ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 14/09/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

نبيل العربي عاد بخفيْ وعود الإصلاح .. سوريا: «الجامعة» تقبل بوصفة الفشل!

كريستين تشيك

محللة سياسية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة«كريستيان ساينس مونيتور»

الاتحاد 13/9/2011

عقب اجتماع عقده أمين عام الجامعة العربية مع الرئيس السوري يوم السبت الماضي في دمشق، أدلى نبيل العربي بتصريح قال فيه إن بشار الأسد، قد وافق على المقترح الذي قدمه له بضرورة إجراء إصلاحات، وذلك على رغم مواصلة النظام السوري لحملته القمعية الوحشية ضد شعبه التي أدت إلى مقتل الآلاف حتى الآن.

وقد جاءت زيارة الأمين العام للجامعة العربية إلى دمشق بعد مرور ستة أشهر على الاحتجاجات السلمية التي قابلتها السلطات السورية بالقوة الباطشة، وإرسال الدبابات والقوات المدججة بالسلاح إلى المدن المحتقنة، التي شهدت تظاهرات حاشدة، مما أسفر عن مصرع عدد يتراوح ما بين 2000 إلى 3000 شخص حتى الآن وفقاً لمصادر النشطاء السوريين.

ومن المعروف أن المحتجين السوريين، كانوا قد رفضوا وعود الإصلاح التي قدمها النظام السوري من قبل وأعلنوا بوضوح أنهم يطالبون بإسقاط بشار الأسد من الأساس، وليس إصلاح نظامه، أو إجراء ترقيعات عليه.

وبعد عودته من العاصمة السورية، أدلى نبيل العربي بتصريح للصحفيين في القاهرة، قال فيه إنه قد حث الرئيس السوري "على تسريع خطط الإصلاح من خلال إعداد جدول زمني يجعل كل مواطن سوري يشعر حقاً بأنه قد انتقل إلى مرحلة جديدة".

وقال العربي خلال لقائه مع الصحفيين إنه سيعرض تفاصيل الاتفاق مع الرئيس السوري في اجتماع للجامعة العربية، من المقرر عقده خلال هذا الأسبوع في مقر الجامعة بالقاهرة.

ولكن صحيفة "الفاينانشيال تايمز" البريطانية أوردت خبراً مفاده أن المقترح المقدم من الجامعة العربية ينص على بقاء الأسد في الحكم حتى عام 2014، وهو مدى زمني، أعلن المحتجون السوريون بوضوح أنهم لن يقبلوه بأي حال من الأحوال.

وقد أشارت تقارير صحيفة إلى أن المقترح الذي قدمه العربي للرئيس السوري يدعو لعقد انتخابات تشريعية خلال ستة شهور من قبول المقترح، وإلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضطلع بتسيير شؤون الحكم خلال مرحلة انتقالية يتم تحديدها.

وفي اليوم نفسه الذي التقى فيه العربي مع بشار، قتلت قوات الأمن السورية 18 شخصاً كما جاء في تقرير لوكالة أنباء "بلومبيرج". ويقول الناشطون السوريون إن 12 محتجاً قد قتلوا في مدينة حمص الواقعة في وسط سوريا، التي تعتبر من البؤر الاحتجاجية الملتهبة، وإن ثلاثة آخرين قتلوا بالقرب من العاصمة دمشق، وثلاثة غيرهم في "إدلب" المحافظة الشمالية، وفي درعا المدينة الجنوبية التي انطلقت منها الاحتجاجات في البداية.

وفي التظاهرات الاحتجاجية التي انطلقت في المدن السورية الجمعة الماضية طالب المحتجون بالتدخل الدولي لإيقاف نزيف الدماء في سوريا، كما جاء في تقرير لوكالة "الأسوشيتدبرس". وجاء في تقرير الوكالة المذكورة أيضاً أن آلاف المتظاهرين قد هتفوا قائلين "الشعب يريد حماية دولية" في التظاهرات التي انطلقت في مختلف أرجاء سوريا في ذلك اليوم.

ولكن على عكس ما كان عليه الحال في ليبيا، فإن ما ينادي به معظم المتظاهرين هو "مهام مراقبة دولية" ومراقبين لحقوق الإنسان، وليس تدخلاً من قبل قوات عسكرية.

وهذه النداءات من جانب المتظاهرين السوريين تؤشر على أنهم قد وصلوا إلى درجة كبيرة من اليأس مع ارتفاع أعداد الخسائر -بلغ عدد القتلى على أيدي قوات الأمن يوم الجمعة الماضي 14 متظاهراً- وبقاء نظام الأسد راسخاً في السلطة، على رغم كل ذلك.

وقد أكدت وكالة الأنباء السورية "سانا" أن نبيل العربي أكد خلال لقائه مع الأسد "رفض الجامعة العربية لكافة أشكال التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية السورية، ورغبتها في تجاوز المرحلة الحالية".

وينظر إلى انشقاق القادة العسكريين باعتباره الشيء الذي يمكن أن يحوّل تيار الانتفاضة ضد الرئيس السوري. فمن المعروف أن الجيش السوري مسيطر عليه من قبل جنرالات ينتمون إلى الطائفة العلوية الشيعية وهي نفس الطائفة التي ينتمي إليها الأسد وعدد كبير من أركان حكمه والمقربين إليه. يشار إلى إن عدداً من القيادات من المستويات الدنيا من الجيش السوري قد انشقت، كما تشير إلى ذلك تقارير غير مؤكدة، وإن كانت مصادر النشطاء السوريين تؤكد أنهم قد اختفوا تماماً.

وأوردت صحيفة "الغارديان" البريطانية خبراً استندت فيه إلى مصادر المحتجين جاء فيه أن ثمانية جنود سوريين قد أعدموا يوم الجمعة الماضي بسبب رفضهم إطلاق النار على المتظاهرين أثناء الاحتجاجات، وأن عملية الإعدام تمت في ثكنات تابعة للجيش تقع في منطقة ال"كسوة" بضواحي العاصمة دمشق.

يشار إلى أن زيارة العربي لسوريا يوم السبت الماضي، تمت بعد أن كانت دمشق قد طالبته بتأجيل الموعد المبدئي للزيارة الذي كان مقرراً له يوم الأربعاء الماضي، وهي خطوة يقول المراقبون إنها قد جاءت كرد فعل مقصود على ما قيل عن اجتماع الأمين العام للجامعة مع هيثم المالح ناشط حقوق الإنسان السوري المعروف وقائد المعارضة السورية في الخارج.

=================

الأيديولوجيا : المواقف والمعارف

تاريخ النشر: الثلاثاء 13 سبتمبر 2011

د.طيب تنزيني

الاتحاد

ثمة مشكلة برزت في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي ما زالت حاضرة حتى مرحلتنا هذه من القرن الحادي والعشرين، فاعلة مؤثرة على الصعيد السياسي الاستراتيجي وكذلك الأخلاقي الإنساني، نعني مشكلة فلسطين. فهذه الأخيرة، التي عاصرت الاستعمار والإمبريالية وهي تعاصر الآن العهد العولمي، ما زالت مشتعلة وستبقى كذلك إلى زمن قادم. ونحن نفهم أن تبقى هذه المشكلة مفتوحة، طالما أنها ما تزال تعيش مفاعيل قانون التبعية، الذي انفتح على العالم مع هيمنة الغرب الاستعماري على بلدان التخلف ضمن العالم الثالث وما وازاه واقترب منه وتداخل فيه، خصوصاً في إطار شروط الهيمنة التي أنتجتها العولمة بثورتي المعلومات والاتصالات. ومعروف أن بونابرت في فرنسا الثورة ردَّ على اليهود الذين كانوا يطمحون إلي كيان يهودي خاص ضمن الشعب الفرنسي، قال: لليهود في فرنسا كلُ ما للفرنسيين من حقوق وواجبات، ولكن لا شيء لهم أبداً من حيث هم، أي كمجموعة متميزة عن غيرها.

فلقد جاء المجتمع الرأسمالي الجديد لِيوجد افتراضاً يقوم على أن المسألة اليهودية ستجد حلها مع اندماج اليهود في المجتمع الجديد. لكن اتضح أن هذا المجتمع، خصوصاً في مرحلته الاستعمارية وما وسّعها وعمقها، هو الذي سيُنتج حلاً لليهود الذين اضُطهدوا في المرحلة النازية، على حساب بلد عامر بأهله، نعني فلسطين.

ومنذ نشأة العصر الاستعماري، ستبرز المشكلة الفلسطينية بمثابتها أحد حمّالات ما ينتجه هذا العصر. فصارت الدولة الإسرائيلية العتيدة قطبي الرحى في "الشرق الأوسط" إذ ستُناط بهذه الدولة مهمة إعادة بناء هذا الشرق الذي عاش "خارج التاريخ"، بإدخاله في حقل الحضارة والتمدّن. كانت هذه العملية واحدة من أخطر المثالب، التي أنتجتها العلاقات الدولية الجديدة. حدث ذلك على طريقة أن الساحر (الغرب الاستعماري) راح يُقضم ويُلتَهم من السِّحر نفسه. ها هنا، نجد أن وليد الغرب الاستعماري، إسرائيل، ربما راح في أحوال محددة يتحول إلى عبء عليه. وهذا ما نعيش الآن أحد مظاهر ذلك التحول، نعم، لقد اعتُرف ب"دولة إسرائيل" عام 1948، وتمت عملية توسُّع هذه بعد حرب 1967، التي مارس فيها عربٌ دور العرّاب، حتى اتضح ذلك في نتائج هذه الحرب التي فقد فيها، مثلاً، السوريون أرض الجولان. وما تاريخ هذه المنطقة منذ ذلك الحين، إلا سلسلة من محاولات تدمير إرادة الفلسطينيين للتحرر ولتأسيس دولة فلسطينية حسب نتائج 1967 وما تلاها.

أما ما يثير الانتباه والاستفزاز، معاً، أن الرئيس الأميركي أعلن منذ أيام أن الفلسطينيين إن أصروا على تقديم مشروعهم في تأسيس دولتهم الشرعية إلى الأمم المتحدة، فإن أميركا ستعلن "الفيتو" حيال ذلك. كيف يمكن أن يكون على رأس دولة عظمى هي الولايات المتحدة، رجل وقَّعت دولته على بيان حقوق الإنسان من عام 1948؟ فإذا كان اليهود قد أسسوا دولتهم التي يعملون على تقديمها بصفتها يهودية (صافية)، فكيف يحاربون فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة؟ إن تعريف الأيديولوجيا بأنها نمط من فهم وتأويل المواقف والمعارف بمقتضى المصالح المباشرة، يُطيح هنا، بالحدّ الأدنى والأقصى بمفهوم "الحق التاريخي والأخلاقي القيمي". والسؤال هنا المحتمل -في ضوء الرؤية السياسية للعلاقات بين الدول، كما طرحه الفيلسوف الألماني (كانْط)، هو التالي: كيف لمجموعة أن تدخل بلداً غريباً، وتزعم أنه بلدها؟ أليس حرياً بنا أن ننظر إلى هؤلاء على أنهم آتون من أدغال التوحش والهمجية. المصالح هنا، في حالة أوباما، مدخل إلى أفول الحضارة والإنسان والكرامة!

=================

سوريا في مهب الريح

د. أحمد يوسف أحمد

الاتحاد

تاريخ النشر: الثلاثاء 13 سبتمبر 2011

تلعب سوريا دوراً رئيساً في النظام العربي خاصة في مجال الصراع العربي- الإسرائيلي، وقد تمثل هذا الدور في العقود الأخيرة في دعم المقاومة اللبنانية ماديّاً ومعنويّاً، واحتضان فصائل المقاومة الفلسطينية الرافضة نهج أوسلو، ورفض التسويات غير المتوازنة للصراع. ولكن سوريا من ناحية أخرى تخضع منذ أكثر من أربعين عاماً لنظام الأسد الأب فالابن وفقاً لصيغة تجاوزها الواقع السياسي منذ أحدث جورباتشوف زلزاله في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي أدى إلى اختفاء الاتحاد السوفييتي من خريطة العالم في 1991، وسقوط نظم أوروبا الشرقية التابعة له واحداً تلو الآخر، واتباع الجميع: روسيا الوريث الأساسي للاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية نهجاً رأسماليّاً في الداخل، والوفاق مع السياسة الخارجية الأميركية إن لم يكن التبعية لها ولو إلى حين.

ولكن الوطن العربي بدا صامداً في مواجهة تلك الموجة الهائلة من التغيير، غير أنه اعتباراً من ديسمبر 2010 بدأت موجة أصيلة للتغيير من داخل النظام العربي نفسه. صحيح أن البعض نسبها لفعل قوى خارجية، ولكن حتى لو كان هذا التحليل صحيحاً فإن هذه الموجة لم تكن لتحدث لولا وجود عوامل داخلية قوية تعززها. بدأ التغيير في تونس فمصر، وحقق هدفه الرئيس (الإطاحة برأس النظام) بسرعة لافتة، ثم انتقل إلى ليبيا التي استخدم حاكمها "السابق" عنفاً مفرطاً في مواجهة الثائرين، وكذلك إلى سوريا التي لم يخرج نظامها في مواجهة موجة التغيير عن الاستخدام المفرط للقوة، وكذلك اشتركت اليمن معهما في ذلك، وكانت تشهد إرهاصات الثورة قبل هذا كله، وإن كانت موجة التغيير الراهنة -وبالذات بعد نجاحها في مصر- قد أعطت زخماً للقوة المطالبة في اليمن برحيل رئيس الجمهورية ونخبته الحاكمة.

وفي سوريا كان الرئيس الحالي بشار الأسد قد وعد عند ولايته الحكم عقب وفاة أبيه في 2000 بإصلاح للمسار في اتجاه ديمقراطي، وبدا إلى حين وكأن سوريا تدخل في "ربيع مبكر"، ولكن الرؤية كانت واضحة لدى بشار منذ البداية، وهي أن الأولوية للاستقرار، ومن هنا أجهضت علامات ذلك الربيع المبكر، ثم تكفل أصحاب المصالح والحرس القديم بنسج خيوطهم العنكبوتية حول القيادة الجديدة إلى أن وصل الحال في سوريا إلى ما كان عليه عشية انفجار الحركات المطالبة بالتغيير. وقد تبنت القيادة السورية كغيرها من القيادات العربية التي تعرضت لمواقف مماثلة نظرية التآمر الخارجي، وهو تآمر يستعين وفقاً للقيادة السورية بعناصر تخريبية وإرهابية في الداخل تثير الفتن وتهاجم قوى الأمن والجيش، ومن هنا فإن تلك القوى لا تتحرك إلا تلبية لاستغاثة المواطنين في المدن والقرى التي يظهر فيها هؤلاء الإرهابيون، ومطالبتهم بتدخل قوى الأمن والجيش لحمايتهم.

ولكن دائرة "التخريب" و"الإرهاب" اتسعت، وأصبح من الصعوبة بمكان أن تكون كل هذه القطاعات المطالبة بالتغيير من المخربين والإرهابيين، وحتى لو كان هذا التفسير صحيحاً فأي فشل لنظام حكم أكثر من أن تتولد عن تفاعلاته كل هذه القوى من الإرهابيين والمخربين؟ وأي فشل أيضاً أكثر من ألا يكون نظام الحكم قادراً على مواجهة هذه الظاهرة بنجاح؟ بل إن من الواضح أن القيادة السورية تشعر في قرارة نفسها بأن نظريتها مجافية للواقع وإلا لما أكثرت من الحديث عن إصلاح، وإن كان واضحاً أنه إصلاح لا يمس جوهر النظام ومعادلاته الأساسية بطبيعة الحال، ناهيك عن البطء الشديد في اتخاذ الخطوات التي يمكن أن تفضي إلى هذا الإصلاح. وهكذا استمرت الأولوية في مواجهة حركات التغيير في الاعتماد بشكل رئيس على قوى الجيش والأمن. بل إن اللافت للنظر، وبعد شهور من تفجر حركات التغيير، أن ثمة إصراراً على استخدام القوة المفرطة، وهو ما يعني أن قدرة النظام على "التعلم" تكاد تساوي الصفر، وهي للأمانة صفة لا ينفرد بها النظام السوري، وإنما تشاركه فيها كل النظم التي تعرضت لما يتعرض له الآن. ففي مصر قيل من قبل كبار المسؤولين في أعقاب انتصار الثورة التونسية إن مصر ليست تونس، وهي ليست تونس بالفعل، ولكن عوامل التغيير فيهما واحدة، وهكذا نجحت الثورة في الإطاحة برأس النظام. وفي ليبيا تكرر الأمر نفسه ليهيم القذافي على وجهه بعد شهور من المواجهة العقيمة والإيمان بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان. والآن تشهد سوريا الإصرار نفسه بما يمثل مؤشراً واضحاً للمستقبل.

وقد تميزت سوريا عن الحالات الأخرى التي طال فيها أمد المطالبة بالتغيير بالحد الأدنى من التدخل الخارجي، ففي الحالة الليبية على سبيل المثال اتخذت الجامعة العربية منذ البداية قراراً بتجميد عضوية ليبيا في الجامعة ومنظماتها، وأصدرت قراراً يقر التدخل الدولي لحماية الثوار بعد أن بدأ القذافي في استخدام الأسلحة الثقيلة ضدهم، والأخطر أنها طالبت مجلس الأمن بتنفيذ هذا القرار على النحو الذي انتهى بدور ل"الناتو" في الثورة الليبية لابد أن تكون له تداعيات سياسية على مستقبل هذا البلد، وفي اليمن تبنت دول مجلس التعاون الخليجي دبلوماسية نشطة تمثلت في مبادرة تحاول أن تجد مخرجاً من أزمة اليمن المستعصية، بالإضافة إلى أن السفير الأميركي كان حاضراً في كل خطوة من خطى البحث عن حلول.

أما في سوريا فلم تتخذ الجامعة العربية أي قرار بشأن ما يجري فيها، وحتى عندما قام أمينها العام بزيارته الأولى لسوريا كان واضحاً أن الرئيس السوري قد أقنعه بأنه ماضٍ في طريق الإصلاح، ثم تعاملت سوريا مع الزيارة الثانية -التي يفترض أن الأمين العام قد حمل معه فيها مبادرة من وزراء الخارجية العرب أقرب إلى مطالب الثوار منها إلى موقف النظام- باعتبار أن اليد العليا لها، فهي التي تحدد موعد الزيارة ثم تؤجله، وهي التي تكتفي بالاستماع دون أن يصدر عنها أي موقف يشير إلى القبول باتخاذ خطوات إصلاحية. وحتى الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة اكتفت بمواقف إدانة لفظية مهذبة لما يجري، وفرض عقوبات غير مؤثرة. بل إن النظام السوري ما زال يحظي بتأييد غير متحفظ من قطاعات من الرأي العام العربي ترى أن سوريا هي حجر الأساس في المواجهة مع إسرائيل، والقاعدة التي يستند إليها المقاومون، ووفقاً لرأي واحد من هؤلاء فإنه ليس لديهم خيار سوى تأييد النظام السوري. وربما تكون هذه الظاهرة في أوضح حالاتها في لبنان حيث تعتمد أمور كثيرة على السياسة السورية، وستكون لتغيير هذه السياسة تداعيات خطيرة على الداخل اللبناني، وبالذات قوى المقاومة فيه.

ولكن الأمور بدأت تتغير تدريجاً، فتركيا صاحبة العلاقات الوثيقة مع سوريا وصلت إلى حد القطيعة معها، والنظام الجديد في مصر فتح الباب على مصراعيه للآراء المهاجمة بضراوة للنظام السوري وسياساته، ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي أعلنت رفضها لسلوك هذا النظام، وبعضها قام بسحب سفرائه من سوريا. وهكذا يقف النظام السوري الآن في مركز رياح قوية بين المطالبين بالتغيير ومناخ خارجي يكاد يجمع على إدانة هذا النظام. فهل يستطيع النظام السوري أن يكسر هذه الحلقة المفرغة برؤية أفضل للواقع والمستقبل، وخطوات إصلاحية حقيقية؟ أم أن استنزاف قوى الشعب السوري وموارده سيستمر إلى حين حتى تتجسد إرادة التغيير في الواقع السياسي السوري؟

=================

لم يعد ممكناً إسكات الشعوب بالسلاح

فهمي هويدي

السفير

3-9-2011

نشرت «السفير» أمس مقتطفات من حوار أجراه الكاتب فهمي هويدي مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، تناول العلاقات التركية الإسرائيلية، وننشر هنا الحلقة الثانية:

(1)

رحلته إلى ثلاث من دول «الربيع العربي» (مصر ثم تونس وبعدها ليبيا) استدعت سؤالا عن قراءة تركيا لتحولات العالم العربي. شجعني على ذلك أيضا أنني علمت أن فريق عمل تشكل في الخارجية التركية لكي يتابع ويحلل ما يجرى في العالم العربي منذ لاحت نذر انتفاضة شعوب المنطقة في شهر يناير الماضي. كما أن رئيس الوزراء عزز مكتبه ببعض المثقفين والخبراء الذين يجيدون اللغة العربية، وهؤلاء ظلوا يحيطونه بدقائق ما يجري في المنطقة صبيحة كل يوم، فضلا عن أن وزير خارجيته الدكتور أحمد داود أوغلو أصبح واحدا من أهم خبراء الشؤون العربية، وله حضوره الدائم في عواصمها وفي قلب أحداثها.

سألت فقال: علاقتنا بالعالم العربي لم تعد بحاجة إلى بيان أو برهان (تركيا عضو مراقب في الجامعة العربية). وهي تتجاوز المصالح الاقتصادية إلى آفاق أوسع بكثير طالت الرؤى الاستراتيجية والهموم المشتركة، التي تحتل قضية فلسطين موقعا متقدما في سلم أولوياتها. لذلك فإننا نعتبر انتصار الشعوب العربية انتصارا لتركيا أيضا. ذلك أن استعادة الشعوب لإرادتها وحريتها بعد مقدمة طبيعية لانخراطها في التاريخ، ومن ثم للنهوض بها والتغلب على التحديات التي تواجهها.

أضاف: لقد شهد العالم متغيرات كثيرة خلال العقدين الأخيرين، وكان سقوط جدار برلين علامة فارقة في ذلك. ولكن الأوضاع في العالم العربي ظلت بعيدة عن التحولات التي شهدها العالم، خاصة ما تعلق منها بالحريات العامة. وحين تلاحقت الثورات في العالم العربي منذ بداية العام الحالي، فإن ذلك كان إيذانا ببدء عصر الشعوب وانتهاء زمن الاستبداد. وكان ذلك هو الدرس الذي تعين على الجميع استيعابه، ولئن بدا أن البعض لم يتسلموا رسالته في الوقت الراهن، إلا أن ذلك لن يغير من الأمر شيئا، لأن عجلة التاريخ إذا دارت فسوف يتعذر إعادة عقارب ساعته إلى الوراء، حيث لن يصح إلا الصحيح في نهاية المطاف.

سألته عن زيارته لمصر، فقال ان تركيا تدرك جيدا أن مصر لا غنى عنها في نهوض العالم العربي أو قعوده. وإذا كان للعالم العربي أبواب عدة، فالذي لا شك فيه أن مصر هي بابه الأكبر. لذلك فإننا نتطلع إلى إقامة علاقة شراكة استراتيجية معها، وإلى توسيع وتمتين التعاون بين البلدين في مختلف المجالات الأخرى، خصوصا الاقتصادية منها.

قلت: هل استشعرت تركيا أن مصر في العهد السابق تعاملت معها بدرجات من التردد والحذر؟

قال: هذا صحيح، وإن كان ذلك لم يؤثر على مجالات التعاون الاقتصادي. كما اننا حين عرضنا إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين اسوة ببعض الدول العربية الأخرى، فإن الفكرة قوبلت ببعض التحفظ، مما دفعنا إلى طرح بدائل أخرى تيسر على أصحاب المصالح في مصر دخول تركيا وقت ما يشاؤون. وفى كل الأحوال فإننا ظللنا نتفهم الموقف المصري ونقدر وجهة النظر التي يعبر عنها. وبعد قيام الثورة واستعادة الشعب قراره وإرادته فإننا نرى أن مصر صوبت مسيرتها واختارت الطريق الصحيح للتقدم والنهضة، الأمر الذي يفتح أمام العالم العربي طريق الأمل والتفاؤل.

(2)

لست متأكدا من أن السيد أردوغان كان مهموما بالحالة السورية طوال حديثه عن العالم العربي وضرورة الانصات إلى صوت شعوبه وأفول نجم الاستبداد فيه، لكني كنت أعرف أن الرجل ظل طوال الوقت طرفا في أزمة سوريا، وأنه خلال الأشهر الستة الماضية كان على اتصال دائم ومباشر مع الرئيس السوري بشار الأسد. وأن الحوار الهاتفي بين الرجلين اللذين ارتبطا بعلاقة شخصية وعائلية وثيقة، توقف منذ أربعة أسابيع. وإن ظل الملف السوري حاضرا على مكتبه. كنت أعرف أن وزير الخارجية التركي نقل إلى القيادة السورية رسائل عدة (خمسا على الأقل) بدأت بالتنبيه وانتقلت إلى النصح وانتهت بالتحذير من عواقب التعامل الأمني القاسي مع الجماهير الغاضبة في سوريا.

سألته عن سوريا فلمعت عيناه وقال إن علاقاتنا معها كانت على أفضل ما تكون، والتعاون بين البلدين شمل كل المجالات، كما أن التفاهم كان على مختلف المستويات لكن الامور بدأت تتغير بيننا حين خرج السوريون إلى الشوارع معبرين عن غضبهم ومطالبين بإصلاح أحوال البلد بما يرد للمجتمع اعتباره ويتيح له أن يمارس حريته. وقد أثار انتباهنا أن المطالبات الشعبية السلمية قوبلت بالقمع من جانب الأجهزة الأمنية. إلا أن ذلك القمع لم يثن الجماهير السورية عن عزمها، بل تحول إلى وقود أجج الغضب وضاعفه، وللأسف فإن السلطة واجهت الغضب المتزايد بمزيد من القمع الذي أدى إلى إسالة الدماء السورية في الشارع، وحين حدث ذلك فإننا بدأنا في التشاؤم، لأن دم المواطنين حين يسيل فإنه يكتب الأسطر الأولى في شهادة وفاة النظام، وكل نقطة دم أخرى تضيف سطرا جديدا في شهادة النهاية. حينذاك تم الاتصال الأول بخصوص الأزمة مع الرئيس بشار، الذي تحدث عن أن بلاده مستهدفة من قوى خارجية، ووعد باتخاذ الإجراءات التي تكفل تهدئة الأوضاع والاستجابة لطلبات الإصلاح المنشود. في أعقاب هذه المكالمة تم ايفاد وزير الخارجية التركي إلى دمشق، لكي يثبت ما تم الاتفاق عليه في الاتصال الهاتفي، ويتفهم الموقف على الطبيعة.

أضاف أردوغان قائلا إن ما حدث على الأرض في سوريا جاء مخالفا لما سمعناه من وعود، حتى أدركنا في نهاية المطاف أن الآلة القمعية لا تريد أن تتوقف، وأن غضب الجماهير السورية يتزايد ويستمر في ثبات وشجاعة. الأمر الذي يؤكد أنه لم يعد ممكنا إسكات صوت الشعوب بالقمع والسلاح. كررنا الاتصال والنصح، وتمنينا أن تحل الأزمة بالحوار مع المعارضة السلمية، ولكن امنياتنا تبخرت بمضي الوقت. لكننا لم نيأس ودعونا الرئيس السوري إلى اتخاذ خطوات محددة لإنقاذ الموقف هي: سحب الأسلحة الثقيلة من المدن وإطلاق سراح المعتقلين والمسجونين السياسيين انهاء حالة الطوارئ في الواقع وليس الاكتفاء بإلغاء القانون من دون أي تغير في السياسات المطبقة إنهاء احتكار حزب البعث للسياسة وفتح الباب للتعددية السياسية إطلاق الحريات العامة وفي مقدمتها حرية التعبير وحرية تشكيل الأحزاب السياسية والنقابات.

÷ سألته: ماذا كان الرد السوري؟

} قال: ظللنا نسمع وعودا ولا نرى لها حضورا على الأرض.

÷ قلت الرئيس عبد الله غول قال انه فقد الأمل في إصلاح النظام السوري.

قال: ليس هذا رأيه وحده للأسف، ولكنني أيضا أشاركه هذا الشعور باليأس.

÷ قلت: ما هو السيناريو الأسوأ الذي يقلقكم؟

} قال: أخشى أن ينتهي الأمر بإشعال نار الحرب الأهلية بين العلويين والسنة. ذلك أننا نعلم أن النخب العلوية تهيمن على مواقع مهمة في السلطة وفي قيادة الجيش والأجهزة الأمنية، وأن يتجه غضب الجماهير إلى تلك النخب ليس فقط باعتبارها أداة السلطة في ممارسة القمع، ولكن أيضا بصفتها المذهبية. وللأسف فإن النظام يلعب الآن بتلك الورقة الخطرة، لأن بعض المعلومات المتسربة تشير إلى أن نسبة قليلة ممن يوصفون ب«الشبيحة» ينتمون إلى الطائفة العلوية، وهو ما يعمق الفجوة بينهم وبين الأغلبية السنية، ويثير ضغائن لا علاقة لها بالانتماء المذهبي، بل زرعها وغذاها الصراع السياسي الذي اتسم بقصر النظر، حتى بدا أن السلطة فيه مستعدة لإشعال حريق كبير في البلد، لكي تستمر.

إننا لا نرى أملا في الخروج من الأزمة طالما أبقى الرئيس السوري على أغلب المحيطين به الذين يصرون على استمرار سياسة القمع والقهر وكسر إرادة الشعب السوري. وإذا لم يخط هذه الخطوة فإن الرئيس بشار شخصيا هو الذي سيدفع الثمن.

(3)

÷ قلت: الآن تقف إيران داعمة ومساندة لسوريا، والهجوم الإعلامي على تركيا لم يعد مقصورا على الأبواق السورية، ولكن بعض الأقلام الإيرانية أسهمت فيه أيضا. لكننا فوجئنا في الأسبوع الماضي بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد يدعو سوريا لأول مرة إلى عدم استخدام العنف ضد شعبها، مما يوحي بأن ثمة تحولا نسبيا في موقف طهران.. كيف تقرأ هذه الصورة؟

} قال: على المستوى الرسمي لم تتأثر علاقاتنا بطهران، علما بأن العلاقات الاقتصادية تحتل حيزا كبيرا في مبادلات البلدين. فإيران تعد المصدر الأول للغاز الذي تتلقاه تركيا، كما ان التبادل التجاري بين البلدين يصل إلى 10 مليارات دولار، وثمة اتفاق بين بلدينا على الارتفاع به إلى 15 مليار دولار في عام 2015.

أضاف إنه من ناحية ثانية فإن التراشق الإعلامي الحاصل يظل في الحدود المحتملة، ثم انه لم يتحول إلى موقف رسمي أو خطاب عبرت عنه الحكومة.

÷ قلت: هل لاحظت تحولا نسبيا في لغة رئيس الجمهورية الإيرانية إزاء سوريا؟

} قال: نعم لاحظته، وأحسب أن لتركيا دورا في تصويب الخطاب الإيراني، لأن بين بلدينا اتصالات ومشاورات مستمرة، أوضحنا لهم خلالها العواقب الوخيمة التي يمكن أن تحدث لسوريا في ظل استمرار السياسات القمعية الراهنة. ودعوناهم إلى المراهنة على الشعب السوري والثقة في مواقفه. وقلنا لهم صراحة لا تدللوا النظام السوري حتى لا يذهب إلى أبعد مما ذهب إليه ويأخذكم معه، ولكن انصحوه قبل فوات الأوان وحيث لا ينفع الندم. وما تحدث به الرئيس أحمدي نجاد كان من قبيل النصح الذي دعونا إليه.

 

(4)

÷ سألته كيف تقرأ الحاصل في ليبيا الآن، خصوصا أن تركيا كانت لها مصالح اقتصادية هائلة مع نظام العقيد القذافي؟

} قال: القذافي لم يستوعب جيدا ما حدث للرئيسين مبارك وزين العابدين بن على. ومصالحنا كانت ولا تزال مع الشعب الليبي بصرف النظر عن نظامه. وحين كان علينا أن نختار بين الوقوف مع النظام وبين مساندة الشعب الليبي فإننا حسمنا خيارنا إلى جانب الشعب.

÷ قلت: ما رأيك في تدخل حلف الناتو والدور الذي قامت به الدول الغربية في إسقاط نظام القذافي. وهل تعتقد أن ذلك التدخل بريء وأن الغرب لا ينتظر مقابلا من نفط ليبيا وعقود إعمارها؟

} قال: سأختصر ردي في نقطتين، الأولى إننا ضد التدخل الدولي في ليبيا. والثانية اننا نعتبر أنه لا حق للدول الغربية في النفط الليبي ولكنه ملك خالص لشعبها. وأضيف أن فرنسا حاولت أن تقوم بدور منفرد في ليبيا بدعوى مساندة الثورة، وأصبح لها وجودها على الأرض هناك، لكن هذا المسعى لم ينجح، خصوصا بعد تدخل حلف الناتو. حتى مؤتمر باريس الذي دعت إليه الحكومة الفرنسية لم يحقق النجاح الذي كان مقدرا له.

÷ قلت: حلف الناتو يجسد التدخل الدولي، ثم إن تركيا اشتركت في مساندة الثورة؟

} قال: كانت هناك مشكلة أحدثها نظام العقيد حين أصر على مهاجمة الذين عارضوا نظامه، واستخدم في ذلك الأسلحة الثقيلة التي عرضت حياة المدنيين للخطر. وتمثلت المشكلة في أن الثوار كانوا مخيرين بين التعرض للإبادة من جانب قوات القذافي وبين الاستعانة بقوات حلف الناتو، وكأنه كان اختيارا بين شرين، شر أكبر تمثل في التعرض للإبادة وشر أصغر تمثل في الاستعانة بغطاء الحلف. وقد اختار الليبيون الشر الأصغر.

أما بالنسبة لإسهام تركيا فنحن نرفض بشكل قاطع استخدام السلاح التركي ضد أي مواطن ليبي أو أي عربي. وقلناها صراحة في البداية. لذلك فإن إسهام تركيا باعتبارها عضوا في الحلف ظل مقصورا على دائرة المعلومات من دون غيرها.

÷ قلت: هل دخلت تركيا في سباق التنافس على إعمار ليبيا؟

} قال: كانت لنا عقود سابقة سنستأنف العمل في تنفيذها. وخطوط الطيران بين بلدينا سوف تستأنف خلال أسبوع. وإذا ما استقرت الأوضاع تماما في ليبيا ستعود العلاقات إلى حالتها الطبيعية، لأن وجودنا لم يكن طارئا. فلا هو مرتبط بتوقيت معين ولا بنظام معين.

=================

في سوريا ثورة شعب أم ثورة "إسلاميين"؟

سركيس نعوم

النهار

13-9-2011

يؤكد النظام الحاكم في سوريا رسمياً ان ما يجري فيها منذ 15 آذار الماضي إنما هو قيام جماعات ارهابية وتخريبية مسلحة بالتعدي عليه من خلال نصب الكمائن للقوى الامنية والعسكرية، وتحريض ابناء "الغالبية السورية" على الانتفاض والثورة. ويلفت الى ان مئات من افرادها سقطوا قتلى وجرحى. ولا يكتفي النظام المذكور بذلك بل يتهم قوى اسلامية متطرفة، بعضها سلفي وبعضها ينتمي الى جماعة "الاخوان المسلمين" المنحلة من زمان، بالضلوع في احداث سوريا وبالسعي الى اسقاط النظام بواسطتها وإقامة نظام آخر يؤمّن مصالح اميركا واسرائيل. ومن العوامل التي ساعدته على القاء مسؤولية ما يجري على الاسلاميين الموقف الايجابي من الانتفاضة الشعبية السورية الذي اتخذته تركيا "حزب العدالة والتنمية". وهو حزب اسلامي جذوره "اخوانية". و"الاخوان المسلمون" حركة كانت ناشطة في المجتمع السوري في العقود الماضية، واستمرت كذلك حتى في السنوات الاولى للنظام الحالي الذي اسسه الراحل حافظ الاسد. علماً انه كان نشأ قبل اعوام على يد حزب البعث، نجح خلالها الاسد الأب في الامساك بكل مفاصله في حركة سمّاها تصحيحية. وما دعت اليه تركيا الاسلامية المذكورة كان مبادرة النظام، بعدما آلت السلطة فيه الى نجل المؤسس، الى تنفيذ اصلاحات داخلية جدية تفتح باب المشاركة في السلطة لكل اطياف الشعب السوري، وكذلك باب تداولها من خلال اعتماد الديموقراطية والحرية والمحاسبة والمساءلة. ورأى النظام في تلك الدعوة محاولة غير مباشرة لتفخيخه. ذلك ان الاصلاح المقترح لا بد ان ينهي النظام في صورة ديموقراطية، ولا بد ان يهدّد مصير اركانه وأهله و"شعبه"، ولا بد ان تحل مكانهم فئات اخرى بعضها ليبرالي وديموقراطي، وبعضها الآخر تقدمي، وبعضها الثالث اسلامي اي سلفي تكفيري عنفي متطرف و"قاعدي" (من "قاعدة") و"اخواني". والبعض الاخير هذا هو الأكثر خطراً على النظام في رأي اركانه، لأن غالبية الشعب السوري متدينة، ولأن للاسلاميين وفي مقدمهم "الاخوان" تاريخ قديم وعريق في سوريا وحضور شعبي مهم، ولأن بينهم وبين النظام واهله ما صنع الحداد. لذلك كله تعامل الرئيس الاسد مع الاقتراحات الاصلاحية لتركيا بحذر وتحفظ ومراوغة في وقت واحد. فهو لم يشأ ان يخسر صداقة بل تحالفاً معها بناه بكل جد وصدق. لكنه في الوقت نفسه لم يشأ خسارة نظام من شأنها ايقاعه وأهله وشعبه ربما في التهلكة او في المظالم. ولذلك وعد بخطوات اصلاحية لم ينفذها في رأي الاتراك او لم يكن جدياً فيها. وهذا امر قد يكون صحيحاً ليس لأنه غير جدي او لأنه لا يفي بوعوده، بل لأن المقترحات الاصلاحية التي قُدِّمت اليه إشتم منها رائحة اشتراك الاسلاميين السوريين في النظام الجديد وأقواهم في رأيه "الاخوان المسلمون". وهذا خط احمر بالنسبة اليه.

هل الاسلاميون على تنوعهم وفي مقدمهم "الاخوان المسلمون" خطر يهدد ليس النظام فقط بل الشعب السوري كله في حال سقوط النظام الحالي او تغييره او اصلاحه، وذلك لأنهم سيؤسسون دولة دينية صارمة متزمتة ليس فيها مكان للحريات والديموقراطية والاطياف السورية الاخرى وتحديداً الاقليات من مسيحية واسلامية؟

يقول خبير في "اخوان" سوريا أنهم لم يكونوا، سواء في الخمسينات او في الستينات، متطرفين وتكفيريين كما بعض اسلاميي اليوم مثل تنظيم "القاعدة" وغيره. لكن واحداً منهم كان في مصر اسمه مروان حديد حمل الى دمشق بعد عودته اليها افكاراً من النوع المتطرف المذكور. وبدأ الدعوة اليها. واجهه "الاخوان" في البداية ولم يتجاوبوا معه. لكنه استمر وخصوصاً بعد قيام نظام الاسد. وكان مؤمناً بالاغتيالات والعمل المسلح وما الى ذلك. ومارست جماعته بعض هذه الاعمال. وكان اكثرها وحشية ما حصل في كلية المدفعية في حماه، حيث رشّ ضابط مُدرِّب ينتمي اليه عشرات من الضباط وتلاميذ الضباط بحيث ان العائلات التي لم "تنجرح" في جبال العلويين كانت قليلة جداً. عندها بدأ القمع من النظام. واختلط الحابل بالنابل. فتضامن الاخوان مع سائر الاسلاميين وعاملهم النظام اساساً على انهم واحد، كما اعتبرهم جزءاً من مؤامرة خارجية عليه شارك فيها عراق صدام حسين بكل قوة، وصار ما صار في حماه.

ماذا حصل بعد ذلك؟ وكيف سيكون مصير الثورة السورية الحالية او مصير النظام في ضوء ما يجري استناداً الى الخبير في "اخوان" سوريا؟ وما هو دور "الاخوان" والاسلاميين فيها؟

=================

آن لإيران أن تتحسس رأسها

د. غسان اسماعيل عبد الخالق

الدستور

13-9-2011

إلى أي مدى يحق للرئيس الإيراني أن يقدّم النصح علنا لحليفه الرئيس السوري؟ و لماذا تذكّر الرئيس الايراني فجأة ضرورة عقد قمة اسلامية لتسوية الأزمة السورية؟ الشائق في هذا النصح العلني أنه ينطوي على ضرورة تجنب العنف في التعامل مع الشعب و ترسيخ اسلوب الحوار، والمدهش فيه أنه جاء متأخرا ستة أشهر فقط لم يدخر خلالها الرئيس الإيراني وسعى لتحذير حليفه السوري من مغبة الاستجابة للمعارضة التي ستذهب بعيدا في تفسير واستثمار التعاطي معها، كما لم يدّخر وسعا لطمأنة حليفه السوري بخصوص سدّ أي نقص نفطي أو مالي أو تجاري يمكن أن تتعرض له سوريا جرّاء الحصار الدولي المتعاظم يوميا إلى درجة سقوط المراهنة على روسيا والصين.

هذا الاستيعاء الرئاسي الايراني المتأخر لضرورة الاتجاه إلى نبذ العنف الرسمي والبحث عن شركاء للخروج من الأزمة، يشتمل في الواقع على أكثر من مؤشر على أن إيران شرعت في تحسس رأسها داخليا وخارجيا؛ فالضرب على الوتر الطائفي المذهبي (الشيعي) تم استنفاده داخليا بدءا من التدخل السافر في الشأن البحريني بخاصة والخليجي بعامة وليس انتهاء بإسناد آلة القمع السوري ماديا وعسكرياً ولوجستيا، كما أن المواطن الايراني هو إنسان أولا وآخرا و لن يكون في منأى عن التعاطف مع أخيه المواطن السوري الذي يتعرض لحرب إبادة سببها الاشباح والكائنات الفضائية التي استهدفت النظام السوري فجأة، والتي يجب على العالم أجمع أن يعترف بوجودها وبخطرها ويراها وفقا لنظّارة النظام الرسمي. وتركيا الجارة المسلمة القوية التي حالت حتى الآن دون توجيه ضربة عسكرية لإيران رغم التعارض الايديولوجي العتيد وافقت على تقديم منصات متقدّمة في أراضيها لشبكات الصواريخ الاطلسية مما جعل طهران على مرمى حجر من قوات الناتو، فضلا عن أن الجارة ذاتها اختطفت مبكرا وبتفويض دولي دور الوسيط الأول في الأزمة السورية وقد عززت هذا الدور بالعديد من المواقف والتصريحات التي جعلت منها الحامي الأقوى والموثوق للأغلبية السنيّة في سوريا.

وقبالة المحور الشيعي (طهران، بغداد، دمشق) ثمة محور سني غير مسبوق (الرياض، القاهرة، أنقرة)، وقبالة المناخ الشيعي المفروض ايرانياً على مياه الخليج العربي ثمة مناخ سني آخذ في التشكل بفعل (الربيع العربي) على الضفة الشمالية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط بدءا من موريتانيا والمغرب مرورا بتونس والجزائر وليبيا ومصر وفلسطين وانتهاء بسوريا وتركيا، وقبالة استثمار حزب الله وحركة حماس لابتزاز الجماهير عاطفيا واظهار ايران بمظهر العدو اللدود لإسرائيل فإن إقدام تركيا على تجميد العلاقات الدبلوماسية والاتفاقيات الامنية والاقتصادية من جهة وإقدام المتظاهرين المصريين على محاصرة السفارة الاسرائيلية في القاهرة من جهة ثانية أثبتا أن توازن الرعب يمكن أن يتحقق دون الحاجة إلى حركات مسلّحة مدجّجّة بالدبابات والصواريخ. وحتى فرنسا حامي حمى المسيحيين في الشرق فقد أصمّت آذانها عن دعوة البطريرك بشارة الراعي لإعطاء بشار الأسد مزيداً من الوقت مع التلويح بالتخوف من رحيل البعث وقدوم الاسلاميين، و ها هي فرنسا تؤكد يوماً بعد يوم أن النظام السوري قد فقد شرعيته تماما.

أما الدعوة إلى عقد قمة اسلامية لتسوية الأزمة السورية، فهي ليست إلا هروبا إيرانيا برغبة سورية من الاستحقاق العربي الذي يشهد اجماعا شبه تام وغير مسبوق على ضرورة اضطلاع النظام السوري بإجراء الاصلاحات المطلوبة وايقاف شلالات الدم والانفتاح على المعارضة السياسية بكل أطيافها وتوجهاتها. ورغم أننا مع فتح أي ممر آمن للأزمة السورية إلا أننا نعتقد بأن كلا من النظام السوري والمعارضة السورية قد بلغا نقطة اللاعودة التي تنذر بحدوث ارتدادات وتداعيات سياسية وفكرية وشعبية في الشارع الايراني وفي المؤسسة الايرانية الرسمية ذاتها، لأن كلا من الشارع والمؤسسة يتململان على وقع الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي المنشود بعيدا عن هيمنة المرجعيات والحوزات، وحينئذ فلن يجدي الزعم بأن هناك مؤامرة أميركية بعد أن قطع النظام الايراني أشواطا بعيدة في التآمر على إرادة الشعب السوري، وحينئذ لن يجدي أيضا تعطيل شبكات الانترنت وسحق الاقليات العربية والسنية كما كان يحدث دائما، لأن الشارع الإيراني الذي استنبت ربيعه النيروزي المخطوف في السبعينات قادر على استنبات ربيع ثان مع الحرص التام على أن لا يتم اختطافه مجدّدا.

=================

الحماية الدولية.. عار على الأنظمة.. حق للشعوب

د. جمال حضري

 القدس العربي

13-9-2011

'مكره أخاك لا بطل'، هكذا صورت العرب من تجبره الظروف على ركوب المكاره، فيستحل ما كان يجافي، ويخوض فيما كان يعاف. وهذه ليست قطعا بطولة، وأي بطولة لمن حاله كحال من وصف المتنبي:

و من نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد

وهل حال الأحرار اليوم أبعد من نكد المتنبي وهم يدفعون دفعا إلى استنجاد الغريب واستغاثة الأبعدين؟ أليس واقع الأحرار اليوم أشد مرارة وقد وقعوا بين سيف 'يزيد' وتنكر 'الكوفة'؟ ألم يجرد 'دهاقنة التسلط' كل أسلحتهم لامتهان كرامتهم وإسكات صرختهم ووأد مطلبهم؟ هل أبقى الحقد المتفلّت من كل مروءة لهم حصنا يجأرون إليه ليواري دماءهم المسفوكة وأبدانهم المستباحة أحياء وأمواتا؟ هل وفّر عليهم 'زبانية الإجرام' المنتقون لهذا القتل 'القذر' و'المتبجح' سبيلا يحفظ مهجهم ويستبقي ذكرهم؟ ألم يبدع 'الظلمة' في تنويع طرق التنكيل بضحاياهم المسالمين وقد اغتروا بخلو يدهم من كل وسيلة تقاوم غير الحناجر المدوية بتراتيل الرفض وأناشيد الحرية وأغاني المجد والفداء؟ ألم يستنفر 'البغاة' كل 'طيشهم وجنونهم' وهم ينزلون إلى ساحات التظاهر المتعاظم ليطفئوا المشاعل التي أضاءت دروب الحرية بعد أن ظن 'الجلادون' أن الضحايا قد استكانوا أبدا وأسلموا القياد راغبين تارة وأخرى راهبين؟

ثم ألم يرسل المستصرخون 'صورهم المدوية' ونداءاتهم المشفوعة بدماء الشباب المغدور ودموع الحرائر المهجّرات وحيرة الصبية في الملاجئ؟ ألم تمض على عمر هذه الانتفاضة أيام حسوم لم تر فيها البشرية قدرا من الصبر والعزيمة والكرامة والشكيمة يكافئ ما أبداه هؤلاء الأبطال؟ فأين النخوة القومية وأين الغيرة الوطنية وأين الأخوة الإسلامية لتغنيهم عن مد أبصارهم بعيدا عن أمتهم وإخوانهم؟ أين المدد والعدد الذي يسد حاجتهم إلى الحرية ويسند مطلبهم في الانعتاق؟ من الملام في هذه الأحجية الممجوجة أهم الضحايا المغلوبون وقد توسلوا بكل إعلام الدنيا ليسمع ذوو القربى قبل غيرهم صوت جراحهم وصورة إبائهم وآيات صمودهم ومصابرتهم على التمسك بالحرية والحياة، أم إن الملوم هم ذوو القربى والرحم الوطنية والقومية والإسلامية وقد استبسلوا 'حكمة' و'عقلانية'، وبرهنوا باقتدار على 'قلقهم' و'انزعاجهم' وتخبطهم وهم يعدون 'خطة' عفوا بل 'ورقة' عفوا بل 'ملاحظات' مكتوبة عفوا بل 'شفوية' ليقرعوا بها 'قاتلا متهورا' وليقنعوا بها 'سفيها متجبرا.

هل تنتظر العقول الراجحة والنفوس النبيلة فناء جيل كامل من الشباب المؤمن بحقه ودوره في التغيير حتى تتحرك؟ هل تنتظر الإنسانية بشتى مشاربها الروحية الأقربين ليمارسوا 'حق الشفعة السياسية' مع قريبهم لينقذوا روحه، أم تبادر إلى ممارسة 'حق التضامن الإنساني' بنص شرعة حقوق الإنسان؟ وليكن العنوان ما يكون، أفي ذلك ضير؟

بأي شعار يزايد الظلمة على المسحوقين إذا مدوا يد النجدة إلى من يرغب في إجابتها؟ بأي مبدأ يسائلون شعوبهم المقهورة إذا هبت لصرختها هيآت الدنيا ومنظماتها؟ وهل عورات هذه الأنظمة المفضوحة تسمح لها بالحديث عن عمالة ووفاء أو عن خيانة وولاء؟

إن الذاكرة لم تنس بعد حرب الخليج، وقد التحم 'التقدميون' و'الرجعيون' و'الأمميون' و'الانعزاليون' في صف واحد لمقارعة أحد الخارجين عن هذا 'الصف'؟ فأين غابت حينها شعارات الاستنجاد بالغريب و'الصليب'؟ لم استحل 'الظلمة الأذكياء' كل ممنوع وجروا خلف حساباتهم و'تكتيكاتهم' ولم يسمعوا لشعوبهم لحظة ولا جعلوا لموقفها أو مشاعرها قيمة. لم تستنفر الآن المقولات النائمة والمبادئ السادرة للتشويش على صوت المطعون وهو ينزف؟

ألم يرصد 'أعتاهم' بأجهزته النشيطة مواقف معارضيه علهم ينبسون ولو مرة بتدويل قضيتهم وتحريك منظمات حقوق الإنسان لينقض على ثورتهم مستبيحا بيضتها لأنها تتعاون مع الأجنبي، فلما أعيته الحيلة ركب جهالته وغدر بهم وهم في الساحات يمتعون العالم بثورتهم النبيلة، وعندما زال ليله وفتحت مغاليق أسراره، وُجِد البلدُ وقد بيع أغلى ما فيه بأرخس الأثمان، بيعت أرضه وسماؤه وغازه وماؤه ولمن يا ترى؟ لإسرائيل.

وهل أخبار 'مجنونهم' بعيدة عنا؟ ألم يرم طلاب الحرية الذين طاردهم السنين ذات العدد بالخيانة والعمالة والانخراط في 'حرب صليبية'؟ ولم تهمل الأحداث هذا 'الوليّ النقيّ' لكي تنكشف علاقاته السرية على عمليات بيع مواطنيه والتنكيل بهم منخرطا بذلك وبكل 'إخلاص' مع 'الصليبيين' في حربهم على 'الإرهاب.

لكن، هل يعني هذا انخراط الرعاة والرعية في مسلك الخيانة والعمالة سواء بسواء؟ حاشى والله لا يستوي القائم على أمر الناس إذا ولغ في بيع الوطن ورهن الحاضر والمستقبل لحظوظ ذاته وحاشيته مستبقيا تسلطها بهذا الثمن الرهيب العجيب، ومن نهض إلى عرض مظلوميته على القريب قبل البعيد فلم يهب لنجدته مخلوق. لن ينطلي مكرهم ثانية على الشعوب، ولن تنفذ الخديعة إلى أهدافها، لأن هذه الشعوب أوعى بحدود مطالبها وأخشى على حدود أوطانها من 'المتاجرين' بما يملكون و'ما لا يملكون'. ستعرف هذه الأجيال الحية الذكية، المخلصة النقية كيف تشق الطريق مع كل حر مد لها العون، وستكافئ بكل مروءة وعزة من أجاب صرختها وأطفأ لوعتها، ولن تضطر لبيع قيمها ولا ترابها لأن أيام الصبر والمصابرة أقنعت البعيد والقريب أن الذين استعدوا لملحمة الموت بهذا العناد الصلب والبذل العزيز والعطاء السخي لن يعرضوا في مزاد الآخرين شرفهم للبيع ولا سيادتهم للانتقاص، فليهنأ الخائفون على مآل ثورة الأحرار، وليحسم المترددون أمرهم فقد آن الأوان، وليرحل الكاذبون لأن للأوطان شعوبا أغير عليها وآمن على حوزتها منهم.

=================

الثورة العربية المعاصرة و الاتهامات للشرفاء

د. محمد صالح المسفر

2011-09-12

القدس العربي

 (1) قبل كل قول اذكر القارىء العربي الكريم بان عملاء امريكا وجحافل المد الفارسي في العراق بعد احتلاله وسيطرتهم على مقاليد الامور اتخذت خطوات ثأرية حاقدة من كل الشعب العراقي الشقيق المعادي للهيمنة الاجنبية على العراق وسيادة الشعب، كان نموذجها المشين ما حصل في معتقل أبو غريب المشهور واعتقد ان الصور التي بثتها شبكات التلفزة العالمية مابرحت محفورة في ذاكرة الانسان العربي وانصار الحرية على امتداد العالم، اغتيالات العلماء والمفكرين في العراق ولا اريد ان استطرد في هذا المجال، لكني اردت ان اذكر بتلك الجرائم البشعة التي يندى لها الجبين.

اشعل عملاء الاحتلال في العراق حرب الوثائق المزورة التي تتهم الكثير من رجال امتنا العربية الذين يرفضون حصار الشعب العراقي الكريم والعدوان عليه بشكل يومي بما عرف بكوبونات النفط التي كان نظام الشهيد صدام حسين يوزعها كما زعم المتهمون على اصحاب القلم في العالم العربي وثبت عدم صحة كل تلك الاتهامات لشرفاء هذه الامة .

( 2 )

اليوم تتكرر الاتهامات من اخواننا في ليبيا الثائرة وسورية ' 'الممانعة والمقاومة' لكل من يدلي برأيه المستقل في مجريات الامورعلى الساحتين.

في ليبيا جرى ويجري خلافات بين المتصدرين لقيادة الثورة الليبية المباركة من طرف ومن طرف اخر بين الثوار وبعض انصار الثورة من مختلف مشارب التيارات الليبية وعندما يتناول اصحاب القلم هذه الاختلافات بالنقد والتحلي تبدأ الاتهامات لهم بانهم سخروا اقلامهم وافكارهم لصالح القذافي وزمرته، وانهم يتلقون الدعم المالي من القذافي، وعندما يكتب اصحاب الرأي في وسائل الاعلام تخوفهم وشكوكهم في نوايا حلف الناتو (حلف الاطلسي) تجاه الشعب الليبي وثرواته تزداد حملة الاتهام اللا اخلاقي لكل صاحب رأي، والسؤال هل اثار احد من اصحاب القلم تهمة العمالة والتبعية لاولئك الافراد سواء اكانوا اعضاء في المجلس الانتقالي او بعض القيادات التي برزت اخيرا على الساحة الليبية الذين يعيشون في بعض عواصم العالم على حساب تلك الدول؟

هل يمكن اعتبار هؤلاء الاشخاص يشكلون خطرا على الثورة الليبية ام اصحاب الرأي الذين ينبهون الثوار الى ما قد يحدث في قادم الايام لليبيا؟

والحق انه لا هؤلاء ولا اؤلئك فكلهم وطنيون غيورون على امتهم العربية وسيادتها، ولكن نؤكد ان اصدار الاتهامات ايها الثوار امور سهلة، وتزوير الوثائق الاتهامية اكثر سهولة في ظل عالم التقانية الحديثة، لكن الاثبات لتلك الاتهامات اكثر صعوبة، ويمكن للدكتور الصديق علي التريكي، وكذلك السيد شلقم والسيد موسى كوسا بصفتهم من اقدم الرجال حول القذافي ومتنفذين في نظامه ان يدلوا بارائهم في تلك الاتهامات، واحدث مدير مخابرات القذافي بين يدي الثوار اليوم بامكانه الادلاء بآرائه في تلك الاتهامات التي صدرت من قيادات مرموقة في الثورة الليبية المعاصرة ضد من حمل الهم الليبي في عهد القذافي المنهار وفي ظل الثورة المجيدة المعاصرة ايضا. اننا نربأ بهذه القيادات ان تنزل الى هذا المستوى من توزيع الاتهامات وليعلم اخواننا في ليبيا اننا معهم ولسنا مع القذافي ونظام حكمه من قبل ومن بعد فهل تكف 'اجهزة الاتهامات ' في العهد الجديد عن بث الاشاعات والاكاذيب والاتهامات ضد الشرفاء والتي لا اساس لها من الصحة .

اما الشأن السوري فحدث ولا حرج، صور دبابات الجيش العربي السوري تجوب شوارع المدن والقرى والارياف مستخدمة اسلحتها ضد جحافل الشعب السوري المطالبة بالكرامة، وصور الشبيحة وهم يرقصون على ظهور المعتقلين ويرفسون رؤوسهم كما يرفسون كرة القدم او اشد، صور المتظاهرين الذين يجوبون المدن والارياف والقرى كل هذه المناظر كاذبة ولا اساس لها من الصحة وليس هناك قتلى ولا معتقلون في سورية وانما مرتزقة واياد خارجية ممولة من جهات اجنبية تقوم بقتل رجال الجيش والامن وغيرهم انها تستهدف 'نظام المقاومة والممانعة' اذا صدقنا هذا القول فهل نصدق ما يذيعه التلفزيون السوري بان سورية يسودها الامن والسلام؟

مهم التنبيه بانه اذا تناول اصحاب القلم في العالم العربي ما يجري في سورية الحبيبة فان كان مؤيدا للقمع والعنف ضد الشعب السوري فهو وطني ومناضل ونصير لدولة 'المقاومة والممانعة' وما عدا ذلك فهو عميل للصهيونية والاستعمار وللدول الرجعية، ومتهم بالقبض من جهات اجنبية للاضرار بالامن الوطني والقومي لسورية 'المقاومة والممانعة'.

اخر القول: يا دعاة الحرية والديمقراطية في عالمنا العربي، ايها الثائرون على الدكتاتورية والاستبداد، كونوا من انصار حملة القلم وشجعوهم على ابداء ما يرونه ضارا بهذه الامة، وقدسوا حرية الرأي والكلمة، والا فانكم من الضالين الذين غضب الله عليهم.

=================

حقبة فرز تاريخي!

ميشيل كيلو

2011-09-12

القدس العربي

 بعد احتباس أعقب فشل مشروع النهوض العربي، الذي بدأته على الصعيد الفكري / النظري الفئات البينية من الطبقة الوسطى في نهايات القرن التاسع عشر، وعلى المستوى العملي / السياسي في أوائل القرن العشرين، وتحول الرهان العام والفعلي لنخب وازنة من هذه الفئات إلى السلطوية: النظام الذي تستأثر السلطة فيه بكل شيء وترى مجتمعها في ضوء حاجاتها ومصالحها .

وبعد المطاردة المنظمة التي مارستها السلطوية ضد البؤر الديموقراطية، الضعيفة أصلا في مجتمعنا العربي بحكم غربتها كنظريات وكممارسة عن الطبقات الشعبية، وبقوة بقائها برانية بالنسبة إلى شتى أنواع الأحزاب والتكوينات السياسية، بدا وكأنه يكفي أن ترسم النظم السلطوية صورة قاتمة للإسلام كمصدر خطر وحيد عليها وعلى العالم المتقدم في الغرب، وأن تتبنى علمانية متطرفة سياسيا، تتظاهر في أصولية دنيوية قمعية، حتى تضمن استقرارها وبقاءها إلى زمن طويل، خاصة إذا ما انتهج المسلمون سياسة كان 'الياس مرقص' يعبر عنها في فكرة عميقة ورائعة تقول بكلمات جد مختصرة: 'انتبهوا، فهم (الغرب والنظم السلطوية) سيعطونكم الدين مضاعفا كي يأخذوا منكم الدنيا'. وبالفعل: ألم يكن الإسلاميون يقتتلون على دين بلا دنيا، من أفغانستان إلى العراق إلى ... شتى أصقاع هذا العالم الفسيح، الذي لطالما تخلى عن الدين ورآه أكثر فأكثر بأعين الدنيا ؟

لو أنك سألت قبل عام واحد أي واحد منا نحن المثقفين عن توقعاته لاحتمالات التطور، لأخبرك إنها سيئة، بل شديدة السوء، فالشعب غارق في البؤس وخارج الواقع القائم، جاهل وغائب عن الوعي وبالتالي عن أية فاعلية عامة، والنظام السلطوي 'مسلطن' وقاعد على قلوب وعقول الناس، ويده الحديدية ملتفة حول أعناقهم، بينما جريهم وراء الرغيف ينهكهم ويدمر ما بقي من قوى قليلة لديهم، فكيف لا يكون الوضع سيئا وتكون الأمة في الحضيض؟!.

واليوم، يتقدم الاحتمال الذي بدا شديد الضعف، ويتظاهر في تبني الشعب عموما خيار الحرية والديموقراطية والدولة المدنية والمواطنة، وتراجع الخيارات المتطرفة، مذهبية كانت أم سلطوية أم شعبوية، وبداية تخلق مراجعة فكرية وسياسية كبرى على امتداد الوطن العربي طولا وعرضا، ليست نتائجها واضحة بعد، لكن مفرداتها قد تدل على طابعها وعلى ما يمكن أن يتمخض عنها، حاملها هذه المرة المجتمع نفسه، الذي لا يستطيع الاستمرار دون مشتركات جامعة تتخطى مصالح ونظرات أية قوى جزئية فيه، طبقات كانت أم أحزابا أم عسكرا، فهو يقف إذن بدوره أمام تحول تاريخي هائل الأبعاد والشمول، لن يكون ما بعده كما كان قبله، ولن يضعنا فقط على مشارف العصر وإنما سيدخلنا أيضا إليه، إذا لم نرتكب أخطاء فادحة وجسيمة، تعيدنا إلى تضييع الكل من أجل الجزء، والعام من أجل الخاص، والدائم في سبيل العابر ... الخ، وإذا لم نهجر كذلك ما كان دائما رافعة وجودنا، وهو أننا أمة ممزقة تريد الوحدة، ومظلومة تريد العدالة، ومستعبدة تريد الحرية، وجاهلة تريد العلم، ومتأخرة تريد التقدم ... الخ.

في أي منحى ستذهب بعد اليوم إعادة بنينة وجودنا ووعينا ؟. أعتقد أنها ستذهب نحو فرز تاريخي هائل الأبعاد، لطالما أهملناه وتجاهلنا ضرورته ،أو لم نمتلك الوعي اللازم بأهميته .ولعله من البوادر الأولى لهذا لفرز ما نلاحظه اليوم من اعتناق كتل إسلامية متنوعة أفكارا كانت إلى الأمس القريب ترفضها، وترفض أن ترى فيها جزءا من منظومتها الفكرية أو وعيها، أهم بنودها ربط رؤيتها بالإنسان ككائن حر، وقبولها بالتالي المساواة بين البشر، في الحقوق والواجبات جميعها، بما في ذلك حق الاختلاف والخلاف في إطار التنوع والتمايز . يتظاهر هذا التحول والفرز في وقائع وأشخاص بعينهم، وليس أمرا قليل الأهمية على سبيل المثال أن يقبل ليبي، كان رجلا قياديا في تنظيم القاعدة وسجين القذافي لسنوات طويلة، الزحف العسكري على طرابلس تحت غطاء من طائرات وقنابل حلف الأطلسي، دون أن يجد غضاضة في ذلك. كما أنه ليس بالأمر الهين أن يؤسس الإخوان المسلمون في مصر حزبا سياسيا يستمد مبادئه من مصادر غير قرآنية أيضا، لان من أسسوه يعلمون أنه سيكون محكوما بالدنيا وليس فقط بالدين كجماعة الإخوان المسلمين التي أفرزته، وأن السياسة وبالتالي الدنيا ليست مجرد مواقف أخلاقية وطهرانية، بل هي ربح وخسارة، حتى أن المرء ليرى بعين خياله بعض قادة هذا الحزب وهم يقفون أمام المرآة بينما العرق يسيل عن جباههم، بعد كل لقاء لهم مع الأحزاب الأخرى، وكل جلسة تخطيط سياسي تريد أخذ الأوضاع القائمة ومواقف الآخرين بعين الاعتبار وتعمل على منافستهم وانتزاع جمهورهم منهم، بشتى الوسائل والطرق التي يلجؤون هم أيضا إليها.

هل يعني هذا أن حصة الدنيا ستزيد في الفرز الذي أتحدث عنه ؟. هذا مؤكد تماما، ومؤكد أيضا أنه سيقود عقلنا السياسي إلى تقارب سيشمل معظم أجزائه ومكوناته، وإلا فإن نهضة العرب القادمة لن تكون ممكنة، سواء في الجانب الذي يتعلق بخروجهم من بؤسهم الراهن، أم الجانب المقابل، الخاص بالبديل الذي لا بد من بنائه، كي يلتحقوا بعصرهم ويلعبوا فيه الدور اللائق بهم: كأمة بانية للحضارة والمدنية وتفاعلت معظم تاريخها بإيجابية مع الآخر، فأخذت منه وأعطته وأفردت حتى في قرآنها الكريم، كتابها القومي، مكانا لمفرداته وكلماته ومفاهيمه. إذا ما عجزنا عن تلبية حاجتنا التاريخية إلى مشتركات قارة تتجاوز الكيانات والتشكيلات السياسية الجزئية والأوضاع القائمة والمصالح الخاصة، سنعجز عن مغادرة حالنا السيئة القائمة، وسنعيد، بكلمات ووجوه أخرى، إنتاج الأمر السياسي الذي دمر فرصنا في التقدم والحرية طيلة قرابة نصف قرن، ويعتبر النهوض الحالي ردنا عليه ومحاولتنا للخلاص منه. يعني هذا أن علينا رؤية أيديولوجياتنا بأعين حاجاتنا لا العكس، وتغليب برنامجنا العام، الداعي إلى الحرية والمواطنة والدولة المدنية على التفاصيل التي كنا نقرؤه من خلالها في الماضي، وكنا نسميها 'برامج' ونتوهم أنها هي التي تمثلنا، بدل أن نعينها في ضوء هذا البرنامج وبما يخدمه، ريثما نكون قد بلغنا وضعا يتيح لنا ترف الخلاف، يمكنه تصحيح الأخطاء التي نقترفها لأننا نعمل لإنتاج الواقع بما هو واقع خاص بنا وحدنا، إما أن ينضوي الآخرون فيه أو أن يخرجوا منه.

سيمر الفرز بعمليتين متلازمتين هما: الابتعاد عن ما ألفناه في الفكر والعمل من جهة، وبلورة أرضية جامعة نلتقي ونفترق عليها دون أن نشحن علاقاتنا بالبغضاء والتناقضات العدائية، ونسبب الضرر لمصالحنا العليا، سواء كانت لمجتمعنا أم لدولتنا، من جهة أخرى. نحن اليوم في المرحلة الأولى، لكننا نذهب إليها من خلال الثانية، التي يعتبر العمل في حاضنتها ضامنا لسلامة جهودنا، وصواب مسعانا، وصحة طريقنا، وإلا كان الابتعاد عن ما اعتدنا عليه ضياعا، وكانت الأرضية الجامعة رمالا متحركة ستبتلعنا بلا رحمة.

نحن في بداية تاريخ جديد، أوله فرز يخلصنا من عقل يشدنا إلى الوراء وإلى خارج الدنيا ،يزين لنا العنف ضد بعضنا وغيرنا، دون أن يثير المزيد من التناقضات بيننا وإنما يردمها، بينما يبعدنا عن ماض حفل بالأخطاء والعداء، دون أن يكون له أي مبرر حقيقي أو مسوغ مشروع، وآخره لقاء يجمع أحرارا تخلصوا من حمولات زائدة ومؤذية، وطفقوا يبحثون عن روافع بوسعها حملهم ومجتمعاتهم ودولهم إلى حيث يجب ويحسن بهم أن يكونوا: في قلب الواقع والتاريخ!.

' كاتب وسياسي من سورية

=================

باصات استبدلت الركاب بمعتقلين وأحياء محررة من صور الأسد: رحلة تهزّ الروح الى دمشق

زينة ارحيم

2011-09-12

القدس العربي

 ليلة عصيبة من الشجارات مع أصدقائي المحبيّن الذين لم يصدقوا أول الأمر قراري بالعودة لسورية، 'هو جنون ستعدل عنه قبل أن يحين موعد الطائرة المغادرة للندن بعد عدّة ساعات' قالوا، وما إن بدأ العدّ التنازلي لعودتهم وشاهدوا بريق الإصرار بعيني صامداً أمام كل حكايات التعذيب وشهادات المعتقلين والقصص المروعة لتلك الأقبية التي يتوقف عندها الزمن، انتقلوا للمرحلة الثانية: محاولات لسرقة جواز السفر وحقائبي، انتهت بإعلام أهلي بقدومي وسيل من الهواتف والوعيد والترهيب، فشلت كلها أمام عنادي، حسمت أمري... أنا ذاهبة للشام.

أقلعت طيّارتي بمقعدي الخالي بينما رحلت أنا مع اضطراب عواطفي لتلك الغرفة المزدحمة التي تنتظرني خلف الحدود، عشت رطوبتها ووساختها محاولة سرقة بضعة أنفاس، أغمضت عيوني وراجعت تلك اللحظة على كورنيش بيروت، اللحظة القادرة على تغيير حياتي للأبد وقبل أن أعرف فيما إذا كنت سأرطم رأسي بالحائط ندما، أو سأحييّ جنوني وأتحمل عاقبة اختياري، استيقظت

أنظر طويلا لسماء بيروت باحثة عن بريق 'نجوم الليل' التي حملها أهلي بحي الرمل الجنوبي في مظاهراتهم الليلة، أودّع الشاطئ والسماء وأغفو على موعدي غدا مع الأقبية، مساكن النبلاء من أهلي.

استيقظ دون منبّه، أقصّ أظافري لأجعل مهمتهم في اقتلاعها أصعب، أفكر بقص شعري لأمنعهم من جرّي منه ثم أعدل عن الفكرة فهو حماية لرأسي عندما تتكاثر عليه الهراوات، أتحسر لعدم توافر الاختراع الماليزي الجديد (ثياب داخلية حديدية لها قفل) أجل فكرت بذلك، فالاغتصاب أيضا من سيم الوحوش.

ارتديت ملابسي الفضفاضة والمريحة، حزمت حقائبي وعدّلت أسماء أصدقائي على هاتفي وبعد أن أرسلت كمبيوتري المحمول لبريطانيا لم يبق علي إلا تمزيق بعض الأوراق التي كانت تحمل أسماء العائلات السورية اللاجئة في لبنان وتفاصيل عن كيفية مساعدتنا لهم، وانطلقت.

تشنجات قوية في معدتي وآيات كنت قد نسيتها تقفز لرأسي وأرردها بنهم وخاصة آية 'وجعلنا من بين أيديهم سدّا ومن خلفهم سدّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون' من سورة ياسين.

وصلنا الحدود وأنا بحالة ذهول ألاحق بحركات لا إرادية المسافرين، 'لا تستطيعين الدخول بالهوية لسورية وأنت قادمة من مطار بيروت' قالها الضابط اللبناني، شردت، فسألني 'فيه مشكلة' أجبته 'ربما' فنصحني بإخبارهم بأنني أضعت قسيمة الدخول. ذاكرتي فارغة تماماً إلا من صوت هاتف السائق الذي لم يتوقف عن الرنين وطلبي، وأصوات مألوفة متعددة تطالبني بالنزول حالا والعودة من حيث أتيت...

على الحدود السورية، بدأت الوجوه العابسة تتكاثف، يخفق قلبي وأنا أستذكرها هنا على بعد آلاف الأميال.

دخلت الفرع وقد اشتدت مغصات معدتي، 'سورية لينا وماهي لبيت الأسد' كنت أسبّح بها داخلي بحالة هستيرية وأنا أشاهد صور الأسد بكل مكان، وقفت عند أطول طابور.. لكن الدور وصلني.

أعطيت الضابط جوازي متجاوزة نصيحة الضابط اللبناني، فقد هجرتني فجأة كل الكلمات، رفعت نفسي قليلا لأشاهد ما يكتبه، خرست كل الأصوات حولي فجأةً، وحدها ضربات أصابعه الثقيلة على لوحة المفاتيح وضربات قلبي علت بذلك المكان المشحور، 'ماذا تفعلين في بريطانيا' سألني، أجبته 'أنا طالبة'، ودون أن ينظر إلي تابع 'وماذا تدرسين' فحاك لساني كذبة سريعة 'إنكليزي'، تساءلت بعدها كثيراً، لو لم تحضرني بديهتي بتلك اللحظة ماذا كانوا ليفعلون بي وأنا التي انهيت ماجستيرا في ذلك العلم 'المغرض' 'الهدّام' 'المتآمر' المسمّى تدليعاً إعلام؟

ختم جوازي ورماه لي... وأنا واقفة لم أتحرك، نظر إلي مستغربا، 'خلصنا؟' سألته..أجاب 'نعم'، 'عنجد؟' سألته مرة ثانية بتعجب فقطّب حاجبيه مستنكراً بلادتي، فانسحبت مع خليط من المشاعر وهتفت بصمتي 'يحيا الغباء'

السيارة تسير وعيوني تائهة تبحث عن لافتة شاهدتها العام الماضي على حدود المصنع كُتب عليها 'سورية الأسد ترحب بكم' فلم أجدها..هنا فقط توقفت معدتي عن الحشرجة وبدأت التهم الطريق والصور واللافتات.

أغلب اللوحات الطريقة كانت لسيرياتل ومبادرة 'كل مواطن مسؤول' والتي نشرت لافتات عليها صورة يد مرفوعة كتب قربها عبارات ك' ماضي هو ماضيك.. أنا مع سورية'، و 'متشائم أو متفائل.. أنا مع القانون' ...

لافتة زرقاء عالية أوعزت لدموعي بالانهمار للمرة الأولى في سوريتنا...'درعا'... تلك الحروف الأربعة هزّت روحي وعلقّت عيني فيها إلى أن غابت تماماً، وما إن بدأت استعيد شجوني حتى بدت لوحة تدلّ لطريق 'الزبداني' ومعها صور اللافتات المتقنة الجميلة وأسماء أصدقائي المسجونين هناك منذ شهور خلف الحواجز الأمنية العديدة.

هنا الشام

على أتوستراد المزة، تلبّستني حالة من الذهول سترافقني طوال زيارتي، لم تيقظني منها لفحة الشمس الحارقة التي نسي جلدي ملمسها منذ سنة، ولا ضجيج الشارع وأبنيته التي لم ألحظ قبلاً أنها بهذه الوساخة. كانت حركة الشوارع والمقاهي طبيعية نسبة ليوم رمضانيّ صيفي، لافتات 'سورية بخير' تحتل لوحات الإعلانات، وحدها البنوك كانت تشهد حركة غير طبيعية، عدة أشخاص يجادلون الموظفين مطالبين بسحب أموالهم أو يحتجون لعدم قدرتهم على ذلك والكثير من المنتظرين.

صور قليلة للأسد توزعت على مفارز حراسة السفارات وبناء شركة للكابلات إضافة لأحد البيوت الذي نشر صورته مع علم البعث على حبل الغسيل.

كل الكآبة التي عصفت بروحي بالمزة تلاشت عندما دخلت حيّ الميدان، حججت للجوامع الثائرة من زين العابدين إلى الحسن ومنجك والدقاق وطفت بعلاقتي الجديدة مع الجوامع التي حفظت أسماءها عن ظهر قلب، من العمري بدرعا لجامع سعد بإدلب ومن قاسمو بالقامشلي للرحمن في اللاذقية.

عبثاً بحثت في حارات الميدان عن صورة منسية للأسد، فحتى تلك الصورة الوحيدة التي بقيت عند محلات أبو عرب حيدر والمعروف بعلاقته بالنظام تم استبدالها بعلم سوري 'سادة'، (ويسمّى العلم السوري بالسادة للتفريق بينه وبين العلم الممهور بصورة الأسد). تحت المتحلق الجنوبي ينتشر عدد مهول من الشبيحة يرتدون لباسا عسكريا يشبه بذّات الفتوة التي اعتدنا ارتداءها بالمدرسة، ومعهم أسلحة لامعة وعصيّ والبعض يحمل روسيّات، وبجوارهم تقف عشرة باصات فارغة معدّة لاستقبال المعتقلين الجدد. في شوارع دمشق، استبدلت باصات النقل الخضراء والبيضاء ركابها التعبين بوجوه مدمّاة، يحكي تحدّي عيونها خلف النوافذ حكايات حياة ملّونة وظلم أسود يقتادون إليه.

لحظة التقت عيوننا بساحة الأمويين المزدحمة تفتت قلبي بألم لم أشعر بمثله في حياتي، اعتصر العجز أنفاسي، ذراع واحدة وحقول مثمرة بالشجاعة تفصلني عنهم، عيون غاضبة وراءهم تستنكر دفق المشاعر بعيني، لا أستجيب، ألاحقهم حتى يغيبوا في الزحام. تطاردني عيونهم في أحلامي، تؤرق ابتسامة خاطفة ارسمها للقاء عزيز، لن أركب تلك المعتقلات المتحركة بحياتي أبداً.

أعادني الشعلان لواقع دمشق (قبل اقتحام مسجد الرفاعي)، متسوقون 'للعيد'، شباب يتسكعون ويعاكسون بينما يُقتل أصدقاؤهم على بعد بضعة دقائق في برزة والقابون والقدم والميدان، على طول الشارع الرئيسي للسوق تنتشر وبشكل متناظر صور للأسد مكتوب عليها 'نحنا رجالك سوريّة' لُصقت بلؤم على الأعمدة الفاصلة بين المحال التجارية، تستطيع أن ترى بوضوح محاولات تمزيقها الفاشلة حيث تم وضع اللاصق على إطار الصورة ووسطها أيضا.

موعدي الثاني مع البكاء كان هناك، عندما التقيت صديقي عامر مطر، كان نحوله قد ازداد وبقي على قصة الشعر القصيرة من اعتقاله السابق، لكنه احتفظ بضحتكه ولهفته، وكأن العتم لم يخطفه منّا شهراً، كنا نتحدث بسرعة وضجّة لنعوضّ الكثير الذي فاتنا، كان الوحيد الذي فرح بقدومي بظل مقاطعة كل المحبين من أهلي وزوجي لما أسموه 'جنوني'.

جنوني الذي تٌوّج ذاك اليوم بمقابلتي لأم جوزف، الصبية الحرّة التي سأخوض معها أول مغامراتي الاندساسية في دوما المحررة مساء...

=================

... عن مفهوم المجتمع المدني

الإثنين, 12 سبتمبر 2011

هشام الدجاني *

الحياة

تعرف العرب على مفاهيم المجتمع المدني وعلاقته مع السلطة ومفاهيمه عن الالتزام بعد أن قضت الدولة العربية التسلطية على هامش المجتمع، وأصبحت الدولة أشبه بالآلة التي تقضم كل ما يقف في طريقها، فأصبحت المجتمعات العربية عاجزة إلى حد كبير عن الفعل والتأثير، ومقيدة بقيود لا فكاك منها، وهذا ما أدخل العالم العربي في حالة من الحياة اللامبالية بالشأن العام، أو عدمية المصير.

لذلك وجدت المجتمعات العربية في مفهوم المجتمع المدني تعويضاً عن غيابها السياسي الكامل وعدم حضورها الاجتماعي بحكم سنوات الاستبداد الطويلة وحكم الطوارئ المؤبد. وجرى طرح المجتمع المدني على أنه الخلاص القادر على تدارك سنوات النقص التي خلفها الحكم الشمولي التوتاليتاري.

راج مصطلح المجتمع المدني في الأدبيات العربية في وقت متأخر. وقدومه المتأخر هذا لم يمنع الالتباس والاضطراب الكبيرين اللذين رافقا نشأته وظهوره. وهذا متعلق بطبيعة الفكر العربي في تعامله مع المفاهيم، لا وفق سياقها الطبيعي، بل ضمن رغبته الخاصة، مما حول المفهوم إلى صراع على التوظيف السياسي بين مختلف التيارات والحركات السياسية التي رغبت عن طريق تبنيه في مواجهة الدولة الشمولية، أو ضد بنى المجتمع التقليدية.

ويمكن القول إن المجتمع المدني هو نقيض المجتمع الثيوقراطي حيث تزعم فيه السلطة السياسية أنها تستمد شرعيتها من السماء، وبالتالي لا يحق للبشر محاسبتها. كما أنه نقيض المجتمع الشمولي الاستبدادي، ونقيض المجتمع القبلي أو الطائفي.

مما لا شك فيه أن مفهوم المجتمع المدني ذو جذور غربية ليبرالية في ضوء تطوره الحديث. وهذا ما منع تكيفه بسهولة مع الفكر العربي المعاصر، مما جعل المفهوم يزداد غموضاً بحيث غالباً ما يسقط دعاة المجتمع المدني مفهوم الحزب السياسي عليه. كما أن الدولة العربية تختزن إرثاً احتكارياً من الصعب عليها التنازل عنه. إذ أن هيمنتها على المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية تقتضي منع أية مؤسسة مستقلة ترغب في النشاط في أحد المجالات المذكورة لأنها ستصطدم حتماً بتوجه الدولة نحو الأحادية وعدم الاستجابة لرغبة المجتمع في ممارسة دوره وفق تصوراته أو مآلاته الخاصة. لذلك نجد غالباً أن العلاقة بين الدولة العربية والمجتمع المدني علاقة يسودها التوتر والتنازع لتتأسس ثنائية غير تصالحية - كما في الفكر الغربي - بل ثنائية تصادمية تقوم على الإلغاء المتبادل. فهل يمكن الوصول إلى صيغة تعاون متوازنة بين الطرفين؟ إن ذلك يتعلق بالسلطة (الدولة) التي رهنت المجتمع بإدارتها. فهي إن أرادت أن يمارس المجتمع دوره وفعاليته فعليها أن تعترف بمؤسساته، وأن تترك له هامشاً يؤدي وظيفته من خلاله.

* كاتب فلسطيني

=================

نوري المالكي وبشار الأسد: ماذا عدا مما بدا؟

الثلاثاء, 13 سبتمبر 2011

حميد الكفائي *

الحياة

منذ حصول التغيير في العراق على أيدي القوات الأميركية في نيسان (أبريل) 2003، وحكومة بشار الأسد في سورية تعمل جاهدة على زعزعة استقرار النظام الجديد في العراق عبر سماحها بمرور الآلاف من المسلحين والانتحاريين من ذوي الأجندات الجهادية إليه لمهاجة أهداف مدنية فيه من أسواق ومساجد وحسينيات وتجمعات بشرية.

ولطالما اشتكى المسؤولون العراقيون من الموقف الرسمي السوري ضد العراق وأبرزوا أدلتهم على أن هذه المجاميع المتطرفة تتلقّى التدريب وتسهيلات أخرى على الأراضي السورية. إضافة إلى ذلك فإن «سورية الأسد» قد وفّرت ملاذاً وحماية لكل أعداء النظام الجديد، الأعداء وليس الخصوم، بمن في ذلك الذين حملوا السلاح ضد العراقيين ومن هم مطلوبون للقضاء العراقي.

كل المسؤولين العراقيين يعلمون ذلك علم اليقين ولديهم أدلة كثيرة على أن نظام الرئيس بشار الأسد يعارض بقوة النظام الجديد في العراق ويسعى لإضعافه والإطاحة به منذ اليوم الأول لسقوط نظام صدام حسين مع عمق الخلاف التاريخي بين النظامين. والأسباب معروفة وهي أنه يخشى على نظامه من مطالبات شعبية بإصلاحات ديموقراطية مماثلة لما حصل في العراق، لأن هذه ستؤدي إلى إنهاء حكمه الذي ورثه عن أبيه.

الرئيس بشار الأسد هو أول رئيس عربي في التاريخ الحديث يرث الحكم عن أبيه، ويُعدَّل له الدستور على وجه السرعة كي يتلاءم مع سنّه. وكان سيخلفه آخرون في عالمنا العربي لولا قدوم «الربيع العربي» مبكراً بالنسبة لهم والذي أفسد على الأبناء والآباء معاً نعمة الهدوء والطمأنينة التي تمتعوا بها خلال العقود الخمسة المنصرمة.

كنا جميعاً في العراق نعلم ما تقوم به «سورية بشار الأسد» من نشاطات معادية للعراق وقد صرّح بذلك معظم المسؤولين العراقيين وحاولت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 أن تصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية حول وضع حد للأعمال المسلحة المنطلقة من سورية، لكنها لم تفلح وبقيت تلك الأعمال تحصد أرواح وممتلكات الأبرياء في العراق. وقد حاول رئيس الوزراء الحالي، نوري المالكي، الذي يعرف النظام السوري بكل تفاصيله الدقيقة، إذ أقام في دمشق لأكثر من عقدين، أن يقنع السوريين بدعم النظام الجديد وقام بزيارة إلى سورية وقع خلالها عقوداً للتعاون الاقتصادي كوسيلة لإغرائهم بالتخلي عن دعم المسلحين وتسهيل تدفقهم إلى العراق، لكنه أخفق وعاد بخفي حنين وأعلنها ثورة عارمة ضد «سورية الأسد» ودعا إلى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في نشاطاتها ضد العراق. وقد طلب العراق رسمياً من الأمم المتحدة أن تُشكل لجنة تحقيق دولية للنظر في تدخلات سورية في الشأن العراقي، ولم يُلغَ هذا الطلب حتى هذه اللحظة وفق مصادر موثوقة. إلا أن الظروف المعقدة التي رافقت تشكيل حكومة المالكي الأخيرة في العام الماضي وإصراره على البقاء في السلطة على رغم عدم فوزه في الانتخابات، تطلبت «مصالحة» من نوع ما مع سورية لما لها ولحلفائها من تأثير في القرار العراقي. وذهبت إلى دمشق وفود عراقية متتابعة لإجراء تلك المصالحة وقد أفلحت في إبرام اتفاق ما مع الحكومة السورية وتبع ذلك الاتفاق كما هو المعتاد «توقيع عقود للتعاون الاقتصادي» بين البلدين، كما زارت بغداد وفود سورية على مستوى رئيس الوزراء ووزير الخاريجة لتأكيد هذه الصداقة الجديدة التي لم تُشِر من قريب أو بعيد إلى النشاطات السورية السابقة المعادية للعراق والتي ذهبت الحكومة العراقية بسببها إلى الأمم المتحدة لطلب المساعدة بعد عجزها عن التوصل إلى حل ثنائي.

لكن «الربيع العربي» جاء ليقضي على أمل بشار الأسد في البقاء في السلطة بعد أن سئم الشعب السوري الديكتاتورية والقمع وغياب الحريات وانتقال السلطة بالوراثة من الأب إلى الابن. وبدلاً من أن يؤيد قادة العراق الجدد، الذين عانوا ما عانوه من الديكتاتورية، هذا التوجه العربي نحو الديموقراطية التي يلهجون بها ليل نهار، بدأوا يشككون بثورات الشعوب العربية ويتخوفون من «سايكس - بيكو» جديد في المنطقة ويحذرون من النزعات الطائفية للمنتفضين، في وقت يصرون على التمسك بالمحاصصة الطائفية في العراق التي قادت إلى ما نراه اليوم من تعثّر في العملية السياسية وتدهور في الأمن وشيوع للفساد وتلكؤ في تشكيل الحكومة، غير المكتملة حتى بعد مرور 19 شهراً على الانتخابات العراقية.

قبل أيام أجرى تلفزيون «أي إن بي» اللبناني مقابلة مع رئيس كتلة «التحالف الوطني» في البرلمان العراقي، إبراهيم الجعفري، هاجم فيها الأنظمة العربية «الديكتاتورية» وأساليبها القمعية وركز على نزعاتها لتوريث الحكم. لكنه عندما سُئل عن سورية قال بالحرف الواحد «على الرئيس بشار الأسد أن يقود ثورة ضد الفساد»! وكأن القضية هي قضية فساد فقط وليست ديكتاتورية وقمع وغياب الحريات وأبسط الحقوق المدنية، وتناسى الجعفري أن بشار الأسد هو الرئيس العربي الوحيد، أكرر الوحيد، الذي جاء إلى الحكم عبر النظام الوراثي الذي أعابه على الآخرين الذين كانت لديهم مجرد نوايا لتكريسه في بلدانهم.

كيف يفسر نوري المالكي هذا التحول المفاجئ من اتهام الحكومة السورية بدعم الإرهاب ومطالبة الأمم المتحدة بالتدخل لدعم تلك الحكومة وتجاهل ثورة شعبها ضدها؟ وهل يعتقد أن موقفه هذا هو في مصلحة العراق؟ بل وهل يمكن أن يغير موقفه هذا من النظام السوري مجرى الأحداث؟ لقد أقام حكام العراق الجدد الدنيا وأقعدوها لدعم انتفاضة الشعب البحريني وأرسل بعضهم بواخر تحمل «مساعدات» للشعب البحريني أطلقوا عليها أسماء طائفية، لا هدف من ورائها سوى تأجيج الطائفية والإيحاء بأن هناك مشكلة طائفية في البحرين، وهم يعلمون جيداً أن الشعب البحريني ليس بحاجة إلى مساعدات من أحد ولديه مشكلة قديمة لن تحل بتدخلهم فيها.

فالطائفية التي حذر منها المالكي تتكرس عندما تتجاهل حكومته ثورة الشعب السوري من أجل الحرية والديموقراطية، وعندما تؤيد حكومة بشار الأسد التي تمارس القتل والقمع ضد شعبها منذ أربعين عاماً. مصلحة العراق تكمن في الوقوف مع الشعب السوري وباقي الشعوب العربية في ثوراتها من أجل الانعتاق وليس في مساندة رئيس زائل لا محالة أو الرضوخ لمصالح حكومات مجاورة آيلة للسقوط تحت ضربات شعوبها المطالبة بالحرية والديموقراطية.

* كاتب عراقي

=================

أضعف الإيمان - نبيل العربي خاف من الحبل

الثلاثاء, 13 سبتمبر 2011

داود الشريان

الحياة

وصل نبيل العربي إلى منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية في زمن التحولات. ولعله حدّث نفسه، في اليوم الأول لدخوله مكتبه، بضرورة البدء بإرساء قطيعة بين الجامعة وماضيها البليد، والتحرك من خلال مصالح الشعوب. لكن نهج العربي حتى الآن يشير الى أنه طبّق المثل الشهير «من تلدغه الحية (الأفعى) يخاف من الحبل». فرغم أن دولاً عربية دانت الحل العسكري («الأمني») لمواجهة الاحتجاجات التي تشهدها المدن السورية، وكان متوقعاً من الأمين العام أن يتبنى هذا الموقف، لكنه، للأسف، تصرّف بطريقة مخيّبة للآمال.

خوف نبيل العربي من تكرار موقف الجامعة المفرط من الأزمة الليبية، و «تمرير» القرار 1970، الذي خوّل حلف «الناتو» تحويل الحظر الجوي الى غارات جوية طاحنة، سيطر على حركة الأمين العام خلال زيارته دمشق. وهو تحدث مع الرئيس السوري عن «الإصلاح»، وشدد على أمن سورية واستقرارها ورفض الجامعة كل أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية السورية، مؤكداً أن الجامعة العربية لن تكون ممراً لاتخاذ قرار ضد أي دولة عربية.

لم يكن مطلوباً من العربي أن يتحدث عن تدخل دولي في سورية. لا أحد يطالب بتكرار ما حصل في العراق ويحصل في ليبيا، ولكن في المقابل لم يكن مقبولاً أن يتحدث الأمين العام عن حل لبقاء النظام، في وقت يتحدث الشعب السوري والعالم عن وسائل لخروج النظام.

لا شك في أن الحديث عن إصلاحات سوريّة اختُبِر زيفها كان مفاجأة مفزعة للمواطنين السوريين الذين اعتقدوا بأن الأمين العام سيتمسك بالموقف الواضح الذي عبّرت عنه السعودية، ودول أخرى عربية، ومطالبة النظام في دمشق بالوقف الفوري لأعمال القتل، وطرح رؤية تتضمن الأفكار التي طرحتها المعارضة السورية. لكن نبيل العربي تجاهل خطورة الوضع، وقدم خدمة مجانية للنظام السوري، وساعده في لعبة شراء الوقت.

الأكيد أن زيارة نبيل العربي كشفت بوضوح أن جامعة الدول العربية أصبحت أداة لتسويغ القمع، وحان وقت طي صفحتها. والحل المطلوب اليوم ليس تعليق عضوية سورية فيها، بل انسحاب العرب منها، والدعوة الى تأسيس تجمع يحرّم البطش والقتل، ويحمي كرامة البشر.

=================

العربي في دمشق.. كأن شيئاً لم يكن

عيسى الشعيبي

الغد الاردنية

نشر : 12/09/2011

حسناً فعل الأمين العام للجامعة العربية هذه المرة، حين التزم الصمت في زيارته الثانية إلى دمشق، ورفض التصريح أمام وسائل الإعلام السورية عما دار في مباحثاته مع الرئيس بشار الأسد، خشية تحريف كلامه وتقويله ما لم يقله، وذلك على نحو ما جرى له في الزيارة الأولى التي كانت، بكل فقراتها، صادمة للسوريين، وفق ما أظهرته الشعارات المنددة بتلك الزيارة، وصدحت به حناجر المتظاهرين في عموم الديار السورية.

وبغض النظر عن تقولات ذلك الإعلام الذي يرابط بعناد في الزمن الشمولي البائد، ومعاودته مجدداً تقويل نبيل العربي ما كان يود أن ينطق به الأمين العام من كلام يصادق فيه على نظرية المؤامرة الخارجية التي يتمسك بها النظام المأزوم، إلا أن التصريحات التي أدلى بها في القاهرة رسول وزراء الخارجية العرب إلى دمشق، جاءت هي الأخرى باعثة على اليأس من إمكانية قيام النظام الرسمي العربي بدور يعتد به في حل أزمة تتفاقم مع مرور الوقت.

فقد كان الحديث يدور في الأروقة الصحفية، عشية زيارة العربي الأخيرة، عن مبادرة عربية تتكون من ثلاثة عشر بنداً، كان وزراء الخارجية العرب قد أودعوها بين يدي الأمين العام لنقلها إلى الرئيس السوري، وهو ما رأت فيه كثير من قوى المعارضة داخل سورية وخارجها، طوق نجاة يرمي به العرب إلى النظام الغارق في دم شعبه من أجل إعادة تعويمه.

وهكذا، فإن تصريحات العربي في مطار القاهرة، حققت على الفور كل تلك الشكوك المسبقة بعدم وجود مبادرة عربية من الأساس، وأن كل ما كان في جعبة الأمين العام مجرد تمنيات قلبية طيبة، ورغبات عربية عامة، بضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لوقف العنف وحقن الدماء وإجراء حوارات جادة، وغيرها من المجاملات الدبلوماسية التي تتوافق في مجموعها مع ما يدعو له النظام الدموي من إصلاحات لا تمس جوهر حكم عائلي مستبد، يسعى إلى إنهاء الانتفاضة الشعبية بكل ثمن ممكن، وتأبيد تسلطه لأربعين سنة أخرى على الأقل.

وعملاً بمنطوق القاعدة القائلة إن فاقد الشيء لا يعطيه، فقد كان من المستغرب حقاً أن تبادر المؤسسة العربية الرسمية إلى طرح مبادرة جريئة كتلك المتداولة صحفياً، أو التقدم بخريطة طريق فعالة، على نحو ما تم تسريبه عقب اجتماع المجلس الوزاري العربي الخاص بالأزمة المديدة، خصوصاً وأن النظام السوري اعتبر البيان الصادر عن ذلك الاجتماع الطارئ كأنه لم يصدر، كونه يمثل تدخلاً فظاً في الشؤون الداخلية لبلد يعرف كيف يحل أزماته الذاتية بنفسه.

وعليه، ومع ارتطام الجهود العربية الخجولة مع صخرة العناد التي تحطمت عليها من قبل سائر الجهود والمبادرات والنصائح التي انهالت على دمشق من سائر الحلفاء والأصدقاء والجيران، تدخل الأزمة السورية الدامية مرحلة استعصاء أشد من ذي قبل، وتصبح المعالجات الدبلوماسية الرامية إلى احتواء الموقف أولاً تمهيداً للبحث عن مخارج ملائمة فيما بعد، غير ذات صلة بوضع بلغ فيه النظام ذروة رهانه على الحل الأمني، فيما بلغ فيه الشعب السوري نقطة اللاعودة، الأمر الذي يجعل الحديث عن الإصلاحات مجرد كلام في الهواء لدى شعب لم يعد يطالب بإسقاط النظام فقط وإنما بمحاكمة الرئيس وإعدامه.

ولعل الحقيقة الأساسية التي غابت عن نبيل العربي، وامتنع كثير من المراقبين عن الأخذ بها تماماً، تلك التي تشير إلى أن النظام القائم في جوهره العميق على حكم فردي، وإرث استبدادي، ومنطق أمني، نظام غير قابل للإصلاح، أو قادر على الاستجابة لمطالب شعبه، ليس لأنه لا يريد مثل هذا الإصلاح، وإنما لأنه لا يستطيع دفع أكلافه، وهو الذي يعتبر كل تنازل بمثابة هزيمة تضعف من سطوته وتأكل من هيبته، الأمر الذي سيجعله من الآن فصاعداً أكثر انكشافاً أمام التدخلات الخارجية، بكل ما تنطوي عليه مثل هذه التدخلات من مخاطر محتملة، فيما سيجعل المنتفضين أكثر استعداداً مما كانوا عليه، لتقبل هذا التدخل الذي يأخذ الآن شكل طلب الحماية الدولية.

=================

لا وألف لا.. للأسد!

حسين الشبكشي

الشرق الاوسط

13-9-2011

اعتادت بثينة شعبان على لعب دور «الماكيير»، أو المزينة، لوجه النظام السوري القبيح، فهي أول من تصدى لمهمة التعليق على المظاهرات التي قام بها الثوار الأحرار في سوريا يطالبون بالحرية والكرامة، وحاولت رشّ الكلمات المعسولة والعبارات المنمقة المليئة بالوعود والآمال، واستُغرب وقتها عدم ظهور الرئيس أو نائبه أو رئيس الوزراء ولكنها كانت محاولة جهد إعلامي للدكتورة بثينة «اللي بتحكي مينيح» لتتولى هي هذه المهمة، وطبعا لم يقنع أي أحد، واستمرت المظاهرات بل وزادت، وهو نفس الدور تقريبا الذي كانت تقوم به الدكتورة نجاح العطار أيام كانت وزيرة للثقافة في عهد الأب حافظ الأسد، وهي حاليا بالمناسبة «نائبة» رئيس الجمهورية ولكنها ذات دور شرفي بحت.

بثينة شعبان كانت تواصل محاولات تخفيف «حدة» الوضع القاتم للنظام الدموي في سوريا، فبينما صرحت مصادر تابعة للأمم المتحدة بأن عدد القتلى في الثورة السورية بلغ 2700، قامت هي بالتصريح بأن العدد في واقع الأمر هو 1400 (وكأن الأمر تفاوض على السعر في سوق «الحميدية» بدمشق)، والأدهى أنها وصفت القتل ب«الخطأ»، وكأن المقصود وصف ضحايا حادث سير. الكل بات يعلم ويرى ويفهم القتل بدم بارد وبأبشع الطرق وعن قصد وعن ترصد من قبل أنظمة الدولة الموتورة، وحقيقة (وهي الأقرب للتصديق) تشير مصادر حقوقية إلى أن رقم القتلى هو أقرب ل15 ألفا. وطبعا تأتي هذه التصريحات الشعبانية بمثابة محاولات جديدة لإضفاء «روح» لنظام مات سريريا!

سوريا دأبت عن طريق نظامها البعثي الأسدي أن تتدخل في الشأن العروبي القومي وترفع الشعارات الرنانة بخصوص الدول العربية، فمعروف موقفها من لبنان وتبنيها «القهري» للساسة اللبنانيين والقضية اللبنانية، وكذلك دخولها في «حرب» ضد الطوائف اللبنانية كافة بلا استثناء، وكذلك كان للأردن نصيب، والعراق والفلسطينيون ومصر جميعهم ذاقوا مرارة «التدخل» البعثي الأسدي في شؤونهم بالقوة العسكرية أو بالدسائس والمكائد، وها هم اليوم أبناء الشعوب العربية يجمعون في حراكهم ضد النظام السوري ويؤيدون الثوار الأحرار في حراكهم لإسقاط هذا النظام الذي أجرم في حق شعبه لأربعة عقود ولا يزال.

إن ما يحكم سوريا اليوم ليس بالنظام السياسي التقليدي ولكنه منظومة عائلة هي الأقرب لتركيبة «الأسر» الموجودة في العالم السفلي من الجريمة المنظمة، كل فرد له دور منظم والغاية الأعظم هي الحفاظ على الرأس الكبير مقابل عوائد مالية مجزية (كلٌّ وذكاؤه وشطارته)؛ فرامي مخلوف مثلا واجهة الاقتصاد في سوريا طوال سنوات الرئيس الحالي، تنازل «ظاهريا» عن أرباحه في شركاته ل«يتفرغ» للعمل الخيري وبعدها تعرض لمجموعة عقوبات هائلة من الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة والسوق الأوروبية، ولكن مؤخرا «تفتق» ذهنه لأن يقوم بمشاركة (بالقوة) للعديد من أبرز تجار حلب ودمشق في الأسابيع الأخيرة، وذلك دون إظهار اسمه ودون أن يسدد قيمة المشاركة، وبذلك «يذوب» وجوده الاقتصادي في السوق ويحافظ على سيولته ولا يغرق وحده ولكن يغرق معه رموز الاقتصاد السوري كله، حتى في شركته الرئيسية «الشام القابضة» عين الكثيرين من التنفيذيين الجدد حاملي الجنسية اللبنانية والأوروبية ليظهر للناس أن الشركة محترفة ومهنية وليست «له» بالمطلق حتى يطمئن المستثمر الأجنبي للعودة والاستثمار معه مجددا، ولكن كل هذه المعلومات وصلت وبالتفاصيل إلى اللجان المعنية بالعقوبات الاقتصادية وستصدر قائمة جديدة قريبا فيها أسماء المتواطئين اقتصاديا مع النظام، تماما كما فعل النظام باستخدام الذكاء الزائد على اللزوم وقت زيارة الوفد الأممي والوفد التركي ووفد الصليب الأحمر لسوريا.. قام مندوبو الأمن بتغيير أسماء الشوارع وأسماء المدارس وأسماء المساجد وأسماء المستشفيات التي شهدت أحداثا دامية وتمت زيارة «لها»، ولكن سرعان ما فضحهم بعد ذلك المقارنة التي تمت مع ما تم توريده من معلومات لهذه الوفود عن طريق خرائط «غوغل» وما شابهها.

كعرب نقول لنبيل العربي ولقادة العرب وللعالم الحر: نحن لا يشرفنا استمرار هذا النظام في العالم العربي، فهو لا يمثل العرب ولا الإسلام ولا سوريا. لا وألف لا لبشار الأسد ونظامه. اعتاد السوريون أن يقولوا مجبرين «نعم وللأبد»، للأسد.. الآن استبدلوا بها «ارحل يا بشار»، والمعنى وصل ومفهوم!

=================

بشارة الراعي.. ونذارته

مشاري الذدادي

الشرق الاوسط

13-9-2011

فقأ بطريرك الموارنة في لبنان، الدمل، وكشف المستور، و«بق البحصة» كما يقال في دارجة بلاد الشام الكبير.

تحدث، في زيارته الأخيرة لفرنسا، عن هواجس معروفة، وقديمة، لدى كثير من مسيحيي المشرق حيال حكم الأكثريات السنية في البلاد العربية، خصوصا بلاد الهلال الخصيب ومعها مصر، حيث مراكز الكثافة للمسيحيين العرب.

البطريرك بشارة الراعي، أكثر تسييسا من سلفه صفير، وهو مهموم بمسألة الأسلمة، ومصير مسيحيي الشرق، خصوصا موارنة لبنان، مهموم بهذه المسألة منذ عدة سنوات، حينما كان راعيا لأبرشية جبيل في لبنان.

لكن توقيت كلامه الأخير، بعد اندلاع الثورة السورية ضد الحكم الدموي لعائلة بشار الأسد، جاء توقيتا متفجرا وساخنا، ومحرجا للضمير المسيحي العربي بشكل عام، لأن مؤدى كلام الراعي هو أن المسيحيين العرب هم مع الحكم الدموي في سوريا، حتى ولو خاض في الدماء، إذا كان ذلك سيمنع وصول إسلاميين سوريين إلى الحكم، الأمر الذي يعني قيام تحالف بين سنة سوريا، وسنة لبنان، مما سيؤثر على وضع ودور الموارنة والمسيحيين - بشكل عام - في لبنان، وهو ما يعني بشكل أكثر وضوحا، وخطورة، الدعوة إلى «تحالف أقليات» في بلاد الشام ضد الأكثرية السنية، بصرف النظر عن أن ذلك سيؤدي إلى إدامة الاستبداد والقهر للأكثرية.

حتى لا نتجنى على راعي الموارنة في لبنان، فهو لم يقل ذلك باللغة التي نقولها الآن، بل كان دقيقا وحذرا في كلامه عن وجوب العدل وحقوق الشعوب في الحريات، ولكنه حينما أشار إلى التلويح بأن البديل عن نظام الأسد، على الأرجح، هو جماعات إسلامية، سنية بطبيعة الحال، فهو قد أرسل الرسالة القاتلة إلى مشاعر المتلقين لكلامه ممن يقفون ضد مجازر الحكم الأسدي التي تزداد صلفا وفجورا يوما بعد يوم.

هو أيضا اصطف في معسكر مسيحيي النظام الأسدي في سوريا أمثال الجنرال عون، وغيره، رغم أنه كان يعلن من حين توليه لكرسي بكركي أنه على مسافة واحدة من جميع القوى، لكنه بهذا التصريح وضع نفسه بالكامل في معسكر عون وحزب الله وأمل، كما يلاحظ الكاتب الزميل إياد أبو شقرا في مقاله الأخير بهذه الصحيفة.

من أجل ذلك كله صعق رموز المعارضة المسيحية في صفوف «14 آذار» من كلام البطريرك، وتنادوا للتعليق عليه، والتعبير عن نقده ورفض رهن المصير المسيحي ببقاء النظام الأسدي، وكأن خلاص الشعب السوري من بطش الأسد يعني الإضرار بالوجود المسيحي!

حزب القوات اللبنانية كان الأعلى صوتا في الاعتراض على مقاربة البطريرك، الفرنسية، وأيضا نائب رئيس البرلمان فريد مكاري الذي تحدث عن أن 70 في المائة من مسيحيي لبنان ليسوا متفقين مع كلام الراعي، وأنهم منحازون للثورة السورية، وكذلك قال دروي شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار، الذي ذكّر الراعي بما فعله النظام السوري بالدور المسيحي في لبنان، حيث إن القوة السياسية المسيحية اللبنانية إنما ضربت وقهرت على يد قوات ومخابرات حافظ الأسد وابنه بشار، وليس على يد قوى سنية!

أما قوى السلطة الجديدة، عون، وحزب الله، وأمل، فسارعوا طبعا إلى الترحيب ب«حكمة» البطريرك.

يبدو أن الأمر لم يكن من الممكن السكوت عنه، بعد ردود الفعل هذه، لذلك سارع البطريرك الراعي إلى «تفسير» كلامه من جديد، وقالت صحيفة «النهار»، الصحيفة الأشهر في لبنان، إن البطريرك الراعي لم ينتظر ما تردد عن رغبة كثيرين في لقائه لشرح حقيقة مواقفه، بل حرص فور عودته على عقد لقاء إعلامي مصغر حضرته «النهار» ورغب عبره في تفصيل بعض ما لم يقله في كلامه لدى وصوله إلى مطار بيروت.

ورأى في هذا اللقاء أن كلامه في فرنسا «اجتزئ وأخرج من إطاره ولذلك فُهِمَ على غير محله أو تم تحويره». وأعلن أنه ركز في محادثاته مع المسؤولين الفرنسيين على ثلاثة أمور هي: «أولا أننا مع الإصلاح في العالم العربي على كل المستويات بما فيها المستوى السياسي وفي كل الدول العربية بما فيها سوريا، كما أننا مع مطالب الناس بحقوقهم وبالحريات العامة. ثانيا أننا لسنا مع العنف من أي جهة أتى (...). وثالثا لسنا مع أي نظام أو ضد أي نظام ولا ندعم أي نظام».

وذكر البطريرك الراعي «إننا أبرزنا مخاوفنا من ثلاثة أمور أيضا هي الانتقال من الأنظمة القائمة التي تتصف بالديكتاتورية إلى أنظمة متشددة (...) وتاليا فإن الخوف هو من الاختيار بين السيئ والأسوأ، كما نخشى أن نصل إلى حرب أهلية، لأن مجتمعاتنا مؤلفة من طوائف ومذاهب (...)، ولا يمكن أن ننسى احتمالات التقسيم إلى دويلات مذهبية يذهب ضحيتها المسيحيون أيضا». وأشار إلى أن المسؤولين الفرنسيين أخذوا ملاحظاته في الاعتبار «ولم يبد الرئيس ساركوزي أي تحفظات»، لافتا إلى «أنني تحدثت عن مخاوف للاستدراك وليس للتأكيد أن هذه الأمور ستحصل».

حتى نكون منصفين، وبصرف النظر عن مواقف البطريرك الراعي، قبل أن يتولى موقعه الروحي المسيحي الأبرز خلفا للبطريرك صفير، مع تيار عون، أو موقفه من سلاح حزب الله، أو مواقفه ضد «أسلمة» حكومة السنيورة للإدارة في لبنان، كما نسب إليه سابقا، بصرف النظر عن هذا كله، فإنه من الحيف والتعامي عن الحقيقة ألا نقول إن هناك قدرا كبيرا من المخاوف «الواقعية» لدى مسيحيي الشرق ولبنان، وكل الأقليات، تجاه مستقبل العالم العربي، وكيف سيكون شكل وطريقة الأنظمة الجديدة التي ستحكم العالم العربي، خصوصا مع صعود الإسلاميين بشكل حاد تناغما مع «التسونامي» الثوري العربي.

نعم.. من المغالطة أن نبخس من هواجس البطريرك الراعي ونحن نرى ماذا جرى لمسيحيي العراق، وكيف يعيش ملف أقباط مصر توترا دائما.

النقاش ليس في واقعية هواجس المسيحيين ورموزهم الدينية مما يجري أو سيجري، فهي في النهاية هواجس يجب تفهمها والإصغاء إليها وتجفيف كل موارد التعصب الديني في مجتمعاتنا، وهي بالمناسبة لم توفر حتى المسلمين أنفسهم! ولكن الاختلاف مع مقاربة كمقاربة البطريرك الراعي، الأولى طبعا قبل التوضيح الأخير، هي في الرهان على أن بقاء نظام كنظام الأسد سيمنع من ازدهار التعصب الديني الطائفي السني، على العكس، بل إن بقاء نظام يعتمد على الشوكة الطائفية، ويغذيها بشكل متواتر تحت قشرة خطاب علماني نضالي، هو الخطر الأكبر، وهو الغذاء «الأدسم» لجسد التعصب الديني السني!

الخوف مبرر الآن من انفلات الغضب السني على شكل مجاميع مقاتلة مع فجور آلة القتل الأسدية في سوريا وعدم وجود من يلجمها سياسيا.

لكن لنتذكر، وأكيد أن البطريرك المثقف يعرف ذلك أكثر منا، أن المجتمع السوري هو من أكثر المجتمعات العربية نفورا من الطائفية، وهو الذي تولى قيادة حركته الوطنية منذ قرن رموز شتى من كل طوائف ومكونات لبنان (فارس الخوري، سلطان الأطرش، صالح العلي.. إلخ).

الخشية هي من العكس، وهي أن استمرار النظام الأسدي في ممارسة القتل والفجور الدموي، هو الذي سيغذي خطاب التعصب الديني السني، لذلك فإن وجود حضور مسيحي ودرزي وعلوي وشيعي وكل مكونات النسيج السوري في الثورة يقضي على مزاعم الخطاب السني المتعصب والحاصر للمواجهة في ثنائية طائفية مقيتة.. إن أراد مستقبلا تسويق روايته عن الثورة.

إنها لحظة الخيارات الصعبة، ولكنها خيارات تنحاز للعقل والمنطق والمصلحة، قبل أن تكون منحازة للإنسان أولا وآخرا، وهذا هو جوهر رسالة المحبة المسيحية كما نعرف، وهي أمانة الراعي لرعيته.

=================

آلة القتل السورية؟

طارق الحميد

الشرق الاوسط

13-9-2011

طالب البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري العادي لدول مجلس التعاون الخليجي ب«الوقف الفوري لآلة القتل» في سوريا، والسؤال هنا: هل تعبير «آلة القتل» هذا جديد أم سبق أن سمعناه من قبل تجاه ما يحدث في سوريا؟

بالتأكيد، التعبير ليس جديدا، فقد سمعناه في الخطاب التاريخي للعاهل السعودي تجاه سوريا، يوم طالب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وقتها بضرورة إيقاف «آلة القتل» في سوريا. وبالطبع، ليس القصد من التساؤل هنا عن هذا التعبير القول بأن دول الخليج للتو توافقت على موقف موحد تجاه سوريا، أو استعارت عبارة العاهل السعودي، بل المراد قوله هو أن مجلس التعاون يطالب اليوم ب«الوقف الفوري لآلة القتل» في سوريا، وبعد مرور أكثر من 33 يوما على خطاب العاهل السعودي، مما يعني أن لا شيء قد تغير في سوريا، رغم الوعود التي قطعها الأسد لكل زوار دمشق، بل إن الأوضاع تزداد سوءا هناك.

لذا، فإن المطالب الملحة، والمتكررة، حول ضرورة سحب السفراء العرب من دمشق، وتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية ليست تسرعا، أو مطالب عاطفية، بقدر ما هي مطالب واقعية عطفا على سلوك نظام الأسد، حيث لا وعود تنجز، ولا عهود تحترم، بل ومجرد الاستمرار في إعطاء فرص للنظام الأسدي، وإضاعة الوقت بعربي «رايح»، وعربي «جاي» لدمشق، يعني وقوع مزيد من القتلى السوريين، مما قد يدفع الأمور هناك إلى مزيد من التوتر، وربما الانفجار، لا قدر الله.

فإذا ما كان من أمر يحسب للمتظاهرين السوريين فهو انضباطهم، وسلميتهم، وبعدهم عن الطائفية، طوال ستة أشهر من عمر الثورة السورية. لكن السؤال هنا هو: من يضمن أن يستمر هذا الحال؟ بالطبع هذا أمر لا يمكن الجزم فيه؛ فتأخر صدور المواقف العربية والدولية الحازمة تجاه الأوضاع في سوريا من شأنه أن يدفع الأمور إلى مزيد من التعقيد، خصوصا أنه من الواضح اليوم أن ليس هناك فرص أمام نظام الأسد لإخماد الثورة، كما أنه لا يمكن استيعاب ذلك النظام بأي حال من الأحوال، فهو نظام غير قابل للإصلاح، ويداه ملطختان بدماء السوريين العزل. لذا، فإن التأخير في التعامل مع الشأن السوري من خلال مواقف حقيقية في الجامعة العربية، والتحرك دوليا لدفع مجلس الأمن لاتخاذ قرارات حاسمة، يعني أننا نطيل أمد أزمة السوريين، مثل ما أننا نطيل معاناتهم.

على العرب اليوم اتخاذ موقف حازم تجاه سوريا مثلما اتخذوا موقفا حازما بحق القذافي في ليبيا، لا سيما أن السوريين اليوم يطالبون بحماية دولية. فالتأخير مضر، وواقع الأزمة السورية يتسارع، ويتفاقم، والمطلوب اليوم أكثر مما كان مطلوبا بالأمس. فقد حان الوقت، مثلا، لفرض حظر جوي على سوريا، وضرورة توفير منطقة منزوعة السلاح داخل الأراضي السورية، وعلى مقربة من الحدود التركية بغطاء من الناتو والجامعة العربية.

ملخص القول هنا أن «آلة القتل» السورية لم، ولن، تتوقف، رغم كل الفرص الممنوحة لنظام الأسد. وبالتالي، فعلى آلية حماية السوريين أن تتحرك، وبسرعة، وبجهد عربي مطور عما حدث في ليبيا.

========================

نحن لسنا عورة

د. ديما طهبوب

كاتبة صحفية وناشطة في جبهة العمل الإسلامي

صوت الأقصى 10/9/2011

• قد يسافر المرء حول العالم فيرى من جمال الخضرة و ترقرق الماء و مباهج الحياة ما يسعد العقل و القلب، و لكن المرء لا يبلغ السعادة الحقيقية الا برحلة يغذي فيها الروح و الجسد، يكاد فيها لفرط شوقه يسبق الطائرات و المركبات، و كأنه ترك روحه في ذلك المكان و هو عائد للاجتماع بها، ينسى المسافر في رحلة العمرة و الحج كل متاعب السفر و مشقة الرحلة و مقارعة البشر فهو ذاهب للتطهير من كل أدران الحياة ينتظر تلك اللحظة التي تكتحل عينيه بالبيت الحرام و روضة المصطفى صلى الله عليه و سلم فيبلغ قدر التشريف و المهابة و الجلال الذي يدعو به كل من يزور المسجد الحرام" اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيماً وتكريماً ومهابة وأمناً، وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبِراً"

هي رحلة يقطع لها البعض أكباد الإبل محبة و طوعا و كرامة، فالمسافة لا تشكل عائقا في قاموس المرتحل، و في سالف الزمان كان الحاج يُوَدّع كأنه لن يرجع بسبب مخاطر الطريق و طول مدة السفر و لم يكن ذلك يثني الراغبين و المقبلين

و نحن النساء لنا وضع خاص فالمشاعر عندنا فياضة، و بمجرد نية العمرة أو الزيارة تجد القلوب قد حنت و العيون قد ذرفت، و الأرواح و الأبدان قد استعدت، و لكننا للأسف إذا وصلنا الحرمين وجدنا من التضييق ما يجعلنا نحس أننا أقل بشرية و إيمانا و عملا و أجرا!!نقطع المسافات لتقرّ عيوننا برؤية الكعبة المشرفة فنمنع من الصلاة أمامها، و نوضع في شبه قفص بعيدا عنها و عن صحن الكعبة!! الكعبة التي يجب أن لا تفارق ناظرينا حتى نستحق فضل الرحمات و الأجور التي خصصها الله للناظرين لا نكاد نراها الا إذا أردنا الطواف!! و الحجة درء المفاسد و ستر النساء عن أعين الرجالّ!! و السؤال: أليس هذا موطن الستر؟ و إذا لم يكن الستر في بيت الله الحرام فأين نجده؟ هل يعقل أن تحس النساء في بيت الله الحرام انهن لسن أكثر من عورة يجب سترها حيث الستر الحقيقي هو أكثر من حجاب خارجي و حجز و سجن في مواضع معينة بل لباس تقوى و باطن إنابة و اخبات و ترفع عن محارم الله هي جميعها أساس المفاضلة بين عباد الله رجالا و نساءا؟ هل يُعقل أن تحس المرأة انها أمام الله أقل درجة من الرجال في التكليف و الأجر بسبب جنسها الذي لم تملك الخيار فيه؟؟

عندما أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن لا نمنع إماء الله مساجد الله هل قيد الأمر بشروط غير الأمان و لزوم المرأة لحجابها؟ الأ تسقط بعض اعتبارات منع الاختلاط و مفاسده في هذا المكان فيطوف الرجال بجانب النساء دون التفات الى شهوات الجسد؟ فالمقام مقام تقوى لا مقام دنيا و الكل متوجه الى الله بكليتيه ينادي نفسي نفسي طلبا للهداية و الرحمة و المغفرة

قد يكون في المكان بعض ضعاف النفوس، و لكن هل يُعطى ضعاف النفوس المجال للتأثير على القوانين و التشريعات، قيؤخذ البار بذنب الفاجر، و يؤخذ بسوء الظن لا حسنه في أطهر بقاع الأرض؟

إن السوءة و العورة الوحيدة التي يجب أن يلتفت إليها من يحجرون على النساء في الحرمين هي سوءة الذنوب و التي هي أصل الفواحش، فقد نزع الله عن آدم و حواء الستر لما عصيا الله، و سُترا بعد الاستغفار عن الذنب و التوبة

إن كل من يفد على الله في بيته الحرام رجالا و نساء يأتي و قد كشفته الذنوب و فضحته فيما بينه و بين الله، يأتي ليطلب الستر لذا كان من مأثور الدعاء "اللهم استرنا فوق الأرض و تحت الأرض و يوم العرض عليك" و الرجال و النساء في ذلك سواسية

إن الحجاب الذي تلبسه الكثير من المسلمات عن قناعة و ليس فقط زيا خارجيا تتنوع أشكاله بشرط أن لا تختلف صفاته من أن لا يصفّ و لا يشف و لا يكون لباس شهرة ، انه مع هذه كلها حجاب عن الخضوع بالقول، حجاب عن الاختلاط في غير داع، حجاب يحفظ الحرمات و العورات و الأسرار التي سترها الله فقد مدح الله المؤمنات بقوله"فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله"

إن الحجاب ما لم يكن لباس تقوى في القلب، و لباس ستر للجسد، و لباس قناعة في العقل لن يستر إمرأة لا تريد الستر و ستبقى عورة ظاهرة و لو لبست من الثياب أذرعا و حُبست وراء الجدران

و الأمر ليس أحسن حالا في روضة المصطفى فبينما هي مفتوحة للرجال على مصراعيها في معظم الأوقات، تفتح في أوقات قليلة و مساحات محددة للنساء، و يحتاج الوصول اليها الفوز بسباق ماراثوني و دفس و رفس كل من يعترض طريقنا و هذا يتنافى مع أخلاق الرحمة و خلق عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، و قد كان الصحابة رضوان الله عليهم لا يرفعون صوتا في حضرة الرسول و نحن نصيح و نتسابق حتى ندرك موضع قدم لنصلي في الروضة، هذه الروضة التي هي من رياض الجنه ندخلها و قد قُطعت أنفاسنا من كثرة الركض و نصلي فيها و نحن نُدفع يمنة و يسرة و قد تُداس رؤوسنا بالأقدام بسبب الاكتظاظ و الدفع، كان من النساء الكثيرات من كبيرات السن اللواتي لا يستطعن المشي الا قليلا، و كان الوصول شبه مستحيل عليهن فجلسن في زاوية يذرفن الدموع على العجز و الكبر، إيمان العجائز الذي دعى الصالحون بمثله قعد بهن في عصرنا الذي ُيضيق فيه على المرأة و تحرم من بلوغ روضة الحبيب، و أيضا في هذه الحالة من ضيق المكان و الوقت تحملت كل النساء وز بعض المخطئات و متبعات البدع

 

إن سياسة التعامل و قوانين الحرمين لا يجب أن تخضع لآراء حركة دينية واحدة مهما كان فضلها الاصلاحي على الاسلام، بل عليها أن تتبع سيرة محمد صلى الله عليه و سلم الذي لم يؤخر النساء لا في حل أو ترحال أو حرب أو سلم، بل كانت صفوف النساء في المسجد تلي صفوف الرجال، و كانت النساء يخرجن للمسجد و الصلوات و ما منعن من ذلك لانهن إناث أو عورة يجب إخفاؤها

قد نلتمس العذر نحن المسلمات ابا عن جد، و قد نفهم الحال و المقاصد العليا و لكن ماذا عن الأجنبيات اللواتي أسلمن حديثا و المسلمات اللواتي التزمن حديثا بالدين؟ القادمات من مجتمعات المرأة فيها في الصفوف الاولى و مراكز القيادة، هل نقول لهن الاسلام يؤخركن حتى بين يدي الله و في بيته الحرام و مسجد نبيه؟

معاذ الله أن نخرج على الشرع كما فعلت بعض النساء بالمطالبة بمنازعة الرجال الإمامة، و لكننا نعلم أن الله أمرنا بالحجاب و ليس بالاحتجاب، و الفارق بينهما كبير، فالحجاب حفظ و كرامة و تشريف و الاحتجاب حجر و انتقاص و عزل

النساء لسن عورة، و لسن أقل درجة أو استحقاقا أمام الله و صدق سبحانه" من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة و لنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ