفاضات، ويضيق مدى حضورها الفعال، الامر الذي سيعيد تكرار القول بان الانتفاضات الحالية لا تزال تنتظر «الثورة المفهومية». فالتاريخ لم يعرف ابداً ثورات تاريخية بلا انتقال تصوري كامل.

في تاريخ المنطقة البعيد والقريب الراهن، عرف التصرف «السلمي» لمرات غير قليلة، مع انه تحول لاحقاً الى تكريس سياقات عنفية واستبدادية قاهرة، او انه في حالات الثورات الكبرى «غيّر شكل العنف» ولم يبطله كلياً. الثورة الاسلامية قبل 14 قرناً، تصرفت سلمياً في بداية الدعوة، واستغرق التمسك بهذا الاسلوب اكثر من 15عاما بعد بدء نزول الرسالة، لكن في الحصيلة، حمل المسلون السيف وقاتلوا واستمروا يقاتلون. مع ملاحظة ان القتال الجديد غيّر صيغة العنف، من العنف القبلي الى العنف القبلي التوحيدي الاسلامي، الموافق لاشتراطات توسيع نطاق الدعوة ونشرها بالفتح. وفي العصر الحديث، قامت تظاهرات وانتفاضات «سلمية» في الاربعينات والخمسينات وحتى قبلها، انتهت الى تنصيب انقلابات عسكرية، وزعماء لا يتوانون عن رهن بقاء سلطاتهم بالعنف بأبشع صوره. والمهم الآن ان ينظر عالم، او معسكر، الانتفاضات في ما يؤول اليه مفهومهم وحركتهم اجمالا على صعيد مكان العنف ومستقبله.

وفي هذا المجال المهم للغاية، ليس من النافع او مما يقبله عاقل، ان نرهن الممارسات الكبرى، والرئيسية التي تعين طابع الانتفاضات الحالية، بالشعاراتية، او التباهي، او اكتشاف خاصيات شعوب لا وجود لها. مع احتمال ان يكون الموجود والكامن هو عكسها كلياً. وفي النتيجة، ينبغي ان نعلم ان هذه المسألة بالذات، هي مسألة كبرى، وان سؤالاً حائراً وجوهرياً يظل يتردد: سلمية بالمعنى التاريخي ام في الاطار التكتيكي؟

* كاتب عراقي

===============

بداية النهاية للنظام أو بداية الأسوأ لسورية

الخميس, 01 سبتمبر 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

قد تكون البدايات غامضة وقد يكون توقع النهايات متسرعاً. لكن المؤشرات باتت قوية الى حدّ أن عاندتها تساوي اندفاعاً الى انتحار مشهدي مفزع ينذر بانتحارات متوالية لا تحافظ على/ أو تنقذ شيئاً على افتراض أن هذا كان الهدف من الإيغال في العنف والشدّة المفرطين.

لكن سقوط طاغية ليبيا شكّل ايذاناً خطيراً بأن سقوط الشعوب لم يعد وارداً وما على الأنظمة المتهاوية سوى أن تتجه الى المخرج. لذا استعد المجتمع الدولي للتقدم خطوة تالية في الضغط على النظام السوري. رفضت روسيا، ومعها الصين، مشروع قرار لفرض عقوبات، مع علمهما أن هذا لم يعد خياراً، بل بات تهوّراً في تحمل المسؤولية الدولية. كانت موسكو أرجأت مراراً رحلة مبعوثها الى دمشق، آملة بأن يتمكن الحل الأمني من تطبيع الوضع، وبالتالي أن يسحب الملف السوري من التداول في مجلس الأمن. ورغم أن مبعوثها يصل الآن متأخراً جداً على الحلول العقلانية، إلا أن الحرج يحتّم هذه المهمة لإحاطة دمشق بما سيكون، فثمة حدود للاعجاب المطلق بنظامها وللتفهم العميق لخصوصية وضعها الجيو- سياسي وللصداقة القديمة، وحتى السعي الى حماية المصالح والديون يقضي بالإلتفات الى ما بعد هذا النظام. وهذا ما حصل أيضاً لروسيا مع التغيير الليبي، وتعلّمت منه.

حتى ايران نطق لسانها أخيراً. لا بد أن الخوف على مصالحها هو ما أنطقها وليس حرصها على «حل بعيد عن العنف» لم تحاوله مع شعبها، ولا تلبية المطالب «المشروعة» للشعب السوري. وصلت ايران الى خط النهاية في التفرج على فشل حل أمني قدّمت له بعض الخدمات والخبرات، ما جعلها تشرع في رسم مسافة متخيّلة بينها وبين النظام السوري. لم تعد تخشى سقوطه فحسب وانما بدأت تحصي خسائرها. كشفت أنها قدمت اقتراحات ونصائح «خطيّة» لتجاوز الأزمة، وفُهم أن السوريين رفضوا تدخلها. من الواضح ان ايران تسارع الى الحد من انعكاسات تحالف مع سورية بات عبئاً، ومن تفاعل أزمة تنذر بتداعيات خطيرة عليها وخصوصاً على حليفها «حزب الله» الذي بات الحزب الحاكم عملياً في لبنان.

سواء كان التغيير المدروس في الموقف الايراني جاداً أو للاستهلاك الاعلامي الموجّه نحو دول الخليج، فإن حصوله مباشرة بعد محادثات ايرانية - قطرية له دلالات. كانت طهران عبرت مراراً، خلال الشهور الماضية، عن تطلعها الى حوار مع دول الخليج، وتقصّد وزير الخارجية علي أكبر صالحي توجيه نداءات الى السعودية بقيت من دون صدىً. كان الهدف أولاً هو التفاهم على الوضع في البحرين، ثم أصبح البحرين وسورية. والأكيد أن أمير قطر قصد طهران بعد مشاورات معمقة مع مختلف العواصم الخليجية، ولا سيما الرياض، ما حمّله موقفاً خليجياً وجعله بالتالي محاوراً بالنيابة عن دول الخليج. في بداية اذار (مارس) الماضي، ومع وصول قوات «درع الجزيرة» ولو بأعداد رمزية الى المنامة، تلقت ايران صفعة في ادارتها للاحتجاجات البحرينية إذ وجدت نفسها أمام مواجهة لم تحسبها ولم تردها، وما لبثت علاقات اعتقدتها «حميمة» مع الكويت أن تأزمت بدورها. في ذلك الوقت أبلغت سورية ايران أنها لا تستطيع الوقوف معها ضد دول الخليج وطالبت هذه الدول بمساندتها اذ كانت بوادر انتفاضتها تظهر، فحصلت على مساندة الحكومات التي صمتت شهوراً خمسة الى أن قال الشعب السوري للجميع «صمتكم يقتلنا» فيما ضاق الرأي العام العربي والاعلام ذرعاً بهذا الصمت وبالجرائم التي ارتكبت.

عندما فتح مجلس الأمن ملف سورية انتهى الصمت وانتهت الفرص المتاحة للنظام. ما لبث العاهل السعودي أن رفع سقف الموقف العربي الرسمي، وعلى وقع الحدث الليبي فتح الباب لاجتماع لجنة المتابعة في الجامعة العربية لاستقبال ليبيا المستعيدة عضويتها عبر المجلس الوطني الانتقالي ولاطلاق رسالة قوية الى دمشق التي رفضتها. لكن بعد أن تتعرف الى موقف موسكو، قد تعود فتوافق على استقبال وفد وزاري عربي أو الأمين العام للجامعة، إلا اذا قررت خسارة العرب والعالم معاً. وهذا غير مستبعد. ومنذ فشل المسعى التركي الأخير ومطالبة الرئيس السوري بالتنحي، وبعد سقوط النظام الليبي والاستعداد لفرض عقوبات دولية عليه ثم اتضاح الموقف العربي، راح النظام يبدي اشارات متزايدة الى اندفاعه نحو تصعيد أقصى سواء في مجريات اللاحل الأمني أو في ردود فعله السياسية. انه يستشعر بدايةً لنهايته، وبديهي أنه سيقاومها.

كان العقل الأمني مستفَزَّاً ازاء الوعيد المعلن بأن شهر رمضان سيكون مفصلياً بالنسبة الى الأزمة، لذا تهيّأ بردٍ هجومي بل استباقي، فدخل حماه كما الغزاة وأكمل شرقاً في دير الزور فغرباً في اللاذقية وشمالاً في ادلب والآن بدأت دمشق تسخن وبدأ النظام يثخن أحياءها وريفها عنفاً دموياً قاتلاً. لكنه مع ذلك لم يربح رهانه الرمضاني إلا اذا كان يقيسه بحصيلة القتلى والجرحى والمعتقلين والمهانين على أيدي «الشبيحة»، ولم يكسب سوى مزيد من الغرق في الرمال المتحركة وفي العجز عن طرح حل للأزمة.

في الوقت الذي بدأ النظام يدرك أن «شعبيته الواسعة» تتقلّص وتتآكل، وأنه قد يكون مقبلاً على تفكك متدرّج لبنيته، أصبح حتى خصومه يعترفون بأن الانتفاضة الشعبية تعيش بدايات العسكرة خصوصاً مع تزايد المنشقّين عن الجيش ووجود استقطاب اعلامي لإبرازهم باعتبارهم مرشحين لأدوار أكبر في مستقبل قريب. لا أحد في المحيط الاقليمي يريد لمثل هذا الخيار أن يتحقق، لكن النظام بذل عملياً كل ما يستطيع لاستدراج حرب أهلية أو ما يشبهها، مثيراً تساؤلات كثيرة عن استراتيجيته وأهدافه. فالحرب الأهلية لا يربحها أي من طرفيها بل غالباً ما تستدرج تدخلاً خارجياً لوقفها وفرض حل مبني على تنازلاتهما. وفي بعض العواصم بلغت التساؤلات حدّ استكشاف ما اذا كان النظام انتهى الى خلاصة مفادها: إما أن يحكم سورية بطريقته وإما أن يدفعها الى صيغة من صيغ التقسيم كسيناريو احتياطي لضمان الحماية للعائلة والطائفة، اذ أنه لا يحتمل تداعيات انهياره الفعلي عليهما. ولعل هذا ما يفسر الى حدٍّ ما اصرار النظام على صمّ آذانه حيال الخطط التي تدعوه الى وقف اراقة الدماء وعلى المضي في الاعلان عن «الاصلاحات» التي أقرّها مع علمه أن أحداً لا يقيم لها وزناً طالما أن القتل مستمر في الشارع. من هنا قد تكون المرحلة الراهنة أيضاً بداية الأسوأ لسورية.

===============

دوافع شخصية وراء رفض بشار الأسد للمبادرة العربية!

صالح القلاب

الشرق الاوسط

1-9-2011

ليس أغلب الظن بل المؤكد أن الرئيس السوري بشار الأسد عندما اختار أن يتعامل مع قرار المجلس الوزاري (وزراء الخارجية) الأخير المتعلق بالأزمة السورية المتفاقمة على أساس: «أنه لم يكن»، وعندما تقصد أن يرفض استقبال الوفد العربي الذي كلف إبلاغه بقرار الجامعة العربية بهذا الخصوص، وأيضا عندما قرر عدم مشاركة بلده في اجتماع يوم السبت الماضي على مستوى وزير الخارجية، فإنه أراد توجيه إهانة للعرب كلهم، وهذا في حقيقة الأمر غير جديد ولا غريب بالنسبة لنظام كان قد تصرف بهذه الطريقة أكثر من مرة ومن طبعه أنه بقي يتعامل مع أشقائه العرب بطريقة نرجسية واستعلائية.

كان بشار الأسد هذا نفسه لا يزال وافدا جديدا على منظومة رؤساء الدول، وكان لم ينس بعد أن مجلس شعب أبيه قد بادر في جلسة لم تستغرق إلا بضع دقائق إلى تعديل الدستور السوري ليلائم المادة المتعلقة بعمر الرئيس عندما يتسلم صلاحيات الحكم مع سنوات عمره الذي كان وقتها أربعة وثلاثين عاما، لكن ومع ذلك فإنه لم يتردد في أن يكون خطابه في قمة بيروت العربية عام 2000 محاضرة مدرسية مطولة بقي يستنزف بها صبر قادة كان بعضهم أمضى في مواقع المسؤولية سنوات أكثر من سنوات عمره.

لقد كان بإمكان بشار الأسد أن يرسل وزير خارجيته وليد المعلم، الذي يعيش بطالة سياسية في هذه الأيام والذي يشغل وقته بالتنقل بين عشرات المواقع الإلكترونية وبمشاهدة الفضائيات الإخبارية وبخاصة فضائية «الجزيرة» وفضائية «العربية»، إلى اجتماع مجلس الجامعة العربية الذي انعقد في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية يوم السبت الماضي ليعرض وجهة نظره ووجهة نظر حكومته في كل الأحداث المتلاحقة والمتصاعدة التي بقيت تعصف بسوريا منذ الخامس عشر من مارس (آذار) الماضي، لكنه لم يفعل هذا واختار أن يتخذ ذلك الموقف الاستنكافي وأن يحل «العجرفة» والاستعلاء، كالعادة، في التعامل مع ذلك القرار الذي صدر عن هذا الاجتماع الهام الذي لم يكن متوقعا أن يصدر عنه ما صدر وبكل هذا الحسم والحزم والوضوح والشجاعة.

وهنا، فإن السؤال الذي قد يكون محيرا للذين لا يعرفون طبيعة هذا النظام المعرفة الكافية هو: لماذا يا ترى اتخذ بشار الأسد هذا الموقف «المتغطرس» الذي اتخذه ولماذا كان رده على أول مبادرة عربية للتعاطي مع أزمة بلاده، التي غدت مستعصية ومعقدة ومستفحلة، بطريقة غير لائقة، وذلك في حين أن المفترض، ما دام أن مصيره اقترب من مصير «الأخ قائد الثورة»، الذي كان يتحدث عن «زنقة» واحدة فأصبح في ألف «زنقة»، أن يكون أكثر مرونة وأكثر دبلوماسية ما دام أنه بحاجة إلى العرب وما دام أن هؤلاء ليسوا بأي حاجة إليه...؟!

والجواب الأول عن هذا السؤال هو أن مشكلة هذا الشاب، الذي من المفترض أنه أكثر تواضعا وأكثر اتساع أفق بحكم عوامل كثيرة من بينها عيشه في الغرب في بريطانيا ولو لسنوات قليلة، أنه مغرور بنفسه أكثر من اللزوم وأنه يعتقد اعتقادا جازما أنه فوق الآخرين في منظومة الحكام العرب، وهنا فإنه بالإمكان الإشارة إلى حادثة جرت على هامش المصالحة العربية المعروفة في قمة الكويت الاقتصادية جعلته يتخذ موقفا سياسيا نزقا من الرئيس المصري (السابق)، بقي يتخذه إلى أن تغيرت الأمور وحدث في مصر ما حدث، وملخص هذه الحادثة أن حسني مبارك بعد اكتمال تلك المصالحة صفعه، من قبيل التحبب وعلى أساس أنه بمقام أحد ولديه علاء وجمال، صفعة خفيفة على مؤخرته، ولذلك ولأنه فهم هذا بطريقة مغلوطة وعلى أنه استهانة به كرئيس دولة وأنه لم يعد ذلك الشاب الصغير الذي كان يلاطفه على أساس أنه الابن المحبوب لصديقه حافظ الأسد، فإنه بمجرد عودته إلى دمشق وسماع تعليقات المحيطين به على ما جرى قد بادر إلى التخلي عن تلك المصالحة وبقي يتمسك بالقطيعة السابقة مع رئيس أكبر دولة عربية.

إن هذه هي القضية الأولى وهي قضية رئيسية ويجب أخذها بعين الاعتبار دائما وأبدا لدى التعاطي السياسي مع أصغر الرؤساء العرب سنا، والدليل أن بشار الأسد قد ذهبت به غطرسته إلى الرد على الذين نصحوه بكيف يجب أن يتعامل مع كل هذه الأحداث التي تعصف الآن بسوريا عندما كانت لا تزال في بدايتها بالقول لهؤلاء بدل شكرهم: «إنه سيعلمهم ويعلم آباءهم الديمقراطية». أما القضية الثانية، فهي قناعته بأن كل العالم يتآمر عليه باستثناء إيران وأن أي تعاط مع المحتجين بغير القوة العسكرية وجنازير الدبابات سوف يكون نهاية حكمه وحكم عائلته.

وأيضا فإن هناك من يقول، وهذا يحتاج إلى المزيد من التأني والمزيد من الأدلة، إن الرئيس السوري، الذي غدا مقتنعا بعد أن وصلت الأمور في بلاده إلى ما وصلت إليه بأنه لا عودة إلى أوضاع ما قبل الخامس عشر من مارس (آذار) الماضي، حتى لا يخسر كل شيء وحتى يحتفظ ولو بحكم جزء صغير من سوريا، فإنه يجب أن يستمر بهذا التعاطي العسكري الغاشم مع كل هذه الاحتجاجات إلى أن تنتهي الأمور إلى حرب أهلية، إن هي حدثت فإنها ستؤدي إلى التقسيم وإلى إنشاء تلك الدويلة العلوية التي كان رفضها المجاهد الكبير العروبي (العلوي) صالح العلي قبل أكثر من ستين عاما عندما عرضها عليه المستعمرون الفرنسيون لقاء التخلي عن ثورته الشهيرة، والتي ترفضها غالبية هذه الطائفة التي تنظر إلى هذا الحكم على أنه ليس حكمها وأن بقاءه يشكل وبالا عليها كما هو على الشعب السوري كله.

في كل الأحوال، إنه لم يعد أمام العرب، بعدما رفض هذا النظام مبادرتهم الأخيرة بتحد وبطريقة فجة واستعلائية، إلا أن يتصرفوا معه على أساس أنه نظام مارق يجب عدم تركه يتلاعب على هذا النحو بأمن ومقدرات دولة عربية رئيسية باتت شؤونها الداخلية تعتبر شؤونا داخلية حتى لغير المجاورة لها من الدول العربية وغدت معرضة فعلا للفوضى الهدامة وللحرب الأهلية المدمرة وللانقسام والتحول إلى دويلات طائفية ومذهبية متحاربة على غرار ما كان عليه وضع ممالك الطوائف قبل نهاية الحكم العربي والإسلامي في الأندلس.

ولذلك ولأنه لم يعد هناك أي مجال لسياسة المهادنات والملاينات والاسترضاء، فإنه لا بد من الاستعانة بآخر الدواء وهو «الكي» الذي هو في مثل هذه الحالة التوجه لمجلس الأمن الدولي وللأمم المتحدة لتوفير حماية حقيقية للشعب السوري الذي بات يواجه، بعد ما تعقدت الأمور ووصل العنف إلى ذروته، حرب إبادة حقيقية على غرار حرب الإبادة التي شنها ذلك الطاغية التاريخي بول بوت على الشعب الكمبودي في سبعينات القرن الماضي.

==============

إيران تخطط لمرحلة ما بعد الأسد!

هدى الحسيني

الشرق الاوسط

1-9-2011

هل إن قلب إيران خامنئي هو على الشعب السوري، أم أن قلبها على خططها وطموحاتها في المنطقة؟ هي الآن، على لسان وزير خارجيتها علي أكبر صالحي، تدعو الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى الاستجابة للمطالب المشروعة لشعبه، وتحذر الحلف الأطلسي من الغرق في مستنقع لا مخرج له منه.

دعوة صالحي تؤكد أنه حتى إيران، الحليف الأخير المتبقي للنظام السوري، غير مصدقة كل ما يردده النظام عن إقدامه على إجراء إصلاحات داخلية يحتاج تفعيلها إلى ستة أشهر. والتحذير سببه أن إيران لا تريد أن تتورط في حرب خارج حدودها. فماذا لو فعلت وقامت الثورة الشعبية داخلها، وهذه متوقعة آجلا أم عاجلا؟

في الأسابيع الماضية، كانت التكهنات تدور حول المدة الزمنية التي سيستمر فيها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، متمسكا بتحالفه مع الرئيس السوري، بشار الأسد. ولأسابيع خلت، كان الإيرانيون ينتقدون السياسيين الأتراك الذين كانوا يتصرفون «وكأن سوريا الأسد على حافة الانهيار». وقالت القيادة الإيرانية إذا كان عليها أن تختار بين سوريا وتركيا، فإنها من دون تردد تختار سوريا. وظهرت مقالات بهذا المعنى، خصوصا في منشورات الحرس الثوري الإيراني.

تسلسل المواقف الإيرانية هذا، يكشف أن الإيرانيين كانوا يخططون لتغيير محتمل في سوريا، تماما مثل الأتراك. فهؤلاء بدأوا بدعوة الأسد إلى الإقدام على إصلاحات مطلوبة من الشعب الذي لم يكن يطالب بأكثر من حقوقه المشروعة في ظل نظام الأسد الابن، ثم تدرجوا إلى استقبال مجموعات من المعارضة، وأيضا لاجئين سوريين، ووصلوا مع الرئيس عبد الله غل إلى القول إن الإصلاحات لم تعد تكفي، بمعنى آخر، إن على النظام أن يرحل.

وإيران الآن تستعد لمرحلة ما بعد الأسد في سوريا.

معلومات مؤكدة واردة من طهران تشير إلى أنه على الرغم من الدعم العسكري والاقتصادي الواسع الذي توفره إيران لسوريا في محاولة لإنقاذ النظام من الانهيار، فإن إيران تعد الترتيبات ل«اليوم ما بعد الأسد». وتحقيقا لهذه الغاية، فإن إيران تجري عملية مسح للعناصر البديلة التي يمكن أن تصل إلى السلطة في سوريا، وتدرس كل الخيارات في كيفية المحافظة على التأثير والنفوذ الإيرانيين في سوريا وفي المنطقة لتعزيز مصالح الجمهورية الإسلامية.

وقد انكب مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى على دراسة النواحي الرئيسية التي تثير قلق إيران في ما يتعلق بالأزمة السورية خلال الأشهر الأخيرة، والصعوبات المتوقع أن تواجهها إيران إذا ما انهار نظام الأسد، وتوصل مجلس الأمن القومي الإيراني إلى وضع عدة توصيات عمل، وافق على معظمها المرشد الأعلى، خامنئي. وكان رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، سعيد جليلي، قدمها إلى خامنئي عشية بدء شهر رمضان المبارك.

شدد جليلي على أن توصيات مجلسه ترى أنه إذا وصل حكم عائلة الأسد بعد 41 سنة إلى نهاية مفاجئة، فإن ذلك سيسبب فراغا في السلطة يشد دولا أخرى، خصوصا تركيا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول الغربية، إلى محاولة ملئه، مثلما تحاول أن تفعل في جميع دول المنطقة. وأوضح جليلي لخامنئي، أن المجتمعين في دائرته يرون أن «المتدخلين من الخارج سيحاولون استغلال القيادة الجديدة في سوريا، وتحويلها بعيدا عن الجمهورية الإسلامية، خصوصا أن هذه الدول كانت ولسنوات عديدة ترعى العناصر المناهضة للأسد داخل وخارج سوريا». وحذر مجلس الأمن القومي الإيراني، من أن انهيار نظام الأسد قد يخلق صعوبات لوجيستية جديدة وشديدة لإيران، والمخاوف ذات شقين.

أولا: أن الطريق الحاسم للإمدادات العسكرية والتمويل لحزب الله في لبنان وللفلسطينيين، وبالذات حماس، سيجري إغلاقه.

ثانيا: أن قاعدة الدعم الأساسية من مساعدات مباشرة تصل إلى مجموعات المقاومة، أي سوريا، ستجف.

وحسب مجموعة جليلي، فإن هذين السيناريوهين واردان، إما «بسبب الفوضى الكاملة التي ستعم سوريا بعد الأسد، أو إذا أظهرت الحكومة الجديدة ترددا في التعاون أو المشاركة في المقاومة الإقليمية ضد أعداء الإسلام».

في وجه كل هذه المخاوف، رأت توصيات مجلس الأمن القومي الإيراني أنه يتعين على إيران أن تكون مستعدة لوضع سوري يسقط فيه نظام الأسد، وأن تدرس أيضا، في ظل أي احتمالات يجب أن تسحب دعمها للأسد شخصيا، من أجل الحد من تهديد المصالح الإيرانية.

ولأن الأكثر أهمية من دعم الأسد، هو أن تستمر إيران وحزب الله في «تعزيز الحرية والتحرير للمسلمين»، ومقاومة كل تدخل خارجي في الشؤون المحلية.

من الواضح، أن إيران تفكر في أفضل السبل للمضي قدما في المقترحات التي أعدها مجلس الأمن القومي، وكانت جرت مناقشة رفيعة المستوى حول هذه المقترحات في مكتب خامنئي بوجود جليلي نفسه، ورئيس الأركان العامة اللواء حسن فيروز آباد، ووزير الاستخبارات حيدر مصلحي، وقائد قوات القدس قاسم سليماني، والعديد من كبار المستشارين في السياسة الخارجية.

وتم الاتفاق على أن أي قيادة سورية جديدة، يجب أن تلتزم المقاومة. وتم تكليف الاستخبارات الإيرانية لتوسيع اتصالاتها، وإجراء اتصالات سرية مع القادة السوريين الجدد (المحتملين) من خارج نخبة الأسد، والمساعدة على تقويتهم. وبموازاة ذلك، أُوعز إلى سليماني، لاتخاذ إجراءات يمكن اعتمادها ل«القضاء على عناصر المعارضة التي لا يمكن الوثوق بها»، وهذا يشمل السوريين البارزين المطالبين بقيم أكثر ليبرالية وديمقراطية، ويمكن أن يعترف بهم الغرب، وأيضا أولئك المستعدين للتوصل إلى حل وسط أو تسوية مع «الصهاينة لاستعادة هضبة الجولان».

وقال سليماني في الاجتماع، إنه على المستوى التكتيكي «سنتبنى الطرق التي اعتمدت بنجاح في العراق ويجري استعمالها الآن في مصر وليبيا». (لم يشر سليماني في الاجتماع إلى تفاصيل تلك الطرق).

وفي حين كانت دمشق، ولفترة طويلة، تُعتبر من أهم استثمارات إيران، خصوصا في «المقاومة» ضد الأعداء المشتركين، يبدو أن القادة الإيرانيين صاروا يرون نظام الأسد مسؤولية على عاتقهم، مع استمرار الأزمة داخل سوريا.

في إشارته إلى طبيعة العلاقات الاستراتيجية والبراغماتية بين سوريا وإيران على مر السنوات، قال مصلحي، وزير الاستخبارات، الذي هو أيضا رجل دين (ليس في مرتبة آية الله): «إن الأسد - الأب والابن - لم يكن أبدا شريكا مثاليا لإيران». هذا يعكس انتقادا ضمنيا للطبيعة العلمانية للنظام البعثي في سوريا. مثل هذا الانتقاد يتكرر كثيرا في الدوائر المغلقة في إيران، خصوصا في جلسات بعض آيات الله المتشددين.

خامنئي أيد كل التدابير التي اتخذت في الاجتماع، من أجل تعويض الأضرار التي يمكن أن تلحق بإيران إذا ما انهار النظام السوري، لكنه شدد على توخي الحذر، وأصدر تعليماته على أن تبقى كل هذه الإجراءات سرية للغاية، وأن لا يجري أي تحرك علني يمكن أن يضاعف الضغوط داخل سوريا على الأسد.

هذا يؤكد من جديد أن المصالح الإيرانية تبقى فوق كل العلاقات التي أقامتها الجمهورية الإسلامية مع الدول والمنظمات. لكن إذا تعب النظام السوري، فستتعب معه كل «أذرعه» في الدول المجاورة لسوريا، وقد بدأت آثار هذا التعب تظهر على هذه «الأذرع». هي في سباق مع الوقت، لكن قصر الفترة الزمنية أو طولها، تحدده قدرة النظام في سوريا على الاستمرار في رفض كل «النصائح والعروض»، ومواصلة الاعتقاد بأن لا حائط قائم أمامه ولا هاوية سحيقة تنتظره. لكن القرار الإيراني الأخير، يعني أن لعبة «الشطرنج» بدأت تتغير وقد تسرّع يد خامنئي نفسه في حسم «كش ملك»، لأن إيران لن تحارب من أجل أحد غير الدفاع عن نظامها فقط. أي أن لبنان لن يكون هذه المرة مسرح عمليات عسكرية للدفاع عن «حياة» النظام السوري، كما كان عام 2006 للدفاع عن برنامج إيران النووي. إيران، البعيدة عن إسرائيل تعرف هذا جيدا، ويعرفه أيضا حزب الله.

لقد اختار هذا النظام أن يغلق كل الأبواب أمام كل محاولات ونصائح التهدئة ووقف العنف ومعالجة الأمور بالوسائل السلمية، حتى بما في ذلك النصيحة الإيرانية التي لم تكن خالصة لوجه الله والتي جاءت كغطاء للتدخل الإيراني السافر في شؤون سوريا الداخلية، واختار الإصرار على حلول التصعيد والعنف والقوة العسكرية الغاشمة وهذا يقتضي تطوير هذه المبادرة العربية والارتقاء بها إلى آليات عملية من بينها، بالإضافة إلى التوجه إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة وكل الهيئات الدولية المعنية، الضغط على روسيا والصين لتغيير موقفيهما المستغربين دعم المعارضة السورية بالإعلام والأموال وبالسعي لتوحيد فصائلها في الداخل والخارج والبدء بالتعاطي معها تدريجيا على أنها هي التي تمثل الشعب السوري وعلى غرار ما حصل مع المجلس الانتقالي الذي كانت شكلته المعارضة الليبية.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ