ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 05/09/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

برهان غليون ...المفكر والمناضل

د. رضوان السيد

الاتحاد

تاريخ النشر: الأحد 04 سبتمبر 2011

عرفتُ برهان غليون الكاتب في أواخر السبعينات ومطالع الثمانينات من القرن الماضي من خلال رسالتيه البارزتين في المشكلة الطائفية، والمسألة الديمقراطية في سوريا. وقد قرأنا وقتها وخلال الثمانينات كتابات عديدة عن المطلب الديمقراطي في سوريا، لكنْ برهان فيما أحسب، كان الرائد الجريء في طرح المسألة الطائفية في ذلك النظام الذي قامت شهرته كلُّها على سمعته القومية "البعثية" المنزَّهة عن الشُبهة الطائفية. وما انطلق بُرهان غليون في طرحه ذاك من أصوله السنية، إذ هو من أُسرةٍ عريقةٍ بمدينة حمص العظيمة والثائرة اليوم وبالأمس، على النظام الطائفي والشعوبي، بل من منطلقٍ قوميٍّ عربي يساريٍّ بالغ الحساسية تُجاه حالة التردي التي استعلت وسادت بعد حدوث كامب ديفيد، وانكفاء مصر، ونشوب الصراع بين النظامين "البعثيين" بسوريا والعراق على ميراث جمال عبد الناصر، والنضال الفلسطيني.

وبرهان كما عرفتُ من بعد، حين تعرفْتُ عليه شخصياً في الثمانينات، من ضحايا ومنفيي النظام. ورغم البلاء الشديد الذي نزل به وبأبناء جيله من عهد الأسد، فقد كان من رحمة الله به أنه ما كان" بعثياً" طوال حياته، بل بدأ "يسارياً" قومياً مع رياض الترك، وغادر سوريا تحت وطأة المُلاحقة المعروفة لحركة الترك، فطاف في المنافي ومن الجزائر إلى اليمن الجنوبي فيما أظنّ، إلى أن انتهى به المطاف في باريس حيث أكمل تعليمه، وبرز في البحوث الاجتماعية والسياسية، وهو منذ أكثر من عشر سنواتٍ أُستاذ الدراسات العربية المُعاصرة بجامعة السوربون.

ظلَّ برهان غليون خلال السنوات الثلاثين الماضية متوهِّج الفكر والعمل في المجال القومي. وكانت له نشاطات ومبادرات في تطوير الجهد على المستوى العربي العام، وبخاصةٍ في الدعوة للديمقراطية، وفي نُصرة العمل المدني الإنساني، وفي متابعة الكتابة في الأبعاد الدولية للقضايا العربية، وفي تطورات الثقافة والخطاب في الثمانينات والتسعينات. وما غابت عن حركته الدؤوبة القضية الفلسطينية، والحرب أو الحروب على العراق. وهو شأن المفكرين القوميين ذوي الأصول "اليسارية" شديد الشكّ وما يزال في الحركة الدولية وبخاصةٍ التحركات الأميركية والسياسات الأميركية تجاه المنطقة والعرب. وكانت له كتابات ومواقف كثيرة في عُقد ومفاصل الحملات على الوطن العربي، بين العولمة، وصراع الحضارات، وهجمات الولايات المتحدة على العرب في زمن جورج بوش الأب والابن و"المحافظين الجدد".

بيد أنّه بين عشرات الدراسات التي أصدرها، يظلُّ بارزاً ورائداً كتاباه العظيمان: الدولة والدين، والدولة ضد الأمة. في الدولة ضد الأمة حَلَّل بطرائق جديدةٍ مشكلة قيام الأنظمة الاستبدادية باسم القومية في الوطن العربي. فالأنظمة القومية الدعوى هذه، هي أنظمةٌ قُطريةٌ بامتياز، وهي عملت على الإمعان في تقسيم المقسَّم وتجزئة المجزأ، واستثارت بالقصد لتثبيت سلطتها الحساسيات الإثنية والمذهبية والطائفية، واغتربت بالقصد عن شعوبها، وارتبطت في الوظائف والأدوار بالخارج الإقليمي والدولي، فما أنشأت دُوَلاً ولا حكمها منطق الدولة، بل منطق السلطة الخالدة أو التي تريد أن تخَلُدَ ليس عبر التوريث وحسْب؛ بل وعبر الرموز التقديسية لشخوص الحكام وتصرفاتهم. وعبر عقدين أو ثلاثة من السطوة والقمع، فقدت تلك الأنظمة كلَّ الموروث الثقافي والسياسي القومي الذي أوصلها للسلطة بالانقلاب. فهذه الأنظمة ليست سلطات طُغيان بإلغاء السياسة في مجتمعاتنا وحسب، بل هي طغيانيةٌ حتّى في الثقافة، بحيث إنّ المشكلة معها صارت مشكلةً أخلاقيةً أيضاً.

أمّا في كتابه الضخم: الدولة والدين، فإنّ غليون كشف في تأمُّلٍ متفحصٍ ونقديٍّ أوليات وآليات التجربة الدينية في المجتمعات الغربية والمشرقية، وركّز على تطوراتها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية قديماً وحديثاً، وصولاً إلى نشوب الصراع بين الدين والدولة في الوطن العربي المعاصر. فقد اعتدت السلطات المتقومنة على الدين بطريقتين: طريقة شديدة العمق والفداحة حين أعطت للأيديولوجيا القومية سمات دينية تقديسية، انتهت إلى اعتبار الحاكم هو الدين وهو الدنيا- وطريقة أُخرى ظاهرة وذات أبعاد سوسيولوجية حين همَّشت وبالقوة الرموز والمؤسسات وصولاً للتعرض لكرامات الأفراد وشرفهم الديني. وبذلك فقد أنتجت تلك الأنظمة تمرداً دينياً متطرفاً أو عجائبياً، وقوَّى ذلك الحزبيات الدينية التي انصرفت إلى تسييس الدين ماضيةً في الاتجاه الذي سلكته السلطات لكن بطرائق معكوسة. لقد تصور الإسلاميون الدين باعتباره دوغما حاكمة أو ينبغي أن تحكم، مثلما تصور الحكّام سلطاتهم القومية الخالدة. وهكذا فكما غيَّرت الأنظمة وظائف الدولة ومهماتها لتدخل في صراعٍ مع المقدَّس محاولةً الاستيلاء عليه، انتقم المقدَّسُ لنفسه بمحاولة استلاب سلطات الدولة باسم الدين، فتعطَّل الأمران أو تصارعا تصارُعاً دونكيشوتياً: صار الحاكم إماماً، وصار الإسلاميُّ الحزبي حاكماً باسم الدين لو بالرغبة. وهذا هو البُعْدُ العميقُ للإسلام السياسي، الذي سلب من الدين إمكانياته الروحية، وأخلاق الثقة والوداعة والطمأنينة فيه.

صار غليون في العشرين سنةً الماضية، أحد أبرز المثقفين العرب، سواء لجهة الأطروحات النظرية الكاشفة، أو لجهة القراءة النقدية لمشكلات وقضايا الفكر والعمل في المجال العربي المُعاصر. بيد أنّ إدراكه المبكّر لمهمات المثقف العربي في زمن الحرب الباردة وما بعدها، أبقى على الطابع النضالي لكتاباته ومداخلاته ومواقفه. فالثقافةُ عنده إضاءة وموقف. والعروبةُ عنده انتماءٌ كبيرٌ للأمة ورؤيةٌ للعالم لا تنفصلان. ولذلك ظلَّ هناك موضوعان رئيسيان ما غابا عن كتاباته الأكاديمية والسياسية المباشرة: الديمقراطية في الوطن العربي، والوجود العربي ومشكلاته في العالم. ولذلك عندما طلبتُ منه قبل سنتين أن يكتب مقالةً للكتاب التذكاري بمناسبة بلوغي الستين، اختار أن يُهديني دراسةً بعنوان: الاستثناء العربي والمسألة الديمقراطية. والطريف والاستشرافي في تلك المقالة التي أعتزُّ بها أنه بدأها بحديث أنصار بوش والتدخل الأميركي بالعراق عام 2003 عن ربيعٍ عربيٍّ أنجزه الأميركيون بقواهم العسكرية وأساطيلهم، وقد اعتبر تلك الدعاوى فجراً كاذباً، وختم المقالة المذكورة بالأمل والثقة بربيعٍ عربيٍّ قريبٍ، وفجرٍ صادقٍ للأمة العربية وللديمقراطية التي تصنعُها شعوبها وليس الأميركان والحكام!

لقد كان من حظّنا بعد أن هَرِمْنا أن نشهد ثقة غليون ابن حمص العظيمة، بنهوض الأمة، تتحقق. كما كان من حظّي شخصياً أن أشهد وأُتابع بحماس الشباب مشاركة غليون المبدعة في الثورة السورية الكبرى من أجل النهوض والكرامة والديمقراطية. فغليون مع كوكبةٍ من المثقفين السوريين العرب الكبار، لا يشاهدون ويتابعون فقط نضالات شباب الربيع العربي، بل يصنعون مع نساء وأطفال وشيوخ وشباب سوريا، أعظَم ثورات هذا الزمن العربي الجديد.

لقد شهد الأسبوع الأخير من شهر رمضان أمرين مهمين: بيان الجامعة العربية بشأن الثورة في سوريا، وتشكيل المجلس الوطني الانتقالي السوري، الذي نرجو أن يُخلِّص هذا البلد العربيَّ الكبير من أهوال الديكتاتورية وفظائعها على سوريا وعلى العرب وعلى إنسانية الإنسان.

================

الربيع العربي وازدواجية الموقف الروسي

المصدر: صحيفة « نيزافيسمايا» الروسية

التاريخ: 04 سبتمبر 2011

البيان

لا شك في أن المتابع للمواقف الروسية حيال مسار وتطورات ربيع الثورات العربية سيصاب بحيرة وربما بالريبة أيضا. إذ لا تبدو عناصر وخلفيات موقف موسكو الرسمي تجاه ثورات الشعوب العربية واضحة ولا مبنية على أسس محكومة بضوابط معينة.

ومنذ تفجر شرارة الثورة المصرية بدا الموقف الروسي مرتبكا، ويحمل في ثناياه حالة عداء للاحتجاجات الشعبية عبرت عنها الدبلوماسية الروسية في تصريحات مختلفة، ومن خلال صياغات تنوعت في ألوانها لكنها كانت تجمع على تقديم الحذر والخشية، إذا لم نقل الانتقاد الواضح والمباشر للحراك الشعبي.

وإذا كانت الثورة المصرية أوفر حظا من بقية الثورات العربية في حصولها على تأييد روسي جاء متأخراً وغير محدد المعالم، ولم يترجم في إجراءات تنم عن الرغبة في دعم النظام الجديد الذي ولد من رحم هذه الثورة، فإن الثورات الشعبية في ليبيا وسوريا واليمن، اصطدمت بصخرة الإصرار الروسي على ضرورة انصياع شعوب هذه البلدان إلى حكامها، نظير بعض الإصلاحات والمكاسب السياسية التجميلية التي لا تزيد في جوهرها عما حصلت عليه شعوب شرق آسيا مثلا، منذ نصف قرن.

وكأن قدر الشعوب العربية الذي ارتضته موسكو لها يتمثل في الخضوع لكل أشكال القهر والقمع والاستبداد. ثم تراجعت هذه السياسة بعض الشيء لتحاول على استحياء التعاطي مع أطراف معارضة في هذه البلدان بهدف «الاطلاع على مطالبها ورؤيتها السياسية لمستقبل بلادها والمشرق العربي» بحسب الموقف المعلن في روسيا بعد إجراء اتصالات مع المعارضتين السورية والليبية.

أقل ما يقال في هذا الوضع إنه كشف عن ازدواجية في مواقف روسيا، تقدم فيها موقف الكرملين عن مواقف الدبلوماسية الرسمية في شكل ملحوظ.

وكان من الطبيعي أن تواجه مواقف موسكو بانتقادات حادة في البلدان العربية، من جانب محللين وسياسيين أو من جانب المتظاهرين السلميين أنفسهم الذين يصنعون ثوراتهم والذين قاموا بإحراق الأعلام الروسية في الساحات العامة ليسجلوا سابقة في تاريخ علاقات العرب مع روسيا. يرى البعض أن رد فعل الشارع العربي على مواقف موسكو استند لرؤية سطحية، اعتبرت أن مواقف روسيا تجاه الثورات العربية تعكس ما وصف بأنه «تورط روسي في محاولات الغرب لإجهاض هذه الثورات» عبر محاولة إفراغها من مضمونها الشعبي وتجاهل مطالبها المشروعة.

لم يهتم الباحثون العرب بتتبع منطق السياسة الروسية المعلن في تحديد مواقف موسكو من التطورات الجارية في المنطقة العربية، والذي يستند كما يقول الروس إلى ما يمكن أن تمنحه التغييرات الجارية في البلدان العربية من مساحات نفوذ للغرب. في المقابل تجاهل المنطق الروسي العناصر الأساسية لهذه الثورات، والتي تتمثل في طغيان الإرادة والطموح الشعبيين للتغيير وتحسين ظروف الحياة السياسية والاقتصادية في هذه البلدان. بدا واضحاً أن الرؤية البراغماتية الضيقة والمعبرة عن مصالح محدودة للشركات الروسية هي التي سيطرت على الموقف.

إذا كانت عناصر الموقف الرسمي واضحة برغم أنها تثير في كل الأحوال الحيرة، فإن مواقف الإعلام الروسي ظلت تراوح بين جدران الريبة.

ومنذ انطلاقة «الربيع العربي» حاولت وسائل الإعلام الروسية على اختلاف مشاربها إلصاق تهمة ارتباط الثورات بمركز محرك في واشنطن، وأصرت على تشبيه الحراك الجاري بالثورات الملونة التي شهدتها بعض بلدان الفضاء السوفيتي السابق مثل الثورة «البرتقالية» في أوكرانيا وثورة «الورود» في جورجيا، وبدا واضحا أن القائمين على وسائل الإعلام الروسية إما تجاهلوا بشكل متعمد أو وجهوا لتجاهل الواقع والحقائق التي يراها الجميع .

================

علاج الأزمة بالصدمة هل ما زال ممكناً في سوريا؟

المستقبل - الاحد 4 أيلول 2011

العدد 4104 - نوافذ - صفحة 10

دمشق غازي دحمان

سوف يسجل تاريخ الازمة السورية، بأن وزير الخارجية التركي ، أحمد داوود أوغلو، وبتفكيره الإستراتيجي العميق، كان من بين القلائل الذين قرأوا آفاق الحدث السوري ووصلوا باكراً إلى طرح مخرجات سياسية منطقية تتفق وحجم الأزمة وطبيعتها. فقد دعا الرجل إلى العلاج بالصدمة للخروج من أتون أزمة، هي في الواقع أكبر بكثير من قدرة الذهنية الأمنية السورية على التعاطي مع إستحقاقاتها، إنطلاقاً من الخبرة التاريخية لهذه الذهنية في التعامل مع أزمات سابقة، حيث اقتصرت العلاجات حينها على الحلول الأمنية وحدها، وكأن أوغلو أراد إراحة سوريا من مخاض عسير ما زالت تتخبط في ثناياه.

حينها، لم يكشف أوغلو عن تفاصيل وصفته، وقد يكون ذلك قد حصل عبر الرسائل السرية المتبادلة بين قيادة البلدين. إلا أن التقديرات الدبلوماسية رأت أن وصفة العلاج بالصدمة لابد ان يكون الوزير التركي قد استشف بنودها من واقع الأزمة وحيثياتها، فالأزمة تخلقت من واقع القمع الذي تعيشه سوريا منذ عقود ومن واقع هيمنة أجهزة الامن وتحكمها بكل تفاصيل الحياة، ومن حقيقة موت السياسة برجالاتها وفكرها وممارساتها، وأيضاً من حقيقة إحتكار الدولة وتحويلها إلى شبه مزرعة لعائلات بعينها ليس للشعب فيها سوى دور الخدم.

على ذلك، فإن الازمة لم يكن بالإمكان حلها على الطريقة السلطوية السورية، القمع بيد، وتقديم بعض الأعطيات الشكلية باليد الأخرى، والحفاظ على مملكة الصمت، مع بعض التعديلات الطفيفة، التي لا تناسب الشعب بقدر ما تضمن إعادة إنتاج شروط الحكم بطريقة أكثر جدوى تتلاءم والمتغيرات الإقتصادية العالمية التي يعيش في ظلها مدراء الحكم السوريون كأن يصار مثلاً إلى زيادة مرتبات الموظفين من خزينة الدولة ليقوموا بشراء المنتجات التي يحتكر إنتاجها واستيرادها المدراء بأنفسهم.

وواضح أن العلاج بالصدمة أريد منه، في هذه الحالة ، تفكيك أساسات الأزمة، بما فيها من بنى أمنية متخلفة وقاهرة، وحالة سياسية عاطلة عن العمل، وواقعا إقتصاديا لم ينتج سوى الحرمان والبؤس، وبمعنى من المعاني، يتطلب العلاج بالصدمة قيام الرئيس بشار الأسد بالتخلي عن الدوائر الأمنية المحيطة به، والأكثر من ذلك، تقديم رؤوسها إلى المحاكمة والمساءلة، وإعادة بناء الحياة السياسية في سورية عبر التخلي عن إحتكار البعث للسلطة، والبدء بالعمل بنظام إقتصادي يحقق مصالح الشعب ولا تكون عوائده لفئة محددة وصل بها الإبتذال والفجور إلى حدود الإستفزاز القاتل.

لا شك أن هذا النمط من العلاجات يتطلب الإقدام على تضحيات كبيرة من النظام، قد تكلفه التخلي عن مراكز قوة مهمة فيه، كما أنها تحرمه من أوضاع وإمتيازات أسسها عبر عقود لنفسه، الامر الذي يدفع إلى الإعتقاد بسذاجة مثل هذا الطرح، فمن غير المتوقع أن يقبل أي نظام بإضعاف نفسه وتعريض بنيته للخطر، لكن في المقابل ، يجب التوقع بأن العرض التركي قد حمل الكثير من الضمانات للنظام السوري، ولعل من أهمها إعادة تموضع هذا النظام في البنية السورية بطريقة اكثر عصرية وتحقق له الشرعية الداخلية والخارجية.

ولعل ما يؤكد ضياع مثل تلك الفرصة ( النصيحة ) التي اجترحها الأتراك في حينها، وقائع تطورات الأزمة في سورية، والتي تبدوا بعد ستة أشهر من إنطلاقها ، تسير بإتجاه إنسداد سياسي واضح، فبرغم محاولات السلطات في سوريا القيام بإجراء تعديلات سياسية معينة، إلا أن الأزمة ما زالت عند مربعها الأول، أقله لجهة إستجابة حركة الثورة لسلسلة الإجراءات السلطوية، والتي لا ترى فيها سوى محاولات فارغة للإلتفاف على الحراك الشعبي ما دامت هذه الإجراءات لم تتطرق حتى اللحظة إلى أساسات الأزمة التي تتلخص بتغيير آليات عمل النظام الأمنية والسياسية والإقتصادية، تلك الاساسات التي تمس حياة الناس بشكل مباشر، وتؤثر في عيشهم وأمنهم، والتي لا يستقيم الحديث عن إصلاحات سياسية وإنتخابية وإعلامية في ظل استمرارها.

لقد حملت النصيحة التركية فرصة مهمة للنظام السياسي في سورية، ووفرت له، ولسورية، فرصة لتجاوز الأزمة، قبل الخوض في بحر الدماء من درعا إلى دير الزور، مروراً بحماة وحمص وإدلب، ولا أحد يستطيع التنبؤ بآفاقها، كما منحته فرصة إعادة صياغة الحياة السياسية في سوريا وضمان وجوده كمكون له وزنه في هذه الصياغة، إضافة إلى إمكانية عودته كفاعل إقليمي مهم، وهذه الفرصة، أو الفرص، تبدو اليوم وقد تضاءلت كثيراً حتى مع عودة تركيا على العمل على خط الأزمة، لأن الواقع قد تغير، ولا بد أن الأتراك أعادوا حساباتهم بما يتناسب وواقع هذه المعطيات المستجدة .

================

ستة أشهر على الثورة السورية .. الحرب هي "أمل" النظام الوحيد

المستقبل - الاحد 4 أيلول 2011

العدد 4104 - نوافذ - صفحة 10

يوسف بزي

بعد انقضاء ستة أشهر على الثورة السورية، المدنية والسلمية، يبدو أن النظام البعثي قد أيقن أن الثورة غير قابلة للإخماد، كما أن الزمن لن يعود الى الوراء. النظام بات مدركاً أن مقولة "سوريا ليست مصر ولا تونس ولا ليبيا ولا اليمن" صحيحة في أمور كثيرة إلا في ظاهرة المد الثوري العربي وأمواجه المتلاحقة.

نظام الأسد أصبح متأكداً، بعد مرور ستة أشهر، أن هناك ثورة شعبية تعمّ البلاد ومن شبه المستحيل إنكارها أو وقفها. لقد انتهت محاولات المكابرة والاستخفاف. فلا هي "مجموعات سلفية" ولا هي "عناصر تخريبية" ولا "عصابات مسلحة" رغم استمرار الإعلام الرسمي بتكرار هذه التوصيفات، التي لا يصدقها أركان النظام نفسه، المتأرجح بين الترويج لنظرية "المؤامرة الخارجية" ونظرية "مسيرة الإصلاح". وهو التأرجح الذي جعلنا نؤمن أكثر أن الانتباه للإصلاح لا يأتي إلا بفعل مؤامرة!

بعد ستة أشهر مليئة بالفظاعات والوحشية التي ارتكبها رجال النظام ضد السكان، حيث مارست السلطة كل أساليب العقاب الجماعي، والقمع المنظم، والعنف المتّسم بسادية متأصلة عند أجهزة الأمن و"الشبيحة"، يبدو أن طاقم السلطة في سوريا صار متيقناً أن لا سبيل لوقف الثورة من جهة، ولا سبيل للتراجع عن حملة العنف الواسع النطاق وسياسات القتل والاعتقال وقصف المدن ومحاصرتها واجتياح الأرياف والقرى، من جهة ثانية.

النظام استنفد أو بدّد سريعاً كل الخيارات الأخرى التي كان من الممكن أن تجعله أكثر مراوغة وأكثر قدرة على المناورة والاستيعاب. بدّد مثلاً أهم رصيد لديه: خوف المواطنين السوريين على استقرار بلدهم. هذا الخوف كان عند السوريين متأتياً من رفضهم لاحتمالات "العرقنة" أو توقعات "اللبننة"، وهم أبدوا مراراً استعدادهم للمقايضة مع النظام الاستبدادي بين حرية أقل واستقرار أكثر. لكن ما فعله النظام مع أولى بوادر الاحتجاجات المطلبية المتواضعة هو إسقاط الأمن وتعميم الرصاص والخوف، وإطاحة الاستقرار. وبهذا المعنى وجد المواطنون السوريون أن المبرر الوحيد لتسامحهم مع الاستبداد ما عاد موجوداً. لقد انفرط العقد غير المدوّن بين سلطة البعث والشعب. وكأنما رعونة النظام هي التي دفعت وشجّعت الغالبية العظمى من السكان على الانضمام الى التظاهرات الضئيلة والمتفرقة. وتلقّت المعارضة الضعيفة والمترددة أسباب قوة وقدرة على الانتشار من هذه الرعونة بالذات.

بدّد النظام أيضاً واحدة من أهم حيله، وإحدى أكثر خططه مكراً: الحوار. إن الارتباك الذي كاد يتحوّل انشقاقاً خطيراً في صفوف المعارضة إثر مشهد لقاء فندق "سميراميس" في دمشق، والذي جمع بعض رموز المعارضة، لم يدم طويلاً. فالنظام الذي سمح على نحو غير مسبوق لإجراء هكذا لقاءات سياسية علنية، لم "يستثمر" خطوته هذه إلا بحدود مخادعة المطالب الأميركية الدولية في حينها، مع استخفاف ساذج بأثر هذه المخادعة على الرأي العام السوري، عدا عن عدم استثماره للارتباك والخلاف بين أطياف المعارضة حول القبول بعقد لقاء "سميراميس" في حماية السلطة وموافقتها. فالنظام نفسه تبرّع بإنهاء الخلافات والتباينات في صفوف المعارضة، حين أطاح طموحات الحوار التي عبّر عنها لقاء "سميراميس" ثم أطاح كل الانطباعات الإيجابية التي ولّدها لقاء "سميراميس" في الخارج، حين اندفع النظام بحملة عسكرية على جسر الشغور ثم على حمص وحماه، وتوّجها بتحريض غوغائه على مهاجمة سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وقطر.

أما مؤتمر فاروق الشرع، فكانت نتائجه أكثر سوءاً، إذ إن سعته المشهدية وأناقته السينوغرافية وكثرة المشاركين فيه ضخّمت كثيراً من التوقعات المأمولة منه، أو تركت انطباعاً عند مشاهديه أن هذا المؤتمر لا بد وأن يكون على سوية "الأزمة". لكن وقبل أن تقلل المعارضة من شأنه وقبل أن تُختبر نتائجه أو تُقرأ توصياته، كان النظام في استمراره بسياسته الأمنية الشعواء والبالغة العنف هو أول من أسدل الستار سريعاً على مشهد هذا المؤتمر، لدرجة أن أغلب المشاركين فيه عرفوا في لحظة اختتامه أنهم إما جزء من خدعة أو أنهم خُدعوا تماماً.

منذ ذلك الحين انتهت خطط "الحوار". رمى النظام ورقة "التفاوض" بتهوّر شديد وركن فقط ل"الحل الأمني". منذ ذلك الحين لم يفعل النظام سوى التخلي المتسرّع عن الأصدقاء في الخارج والداخل بطيش يقارب طيش نظامي صدام حسين ومعمّر القذافي، وما عاد يبرع سوى بتربية الأعداء وتكثيرهم.

خدم النظام الثورة الناشبة ضده خدمة استراتيجية ما كان اشد المعارضين تفاؤلاً ليحلم بمثلها، فقد أقدم بممارساته الفظيعة على إحراج دول العالم المترددة الى حد انها اضطرت اضطراراً الى مقاطعته، وهي التي ظلت لما يزيد على أربعة أشهر من عمر الثورة لا تصغي الى المعارضة وترفض شعار "اسقاط النظام". الدولة السورية فرضت على العالم ان يعزلها. وهذا ما كانت المعارضة قادرة على تسويقه او اقناع العالم به. ومن ناحية ثانية، اقدم النظام، عبر سياسة العقاب الجماعي وفرض الرعب والقتل، على تعميم اليأس منه عند أوسع شرائح المجتمع السوري، خصوصا عند "المحايدين" منهم، الذين، حتى الأمس القريب، كانوا مرتابين من المعارضة او غير واثقين من المستقبل او الخائفين من المجهول او الذين ما زالوا يؤمنون بمعادلة الاستقرار مقابل التخلي عن الحريات.

اليأس من النظام، لا قوة دعاية المعارضة وحدها، هي التي توسع الثورة جغرافياً وديموغرافياً. وإضافة الى اليأس من النظام (الذي تسلل ايضا الى قلب حليفته ايران) ثمة يأس النظام نفسه. هذا اليأس صار واضحا بعد ستة اشهر من الثورة، ولذا بات نظاماً شديد الخطورة الآن. انه يميل الى ان يصير عدو سوريا الأول.

الديكتاتور وطاقمه وأجهزته الأمنية وفرقه العسكرية، استنفدوا كل الحيل وكل الأوراق وكل الأرصدة السياسية، اضافة الى استنزافه السريع لكل موارده الاقتصادية، عدا علامات الإنهاك والتعب التي بدأت تظهر في أداء آلته القمعية وظهور اشارات اقوى الى تصدعات في جسمه العسكري والبيروقراطي، وعلى الأرجح فان لحظة التحول النوعي في مسار الصراع بين النظام ومعارضيه باتت قريبة جداً.

انها لحظة خطيرة جداً، النظام يائس وميؤوس منه، ومنسوب عدائه للداخل والخارج ارتفع الى نقطة حرجة. انه لا يجد امامه سوى طوفان الحرب، انه يندفع من غير تردد نحو افتعال حرب ما، اما أهلية أو اقليمية. فهو ليس بوارد التخلي الطوعي عن السلطة، ولا بتقديم الحد الأدنى من التنازلات. فهو يعرف أن يوماً واحداً من دون إطلاق النار يعني عملياً اجتياح التظاهرات المليونية لكل ساحات المدن والقرى، وأن بقاءه بات مقروناً ببقاء الدبابات عند كل تقاطع طرق.

ربما لهذا السبب بالذات فإن التزايد الملحوظ لأعداد السكان المنضوين في الثورة، مردّه أن السوريين باتوا أكثر قناعة بأن التعجيل بإسقاط النظام هو السبيل الوحيد لمنع الحرب. وهي قناعة صارت أيضاً رائجة نسبياً عند دول المنطقة وفي المجتمع الدولي. والنظام السوري الذي لطالما روّج من أجل بقائه أنه "عامل استقرار في الشرق الأوسط" أصبح الآن مصدر خطر على هذا الاستقرار.

إن كل ما يفعله النظام السوري في زواريب القرى وداخل البيوت وفي شوارع التظاهرات، من فظاعات وقسوة وعنف بالغ، هو استدراج متعمّد للسكان للتخلّي عن سلمية الثورة واللجوء الى العنف المضاد والتسلّح. يحاول بإصرار تحويل كذبة "العصابات المسلحة" الى حقيقة واقعة، ويطمح الى أن يصير الشعب السوري كله "جماعات تخريبية". وهو يتمنى باستمرار سقوط ضحايا من رجال الأمن ووقوع صدامات مسلّحة. إنه يحلم بميليشيا افتراضية ليحاربها.

الحرب هي "أمل" النظام السوري وأفقه. وخطابه، في الآونة الأخيرة، بات أكثر تعويلاً على "الفتنة الطائفية"، وهو على ما يبدو يسعى نحو تسليح جماعات أهلية ومذهبية، و"خبرته" اللبنانية والعراقية في هذا المجال ليست بالهيّنة. لذا، قد تكون مهمة الثورة وواجب العالم إسقاط هذا النظام بأسرع وقت ممكن قبل أن ينجح بإشعال فتيل الحرب.

================

مصادر غربية تثق بتغير قريب للموقف الروسي من سوريا واعتقاد أن لا مصلحة ل"حزب الله" في الدفاع عن النظام

روزانا بومنصف

النهار

4-9-2011

تشكل تطورات الوضع السوري محوراً جوهرياً بالنسبة الى غالبية المتابعين الديبلوماسيين نظراً الى التطورات في لبنان والمنطقة على حد سواء من حيث النظر في احتمالات اشعال الوضع اللبناني مع تصاعد او زيادة الضغوط على النظام السوري او من حيث قيام "حزب الله" برد فعل نتيجة الضغط الذي يلحق به من تحالفه الاستراتيجي والحيوي مع هذا النظام.

فلا تجد مصادر ديبلوماسية غربية في بيروت ان الحوار لا يزال ممكناً في سوريا في الظرف الراهن، كاشفة أن المواقف الدولية التي طالبت الرئيس السوري بالتنحي، انما بنيت على أساس أنها تعتقد أن الحوار لم يعد ممكناً او محتملاً بين النظام ومعارضيه. وعلى رغم مسارعة الغرب الى إسقاط المصير الذي واجهه الرئيس الليبي معمر القذافي على أيدي الثوار حتى الآن على الوضع السوري، فانها ترفض اعتبار أن يكون هذا الاسقاط صحيحا أو موضوعيا لكون الوضعين السوري والليبي مختلفين، وما يصحّ على أحدهما قد لا يصح على الآخر. اذ ان التدخل العسكري في سوريا من خلال الناتو أمر مستبعد على غير ما كان الوضع في ليبيا، في ظل عاملين أساسيين أحدهما هو رفض المعارضين السوريين أنفسهم في الدرجة الاولى اي تدخل اجنبي الى جانبهم من أجل حمايتهم على الارض، وثانيهما عدم نية الدول الغربية التدخل عسكريا، فضلاً عن عدم وجود إجماع دولي حول هذا الامر ايضا.

وهذا امر جوهري واساسي في الاختلاف بين الوضعين، إلاّ ان هذا الاختلاف لن يطول بالنسبة الى الوضع الدولي الذي قد يشهد وضعاً مماثلا لما عرفته ليبيا، اذ ان هناك اقتراباً عربياً من الموقف الدولي ازاء الوضع في سوريا، فضلاً عن تأكيدات أن الوضع الروسي الذي اعلن وقوفه الى جانب النظام قبل اشهر قليلة بدأ يتغير او يتحول على غرار ما شهده هذا الموقف بالنسبة الى الوضع الليبي، وفق ما تؤكد هذه المصادر التي تبدو واثقة من التغيير الروسي قريباً. وهذا ظهر في الموقف الروسي الاخير من الوضع السوري ورفضه قتل المدنيين في الشوارع، في حين لا يعتقد أن مشروع القرار الذي قدمته روسيا حول التطورات السورية هو اكثر من محاولة تعطيل مشروع القرار الاوروبي الاميركي المطروح في هذا الاطار. وعلى رغم الحديث عن أن الزيارة الاخيرة التي قام بها موفد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف قد منحت الرئيس السوري مهلة اسبوعين جديدين لاجراء اصلاحات جذرية شبيهة بمهلة أسبوعين، تردد أن تركيا كانت منحتها للرئيس السوري ايضاً حين زار وزير الخارجية داود اوغلو دمشق ، فان الصورة لا تبدو متفائلة بالنسبة الى هذه المصادر. اذ ان الاصلاحات التي قدمها الرئيس السوري على قوانين الانتخابات او الاعلام وفق ما أعلن هو نفسه لم تقترن ببدء تنفيذ التعديلات التي ادخلها على هذه القوانين ولو رمزياً بحسن نية لما ينوي العمل به على هذا الصعيد ، في حين واصل استمرار التصدي للمحتجين على الارض بالقوة الامنية على نحو يتناقض كلياً وما يدرجه في هذه التعديلات، في ظل استفظاع سياسي وديبلوماسي غربي لاستخدام القناصة ضد المتظاهرين، كما تقول هذه المصادر. فلا رأي المعارضة تم احترامه سياسيا او اعلاميا بما يناقض ما يعتزم الذهاب اليه، ولا تغيير طرأ على المادة الثامنة بعدما على لسان القريبين منه مراراً وتكراراً انه سيعمد الى الغائها، الامر الذي يفيد اقله من وجهة نظرديبلوماسية غربية ان لا جدية فعلية في اي توجه اصلاحي ولا اصلاح جذرياً ولا ثقة اطلاقاً بوجود نية عميقة واكيدة بذلك. يضاف الى ذلك ان الانتفاضة السورية لم تعد في الشهرين الاولين لانطلاقتها، بل أصبحت في شهرها السادس، بما ينفي عن الدول الغربية تسرعها في الحكم على النظام السوري وعدم الإفساح في المجال امامه لفرصة ما ينفذ فيها الاصلاحات التي اعلن نيته القيام بها، في حين ان عمليات القمع لم تتوقف متسببة بوقوع عدد كبير من الضحايا.

ولا تنفي هذه المصادر ان الرسالة التي وجهتها الولايات المتحدة في ادراج اسماء ديبلوماسية كوزير الخارجية وليد المعلم والمستشارة السياسية بثينة شعبان والسفير السوري في لبنان عبد الكريم علي على قائمة العقوبات الاميركية، مزدوجة من حيث مساهمتهم في التغطية خارجيا على افعال النظام والعمل دعائيا على هذا الصعيد، ومن حيث ضرورة تحسب الداعمين للنظام من احتمالات مشابهة.

ويسود اعتقاد أن ما يواجهه النظام السوري يشكل ضغطاً كبيراً على حلفائه في لبنان وعلى "حزب الله" في شكل أساسي، وينظر اليه في ضوء وجهتي نظر احداهما تقول ان الحزب متى واجهته حشرة داخلية قوية قد يلجأ الى القيام بأمر ما أمني أو عسكري، في الداخل كما فعل في 2008 حين واجه ضغطاً هرب اليه من خلال اجتياحه العاصمة اللبنانية ومحاولة اجتياحه الجبل، وفي تجارب عدة سابقة، والوضع السوري هو مصدر قلق كبير بالنسبة اليه وفق ما تقول هذه المصادر، لكونه شكل ولا يزال رئة له. لكن السؤال في ضوء الجديد الذي عبرت عنه المواقف الايرانية الاخيرة اذا كانت ايران مع "حزب الله" ستترك نفسها تواجه دعمها النظام السوري، في حين أن فرص هذا الاخير لم تعد جيدة على الاطلاق، أقله، وفق ما تقول هذه المصادر، التي تصف ذلك وفق تعابير لم تدخل بعد التداول السياسي لا اللبناني ولا العربي وحتى الدولي، أقله علناً. لكن ثمة اعتقاداً يتنامى لدى هذه المصادر، مؤداه ان ايران، وايا يكن مدى دعمها للنظام او المدى الذي يمكن ان تذهب اليه على هذا الصعيد، فهي لن تفرط بوضع الحزب في لبنان بحسب هذه المصادر، ولا الحزب قد يكون في وارد التضحية بوضعه في لبنان في حال شعر بأن النظام السوري لن يستمر، وتاليا التضحية بذلك من اجل ما يعتبره كثر احتمال إشعال الساحة اللبنانية انقاذاً للنظام او اللجوء الى الضغط اقليمياً أو دولياً عبر لبنان من أجل عدم التخلّي عنه. فهناك اعتقاد غربي متعاظم ان ايران والحزب ليسا في وارد الانتحار من اجل الدفاع عن النظام السوري، والطرفان قد يكونان بدأا يجريان حساباتهما بناء على هذه الاحتمالات على رغم المواقف المعلنة من جانب مسؤولي كل منهما وفق ما تقول هذه المصادر.

================

يا مسلمون.. أين أنتم؟ النظام السوري يلحد

د. عائض القرني 

آخر تحديث : الأحد, 04 سبتمبر 2011

بادية اون لاين

أخبرني شاب سوري بمسجد بالرياض أن رجال الأمن السوري يجبرون المعتقل على أن يقول: «لا إله إلا بشار».. سبحانك ربي، هذا بهتان عظيم، وكنت أظن أن الشاب متحمس أو متحامل، حتى عدت فرأيت في قناتي «العربية» و«الجزيرة» المشهد بنفسي، وإذا جلاوزة النظام يضربون بأحذيتهم وجوه المعتقلين ويرغمونهم على قول: لا إله إلا بشار «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا»، بل لا إله إلا الله وحده، واللعنة والغضب والدمار والنار على النظام السوري. بالله عليكم هل هناك مسلم في الأرض في قلبه ذرة إيمان يسمع هذا الإلحاد الذي تتفطر له السماء وتنشق له الأرض وتخر له الجبال هدا، ثم لا يقشعر بدنه ولا يهتز ضميره ولا ينكر بما يستطيع عليه من الإنكار؟

إنني أناشد هيئة كبار العلماء في السعودية والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والأزهر الشريف ورابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي والندوة العالمية للشباب المسلم وغيرها من المنظمات والمؤسسات والشخصيات البارزة والأعيان وكل من عنده إيمان في قلبه وضمير حي وغيرة على الإسلام وغضب لله وكفاح عن التوحيد وحماية للعقيدة أن يهبوا جميعا في وجه هذا النظام الرخيص العدو للإسلام وللعروبة وللقيم وللأخلاق وللمبادئ شجبا وإنكارا وتعرية وردا وتوضيحا، وإلا لن يعفى أمام الله يوم العرض الأكبر من السؤال، ثم أمام المسلمين والتاريخ. بالله عليكم ماذا بقي لنا من كرامة إذا قام جلاوزة النظام السوري بضرب الشيوخ والعجائز والنساء والأطفال بالأحذية على وجوههم وتلقينهم: لا إله إلا بشار؟ انظروا لهذا المقطع في «يوتيوب» وبعدها نوقف كل إنسان أمام معتقده وضميره وذمته وإنسانيته وكرامته، هل فعل اليهود المغتصبون المحتلون بمن عذبوه واعتقلوه من العرب هذا الفعل؟ ماذا يقول المسلمون لربهم وهم يشاهدون من يلحد في ألوهية ربهم وربوبيته وأسمائه وصفاته، جل في علاه، في دولة إسلامية كانت أرض الفتوحات وسكنى كثير من الصحابة والقادة العظام كأبي عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد وغيرهما من عظماء الإسلام وعلماء الأمة، يمارس النظام هذا التعذيب والقهر على أبناء وبنات المسلمين المصلين الصادقين الذين خرجوا يريدون الكرامة والحرية والإنسانية والعدل والإنصاف؟ أين العلماء؟ أين الدعاة؟ أين المفكرون؟ أين الشعراء؟ أين الكتاب؟ عن هذا الإلحاد والكفر الصريح من شياطين بشرية ومسخ إبليسي وهياكل بهيمية لم تحمل حتى ذرة من الشهامة والمروءة والرجولة وهي ترى أرضها أرض الجولان تداس بأحذية جنود الاحتلال الصهيوني، فلا تدخل نفوسهم حمية ولا غيرة لشرفهم ولا لتاريخهم ولا لأوطانهم فيبتلعون الهزيمة وينامون على الضيم ويسكتون على الظلم من إسرائيل ثم يعودون لشعبهم بأسلحتهم وطائراتهم ودباباتهم فيعذبون ويدمرون ويقتلون ويعتقلون، اللهم فاشهد أني بلغت ما رأيته بعيني وإنني أحمل كل مسلم ومسلمة أمانة الدفاع عن لا إله إلا الله.

بالله عليكم هل ينام أحدنا قرير العين ونحن نشاهد جنودا فاشلين ساقطين خونة عملاء أنجاسا ما سجدوا لله سجدة يضربون وجوه الشعب السوري العظيم بأحذيتهم ويدعونهم إلى تأليه قزم وصنم وعميل من دون الله، تعالى الله عما يصفون، والله إني أطالع تاريخ الزحف المغولي في الحروب الصليبية فلم أجد كهذه الشناعة والبشاعة والدناءة والنذالة والحقارة التي يفعلها النظام السوري بأبناء الشعب الكريم المجاهد المسلم، شعب البطولات الذي استقبل الإسلام ونصر الملة ودحر الصليبيين وأخرج الفرنسيين وضحى بالغالي والنفيس والروح والدم في سبيل رفعة لا إله إلا الله، ثم تأتي الشرذمة حاقدة على الإسلام مندسة في بلاد الشام تطعن الأمة في أعز ما تملك في عقيدتها، وباسم العرب والمسلمين أنادي خادم الحرمين الشريفين، وهو الذي دعا علماء المسلمين إلى الدفاع عن العقيدة الصحيحة والذب عنها وعن نشرها، أن يتخذ موقفا من هذه القضية التي تجرأ عليها النظام السوري، وهي قضية محاربة وامتهان وتحريف كلمة «لا إله إلا الله»، أعظم كلمة وأشرف جملة، وهي أساس الدين وأصل الملة ورسالة الرسل ودعوة الأنبياء ومفتاح الجنة.

====================

سوريا: كل «السيناريوهات» تؤدي لرحيل النظام

عريب الرنتاوي

الدستور

4-9-2011

في غير مكان من هذا العالم، تجرى بكثافة تمارين على بناء السيناريوهات – Scenario Building Exercises - التي قد تنتظم مسار تطور الأزمة السورية الراهنة وتقرر مآلاتها...معظم هذه السيناريوهات، إن لم نقل جميعها، تنتهي إلى خلاصة واحدة: رحيل النظام السوري، بعد أزيد من عشريات أربع من السنين.

قد يكون هذا الرحيل دامياً...وقد سال من الدماء ما يكفي حتى الآن، لجعل أكثر السيناريوهات تفاؤلاً- سيناريو دامٍ، بل ومخضب بالدماء- (السيناريو الليبي)...وقد يكون الرحيل سبباً ونتيجة في اندلاع حالة من الفوضى والاحتراب الأهلي والتقسيم (السيناريو العراقي)...وبيد النظام وحده، أن يحفظ سوريا، وأن يجعل الرحيل أقل كلفة عليه وعلى البلاد والعباد، بأن يفتتح صفحة جديدة في تاريخ سوريا الحديث، لكن المؤسف أن هذا السيناريو، هو الأقل احتمالاً، بعد أن تكشف النظام عن عقم في الخيارات وإعاقة في الحركة.

لم يعد لدى النظام سوى أصدقاء قلائل على ساحتي الإقليم والعالم...لم يكن يوماً ظهره إلى الجدار، كما هو عليه اليوم...حتى في السنوات العجاف التي مر بها بعد احتلال العراق واغتيال الحريري والانسحاب من لبنان..ظل النظام مطمئناً إلى دعم مروحة أوسع من الأصدقاء والحلفاء...والأهم أنه كان مطمئناً إلى سلامة جبهته الداخلية، وهي التي صارت «نقطة ضعفه» و»كعب أخيله» إن جاز التعبير.

في السابق، كان المطلوب من النظام أن يتخلى عن دوائر ومساحات نفوذ في العراق ولبنان وعلى جبهة عملية السلام والقضية الفلسطينية ومن كيس علاقاتها التحالفية المتميزة مع طهران...اليوم تبدو المطالب أشد تعقيداً وهولاً بالنسبة له...فهو مطالب بأن يترجل عن حصان السلطة، الذي امتطاه أباً وإبناً، سواء تحت ضغط الشارع وحراكه السلمي والعنيف، أو على وقع الانتخابات وصنادق الاقتراع.

من قبل، كانت لدى النظام «هوامش» مناورة، تتسع وتضيق...يتراجع خطوة في لبنان، ليتقدم خطوتين في العراق...يناور بمفاوضات مع إسرائيل مطلوبة بذاتها ولذاتها، وليس لنتائجها ومآلاتها، ويسد الطرق ما أمكن في وجه المفاوض الفلسطيني...يلوذ بساركوزي من ضغوط بوش وأوباما...يستقوي بالدوحة على الرياض...وبتركيا – وبحارها الخمسة – في مواجهة محور الاعتدال...ودائما بالاستناد إلى دعم إيراني موثوق و»غير قابل للنقض»، فضلا عن جبهة داخلية، بدت راكدة بلا حياة، لأكثر من ثلاثين عاماً، أي منذ أن تحرّكت بصخب في أواخر سبعينيات القرن الفائت، حين كانت «حماة الأولى»، عنوانها الأبرز.

اليوم، ذهب كل هذا وذاك وتلك، أدراج الرياح، وفي لمحة بصر...لم تعد لدى النظام أوراق قوة يعتد بها على الساحة العربية – السودان والجزائر ونصف لبنان- أما على الساحة الدولية، فإن «الخبرة الروسية» في التعامل مع ملفات المنطقة، لا تجعل النظام ينام على حرير الأوهام والرهانات، فلطالما «لحست موسكو مواقفها» في آخر لحظة، وروسيا لديها الكثير من «الخواصر الرخوة»، التي تجعل الغرب، صاحب اليد العليا في السياسة الدولية.

وإن صحت الأنباء – وليس ثمة ما يدعو لعدم تصديقها – فإن أقرب المقربين إليه: إيران وحزب الله على سبيل الحصر، قد شرعا في سبر أغوار مرحلة «سوريا ما بعد الأسد»...طهران «تجس نبض» الإخوان المسلمين في سوريا، بواسطة نظرائهم المصريين، وحزب الله يتحدث عن «معادلة الأمن والإصلاح» مقتفياً أثر طهران ومقلداً مقاربتها الأخيرة للملف السوري، كما جاءت على لسان الصالحي...فتتأكد للمرة الألف أو المليون، القاعدة الذهبية في السياسة: مصالح ثابتة لا صداقات ثابتة.

لم يعد بمقدور النظام أن يقدم تنازلات للغرب أو أن يعد بها...لا ورقة «السلام مع إسرائيل» باتت صالحة لإسالة لعاب الغرب، ولا التخلي عن حلفه مع إيران بات مقبولاً كثمن لبقاء رأسه فوق كتفيه...والأهم من كل هذا وذاك، أنه بات عاجزاً عن التلويح ب»خيار هدم المعبد» على الجبهة الجنوبية، أو تحريك ورقة حزب العمال الكردستاني على الجبهة الشمالية (كما تقول المصادر التركية)...هذه الأوراق حرقت تماماً، ولن يترتب على استخدامها أو التلويح بها، سوى تقصير أجل النظام وتسريع رحيله، واستعجال التدخل الخارجي العسكري، وتوفير كل المبررات التي ينتظرها.

والمؤسف أن النظام الذي لم يمتلك يوماً الرغبة في تقديم «التنازلات» لشعبه، لم يعد قادراً على تقديمها اليوم، حتى وإن تولّدت لديه الحاجة إلى ذلك...فالطريق الذي اختطه منذ آذار، هوطريق ذو اتجاه واحد، ومنذ «حماة الثانية»، بلغ هذا الطريق «نهاية غير نافذة».

المعركة باتت مفتوحة بين نظام أعزل من الحلفاء وشعب أعزل من السلاح...الأول يواجه العزلة والعقوبات والحصار – وربما محكمة الجنايات الدولية – وسيل من قرارات مجلس الأمن الوشيكة...والثاني، مدجج بالدعم الدولي والإقليمي، النزيه والمُغرض، الصادق والخبيث، الجميع التقوا على ما يبدو، حول شعار «ارحل»...الجميع تلقوا من هزيمة القذافي، قوة دفع إضافية، ومع ذلك، سيظل هنالك في دمشق من يقول ويردد: سوريا ليست ليبيا ؟!.

================

أيها الثوار العرب احذروا الأفغنة والصوملة!

السبت، 03 أيلول 2011 23:56

 د. فيصل القاسم

السبيل

لا شك أن التخلص من الطواغيت العرب وأنظمتهم العفنة والحقيرة هدف عظيم للغاية. ولتعش الأيادي التي ساهمت وتساهم في دق المسمار الأخير في نعوشهم. لكن هناك هدفا آخر لا يقل أهمية وخطورة عن الهدف الأول، ألا وهو قيادة المرحلة التالية بعد سقوط الطغاة. فقد قدم لنا التاريخ أمثلة مرعبة يجب على الثوار العرب أجمعين التعلم منها وتجنبها بكل ما أوتوا من قوة وعقل كي لا يتحول الانتصار على الطغيان وبالاً على الشعوب.

لقد نجح المجاهدون الأفغان في يوم من الأيام في التخلص من نظام نجيب الله المرتزق الذي كان مجرد ألعوبة في أيدي السوفيات الأوغاد. لا بل تمكن المجاهدون أيضاً من كنس الاحتلال السوفياتي الغاشم نفسه إلى جهنم وبئس المصير. لكن الانتصار الأفغاني على السوفيات وأزلامهم لم يأت لأفغانستان بالمن والسلوى ولا بالتحرير الحقيقي. فما أن انتهى المجاهدون الأفغان من مهمة تنظيف البلاد من الاحتلال الداخلي والخارجي حتى راحوا يتقاتلون فيما بينهم على الغنائم.

لا شك أن الكثير منا يتذكر ما حل بأفغانستان بعد انتصار المجاهدين، فقد تحولت البلاد إلى ساحة حرب من أقصاها إلى أقصاها بين المجاهدين أنفسهم، مما أدى إلى الإمعان في تمزيق البلاد وزعزعة استقرارها وإفقارها وتحويل شعبها إلى لاجئين وجائعين. فبدلاً من التكاتف للملمة جراح أفغانستان الغائرة وتوحيد الصفوف راح المجاهدون يذبحون بعضهم البعض من أجل الاستيلاء على السلطة، وكأنهم جاهدوا ليس لتحرير الوطن من ربقة المحتلين وأزلامهم، بل من أجل أن يحلوا محلهم في الجثم على صدور البلاد والعباد.

ومن كثرة ما عانى الأفغان من اقتتال المجاهدين فيما بينهم لم يكن لديهم أي مانع بعد طول عناء من القبول بديكتاتورية جديدة أشد وأنكى من ديكتاتورية الشيوعيين وأزلامهم، ألا وهي ديكتاتورية طالبان التي تمكنت من الانتصار على المجاهدين والفوز بحكم البلاد. قد يجادل البعض بأن حركة طالبان كانت في وقتها أفضل حل لبلد أنهكته الحرب الأهلية. وربما يكونون على حق. لكن الشعب الأفغاني لم يقدم كل تلك التضحيات وقتها كي ينتقل من حضن الديكتاتورية الشيوعية إلى حضن ديكتاتورية دينية خانقة. ولو لم يتقاتل المجاهدون فيما بينهم لما أوصلوا السلطة إلى أيدي طالبان، ولما جعلوا أفغانستان مرتعاً للقاصي والداني كي يتدخل في شؤونها ويستغل معاناة أهلها. لا شك أننا نتذكر كيف أصبحت أفغانستان لاحقاً ساحة للاستخبارات الإقليمية والدولية والقوى المتصارعة على ذلك الجزء الحيوي جداً من العالم.

ولا ننسى الدرس الصومالي البشع. صحيح أن الشعب الصومالي استطاع التخلص من الطاغية سيئ الصيت محمد سياد بري، لكنه فشل بسبب احترابه الداخلي ونزاعه الدموي على السلطة فيما بعد في بناء صومال جديد أفضل من ذلك الذي كان يرزح تحت ربقة الطاغوت سياد بري. ولو قارنا وضع الصومال في عهد الطاغية القديم بوضع البلاد بعده لرأينا حجم الدمار والانهيار اللذين حلا بالبلاد على مدى السنين الماضية. فقد أصبح الصومال مضرباً للأمثال في التشرذم والفشل والتفكك، فبدل أن يبني الصوماليون دولة ديموقراطية حديثة بعد التخلص من بري أنتجوا دولة فاشلة بامتياز، لتصبح البلاد مرتعاً ليس فقط للعصابات المحلية المتقاتلة، بل أيضاً للطامعين والعابثين بأمن واستقرار البلاد من خارج الحدود، ولا ننسى أن الفراغ السياسي يغري الخارج بالتدخل دائماً، لا سيما أن الطبيعة نفسها لا تسمح بالفراغ.

ومما يجعل الكثير من بلادنا العربية الثائرة عرضة للأفغنة والصوملة أن حكامها "الأشاوس" لم يبنوا على مدى عقود دولاً حقيقة متماسكة، بل حولوها إلى مجرد تجمعات مفككة للملل والنحل والطوائف والأفخاذ والقبائل والعشائر التي لا تأمن جانب بعضها البعض. لقد حاول الطواغيت العرب، وخاصة أولئك القومجيين والثورجيين والوطنجيين ضرب مكونات البلاد ببعضها البعض على المبدأ الاستعماري الحقير: "فرّق تسد".

فتلك هي الوسيلة الأفضل للطغاة العرب للسيطرة على الشعوب والتحكم برقابها. بعبارة أخرى، ليس لدينا دول وطنية حقيقة في البلدان الثائرة بسبب غياب مبدأ المواطنة.

وبالتالي، فإن بلداننا مرشحة للسقوط بسهولة في المستنقع الصومالي والأفغاني واليوغسلافي إذا ما سار الثوار العرب على النهج الأفغاني بعد سقوط الأنظمة الحالية. وتلك ستكون أكبر هدية يقدمها الثوار للمستبدين الساقطين الذين سيكونون في غاية السعادة لتشرذم البلاد والعباد بعد سقوطهم. ولا ننسى أن الطواغيت العرب لا مانع لديهم أبداً، عندما يجدون أنفسهم محصورين في الزاوية، في تحويل بلدانهم إلى دويلات متناحرة، أو حتى الانفصال عن البلد الأم وتشكيل كيانات قبلية أو طائفية هزيلة.

لقد علمنا التاريخ أن الطغاة ربما يستطيعون بناء دول بالحديد والنار لفترة ما، كما فعل الرئيس اليوغسلافي السابق جوزيف بروس تيتو، لكن ما أن يرحل الديكتاتور أو يسقط حتى تعود البلاد إلى مكوناتها الأساسية.

وقد شاهدنا كيف تشرذم الاتحاد السوفياتي رغم قوته الجبارة، وكيف تفككت يوغسلافيا بعد تيتو إلى كيانات ودويلات متناحرة. ورأينا أيضاً كم كان سهلاً تفتيت العراق بعد رحيل الديكتاتورية. وما حل بالعراق وبيوغسلافيا ممكن أن يحل ببعض البلدان العربية ذات التنوع العرقي والطائفي والديني. لهذا على الثوار العرب أن يعملوا جاهدين على رص الصفوف بعد سقوط الطواغيت للحفاظ على النسيج الوطني وحماية الوحدات الوطنية المنهكة.

بعبارة أخرى، عليهم أن يعوا الدرس الأفغاني واليوغسلافي والصومالي والسوفياتي والعراقي جيداً كي لا يقعوا في الحفرة نفسها.

ويجب على الثوار العرب أن لا ينسوا أيضاً أن هناك الكثير من القوى الإقليمية الطامعة بالمواقع الاستراتيجية للبلدان الثائرة، وهي مستعدة في أسرع وقت لمناصرة جماعة ضد أخرى لتتحول بلداننا إلى ساحات صراع كبرى تكون فيها الشعوب أكبر الخاسرين. فلا ننسى التنافس التركي والإيراني والإسرائيلي والأميركي بطبيعة الحال على المنطقة.

وبالتالي، فإن منع التناحر بين الجماعات والمعارضات الثائرة والحيلولة دون الصراع على السلطة بعد نفوق الأنظمة الحالية أمر في غاية الأهمية كي لا نقول إننا استبدلنا قواداً بديُّوث.

================

بعضٌ من المواقف العربية من الربيع العربي

الأحد, 04 سبتمبر 2011

خالد الدخيل *

الحياة

لا تزال البلدان العربية، كما يبدو، في مرحلة الصدمة، ومحاولة التأقلم واستيعاب متطلبات المرحلة الجديدة التي دشنتها الثورات الشعبية. هذا واضح من المواقف الرسمية وغير الرسمية من هذه الموجة. في هذه العجالة يمكن أن نتناول مع شيء من التفصيل بعضاً من المواقف الرسمية العربية، وغير الرسمية كذلك. نبدأ بالمواقف المتوقعة، والتي تداخل فيها الرسمي مع غير الرسمي. من ذلك مثلاً الموقف الجزائري السلبي جداً من الثورة الليبية. لم يكن هذا الموقف مفاجئاً إلا في درجة ميله الحادة ضد الثورة. شعبياً، لا تزال أحداث تسعينيات القرن الماضي الدموية عالقة في الذاكرة الجمعية للشعب الجزائري، أما رسميا، فليس مفاجئاً أن يقف النظام الجزائري ضد الثورة الشعبية، خاصة في ليبيا، نظراً لأنه يخضع لسيطرة المؤسسة العسكرية التي بقيت تحكم الجزائر منذ الاستقلال في 1962. لكن حتى في هذا الإطار، يبقى من اللافت أن الصحف الجزائرية، ما عدا صحيفة «الشروق»، تتخذ من الثورات العربية موقفاً أقرب إلى الموقف الرسمي، وهي في ذلك تنتظم مع بعض اللبنانيين الموالين للنظام السوري، الذين أصبحت قناة «الجزيرة» بالنسبة اليهم تتعاون مع الاستخبارات الأميركية في التخطيط لهذه الثورات.

الغريب أن في هذه الرؤية قدراً كبيراً من السذاجة لم ينتبه إليه أصحابها، فهل من الممكن أن تكون الجماهير أداة لتنفيذ مؤامرة ضد نفسها ومصالح بلدها؟ منطق المؤامرة كان أكثر تماسكاً عندما كان يوجه تهمة التآمر لقيادة حزب معين، أو مجموعة ضباط في الجيش، أما محاولة تسويق فكرة أن الغرب تمكَّن من توظيف مئات الآلاف والملايين كعملاء ينفذون مؤامرة ضد أنفسهم، فهذا ضرب من الخيال المنحرف ومن اللامعقول، لا يجيده إلا من احترف الدفاع عن النظام السياسي الذي يؤمن به، أو يستفيد منه، أو كليهما معاً، تحت كل الظروف.

الوجه الآخر لسذاجه الرؤية «التآمرية» هذه، أنها محصورة في أنظمة من دون غيرها، فالثورة في سورية مؤامرة، أما الثورة في تونس وفي مصر فلم تكن كذلك، وكانت ثورة شعبية ضد نظام استبدادي فاسد. لا يمكن الجمع بين هذين الموقفين المتناقضين إلا في إطار ذهنية تآمرية، وهو ما يؤكد تهاوي نظرية المؤامرة من أصلها، لأنه إذا كان الاستبداد والفساد والقمع من أهم أسباب الثورات، فإن في النظام السوري وجماهيرية العقيد من الاستبداد والفساد والقمع ما يفوق كل الأنظمة العربية الأخرى. كيف والحالة هذه صارت تلك الأسباب مبرراً معقولاً للثورة في تونس ومصر، وليس في سورية وليبيا؟ المنطق التآمري نفسه يحكم موقف هؤلاء من قناة «الجزيرة». قبل مرحلة الثورات الشعبية كانت سمة هذه القناة، كما كان هؤلاء يقولون، ومصدر شعبيتها أنها «قناة أقرب في تغطياتها الإخبارية إلى الجماهير»، وفي نظر البعض الآخر اللبناني، أن مصدر شعبيتها أنها أقرب إلى المقاومة ونبض الشارع. ثم فجأة، وبعد انفجار الثورات الشعبية، أصبحت القناة متآمرة مع القوى الإمبريالية. هل التآمر هنا موجَّه ضد الجماهير العربية؟ أم ضد الأنظمة؟ غاب عن أصحاب هذه الرؤية أن ما يقولون به يؤكد ما يحاولون نفيه بمثل رؤيتهم الساذجة هذه: فإذا كانت قناة فضائية تبث من ثالث أصغر دولة عربية قد نجحت في تحريك الجماهير ضد أنظمتها السياسية، وفي هز عروش حكم يمتد عمرها لعقود من الزمن في دول عربية كبيرة، فهذا دليل على هشاشة هذه الدول، وعلى فشلها الفاضح إعلامياً، وأنها سياسياً وثقافياً قابلة للاختراق، نظراً لأنها معزولة عن شعبها، ولا تملك من المصداقية ما تحصن به هذا الشعب ضد الاختراقات الخارجية. وإذا كانت هذه الدول بهذا الضعف والهزال، فإن هزها وإسقاطها لا يحتاج حقيقة إلى مؤامرة.

نعود إلى المواقف الرسمية، لنلاحظ أن العراق يتخذ موقفاً من الثورات العربية مماثلاً للموقف الرسمي الجزائري، مع فارق أن الطاقم الحاكم في العراق يخضع لهيمنة إيرانية تتطلب منه أن يتخذ هذا الموقف السلبي، خاصة تجاه الثورة السورية. أما لبنان، فيعيش أكثر لحظاته ارتباكاً في مواجهة الثورة السورية أيضاً. هذا البلد مشلول سياسياً بسبب أنه منقسم رسمياً بشكل حاد، ففريق «حزب الله» وحلفاؤه لا يستطيعون أن يروا مستقبلاً سياسياً لهم من دون النظام السوري الحالي، وفريق تيار «المستقبل» وحلفاؤه، الذين يرون أن سقوط النظام السوري وحصول تغيير سياسي جوهري في سورية، هو السبيل الوحيد لما يعتبره قيام الدولة اللبنانية المستقلة عن هيمنة القوى الإقليمية الأخرى. ولكن، ربما أن الأكثر غرابة في المواقف الرسمية العربية من ظاهرة الثورات هما الموقف المصري من الثورة في سورية وفي ليبيا، والموقف السعودي من المجلس الوطني الانتقالي الليبي. وجه الغرابة في الموقف المصري أن اعتراف القاهرة بالمجلس الوطني الانتقالي جاء متأخراً، والأكثر غرابة أن الموقف المصري من الثورة السورية يبدو متردداً، وضعيفاً، ويعطي الانطباع بأن المجلس العسكري الأعلى في مصر يريد أن ينأى بنفسه عن هذه الثورة. وهذا غريب، ولا يتسق مع مرحلة ما بعد حسني مبارك، فقد ثار شعب مصر دفاعاً عن نفسه وحقه المشروع ضد الاستبداد والطغيان، وهو بذلك قدم النموذج الثاني للثورة الشعبية بعد تونس. كيف لا تتعاطف مصر، وقد مرت بالتجربة ذاتها، مع معاناة الشعب في سورية؟ وكيف لا تتعاطف مع شعب عربي يفقد العشرات من أبنائه يوميا، ولأكثر من خمسة شهور حتى الآن، على يد قوات النظام السوري؟ ثار الشعب المصري لنفسه من أجل الحرية، والشعب السوري يثور ويقدم التضحيات لأنه مؤمن بأن «سورية بدها حرية». هل تختلف الحرية في الشام عنها في مصر؟ والأغرب أن الجماهير المصرية لم تخصص يوم جمعة مليونية تضامناً مع الشعب السوري. لا أقصد بهذا الكلام صبّ جام اللوم على مصر وتبرئة الآخرين أبداً، ذنب الدول الأخرى لا يقل عن ذلك بأي حال من الأحوال، لكن ثقل مصر العربي، وأسبقيتها مع تونس في تدشين مرحلة الشعوب، والظرف الثوري الذي تمر به، أمور تُلقي عليها مسؤولية ربما أكثر من غيرها. من ناحية ثانية، يبدو أن الموقف المصري من الثورتين الليبية والسورية هو استمرار للنمط الجديد للسلوك السياسي الذي دشنته الثورة الشعبية، وهو الانهماك في الشأن الداخلي وإعطاؤه الأولوية على أي شأن آخر، وهذا في الحقيقة تطور جديد، وإيجابي على المدى البعيد، ومن ثم مبرَّر جداً، نظراً للدمار الداخلي، اقتصادياً وسياسياً وأخلاقياً... إلخ، الذي تسببت به الأنظمة طوال العقود الماضية.

لكن مع وجاهة هذا السلوك الجديد، لا بد من الانتباه إلى حقيقة أن نجاح الثورة في هذا البلد العربي أو ذاك، لن تتحقق تماماً إذا لم ترافقها على الأقل تغيرات سياسية جوهرية في كل البلدان العربية، نظراً للترابط بين هذه البلدان إقليمياً، وعلى كل المستويات تقريباً. ولعل التجربة الأوروبية مع بدايات العصر الحديث، ثم في مرحلة الحرب الباردة، خير مثال على ذلك، فعصر الثورة الذي بدأ في بريطانيا في النصف الأول من القرن السابع عشر، وصل ذروته مع الثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر، واستمرت التداعيات حتى الحربين العالميتين الأولى فالثانية، وصولاً إلى الحرب الباردة، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحرر أوروبا الشرقية من إرثها الاستبدادي أخيراً.

انطلاقا من ذلك، فإنه ليس من الحكمة، بل ليس من الممكن أن يبقى التغيير العربي جزئياً، ومن ثم فإن ترك سورية، بأهميتها وموقعها وهي تمر بمخاضها الثوري، لتدخلات الآخرين، خاصة تركيا وإيران، ليس من المصلحة العربية. كان من المفترض أن العرب، وخاصة السعودية ومصر، قد تعلموا الكثير من التجربة العراقية مع النظام السابق وما انتهى إليه. النظام السوري الحالي فقد شرعيته في الداخل، ولم يعد أمامه أي فرصة للبقاء مهما كانت النتيجة النهائية للثورة الحالية، هذا النظام يزداد ضعفا مع الوقت، بسبب إيغاله في دم الشعب وعدم اكتراثه بالشروط والمتطلبات السياسية لشرعيته وبقائه. أصبح من الواضح أن هذا النظام لا يستطيع الاستجابة لمتطلبات المرحلة، ما يجعله عبئاً على سورية، وعلى المنطقة العربية. ما الذي يمكن فعله في مثل هذه الحالة؟ هذا سؤال يتطلب مقالة أخرى، إلى جانب إطلالة أخرى على الموقف السعودي ضاقت مساحة هذه المقالة عن تناوله هنا.

* كاتب وأكاديمي سعودي

================

من «صفر مشاكل» إلى الردع

الأحد, 04 سبتمبر 2011

عبدالله إسكندر

الحياة

بعث رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان اول من امس برسائل في كل الاتجاهات، الداخلية والاقليمية والدولية. بما يمكن ان يشكل منعطفاً في السياسة التركية، او على الاقل في كيفية التعامل التركي مع الملفات الحارة في المنطقة.

وعندما يعلن وزير الخارجية احمد داود اوغلو خفض التمثيل الديبلوماسي مع اسرائيل ووقف العمل بالاتفاقات العسكرية معها، يكون اعلن في الوقت نفسه ان حزب العدالة والتنمية الحاكم حسم نهائياً مرجعية القرار في تركيا، وان المجلس الاعلى للجيش الذي اشرف على هذه الاتفاقات واشرف على تنفيذها وتمسك بها لم يعد يصنع الاستراتيجية العسكرية التركية، وانما باتت هذه الاستراتيجية تخضع للقرار السياسي الصادر عن المؤسسات. وربما هذا ما قصده الرئيس عبدالله غل بتأكيده ان الامور تغيرت، في اشارة الى ان المؤسسات المدنية التركية هي التي تضع السياسة وليس المؤسسة العسكرية. وتالياً بات ممكناً، رغم حاجة الجيش التركي للتقنيات الاسرائيلية خصوصا الطائرات بلا طيار والتي يستخدمها في معركته مع حزب العمال الكردستاني المتحصن في الجبال، ان يقرر وقف هذا التعاون العسكري لضرورات سياسية. وهذا ما يمكن سحبه في ملفات اخرى تكون فيها للمؤسسة العسكرية مواقف تقليدية كانت تتعارض مع التوجهات السياسية للحكومة.

ومع خفض التمثيل مع اسرائيل، تبعث تركيا برسالة واضحة للولايات المتحدة التي تعمل من اجل اوسع التعاون بين حليفيها في المنطقة. ومضمون هذه الرسالة ان المصلحة الوطنية التركية تتقدم على ضرورات السياسة الاميركية. وعندما تتعارض تلك المصلحة مع هذه الضرورات لن تتردد انقرة في اتخاذ الموقف الذي يناسبها، حتى لو ادى ذلك الى تعارض مع واشنطن. اي ان تركيا لم تتردد في استخدام الردع السياسي من اجل تحقيق مطالبها من اسرائيل التي رفضت الاعتذار عن الهجوم على «اسطول الحرية».

في الوقت نفسه، حسمت تركيا امر انتمائها في ميزان الاستراتيجيات الدولية، باعلان استقبالها رادارات الدرع الصاروخية لحلف شمال الاطلسي. فهي اكدت انتماءها بلا لبس الى هذا الحلف وارتباط مصلحتها الاستراتيجية به. ما يؤكد ان توتر علاقتها مع اسرائيل يقع في اطار تقدير سياسي وليس في اطار عداوة لا تقبل الحل، مع ما لذلك من تبعات لاحقة في حال حصول أي تغيير في سياسة الدولة العبرية.

لقد قبلت تركيا هذا الاجراء الاطلسي، رغم غيظ موسكو التي شنت حملة ديبلوماسية استثنائية لمنعه في اوروبا الشرقية، معتبرة انه يشكل خطوة عدائية نحوها. هكذا استعادت انقرة دورها الذي قامت به خلال الحرب الباردة، وجعلت من نفسها حلقة اساسية في دفاعات الاطلسي، ليس فقط في مواجهات الصواريخ الروسية، وانما ايضا في مواجهة الصواريخ الايرانية، الذريعة الاساسية لاقامة الدرع الصاروخية في اوروبا.

ويبدو ان الرسالة التركية الى ايران هي الاهم في استقبال الرادارات الاطلسية. وهي الرسالة التي تشكل المنعطف في التعامل التركي مع ملفات المنطقة. اذ من المعروف ان أنقرة سعت، مع البرازيل، الى ايجاد تسوية مع الغرب للملف النووي الايراني واستضافت اجتماعين في هذا الشأن. وبغض النظر عن نتيجة هذه المساعي السابقة فانها كانت تعكس رغبة تركية في تفادي التصعيد والمواجهة. لكن مجرد التحصن من احتمال صواريخ ايرانية طويلة المدى، تكون انقرة تؤكد انها تستعد لاحتمال هذه المواجهة وانها قررت الصف الذي الذي ستقف فيه في حال اندلاعها.

وثمة من يرى ايضاً في التحصن من الصواريخ الايرانية، حسابات لأنقرة تتعلق بتفاعلات الوضع السوري واحتمالاته في ضوء علاقات طهران ودمشق. اذ ان مزيداً من التردي الداخلي في سورية، عبر استمرار القمع العنيف للحركة الاحتجاجية والمعارضة، ينعكس اتساعاً للخلافات بين انقرة ودمشق. واذا ما عمدت طهران الى ممارسة اي ضغط لمصلحة حليفها السوري، تكون انقرة محصنة استراتيجيا ازاء أي خطوة من هذا النوع.

هكذا يبدو ان انقرة التي روّجت في الفترة السابقة لنظرية «صفر مشاكل»، من خلال التعاون واحتواء الخلافات، تسعى اليوم الى اظهار انها قادرة ايضا على رد التحدي لمصالحها وسياستها، باجراءات ردعية.

================

بين روسيا وسورية

الأحد, 04 سبتمبر 2011

محمد الأشهب

الحياة

روسيا ليست الاتحاد السوفياتي، وعالم اليوم يختلف كثيراً عن حقبة الحرب الباردة، ومع ذلك، فالغشاوة لم تنقشع، وأقربها أن بعض البلدان العربية لا تزال أسيرة توصيفات أيديولوجية تحاول أن تلغي ما حدث خلال العقدين الأخيرين، بدايةً من انهيار الإمبراطورية الحمراء، وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية والمالية التي حتمت معاودة النظر في نظم دولية سارية المفعول.

لا يثار اسم روسيا بمعزل عن تطورات الأوضاع الداخلية في بلدان عربية، وفي كل مرة تواجه فيها أزمات واختناقات وانتفاضات تسرع ببصرها في اتجاه موسكو، علّها تقيها من سيف قرارات مجلس الأمن، كلما تعلق الأمر بمفهوم حماية المدنيين وفقدان الشرعية، كما لو أن التحالف مع موسكو يسمح بارتكاب الجرائم ضد الشعوب. ومن غير المفهوم ألا تلتقي مصالح هذه الدول وروسيا إلا في ظواهر من هذا النوع، مع امكان تلافي هذا الجرح، عبر الامتناع عن ممارسات وانتهاكات تجلب انتقادات المجتمع الدولي.

إذا كان الوضع الاعتباري لموسكو يؤهلها لأن ترفع صوتها في مجلس الأمن لتنقض أو تتحفظ أو توافق، فإن ذلك لا ينتصب مبرراً أمام دول تنتهك المواثيق والأعراف وتستمر في ذلك متدثرة بالعباءة الروسية التي انتزعت مخالب دبها الوديع.

وإنها لمفارقة تذكِّر بالتأويلات الساذجة التي صدرت عن العقيد معمر القذافي يومَ أراد الاستشهاد بمنطق استباحة القتل الجماعي، مقدماً أمثلة عما حدث في البرلمان السوفياتي وساحة تيان آن مين الصينية وإحدى المقاطعات الأميركية، فهو لم يجد ما يستند إليه غير نماذج انتقائية فاته أنها جلبت الكثير من المآخذ على أصحابها. والأكيد أن الروس غير معنيين بتقليب صفحات كتاب وضعوه في الخلف، تماماً كما تعايشوا مع انهيار نظريات الحروب الأيديولوجية، واستعاضوا عنها بالاقتراب أكثر من النادي الغربي، إلا في ما ندر من بقايا الفترة المنصرمة.

كان مطلوباً من البلدان العربية التي كانت أقرب إلى السياسات السوفياتية أن تعاود النظر في مواقعها ومواقفها، جراء انهيار المعسكر الشرقي. ولعل الرئيس الراحل صدام حسين كان أول من غفل عن هذه القاعدة، إذ تصور قبل اندلاع حرب الخليج الثانية، بعد تورطه في غزو الكويت، أنه يمكن أن يعتمد على اللاءات السوفياتية، متجاهلاً أن انسحاب قوات الكرملين من المستنقع الأفغاني كان بداية النهاية، وأن ما عجزت موسكو عن الاحتفاظ به ضمن مفهوم سابق لمراكز النفوذ، لا يمكن لأي دولة في حجم العراق أن تحققه في المياه الدافئة. لكن طارق عزيز، الذي يطلب اليوم تسريع إعدامه، كان أول من رسخ فكرة عدم إزعاج السيد الرئيس، إذ رفض تسلم رسالة وزير الخارجية الأميركي وقتذاك جيمس بيكر. وكم تبدو الصورة موغلة في الرعب حين يتساوى عدم إزعاج الحاكم بالحقائق كما هي على الأرض، مع تعريض حياة مئات الآلاف من العراقيين للقتل والأذى والتشريد.

ما بقي عالقاً من تلك التجربة، أن الوهم السوفياتي في خوض الحروب نيابة عن حلفائه العرب المفترضين سقط تباعاً، ومن لم يقنعهم ذلك في حالة العراق لم يتنبهوا إلى تكرار الحدث مع العقيد القذافي، والراجح أن السيناريو سيستنسخ في الأزمة السورية، ولو أن تشابه الاسم بين روسيا وسورية لا يعدو نتاج خلخلة الكلمات.

هي الوقائع نفسها تعاود إنتاج فرضيات لن تقود الى غير ما آلت إليه تطورات واستقراءات سابقة، فالاتحاد السوفياتي في ذروة نفوذه لم يقدم لحلفائه غير الكلاشنيكوف وأحلام المتخرجين من جامعة باتريس لومومبا، ولم يجد أي حرج في إقامة علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل التي زودها باليهود الشرقيين، فكيف لورثة النظرية الحمراء وقد استبدلوا تمثال لينين بسراويل الجينز ورقصات البوب، أن يفكروا بغير المصالح الروسية، التي كثيراً ما اقتاتت على وعود الغرب الرأسمالي؟

هذه المرة لم تحدث الانتفاضات العربية بدافع نكبات خارجية، يمكن البحث في وسائل استيعابها والرد عليها بحلول خارجية، أي تحالفات من خارج المنطقة. وحتى الذين يرفعون لواء التدخل في الشؤون الداخلية للدول يناقضون طروحاتهم، إذ يراهنون على نوع من التدخل الروسي الذي قد يتلوّن بأطياف المُدافع عن الشيطان. لكنّ الغريب، أنّ تجارب الروس لم تصل إلى أن يصبحوا ملوكاً أكثر من الملوك، فثمة معايير وحواجز تدرك موسكو أن القفز عليها محظور، وفي أقل تقدير لن يكون مفيداً، باستثناء استخدامه لحيازة مكاسب ما.

يزول الوهم الروسي ضمن معادلات دولية أكبر، لكن الأخطر أن هناك من يستبدله بوهم آخر اسمه اختراع الأضاليل وتصديق أن ما يحدث ليس انتفاضات شعبية، بل جماعات خارجة عن القانون. وأي قانون يضمن لهكذا جماعات أن تطل برؤوسها في كل مكان تتعرض في الأرض لزلزال تحت أقدام حكام لا يعيرون وزناً لمنطق التاريخ والعدل.

================

محنة رضوان زيادة.. مثالاً!

محمد أبو رمان

الغد الاردنية

نشر : 03/09/2011

قامت قوات الأمن باعتقال شقيق المعارض السوري رضوان زيادة، وبالطبع فالاعتقال يتجاوز كثيراً احتجاز الحرية إلى تعذيب همجي وإهانات وربما القتل، والإذلال الروحي والجسدي.

ليست هي المرة الأولى التي تعاني فيها عائلة زيادة، فمحنة هذا المثقف والمفكر الألمعي تمتد إلى السنوات الماضية، حين جاء إلى الأردن من سورية بعد السماح الأمني له بإحضار دواء والده، الذي كنا قد أمّنا له “إعفاءً” من الديوان الملكي، في مستشفى الجامعة الأردنية.

حينها جاء رضوان مع زوجته، وباتا في منزلنا لليلة واحدة، قبل أن يغادر إلى الولايات المتحدة الأميركية في منحة من إحدى الجامعات المعروفة للبحث العلمي والتدريس، وتوليت أنا إرسال الدواء لوالده المصاب بالسرطان، قبل أن يتوفى رحمه الله.

لم تنته محنة رضوان وأسرته بعد هروبه، فقد منعت السلطات السورية عائلته وشقيقاته من مغادرة سورية، وكذلك طاولت المعاناة والإهانات عائلة زوجته، وحاول رضوان رؤية عائلته مرات عدة، إذ يحضر إلى عمان من الولايات المتحدة، لكن السلطات السورية تمنعهم من مغادرة البلاد وتعيدهم من الحدود الأردنية- السورية.

توفي والده ولم يستطع أن يراه، وكان أشقاؤه يعانون يومياً في الدوائر الرسمية، لأنّ شقيقهم رضوان فقط معارض للنظام السوري!

بالطبع، رضوان مجرد نموذج واحد، وبرغم فظاعة ما حدث، ويحدث لأسرته، إلاّ أنّها لا تعدل شيئاً أمام مآسي عائلات أخرى، ولعل النظام الشيطاني هناك يدرك تماماً أن نقطة ضعف أي معارض أو ناشط هي أسرته، وهو ما حدث تماماً قبل أيام من اعتقال شقيق رضوان، إذ اعتقل أيضاً شقيق المعارض والمفكر السوري المعروف د. برهان غليون، وتم قنص وقتل شقيق المحامي والناشط السوري هيثم المناع.

كم هي المآسي الإنسانية وماذا يمكن أن يكتب عنها التاريخ غداً في مجلدات ومجلدات، وما هو السجل المشرف لهذا النظام الفاشي المنحط أخلاقياً وسياسياً.

المفكر والكاتب الكبير أكرم البني أمضى عشرين عاماً في السجون، وقد دخلها وابنته تبلغ عامين، وخرج منها وقد تخرجت من الجامعة، ولم تهنأ يوماً بالشعور بالأمن لجوار والدها، فهو لا يكاد يخرج حتى يدخل إلى المعتقلات هو وشقيقه المحامي المعروف أنور البني!

هذا فيض من غيض، إذ إنّ المأساة الأكبر هي للمعارضين والناشطين الذين يعيشون ويختبئون في سورية، إذ يتم استدراجهم وجلبهم عبر التنكيل بآبائهم وأمهاتهم وشقيقاتهم وأشقائهم حتى يسلموا أنفسهم، وهم يعلمون أن مصيرهم عذاب من الجحيم والانتقام، لكنه الخيار بين أن يفدي ذويه بروحه أو يقتل مرات عديدة وهو هارب لكنه يعلم أنه السبب في عذاب أسرته!

رغم أنّ رضوان زيادة باحث معروف بإنجازاته المعرفية، وقد حصل على جوائز دولية عن مجموعة من الدراسات المهمة التي قدمها في الفكر والفلسفة والسياسة، وهو صاحب الكتاب الوحيد المطول عن المفاوضات السورية- الإسرائيلية، وهو قامة علمية وفكرية، لا ينال منه تهكم صفيق، لكن ذلك كله يوضع في ميزان سيئاته لدى النخبة الحاكمة في دمشق، فهل هنالك في الكون جريمة أكبر من أن تكون معارضاً للنظام السوري؟!

================

اتجاهات المعارضة السورية ومساراتها

فايز سارة

الشرق الاوسط

4-9-2011

تشغل المعارضة السورية حيزا مهما في اهتمامات متابعي الأزمة السورية الراهنة، سواء في المستوى الداخلي أو في المستوى الخارجي، وأساس الاهتمام يعود إلى طبيعة المعارضة في قواها ومحتوى مواقفها وسياساتها، التي سوف تحدد مسارات السياسات السورية المقبلة، أو تساهم بها بصورة فعالة على الأقل، ذلك أن معارضة اليوم سوف ترسم صورة لسلطة الغد في ضوء التغييرات المقبلة، وهي تغييرات بات من المؤكد أنها آتية بغض النظر عن الوقت اللازم لمجيئها.

وتتشكل المعارضة السورية من ثلاث كتل أساسية، أولى هذه الكتل تمثلها الأحزاب والجماعات السياسية المعروفة، وأغلب هذه الجماعات موجود في سوريا، وقلة منها موجودة في المنفى، والكتلة الثانية تمثلها الشخصيات المستقلة، وهي شخصيات موزعة ما بين الداخل والخارج، وإن كان حضورها في الخارج تزايد في الآونة الأخيرة، والكتلة الثالثة من المعارضة السورية هي كتلة حديثة التشكل كما هو معروف، وأساسها الحراك الشعبي الراهن وما أفرزه من حركات وتعبيرات جديدة بينها التنسيقيات، وأغلب هذه التعبيرات موجود في الداخل السوري.

وبطبيعة الحال، فإن الكتلتين الأولى والثانية أكثر وضوحا وتنظيما بسبب تجربتهما الطويلة، واحتراف كثير من كادراتهما وغير ذلك بخلاف ما هو عليه الوضع في الكتلة الثالثة، التي توصف الآن بأنها الأكثر قوة وحيوية وحضورا في الحياة السورية، لكن حضورها أقل في الجانب السياسي من الحياة السورية.

وتندرج أغلب الجماعات السياسية في تحالفين أساسيين هما: هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، وإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وكل منهما يضم أحزابا متنوعة الاتجاهات بما فيها أحزاب قومية عربية ويسارية وأخرى كردية وجماعات إسلامية، كما يضم التحالفان شخصيات مستقلة ذات خلفيات يسارية وقومية وإسلامية وليبرالية من داخل سوريا وخارجها، ويمتد حضور التحالفين إلى عمق الجاليات العربية في الخارج، حيث لهما تكوينات تنظيمية خارج سوريا، تضم أعضاء في الأحزاب السورية المنضوية في إطار التحالف المعني، وشخصيات مستقلة من السوريين في الخارج.

ورغم وجود جماعات وشخصيات إسلامية في إطار التحالفين، فإن ثمة تعبيرات من الجماعات والشخصيات تنتمي إلى التيار الإسلامي غير موجودة في التحالفين، أو أنها كانت فيها وخرجت على نحو ما هو عليه حال جماعة الإخوان المسلمين الذين شاركوا في إعلان دمشق عند تأسيسه عام 2005، ثم غادروه ليشكلوا جبهة الخلاص في الخارج بالتحالف مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، وقد انفصلوا عنها في وقت لاحق، وهم اليوم خارج أي إطار تحالفي في وقت تبدو فيه الحاجة ملحة إلى انخراطهم مع ممثلي التيار الإسلامي الآخرين في واحد من التحالفين القائمين على غرار حال الأحزاب الكردية، أو قيامهم بتشكيل تحالف يمثل التيار الإسلامي في إطار حركة المعارضة السورية.

ورغم التنوعات التنظيمية للجماعات السياسية والشخصيات المستقلة في داخل وخارج سوريا، فإنها تكاد تتفق من الناحية السياسية في تحديد إطار سوريا المستقبل من حيث اجتماعها على سوريا ديمقراطية تعددية محكومة بالتداول على السلطة والعدالة والمساواة وحكم القانون واستقلاله، وهو إطار يمكن أن نقول إن ثمة توافقا سوريا واسعا عليه، وخاصة في أوساط الحراك الشعبي، وهو ما ظهر من وثائقه المعلنة حول الأزمة الراهنة وآفاق حلها ومعالجتها، الأمر الذي يؤكد أن المعارضة متوافقة داخليا من جهة ومع عمقها الشعبي حول أفق التغيير المرتقب في سوريا بخلاف ما يثار بأن المعارضة السورية مشتتة ومتصارعة، وصولا إلى القول بأنه ليس من توافقات سياسية بين أطراف المعارضة، وهو ما تنفيه الوقائع والمعطيات. غير أن التوافقات السياسية للمعارضة السورية لا تعني أن قوى المعارضة موحدة من الناحية التنظيمية، لكن القسم الأكبر منها موحد في تحالفي هيئة التنسيق وإعلان دمشق الكبيرين، بل إن تحالف الأحزاب الكردية موزع بالأصل بين الأخيرين، ولا يحتاج إلى تأكيد أن ثمة جهودا بذلت وأخرى تتواصل باتجاه تحقيق تفاهمات بين تحالفي المعارضة، هدفها رسم دور مشترك يتم القيام به، مساهمة في إخراج سوريا من أزمتها الراهنة، ووضعها على سكة التحول إلى الدولة الديمقراطية التعددية، وهو تحول ليست في معطياته فكرة قيادة موحدة وتنظيم واحد للمعارضة، التي عارضت، كما عارض الشارع السوري، فكرة سيطرة الحزب الواحد في الدولة والمجتمع.

=========================

حسَّان القطب: التغيير في سوريا له وقع إيجابي على لبنان

السبت 3 أيلول 2011

المصدر: موقع الاسلام اليوم

المشروع الإيراني الشيعي بالمنطقة العربية في طريقه للانهيار

حسَّان القطب: التغيير في سوريا له وقع إيجابي على لبنان

حوار/ سارة علي

مع اشتعال الثورة ضدّ النظام السوري برئاسة بشار الأسد، بات التأثير قويًا في المستقبل القريب على لبنان، إذا أنَّ التغيير في سوريا سيكون له وقع إيجابي مباشر على لبنان، فضلاً عن انهيار المشروع الإيراني لبناء "مثلث شيعي" في المنطقة العربيَّة، تكون قاعدته لبنان ورأسه سوريا، وبالتالي فإنَّ تأثير الربيع العربي على لبنان يكون الأكبر إذا ما سقط بشار الأسد.

حول مجمل هذه القضايا ومدى تفاقُم الوضع الأمنِي في سوريا ومع تزايُد الاحتجاجات والتظاهرات والمطالَبة الدولية بضرورة تنحِّي النظام الحاكم وتأثير ما يحدث على الخارِطة السياسية في لبنان ودور الحليف الإيراني في الإبقاء على الهلال الإيراني الممتَدّ من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان, كان هذا الحوار مع حسَّان القطب، مدير المركز اللبناني للأبحاث والدراسات في بيروت .

*برأيكم انعكاس الثورات العربية على الوَضْع في لبنان, وهل تَعْتَقِدون أنَّ الثورات يُمْكنُها أن تَطال دولاً أخرَى؟

إنَّ طبيعة الكيان اللبناني وتَعدُّدِيّته الطائفية والمذهبية والسياسية تجعله عُرْضةً للتأثُّر بكلِّ ما يجري في مُحِيطه العربي من تغيُّرات وتحوُّلات؛ فالطائفة الشيعية في لبنان اندفعت لتأييد النظام العراقي الجديد الذي تسلَّم السلطة عقب الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، وتجاهل هذا الفريق خطورةَ هذا الاحتلال وأهدافه، باعتبار أنَّ هذا الاحتلال سوف يُهيِّئ لتغيير واقع السلطة العراقية وانتقالها من حزب البعث العراقي إلى القوَى والمجموعات الشيعية العراقية، وهو الفريق عَيْنُه الذي يُدين ويَسْتَنْكِر كافة ما مارَسَه وارْتَكَبَه البَعْثُ العِراقِي وأَسَّس لهذا الأمر (لجنة اجتثاث البعث) من الحياة السياسية العراقية والمؤسسات الإدارية والحكومية، إلا أنه في سوريا يُؤيّد حزب البعث السوري ويتجاهَل ما يجري في سوريا من قمعٍ وقتلٍ وسجنٍ وتعذيبٍ.. فمواقف بعض القوى اللبنانية تكون نتيجة ارتِباطِها بمحاور إقليمية أو دولية ترَى في تطور حضورها وقوتها تعزيزًا ودعمًا لها، ولذلك فإنَّ المتغيرات في المنطقة العربية تترك أثرَها على الواقع اللبناني وحتّى على علاقة بعض القوى اللبنانية بالمكوّنات الأخرَى للكيان اللبناني.. ولكن يُمْكِنُ القول إن تغييرات حقيقية تَنعكس على الواقع اللبناني، وأهمها تَداعِي وانهيار حضور وقوّة الفريق الذي تَدعُمُه سوريا في لبنان وتزايُد ارتباط القوى المرتبطة بإيران؛ كونها الملاذ الأخير لدعم ومساندة هذا الفريق ماديًّا ومعنويًّا..

أمَّا موضوع انتقال الثورات من وطنٍ عربيٍّ إلى آخر فهي قَضِيّة مُخْتلَفٌ فيها؛ لأن أسباب الثورات العربية التي شاهدناها إلى اليوم في كلٍّ من تونس وليبيا وسوريا واليمن تكاد تكون مُتشابِهَة؛ فالمتظاهرون لا يَرفَعُون شعارات مَطْلَبيّة وخدماتية، رغم الواقع المعيشيِّ الصعب، ولكن يَرْفَعُون شعارات تُطالِب بالتحوُّل من الديكتاتورية ونظام الجمهوريات الملكية التي يَتوارَث فيها الأبناء سلطة الآباء باسم النظام الجمهوري، إلى نظامٍ ديمقراطيٍّ تعدُّدي وإطلاق الحريات الإعلامية والسياسية.. وسيناريو الثورات هذا قد يَنْتَقِل إلى كلِّ كيانٍ يعانِي شعبُه من واقعٍ مُشابِهٍ..

*الاحتجاجات المستمرّة في سوريا والمطالبة بتغيير وإسقاط الحكم في سوريا, ما هو السيناريو المتوقَّع للوضع السوري, خاصةً بعد الموقفين؛ الأمريكي والسعودي بخصوص الوضع المتفاقم في سوريا؟

الاحتجاجات الشعبية في سوريا التي تُنادِي بإسقاط النظام كانت في حَجْمِها وقُوّتها وصمودها مفاجأةً للجميع، والتراخِي الدولي والعربي في الالتفات إلى الواقع السوري المأساوِيِّ وحجم القمع الدمويِّ الذي تُمارِسُه السلطة الرسمية السورية بحقِّ شعبها، هذا التجاهُل لم يستمرَّ؛ نتيجة الحراك الشعبي السوري المتصاعد، والمواقف العربية المندِّدة والشاجِبة لهذه الممارسات بدأت تأخذ طريقها الصحيح، والمجتمع الدولي الذي كان سَبَّاقًا في إدانة الممارسات السورية قد بدَا بتطوير موقفِه الداعمِ للحراك الشعبي السوري ومطالبه بالتغيير السلمي والديمقراطي.. أمَّا الموقف الأمريكي وعلى غرار مَوْقِفه من الأزمة الليبية، فقد استفاد من تجربته في احتلال العراق فأصبح يتهيَّب التدخُّل المباشر في تفاصيل الأزمات والانتفاضات والثورات العربية؛ فهو يدفع باتِّجاه موقف عربيٍّ وتركيٍّ مُوحّد لمعالجة الوضع السوري والضغط بكل قوّة لتحقيق التغيير ومطالبة بشار الأسد بالتنحِّي عن السلطة، لذلك كان الموقف السعودي الذي طالَ انتظاره يحمل في طَيَّاته موقفًا صارمًا يؤكّد الرغبة في تحقيق التغيير في سوريا بإجماعٍ عربيٍّ ورغبة ورعاية دولية.. وتَشْبِيه رئيس وزراء تركيا أردوغان للوضع في سوريا بالوضع الليبيِّ قبل تدخُّل حلف الناتو، فيه تأكيدٌ على الرغبة الدولية في تأمين تحقيق مطالب الشعب السوري في التغيير ولو عن طريق القوَّة..

*هل تعتقدون أن الشعب اللبناني يتعاطف مع الموقف الشعبي السوري, أم أنه يؤيِّد الموقف الرسمي خاصةً وأن الحكومة اللبنانية تؤيِّد الموقف الحكومي السوري بوصفها حكومة شيعية؟

الانقسام اللبناني لا يَخْفَى على أحد وهو كما أسْلَفْنا نتيجة التعددية الطائفية والمذهبية في لبنان وشعور كل فريق بأنَّ قوَّته وحضوره السياسي إنَّما يستند إلى قوَّة هذه الدولة أو تلك.. ولكن معظم الشعب اللبناني مؤيِّد ومتعاطِفٌ مع رغبة الشعب السوري في التغيير، وقد عانَى الشعب اللبناني بكلِّ فئاته وطوائفه ومُكوّناته من الممارسات القمعية السورية خلال فترة الوصاية السورية على لبنان.. والقوَى المؤيدة لسوريا في لبنان مُرْبِكة وغير قادرة على حشد تأييد شعبي لدعم النظام السوري، بما في ذلك الحزبان الشيعيان؛ حزب الله وحركة أمل.

*إذا ما حدث تغيُّرٌ في سوريا, برأيكم كيف سيكون تأثير ذلك على الوضع في لبنان وهل سيَطْمَح الشعب اللبناني إلى إحداث تغيير مماثل؟

التغيير في سوريا سيكون له وقْعٌ إيجابي على الوضع اللبناني، فالقوَى المؤيِّدة لنظام سوريا الحالِي ستجد نفسها في وضع يَمنعُها من فرض شُرُوطها ووصايتها على السلطة اللبنانية وسيتوقّف تهريب السلاح والعتاد من سوريا إلى لبنان، مما يَفْرِض على هذه القوى إعادة النظر في مواقفها وسلوكها وأدائها وهذا ما لاحَظْنَاه في مواقف النائب الدُّرْزِي وليد جنبلاط الذي يَنْتقِل من ضفّة إلى ضفّة بحسب تطورات الأوضاع في المنطقة العربية وبالتحديد في سوريا، وحزب الله الداعم الأكبر لسوريا ونظامها سيكون عليه إعادة النظر في سلوكه وأدائه السياسي وبالتأكيد سوف تسقط هذه الحكومة التي جاءت بقرارٍ سوريٍّ وبتأثير ميليشيا حزب الله.. والشعب اللبناني يَتُوقُ لبناء دولة قويةٍ قادرةٍ على إدارة شؤونه والتخلُّص من سلاح وميليشيا قوَى الأمر الواقِع التي زَرَعَتْها سوريا ليبقى لبنان بؤرةَ صراعٍ وساحةً لتصفية الحسابات..

*مع تفاقم الوضع في سوريا ونزوح الكثير من السوريين إلى لبنان, ما هو مستقبل هؤلاء اللاجئين خاصة إذا ما طال الوضع الراهن في سوريا, وهل تتوقَّعون عودةً حاليةً لهؤلاء اللاجئين خاصةً وأنَّهم يُعانُون من نقصِ الخدمات المقدَّمة لهم في لبنان؟

اللاجئون السوريون في لبنان هم بين أهلهم وإخوانهم ومعظمُهم هو في ضيافة أقارب لهم من اللبنانيين، والجمعيات الأهلية اللبنانية تَقوم بكلِّ ما يلزم لرعاية شؤون هؤلاء الوافدين من سوريا إلى لبنان، أمَّا العودة إلى سوريا فهي رهن تبدُّل الأوضاع ووقف مسلسل القتل والاعتقال والتعذيب، وهناك الكثير من العائلات السورية التي لَجَأت إلى لبنان تقوم بالبحث عن عملٍ في القطاعات التي تُحْسِنُ العمل فيها..

*هل تعتقدون أنَّ الحليف القوَى لسوريا المتمثل بإيران سوف يكتفِي بالتفرُّج إذا ما حصل تغيير للحكم في سوريا، خاصةً وأنَّه سيَفْقِد أقوى حليفٍ له في المنطقة العربية؟

النظام الإيراني الذي سعَى ويسعَى لتشكيل محور ممتدٍّ من طهران وصولاً للبحر المتوسط عبر بغداد ودمشق وبيروت، يَشعُر بخطورة تفكُّك وانهيار مشروعه في حال سقَطَ النظام السوري، وهو يقدِّم كلَّ أشكال الدعم المادي والمعنوي لهذا النظام المتهالك، وكذلك حليفُه في لبنان حزب الله، ولكن النظام الإيراني يدرك أنَّه لا يستطيع خوض حربٍ دفاعًا عن النظام السوري، لذلك فهو يُساعِدُه على أمل إطالة أَمَدِ الأزمة السورية وتَعْمِيق جراح الأُمّة العربية، التي تُعاني من أزماتٍ في معظم دولها، والنظام الإيراني يشعر أنه مع كل أزمةٍ جديدةٍ في عالمنا العربي فإنّ كأس المواجهة المرّة بينه وبين المجتمع الدولي حول مَلفِّه النووي سوف يطول أمده..

*كيف تنظرون إلى قيام إيران بتوجيه أوامر إلى الحكومة العراقية الممثّلة بالمالكي بدفع مبالغ كبيرة لدعم الموقف السوري الحكومي لإحباط استمرار الاحتجاجات ولقمع التظاهرات في سوريا؟

من الطبيعي أن يقوم النظام الإيراني بالطلب من المالكي بدعم نظام سوريا للحفاظ على تماسُك وترابط الهلال الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، والمالكي الذي عاشَ فترةً في بيروت كمقاتلٍ في حركة أمل الشيعي إبَّان حرب المخيّمات التي شنّتها حركة أمل على الفلسطينيين في العِقد الثامن من القرن الماضي، يدرك ضرورة تَجاوُبه مع هذا الطلب لخدمة المشروع الآنف الذكر..

*هل تعتقد أنَّ الموقفين الصينيِّ والروسي المؤيّد للنظام الحاكم بسوريا سوف يتغيّر تحت الضغط الدولي, وهل يمكن أن يكون للمجتمع الدولي موقفًا أكثر حزمًا تجاه الحكومة السورية؟

الموقف الصيني والروسي هو موقفُ لا أخلاقي ويتناقض مع أبسط المبادئ الإنسانية، ولكن من خلال التجارب والأحداث السابقة، فإنَّ موقف هذين البلدين سوف يتحوَّل ويتبدَّل مع تطوُّر الأحداث، لحماية مصالحهما التجارية وتجاوبًا مع الموقف الدولي الذي بدأ بالتطوُّر لصالح الضغط باتِّجاه تحقيق التغيير في سوريا..

*يُصوّر البعض من المحللين أنَّ الاحتجاجات والتظاهرات في سوريا مُقْتَصِرة على أبناء المذهب السُّنّي من أبناء الشعب السوري, هل تعتقد أنَّ هذا الأمر صحيحٌ أم أنَّ كثيرًا من أبناء الشعب السوري من مذاهب وطوائف أخرىَ غير راغبين ببقاء نظام الحكم الحالي في سوريا ؟

الظُّلم غير مبرَّر وغير مقبول، والحركة الاحتجاجية الشعبية في سوريا تضمُّ مختلف مكونات المجتمع السوري، ومن يسعَى لتصوير الحركة الاحتجاجية على أنَّها حركة ذات لون واحد، فإنَّما يهدف لإخافة الأقليات الدينية والمذهبية من الطائفة السُّنّية وتحريضها على الالتفاف وتأييد النظام الحالي والمطالبة ببقائه. ولكن واقع الحال مختلف تمامًا؛ فعائلة الأسد وحاشيتها هي المستفيد الوحيد من هذا النظام والمطالبة بتحقيق التعددية السياسية والحزبية وإطلاق الحريات الإعلامية فيه مصلحة لكل الطوائف والمذاهب والكيانات السياسية دون استثناء وليس للطائفة السنية فقط.

*الشعب السوري- كما هو واضحٌ- مُصمِّم على التغيير, هل تعتقد أنَّ النظام الحاكم في سوريا سيَزيد من حجم القوة المستخدمة لقمع الشعب, أم أنَّه يمكن أن يَلْجَأ إلى سياسة التفاهُم؟

النظام السوري يعتبر أنَّ نهايته قد أزِفَتْ بمجرد قبوله بتطبيق الإصلاحات المطلوبة، لذلك فهو لا يملك سوَى الخيار الأمني والاندفاع أكثر فأكثر نحو المواجهة مع الشعب السوري ومحاولة إرهابه وإخضاعه، لذلك فإنَّ الحديث عن تفاهم أو محاولة تطبيق بعض الإصلاحات هو مجرَّد ذرّ للرماد في العيون، لذلك على الشعب السوري مواصلة كفاحه ونضاله وجهاده لتحقيق التغيير والانتقال إلى مجتمعٍ مدنيٍّ غير أمني وتحقيق التطور والاستقرار والنمو الاقتصادي المنشود..

*هل تعتقد أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية ستَدْفَع إلى اتِّخاذ خطوات مماثلة لِمَا حدَث في ليبيا أم أنَّ الأمر سيكون باتجاه آخر, وما هو برأيكم التوجُّه الذي يمكن أن تَلْجَأ إليه أمريكا في سوريا؟

الولايات المتحدة أعلنت وعلى لسان وزيرة خارجيتها مطالبتها السعودية وتركيا بتحمُّل مسؤولية الطلب من بشار الأسد التنحِّي، فهي تسعَى للنَّأْي بنفسها عن أيِّ تدخُّل مباشر في الساحة السورية مستفيدةً من تَجارُبِها السابقة في العراق وأفغانستان. وتُبْقِي لنفسها حركة الضغط في المحافل الدولية وبرّ مؤسساتها المالية على النظام السوري بتطبيق عقوبات مالية واقتصادية ودعوة المجتمع الدولي لملاقاتها في هذا الشأن والتعاون معها.. ولكنها كما يبدو سوف تكون مؤيدة وداعمة لأيِّ تحرُّك تقوده الدول المجاورة لسوريا وعلى رأسها تركيا برعاية عربية ودولية ..

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ