ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رشيد الخيّون الاتحاد تاريخ النشر: الأربعاء 07 سبتمبر
2011 كان الثأر ممارسة صاحبت الانقلابات التي
حدثت بالمنطقة كافة، ومن المأمول أن ما
يحدث الآن بالبلدان الثائرة ثورات لا
انقلابات. على اعتبار أن الانقلاب يبدأ
وينتهي باستلام السُّلطة وممارسة
الثأر، بينما الثورة هي التغيير
والبناء. أما نحن العراقيين فتشاكل
علينا الأمر، ومازلنا مختلفين حول 14
يوليو 1958 أثورة أم انقلاب؟! ووفق
الجواب تحدد الهوية أضد أم مع. 14 يوليو
خلقت لنفسها بداية نهايتها عندما مورس
الانتقام، بسماع صوت الرجل الثاني
آنذاك يحرض على السَّحل، وجرى ما جرى،
والحديث يطول حتى يصل بنا المطاف إلى
التاسع مِن أبريل 2003، وهو تشاكل آخر في
التسميات، فلا هي ثورة ولا هي انقلاب. حدثٌ ليس لحزب أو شخص أو جماعة فضل فيه،
تسلم الجميع الأمر على طبق من ذهب، ومع
ذلك بدأ الانتقام، وكانت رصاصة الثأر
الأُولى بالسَّيد عبد المجيد الخوئي،
على الرَّغم أنه كان مِن معارضي
النظام، ثم بالفنان داود القيسي. كان
الأخير مُنشداً للبعث منذ 1968، تذاع
أناشيده أو أغانيه بعد كلِّ إعلان عن
محاولة انقلاب صادقة أو كاذبة ومواسم
الحروب. ليس لديَّ تفسير لقتله سوى
الثأر، والفاعل مَن كان يعتبر صوته
خلال الحرب نشازاً، مثله مثل تصفيات
الطيارين. كان قتلهما، مع اختلاف أسباب
الانتقام مِن كلِّ منهما، إيذاناً
بسيل دم جارف. فبدلاً مِن النظر في الأفق إلى عراق جديد
ظهر القادمون عاجزين عن تجاوز ثقافة
خصمهم السابق نفسه؛ فما هي إلا أيام
ويُعلن قانون الاجتثاث، الذي ساهم في
تدشين فصل جديد مِن الكراهية. وها هي
الأصوات تطالب بالمزيد مِن الإعدامات
للبقاء على الخصم فعالاً، وإلا سيموت
الشعار: "لا للصَّداميين"، الساتر
لفظائع الكبائر. هناك تجارب مهمة في الماضي الغابر، كان
أرزؤها تجربة الثورة العباسية، عندما
استهلت انتصارها بالانتقام، بداية مِن
نبش القبور وانتهاء بالقتل الذريع،
ومعلوم أن الأمويين مارسوا الشتم على
المنابر حتى تفجرت الصدور غيضاً. روى
ابن الأثير (630 ه) في كامله المشاهد
بتفاصيل رهيبة. فمن حصيلة ما عثر عليه
النباشون من جثث الأمويين: خيطاً
عظمياً لمعاوية، رماداً لابنه يزيد،
جمجمة لعبد الملك، ضلوع ورأس ابنه
سليمان، مجموعة عظام الوليد، وربما
احتاط هشام لموته فأوصى أن يرش جثمانه
بمادة حافظة، فبعد سبع سنوات مِن دفنه
ظهرت جثته سالمة لا ينقصها سوى أرنبة
أنفه، فأخرجوه وجلدوه ثم أحرقوه وذروا
ترابه في الماء والهواء، ثأراً لزيد بن
علي(قُتل 122 ه). وهنا ما قيمة ثورة
الأخير إذا كان ثمنها نبش القبر وصلب
الرُّفاة. ولو قُيظ للإمامين زيد أو
الحسين (قُتل 61 ه) الرجوع، حسب فكرة
الرجعة، وقالا: ليس لنا ثأر مع أحد!
لقُتلا بهذا القول! لأنه سيمنع أرزاق،
ويحجب وجاهات! اقترن إعلان أبدية الدولة الجديدة بقتل
السفاح (ت 136 ه) صديقه القديم والمستأمن
بقصره سليمان بن هشام بن عبد الملك
وولديه، مع قطع رؤوس سبعين أو تسعين
رأساً من أمراء بني أمية، وأتباعهم
كانوا محتمين بحماه، فأنساه الاقتدار
ذلك. تم ذلك بتحريض من سُدّيف بن ميمون (قُتل
149 ه) الشاعر، وقيل إن أبا مسلم
الخراساني (قُتل 137 ه) حرضه على القول(ابن
تغري، النجوم الزاهرة): "لا يغرنك ما
ترى من رجالٍ.. إن بين الضلوع داءً دويا..
فضع السيف وأرفع السَّوط حتى.. لا ترى
فوق ظهرها أموياً". لحظتها فزع الأمير الأموي وناشد للشاعر:
"قتلتني يا شيخ"! كان سُدّيف مقلاً
بدوي حالك السَّواد مِن أهل الحجاز،
متعصباً لبني هاشم، كثير التحريض على
الثأر من آل أمية، لكن دائرة الثأر
التي سخر شعره لها لم يسلم هو منها، فما
هي إلا سنوات ويقتله والي مكة أيام أبي
جعفر المنصور(ت 158 ه) بتهمة التشيع.
وانظروا كيف تحول أخذ ثأر العلويين إلى
قتل أتباعهم! لأن الجوهر هو ثمرة الثأر! ظل تحريض سُدّيف يتداوله الملوك والأمراء
كلما صادفوا أموياً هارباً، وإن لم يكن
من أهل المُلك، فقد استشهد بأبياته
المهدي بن المنصور (ت 169 ه) لما حضر بين
يديه "رجل من بني أمية كان يطلبه"(ابن
قتيبة، عيون الأخبار)، فأنشد الأبيات
نفسها بعد تأخير وتقديم. ولسُديف هذا
أبيات تحريضية أُخر استشهد بها عمّ
السفاح والمنصور عبد الله بن علي (مات
في سجن ابن أخيه 147 ه) يوم قابل أحد
الأمويين: "علامَ، فيمَ نترك عبد شمس...
لها في كلِّ راعية ثغاء! فما بالرمس في
حرّان منها... ولو قُتلَت بأجمعها وفاءُ"(الطبري،
تاريخ الأمم والملوك). لسنا ممَن يسقطون الماضي على الحاضر، في
الأخبار والأفعال، إنما هي تجاريب، قد
يكون سُديف محقاً في ما قال، إذا كان
الأمر بحجمه الشخصي وزمنه، لكن أبياته
ما زالت فعالة في الرؤوس، حتى صار نبش
القبور ثقافة شائعة وعرفاً جارياً، في
عصرنا الراهن، والشواهد لا تعد. وكأن
الزمان توقف عن الجريان، ويُنسب لأبي
العلاء (ت 449 ه)، ما لم أجده في لزومياته
ولا في ديوانه "سِقِط الزَّند":
"الدهر كالدهر والأيامُ واحدةٌ..
والناسُ كالناس والدنيا لمَن غلبا".
إنه دهرنا المنكوس فحسب، أما دهور
الآخرين فهي سلالم ارتقاء! الارتقاء
الذي رفع البلدان الإسكندنافية مِن
الفايكينج إلى أروع أنظمة حكم إنسانية. إذا أرادت الشعوب الثائرة التخلص مِن
مثقلات الماضي، لابد مِن تجاوز ثقافة
سُديف، فإنها قتلت الحسين مرة أخرى،
وجرت الدماء في طاحونة تبادل المصائر.
وإذا لم تهضموا تجربة جنوب أفريقيا،
فأمامكم أوروبا الشرقية، عند لحظات
التغيير وضعت الماضي خلفها، وتقدمت
لبناء الديمقراطية، والخلاص مِن إرث
ديكتاتورية الأشخاص، مِن دون أن تشهد
نوبات انتقام، وهي شعوب كان التخلف
يكتنف العديد منها. ليست هناك فائدة مِن رفع شعار إعدام
مبارك، أو زين العابدين وغيرهما،
مثلما لم يجن العِراق الاستقرار
بإعدام صدام حسين (2006)، والمطالبة
بإعدام مسؤولين سابقين، فالإعدام
الحقيقي لهؤلاء هو فرض ثقافة جديدة،
فما قيمة الفعل الثوري الذي يتحول إلى
لحظة انتقام، وما قيمة الدماء التي
سفكت مِن أجل الحرية إذا استحالت إلى
زيت لنار الثأر. قيل: "الثورة تأكل
رجالها"، نعم بتبادل الانتقام! ================ د.خالص جلبي الاتحاد تاريخ النشر: الأربعاء 07 سبتمبر
2011 يقول الخبير النفسي:" إذا كنت تنتمي إلى
مجموعة صغيرة من النخبة الحاكمة
والمحدودة العدد، وتريد السيطرة على
مجموعة كبيرة من البشر، أوّل ما
ستستنتجه هو أن السيطرة المباشرة (بالقوة
أو التهديد) غير مجدية أبداً وليس لديك
أي فرصة في فعل ذلك. فبالتالي، الفرصة
الوحيدة التي تمكنك من حكمهم هي
السيطرة على عقولهم.." ويقصد بعبارة "السيطرة على العقول"
التأثير والتحكّم بطريقة تفكير الشخص،
بالإضافة إلى الأمور الذي يفكر بها. ويتم الاستعانة بوسائل غسيل الأدمغة في
جميع المجتمعات تقريباً. وهذه الوسيلة
عرفت منذ زمن سحيق، وأثبتت أنها وسيلة
مجدية جداً في مساعدة السلطات على حكم
الرعايا والسيطرة عليهم. أما اليوم فهي
تستخدم بقوّة وعلى نطاق واسع، ذلك بفضل
وسائل وتقنيات متطوّرة وفتاكة (كالتلفزيون).
وأقدم وسيلة للسيطرة على العقول هي
التحكّم بالمعلومات التي ينهل منها
الشخص. أي عملية الحدّ من كمية
المعلومات، وبالتالي الحدّ من مستوى
التفكير، وهذا يؤدي إلى أفق ضيّق
ومحدود، مما يعني أن الأمور التي وجب
التفكير بها تصبح محدودة، فالنتيجة هي
أن الخيارات تصبح محدودة. وأتذكر عند هذه النقطة ثلاث أفكار؛ واحدة
لعالم النفس السلوكي "سكينر"،
والثانية للفرنسي "آتيين دي
لابواسيه" صاحب كتاب (العبودية
المختارة) الذي نشرنا نصه مع مقالات
شارحة بعنوان (فقد المناعة ضد
الاستبداد) بواسطة دار نجيب الريس،
والثالثة من أفكار مالك بن نبي حول فن
إدارة الصراع عن طريق آلية المرآة
العاكسة، وهي نفس الفكرة التي أشار
إليها روبرت غرين في كتابه لعبة (القوة)
ب 48 قاعدة. فأما "سكينر" فكان يشير بوضوح إلى
الولادة بمساعدة القابلة (الداية) أي
إمكانية الإيحاء للآخرين أن يفعلوا ما
نريد ولكن بإرادتهم هم، وهم بذلك
ينفذون إرادتنا ولكن من خلال إرادتهم،
أشار إلى هذا في كتابه ما بعد الحرية
والكرامة وهو كتاب جدير بالاطلاع
نشرته دار عالم المعرفة الكويتية
بعنوان تكنولوجيا السلوك الإنساني. أما الفرنسي "لابواسيه"، فقد أشار في
كتابه العبودية المختارة أن أباطرة
الرومان كانوا يشغلون (الموب أي الرعاع)
بحفلات المصارعة ورمي الخبز عليهم
وإشغالهم بالتوافه في حين يمتص
الرومان دم المستعمرات. أما مالك بن نبي، فأشار في كتابه (شروط
النهضة) إلى آلية المرآة العاكسة
وكيفية تحطيم أو رفع الآخرين بآليات لا
يدركها من تطبق عليهم آليات الصراع.
ولكن الرجل رحمه الله وصل به الأمر إلى
حد الهلوسة والوسوسة، فكان يضع عشرة
أقفال على باب بيته، ويتخيل أن
المخابرات يسلطون على دماغه تيارات
خفية، وأن الاستعمار الفرنسي خلف
الباب في كل مكان، حتى هرب إلى عبد
الناصر في مصر خوف الاعتقال، فوقع بما
أراد الهرب منه، كما يقول المثل من
المطر إلى المزراب. اذاً كما فعل الأنظمة الشمولية في العالم
العربي وانتهت إلى بوار أفضل شيء
للتلاعب بالعقول هي إشغال الرعايا
بمسائل ثانوية غير مهمة. فيتناول الناس
هذه المواضيع الجانبية ويشغلون معظم
تفكيرهم بها. وهذا يمنعهم من رؤية
الصورة الكبرى. وبما أن الناس عجزوا عن
رؤية السيناريو بالكامل، تذهب بالتالي
جهودهم الفكرية سدىً. ولكي يطبق
المتحكمون قبضتهم على الرعايا بشكل
كامل ومطلق، يعملون على صنع "واقع
مزوّر" يبقى راسخاً في وعي الشعوب
ويستمر عبر الأجيال المتعاقبة إلى أن
يألفه البشر ويؤمنون به على أنه يمثّل
الحقيقة"... وهذه اللعبة هي قمة الدهاء وبين أن
تَستَغل وتُستَغَل شعرة فليس مثل
الوعي نوراً. ================ عمر العمر التاريخ: 07 سبتمبر 2011 البيان أبواب التفاؤل أمام »المهمة المستحيلة«
لنبيل العربي في دمشق تبدو اليوم موصدة.
الشعب السوري حسم موقفه كما قال أمير
قطر بعدم الرجوع إلى الوراء في الزمن.
في المقابل لايزال النظام مصراً على
الاعتراف بوجود أزمة ومن ثم يرفض
الإصغاء إلى الجيران والعشيرة. الانسداد السوري يؤكد الحاجة إلى مخرج
ثالث. التوغل في العنف لم يخمد الغليان
الشعبي. التضحيات السخية من قبل
المتظاهرين لم تحقق شيئاً من مكاسب
الثورة. الطرفان يدوران في دائرة مغلقة.
كلما غلَّظ النظام أدوات القمع اتسع
صبر الشعب. كأنما دخلت سوريا في سباق
محموم يتنافس فيه عنف النظام واحتمال
الشعب. في سباق من هذا النوع يخسر الوطن
والشعب والنظام. الاحتفاظ بجذوة الأمل تعين على احتمال
تحقيق أمين الجامعة العربية قدراً من
الاختراق إذ ربما أدرك المسؤولون في
دمشق حتمية ايجاد مخرج ثالث. لابد لأي
عاقل من الاعتراف بفشل الحل الأمني.
على نقيض هذا الرهان الخاسر فإن الواقع
يثبت استشراء الهبة الشعبية واتساع
رقعتها مع تصعيد العنف وتنويع أدواته. الاعتراف بوجود أزمة حقيقية يشكل أرضية
صلبة لنجاح مهمة نبيل العربي في دمشق.
على المسؤولين في سوريا التنازل عن دور
القائد المعلم المستعصم بالحق والرافض
سماع النصائح. الشعب السوري يؤكد أنه أبعد حكمة وأكثر
قابلية للتعلم والتأقلم والابتكار. مع
أن القناعة الراسخة تقول إن العنف لا
يولِّد إلا عنفاً، فإن الشعب السوري
يثبت نقيض ذلك. المتظاهرون السوريون
يرفضون في إصرار مثير للاحترام رفض
الرد على العنف بعنف مضاد. من أبرز
خصائص الثورة السورية اللافتة
اعتمادها على قدراتها الذاتية في
الصمود والنمو. السوريون ثابروا في
تصعيد احتجاجاتهم عبر مخاض تلقائي
بإيقاع يتصاعد يومياً. من خلال هذا
المخاض تطوِّر الثورة أدواتها وتوسّع
دوائرها وتنجب قياداتها. كل السوريين
مجمعون على رفض أشكال التدخل الأجنبي
على أرض الوطن. تلك قيمة ثورية أخلاقية مضافة إلى رفض
الشعب المساومة على الحرية والكرامة.
في المقابل، يواجه النظام بعضاً من
الاتهام والاندفاع في طريق العنف
بتحريض من جهات خارجية. هذه إحدى فواصل القيمة المضافة بين
مسيرات الشعب ومنهج النظام. ماكينة
العنف أفرزت صوراً وممارسات ومشاهد
كرست صوراً منزوعة من الحد الأدنى من
الرضا الأخلاقي. الذاكرة العربية
مثخنة بصورة تعذيب الطفل حمزة الخطيب
ومشهد قتل الفنان إبراهيم قاشوش
وممارسات الاعتداء ضد الرسام علي
فرزات. المشهد السوري برمته في الشهور
الخمسة الأخيرة يجسد حاطباً ليلياً
أعمى. كلاهما الشعب والنظام في سوريا أحوج ما
يكونان إلى مخرج ثالث يستبدل طريق
التظاهر اليومي المكلف ومسار العنف
العشوائي الممنهج. شعب لا يحصي شهداءه
وسجناءه في سبيل تحقيق طموحاته
الوطنية جدير باختزال معاناته. نظام
يتمتع برصيد قومي يستحق بلوغ نهايات
مشرفة. مهمة نبيل العربي ربما تكون الفرصة
الأخيرة من أجل وصول معادلة سورية
نبيلة تحقق تطلعات الشعب وترضي النظام.
هذه معادلة مستحيلة. العربي أمام
خيارين. اما الانحياز للشعب أو
الانحياز للنظام. هذا موقف مستحيل في
ظل الانسداد السوري. ================ رضا محمد المحمدي() المستقبل 7-9-2011 تشهد الساحة العربية منذ مدة حراكاً
سياسياً أذهل كل المراقبين والمفكرين
والسياسيين، لما انطوى عليه من دخول
الشعوب العربية المشهد السياسي
الداخلي والدولي، واستعادة حقوقها
التي انتهكت بفعل الغبن والخداع والغش
السياسي الذي مارسته هذه الطبقة
السياسية الساقطة. إلا ان هذا التحول
السياسي الداخلي سيؤدي من دون شك إلى
تحولات استراتيجية في المنطقة العربية.
تبعاً لذلك نود طرح السؤال الآتي، ألا
وهو هل ان محور الممانعة لا يزال
موجوداً وما تأثير ذلك على المقاومة؟ ان الاجابة عن هذا السؤال تستدعي منّا
ولأول وهلة القول بأنّ المرحلة التي
تلي الثورات العربية تختلف عن المرحلة
السابقة. تبعاً لذلك يجب التمييز بين
ما قبل 14 كانون الثاني وما بعده. ولعل
من بين الأخطاء التي يقع فيها بعضهم هو
النظر الى هذه الثورات على انها مجرد
حركات احتجاجية لها مطالب اصلاحية
وقعت ضد الانظمة التي تسير في ركب
الولايات المتحدة، الأمر الذي يعد
مخالفاً للحقيقة، ويعد انتقاصاً من
قيمة هذه الشعوب، وبذلك فإنّ الدول
الممانعة لا يمكن ان يطالها هذا
التغيير طالما انها دول ممانعة، الأمر
الذي يعد التفافاً على حركة الشعوب
العربية واعطائها بعداً وصفة بعيدين
كل البعد على الحقيقة والمنطق، ذلك ان
خيار الاعتدال هو خيار لافراد حاكمين
لا يتمتعون بأية شرعية وليس له أي أساس
شرعي شعبي ومن ثمة فإنّ ذهب بذهاب هذه
الطبقة السياسية، الأمر ذاته ينطبق
على دول الممانعة التي لم يكن خيارها
انعكاساً لارادة الشعوب، وانما كان
مجرد شعار لاجل اضفاء الشرعية ولاجل
غايات براغماتية، وهو ما يمثل انقسام
النخبة العربية الحاكمة ولا يعبر عن
انقسام الشعوب التي لا يمكن الشك في ان
سقفها السياسي اعلى من خيار الممانعة،
فهل يمكن اتهام شعب بأكمله بأنه يتآمر
على السلطة؟ هل يمكن للشعب ان يتآمر
على نفسه؟ والتآمر عادة ما يقوم به
افراد ضد افراد ولا يمكن لشعب أن يكون
عميلاً. فهل تعني المطالبة بالحرية
والمساواة والمواطنة انقلاباً على
الممانعة وكأن الممانعة خيار لا يمكن
أخذه في ظل نظام ديموقراطي الذي يعد
نظاماً ضد التحرر والممانعة ما يعني ان
هذه الشعوب قاصرة عن اخذ هكذا قرار بل
ان هذا القرار لا يمكن أخذه من شخص له
جينات سياسية وراثية وحده وكأنه
انتصار سياسي والحد الأقصى والحل
الأمثل لمشكلة الاحتلال وكأنه انتصار
يذكرنا بمعركة حطين، إلا ان اللحظة
التاريخية برهنت على ان هذه الشعوب
يمكنها ان تتجاوز هذا الخيار الذي لا
يعد الخيار الوحيد. ولعله من المؤكد
القول بأننا تجاوزنا مرحلة الزعيم
الأوحد الى مرحلة الانسان العربي، من
مرحلة ممانعة الزعيم الزائفة الى
مرحلة ممانعة الشعوب. وإذا ما تأملنا
في الخارطة السياسية العربية لوجدنا
لعبة التوازن القديمة قد زالت وذلك
بذهاب النظام المصري فهل ان الغرب الذي
يصفه بعضهم بالمعادي يسمح باندحار
محور الاعتدال، والانظمة التي سقطت هي
من اكثر الانظمة تعاملاً مع الغرب؟ فهل
ان هذا الغرب يتآمر هو الآخر على نفسه؟!
إذا الاصح والاقرب للمنطق موضوعياً
القول بأنّ الغرب يتآمر على محور
الاعتدال ومحور الممانعة معاً وإذا ما
قبلنا بهذا التحليل فهو تترتب عليه
نتيجة مهمة بل غاية في الاهمية، وهي ان
الغرب لم يعد يتعامل مع الحاكم وانما
أخذ خيار التعامل مع الشعوب، أوليس
بذلك نصر لهذه الشعوب الثائرة وهو ما
يضاف الى الفكر السياسي الغربي. انها
محاولة لسرقة اهم مرحلة تمر بها الشعوب
العربية التي أظهرت للعالم انها تقدس
الحرية وترفض الظلم لاسيما وانه لا يمر
يوم إلا وتقدم القرابين لأجل أهم قيمة
حضارية وانسانية الا وهي الحرية. ان مقولة الممانعة بالمفهوم الديكتاتوري
قد سقطت والشعب الذي يكون ممانعاً ضد
الظلم والاستعباد من اخيه وابن جلدته
لا يمكن أن يكون الا الأكثر شراسة في
ممانعته ضد الاحتلال والاستعمار، انها
مرحلة دمقرطة الممانعة. ولعل هذه
الديموقراطية هي اشد ارتباطاً بتأثير
هذه التغيرات على المقاومة التي
امتلكها بعضهم من دون سند ملكية ومنع
منها بعضهم الاخر من دون وجه حق، والتي
انفصلت عن موقعها الاساسي اي الشعوب
واصبحت مقاومة انظمة مما يجعلها من
الماضي طالما اننا عبرنا من مرحلة قوة
الصواريخ الى مرحلة قوة الديموقراطية
والحرية. انها قوة الشعوب الحرة في هذا
المجال وعند متابعة الصور على
الانترنت وشاشات التلفزيون لا يمكن
لأي عاقل الا ان يعترف بوجود مقاومة
جديدة هدفها تحرير الانسان، أليس
تحرير الانسان بأهم من تحرير الارض،
أليس تحرير الانسان من الخوف من
العبودية من الظلم من الاستعباد من
التخلف من الجوع من شأنه أن يصنع
انساناً جديداً حرا، سيداً، منتجاً،
مبدعاً، محترماً، أمام الامم الاخرى؟
ان هذه المقاومة الجديدة هي التي تصنع
الحضارات والتقدم والابداع ولعل
الانسان يشعر بالافتخار والانتصار
عندما يرى الاطفال يطالبون بالحرية
انه اهم نصر يحققه الانسان. ================ هل اطمئنان النظام
السوري في محله؟ سركيس نعوم النهار 7-9-2011 الأخبار الواردة من دمشق على عدد من
المتصلين بها تشير الى ان القيادة
السياسية السورية العليا لا تزال
واثقة من قدرتها على التعامل مع "الانتفاضة
الشعبية" المندلعة منذ ستة اشهر وما
تسميه هي عصابات التخريب المدفوعة من
الخارج الاميركي – الاسرائيلي بغية
ضرب نظام الممانعة الوحيد في العالم
العربي. فالجيش السوري ورغم ما يبثه
بعض الإعلام المرئي "المغرض"
وتنشره وسائل الإعلام الاخرى عن
انشقاقات داخله لا يزال متماسكاً، ولا
يزال ولاؤه للنظام تاماً، ولا يزال على
جهوزيته المعروفة للتعامل مع التطورات
التي قد تستجد في سوريا. ولا يقلل ذلك
"فرار" عدد من العناصر منه
والتحاقهم بالمنتفضين، لأنهم يبقون
افراداً عاجزين عن اطلاق "فرار"
جماعي وعن ضمّ قطعات عسكرية مهمة بكامل
سلاحها وعتادها اليهم. وعدد التظاهرات الشعبية في رأي القيادة
المشار اليها اعلاه الى تراجع وكذلك
عدد المشاركين فيها. هذا فضلاً عن
التراجع في اعداد ضحايا "تصدي"
القوى الامنية والعسكرية لها. وقيادة
النظام السوري لا تشعر بالهلع على
الاطلاق. وقد ظهر ذلك من طريقة تعاطيها
مع الاجتماع الاخير لمجلس جامعة الدول
العربية الذي اصدر بياناً سلبياً حيال
دمشق، وقرر ابلاغه الى القيادة فيها
بواسطة لجنة عربية يكون الأمين العام
للجامعة في عدادها. فهي رفضت البيان،
ونفت ان يكون تمّ الاتفاق على اصدار اي
بيان، وخفّضت مستوى مشاركتها في
الاجتماع الذي كان على مستوى الوزراء
ورفضت استقبال اللجنة العربية، ولم
تُعطِ الأمين العام للجامعة الضوء
الاخضر للقيام بالزيارة منفرداً الا
بعد انقضاء اسبوع او اكثر افهمته اثناء
المشاورات التي تخللته ان شرط
الاستقبال والبحث هو غياب اي شيء اسمه
"ابلاغ" او "بيان" او "موقف
رسمي عربي جماعي". كما ظهر عدم شعور القيادة السياسية
السورية العليا بالهلع من خلال
الاتصالات المستمرة وإن بتقطع بين
سوريا ودول عربية عدة منها قطر. فهي
اكدت لبعض هذه الدول الذي ابلغ اليها
انه يحمل مشروعاً اصلاحياً لسوريا
عماده الديموقراطية والحرية واحترام
حقوق الانسان وما الى ذلك، ان الهدف
الاساسي من التحرّك في الشارع السوري
او بالاحرى من دفع الغرب وحلفائه العرب
بعض هذا الشارع الى التحرّك هو تهيئة
الظروف لسلام مع اسرائيل بشروطها وليس
سيادة العدل والمساواة بين ابناء
الشعب السوري واطيافه المتنوعة. كما
تساءلت امامه عن صدق "غرامه"
بالديموقراطية مع الدول العربية
الاخرى وخصوصاً الخليجية منها التي لم
يُعرف عنها يوماً إحترام لحقوق
الانسان او للتنوع والتعددية الاثنية
والطائفية والمذهبية. الى ذلك كله لا تشعر قيادة النظام السوري
بالهلع لأنها تعرف ان الغرب يعرف ان
سوريا ليست ليبيا، وان عملاً عسكرياً
جماعياً دولياً او شرق اطلسي ضدها ليس
وارداً عنده وخصوصاً عند اميركا.
ولأنها تعرف ايضاً ان زعيمة هذا الغرب
لم تصل الى حد طلب تنحّي الاسد إلا قبل
اسابيع لأنها تخاف البديل من نظامه في
ضوء ظهور قوة الاسلاميين من "اخوانيين"
وسلفيين ومتطرفين ليس في سوريا فحسب بل
في العالم العربي كله. هل ثقة نظام سوريا بنفسه وأهله به
المفصّلة اعلاه في محلها؟ المتابعون الموضوعيون من لبنان وعدد من
المتابعين الاميركيين يؤكدون ان نظام
الاسد لا يزال قوياً وبعيداً من
الانفجار من داخل، ذلك ان في مقابل
القسم من الشعب المقهور والمطالب
باسقاطه هناك قسم آخر لا يزال معه، وهو
يمثّل عناصر "مفتاحية" من المجتمع
السوري. فضلاً عن ان تشرذم المنتفضين
يدفع الى التساؤل عن إمكان نجاحهم في
قلب النظام. لكنهم يقولون في الوقت
نفسه ان النظام السوري اكد لحلفائه
اللبنانيين اكثر من مرة انه سيقضي على
الانتفاضة خلال اسابيع. لكنه كان يمدّد
المهلة كل مرة يراهم فيها الى درجة ان
بعضهم "العليم" قال انه سمع من
مرجعيات عليا ان النظام يحتاج الى سنة
للتخلّص من الانتفاضة، علماً ان بعضاً
آخر منهم سمع بعد ذلك ومن دمشق ان
القضاء عليها يستلزم سنتين. في اختصار المراقبة الميدانية تشير الى
عدم سهولة قضاء النظام على الانتفاضة
من دون استعمال اسلوب حماه لعام 1982، أن
الظروف الدولية والاقليمية لا تسمح
به، ولأن مضاعفاته على مستعمله قد تكون
سلبية. وتشير ايضاً الى عدم استسهال
نجاح الانتفاضة في "اسقاط النظام".
ويعني ذلك ان الوضع الراهن في سوريا
"سيعِسّ" اي سيستمر حريقه مع
فترات من الانطفاء قد تكون قليلة.
وعواقب ذلك وخيمة على السلم الاهلي في
سوريا كما على لبنان. ================ نقاط على الحروف بشأن
شلال الدم في سوريا الأربعاء، 07 أيلول 2011 01:04 السبيل عليان عليان منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية الشعبية في
سوريا في منتصف آذار الماضي، انقسم
الرأي العام العربي بشأنها بين مؤيد
ومعارض، في حين اختار البعض الآخر
موقفاً وسطاً يطالب بالإصلاح ويحذر من
المؤامرة ويطالب بوقف إراقة الدماء،
وعدم الوقوع في براثن المخططات الصهيو-
أمريكية. واللافت للنظر أن الانقسام في الرأي
العام العربي حدث حيال الحراك الشعبي
في سوريا، ولم يحدث في الحالتين
المصرية والتونسية، بحكم أن الرأي
العام العربي مشدود في جزء كبير منه
إلى الموقف من الصراع العربي- الصهيوني
والموقف من التسوية والتطبيع ومن
علاقات التبعية لأمريكا، حيث يتمايز
موقف النظام السوري عن مواقف نظامي
مبارك وبن علي المخلوعين وغيرهما. ولعل قراءة متأنية لمختلف المواقف بشأن
ما دار ويدور في سوريا تقود إلى عدة
استخلاصات، من بينها أن الذين هاجموا
مبكراً النظام السوري بعنف منقطع
النظير وطالبوا بإسقاطه، هم إما فئة من
المؤيدين السابقين لمواقف النظام
وسياسته الخارجية، لكن فظاعة صورة
القتل المستشري والمجنون من قبل اجهزة
النظام الأمنية للمواطنين الذين
انتفضوا ضد الفساد والاستبداد.. هزتهم
بعنف ودفعتهم إلى تغيير موقفهم. وإما انطلقوا من مواقفهم المسبقة من
النظام قبل اندلاع الانتفاضة الراهنة،
بحكم رفضه لخيارات التسوية بالشروط
الصهيو- أمريكية، وبحكم موقفه الداعم
للمقاومة وبخاصة مقاومة حزب الله
وهؤلاء ينتمون إلى معسكر الاتفاقات
والمعاهدات والتطبيع مع الكيان
الصهيوني والتبعية لواشنطن. وإما أنهم مشدودون لجانب ثأري، أو موضوعي
مع النظام على خلفية الموقف من قضية
الحريات وعلى خلفية مجزرة حماة عام 1982،
التي ارتكبت في ظروف الاستقطاب إبان
الحرب الباردة، رغم عدم اختلافهم مع
سياسته الخارجية الراهنة.... وإما أنهم
ينتمون إلى معسكر نفطي يستهدف سوريا
الوطن والدور والدولة ويأتمر بتعليمات
البيت الأبيض في واشنطن. أما البعض الذي وقف موقفاً مؤيداً للنظام
السوري رغم مصرع ما يزيد على ألفي
مواطن سوري، وتحت زعم أن الوطن أهم من
حقوق الإنسان السوري وحرياته، أو تحت
مبرر أن هنالك مؤامرة خارجية تستهدف
النظام في سوريا على خلفية مواقفه
السياسية، فهذا البعض موزع على أكثر من
لون سياسي، من ضمنه لون الارتباط
البرغماتي في سياق المصالح المشتركة
مع النظام التي تأخذ في كثير من
الأحيان أبعاداً وطنية وقومية، في
إطار الصراع مع المشروع الصهيو- أمريكي
في المنطقة ولون الارتباط الأيدولوجي،
ولون الارتباط الطائفي ولون الارتباط
المصلحي الأناني على حساب حقوق الشعب
وحرياته وكرامته. وهنالك البعض كما أسلفت يرفض التخندق في
هذه المرحلة رغم قناعته بالأسباب،
التي قامت من أجلها انتفاضة آذار، ورغم
إدانته بقوة عمليات القتل التي
ترتكبها أجهزة الأمن السورية... إلا انه
يؤكد ويحذر من المؤامرة الغربية
ومؤامرة النفط العربي على النظام
سوريا التي استثمرت تطورات الأحداث،
لضرب دوره الممانع والداعم للمقاومة،
ويرى أن المخرج يكمن في الحوار المؤدي
للإصلاح والتغيير. بعد هذا الاستعراض السريع لمواقف مختلف
الاتجاهات بشأن الانتفاضة السورية
الراهنة والنظام والمواقف حيالهما،
يمكن تسجيل النقاط التالية القابلة
للنقاش والحوار: أولاً: إن الحركة الاحتجاجية السورية
التي انطلقت من محافظة درعا ولتشمل
لاحقاً معظم مناطق سوريا هي حركة وطنية
بريئة، جاءت متأثرة بالربيع العربي ضد
الفساد والاستبداد، ناهيك أنها انطوت
في بعض مضامينها على بعد طبقي فلاحي
جراء ما لحق بالفلاحين من بؤس بحكم
الجفاف وعدم تدخل الدولة للتخفيف من
ضائقة الفلاحين، وكذلك على بعد طبقي
وطني عام بحكم تحول سياسة الإصلاح
الاقتصادي التي أقرها المؤتمر القطري
لحزب البعث عام 2005 من حالة المنافسة
إلى حالة الاحتكار من قبل قلة قليلة
محيطة بدوائر الحكم. ثانياً: هنالك مؤامرة حقيقية على سوريا
النظام والوطن والدور، وهذه المؤامرة
قديمة- جديدة ويمكن التأريخ لها منذ
مؤتمر مدريد، بحكم رفض النظام السوري
القبول بشروط التسوية الصهيو-
أمريكية، وفي الذاكرة رفض الأسد الأب
عودة الجولان بدون شواطئ طبريا
الشرقية ورفضه معادلة انسحاب الجيش
السوري 40 كيلومتراً عن خط الحدود، في
عمق الأراضي السورية ومحطة الإنذار
المبكر في جبل الشيخ التي طرحها الرئيس
الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، إبان
لقائهما في جنيف في منتصف تسعينيات
القرن الماضي. لقد استهدفت المؤامرة الأمريكية
الصهيونية النفطية على سوريا تطويع
النظام في سوريا، عبر الضغط عليه
للتراجع عن تحالفاته مع إيران، وحزب
الله والمقاومة. وإذا ما رفض يتم العمل
على إسقاطه وتقسيم سوريا خدمة للأمن
الصهيوني، وسبق أن حمل وزير خارجية
إحدى الدول الخليجية رسالة أمريكية
خليجية مشتركة إلى الرئيس السوري بهذا
الخصوص، والتي رفضها بقوة على قاعدة أن
العدو الرئيسي هو (إسرائيل) وليس إيران
وأن حزب الله حزب مقاوم. ويمكننا استرجاع التهديدات التي أطلقها
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن
باول للنظام السوري ومن داخل دمشق
نفسها غداة احتلال العراق، بأن على
النظام السوري أن يعي أن القوات
الأمريكية باتت على حدوده مع العراق،
وان عليه أن ينفذ كذا وكذا...إلخ، ويمكن
استرجاع مصيدة اغتيال الحريري عام 2005
وإلقاء التهم الزائفة بسوريا من اجل
حصارها وتطويعها، ويمكننا كذلك تذكر
كيف تمكن حزب الله -وبدعم من سوريا- من
إفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد من
البوابة اللبنانية، عبر انتصاره
التاريخي على العدو الصهيوني في تموز
2006. ثالثاً: رغم أن النظام السوري أدار الصراع
بقوة واقتدار مع واشنطن و"إسرائيل"
وتحالف 14 آذار اللبناني وضد نظام كامب
ديفيد البائد ونظام العصور الوسطى
النفطي وأزلامهما في الإقليم، وتمكن
من فك العزلة وإفشال الحصار، إلا أن
هذا النظام فشل فشلاً ذريعاً في
التعامل مع الأزمة الداخلية، من خلال
لجوئه للخيار الأمني دون أدنى استفادة
من تجربتي مصر وتونس، ناهيك أن الخطوات
التي طرحها للإصلاح رغم إيجابية
مضمونها كانت ملتبسة، وجاءت في سياق
فوقي وليس محصلة حوار مع قوى المعارضة
الحية والشريفة داخل سوريا. رابعاً: إن لجوء النظام السوري للحل
الأمني واستسهال القتل هو من سهل
لاحقاً مهمة المؤامرة الخارجية
وأدواتها المسلحة على سوريا النظام
والوطن والدور ، فالمؤامرة تحتاج إلى
بيئة ملائمة حتى تفعل فعلها، وقد وفرت
الدولة الأمنية في سوريا هذه البيئة
لكل من يريد التآمر على سوريا، مع
ضرورة التأكيد من واقع المعطيات أن
الحركة الاحتجاجية في انطلاقتها لم
تكن بفعل مؤامرة أو متآمرين. خامساً: المتآمرون كثر، فأمريكا وإسرائيل
ودول الغرب لا داعي للإسهاب حول دورهم،
وبعض دول النفط المستعمرة (بفتح الراء)
اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وصاحبة
السجل الأسوأ في قضايا الحريات وحقوق
الإنسان تحولت فجأة إلى قاعدة لدعم
الثورات في العالم العربي ورافعة
لقضية الحريات والديمقراطية!! وهي التي
سهلت مهمة الأمريكان في احتلال العراق
وفي إحكام الحصار على قطاع غزة، وهي
تريد -وعلى حد تعبير المعارض السوري
هيثم مناع- أن تحول الحراك الشعبي في
سوريا إلى أداة حرب بالوكالة لصالحها
ضد إيران. وبات واضحاً ان هنالك جماعات مسلحة في
سوريا بغض النظر عن حجمها، بعضها يعمل
في إطار ثأري والبعض الآخر مرتبط
بالقوى المتآمرة على سوريا، مع
الإشارة إلى أن عمليات القتل التي
تنفذها أجهزة الأمن بحق المتظاهرين
ليست كلها في إطار الهجوم على
المجموعات المسلحة. سادساً: تقتضي الموضوعية التفريق بين
المعارضة الوطنية في الداخل وبين بعض
أطراف المعارضة المشبوهة في الخارج،
كالتي يمثلها خدام والغادري وأرباب
مؤتمر باريس، وأصدقاء الصهيوني برنارد
ليفي وغيرهم والتي تلوح برفع العلم
الإسرائيلي فوق دمشق وإغلاق مكاتب
حماس وبقية فصائل المقاومة فيها. سابعاً: لقد قطعت الحركة الاحتجاجية
السورية شوطاً كبيرا، وكلما أوغل
النظام السوري في الخيار الأمني طور
المنتفضون شعاراتهم، ورفعوا من سقف
مطالبهم التي تجاوزت مجرد إسقاط
النظام، لكن قراءة للصورة الحالية في
سوريا تقول ما يلي: إن النظام عشية الشهر السادس للانتفاضة
لا زال متماسكاً رغم زخم الحراك الشعبي
ورغم زخم الضغوطات الغربية، وسر
تماسكه يكمن في ولاء الجيش والأجهزة
الأمنية له، وفي تحالفه مع البرجوازية
التجارية السنية في كل من دمشق وحلب،
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى استناده
إلى الموقفين الروسي والصيني في مجلس
الأمن اللذين يحولان عبر التهديد "بالفيتو"
دون صدور قرار من مجلس الأمن يحاكي
القرار رقم 1973، الذي شرع التدخل
الأطلسي في ليبيا. أما الصورة الأخرى فتقول إن الحركة
الاحتجاجية مستمرة وتكتسب كل يوم
زخماً جديداً، وتعاطفاً من أطراف
إقليمية ودولية وشعبية عديدة، ولا
يمكنها التراجع لأن التراجع قد يفضي
إلى الموت أو الاعتقال. وبالتالي فإن إمكانية الحسم من قبل أي من
الطرفين غير ممكنة في المدى المنظور،
والخشية أن تتجه الأمور باتجاه حرب
أهلية لا تحمد عقباها لا سيما أن
أطرافاً داخلية في إطار النظام
وأطرافاً إقليمية نفطية تنفخ في نار
الحرب الأهلية. ما المخرج إذن لوقف شلال الدم، دون أن
يكون على حساب القضايا التي قامت من
اجلها الحركة الاحتجاجية وما قدمته من
تضحيات؟ المخرج الذي بات البعض هنا وهناك يطرحه
وهو قابل للنقاش يتمثل في ما يلي: أولاً: سحب الجيش وقوات الأمن من المدن
والبلدات السورية، ووقف عمليات القتل
للمتظاهرين، وأن تحدد قوى المعارضة
الوطنية موقفاً رافضاً لعنف الجماعات
المسلحة المرتبطة بأجندة خارجية، ورفع
الغطاء السياسي عنها. ثانياً: الدعوة لمؤتمر حوار وطني شامل
تشارك فيه القوى الوطنية والإسلامية
ذات الأجندة الوطنية المستقلة وغير
التابعة أو المرتهنة للخارج، التي
تلتزم بعروبة سوريا ووحدتها وسيادتها،
وبالخط المقاوم، المناهض للمشروع
الصهيو- أمريكي في المنطقة. ثالثاً: أن يكون الهدف المعلن من المؤتمر
هو تعديل الدستور وحذف المادة (8) منه،
وإطلاق الحريات الديمقراطية في إطار
تداول السلطة، وإعادة هيكلة أجهزة
الأمن. رابعاً: أن تكون القوانين الناظمة للحياة
السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي
مخرجات حوار بين القوى المشاركة في
الحوار، وليست قوانين تصدر بشكل فوقي
بمراسيم رئاسية. ما تقدم يشكل مخرجاً للازمة الطاحنة في
سوريا وبما يحول دون تدويلها، خاصة أن
معارضات مشبوهة في الخارج تدفع باتجاه
تدخل عسكري للناتو في سوريا، يقف على
رأسها عبد الحليم خدام، الذي يرى في
تدخل الناتو عملاً مشروعاً، وليس
فعلاً استعمارياً، في حين أن قوى وطنية
وإسلامية مثل الناصريين "الاتحاد
الاشتراكي الديمقراطي" والإخوان
المسلمين، وإعلان دمشق، لها تأثيرها
الملحوظ في الحركة الاحتجاجية ورموزا
وطنية لها حضورها مثل: الطيب تيزيني
وعارف دليلة وميشيل كيلو وحسن عبد
العظيم، وهيثم مناع وفايز سارة ترفض
بقوة أي تدخل غربي أطلسي في الشأن
السوري. ================ محمد كريشان 2011-09-06 القدس العربي 'من يرشني بالماء
أرشه بالنار' هكذا يقول المثل المتداول
في المشرق العربي عن حمية وقوة الرد
على أي تجاوز من أي كان. هو الرديف
تقريبا لما ورد في معلقة عمرو بن كلثوم
'ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل
الجاهلين'. ثنائية الماء والنار هذه
قفزت إلى الذهن بقوة في تقييم موقف
إيران من رش بالماء بين الشباب في
حديقة عامة في طهران الجمعة الماضية
وموقفها من رش متواصل بالنار في ساحات
وشوارع سورية المختلفة منذ زهاء الستة
أشهر. ما جرى أن السلطات الإيرانية ردت بكل
صرامة وحزم على لهو قامت به مجموعة من
الشباب تراشقوا بالماء من رشاشات
بلاستيكية فجرى اعتقالهم. اعتبرت هذه
السلطات ما حدث 'أمرا خير أخلاقي' بل إن
قائد شرطة الآداب أكد أن الأمن والقضاء
سيتحركان 'بقوة' لمنع 'تكرار ذلك. وفيما
رأت الأجهزة الأمنية في الحادثة 'تحديا
لقواعد المجتمع' لم تتردد شخصيات
قضائية في وصف حالة مماثلة جرت الشهر
الماضي بأنها باختصار شديد 'حرام'. ربما لم يكن المرء يطمع من نظام وصل
السلطة إثر ثورة شعبية عارمة قبل أكثر
من ثلاثين عاما أطاحت بأعتى
الدكتاتوريات في المنطقة سوى أن يكون
موقفه من رش النار في سورية شبيها أو
قريبا من موقفه من رش الماء في إيران.
هل هذا كثير؟! كيف يكون رش الماء بين
شباب في حالة مرح طفولية 'رجسا من عمل
الشيطان' ويكون رش حليف لمواطنيه في
الشارع بالنار والتنكيل بهم تصديا 'لمؤامرة
خارجية' على 'قوى الممانعة' في المنطقة؟! هذه المفارقة التراجيدية وقع فيها أيضا
حزب الله حليف طهران التاريخي. وقف مما
جرى في الجارة سورية موقف الريبة
والمعاداة لتحركات ناس مظلومين
وثائرين على القهر والإذلال. اختار
لاعتبارات سياسية محضة الوقوف مع
القاتل وليس القتيل وغطى ذلك بكلام
كثير غير مقنع لا يبرر ولا يشفع. في
سورية، الثوار ليسوا مسلحين ولا وجود
لقوات أجنبية ومع ذلك فثورتهم بالنسبة
إلى حزب الله في أضعف الاحتمالات
مشبوهة. أما ليبيا التي تطرح فيها
المشاركة العسكرية الأجنبية في
الإطاحة بالقذافي إشكالا معينا بصورة
أو بأخرى، فلا يرى الحزب مانعا من أن
يتوجه إليها 'بأسمى آيات التبريك إلى
الشعب الليبي المنتصر والى ثورته
المظفرة قادة وثوارا بمناسبة هذا
الانتصار العظيم الذي تحقق على
الطاغية المستبد بعد جهاد دام وتضحيات
جسام'!!. مع ذلك جيد أن شرعت طهران وحزب الله ، وإن
باحتشام شديد، في تعديل طفيف في
المواقف وذلك بعد أن اعتبر وزير
الخارجية الإيراني مطالب السوريين
الثائرين 'مشروعة' داعيا السلطات في
دمشق إلى التوصل إلى 'حل بعيد عن العنف'
مع المعارضين، معتبرا أن العنف 'يخدم
مصالح الصهاينة' وبعد أن بدأت جرعة
حديث 'حزب الله' عن ضرورة الإصلاحات في
سورية تتكثف قليلا بعد أن كانت تقال من
قبل في سياق غمغمة سريعة بجملة
اعتراضية تكاد لا تفرز ولا تفهم. كل من إيران وحزب الله لاموا كثيرين على
مواقفهم من حركة الاحتجاجات الشعبية
في البحرين، وهم محقون في ذلك، إذ لا
يجب التشهير والتنكر لمواقف مواطنين
غاضبين من الأوضاع في بلادهم لمجرد
أنهم شيعة. كان لا بد من الالتفات لمدى
مشروعية مطالب الغاضبين في البحرين
وليس خلفياتهم المذهبية حتى وإن بدا أن
حركة الاحتجاج تدثرت بذلك الرداء. في
المقابل، ما نهت عنه إيران وحليفها في
البحرين ارتكبتاه بأكثر فداحة وكارثية
في سورية فقد اختار الإثنان الحكام على
الشعب تماما كما فعل من انتقدهم في
البحرين. حدث ذلك مع أنه لا مقارنة
البتة بين طبيعة النظامين وتاريخهما
ولا حجم القمع والدموية ولا بين عشرات
قليلة سقطت في البحرين ومئات سقطوا في
سورية مع أن أي روح بشرية ولو كانت
واحدة فقط لها قداستها وحرمتها. منطق الماء والنار في التعامل مع الأحداث
أو منطق 'الخيار والفقوس' منطق غير
مستقيم ولا أخلاقي حتى. إما أن تكون من
حيث المبدأ والقناعات مع تحركات
الشعوب وتوقها الطبيعي للكرامة
والحرية والديمقراطية والعدالة
الاجتماعية ونبذ الفساد في كل مكان
وإلا فلا. إذا ما شرعت في الدخول إلى
سراديب الاستثناءات وفلسفة الفروقات
بين هذا البلد وذاك وكل أصناف فذلكات
المأدلجين فأنت حر بلا جدال ولكن على
الأقل لا تلم غيرك إن شرع في ذات المنهج
ولكن مع تبدل في أسماء الدول لا أكثر
ولا أقل. القليل من النزاهة واحترام
العقل لا تقتل!! ================ الاربعاء, 07 سبتمبر 2011 خليل العناني * الحياة أخطأ كثيرون حين وصفوا الثورات العربية
بأنها ثورات «مدنية» لمجرد أنها لم
ترفع شعارات دينية ولم يحتل
الإسلاميون صفوفها الأولى. وهي أطروحة
عكست أمنية وحجة أكثر مما عبرت عما هو
قائم. أما الأمنية فقد تمثلت في أن
مجتمعاتنا حققت أخيراً المعجزة
التاريخية ونحتت، عبر سلسلة من الفعل
الجماعي السلمي (باستثناء الحالة
الليبية)، طريقاً ثالثاً يمكن أن يطوي
ثنائية السلطويين والإسلاميين، وينهي
حالة الانسداد التاريخي للديموقراطية
في بلادنا. في حين تمثلت الحجة (وهي
موجهة أساساً للغرب) في سقوط نظرية
الاستثناء العربي التي شكّلت إحدى
روافع منهج الاستشراق وساهمت في نشر
مقولته الرئيسية بعدم قدرة الإسلام
والديموقراطية على التعايش. ولأن التشخيص كان خاطئاً، كانت النتائج
مريرة، فمن مصر إلى تونس، ينعى
الثائرون ثوراتهم بأن القوى الإسلامية
التي ظهرت بعد الثورة اختطفتها، وتسعى
الآن للهيمنة والاستفراد بثمارها. وقد
وقع بعض الثوّار ومنظرّيهم في الخطأ
التاريخي الذي وقعت فيه أنظمة القمع
والتسلط وهو النظر الى الإسلاميين
باعتبارهم «نشازاً» مجتمعياً
واستثناء ثقافياً وقيمياً يعاكس حركة
التاريخ ويمثل خطراً على الثورة
وقيمها المدنية. ووصل الأمر إلي
استحضار مقولات التخويف من الإسلاميين
على غرار ما كانت تفعل الأنظمة
المخلوعة، وذلك إلى درجة التحريض على
إقصائهم ومنعهم من دخول المجال
السياسي. وبعكس المقولة الرائجة حول «مدنية»
الثورات العربية، يمكن القول إن الدين
كان حاضراً شكلاً ومضموناً في قلب هذه
الثورات، بغض النظر عن سلبية هذا
الحضور أو إيجابيته. ونقصد هنا الدين
بالمعنييْن السياسي/ الحركي،
والهوياتي/ الرمزي. وسأكتفي بالإشارة
إلى بعض الأمثلة التي تؤكد هذه الفرضية.
في ما يخص الحضور السياسي والحركي، كان
الكثير من التيارات ذات المرجعية
الدينية حاضراً في المشهد الثوري
العربي منذ بداياته الأولى. ربما كان
هذا الحضور خفيفاً في البداية، لكنه
ازداد ثقلاً بعدما تأكد الإسلاميون (وهم
دائماً كبش فداء الأنظمة السلطوية) أن
ما يحدث ليس مجرد تظاهرة أو هبّات
محدودة وإنما هو ثورات حقيقية. وبعكس
ما يعتقد البعض، كان غياب الإسلاميين
عن صدارة المشهد الثوري أمراً مقصوداً
وربما إيجابياً في إنجاح هذه الثورات،
خصوصاً في ما يتعلق بحالة التربص
الغربي بالإسلاميين. وقد أشاد شباب
الثورة في مصر وتونس وليبيا بدور
الإسلاميين في حماية الثورات العربية
في مراحلها الحرجة حين ازداد جنون
الأنظمة المتساقطة. ومن المفارقات أن مشاركة الإسلاميين في
الثورات العربية لم تقتصر على فصيل
بعينه. ففي الثورة المصرية كان هناك
الإخوان المسلمون وبقايا الجهاديين
السابقين (صفوت عبد الغني وبعض كوادر
الصف الثاني من الجماعة الإسلامية)،
وبعض رموز السلفية الجهادية (الشيخ
فوزي السعيد وهشام العقدة)، وبعض رموز
السلفية الإعلامية (صفوت حجازي والشيخ
محمد يسري والشيخ محمد عبد المقصود)،
ناهيك عن الإسلاميين المستقلين (سليم
العوا وعمرو خالد ومعز مسعود... إلخ).
وفي تونس شارك أبناء حركة النهضة في
الثورة التونسية منذ بداياتها وإن
بشكل فردي. وفي ليبيا كانت المفاجأة أن
عبد الحكيم بلحاج، الجهادي السابق
وأحد مؤسسي «الجماعة الليبية المقاتلة»،
هو المسؤول الأول والقائد العسكري
لعملية تحرير طرابلس من القذافي والتي
عُرفت إعلامياً بعملية «فجر عروس
البحر». وفي اليمن وسورية هناك دور
ملحوظ تلعبه جماعة الإخوان المسلمين
في تحريك الشارع الغاضب تجاه نظامي علي
عبد الله صالح وبشار الأسد. أما الحضور الهوياتي/ الرمزي فلا يمكن أن
تخطئه العين، فقد جرى استخدام المساجد
كمحطات تعبئة وحشد للمتظاهرين في ما
يشبه شبكات الحركات الاجتماعية
المفتوحة، وارتبطت هذه الثورات بأسماء
مساجد عدة سوف يُخلّد ذكرها مثل مسجد «عمر
مكرم» في ميدان التحرير، ومسجد «القائد
إبراهيم» في الاسكندرية، ومسجد «الشهداء»
في مدينة السويس التي شهدت سقوط أول
ضحايا الثورة المصرية، بالإضافة إلى
المسجد «العمري» في درعا الذي دشن
الثورة السورية. ناهيك عن ساحات الصلاة
في صنعاء وتعز وبنغازي التي تحولت إلى
برلمانات شعبية تطالب بإسقاط حكامها.
وكان من أبرز مشاهد الحضور الرمزي
للدين تلك الصلوات والترانيم التي
أداها متظاهرو ميدان «التحرير» من
المسلمين والمسيحيين قبل سقوط مبارك
بأيام قليلة. إذاً كان الدين، ولا يزال، حاضراً في صميم
الثورات العربية، وهي مسألة لا أراها
معضلة بأية حال، إن لم تكن منطقية
وطبيعية، ليس فقط لأسباب سوسيولوجية
وانطولوجية تتعلق بمركزية الدين ودوره
في ثقافتنا و تشكيل مجتمعاتنا، وإنما
أيضاً لأسباب سياسية وبراغماتية محضة.
فالبنية السلطوية للدولة العربية وإن
لم تسمح بأي قدر من الانفتاح والحضور
السياسي لقوى المعارضة بأطيافها
الليبرالية والعلمانية واليسارية،
إلا أنها كانت أشد قمعاً وإقصاء للتيار
الإسلامي بمختلف توجهاته ومرجعياته
الفكرية. وباستثناء اليمن، لم يكن هناك
أي تمثيل سياسي رسمي للتيارات
الإسلامية في مصر وتونس وليبيا وسورية.
ويصبح منطقياً والحال كهذه، أن تكون
القوى الإسلامية أكثر التيارات سعياً
للحضور والتأثير في مرحلة ما بعد
الثورات العربية. ولعل ذلك ما يفسر
حالة السيولة التي أصابت التيار
الإسلامي في بلد كمصر الذي شهد منذ
سقوط مبارك تأسيس أكثر من 15 حزباً
إسلامياً بمختلف المرجعيات، بدءاً من
السلفية وانتهاء بالطرق الصوفية. بيد أن المفارقة الأكثر جلاء هي ما حدث
طيلة العقد الماضي في الفضاء العربي
العام، فعلى رغم الحظر السياسي
للتيارات الإسلامية وتفكيك بنيتها
التنظيمية والاجتماعية، فإن الفضاء
العام في كثير من المجتمعات العربية
كان يموج بأشكال الأسلمة وتجليّاتها،
فقد تحولت المجتمعات العربية خصوصاً
الشريحة العليا من الطبقة الوسطى
والطبقات الدنيا، من التدّين الجماعي
المؤطر من خلال الجماعات والتنظيمات
الكبيرة، إلى التدين الفردي غير
المنظم الذي غزا كل مظاهر الحياة فيما
أطلق عليه الباحث الفرنسي أوليفيه روا
«تشييء الدين» objectification of religion وهي ظاهرة يمكن تلمسها في
تجليّات عدة، منها انتشار الدعاة
الجدد وتنوعها، وارتفاع نسبة ارتداء
النقاب، وزيادة الطلب على المدارس
الإسلامية ذات النكهة الحداثية،
وتدّين الطبقات الغنية، وزيادة رأس
المال الإسلامي ودخوله مجال
الاستثمارات الفضائية. ووصل الأمر إلى
أن بات التدّين الفردي أشبه ب «الموضة»
في أوساط الشباب العربي الذي بدا كأنه
يعاني نوعاً من الاغتراب وافتقاد
الهوية الجماعية. بكلمات أخرى، فإن
عملية الأسلمة، على الأقل من الناحية
الشكلية، كانت تغلغلت بالفعل في عمق
المجتمعات العربية، بأكثر مما فعلت
الحركات الإسلامية طيلة العقود
الثلاثة الماضية، إلى أن جاءت الثورات
العربية وكشفت ما حدث. لذا فإن السؤال الآن لا يتعلق بطبيعة
الحضور الكثيف للإسلاميين في الفضاء
العام في مرحلة ما بعد الثورات
العربية، وإنما بقراءة الآخرين لهذا
الحضور وتعاطيهم معه. فبقدر استيعاب
الإسلاميين ودمجهم في الأطر السياسية
الجديدة بقدر ما سيتم تفكيك بنيتهم
العقائدية والإيديولوجية من جهة، وهي
مسألة تبدو جلية عند متابعة الخطاب
السياسي والفكري لبعض القوى الإسلامية
الجديدة كالأحزاب السلفية في مصر
وقيادات الصف الثاني في التيار
الجهادي، كما سيتم تفتيت أو على الأقل
إعادة تشكيل بنيتهم التنظيمية
وقواعدهم الاجتماعية من جهة أخرى. صحيح أن الخطاب السياسي لبعض هؤلاء
الإسلاميين لا يتصف بالحنكة والرصانة
السياسية، بيد أن هذا لا يمثل استثناء
بقدر ما هو حالة عامة يشترك فيها معظم
الوافدين الجدد للسوق السياسي العربي،
وهو أمر يبدو منطقياً بعد فترة طويلة
من الركود والجزر السياسي، في حين قد
يؤدي الفشل في «تطبيع» العلاقة بين
الإسلاميين وغيرهم من القوى السياسية
إلى تعطيل المسار الديموقراطي وإجهاض
أحلام الربيع العربي. * كاتب وأكاديمي مصري في جامعة
درام - بريطانيا ================ هل تغير العقوبات
الاقتصادية المشهد السياسي السوري؟ الغد الاردنية جهاد المحيسن نشر : 07/09/2011 يحاول السياسيون والاقتصاديون السوريون
التقليل من حجم الخطر الذي يتربص
باقتصاد بلدهم نتيجة للعقوبات
الاقتصادية التي فرضت عليه. وبحسب
هؤلاء الخبراء، فإن سورية تتعرض لضغوط
عالمية كثيرة، ولتهديدات بفرض عقوبات
اقتصادية جديدة، والمعروف أن الاقتصاد
السوري استطاع خلال الفترة الماضية،
بحسب هؤلاء الخبراء والسياسيين، في ظل
الاقتصاد الاشتراكي المخطط أن يحافظ
على مكونات الاقتصاد، وأن يخلق
مكتسبات اقتصادية واجتماعية مقبولة
نوعاً ما. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"
الأميركية الصادرة السبت الماضي، فإن
قرار أعضاء الاتحاد الأوروبي حظر جميع
الواردات من النفط السوري، هو أقسى
عقوبة تُفرض ضد النظام في سورية حتى
الآن، والذي يعتمد إلى حد كبير على
عائدات صادراته من النفط إلى أوروبا.
والعقوبات الجديدة دخلت حيز التنفيذ
قبل أيام. والاتحاد الأوروبي حظر بالفعل على
الأوروبيين مزاولة أي أعمال مع كبار
المسؤولين السوريين، وعلى رأسهم
الرئيس بشار الأسد وكبار معاونيه، في
سبيل الضغط عليه لإنهاء حملته ضد
انتفاضة الشعب السوري، التي تعتبر
بحسب كثير من المحللين الاقتصاديين
والسياسيين "أخطر تحد" تواجهه
عائلة الأسد خلال 40 عاماً من حكمها "الاستبدادي"،
ما يؤكد أن الاقتصاد السوري تضرر
كثيراً من آثار العقوبات الأخرى،
بالإضافة إلى عزلته التي تتصاعد يوما
بعد يوم، وذلك إلى جانب مجالات السياحة
والتصنيع والاستثمار الأجنبي التي
تعانى هي الأخرى من حالة كساد عميقة
جراء الأمر ذاته. أصبح من الواضح أن الشركات السورية
ينتابها الآن قلق عميق حول مستقبل
البلاد. فقد شهد مؤشر البورصة السورية
منذ آذار (مارس) الماضي انخفاضاً يصل
إلى ما يقرب من النصف، فضلاً عن تقارير
تفيد بأن البنك المركزي شرع بالفعل في
تحديد سحب العملات الأجنبية من قبل
العملاء خلال الأسابيع الأخيرة، الأمر
الذي يرجح أزمة سيولة نقدية قد يواجهها
البنك. وبموجب قرار الحظر الجديد، فلن
تستطيع أي من الدول ال27 الأعضاء في
الاتحاد الأوروبي شراء أو استيراد أو
نقل نفط أو أي منتجات بترولية من سورية
أو الدخول في أي تعاملات مالية أو
تأمينية في هذا الصدد. والحقيقة أن الاقتصاد السوري شهد في
الماضي التعرض لعقوبات اقتصادية؛
فالعقوبات الأميركية على سورية شملت
سلسلة كبيرة من السلع والمنتجات
الأميركية والمنتجات والسلع التي
تنتجها الدول الأخرى وتدخل فيها
مكونات أميركية تزيد نسبتها على 10
بالمئة، باستثناء المنتجات الغذائية
والأدوية، وتراجع عدد طائرات شركة
الطيران السورية الصالحة للطيران إلى 3
فقط بسبب رفض واشنطن إعطاء شركة بوينغ
تراخيص تصدير قطع تبديل لطائرات
البوينغ التي تمتلكها سورية، وبلغ
إجمالي عدد الطائرات التي خرجت عن
الخدمة 16 طائرة خلال السنوات الماضية
بسبب هذا الحظر، خاصة أن شركة إيرباص
الأوروبية ما تزال ترفض بيع طائرات
لسورية لأن نسبة المكونات الأميركية
فيها تزيد على 10 بالمئة. هذا وحظر على المؤسسات المالية الأميركية
التعامل مع البنوك والمصارف السورية،
إذ يمنع تحويل الأموال إلى المصارف
السورية، وخاصة المصرف التجاري السوري
الذي تمتلكه الدولة. والعقوبات
الأوروبية الجديدة تستهدف أفرادا
وشركات يدعمون النظام، وتحظر على
الدول الأوروبية الاستثمار في سورية. ================ عبدالرحمن الراشد الشرق الاوسط 7-9-2011 لا يمكن الهروب من الاستنجاد بتدخل دولي
ما في سوريا، إلا في إحدى حالتين؛ أن
ينجح النظام في إنهاء الاحتجاجات
سريعا، وهذا أمر مستبعد، أو أن يصاب
النظام بسكتة قلبية مفاجئة وهذا
مستبعد تماما. وبالتالي نحن أمام ثورة
مظاهراتها لا تتوقف، ونظام لم ولن
يتوقف عن قمعها وقتل آلاف المحتجين.
وأمام حمام الدم هذا، ودائرة الرفض
والتظاهر التي تتسع، سيصل المجتمع
الدولي إلى ضرورة التدخل، السؤال هو:
متى وبعد كم من الدماء والدمار؟ حاليا،
معظم الدول الأجنبية تفضل أن تترك
السوريين يتدبرون أنفسهم. النظام السوري يعتقد أنه قادر على
الانتصار إن ترك لشأنه يعالج
الاحتجاجات، ولا يرعبه شيء بقدر
التدخل الدولي. يدرك أنه يستطيع النجاة
من خطر العقوبات الاقتصادية بدعم
إيران له والتضييق على المواطنين. يدرك
أن القوى الإقليمية مثل تركيا والدول
العربية لن تتدخل من دون تكليف من
الأمم المتحدة. ويدرك أن المظاهرات
مهما كبرت تزعجه وتحرجه لكنها لن تسقط
النظام، ففي الأشهر الماضية قتل وخطف
وسجن وعذب، ومع هذا لم يخسر بلدة واحدة.
ويعرف أنه حتى لو تحولت المظاهرات من
سلمية إلى كفاح مسلح لن تسقطه لوحدها،
فالنظام يملك الجيش والأمن والشبيحة،
وستستمر المعركة لفترة طويلة. فقط التدخل الدولي يخيفه لأنه يعني شل
قدرات النظام العسكرية الأساسية،
وتعطيل أجهزة اتصالاته، وإذا سلح
القرار بحق القتال لحماية المدنيين
فسيؤدي إلى قصف قواته، والتدخل الدولي
سيؤذن للمعارضة بالعمل العسكري. وربما
التدخل الدولي يغني عن القتال لأنه
يمثل أكبر خطر على النظام الذي سيدرك
أن تغير ميزان القوة سيؤدي إلى سقوطه
وربما يقبل بحل سلمي يرضي المعارضين
أيضا. وعلينا ألا نخلط ببن تدخلين؛ التدخل
الدولي، الحالة الليبية والكويتية
وكوسوفو، غير التدخل الأجنبي، كالحالة
العراقية. فالدولي مرجعيته لمجلس
الأمن المحكوم بتوازنات عالمية دقيقة،
ومقيد بنصوص قانونية تشرع طبيعته
وإدارته وزمنه. في ليبيا، التدخل أنقذ
بنغازي من مجزرة وشيكة دون أن يحتاج
إلى إنزال قوات أجنبية كبيرة على الأرض. وإشراك الأمم المتحدة قيمته أكبر من
عسكرية. لو افترضنا أن النظام السوري
تهاوى وسقط فجأة، من الذي سيضمن سلامة
ووحدة الأراضي السورية من التدخلات
الإقليمية مثل إيران وإسرائيل
وغيرهما؟ من سيضمن وحدتها إذا ظهرت
جماعات سورية انفصالية، سواء
بقناعاتها أم بتحريض من النظام
المتهاوي كما حاول القذافي أن يفعل
باستمالة المناطق والقبائل؟ هناك
مخاوف من تفكيك سوريا وظهور دعوات لفصل
مناطق في الشمال والغرب. من دون إشراف
دولي، وفي ظل أي اضطراب، لن توجد
ضمانات تبقي على الدولة بأرضها
وحدودها وسيادتها. صحيح أن صواريخ «توماهوك» التي أطلقت من
البحر من قوات التحالف هي التي دكت مقر
القذافي في العزيزية، والقوات الجوية
البريطانية والفرنسية التي قصفت منشآت
ورادارات ومطارات عسكرية هي التي سرعت
بإسقاط النظام، لكن تبقى الثورة
الليبية في معظمها من فعل الشعب الليبي
الذي دفع نحو 30 ألف قتيل ثمنا للحرب على
النظام، أما الحلفاء فلم نسمع عن قتيل
واحد لهم. وكما أسلفت في مقالي أمس، فإن مطلب التدخل
بالحماية الدولية رفعه المتظاهرون على
الأرض في سوريا، في حين أن الدول
الكبرى وكذلك الدول الإقليمية ليست
متحمسة بعد. ويعزز موقف اللامبالاة
الدولي الاعتراضات العلنية من قيادات
المعارضة في الخارج التي وقعت على
بيانات ترفض التدخل الدولي، بل ونددت
حتى بالتفكير فيه. هذه الجماعة تريد
إسقاط النظام من دون أن تقدم لمواطنيها
خطة عمل تقول كيف يمكن إسقاطه؟ هل يمكن
ذلك ببيانات الشجب في الخارج، والمزيد
من دم المتظاهرين في مظاهرات سلمية،
عمرها الآن سبعة أشهر، وثلاثة آلاف
قتيل، وأكثر من مائة ألف معتقل في
السجون؟ تقريبا، مستحيل ذلك. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |