ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تاريخ النشر: الإثنين 05 سبتمبر
2011 الاتحاد د. عبدالله خليفة الشايجي .. وهكذا مضت تسعة أشهر على الحراك الثوري
العربي بعد أن صبغ هذا العام المميز
والمختلف الذي سيثبت التاريخ العربي
المعاصر أنه كان عام بداية تشكيل
وصياغة نظام عربي جديد. فقد غيّر هذا
العام كثيراً من المعطيات والكليشيهات
والمفاهيم عن العرب كانت سائدة لدى
الآخرين، والأهم لدى العرب أنفسهم عن
أنفسهم. والواقع أن الحراك الثوري يدعم
بعضه بعضاً، ويسانده الحماس الشعبي،
والزخم الإعلامي الذي يغطيه ويشكل
القوة الدافعة له. والراهن أن حصاد
الحراك الثوري العربي الأولي الذي
تعرض لموجات من المد والجزر، عاد بعد
سقوط القذافي ونظامه ليكتسب المزيد من
الدفع. بعد أن تعثر في بلدان الحراك
الثوري الأخرى وخاصة في سوريا واليمن. والحال أن حراك الثورات ومآلاتها وختامها
المرجو يأتي ضمن الاستحقاقات المهمة
التي سيقررها هذا الخريف الفاصل في
منطقتنا العربية، ولاشك أن من اللافت
أن نجاح الحراك الثوري العربي لم ينجح
في أن يحقق اختراقاً خارج شمال
إفريقيا، وخاصة أننا نلحظ أن الدول
الثلاث التي سقط رؤساؤها حتى الآن هي
دول متجاورة جغرافيّاً، من تونس، إلى
مصر، فليبيا، على رغم عدم حسم المشهد
الليبي بصفة نهائية كاملة بحكم بقاء
بعض فلول القذافي الذي يكابر في حالة
إنكار للواقع بزعمه الإصرار على
القتال ورفض الاستسلام. إلا أن
الاستحقاقات الدستورية والسياسية في
ليبيا، وقبلها في تونس ومصر، تمر الآن
في أحوال مخاض بانتظار انتخابات مجالس
تأسيسية وصياغة دساتير ومجالس
برلمانية منتخبة، بناءً على تعددية
حزبية دون إقصاء أو تهميش للقوى
السياسية والأقليات. والتحدي الأكبر أمام كل الأنظمة التي
انتفضت، وهي تنتظر تلك الاستحقاقات
المهمة، هو في كيفية التصالح مع شعوبها.
وكيفية الاستجابة للسقف العالي من
المطالب والإصلاحات ودعوات المحاسبة.
وكيف يمكن التعامل مع قوى التغيير التي
تبقى بلا قيادات واضحة، بل تبدو في
الصورة أساساً قوى شعبية ترفع تطلعات
شعبية متفاوتة تحركها مطالب الكرامة
والمسألة السياسية وفرص العمل والحلم
بغد أفضل، وضرورات ترتيب العلاقة مع
الجيران، ومع بقية العالم في الشرق
والغرب؟ لقد أصبح ميدان التحرير في القاهرة،
وساحات وميادين التحرير والشهداء في
تونس وطرابلس وصنعاء وغيرها، هي
المكان الذي يُبايع فيه الرؤساء الجدد
وأنظمتهم الصاعدة ليحصلوا على
الشرعية، أو ترفع فيه شعارات الاحتجاج
على وزراء وسياسات ومواقف غير مستساغة
أو غير شعبية قد تقررها الدول. وقد
رأينا تجليات ذلك في ميدان التحرير في
القاهرة وحصار السفارة الإسرائيلية
فيها، والمطالبة بطرد السفير
الإسرائيلي، وحتى إلغاء معاهدة كامب
ديفيد، وهو ما لا تريده المؤسسة
العسكرية الحاكمة في مصر. والتحدي
الحقيقي اليوم أمام تلك الأنظمة هو كيف
تحكم شعباً تمرد وشب عن الطوق وكسر
حاجز الرهبة والخوف؟ ثم كيف تدمج وتجمع
الأنظمة الجديدة، بمؤسساتها
الدستورية، الفئات المتصارعة وخاصة
القيادات والشخصيات والمسؤولين
السابقين في الأنظمة التي سقطت. لقد كتبنا في هذه المساحة مراراً أن
الثورات العربية لم تُسقط أي نظام عربي
بعد. ونكررها اليوم، ونذكّر بأن الحراك
الثوري العربي لم يسقط أي نظام عربي
بكل منظومته السياسية حتى الآن.
فالمؤسسة العسكرية لا تزال هي الجهة
التي تحكم في مصر وتشرف على واقع
البلاد وتخطط لمستقبلها بكل
استحقاقاتها. وبعض رموز النظام لا تزال
منهم من يحكم في تونس ويُشرف على
استحقاقات مستقبل النظام السياسي
البديل قيد التشكيل هناك. وفي ليبيا
يلاحظ أن بعض من عمل مع النظام السابق
هم من يدير دفة الدولة بدعم وغطاء عربي
وغربي مع رفع العقوبات والقيود وفك
الأرصدة المجمدة، حيث رفعت القيود عن 15
مليار دولار من أرصدة الدولة الليبية
في مؤتمر "أصدقاء ليبيا" الذي
عُقد في باريس الأسبوع الماضي، مع
التسابق الغربي، وخاصة من قبل شركات
النفط، للحصول على موطئ قدم في القطاع
النفطي الليبي الجذاب. وكل ذلك يتفاعل
مع بقاء التزام "الناتو" وعملياته
لحماية الشعب الليبي حتى بعد سقوط نظام
القذافي لأن بعض فلوله ما زالت تقاتل
في معركة حُسمت سلفاً فيما يكابر هو
ويرفض الإقرار بالواقع، مفضلاً العيش
في حالة إنكار للحقيقة الماثلة،
سادراً في أوهامه متجرعاً الذكرى
الثانية والأربعين لانقلابه في الفاتح
من سبتمبر 1969. وفي المجمل يبقى التحدي الحقيقي اليوم
على طريق الاستحقاق في الدول التي
أسقطت قادتها، وفي من تنتظر دورها، هو
ماذا تعلم القادة الجدد في دول الربيع
العربي من الدرس العراقي؟ فقد وقع
العراق في فخ الإلغاء عندما قام "بول
بريمر" الحاكم المدني الأميركي،
بإقصاء واجتثاث البعثيين، وحل الجيش
والقوات المسلحة، مما ترك فراغاً
أمنيّاً ساهم في مفاقمة وتردي الأوضاع
اللاحقة. واليوم يعترف الجميع، حتى
الطرف الأميركي، بأن ذلك القرار كان
أحد أسباب زيادة حدة العنف وعدم
الاستقرار وتأجيج الصراع الطائفي
والإرهاب الذي دفع العراق لسنوات
ثمناً باهظاً له. واليوم يظهر هذا
التحدي مجدداً في مصر وتونس وليبيا. هل
سيُجتث ويُلغي ويُهمش القادة الجدد
القيادات والنخب السياسية والعسكرية
والثقافية في الأنظمة البائدة؟ أم أنه
سيتم استيعاب الدرس العراقي ونتائج
الإلغاء والاجتثاث من قبل الأنظمة
الجديدة التي تبقى، بطريقة أو بأخرى،
امتداداً للأنظمة التي سقطت رؤوسها
وبقيت أجسادها؟ وفي المحصلة النهائية فإن طريقة
الاستجابة لتحديات هذه الاستحقاقات
المهمة، بكل ما تحمله من واقع وأمل
وبذور تفتيت، وحتى فشل، هي من سيقرر
واقع ومستقبل الحراك الثوري ومستقبل
الربيع العربي بصفة عامة، وسيعزز
بالتالي زخم وقوة دفعه، أو يطفئ وقود
الحراك الثوري العربي في الدول التي
أسقطت رؤوس الأنظمة وتلك التي لا تزال
ثوراتها تشتبك مع الأنظمة الرافضة
والمقاومة للتغيير وخاصة في سوريا
واليمن، وفي دول أخرى تنتظر حراكاً
ثوريّاً قد يتأخر أو لا يأتي، وكل ذلك
رهن بالاستحقاقات المنتظرة والمأمولة.
وفي كل الأحوال فإن نجاح تلك
الاستحقاقات مهم لمستقبل دول الحراك
الثوري، وبالتالي لواقع ومستقبل
النظام الإقليمي العربي البازغ، وإن
كان لا يزال قيد التشكل. ============= لابد من التغيير على
مستوى الوعي .. التحولات العربية
وشرط الثورة الثقافية محمد عزالدين الصندوق الاتحاد تاريخ النشر: الأحد 04 سبتمبر 2011 لا حاجة للتذكير بأن الحرية تفتح طريق
العمل للإنسان الواعي والمدرك لما
يريد لبناء حياته بالأسلوب الذي يراه.
وكذلك الحال بالنسبة للحرية
الاجتماعية التي تفتح الطريق للمجتمع
الواعي لبناء مؤسساته على أسس واقعية
صلبة توفر العيش الكريم للجميع.
والحرية لا قيمة لها إن لم تكن مقرونة
بالوعي الاجتماعي للمسؤولية. ومنذ
فتحنا عيوننا ودخلنا المدارس ونحن
ننشد للحرية التي لم نعرف عنها شيئاً
في الواقع، سوى حرية النظم في اختيار
ما تريد. أما المجتمع فإنه يعشق
الأدلجة التي أدركت النظم سِرها
لكونها من ذات المجتمع ولذا تم تخصيص
أجهزة الإعلام والكتب الدراسية لتُشبع
الشعب الموعظة الحسنة والمبادئ (أي
المبادئ الإيديولوجية للسلطة) التي لا
يُعلى عليها وليس هناك أقل من التضحية
في سبيلها. لقد كانت مجتمعاتنا مؤدلجة تتغلف بمبادئ
سامية وأهداف شاعرية وضمن فورة
التحولات يظهر البطل المنقذ الذي لم
يأتِ من فراغ بل لقد أفرزه المجتمع
ذاته. ومع التطبيق العملي نجد أن البطل
المنقذ لم يتم استيراده من مجرات أخرى
بل هو من الموروث الاجتماعي. وقد يُلام
البطل المنقذ على تصرفاته وتُقام ثورة
ضده من أجل الجياع والمحرومين ليتسلق
السلطة بطل مُنقذ آخر يكرر حكاية
البطولة ويأخذ الثمن من مجتمعه. أين الخلل؟ هل السلطة مَفسدة أم أن
المجتمع ذاته جعلها هكذا؟ أم أن مفهوم
الدولة المعاصرة أكبر من أن تستوعبه
هذه المجتمعات التي طحنها الزمن لقرون
بعيداً عن الثقافة والتكوين
الطبيعيين؟ إن المجتمعات العربية
والإسلامية على اختلافها تعاني منذ
قرون مديدة من ظاهرة الصراع الدموي بين
المجتمع والسلطة. علماً بأن كلاً منهما
من ذات البيئة الاجتماعية. لقد عاش العرب ثورات وتقلبات مختلفة منذ
صدر الإسلام. وكل ما كان يحدث هو تبديل
لحكم أو سلطة ويبقى النمط الفكري
السائد هو ذاته من دون تغيير، وتبقى
الأخطاء من دون حلول. ولذا لم تتمكن هذه
المجتمعات من إيجاد إصلاح فكري يطور
منظومة الحكم. وهكذا استمر الركود
الفكري والاجتماعي حتى يومنا هذا. لقد قادت الثورة الفرنسية على رغم
دمويتها ليس إلى إسقاط النظام فحسب بل
إلى محاكمة فكر ساد وكان هو السبب في
كثير من الكوارث وهكذا قادت الثورة
وبمراحل تجريبية مختلفة إلى حركات
فكرية وتنويرية في أوروبا. أما الثورة
لذاتها فلا تعني شيئاً أبداً. وفي المقابل فإن التحديث الفكري ودعواته
في مجتمعات الشرق الأوسط العربية
والإسلامية لا جذور اجتماعية له
ومرفوض من الأغلبية الاجتماعية. إنه
ليس أكثر من ترف فكري للنخبة المثقفة. ومن أبرز ما يدعى بتجارب التحديث التي
عرفتها المجتمعات الإسلامية في الشرق
الأوسط التي يقود التحديث فيها
المسلمون تجربة إيران وتركيا. فقد حاول
شاه إيران بناء دولة عصرية حسب تَصوره
ولكن بناءه كان سطحيّاً لم يصل إلى
جذور المجتمعات الإيرانية ولذا كانت
إزالته سهلة. وكذلك الحال مع أتاتورك
الذي حاول بناء دولة عصرية بحماية
العسكر ولكن هو الآخر كان بناؤه
سطحيّاً وقد لا تحتاج سوى عدة
كيلومترات خارج أي مدينة تركية كبيرة
أو تدخل الأزقة المظلمة لتجد الدولة
العثمانية ما تزال متربعة في أفكار
وحياة المجتمع التركي. إن ما كان من تقلبات اجتماعية خطرة عاشتها
هذه المجتمعات لا يقع فيما يدعى
علميّاً بالتجريب المعتمد في الدراسات
العلمية. لأنه ليست هناك أية استفادة
من التجارب السابقة، والسبب أن كل
الثورات تأتي مندفعة متعالية على ما
سبق وليست دَارسة ونَاقدة ومُحللة
لفترة مضت. إن البناء السطحي أو قشرة المعاصرة التي
تتغلف بها المجتمعات العربية
الإسلامية لا تعكس أبداً الواقع
الحقيقي للمجتمع. وعمق التراجع
الحضاري لا يمكن إزالته بالمكياج
المعاصر، ولابد أن يتهاوى ليظهر
الواقع المرير. ومنذ عام 2003 بعد سقوط النظام في بغداد
أخذت بعض الأنظمة العربية في التساقط
واحداً تلو الآخر. حيث سقط صدام وبن علي
ومبارك والقذافي. إن من سقط ليس إلا
رمزاً من رموز الفكر البالي الذي توسل
بالتحديث ليصطبغ به. لقد سقطت مرحلة
صغيرة من مراحل التخلف حاولت التحديث
السطحي. وسقطت جوانب تعارضت مع
المعاصرة ولكن لم يسقط الفكر المتراجع
بعد. وهذه هي المُشكلة الكبرى. إن من وقفوا ويقفون في أقفاص الاتهام
ليسوا فقط بأشخاص بل هم أيضاً نماذج.
نماذج خلقها المجتمع ذاته وضمن
تقاليده ومفاهيمه. لقد فعل أولئك
القادة ما فعلوه دون أن تكون هناك ردة
فعل جماعية أو نقد أو رفض جماعي وقتها.
ولذا فإن من وقف ويقف في قفص الاتهام هو
نماذج للتخلف العربي الإسلامي الذي
استمر قروناً. نماذج لموروث اجتماعي
عصي على التحديث. ولكن هل سيتمكن
المُجتمع المُنتفض من أن يُدرك أنه لا
يُحارب إلا فِكرهُ وتقاليدهُ؟ إن المأزق هو في الواقع مأزق مجتمعات لا
تستطيع أن تطور الفكر الاجتماعي من
خلال ثوراتها المتتابعة ولا يمكنها أن
تتطور وستبقى تعيش ثورات ناقصة ومشاكل
من دون حل. إن الموروث الاجتماعي
المتراجع والمتجذر أكثر عمقاً من
التحولات السطحية. ومن دون تحولات
فكرية اجتماعية وليست نخبوية لن تنجح
أية ثورة. ============= مسيحيو الشرق
والانتفاضات العربية محمد السمَّاك المستقبل 5-9-2011 يبدو مسيحيو الشرق في حيرة من أمرهم إزاء
الانتفاضات الثورية التي تجتاح العالم
العربي. وتنطلق هذه الحيرة من أمر
بوجهين متكاملين. الوجه الأول هو أن
هذه الانتفاضات تثور على الأنظمة
الاستبدادية العربية. وأنها تحاول
استعادة حقوق الإنسان العربي في
الحرية والكرامة والحقوق الإنسانية
العامة الأخرى، ومن بينها حق المشاركة
في صناعة القرار الوطني. ويعاني مسيحيو الشرق، كما يعاني مسلمو
الشرق، من استبداد هذه الأنظمة ومن
انتهاكاتها المتمادية لحقوقهم
الأساسية، ولذلك فإنهم لا يستطيعون من
حيث المبدأ إلا أن يكونوا ليس فقط الى
جانب هذه الانتفاضات الثورية، بل وفي
أساسها أيضاً. وثمة سوابق تاريخية ثلاث
مماثلة:الانتفاضة العربية ضد التتريك. الانتفاضة العربية ضد الاستعمار
الأوروبي (الفرنسي والبريطاني). الانتفاضة العربية ضد الاحتلال الصهيوني. لم يكن مسيحيو الشرق مجرد مشاركين في تلك
الانتفاضات، بل كانوا قياديين فيها
ولها. ولذلك فإنهم لا يستطيعون اليوم
إلا أن يكونوا جزءاً من الانتفاضات
الجديدة ضد الاستبداد الداخلي الذي
عانوا منه طويلاً كسائر المواطنين
العرب الآخرين. ومن أبرز علامات هذه
المعاناة الهجرة المسيحية من معظم دول
المنطقة. إن أهمية المشاركة الجامعة في هذه
الانتفاضات تؤكد أن الشعوب العربية
أخضعت للاستبداد ولم تخضع له، وأنها
بالتالي تمتلك الإرادة الذاتية للتخلص
منه، وأنها لا تعاني من قابلية الخضوع
للاستبداد. والمسيحيون هنا ليسوا
استثناء، بل إنهم بحكم ثقافتهم في أساس
هذه القاعدة. أما الوجه الثاني للحيرة المسيحية فإنه
ينطلق من عدم وجود بديل واضح أو حتى
مجرد تصور راجح لماهية النظام
الاستبدادي الذي ينتفض الناس للتخلص
منه. وتصل الحيرة الى حد القلق من
احتمال أن تشكل هذه الانتفاضات رافعة
لقوى إسلامية متطرفة للوصول الى
السلطة. إن لهذا القلق ما يبرره، بل إن
إنكاره هو تجاهل لحقيقة ساطعة. ولا
يكفي للمسلمين أن يقولوا للمسيحيين لا
تقلقوا حتى يتبدد القلق، بل لا بد من
عمل ما يساعد على إزالته. في الأساس فإن ما يجري في بعض العالم
العربي هو انتفاضات شعبية وليس
انقلابات عسكرية. فالانقلاب يأتي
بقيادة جاهزة، وببيان أول جاهز،
وبرؤيا للحكم جاهزة أو مجهزة. أما
الانتفاضة الثورية، فإنها ليست عملية
تغيير من فوق، إنها عملية اجتثاث لنظام
استبدادي من جذوره، وهي لا تملك
بطبيعتها لا قيادة ولا برنامج عمل. كل
ما تملكه هو الشعارات العامة بالحرية
والكرامة ومحاربة الاستبداد ومكافحة
الفساد. وبقدر ما يشكل هذا الواقع قوة
دفع لها، فإنه يشكل نقطة ضعف أيضاً. ذلك
أن التعميم في شعارات التغيير، وفي
المشاركة التي تتجاوز حدود الطوائف
والمذاهب والمناطق، يفتح الأبواب أمام
صيادي الفرص من مختلف التوجهات ومنهم
الإسلاميون المتطرفون أيضاً. من هنا
يجب تفهم طبيعة ومشروعية القلق
المسيحي في ضوء تجارب الأحداث
العدوانية التي عرفها العراق ومصر الى
حد ما - والتي شعر المسيحيون بأنهم
كانوا هدفاً لها. يضع هذا القلق، الذي وصل الى حد الخوف،
مسيحيي الشرق أمام أمرين أحلاهما مرّ؛
إما الوقوف الى جانب النظم
الاستبدادية التي عانوا منها كغيرهم
من المواطنين، وذلك على أساس أنهم
يعرفون حجم المعاناة وأنهم تآلفوا
معها؛ وإما مواجهة معاناة أشد قد تترتب
عن نظام التطرف الديني. فالتطرف هنا قد
يستهدفهم في عقيدتهم وفي حريتهم
الدينية. تؤسس هذه التخوفات لمنطق
يقودهم الى العمل بمعادلة قبول الضرر
الأقل لمنع وقوع الضرر الأكبر. وهو
منطق يبرر أو يشجع مسيحيي الشرق على
إخرج أنفسهم من دائرة المشاركة
الطبيعية في انتفاضات التغيير
العربية، للدخول في دائرة المشاركة
غير الطبيعية ولو غير المباشرة في
الدفاع عن الأنظمة الاستبدادية. يدرك مسيحيو الشرق بلا شك أن هذا المنطق
يتناقض مع الأدوار التاريخية التي
قاموا بها والتي ساهمت في بلورة
الشخصية العربية، وفي النهضة العربية
الحديثة، وفي حركات الاستقلال الوطني.
كما يدركون أنه يتناقض أساساً مع
طبائعهم الإنسانية، ومع المقومات
الحميمة لهويتهم الثقافية الدينية.
يعكس هذا الأمر بوجهيه صراعاً ذاتياً
في أعماق الشخصية المسيحية الشرقية.
وهو صراع يفرز كمّاً من علامات
الاستفهام الكبيرة التي لا تتوفر
إجابات جاهزة عليها. من علامات
الاستفهام هذه: ماذا إذا ربحت الأنظمة
الاستبدادية المعركة المصيرية التي
تخوضها للدفاع عن ذاتها؟ في هذا المجال
فإن الإسلاميين لن يكونوا وحدهم
ضحاياها. إن كل المواطنين مسلمين
ومسيحيين سيدفعون الثمن. وحتى إذا لانت
الأنظمة وعملت في ما بعد على استرضاء
الإسلاميين (وهناك سوابق عديدة عرفتها
مصر تحديداً في عهد الرئيس السابق أنور
السادات)، فإن المسيحيين سوف يكونوا
أولى ضحاياها. ومن علامات الاستفهام أيضاً: ماذا إذا
انتصرت الانتفاضات الشعبية على
الأنظمة الاستبدادية، وتجاوزت مرحلة
الاضطرابات المتوقعة التي تمر بها
حالياً، واستقرت على صيغة ما في السلطة
الجديدة؟ ماذا يكون موقف مسيحيي الشرق
منها إذا كانوا قد تخلوا عنها أثناء
الشدّة وساندوا السلطة الاستبدادية؟ لقد كان مسيحيو الشرق جزءاً أساسياً من
السلطات الوطنية في مصر وسوريا
والأردن ولبنان بعد التحرر من
الاستعمار لأنهم كانوا ضد الاستعمار..
فأي دور سيكون لهم بعد التحرر من
الاستبداد إذا لم يكونوا ضد
الاستبداد؟ ومن الأسئلة التي تعكس احتمالات واقعية
أكثر تعقيداً وخطورة السؤال التالي،
ماذا إذا تجاوبت الأنظمة مع دعوات
الإصلاح، وتخلت عن الاستبداد واحترمت
حقوق الناس وكراماتهم ؟ ماذا إذا انتهت
الانتفاضات الى إصلاح الأنظمة وليس
الى إسقاطها. أي مستقبل يكون للمسيحيين
الشرقيين في الوضع الجديد؟. فإذا كانوا
مع الأنظمة في معركتها ضد الانتفاضة،
فإن مصالحهم قد تصبح جزءاً من الثمن
الذي ستدفعه هذه الأنظمة لحركات
التغيير. وإذا لم يكونوا مع الأنظمة
ولا مع الانتفاضة، فإن تغييب حضورهم قد
يؤدي الى تغييب دورهم وتالياً الى
تغييب مصالحهم وربما الى تغييب حقوقهم
في عملية المساومة على تركيب الوضع
الجديد. من أجل ذلك من المهم إلقاء الضوء على
الأمور التالية: الأمر الأول هو أن مسيحيي الشرق الذين
عانوا طويلاً، ولا يزالون يعانون من
استبداد الأنظمة السياسية لا يستطيعون
إلا أن يكونوا في مقدمة الصفوف الداعية
الى الإصلاح والعاملة عليه. الأمر الثاني هو أن الأخلاق المسيحية،
والثقافة المسيحية والمصالح الوطنية
للمسيحيين تزيدهم التزاماً بالعمل على
مكافحة الاستبداد والفساد والظلم
وانتهاك الكرامة الإنسانية. الأمر الثالث هو أن الانتفاضات التي تعصف
بالعالم العربي ليست من وحي خارجي،
ولكنها استجابة لمعاناة داخلية.
والمسيحيون جزء من هذا الداخل العربي،
وجزء من هذه المعاناة، وبالتالي فهم
يستطيعون أن يكونوا جزءاً من القوة
الخلاصية ومن نور الأمل بغد أفضل. الأمر الرابع هو أن هذه الانتفاضات التي
لا تملك مشروعاً للمستقبل معرضة لأن
تستغل كمركبة لنقل أنواع متعددة من
الانتهازيين السياسيين والعقائديين
والإسلاميين المتطرفين الى السلطة.
وهو أمر تحتاج هذه الانتفاضات من أجل
التصدي له الى الاستقواء بمسيحيي
الشرق. أما سلبيتهم، أو حتى انكفاؤهم
فإنه يضعف هذه الانتفاضات ويعزز من
حظوظ القوى الانتهازية المتربصة. الأمر الخامس هو أن نجاح الانتفاضات
أولاً في التخلص من السلطات المستبدة،
وثانياً في قطع الطريق أمام
الانتهازيين من صيادي الفرص، لا بد أن
يتوّج بوضع عقد اجتماعي إسلامي مسيحي
عربي، يقيم الدولة الوطنية ويحترم
الحقوق الدينية ويرسي قواعد المساواة
في المواطنة. ============= يوم آخر من أيام
الانتفاضة السورية فواز حداد الدستور 5-9-2011 من بعيد، يبدو ما يجري في سوريا وكأنه
يراوح مكانه، فالمظاهرات لا تتوقف،
مثلما محاولات قمعها لا تتوقف، كلاهما
عقد العزم على عدم التراجع. وفي
استعراض لوقائع يوم ما، لا على
التعيين، من أيام الانتفاضة السورية
من شهر أغسطس (آب) الماضي يطلعنا على
العمليات القتالية التي يبذلها النظام
لوضع حد نهائي لها، ففي هذا اليوم:
عشرات من آليات نقل الجنود غادرت حماه
في الصباح ساحة
العاصي حيث يقع مبنى المحافظة في وسط
المدينة والتي كانت مسرح المظاهرات
باتت تحت السيطرة الكاملة للقوات
الحكومية مقتل
16 شخصا في مدينة حمص، وإصابة آخرين
بجروح، بعد أن قامت قوات الأمن بإطلاق
النار بشكل عشوائي في حي بابا عمرو
الجثث ملقاة في الشارع
الجرحى ممددون على الأرض لا يمكن
إسعافهم بسبب الاستمرار في إطلاق
النار أنهت
وحدات من الجيش السوري ظهرا خروجها من
مدينة إدلب وريفها
قتلت امرأة في بلدة تفتناز عندما
اقتحمتها 12 دبابة وعربة مصفحة وعشر
حافلات كبيرة محملة بالجنود
هجوم لقوات الأمن على بلدة سرمين
القريبة قتل
أربعة قرويين في بلدة بنش القريبة
في دير الزور، شوهدت الدبابات
وناقلات الجند المدرعة تجوب الشوارع
في أحياء الشيخ ياسين والجبيلة
والموظفين، مع استمرار سماع أصوات
إطلاق نار من رشاشات ثقيلة ودوي
انفجارات بدء
حملة اعتقالات في ريف دمشق وفتح النار
على كل من حاول الهرب.. لن نتابع نحو مائتي موقع ما بين مدينة
وقرية لاقت هذا المصير مرة، وربما
ستلاقيه أكثر من مرة، فالجيش الذي خرج
من حماه قد يعود إليها بعد أيام، ومثله
الجيش الذي أنهى عملياته في إدلب
وريفها قد يجددها بعد أسبوع، ناهيك عن
باقي المدن والأرياف السورية الذي
عادت إليها قوات الأمن والجيش السوري
بعد خروجهما بأيام قليلة. وبات من
الممكن تحديد أرقام ضحايا العنف،
فالمعدل الوسطي اليومي للشهداء يتراوح
بالعشرات، وهناك من الأهالي من يدفنون
أبناءهم القتلى سرا كي لا يتعرضوا
للأذى. الجرحى بالمئات أغلبهم يعالجون
في عيادات مرتجلة وفي الخفاء.
المعتقلون بالآلاف، تباشر قوات النظام
تعذيبهم منذ لحظة انتزاعهم من بيوتهم،
أو القبض عليهم في الشوارع، يشحنون
بالباصات، يضربون بالأيدي والأرجل قبل
وصولهم إلى مراكز التحقيق، ثم يفرج
عنهم بعد أيام أو أسابيع، أو يحتجزون
في المعتقلات، وقد يسلمون جثثا هامدة
عليها آثار التعذيب، وإذا لم يعودوا
اعتبروا من المفقودين. سوريا منذ قرر النظام المضي في الحل
الأمني تحولت إلى ساحات حرب معلنة من
طرف واحد، تقوم بها حملات مدججة بمختلف
صنوف الأسلحة قوامها الجيش ورجال
الأمن وما يدعى بالشبيحة، تطال
متظاهرين من الشبان والنساء والأطفال
العزل. في اليوم نفسه، حسب الأخبار، ما زالت
حملات التنديد بالنظام تتوالى من بلاد
العالم وعلى رأسها أميركا وتركيا
وبلدان أوروبا، البلدان العربية أخذت
بسحب سفرائها من دمشق للتشاور. العالم
الغربي بدأ يقوم بخطوات مماثلة، مع
التهديد بالعقوبات، بعضها بدأ بتنفيذه
وشمل رجالا من أعمدة النظام. تركيا
أعطت النظام أكثر من فرصة أخيرة ،
أميركا طالبت الرئيس السوري بالتنحي،
أوروبا تطالب بتضييق الخناق اقتصاديا
على النظام، لكن العالم ما زال يعول
على أن يقوم الرئيس بالإصلاحات
المنشودة. بعد أكثر من خمسة أشهر، لم يعد المتظاهرون
يرجون تحركا من المجتمع الدولي، ولا
يعولون عليه أو يهتمون بالتأييد
المعنوي أو يبالون بالتهديدات
اللفظية، العقوبات المجدية وغير
المجدية لا تحقن الدماء. ولهذا لم تخفت
حدة المظاهرات، وإن حافظت على سلميتها
وزخمها، ولم تتنازل عن مطلبها: الحرية. وإذا شئنا البقاء في اليوم نفسه، نلاحظ
تصريحا لمسؤول سوري كبير: سوريا ستكون
ديمقراطية حرة ومتعددة قبل نهاية
العام!! غاب عن المسؤول، وعلى الأغلب
تجاهل، أن نظامه مهما حسنت نواياه لا
يمنح الحرية لضحاياه، بل يسعى إلى كتم
أنفاسهم وكسر إرادتهم. هذا من أبجديات
الديكتاتورية: لا تعط المظلومين سلاحا
كي يحاربوك به. الحرية سلاح، من لا يعرف
هذا؟! وإذا عدنا إلى ما يجري الآن، فلن نلاحظ
متغيرات كثيرة، فالمظاهرات اتخذت
إيقاعا يوميا مكلفا وقاسيا، إيقاعا
يخشى أن يصبح مملا. لكن حملات القمع
الوحشية، التي أصبحت أكثر ضراوة
ودموية، شدت من عزائم المتظاهرين؛ لا
تهاون في الخروج، ولا تراجع عن السلمية.
غير أن المعجزة أصبحت في الاستمرار على
هذا النحو: لا سلاح، لا طائفية، يد
واحدة.. والاعتياد على فقدان الأصدقاء
والأبناء والأحفاد، بالموت أو
الاعتقال. ترى كم من الحقد يلزم النظام كي يستمر على
هذا الإصرار في القتل؟ وكم من الإيمان بعدالة قادمة تدفع
المتظاهرين إلى مواصلة المقاومة؟ درب الآلام السوري لا يزال طويلا. ============= منظمة عربية 'للشبيحة' و'البلطجية'
و'اللجان الثورية' د. جمال حضري القدس العربي 5-9-2011 لعل من أعظم
حسنات ثورات العرب الحالية اكتشافها
لطاقات بشرية هائلة، طاقات قيادية
توجه الثائرين، وطاقات فكرية تشرح
أبعاد حركاتهم وآفاقها وإنسانيتها
وعدالتها وسلميتها، وطاقات سياسية
تؤطر مراحلها وتنظم عناوينها وتستثمر
جهودها وتستقطب مؤيديها في مشارق
الأرض ومغاربها.كما كشفت مخزون
التضامن بين الشعوب العربية والذي
صورته تلك الرايات المرفوعة بين حشود
المتظاهرين في ميادين التحرر، فحتى
تلك الانتفاضات التي لم تتوج بالنصر
بعد تفرح وتبتهج لثورات أخرى هزت أركان
مفسديها وأطاحت برؤوس القهر والتسلط
في أوطانها. إن الألم الواحد الذي كان يسري في أوصال
أمة العرب كان الشعار الحقيقي لوحدتها
وكان التيار الحي الذي أيقظ قدراتها.وهو
ذات الألم الذي يستبشر كل عربي بزواله
على أي عضو من هذا الجسد المعذب
المحزون. لكن أعظم ما تكشفت عنه ثورة العرب على
الإطلاق، هو هذه الشريحة النادرة التي
تملأ الساحات والشوارع رهبة وخوفا
فليس كل ما أفرزته أنظمة التسلط
العربية هو الانحطاط والفساد والتخلف
فقط، بل إن هذه الشريحة 'المناضلة' التي
تسمى عند قوم شبيحة وعند آخرين بلطجية
أو بلاطجة وعند آخرين لجانا ثورية أو
ميليشيا حزبية، هي من أشد منتجات هذه
الأنظمة إثارة للإعجاب والاستغراب. فهي مثيرة للإعجاب، لأن أنظمة الفساد
أسلمتها في اللحظة الحاسمة مصيرها،
وعهدت إليها بالحفاظ على حياتها، مما
يعني أنها الشريحة التي تم تأهيلها
لتؤدي الدور الأكثر خطورة في حياة
الأنظمة أي لحظة الصدام الأخيرة مع
الشعب كله.وبهذا الاعتبار فإن 'إخواننا'
الشبيحة والبلاطجة واللجان الثورية قد
أعدوا على أعين الأنظمة وصنعوا لليوم
الأسود الذي كانت تتوقعه فأعدتها له.وحين
تسلمت هذه المخلوقات الجامحة زمام
الأمر تولت تدبيره بأقصى ما يرى المرء
من صرامة وجرأة وإقدام و'حيوانية' و'عدوانية'،
وبأقسى ما يتصور المرء من 'دموية' و'انتقام'
و'إزهاق للأرواح'.بل إن اللحظة الحاسمة
التي تعيشها الأنظمة المعمّرة، جعلت
هذه الشريحة الهائجة تستبيح كل محظور
فتغتصب الحرائر في بنغازي وتدك رؤوس
المحتجين بالحمير والجمال في القاهرة
وتمطر المعتصمين بالرصاص والقنابل في
ساحات صنعاء وتتلذذ بصيد الأطفال
والنساء في درعا.فلا شيء في معركة
الحسم التي أعدت لها هذه الشريحة يحد
حركتها أو يقيد أساليبها، بل إن
الأنظمة تبدو رهينة لسلوكاتها ولا تجد
بدا من تبرير أفعالها: -فهي منوط بها 'تطهير' صفوف الثائرين من
المندسين والمنتحلين لصفة الاحتجاج
البريئة الجميلة. -وهي مخولة بالقضاء على 'الخونة والمرتدين'
و'عملاء الناتو'. -وهي تقوم بواجب 'الحفاظ على استقرار
الوطن' وإخلاء الساحات من أجل 'تسهيل
حركة المرور'. -وهي تحفظ 'وحدة البلاد' من 'المخربين' و'الانفصاليين'
و'القاعدة'. كل هذه المهام الاستراتيجية موكولة في
الحقيقة ولحظة الجد لهذه الشريحة
لأنها دربت على اختراق صفوف الشعب
وتنظيماته وأحزابه وجمعياته ونواديه
ومقاهيه و...ولذلك فهي الأقدر على حبس
أنفاسه في عقر داره، قبل أن يرفع
عقيرته بكلمة أو اعتراض. ويحق للعالم أجمع أن يندهش لحسن التقدير
والتوقع عند الطغاة العرب، وكيف
تهيأوا لهذه المصائر بإعداد هذه
الجحافل من المنتفعين، لكن لا يحق لأحد
في هذا العالم أن يستنسخ التجربة ويعيد
الكرة، فلهذه الأنظمة حق الاختراع وحق
الانتفاع الحصري بما أبدعته. وعليه فإن
هذه التشكيلات تبقى على ذمة الأنظمة
العربية وحدها تحيا بها وحدها وتلقى
بها ربها وحدها.ونعيذ البشرية أن
تستنسخ كائنات لا ترعوي عن تدمير البلد
على من فيه أداء لولاء بني على الحرام
والفساد. كما أن هذا الإبداع الطغياني
أصبح جزءا من تاريخ الانتفاضات فلا
يمكن تسويق تجربته لأن ذاكرة الشعوب لا
تباع. وبالمقابل، تبدو الحاجة ماسة لأن تلتفت
جامعة العرب إلى هذا 'المكون الجديد'،
فكما أنشأت لشرائح مختلفة من المجتمع
العربي اتحادات ومنظمات وهيئات تلتقي
جميعا في مهمة توطيد علاقات العرب،
وإسناد جهودها في تحقيق 'حلم الوحدة
العربية'، أليس من باب أولى وهي ترى 'الوظيفة
المصيرية' التي تضطلع بها شريحة 'الشبيحة
والبلطجية واللجان الثورية' أن تنشئ
لها هيئة تكون في حد ذاتها اعترافا
بوجودها وتثمينا لدورها في تحقيق هذا 'الشعور
بالألم الواحد' من المشرق إلى المغرب،
فمن غيرها استطاع استخراج صوت
الجماهير الموجوعة في زمن واحد؟ ومن
غيرها استطاع حفر قبر واحد ممتد من 'سيدي
بوزيد والزنقة إلى صنعاء ودرعا'؟ ومن
غيرها أسال الدم الغزير الحار بكل
أريحية وسخاء في كل شوارع الثورات
فتوحد لون الأرض بعد أن توحد وجع
القلب؟ إن واجب الجامعة تاريخي في رعاية هؤلاء،
ولا عليها أن تمسح من هيئاتها كل تلك
التجمعات الورقية التي لم تسعف شعوبها
لحظة الحقيقة، وتلتفت للواقع على
الأرض فتفسح في مجالسها مجالا لهذه
الشريحة عزيزة الوجود ونادرة المثال
فهي الأقدر على توحيد العرب ولو
بالحديد والنار. ولا يسع كل مواطن عربي إلا أن يتوجه 'بالتقدير
والتحية' لحضرة ملك الملوك على 'لجانه
الثورية' التي أبدعت في زرع الخوف
وإشاعة الرهبة في صدور 'الخونة
والرجعيين'، وجعلت كل المواطنين
متحدين فعلا وقولا ويضرعون في وقت واحد
إلى الخالق أن ينجدهم ولو بحلف الناتو،
والشكر موصول لفخامة 'الزين' في مربطه
بجدة، على عبقرية الإنشاء والرعاية
والتكوين لميليشيا التجمع، التي لم
تتوان أيضا في تحقيق حلم الوحدة
العربية بأن جعلت الجسد المحروق شرارة
الانتفاضات وبأن خضبت شوارع تونس بدم
الشباب ما ألهب الملايين المصفدة خلف
أسوار الإعلام الكاذب والدعاية
المتلاعبة، ولا ننسى في غمار العيد
السعيد التهنئة لشيخ الطغاة في محبسيه
'الهرم' و'الشرم' على بطولاته في 'التحرير'
وكيف علّم 'الأولاد' أن يقولوا ل'بابا':
لا.فكان بلاطجته نعم المدربين ونعم
الشجعان من خلال بطولات 'الرفس' و'العفس'
و'الدهس'. والتحية ل'الأخ' الرئيس الذي
استثمر أخوته في اللحظة التاريخية
المناسبة، فأرسل 'الزبانية' عفوا فإن
لهم عنوانهم التجاري المحترم وهو 'البلاطجة'
الذين تفننوا ككل 'المخلصين' لأوطانهم
ومنعّميهم في توحيد لغة الثائرين على
قلب رجل واحد بعد جهود نبيلة من الحرق
والرمي والمداهمة.وأخيرا وليس آخرا،
أجزل الشكر وأكثره 'لراعي المقاومة' و'رمز
الممانعة' الذي أضاف إلى صفحات العز
البيضاء التي تؤرخ لعمر 'البعث' و'أفضاله'،
على ما أضافه للعرب من سمعة نادرة
المثال، فلا تشاوسيسكو ولا بينوشي
ينازعان سيادته اليوم على دقة التصويب
ومهارة القنص، كيف لا وحمزة الخطيب
شاهد بلا خصيم على بطولات 'الشبيحة' وهي
تنقي جموع المنتفضين من الدخلاء على
صفوفها، فكان أخطرهم ذاك الغلام
الحليم وتلك السيدة المضرجة في دماء 'غدرها'
و'اندساسها' بين جموع لا حق لها في
مشاركتهم 'عرس الغضب' و'أغنية الحداد'.
شكرا على الإبداع، شكرا على عبق
التاريخ المنبثق من الحارات الدمشقية
وهو يعطي بعدا آخر كان مخفيا ل'زعيم
الحارة' و'دبورها'. فهل يسع الجامعة العربية بعد كل هذه
البطولات والنضالات أن تبقي هذه
الشريحة خارج الاعتراف والترسيم؟
اللهم: لا. ' كاتب جزائري ============= خليل قطاطو القدس العربي 5-9-2011 يضرب النظام السوري بعرض الحائط كل
الانتقادات الموجهة له من قبل منظمات
حقوق الانسان ومجلس الامن وكذا
المواقف الرسمية الامريكية
والاوروبية، لم تلتفت الى النبرة
الحادة الصادرة من الجار التركي، ولا
تعترف باللجنة الوزارية المنبثقة من
اجتماع وزراء الخارجية العرب تحت مظلة
جامعة الدول العربية. يعتقد النظام ان العالم كله ضده لا لأنهم
خونة ومتآمرين عليه، لأنه ببساطة بؤرة
الممانعة والمقاومة، نعم الممانعة
لدعوات الحرية والديمقراطية
والاصلاح، ومقاومة كل صوت ينادي
بالعدالة والتحرر ومستقبل افضل. المراسيم الاسدية المتتالية تعد
بالاصلاح، ابتداء من رفع نظام
الطوارئ، ومرورا بقانون الانتخابات،
والاحزاب، والاعلام وكلها حبر على
ورق، ومن باب اسمع جعجعة ولا أرى طحنا،
بل ان طحن المتظاهرين في الشوارع يؤكد
نهج النظام في تصديق اكاذيبه التي لم
تنطل على احد غيره بوجود عصابات
ارهابية مسلحة هدفها الاخلال بأمن
البلد ووحدته الوطنية. الاحداث في سورية وصلت الى نقطة اللاعودة
للطرفين، النظام، والشعب الثائر، فلا
النظام مستعد للتخلي عن السلطة ولا
الشعب سيعود الى خوفه وصمته وذله.
تجاوز الشعب مرحلة المطالبة
بالاصلاحات لأن الدماء المراقة ليست
بلا ثمن، النظام الان غير قابل
للاصلاح، بل للتغيير الشامل والمحاسبة
لا يريد ان يسلم نفسه ليحاكم لانه يدري
ما اقترف. ويدري ما المصير. والخيار اما
الهروب اذا
ضاقت الدوائر عليه
او الاستمرار في قمع الشعب وهذا ما
يفعله الان. الشعب السوري مصمم على ان ثورته سلمية،
ولكن هل الثورة السلمية كافية للاطاحة
بنظام دموي مثل النظام السوري، وما هو
الثمن لثورة سلمية طويلة الامد، وهل
النتائج مضمونة؟ ما كانت الثورتين التونسية والمصرية
لتنجحا لولا انحياز الجيش لصالح
الجماهير، ويبدو هذا الخيار غير واقعي
في التجربة السورية لاعتبارات طائفية
معروفة في تركيبة الجيش او بالاخص
قياداته التي ينأى معظم المحللين على
الاقتراب منها خوفا من اثارة النعرات
الطائفية، ولكن السوريون يعرفون انها
حقيقة واقعة، ومرة. انشقاق بعض الجنود والضباط عن الجيش
السوري لا يغير المعادلة وميزان القوى
المائل لصالح المؤسسة العسكرية على
الشعب الأعزل المتسلح فقط بارادته
وشجاعته وتصميمه على اكمال المشوار
الذي بدأه رغم جسامة التضحيات. التجربة الليبية، بدأت سلمية، ولكنها
سرعان ما اصبحت عسكرية وما كان لها ان
تنجح لولا ضربات النيتو الموجعة لنظام
القذافي البائد. الولايات المتحدة
واوروبا غير راغبتين بالتدخل العسكري
في سورية لاسباب كثيرة منها المعارضة
الصينية والروسية، والفرق النفطي بين
ليبيا وسورية، ووقوف حزب الله وايران
بقوة الى جانب النظام السوري. حزب الله اخطأ خطاً استراتيجيا جسيما
بوقوفه الى جانب طغيان النظام مراهنا
على ان النظام باق وانه سيستطيع قمع
هذه الثورة ولو بعد حين ما فات في
حسابات حزب الله ان الثورة السلمية قد
تنقلب الى مسلحة او شبه مسلحة مما يغير
ميزان القوى لصالح زخم الجماهير
الثائرة. الثورة السورية مازالت تقتصر على
المظاهرات والهتافات والتغني
بالشعارات الثورية. ما زال امامها
ابواب لم تطرق مثل الاضرابات وشل
الحياة اليومية في البلاد،
والاعتصامات المستمرة، والعصيان
الممد في الواسع، واغلاق الطرق، او
الانتقال الى مرحلة متقدمة مثلما فعل
التوانسة والمصريون من رشق الحجارة
وحرق الاطارات، واحتلال مبان الحزب
الحاكم والسجون ومراكز الشرطة. الزخم
الجماهيري قادر على خطوات كهذه اذا
خرجت الجماهير بالملايين بدل عشرات
الالوف لارهاق قوى الأمن في كافة انحاء
البلاد مما يؤدي الى انهيارها. الثورة المسلحة لا تعني بالضرورة حرباً
أهلية او طائفية او فوضى عارمة أو حرب
شوارع، ولكنها قد تكون شبه مسلحة يشارك
فيها المنشقون عن الجيش، والمواطنون
العاديون بأسلحة فردية دفاعاً عن
النفس أمام عصابات الشبيحة الذين
يعيشون فساداً في البلاد. عصابات الأمن
والجيش والشبيحة المسلحة يقتلون
ويعذبون وينكلون لانهم لا يرون امامهم
اي مقاومة، ولو ووجهوا المقاومة ولو
حتى رمزية فيحسبون الف حساب قبل
اندفاعهم لاداء مهماتهم الاجرامية،
فالخوف طبيعة انسانية قد تكبح جماح
التغطرس والبطش ولو بصورة جزئية. عندما تقوى شوكة الثورة، سيشجع هذا
المئات بل ربما الآلاف من أفراد الجيش
للتمرد والانضمام الى الشعب مما سيغير
بالتدريج ميزان القوى وانهيار النظام
سيكون نتيجة حتمية. النظام السوري لن يتنازل عن السلطة طوعاً
امام ثورة سلمية وأن طالت، لسنا هنا
بمقام تثبيط عزائم الثوار، ولكن
الواقع الذي لا مفر منه لمواجهته
بأساليب مبتكرة للوصول الى الغايات
والأهداف. لا الانتقادات، ولا
التنديدات العربية والعالمية ستجبر
نظاماً كالنظام السوري على الرضوخ
لمطالب الجماهير، ولا الخطابات
التركية النارية ستغير شيئاً من
الواقع. الحصار والعقوبات الاقتصادية لم تغير
انظمة صدام والبشير والقذافي لأنها
تضر بالشعوب اكثر من حكامها، تجميد
الارصدة قد يفيد جزئياً، ولكن الارصدة
السرية الطليقة كافية حتى تستمر
الانظمة الفاسدة في ادارة الصراع. ثوار سورية قادرون على الاطاحة بهذا
النظام الدموي، ولكن اما آن لهم ان
يعيدوا حساباتهم، ويغيروا
استراتيجيتهم بعد مرور عدة أشهر من نفس
التكتيك الذي لم يؤت ثماره. سياسة
غاندي في الثورة السلمية نجحت في
النهاية ولكن كم من السنين لزم لها. ============= اللهم نجّ الإنتفاضة من
أصدقائها! صبحي حديدي 2011-09-04 القدس العربي يُنسب إلى
الفيلسوف الفرنسي فولتير (والبعض
يرجّح الماريشال الفرنسي كلود دو
فيلار) هذا الدعاء الرهيب: 'اللهم نجّني
من أصدقائي، أمّا أعدائي فإنني كفيل
بهم'؛ الذي يرفع الخشية من الأصدقاء،
في هذا أو ذاك من أنماط الغدر أو
الخيانة أو الإنقلاب على روح الصداقة،
إلى مستوى أشدّ وطأة من ذاك الذي
ينتظره المرء، عادة، من أعدائه. وفي
الطور الراهن من مساراتها الظافرة،
المضمخة أكثر فأكثر بدماء الشهداء
الزكية وتضحيات السوريين الغالية،
لعلّ الإنتفاضة السورية بحاجة إلى
اتقاء شرّ أصدقائها، لأنها ببساطة
تكفّلت وما تزال تتكفّل بأعدائها:
النظام، بطغمته الضيقة وأجهزته وعسكره
وشبّيحته، في الداخل؛ وحلفاء النظام،
على اختلاف راياتهم 'الممانِعة' و'المقاوِمة'،
أو ما يذرفونه من دموع كاذبة على 'قلب
العروبة النابض'، في الخارج. أوّل هؤلاء 'الأصدقاء' هم سدنة ما يُسمّى ب'المجتمع
الدولي'، من أمثال الرئيس الأمريكي
باراك أوباما، والرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني
دافيد كاميرون، والمستشارة الألمانية
أنغيلا ميركل... هؤلاء، ومَنْ شغلوا
مناصبهم ذاتها طيلة 41 سنة سابقة، كانوا
في طليعة مساندي نظام 'الحركة
التصحيحية' منذ انقلاب حافظ الأسد سنة
1970، بما في ذلك توريث بشار الأسد سنة 2000،
وعلى امتداد محطات كثيرة ومنعطفات
كبرى في تاريخ المنطقة المعاصر: من
اتفاقية سعسع، 1974؛ إلى التدخل العسكري
في لبنان، 1976؛ إلى الحرب ضدّ الحركة
الوطنية اللبنانية والمقاومة
الفلسطينية، وحصار المخيمات،
والإجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982،
ومجزرة تلّ الزعتر؛ وصولاً إلى
الإنضواء تحت الراية العسكرية
الأمريكية في تحالف 'حفر الباطن'،
والمشاركة في مؤتمر مدريد، والمفاوضات
مع إسرائيل سرّاً أو علانية، في
شبردزتاون وكامب دافيد وعمّان وأنقرة... أسلاف سدنة 'المجتمع الدولي' هؤلاء سكتوا
عن عشرات المجازر التي ارتكبها النظام
السوري، في حماة وتدمر وحلب وجسر
الشغور ودير الزور واللاذقية وحمص،
وسقط خلالها عشرات الآلاف من
الأبرياء، خلال سنوات 1979
1982؛ بل تعاقدوا على تشجيعها ضمناً
لأنّ التفكير الذرائعي كان يبرّرها
على هذا النحو: معركة ضدّ الإسلاميين
يخوضها نظام دكتاتوري إستبدادي فاسد،
يقصف المدن ويسفك الدماء ويحرق الأرض،
ولكنه 'علماني' و'مستقرّ' و'مرن'؛ وأرضه
تحتلها إسرائيل، ولكنّ خطوط الإحتلال
صامتة خرساء آمنة؛ ويبسط نفوذه على
كامل الأراضي اللبنانية، وهو خطّ
إمداد 'حزب الله' بالسلاح الإيراني،
ولكنه في نهاية النهار يقوم بمهامّنا
هناك، ويلبّي حاجات حلفائنا، على أحسن
وجه، وبأفضل ممّا نستطيع نحن! جليّ أنّ ضغط الرأي العام الشعبي في هذه
البلدان خاصة
بعد افتضاح ممارسات النظام الوحشية
ضدّ الحراك الشعبي الأعزل والسلمي،
وانتقال النظام إلى الخيارات القصوى
في محاولة قمع الإنتفاضة
هو الذي أخذ يجبر حكوماتها على
اتخاذ هذا الموقف أو ذاك من النظام
السوري، واعتماد عقوبات ذات تأثير
محدود أو منعدم أو شكلاني محض. ضغط شعبي
مماثل، في الشارع العربي، أجبر بعض
الحكومات العربية على إعلان مواقف
خجولة، طافحة بنفاق الحثّ على 'حقن
الدماء'، على نحو يضع الضحية والجلاّد
في مصافّ متساوية؛ وهؤلاء هم النمط
الثاني من 'أصدقاء' الإنتفاضة السورية،
أعداء الديمقراطية في بلدانهم، وكارهي
الحرّية في كلّ زمان ومكان. نمط ثالث، لا يستحقّ سوى إشارة عابرة،
يمثّله أناس من أمثال الفرنسي برنار
هنري ليفي، الذي يدّعي معاداة
النظام، ولكنه لا يقوم عملياً إلا
بخدمة أغراض النظام؛ أو الأمريكي
جوشوا لانديس، الذي يستحي من ادعاء
صداقة النظام، ولكنه يكمل وظيفة ليفي.
الأذى الذي يُلحقه هؤلاء 'الأصدقاء'
بالإنتفاضة لا يقتصر على مواقفهم
وكتاباتهم، فهذه أمرها يهون، وكشفها
لا يحتاج إلى كبير عناء؛ بل يمتدّ إلى
تصنيع أذى أبعد أثراً حين يقع في
حبائلهم أناس يحتسبون أنفسهم على
المعارضة، أو يزعمون الإشفاق على
سورية من أخطار الحرب الطائفية
والتفكك وهيمنة الإسلام الأصولي
المتشدد. والمصيبة أنّ هذه الفئات
تمتشق الحسام دون إبطاء، ليس لقتال
النظام كما ينتظر المرء ويقتضي
المنطق، بل للإجهاز على مخالفيهم في
الرأي، نيابة عن ناصبي الحبائل؛ وليس
بصدد أية إشكالية تخصّ الإنتفاضة، بل
دفاعاً عن... الحبائل، إياها! نمط رابع ينتمي إلى البيت السوري، أيضاً،
ويضمّ رجال دين دجّالين من كلّ الأديان
والطوائف والمذاهب، ومافيات تجّار
مصّاصي دماء، وقادة أحزاب سياسية
متحالفة مع النظام، و'مستقلين' ليسوا
في نهاية المطاف سوى شهود زور،
ومستحاثات تصنّف ذاتها في 'تيارات'
قومية أو تقدّمية أو علمانية أو
ليبرالية أو إسلامية... هؤلاء، كما
أبواق النظام بالضبط، يعلنون إيمانهم
بمشروعية 'الإصلاح' من جهة، شريطة أن
يكون المُصْلِح الوحيد المخوّل هو
بشار الأسد، من جهة ثانية؛ ولا نعدم في
صفوفهم أناساً كانوا، حتى عهد قريب،
على مسافة متساوية من الشعب والنظام؛
أو سجيناً سياسياً سابقاً، كان ذات يوم
ماركسياً لينينياً
وقائداً لحزب عريق مناضل، يعلن اليوم
إيمانه بوجود 'مندسين' و'عصابات مسلّحة'!
بهذا فإنّ خشية فولتير تصبح غير كافية
للوقاية من أذى هذا النمط الأخير،
فيتوجب أن يلهج المرء بدعاء آخر: اللهم
نجّ الإنتفاضة من بعض زاعمي قيادتها،
ومزيّفي تمثيلها، وغاصبي صوتها! ============= استراتيجيات قديمة في
شرق يتجدد... الإثنين, 05 سبتمبر 2011 جورج سمعان الحياة حتى أشهر خلت، قبل الربيع العربي، كانت
القوى الإقليمية الكبرى في الجوار،
إسرائيل وإيران وتركيا، المستفيد
الأكبر من ضعف العالم العربي وتفككه
وتشرذمه وعجز جامعته. كانت
استراتيجياتها تقوم على التنافس لملء
الفراغ الذي خلّفه ويخلّفه الغياب
والسبات العربيان. تبدلت الحال.
التحديات التي طرحتها الثورات في تونس
ومصر وليبيا واليمن وسورية والحراك في
أكثر من مجتمع عربي، تحتم على هذه
الدول استعجال إعادة النظر في
سياساتها، وانتهاج أساليب وأدوات
جديدة لمواكبة الصورة الجديدة للمنطقة. كان في صلب الاستراتيجية الاسرائيلية أن
يبقى العالم العربي ومن خلفه العالم
الاسلامي مقسوماً حيالها. وحققت لها
العلاقات الوثيقة مع أنقرة طوال عقود،
ثم معاهدة كمب ديفيد مع مصر فاتفاق
وادي عربة مع الأردن الهدف الأساس.
تحقق لها نوع من الاطمئنان، وتوازن قوى
على حدودها الغربية والشرقية. وعرفت
كيف توظف هذه المكاسب العسكرية
والأمنية في السياسة. أتاح لها هذا
الوضع هامشاً واسعاً من الحرية،
والمماطلة والتهرب من كل المحاولات
التي بذلتها الولايات المتحدة وأوروبا
لتسوية القضية الفلسطينية. لكن أحداث الشهور الماضية وجهت ضربة إلى
هذه الاستراتيجية. فالسلام مع الأردن
فاتر حتى البرودة لاعتبارات فلسطينية،
وأردنية لها علاقة بالعاصفة التي
تجتاح المنطقة عموماً وما تشهده
الساحة الأردنية نفسها من حراك لم يصل
إلى حد الثورة كما في بلدان أخرى.
والعلاقة مع مصر تشهد توتراً لا سابق
له. فما كان يتغاضى عنه نظام الرئيس
حسني مبارك من ممارسات إسرائيلية،
لاعتبارات تتعلق بالمساعدات
الأميركية، وبالعلاقة مع «الإخوان»
وحركة «حماس»، لم يعد في مقدور المجلس
العسكري والحكومة الانتقالية أن
يتغاضيا عنه. والتحركات التي شهدتها
القاهرة إثر سقوط عدد من الجنود
المصريين برصاص الجيش الإسرائيلي خير
معبّر عن هذا التبدل في المواقف، وإن
لم يرق الأمر إلى تجميد العمل بمعاهدة
السلام كما يطالب بعض القوى. لم تعد
المواقف والتصريحات التي تدين إسرائيل
مجرد «بضاعة» لإرضاء الداخل في
القاهرة وعمان كما كان الأمر سابقاً.
لم يعد ممكناً صمّ الآذان عن صوت «شباب»
الساحات والشوارع وقواهم وأحزابهم. تبدل المشهد. وإذا تكررت عملية إيلات
مثلاً، وربما علميات أخرى عبر الحدود
الإسرائيلية، فإن هذا يعني أن الدولة
العبرية أمام معضلة أمنية كبيرة. حاولت
حكومة نتانياهو وتحاول استغلال الضجة
التي قامت في القاهرة ولم تقعد بعد
مقتل العسكريين على الحدود لتهدئة «حراك
الخيام» الذي لم يهدأ، وطي صفحة الصراع
المحتدم بين النخب العسكرية والسياسية
على موازنات الدفاع وبناء المستوطنات
وما يناله أصحابها من امتيازات تحرم
منها بقية العامة. وستحاول استغلال «انتصارها»
في ملف «اسطول الحرية» على تركيا. لكن
كل ما قد تحققه هذه الحكومة من مكاسب
آنية، ستدفع الدولة العبرية ثمنه
غالياً على المستوى الاستراتيجي. كلا التطورين المصري والتركي لا بد من أن
يدفع المؤسسة العسكرية إلى إعادة
النظر في الاستراتيجية الأمنية برمتها.
لم تعد مصر، ولم تعد تركيا على الحياد.
أنقرة طردت السفير الإسرائيلي وتستعد
لمعركة قضائية كبيرة وشاقة لفك الحصار
عن غزة. لعل ما قصرت عنه «أساطيل الحرية»
تستطيعه القوانين الدولية التي يبدو
أن «تقرير بالمر» لم يأخذ بها بقدر ما
أخذ بالموقف السياسي لتل أبيب. فضلاً
عن أن ما خلّفه ويخلّفه الربيع العربي
من تغييرات تطاول الشرق الأوسط ومجمل
المصالح والعلاقات المتشابكة التي
أصبحت من الماضي، مع الأنظمة التي ولت
وتلك التي في ركابها، تستدعي إعادة
النظر هذه أيضاً. أما تركيا الغاضبة هذه الأيام من بعد «تقرير
بالمر»، فيمكنها أن تزعم أن سياستها «صفر
مشاكل» التي روج لها وزير الخارجية
أحمد داود أوغلو، لا تشمل إسرائيل.
ويمكن أن تؤدي مواجهتها مع تل أبيب إلى
رفع شعبية رئيس الوزراء رجب طيب
أردوغان في العالمين العربي والإسلامي.
علماً أن انقرة لم تقطع علاقاتها مع تل
أبيب منذ الهجوم على السفينة «مرمرة»
قبل نحو سنة ونصف سنة. كل ما كانت تريده
هو اعتذار رسمي إسرائيلي. ومعروف أن
حكومة أردوغان ساهمت في لفتة لافتة في
حينه، في إطفاء الحرائق التي اشتعلت في
الكرمل قبل نحو سنة. وكان مقدراً لهذه
اللفتة أن تعيد شيئاً من الدفء إلى
العلاقات الثنائية. سياسة «صفر مشاكل» لم تنفع مع إسرائيل
إذاً. وتكاد مشاكل تركيا مع جيرانها في
المنطقة تُسقط كل ما بنته
الديبلوماسية التركية بدأب طوال
السنوات التسع المنصرمة. فالعلاقة مع
سورية في أدنى درجاتها، وهي مرشحة
لمزيد من التوتر. ومثلها العلاقة مع
إيران التي تقف في مواجهة الضغوط التي
تمارسها أنقرة على حليفها الدمشقي. وهي
مرشحة لمزيد في ضوء استقبال تركيا نظام
الإنذار المبكر لبرنامج الدرع
الصاروخية التابعة لحلف شمال الأطلسي.
وهي درع موجهة أساساً لاعتراض
الصواريخ الإيرانية. وكان «الناتو»
وافق على هذا النظام قبل أشهر في قمة
برشلونة. وإذا كان نشر هذا النظام يعيد
الاعتبار الاستراتيجي إلى تركيا عضواً
أساسياً في الحلف وفي خططه ونظمه، فإنه
يثير حفيظة جارها الروسي الذي طالما
اعتبر أن من أهداف الدرع مواجهة إحكام
الطوق عليه. ولا يسقط من ذاكرة موسكو
الدور الكبير الذي لعبته تركيا ايام
الحرب الباردة، يوم كانت تشكل السد في
مواجهة تمدد المعسكر الاشتراكي جنوباً
نحو المياه الدافئة. ولا يخفى أن تركيا تبدي حرصاً يوازي الحرص
الأميركي وغير الأميركي على الاستقرار
في العراق. وهذا ما لا توفره الساحة
العراقية هذه الأيام. بل تنظر دوائر
غربية وعربية وتركية إلى أعمال العنف
المتجددة بريبة، وتشير إلى أن أصابع «قوى
الممانعة» ليست بعيدة عن إدارة العنف
في هذا البلد... بعد كل هذه «المشاكل»،
ألا تبدو سياسة «صفر مشاكل» سياسة
طوباوية لم تعد تجدي في توفير المصالح
المتوخاة، سياسياً وعسكرياً وأمنياً،
واقتصادياً قبل كل شيء؟ لم تربح أنقرة
معركة «مرمرة» دولياً. ولا يبدو أنها
تقترب من كسب المعركة مع الشعب السوري
الذي انحازت إليه في مواجهة النظام. أما إيران التي كانت في العقد الأخير
المستفيد الأكبر من السياسة الأميركية
التي نهجها المحافظون الجدد، فتحاول
جاهدة ألا تكون الخاسر الأكبر في
العاصفة العاتية التي تجتاح المنطقة.
قد تبدو حالها أفضل من تركيا وإسرائيل
في هذه الأيام. لكن مستقبل الوضع في
سورية لن يكون كما تشتهي أياً كانت
نتائج المواجهة المفتوحة بين النظام
وخصومه. ولا تخفي طهران توترها مما
يجري في المدن السورية... ومما يجري في
المحافل الدولية، أميركياً
وأوروبياً، من محاولات عزل للنظام في
دمشق. كما قد لا يروقها ما قد يتعرض له
حلفاؤها في الحكومة اللبنانية، سواء
في مجال المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال
رفيق الحريري، أو في مجال التلويح بهز
الاقتصاد اللبناني ومؤسساته المصرفية
والاقتصادية إذا ما واصلت حكومته «سياستها
السورية والإيرانية»، في الداخل
والخارج. ولم تخف إيران غضبها من نشر نظام الإنذار
المبكر لبرنامج الدرع الصاروخية في
الأراضي التركية، وهددت بالويل
والثبور. وهو ما يفاقم في توتير
العلاقة بين البلدين ويهدد الجمهورية
الاسلامية بخسارة جار طالما وقف إلى
جانبها في الملف النووي، فضلاً عما
يشكله من بوابة اقتصادية وتجارية
واسعة في ظل الحصار المضروب عليها.
وإذا كانت طهران مسرورة بما تعتقده
انهياراً لسياسة «صفر مشاكل»، فإن
الخسائر التي قد تمنى بها مستقبلاً
ستكون أكبر. فخسارتها بلاد الشام بعد
تركيا ستحتّم عليها خوض معركة كبرى في
العراق، في مواجهة الولايات المتحدة
وجيران العراق الخليجيين ممن لا يروق
لهم أن يروا إيران قيّمة على سياسة
بغداد وحكومتها. ============= مؤشرات صعوبة التنبؤ
بالأزمة السورية الإثنين, 05 سبتمبر 2011 غازي دحمان * الحياة تتميز الأزمات الكبرى بطابع المفاجأة
الدائمة والتي غالباً ما تكون بمثابة
المحرك الأكثر فعالية في هذا النمط من
الأزمات، على رغم وضوح محركات الأزمة،
على الأقل من الناحية النظرية، إلا أن
تفاعل هذه المحركات مع الوقائع
الجارية على الأرض واضطرارها إلى
إجراء عمليات تكيف تجعل من إمكانية
التنبؤ بصيرورة الأزمة ومآلاتها أمراً
بالغ الصعوبة، وذلك عائد بدرجة كبيرة
إلى محاولات أطراف الأزمة تطوير
إستراتيجياتها في الإدارة بما يتناسب
مع المعطيات المستجدة، ما يؤدي بدوره
إلى إفقاد التحليل السياسي أهم عناصر
قدرته، ليس في قراءته لواقع الأزمة،
وإنما في استشرافه لتوجهاتها، أي
القدرة على التنبؤ السياسي. ينطبق هذا الأمر على الأزمة السورية في
شكل كبير، حيث تتسم عملية تفاعل
ديناميات هذه الأزمة بطابع متحرك سواء
على مستوى إستراتيجية النظام في
مواجهة الحراك الشعبي، أو بالنسبة الى
إستراتيجية قوى المعارضة في تزخيم
الحراك وتصعيده ضد النظام، حيث تلعب
وقائع البيئة الداخلية وممكناتها
المتطورة، فضلاً عن مواقف البيئتين
الإقليمية والدولية، دوراً مهماً في
رسم إستراتيجيات الطرفين وتطويرها بما
يجعلها أكثر قدرة على التكيف مع
التغييرات الحاصلة والتي ترتب بدورها
استحقاقات متجددة ومفاجئة في ظل صراع
الإستراتيجيات الدائم. ولعل المراقب للتطور التاريخي للأزمة
السورية، وتحديداً منذ ستة أشهر من
انطلاقها، يلاحظ التطور الواضح في
الإستراتيجية التي اعتمدتها السلطة في
إدارة الأزمة، والتي بدأت في مرحلة
أولى بمحاولة عزلها عن إطارها الوطني
العام عبر تفكيك مكوناتها إلى إشكالات
ذات طابع محلي ضيق وقضايا مطلبية
وخدمية لا مشكلة في الاعتراف بها
وتحميل مسؤوليتها إلى مستوى إداري
متدن في سلم صنع القرار في النظام مثل
رؤساء البلديات وفي أحسن الأحوال
محافظ المدينة. غير أن اتساع رقعة الاحتجاجات، ورفع
المتظاهرين لشعارات تنادي بإسقاط
النظام، الأمر الذي كشف للعالم
الخارجي عن أزمة عميقة في صلب النظام
وطرق ممارسته للسلطة وطبيعة إدارته
للبلاد، دفع بالنظام إلى طرح ما أسماها
حزمة الإصلاحات في مجالات الإعلام
والانتخابات والأحزاب، في محاولة كان
الهدف منها عزل قوى المعارضة، عبر
الإيحاء للمجتمع السوري بأن هذا
النظام الذي يملك قوة قهرية كبيرة،
إنما يقدم فرصة مهمة (على وهنها
ومحدودية تضمنها للتغيير المنشود)
للمجتمع السوري، سيؤدي ضياعها إلى
إدخال البلاد في مخاطرة كبيرة، وقد
تزامن هذا العرض مع حوادث ذات طابع
طائفي في حمص وريف دمشق، وهو ما يشير
إلى انطواء إستراتيجيات السلطة على
قدر من إمكانيات التفجير في لحظة معينة
من صيرورة الأزمة. وقد ساهم تطور الأزمة في البلاد، وبخاصة
في ظل تصعيد حركة الاحتجاج وتفاعل
المواقف الإقليمية والدولية المطالبة
بالتغيير الفوري، في تطوير إستراتيجية
النظام الهادفة إلى خنق الحراك الشعبي
عبر استخدام العنف بأقصى درجاته
وممارسة إستراتيجية اللعب على حافة
الهاوية، عبر تثمير خيارات ممكنة، لم
يتم التصريح بها، لكن إرهاصاتها على
الأرض باتت واضحة في شكل جلي، وهي جزء
من ممكنات التفجير التي تنطوي عليها
إستراتيجية السلطة. مقابل ذلك، فإن إستراتيجية الثورة تميزت
بقدر كبير من المرونة والتطوير، سواء
من خلال صنع الهياكل التنظيمية
للحراك، أو من خلال العمل الميداني
اليومي، على رغم أن الحركة انطلقت من
مناخ غير سياسي بامتياز ويفتقر الى
الخبرة الحركية والتنظيمية، وبالطبع
يفتقد الخبرة في إدارة الأزمة، ناهيك
عن محدودية الخيارات المتاحة وضعف
الإمكانيات المتوافرة، إلا ما يتيحه
الرهان على الإمكانيات النائمة
والقدرة على تفعيلها في ظل كثافة نيران
النظام، وهو ما كان من نتيجته ضخامة
فاتورة الدم والاعتقال. إلا أن إستراتيجية الثورة لم تسلم بدورها
من ممكنات الفوضى التي تكتنفها،
وبخاصة في ظل حالة عدم وضوح الخيارات
والبدائل مع استفحال الممارسات
القمعية للنظام والتي كان من نتيجتها
مقتل آلاف الناشطين واعتقال أعداد
كبيرة منهم وجرح أعداد أخرى واضطرار
الآلاف الى توقيع تعهدات بعدم
المشاركة في الحراك، ناهيك عن تشرد
عشرات الآلاف داخل سورية وهذه الجزئية
غير مرئية في الأزمة السورية، وهذه
الأعداد في غالبيتها قوى منظمة وذات
توجه سلمي ولديها قدرة معتبرة على ضبط
الحراك وتنظيمه. وإخراج هذه القوى من
خانة الحراك من شأنه تضييق الخناق على
الحركة الاحتجاجية وتحول قيادتها إلى
أطراف وجهات أقل تنظيماً وثقافة ما
يؤدي بدوره إلى الدفع صوب خيارات غير
مرغوبة في هذه المرحلة. والحال فإن مزاوجة نزعات التفجير في
إستراتيجية النظام مع حالة غموض
البدائل والخيارات في واقع الحركة
الاحتجاجية من شأنه الإحالة إلى حزمة
فضفاضة من الاحتمالات التي تبقى
مرهونة للمفاجأة وإمكانياتها من دون
القدرة على تقدير مآل الأزمة
واحتمالاتها. ============= هاني البدري الغد الاردنية نشر : 04/09/2011 إن صحت الأنباء التي تحدثت عن سلسلة
لقاءات انطلقت في عواصم أوروبية بين
مسؤولين في الحكومة الإيرانية وممثلين
عن المعارضة السورية، تكون دمشق قد
دخلت في النَزع الأخير من عمر تحالفها
الاستراتيجي الثلاثيني مع نظام طهران،
بعد أن تأكد على ما يبدو للأخير أنه
استنفد كامل خياراته وأساليبه للدفاع
عن النظام السوري الصديق. فالصداقة
التاريخية لم تعد تُجدي في معادلة
الدور الإقليمي الذي مثلَ لطهران
هاجساً في "حكاية" عدائها للغرب،
ومواجهتها المستمرة تحت غطاء الصراع
مع الصهيونية والإمبريالية عبر بوابة
لبنان حزب الله وسورية الأسد وفلسطين
القضية والانشقاقات والانقسام. ولعل طهران تدرك الآن أكثر من أي وقت مضى
أن تواجدها على المسرح الإقليمي
لاعباً أساسيا قد بات في خبر "كان
زمان"، مع تنامي الأزمة التي اعترت
صورتها في الشارع العربي بعد الدعم
اللامحدود الذي استقبلت فيه مشاهد
والمجازر على الأرض السورية، في مقابل
صورة أنقرة أردوغان التي ما انفكت
تكتسب مساحات أكبر في تعاملها مع
القضايا العربية، والتي تُوجت بطرد
السفير الإسرائيلي. إذن، دمشق التي ماتزال تُمعن بكل ما أوتيت
من أدواتها في تنفيذ حلها الأمني على
الأرض، باتت عبئاً ثقيلاً على كاهل
الحلفاء والأصدقاء، بدءاً من طهران
التي يبدو أنها انتقلت إلى زاوية أخرى
تنظر من خلالها للأزمة السورية، وليس
انتهاءً بموسكو التي هددت علناً برفع
يدها عن الغطاء الذي تؤمنه لدمشق منذ
اندلاع الأزمة تحت سقف مجلس الأمن
الدولي، مستذكرةً الدرس الليبي. طهران، ورُغم كل ما فعلته لإنقاذ الحلفاء
في سورية، تُدرك الآن أن حجم الخسارة
التي أصابت دورها ومكانتها العربية
والإسلامية في مَقتَل، يستحق النظر
للوضع الراهن بكثير من الواقعية
السياسية، لاسيما في المراحل التي
كانت فيها أزمات طهران مع الغرب تزداد
توتراً فتلجأ عبره إلى تصدير أزماتها
أو التنفيس عنها. في الطريق الواصل بين طهران ودمشق بوادر
إغلاق مؤقت، أفضل ما يقال فيه أنه بسبب
ضبابية القادم من سيناريوهات، بدأ منذ
أن طرأ تحول واضح في خطاب المسؤولين
الإيرانيين الكبار تجاه معالجة
الأزمة، والتي كانت "مطالب الشعب
السوري المشروعة" عنواناً جديدا
لها، ثم تأجج مع قرار طهران استبدال
سفيرها ذي الخلفية الأمنية بأحمد
شيباني الذي يأتي بتكليف مباشر من
الرئيس نجاد، ما أعتبر لدى دوائر
إيرانية مستقلة بمثابة مهمة خاصة
للغاية "للتعامل مع التطورات
المستقبلية في سورية بحكمة"، مع
إمكانية "فتح جسور تواصل مع
المعارضة لتقليل حدة المواقف الرافضة
للتدخل الإيراني في شؤون سورية
مستقبلاً"، وهو ما أثار حفيظة دمشق
نظراً لتزامن الخطوة الإيرانية "غير
المفهومة". الخط الإيراني الجديد يعكس بدوره
انقساماً واضحاً في مؤسسة الحكم في
طهران التي تباينت نظرتها إلى مجريات
الحراك الشعبي العربي. ففي الوقت الذي
تُصر فيه بعض دوائر الحكم العليا على
التعبير عنها "بالصحوة الإسلامية
الشعبية" ضد ظلم الحكام العرب
وفسادهم، وطبعاً باستثناء سورية التي
"تواجه مؤامرة صهيونية لإسقاط حكومة
مشروعة تواجه إسرائيل وأميركا وتدعم
المقاومة".. تجد حكومة نجاد نفسها
أمام استحقاقات أكثر واقعية تعيد
ذاكرتها إلى حراك الشارع الإيراني في
مواجهة انتخابات مثيرة للجدل العام 2009
فاز فيها على أسنة الحراب، فوجه أذرعه
الأمنية والعسكرية لاقتلاع الغضب
الجماهيري السلمي آنذاك. لم تعد حسابات طهران بإبقاء الدول
العربية ساحات خلفية لحروبها مع الغرب
تتفق ومخرجات ربيع الثورات العربية
الذي كشف فيما كشف حقيقة الأدوار
الإقليمية والتحالفات الخفية التي
جعلت من القضايا العربية صهوة جواد
يمتطيها كل طامع بسلطة أو حالم بنفوذ
أو سيطرة. وإذا كانت إيران تعيد
حساباتها لتضمن أكثر من موطئ قدم في
سورية أياً كان سيناريو المستقبل،
وبأقل الخسائر عبر حلفاء جدد يؤمنون
مفاتيح اعتادت طهران أن تحتفظ بها حتى
في لبنان وفي الشأن الفلسطيني.. فإنها
تعكس للعالم بدون أن تدري حقيقة
الأزمات التي تعيشها إيران الداخل،
والضغوط المخيفة التي بات واضحاً أن
الإيرانيين نفد صبرهم تجاهها. ============= حسين شبكشي الشرق الاوسط 5-9-2011 منذ أيام قليلة، عقد اجتماع عاصف وموتور
في سوريا برئاسة ماهر الأسد، بحضور
اللواء محيي منصور، وحضره مجموعة مهمة
من ضباط الدفاع الجوي، وتم فيه إصدار
أوامر لتجهيز قصف جوي لبعض قرى ومدن
حوران، تم تخفيضها لاحقا لتكون مجرد
طلعات ترهيبية فوق حمص والرستن، على أن
يعقب ذلك لاحقا القصف المباشر. يجيء
هذا التطور بعد أن أصبحت المظاهرات في
سوريا بشكل يومي، وفي كل المدن؛ لا
تفرق بين جمعة وأحد، وبين رمضان وشوال.
إنها حالة ثورية بامتياز. العقوبات
تطال قطاع النفط الحيوي، وهو ما معناه
حرمان الاقتصاد السوري مما يقارب ال80
مليون دولار يوميا، وتوقف إيران عن
الدعم المالي للنظام السوري المتهالك،
بعد أن قامت ببيع النفط الإيراني لمدة
خمسة أيام متتالية بالليرة السورية،
وتوريد كامل القيمة للبنك المركزي
السوري، وكان ذلك منذ أربعة أسابيع،
وها هي العقوبات الدولية تطال «النخاع
الشوكي العصبي» للاقتصاد السوري، وهو
رجال الأعمال الداعمون للنظام، وتوقف
أرصدتهم وتمنع حراكهم إلى الخارج
محدثة ضربة موجعة جدا للنظام، مما أثر
بشكل مباشر على منظومة الأمن الخاص
المعروف باسم الشبيحة، لأنهم كانوا
يقبضون بشكل مباشر من رجال الأعمال. والشبيحة يهددون بالإضراب عن العمل لتأخر
تسلم مخصصاتهم، وغادر الكثيرون منهم
إلى اللاذقية ومحافظات أخرى احتجاجا،
ومصاريف «الشبيحة» أصبحت عبئا على
رجال الأعمال، في ظل انحسار النشاط
الاقتصادي؛ فالواحد منهم يقبض في
اليوم 200 ليرة (42 دولارا)، وأيام الجمع
يصل المبلغ إلى ما بين 7 إلى 10 آلاف ليرة
(150 - 210 دولارات)، والشبيحة يختبئون في «وظائف»
باتت مفضوحة للسوريين، مثل سائقي
الأجرة والبائعين الجائلين والزبالين.
رجال الأعمال بعضهم صدر في حقه أمر منع
من السفر، مثل محمد كامل شرباتي، أحد
أقطاب الصناعة بحلب (علما بأن الرجل
هرب لبيروت) بعد أن أعلن دعمه للثورة،
وكذلك الأمر بالنسبة لرجل الأعمال
الآخر، سليمان طلاس فرزات، الذي كان
محسوبا على النظام، بحكم قرابته لوزير
الدفاع الأسبق، مصطفى طلاس، ولكنه هو
الآخر أعلن دعمه للثورة. وهناك مجموعة أخرى تستعد للرحيل من سوريا
إلى تركيا ودبي وأوروبا في الأيام
القليلة المقبلة، بعد أن اتصلت
بسفارات أوروبية لإعلامها بموقفها
الجديد. وكان الخروج المدوي لنائب عام مدينة
حماه، وإعلان انشقاقه على النظام،
بمثابة صفعة مدوية على وجه النظام،
وهناك تجهيز لإعلان انشقاق 64 مسؤولا
مدنيا كبيرا في الأيام المقبلة،
وخصوصا بعد تأمين الخروج الآمن لنائب
عام حماه بعيدا عن أعين الأمن السوري
الدموي. الآلة السورية الدموية
متواصلة؛ فلا مكان للسجون لاعتقال
المزيد فيها، وبدأت الملاعب والأندية
تعبأ بالمعتقلين، وهو الذي اضطر
النظام إلى إعلان تأجيل الدوري العام
لأجل غير مسمى، وهناك حديث عن تأجيل
المدارس والجامعات لامتلاء المدارس
بالمعتقلين هي أيضا. حاول النظام السوري إخراج أكثر من مسيرة
تأييد للرئيس السوري، ولكن شيئا من هذا
لم يحدث، وفشلوا في تجميع الناس وسط
المظاهرات الغاضبة ضد النظام في كل
مكان. الغضب الداخلي يتزايد، والتأييد
الدولي لسقوط النظام واضح، ولم يتبق من
مؤيد للنظام إلا الصوت الروسي الحريص
على إبقاء فاتورة ال4 مليارات دولار
سنويا للسلاح السوري منه والقاعدة
العسكرية الموعودة في طرطوس كأول
إطلالة له على المتوسط، والصين، وهي
اليوم أكبر شريك تجاري لسوريا، لها
مصالح مع النظام، وإيران طبعا وخطها «الطائفي»
مفهوم، ولبنان عبد المأمور ولا حول له
ولا قوة، ولكن الموج العاتي قادم،
والنظام في حالة إنكار مخيف، مما يعني
أن النهاية على الأبواب. ============= عطاء الله المهاجراني الشرق الاوسط 5-9-2011 بعد بن علي ومبارك وعبد الله صالح
والقذافي، يبدو أن الدور قد حان أخيرا
على بشار! ليس ثمة أدنى شك في أننا إذا
ما فكرنا في جذور الربيع العربي،
لأمكننا اكتشاف الكثير من الفروق بين
الحكام المذكورين آنفا وحكوماتهم
ودولهم، بل وحتى شعوبهم. وبناء على
قولنا هذا، يمكننا أيضا أن نجد مصالح
مشتركة تجمع بينهم. فقد حاول جميع
القادة المذكورين استغلال المعتقدات
الإيمانية والدينية لشعوبهم كوسيلة
لتحقيق أهدافهم. أود التركيز على آخر خطاب لبشار، الذي
أدلى به في حفل الإفطار الذي أقامه في
القصر الرئاسي في دمشق. يبدو أن بشار
ألقى خطابه، لا كسياسي أو صانع سياسة،
وإنما كحكيم ومعلم عظيم. فقد ناقش فيه
مواضيع مثل الأخلاق والإنسانية
والإسلام. إن شهر رمضان يختلف عن أي مناسبة أخرى،
لأنه شهر المحبة والخير والعمل
الصالح، داعيا سيادته إلى مراجعة
الأحداث التي شهدتها سوريا،
والاستفادة منها لما فيه خير سوريا
وشعبها، خصوصا أن الشعب السوري حسم
كلمته أن لا تفاوض على الوطن والمبادئ
والدين. إن ما جرى، على الرغم من الألم الكبير
الذي نتج عنه، فإنه أظهر المعدن الصلب
والأصيل للمواطن السوري الذي يفخر به
الوطن، كما أظهر الشارع السوري،
وتحديدا الشارع المؤمن، بأبهى صوره
الوطنية، مؤكدا أن العلاقة بين
الإيمان والوطنية طبيعية، وأن جوهرهما
واحد وهو الأخلاق. إن جزءا مهما من الأزمة سببه أخلاقي، سواء
من المسؤول أو المواطن، والحل يكون
بتكريس الأخلاق، وإن جوهر الدين هو
الإنسانية، وجوهر الإنسانية هو
الأخلاق، داعيا إلى عدم استغلال كلمة
الله، سبحانه وتعالى، التي هي الأكثر
قدسية بالنسبة للبشرية، في تحقيق
غايات لا علاقة لها بالدين. وعلى نحو يناقض ما أدلى به في خطابه، فبعد
ساعتين من إلقاء بشار الخطاب، وتحديدا
في الساعة الخامسة صباحا، تم إلقاء
القبض على علي فرزات، الفنان والمفكر
السوري العظيم، وضربه على يد قوات أمن
مجهولة قامت بتهشيم أصابع يديه. المزيد
من المعلومات والصور عن فرزات متاحة
على موقع أصدقاء فرزات الإلكتروني. كتب
أحد الأصدقاء: «تم التعرض للفنان علي
فرزات، حيث تم إيقاف سيارته عند ساحة
الأمويين، ونزل أربعة أشخاص وقاموا
باختطافه ووضعه في كيس خيش وضربه،
وقاموا بتهشيم يديه كي لا يرسم بعد
الآن، وهددوه بالقتل في حال رسم مرة
أخرى، وألقي به على طريق المطار». المثال الثاني هو الشهيد إبراهيم قاشوش،
كانت الشعارات التي رددتها حشود
المتظاهرين في حماه، مرارا وتكرارا،
مأخوذة من أغنية ألفها المطرب الشعبي
إبراهيم قاشوش، وهو مطرب أنشد أغنيات
بألحان موسيقى العرادة الموروثة في
صورة أناشيد احتجاجية، مضيفا كلمات
جديدة كتبها بنفسه إلى الألحان
القديمة الخاصة بمراسم الزفاف
والاحتفالات. وقبل أسبوعين، تم قطع
حنجرة قاشوش على يد قوات الأمن. وفي هذه الأيام، يردد الجميع في سوريا
أغنياته وشعاراته عن ظهر قلب وأشهرها:
«يا الله ارحل يا بشار!». وقبل أسبوعين من قتل إبراهيم قاشوش،
شهدنا التعذيب الوحشي للطفل السوري،
حمزة الخطيب، ذي الثلاثة عشر ربيعا.
فقد تم احتجازه من قبل قوات الحكومة،
ثم قتل بصورة وحشية. وكان قد تم الكشف
عن الجروح التي أصيب بها في مقطع فيديو
صادم. لقد تم إطلاق النار على الفتى
الصغير والتمثيل بجثته قبل إعادتها
لأسرته. يا بشار الحكيم! أنت كقائد أخلاقي عظيم
ناقشت دور الأخلاق ومبادئ الإنسانية.
تلك كانت كلماتك، والتمثيل بجثة الطفل
حمزة الخطيب، وقطع حنجرة إبراهيم
قاشوش، وتهشيم أصابع فرزات، أمثلة
لبعض الأدلة التي لا تنسى على الوجه
الحقيقي لحكومتك. لم يجب أن يعذبوا ويقتلوا؟ بأي ذنب قتلت؟ ماذا كانت الجريمة التي لا تغتفر التي
ارتكبها حمزة الخطيب؟ ماذا كانت جريمة
فرزات؟ لقد رسم أكثر من 15.000 كاريكاتير
حتى الآن. هل رسم كاريكاتيرا يعد خطيئة
لا تغتفر؟ ربما لا يتذكر بشار مقابلته
الأولى مع فرزات! يروي سامي كليب وقائع المقابلة في مقال
نشر يوم 27 أغسطس (آب) في صحيفة «السفير».
إن قراءة هذا المقال تجعل المرء يتساءل
في البداية عما إذا كان هناك أسد آخر!
يشرح كليب أن «راح الرئيس الأسد يجول
في المعرض، يتوقف عند الرسوم الناقدة
لرجال الاستخبارات. يستدير إلى أحد
هؤلاء من بين مرافقيه، يضحك ويقول: (هذه
عنكم). يكمل الرئيس جولته، يتوقف أمام
علي فرزات، يسأله ما إذا كانت رسومه
هذه تنشر، يجيب الرسام بالنفي،
فالرقابة تمنع كل ما ينتقد هيبة الدولة.
يصافحه الرئيس ويطلب منه أن ينشرها، لا
بل يتصل الرئيس الأسد نفسه بوزير
الإعلام، وسرعان ما يكتشف السوريون أن
رسوم علي فرزات الناقدة لكل شيء باتت
تنشر في صحيفة (تشرين)، زادت مبيعات
الصحيفة». من غير هوية الأسد؟ من أحال الأسد إلى «ذيعلب»؟
أعني مخلوقا جديدا هجينا من الذئب
والثعلب. الأسد القديم الذي نعرفه كان
سيتصل بوزير الثقافة للحصول على تصريح
بنشر رسوم فرزات الكاريكاتيرية،
وسيصدر أوامره لرئيس تحرير صحيفة «تشرين»
بنشر تلك الرسوم. على النقيض، هناك أسد
جديد بهوية جديدة يرتكب كل الفظائع
التي كنا نشهدها خلال الأشهر القليلة
الماضية. إنها الهوية الحقيقية للسلطة
المطلقة. أتذكر أنني حينما كنت عضوا
بلجنة الدفاع بالبرلمان الإيراني، كان
آية الله خامنئي (الذي كان لقبه هو حجة
الإسلام حينها) هو رئيس اللجنة. وأتى
مجددا من الخط الأمامي، مرتديا زيا
عسكريا، وكان الوقت مبكرا إلى حد ما،
فقد كان موعد بدء اللجنة هو الثانية
ظهرا، وسألني: «ما الكتاب الذي تقرأه؟». - أجبت: «إنه (الدون الهادئ) لشولوخوف». - قال: «إنه كتاب مشوق جدا. لقد قرأته. ما
رأيك في الكتاب؟» - رددت: «إنها قصة غريبة جدا، إنني أقرأها
للمرة الثانية. في البداية، مع مضي
أحداث القصة، يمكننا أن نرى الكثير من
الشخصيات الرئيسية، لكن كالنجوم،
معظمهم يختفي مع الوقت. نحن نفقدهم! يا
له من أمر سيئ». - وشرح أنه «بسبب ذلك، قيل إن الثورة تأكل
أطفالها. فقد اعتمدت الثورة الروسية
على المذهب المادي». الآن، حين أتذكر تلك المناقشة، تتجسد
أمامي صورة أخرى مظلمة. إن حسين موسافي
ومهدي كاروبي رهن الإقامة الجبرية في
منزليهما، في الوقت الذي زج فيه
بالكثير من رموز الثورة المشاهير
الآخرين في السجون، مثل بهزاد نبوي،
الثائر القديم. هذه هي قصة السلطة
المطلقة الغريبة. السلطة المطلقة التي
لا حدود لها، تغير هوية الحكام الذين
يحاولون بالتبعية تغيير هوية البشر،
ونتيجة لذلك، يكون لزاما على كل فرد
طاعة قائده. بعدها، تصبح الطاعة العمياء هي المسؤولية
المقدسة لكل شخص. فإذا أردت رسم
كاريكاتير، فيجب أن تكون من مؤيدي من
يتولون مقاليد السلطة، وليس مسموحا لك
بانتقاد الحكومة، وعلى وجه الخصوص
قوات الأمن. أما إذا واتتك الرغبة في
انتقاد قوات الأمن، فانظر ما حدث ليدي
فرزات وحنجرة قاشوش! تلك رسائل قوية
تبعث بها الحكومة إليك، غير أننا
تلقينا رسائل أخرى من بن علي ومبارك
والقذافي. وكان مصدر الرسائل هو المنفى
وقفص الاتهام والصحراء! كيف يستطيع
الأسد الذيعلب التغلب على هذا النفاق؟
نحن نشاهد هذه الأيام قصور القذافي
وقصور أبنائه وطائرة خاصة، على الجانب
الآخر، نرى رجلا مجنونا يتحدث عن
الصحراء ونقل خيمته إلى روما! ومتعطش
لقتل المزيد والمزيد من البشر. استمع
إلى رسالته الأخيرة، إنه يرغب في تدمير
ليبيا، يقول الله في كتابه الكريم: «فلا
يسرف في القتل». ============= ميشيل كيلو 5-9-2011 ما إن بلغنا الحدود مع لبنان، حتى أبلغنا
رجل شرطة كان يحمل بطاقاتنا الشخصية في
يده أننا ممنوعون من مغادرة القطر،
حرصا على حياتنا. ظنناه يمزح أول
الأمر، لكنه كرر الجملة وهو يدعونا إلى
رؤية الضابط، الذي أمره بإبلاغنا
القرار. بعد قليل، كنا في مكتب ضابط شاب
قال إن «أمرا شفهيا» صدر قبل ساعة (في
التاسعة صباحا) يمنعنا من المغادرة
حرصا على حياتنا، وأننا لو كنا أتينا
قبل دقيقة من صدور الأمر إليهم، لكنا
غادرنا بحفظ الله ورعايته. سألناه عن
السبب، فقال إنه لا يعرفه، وإن زيارتنا
إلى سيادة المقدم رئيس المركز قد
تأتينا بالجواب. قصدنا رئيس المركز،
الذي كرر على مسامعنا ما سبق للضابط أن
قاله لنا، وأضاف أن المنع يقتصر على
يومين فقط: على اليوم (27/8/2011) وغدا،
وأننا أحرار بعد ذلك في أن نسافر إلى
حيث نشاء. عندما أخبرته أن لدي موعدا مع
طبيب في بيروت في الأول من سبتمبر (أيلول)،
وأنني أريد أن أعرف إن كان المنع
دائما، كي لا أتجشم عناء القدوم إلى
الحدود مرة أخرى دون جدوى، رفع الهاتف
واتصل بمكتب سيادة اللواء. بعد
محاولات، رد عليه ضابط نصحني بزيارة «المعلم»
في اليوم التالي، لأنه يستطيع إخباري
بالحقيقة. في اليوم التالي، يوم
الزيارة الموعودة، لم أذهب إليه لأنه
كان أول يوم من أيام العيد – أعاده
الله علينا جميعا باليمن والبركة -
فأبلغنا معلق سوري في حديث مع «الجزيرة»
أننا منعنا لأننا أردنا الذهاب للحوار
مع محطة تلفاز في بيروت، بينما نرفض
الحوار داخل بلادنا. بكلام آخر: لم يكن
المنع حرصا على حياتنا، كما قيل لنا
على الحدود، بل عقابا لنا على ذنب لم
نقترفه، هو الامتناع عن الحوار مع
النظام، نحن الذين دعونا النظام إلى
الحوار طيلة عشرة أعوام، ثم لم نترك
أحدا من أهله إلا وحاورناه خلال نحو
أربعة أشهر، على الرغم من اقتناعنا
بأنه لم يكن يريد الحوار، وأن نظريته
عن المؤامرة والحل الأمني الذي يطبقه
في طول البلد وعرضها، ويطاول اليوم كل
قرية ومدينة وزنقة ودار وشخص، يمنعان
الحوار، وإلا فكيف يحاور قادة على
تغيير نظامهم، إذا كانوا يؤمنون بأن ما
يجري في سوريا مؤامرة هدفها تغييره،
وأن قيامهم هم بتغييره يعني عمليا
الاستجابة للمتآمرين، بينما المطلوب
هو الحفاظ عليه، بما أنه المستهدف
الحقيقي! قبل قرابة ثلاثة أسابيع، اتفق الأستاذ
رياض سيف مع مستشفى ألماني على دورة
علاج من مرض لعين في المثانة. بما أنه
كان قد سمع مثلنا بقرار إلغاء حظر
السفر، فقد قصد وزوجته المطار، حيث
اجتاز إجراءات التفتيش جميعها، بل وصل
إلى قاعة المسافرين. بعد قليل، جاءه من
أبلغه بأنهم اكتشفوا مادة بيضاء في
حقائبه يشتبه في أنها مخدرات، وأنه لا
يستطيع السفر قبل تلقي تقرير من مخبر
مختص يبين طبيعة هذه المادة. بعد أيام
أبلغهم الأستاذ أن المادة، التي لم تكن
أصلا في حقائبه، ليست غير كلور
الصوديوم، بالعربي الدارج «ملح»،
فأعلموه أن مخبرا آخر يتولى الفحص،
وأنه سيتمكن من السفر حين تصل نتيجة
الفحص. لا داعي للقول: إن النتيجة لم
تصل، ويرجح أن لا تصل أبدا، بينما
يزداد وضع الأستاذ سيف الصحي تدهورا من
يوم لآخر. كان الأستاذ علي فرزات راجعا من مكتبه وسط
دمشق إلى بيته في حي «المزة»، عندما
طاردته وأوقفته سيارة «هيونداي أفانتي»
بيضاء زجاجها «مفيّم»، كما يقول
السوريون عن السيارات الرسمية وشبه
الرسمية، نزل منها أربعة شبان فتحوا
أبواب سيارة الأستاذ علي الأربعة،
وانهالوا عليه بالضرب المبرح، قبل أن
ينقلوه إلى سيارتهم وينطلقوا نحو طريق
المطار، بينما كان الضرب يتواصل
مصحوبا بشتائم مقذعة، تفهمه أنه يعاقب
بسبب رسوم كاريكاتيرية كان قد رسمها
تعليقا على الحدث السوري، قالوا إن
فيها تعريضا بمن سموهم «أسياده»، كما
روى نجله مهند في الفضائيات وحكى هو
نفسه لمن زاروه في منزله. ترك الاعتداء
ردود فعل محلية وعربية وإقليمية
ودولية صاخبة بمعنى الكلمة، فالرجل
يعد أحد أعظم – إن لم يكن أعظم - رسامي
كاريكاتير في أيامنا، ليس عندنا فقط،
بل في العالم، والاعتداء عليه بهذه
الطريقة ليس حدثا يمكن أن يتجاهله
الرأي العام، في زمن ثورة رايتها
وشعارها ومطلبها الحرية. قالت وزارة
الداخلية إنها ستفتح تحقيقا في
الحادثة، بينما سأل شرطي تابع لها جاء
إلى مستشفى الرازي لتنظيم ضبط
بالحادثة: «شو هادا لسه ما مات؟». لا
داعي للتأكيد أن ما وقع نسب «للعصابات
التي تروع البلاد وتقتل الآمنين»،
ويبدو أن الوزارة لا تعرف بعد أي شيء
محدد عنها، على الرغم من انقضاء ستة
أشهر من نشاطها، وعلى الرغم من أن «دورية
أمن» كانت قريبة من مكان الاعتداء، فإن
عناصرها لم يأبهوا للأمر في البداية،
ثم ركضوا نحو سيارة الجناة عندما
ابتعدت، دون أن يقوموا بأية محاولة
لإعاقتها أو لمطاردتها بسيارتهم، أو
حتى لإطلاق النار على دواليبها
وتعطيلها، على غرار ما يفعلونه يوميا
في المدن الأخرى ضد المواطنين
العاديين. في النهاية، تم إلقاء الأستاذ علي من
السيارة على طريق المطار وهو شبه ميت،
وأصابعه مهشمة وفي صدره جرح غائر، كي
لا يعاود الرسم من جديد، كما قالوا له.
واليوم، وعلى الرغم من أن أكثر من
أسبوع مضى دون أن يقوم أحد من لجنة
تحقيق الوزارة بالاستماع إلى علي أو
بزيارته، فإن زوايا متحمسة ضد «العصابة»
بدأت تنشر في الصحف السورية مصحوبة
برسوم كاريكاتير، يقول أحدها: «سلامات
يا علي»، «سلامات يا حرية، يقتلونك
ويمشون في جنازتك»! ============= رياح التغيير والخصوصية
السورية! أكرم البني الشرق الاوسط 5-9-2011 عشر نقاط يمكن أن تكثف خصوصية الانتفاضة
السورية وأهم ما يميزها بالمقارنة مع
الثورات والانتفاضات العربية الأخرى: أولا: إن إنكار أسباب الأزمة والرفض
المزمن للمعالجات السياسية وإصرار أهل
الحكم على خيار القوة العارية لسحق
الانتفاضة أو على الأقل لكسر شوكتها،
طبع الحالة السورية بطابع لم تقاربه
الحالات المحايثة. وتحديدا لجهة
التكلفة الباهظة في أعداد الضحايا
والجرحى والمعتقلين، لقاء تكرار مشهد
بسيط يجمع بين مظاهرات شعبية تختلف في
أحجامها وأشكالها، يخرج بعضها يوميا
وغالبيتها أيام الجمع، للتعبير عن
مواقف الناس وشعاراتها، تواجهها قوات
عسكرية وأمنية تنتشر في معظم مناطق
البلاد، لا تتوانى عن استخدام العنف
المفرط ضد المحتجين، فتكبدهم الخسائر
تلو الخسائر، ليعاودوا - وبعزيمة لا
تلين - التظاهر من جديد. ثانيا: ثمة استخدام للتنكيل الشديد
والعنف المعمم وبلا حساب، ليس فقط لقمع
المتظاهرين، وإنما الأهم لمنعهم من
تصعيد أشكال احتجاجاتهم مثل الدعوة
للإضراب العام أو للتجمع والاعتصام
الدائم في ساحة عامة، كما كان حال ساحة
التحرير في مصر أو ساحة التغيير في
اليمن، إلى جانب تركيز جهود نوعية ضد
الأماكن الأكثر نشاطا وزخما، أو التي
شهدت أوسع المظاهرات، فشهدنا حالات
حصار واجتياح تعرضت له مدن درعا وحمص
ودير الزور وحماه وغيرها، ورهان على أن
يحطم العنف الهائل روحها ويئد
احتجاجاتها ويحولها إلى عبرة لمن
يعتبر. ثالثا: لم تكن قضية الفقر والعوز والبحث
عن فرص العمل هي ما حرك الشارع السوري
بل المزاوجة بين شعاري الكرامة
والحرية، ما يظهر نوعية معاناة
السوريين وما يكابدونه، فهم لم يحرموا
فقط من حقوقهم الإنسانية البسيطة، بل
مورست بحقهم أنواع القهر والإذلال،
وكلنا يتذكر أن «الشعب السوري ما بينذل»
كان أول شعار أطلقه المتظاهرون، وأن
عبارات التحقير والاستهتار هي التي
زادت حدة الاحتقان وحفزت الاحتجاجات
الأولى لأهالي درعا. رابعا: إلى جانب سياسة التعتيم ومنع وسائل
الإعلام العربية والأجنبية من دخول
البلاد ومتابعة الأحداث عن كثب، زج
النظام بكل أدواته الإعلامية في معركة
مفتوحة للدفاع عن سياساته وتغطية
ممارسات القمع وامتصاص ردود الفعل،
فشهدنا تلاعبا فظا وغير مسبوق
بالوقائع وتحميل الآخرين كامل الآثام
وتبرئة الذات، والأنكى توجيه اتهامات
وشتائم مخجلة لكل من يحاول عرض
الحقائق، أقلها اعتبار ما يقوم به
تشهيرا وعداء يرتبط بأجندة معادية
لمصالح الوطن والمجتمع. خامسا: رغم شدة القهر والتنكيل حافظت
الانتفاضة بصورة مثيرة للإعجاب على
سلميتها، وإذا استثنينا بعض ردود
الفعل العنيفة والمحدودة، فقد رفض
الحراك الشعبي بوجه عام الرد على العنف
بعنف مضاد، وحتى أدان كل من يلجأ إلى
السلاح. ما أفشل رهان أصحاب الخيار
الأمني على دور العنف المفرط
والاضطهاد المعمم في إثارة ردود فعل
موازية، وفي استنفار الغرائز المتخلفة
واستفزاز بعض المتطرفين ممن يتحينون
الفرصة لحمل السلاح، واستخدامهم ذريعة
لتبرير العنف والطعن بأخلاق الانتفاضة
السلمية. سادسا: الجهود الخاصة التي بذلت للتأكيد
على وطنية الاحتجاجات وأنها عابرة
للقوميات والأديان والطوائف
والمذاهب، فإلى جانب شعاراتها ضد
الطائفية ولإبراز وحدة هموم البشر
وإيمانهم المشترك بالحق في الكرامة
والحرية ورفضهم للتفرقة والتمييز،
رأينا شعارات باللغتين العربية
والكردية تنادي بالديمقراطية
والمساواة في غير حشد ومظاهرة، ما أفشل
الجهود الحثيثة التي بذلت لتأجيج
الفتنة والصراعات المتخلفة ولإثارة
الحساسيات القومية وتاليا لتشويه
الاحتجاجات الشعبية وحرفها عن جوهرها
السياسي. سابعا: اجترحت الانتفاضة السورية حضورها
من رحم منظومة سياسية بالغة التعقيد
تحكمها الشعارات الوطنية ومواجهة
المخططات الصهيونية وتحرير الأرض
المحتلة، ونجحت بصدقيتها وحساسيتها
الوطنية في الرد على محاولات الطعن
وعلى الدعايات التي تصور ما يجري على
أنه أفعال متآمرين ومندسين يرتبطون
بأجندة خارجية، إمبريالية وصهيونية،
غرضها النيل من الموقف السوري الممانع. عادة ما تنجح النخبة الحاكمة في توظيف
شعاراتها عن المقاومة والتحرير لسحق
دعاة الحرية والديمقراطية، لكنها
اليوم أخفقت وكشف عنفها المفرط حقيقة
أن تمظهرها بالمظهر الوطني الحريص، هو
سلاح لضبط الأوضاع الداخلية وليس
للمواجهة في الخنادق وساحات القتال،
أو أشبه بحصان تمتطيه لتصل إلى مآربها
في حماية ما جنته من مكاسب ومغانم
وتعزيز أسباب سلطانها. ثامنا: نهضت الانتفاضة السورية وترعرعت
لأشهر طويلة كأنها تواجه مصيرها
وحيدة، فعلى الرغم من حالة الجفاء بين
النظام السوري وبين معظم الدول
العربية والأجنبية ومؤسسات الشرعية
الدولية، لم يرق رد الفعل العربي
والعالمي إلى مصاف شدة الأزمة وعمقها،
فالأول بقي صامتا ومترددا، والثاني
عانى من تشتت وحسابات سياسية أعاقت
إعلان موقف أممي يدين أخلاقيا هذا
التوغل في القمع والتنكيل، الأمر الذي
منح أصحاب الخيار الأمني هامشا واسعا
للحركة، وترك الباب، مشرعا لمزيد من
العنف، إن لجهة حجم القوة المستخدمة أو
لجهة الزمن والفرص المتاحة. تاسعا: لا تزال المعارضة السورية ضعيفة
وعاجزة عن اللحاق بالاحتجاجات الشعبية
وقد أنهكتها سنوات طويلة من القمع
والسجون والإقصاء، وأورثتها حزمة من
الأمراض حدت من دورها وأضعفت فاعليتها.
ولا يغير من هذه الحقيقة ازدحام المشهد
المعارض بهذا العدد من المبادرات
والمشاريع السياسية والمؤتمرات إن
داخل البلاد أو خارجها، لكن ربما يفتح
باب الأمل لظهور وحدة سياسية معارضة
تلقى أوسع قبول بين الناس وقادرة على
توحيد جهود الجميع وأدوارهم في فعل
متكامل مع الحراك الشعبي، والأهم
قادرة على مسك زمام المبادرة في مسار
التغيير الديمقراطي. عاشرا: التنسيقيات، هذه التكوينات
القيادية الميدانية التي أفرزتها
الانتفاضة السورية وانتشرت في كل موقع
ومكان ما جعلها عصية على الاعتقال،
وبدت كشكل تنظيمي مرن نجح نسبيا في
تحويل المظاهرات إلى ما يشبه الفعل
اليومي، وهو شرط ضروري لاستمرارها
وتغذيتها بالحماسة، وأيضا في تسخير
وسائل التواصل الاجتماعي لخلق لغة
مشتركة للتفاعل وللتوافق على المهام
وتوحيد إيقاع النشاطات. ويبدو للعيان أن هذه التنسيقيات قد اغتنت
مع الوقت واكتسبت خبرة أكبر في التعامل
مع الحدث وقدرة لافتة على التنظيم وحمل
مسؤوليات متعددة كالرصد والإعلام
والتوثيق ووضع الخطط الملموسة، والأهم
أنها تمكنت من ملء الفراغ الذي خلفه
ضعف المعارضة وأشاعت إحساسا بين
المحتجين والمتظاهرين، بأنهم ليسوا
مغيبين أو أرقاما نكرة، وأن تضحياتهم
لا تذهب هدرا، وأن ما تسطره انتفاضتهم
من شجاعة وإيثار ومن إبداعات نضالية هو
موضع تقدير وإعجاب كبيرين، وأن ثمة
شعوبا كثيرة تتعلم منها وتترقب على أحر
من الجمر لحظة نجاحها! ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |