ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تاريخ النشر: الأربعاء 14 سبتمبر
2011 د.خالص جلبي الاتحاد تمنيت أن تكون لي عينان تسبران آفاق
المستقبل فأطلع على مستقبل سوريا في
عام 2012، هل ستتحرر من قبضة "البعث"
أم ستعود مستكينة لسلطته، أم سيكتب لها
مصير لا يعلمه إنس ولا جان؟ في مونتريال سألني أحد المعارضين
السوريين: كيف ترى المستقبل من وجهة
نظرك؟ قلت له أنا أنظر إلى المسألة من
وجهة نظر فلسفية؛ فهناك يقين يواجهنا
ولا يقين أمامنا! أنصت الرجل وتابعت
كلامي: حين نقذف قطعة النقد المعدنية
من يدنا، فهي على وجه اليقين سوف ترسو
على الأرض، ولكن في نفس الوقت لا نعلم
يقيناً على أي وجه سوف ترسو. ثم أضفت:
كيف الأمر إذا نقلنا المسألة من عملة
بوجهين إلى نرد بستة وجوه، أو إلى كرة
متدحرجة بسطوح تماس لا نهائية كما في
صالات القمار التي رأيتها في مازاجان
والعيون تزيغ! لقد استفدت من الكاتب الروسي "ليونارد
راسترينج" في كتابه "مملكة الفوضى"،
أن هناك تقاطعاً لا نهائي بين سلاسل
السببية، وهناك في نموذج قطعة النقد
المعدنية مالا يقل عن أربعة عناصر
تتحكم بمصير قطعة النقد الملقاة؛ من
قوة القذف، ونوع المعدن، والوسط الذي
تخترقه، والسطح الذي يستقبلها؛ رمل أم
صخر أملس أم مدبب؟ إن كل عنصر من هذه
العناصر الأربعة يرتبط بدوره بسلسلة
لا نهائية من العناصر الأخرى؛ فقطعة
المعدن يمكن إدخالها في جدول مندليف
المكون من 92 عنصراً، وزيادتها إلى مالا
نهاية له من خلطات المعادن. إذا كانت
لغتنا المكونة من 28 حرفاً تعطينا كلمات
لا نهائية إلى لغات لا نهائية، فكيف
بلغة العناصر المكونة من 92 عنصراً؟! هذا المبدأ الفلسفي نفسه يمكن نقله إلى
دنيا الفيزياء فيما لو سلطنا الحرارة
على خمسة أوساط من الماء والشمع
والحليب والبنزين والبارود؛ فأما
الماء فيتبخر، والحليب يفور، والشمع
يذوب، والبنزين يلتهب، والبارود يتفجر.
وهذا تقريباً ما حدث في مصائر الأنظمة
العربية الشمولية بخمسة أشكال: بن علي
تبخر، ومبارك ذاب، واليمن فارت،
وليبيا التهبت، أما سوريا فتفجرت. وهناك فكرة قد تكون للأميركي فريدمان حول
(Implode) و(Explode)، أي الانفجار للداخل
والانفجار للخارج، والفرق بينهما أن
انهيار نظامي مبارك وبن علي كان
انهياراً سريعا للداخل، كما في
التفجير الفني لبنايات وسط المدينة،
أما التطورات المتوقعة في سوريا فقد
تكون زلزالاً في سرة العالم العربي إن
لم يكن عالمياً. لقد كان أعقل القوم بن علي إذ هرب، وقامت
الثورة المصرية بأناقة في إزالة نظام
ينتسب للفرعون بيبي الثاني من الأسرة
الوسطى قبل ثلاثة آلاف سنة وليس عصور
الحداثة. وفي سوريا قلبوا مجرى الزمن فنقلوا
الجمهورية إلى ملكية مقلوبة على
رأسها؛ فلا هي ملكية ولا هي جمهورية،
بل أقرب إلى المماليك البعثية، وهو أمر
ضد محور الزمن وطبيعة الحياة، لذلك
فإنه لن يصمد! الأفكار الفلسفية التي عرضتها على
المعارض السوري في مونتريال ألقت
بظلال تتراوح بين الشك واليقين، الأمل
واليأس، لكنه مصير انطبق على نهاية
القذافي، وقد يأخذ مجرى مشابها مع نظام
البعث السوري. النظام السوري يمر بمرحلة حرجة يقيناً،
وسوريا تدخل منعرجاً خطيراً لا نعلمه
قد تصح تسميته "ضربة الميلينيوم"
التي لا تحدث خلال ألف سنة إلا مرة
واحدة، وهذا رهن بيد الأقدار ووعي
الشعوب. ================= هل يمكن تبرير القلق
المسيحي والأقلّي من تغيير النظام
في سوريا؟ زياد علوش() المستقبل 14-9-2011 توج التصريح الأخير لغبطة البطريرك
الماروني الجديد بشارة الراعي من على
درج قصر الأليزيه في باريس بعيد لقائه
الرئيس ساركوزي، رغم توازنه بين
السياقات المماثلة بشأن القلق (الأقلي)
بالمنطقة والمسيحي منه بصورة خاصة،
ووجوب التريث الغربي في تبديل الأنظمة
القائمة في الشرق قياساً على
التجربتين العراقية والمصرية
وتأثيرهما على الوجود المسيحي، وبين
إحالة البطرك الراعي ما يحصل في سوريا
الى الإبادة الجماعية لا الى الإصلاح
الديموقراطي، إن تداعيات تصريحات
البطرك الراعي تتخطى الواقع المحلي
السوري الى ساحات أخرى خصوصاً
اللبنانية منها في ظل التعارض القائم
بين مكونات 8 و14 آذار المسيحية نفسها
فضلاً عن أبعادها الطائفية والمذهبية
والسياسية الأخرى. بالطبع لا يمكن
توجيه تلك الدعوة للشعوب الثائرة بقدر
ما هي للتخلية بينها وبين النظام في ظل
التوصيف اياه لغبطة البطرك نفسه من
إبادة للشعوب، ولأن التغيير في أيد
الشعوب نفسها التي تزيدها إصراراً
الفاتورة الدموية، إنما العامل
الخارجي مساعد وإن كان حاسماً في بعض
الأحيان، وبالمحصلة النسبية مع تاريخ
الواقع السوري غير الطائفي ما قبل نظام
البعث إضافة الى تطمينات الشريك
المسلم اللبناني المتكررة على لسان
أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري
وسائر القيادات الأخرى مع بروز تيارات
إسلامية سلمية أكثر واقعية ومقاربة
ديموقراطية روضتها التجارب كما هو
معلن على حساب تلك التيارات العنفية
المتشددة الآفلة التي يحاول بعضهم
تعميمها للتحذير منها إنما باتت
الفزاعة الوحيدة في أيدي الأنظمة
الشمولية المتبقية التي تعتقد
بشفاعتها عند القوى الفاعلة وقد
تخطتها كما في تونس ومصر وليبيا (الآن
ارحل، البلد بدونك أفضل، فقدت
مصداقيتك..) لاستمرارهم فوق المنصة
لاستحلاب ضرع السلطة بالقمع والعنف
على حساب الحريات وحقوق الإنسان. إن الربيع العربي بما يختزنه من حركة
شعبية واسعة بعيدة عن الشعارات
النمطية السابقة مطالِبة بالحرية
والديموقراطية وإقامة سلطة القانون
على أساس المواطنة فإنه من التسرع
الحكم وإطلاق التوصيفات المستقبلية
والتي لا يمكن إسقاطها وتعميمها على
شواز القاعدة وفرادة التجربة
العراقية، وبناء على فترة المخاض
الحالية التي تختلف في الجوهر مع ما
حصل في بغداد من تدخل معروف سافر
استهدف طاقات البلد العلمية والقيمية
من كل الطيف العراقي الوطني من دون
استثناء يلحظ طائفة أو عرق ومذهب، رسمت
نتائجه وأحداثياته سلفاً بعيداً عن
الساحات الشعبية العارمة والمعارضة
الوطنية والبدائل البناءة، حتى الآن
ليس هناك من قوى رسمية أو شعبية
راديكالية تقف خلف الثورة السورية كما
كان سابقاً حاصل مع الكثير من المكونات
العراقية المعارضة آنذاك. بالطبع فإن الوقائع العربية المختلفة في
كل من تونس ومصر وسوريا ولبنان قياساً
على التجربة العراقية بشأن الوجود
المسيحي والأقلي تعتبر الأخيرة ربما
استثناءً قد لا تبرر الحذر القائم
حالياً، ولنا أن نعيد الى الذاكرة بروز
النخب المسيحية على المستوى الفردي
والجماعي وإثرائها تاريخ المنطقة
ودورها الفاعل في نهضتها إنما كان عبر
المرحلة التي ربما يحذر البعض من
مثيلاتها الآن، ولنا الإعادة الى
الأذهان أيضاً أن لبنان سويسرا الشرق
إنما كان في ذروة المد إياه كما قضى
تفاهم عبد الناصر وفؤاد شهاب زمن
القطبين الروسي والأميركي والذي يعتبر
في حينه انموذجاً، مع الأخذ بالاعتبار
الكثير من المستجدات والمفاهيم التي
طرأت على الفكر العربي أولاً وعلى
الوقائع القطرية والقومية بل على
المسرح السياسي الإقليمي والدولي
العام، فيما الواقع الخليجي عُرف
ماضياً وحاضراً بالاعتدال واحتضان
المسيحيين خصوصاً اللبنانيين
والسوريين منهم، ولنا أن نعيد التذكير
بأن (فارس الخوري) إبان عهد ما قبل
البعث في سوريا صاحب المقولة الشهيرة
في عصبة الأمم للفرنسيين "لم
تتحملوا جلوسنا على كرسيكم 25 دقيقة في
حين تحملنا استعماركم 25 سنة" والتي
دفعت بأحدهم للقول لا يمكن استعمار بلد
فيه رجل كالخوري! ولنا أيضاً أن نعيد الى الأذهان تجربة
لبنان الديموقراطية نفسها والإشارة
الى الحياة السياسية والوطنية التي
كانت قائمة مقارنة مع توترات اليوم
التي تهيمن عليها الايحاءات الإقليمية
التي يود بعضهم التحذير من تداعيات
تغييرها، بل إننا نحيل الى الذاكرة
تجربة اللبنانيين مع نظام الأشقاء
الأمني خلال عهد الوصاية، والذي رفضه
اللبنانيون جملة وتفصيلاً فكيف
يقبلونه، أقله على المستوى الأخلاقي
والإنساني لشعب خرج بشيبه وشبانه يريد
التخلص منه. إننا نحذر هذة الأصوات
التي نتفهم جزئياً قلقها لأن الكثير
منه غير مبرر من تداعيات تأثيره
المستقبلي مع الشعب السوري المنتفض
نفسه وفي مطالبة ربيع العرب بحقوقه على
أساس المواطنة، فمن غير المنطقي أن
تبتعد الأقليات عن دورها النضالي
الوطني العام بإصرارها على سياقات
فئوية يضعها في سياق الاستلحاق لا
الشراكة التي تطالب بها دائماً، فهل
تريد أن تقول لنا إنها تفضل الحماية من
الديكتاتوريات القائمة لأن هناك
شكوكاً تراودها بهذا الشان؟ فإذا كان
من المرفوض ظلم الأقليات والتعدي على
حقوقهم فهل يمكن ظلم الأكثريات تحت حجج
الحذر والريبة؟ من الأجدى الحديث عن
تطمينات للجميع بإقامة دولة العدالة
والمواطنة والشراكة في المغارم
والمغانم بعيداً عن الحسابات السياسية
والفئوية الضيقة، حيث يتجه العالم
المعاصر، فالعرب والمسلمون باتوا أشد
الشعوب سعياً للسلام العمودي والأفقي
لأنهم ببساطة أنهكوا بسيادة العنف على
أرضهم على غير رغبة منهم تحت شعارات
منتفخة ومخادعة، وآن لهم أن يستريحوا
ويستعدوا لإنجاز تنميتهم الشاملة
والمستدامة التي تتطلب الاستقرار
العام، لأن مصلحة الأقلية، حتى لو
استحقت جدلاً على الصورة التي يتم
التحذير منها، لا تبرر دعم وجود
الديكتاتوريات العربية بما هي عليه
خلال كل هذه العقود الطويلة من تحدٍ
سافر للحقوق الإنسانية الأساسية
ولأنها ببساطة تتعارض والحقوق الشرعية
والأخلاقية والإنسانية، فضلاً عن
تناقضها مع الدور والرسالة التي كانت
عليها تلك الأقليات نفسها في تاريخ
المنطقة ورياديتها في النهضة العربية
المعاصرة ومشاركتها الفاعلة في معركة
التحرر من الاستعمار، والأجندة
التحررية السورية على مر تاريخ أقدم
مدينة مأهولة في العالم يدعو للفخر
والاعتزاز. كما أن الدعوات الطائفية والمذهبية كانت
غريبة دائماً عن تاريخ دمشق ولم تعرفها
سوى في عصور الهوان المتأخرة، تلك
الثقافة التي تم تصديرها الى لبنان
بدواعي الحل والمساعدة عبر سياسة فرق
تسد التي تم استغلالها في عهد الوصاية
والتي تعمل بعض الملحقات على
استمرارها بإعادة عقارب الساعة الى
الوراء. وبناء عليه لا يمكننا المطالبة
سوى بالعودة لتوصيات السينودوس
الأخيرة حول رسالة لبنان والمسيحيين
والتماهي مع هذا الدور في لبنان
والمنطقة، فهل تأييدنا للديكتاتوريات
تحت أي ضغوط يتماهى مع روحية تلك
الرسالة؟! وهل هذا هو خطاب المستقبل
والرسالة في عصر الحداثة والقرن
الواحد والعشرين؟.. إن تداعيات مثل تلك
المواقف مستقبلاً من الخطورة بمكان
على مطلقيها على الأساس الديموقراطي
والمقاربات الثقافية والحضارية،
المطلوب من الأقليات التماثل والتقاطع
لا التمايز والتعارض وهذا وحده كفيل
بتمتين أسس مفهوم "الشركة" الذي
أطلقه غبطة البطرك الراعي نفسه والذي
يمكن تعميمه في الفضاء العربي
والإسلامي الأرحب، ولننظر بتمعن الى
تقارب الليبيين الجديد مع الفرنسيين
والبريطانيين و الايطاليين وسائر
المنظومة الأطلسية على حساب التقارب
الليبي الجزائري.. مثلاً. () كاتب وإعلامي ================= سببان لاستحالة إصلاح
النظام السوري.. خيرالله خيرالله المستقبل 14-9-2011 لا يمكن التعويل كثيرا او حتى قليلا على
زيارة رفع العتب التي قام بها الامين
العام لجامعة الدول العربية الدكتور
نبيل العربي لدمشق. كان على الامين
العام للجامعة الذهاب الى دمشق ففعل
ذلك. ربما كان هناك جانب مفيد للزيارة
يتمثل في انه قام بها بهدف التأكد من
استحالة اصلاح النظام السوري وان كلّ
كلام عن الاصلاح مضيعة للوقت ليس الاّ. تعود الاستحالة الى سببين وجيهين على
الاقلّ. السبب الاول مرتبط بالمعطيات
العربية والاقليمية والدولية والاخر
بتطور النظام نفسه وتحوله الى شركة ذات
طابع عائلي تدير البلد بكل مرافقه.
يتوزع افراد من العائلة، يشكلون مجلس
الادارة في الشركة، المسؤوليات في ما
بينهم. هناك حتى من يهتم بالعلاقات
العامة وهناك بالطبع رئيس لمجلس
الادارة هو الرئيس بشّار الاسد المشرف
العام على الشركة وهناك مساعدون له
ولاعضاء مجلس الادارة لا أكثر. تولّى الرئيس الراحل حافظ الاسد السلطة،
كل السلطة، في تشرين الثاني من العام
1970 بعد تنفيذه ما يسمّى "الحركة
التصحيحية". تردد في البداية قليلا
في شغل موقع رئيس الدولة، لكنه ما لبث
ان فعل ذلك واصبح اوّل علوي رئيسا
للجمهورية العربية السورية. بقي
الزعيم الاوحد لسوريا اقل بقليل من
ثلاثة عقود قبل ان يخلفه نجله الدكتور
بشّار ولكن بعدما تحوّل النظام الى
شبكة من المصالح العائلية اوّلا
واخيرا تقوم على مجموعة من الاجهزة
الامنية المرتبطة بمجلس الادارة في
الشركة. استطاع حافظ الاسد اللعب على كل
التناقضات العربية والدولية مستفيدا
من الحرب الباردة والتنافس الاميركي-
السوفياتي على مواقع النفوذ في الشرق
الاوسط. كان همّه الاول والاخيرتحويل
سوريا لاعبا اقليميا بعدما حسم الصراع
داخل سوريا نفسها. لم يأبه يوما
بالمشاكل الداخلية لسوريا ولم يسع
يوما الى إيجاد حلول لها. لم يكن يدرك
أهمية مستوى البرامج التعليمية ولا
أهمية القاعدة الاقتصادية القوية ولا
خطورة النمو السكاني في البلدان
الفقيرة ولا معنى غزو القرية للمدينة.
باختصار شديد، لم يدرك يوما أهمية
الانسان السوري. وظف دائما الحاجة
العربية اليه ليكون عنصر توازن مع ما
كان يسمّى "البعث العراقي" الذي
راح يسيطر عليه تدريجا صدّام حسين، رجل
كل الحماقات والقرارات المتسرعة
والخاطئة. ارتدى العداء بين صدّام والاسد الاب
طابعا شخصيا. عمليا لم يكن هناك ما
يميّز بين نهجي النظامين اللذين كانا
يتكلان قبل اي شيء آخر على الاجهزة
الامنية. بلغ التشابه بين النظامين،
خصوصا بعد خلافة صدّام لاحمد حسن البكر
في الرئاسة في العام 1979 ان كلا منهما
راح يتجه اكثر فاكثر الى العائلية. وفي
مرحلة معينة، اصبح التخلص من الاخوة
ضرورة تصب في مصلحة الاولاد. وهكذا طار
رفعت الاسد لمصلحة باسل حافظ الاسد
وارسل صدّام اخاه برزان التكريتي
وشقيقيه سبعاوي ووطبان الى بيوتهم
لمصلحة نجليه عديّ وقصيّ. قبل ذلك،
اتّكل صدّام، في ما يشبه المرحلة
الانتقالية، على صهره حسين كامل
المتزوج من ابنته البكر وعلى ابن عمّه
علي حسن المجيد كي يكرّس إبعاد برزان
وشقيقيه عن مواقع القرار تمهيدا
لتوريث عديّ او قصيّ في الوقت المناسب...
الذي لم يأت ابدا. اتقن حافظ الاسد اللعبة الاقليمية.
استعان، حليف الاتحاد السوفياتي،
بالاميركيين لدخول لبنان عسكريا ب"ضوء
اخضر اسرائيلي" بحجة الحاجة الى "وضع
اليد على قوات منظمة التحرير
الفلسطينية". قبل بما يسمّى "الخطوط
الحمر الاسرائيلية" التي امنت بقاء
المسلحين الفلسطينيين في جنوب لبنان،
حتى العام 1982، وأغلق جبهة الجولان
وأقام علاقات متميّزة مع النظام
الثوري الجديد في طهران ابتداء من
العام 1979. فكّر حتى بأهمية إيجاد توازن
مع العرب الآخرين عن طريق المحافظة على
العلاقة بين دمشق وطهران وتعميقها كي
لا يكون تحت رحمة الدول العربية
الخليجية في اي وقت. وهذا ما يفسّر الى
حدّ كبير ايضا العلاقة المتميزة التي
ربطت باستمرار بين النظام السوري
ونظام العقيد معمّر القذافي. توّج حافظ الاسد اتقانه للعبة الاقليمية
والدولية بانضمامه الى التحالف
الدولي، بقيادة الولايات المتحدة،
الذي أخرج صدّام حسين من الكويت. مكنه
ذلك من البقاء عسكريا وأمنيا في لبنان.
لكن كل العبقرية التي امتلكها الرئيس
السوري الراحل الذي لم يتردد يوما في
إلغاء خصومه، متى شعر بالحاجة الى ذلك،
توقفت عند خطأ التوريث. لم يأخذ علما في
السنوات الخمس الاخيرة من حياته،
خصوصا بعد فقدانه نجله الاكبر باسل في
حادث سيارة، بأن المنطقة تغيّرت وان
سوريا التي حكمها وحيدا منذ العام 1970
لم تعد تنفع معها ومع مشاكلها الهروب
المستمر الى خارج الحدود. لبنان نفسه
صار مع الوقت ورقة ايرانية اكثر مما هو
ورقة سورية. اما الخليج، فلم يعد يخجل
من ان يطرح على حاكم سوريا سؤالا صريحا
في شأن العلاقة المريبة القائمة بين
دمشق وطهران، خصوصا في ضوء التغلغل
الايراني في العراق. بين التغيرات التي شهدتها المنطقة
والعالم والتحولات داخل النظام
السوري، لم يعد في السنة 2011 معنى لاي
اصلاحات. الإصلاحات صارت تعني فقط
البحث عن خروج من السلطة والانتقال الى
مؤسسات الدولة بديلا من مجلس الادارة
ذي الطبع العائلي. هل سمع احدنا
باصلاحات انقذت اي نظام في اوروبا
الشرقية. هل تختلف سوريا اليوم في شيء
عن دولة من دول اوروبا الشرقية في
مرحلة ما قبل سقوط جدار برلين؟ سقط جدار برلين وانتصرت برلين الغربية
على برلين الشرقية. هذا ما يقوله
التاريخ الحديث الذي عمره اثنين
وعشرين عاما! ================= فواز طرابلسي السفير 14-9-2011 لم يتغيّر شيء يُذكر في أداء النظام
السوري إزاء الازمة الدموية العاصفة
بالبلد الجار والشقيق. يتأكد الآن اكثر من اي وقت مضى ان
المعادلة التي تتحكم بسلوكه كانت ولا
تزال هي معادلة القمع للشعب في الداخل
والمكاراة والتفاوض على مشاريع
الإصلاح مع الدول، على اختلافها، في
الخارج. وعبثا يبحث المرء في خطاب
النظام عن أدنى تعارض بين دفاعه العنيد
ضد أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية
لسوريا، ولو من طرف عربي رسمي مشترك
مثل الجامعة العربية، وبين النشاط
المحموم الذي تبذله الدبلوماسية
السورية مع كافة الاطراف العربية
والاقليمية والدولية خلال الاسبوع
الاخير خصوصا في وقت يتزايد فيه الضغط
عبر مجلس الامن الدولي لطرح الاوضاع في
سوريا. النظام ضد التعريب والأقلمة والتدويل؟ ها
هو نفسه يعرّب أزمته ويأقلمها
ويدوّلها. مهدت موسكو لزيارة السيدة بثينة شعبان
بخطوتين متضاربتين
لقاء مع ممثلين عن المعارضة
السورية واتهام المعارضة ذاتها بأنها
تحوي «إرهابيين» في صفوفها، على امل
اكتساب روسيا لمزيد من المصداقية
عندما سوف تتقدم بمشروع قرار الى مجلس
الامن يدين العنف السلطوي في سوريا
بلهجة شديدة لكنه لا يصل الى فرض
عقوبات. وفي وقت يبدو فيه ان تركيا خسرت اي
امكانية جدية للعب دور الوسيط في
الازمة السورية، بعد اعلان المسؤولين
فيها ان النظام السوري يفقد شرعيته
وتحذيرهم حكام دمشق بأن الذي يحكم
بالدم يسقط بالدم، يقدّم النظام
الايراني نفسه بمظهر متوازن، فيحذّر
من الفراغ في حال سقوط النظام لكنه
يؤكد ان العنف ليس حلا ويتحدث عن ضرورة
«تلبية المطالب الشعبية» وصولا الى
بيت القصيد وهو السعي لأخذ مكان تركيا
في الدعوة الى حل يتم في «الاطار
الاسلامي». على مسار آخر، انتهت زيارة امين عام
الجامعة العربية، نبيل العربي، لدمشق
وقد اكتفى منها بأن اعلن من القاهرة ان
الاتفاق قد تم «على خطوات الاصلاح»
وأدان أي تدخل عسكري في سوريا. لم يقابل
تصريح العربي من دمشق بغير التحذير
بعدم الانسياق وراء «حملة تزوير
الحقائق» التي «تستهدف أمن سوريا
واستقرارها». لا حاجة للتكهن بأن السيد العربي سمع
ردودا على «خطوات الإصلاح» التي تقدّم
بها فحواها انها جميعا قيد التنفيذ.
فالحوار الوطني المقترح قد بوشر به في
«حوار المحافظات» تختار السلطة فيه «محاوريها».
وبديلا من فتح ابواب المعتقلات
السورية لإطلاق سراح معتقلي الرأي
والسياسة، كما تطالب مبادرة الجامعة
العربية، هناك امين عام الصليب الاحمر
الدولي يزور السجن المركزي في دمشق،
وهو ليس معروفا بأنه من الامكنة التي
يعتقل او يسجن او يعذَّب فيها
المعتقلون السياسيون. اما الاصلاحات ذاتها، فالمذهل هو كيف
تتقصد ان لا تلتقي او بالكاد مع أي مطلب
جاد من المطالب التي يرفعها مئات
الالوف من السوريين المتظاهرين
والمحتجين ليل نهار في الشوارع والقرى
والضواحي والاحياء. ولسنا نتحدث هنا عن
مطالبة هؤلاء بتغيير النظام حتى لا
نتحدث عن اسقاطه. بل بما هو أدنى من ذلك
بكثير. يتم الترخيص للاحزاب في لجنة يرأسها وزير
الداخلية ويعيّن أعضاءها رئيس الدولة،
أي الامين العام للحزب القائد دستوريا
للدولة والمجتمع، وهو الحزب الذي يملك
امتياز إنشاء فروع له خارج الوطن إضافة
الى احتكاره العمل الحزبي في الجيش
وبين الطلاب، وكلاهما محظور على سائر
الاحزاب تحت طائلة العقوبات. أي لا بحث
في تعديل المادة الثامنة من الدستور. قانون انتخابات لا يزال قائما على اساس
الترسيمة الموجودة منذ مطلع حكم البعث
في الستينيات، حيث نصف الاعضاء
للمستقلين والنصف الآخر لمندوبي
العمال والفلاحين، ولم يعد يوجد بينهم
الا من بات ذا صلة قريبة او بعيدة
باستغلال العمال والفلاحين والتحكم
بهم. اما الانتخابات الرئاسية فتعددية
للعام ٢٠١٤ وهو ما قدمه
النظام السوري للادارة الاميركية منذ
مطلع الازمة. أي لا بحث في اي تعديل جدي
في الصلاحيات التنفيذية الاستثنائية
للرئيس السوري، كائنا من كان. وأما قانون الإعلام فيوحي بأنه قد سُنّ
للإعلام الرسمي، لتركيزه على ضمان
حرية الرأي المشروطة
للصحفيين، فيما الموضوع الفعلي هو
حرية الصحافة الحرة التعددية وحرية
الرأي للمواطنين. وللذين لم يقتنعوا بعد بأن الحرب ضد «الجماعات
الارهابية المسلحة» نموذج عن مبتكرات
الذهن المخابراتي حيث كل إجراء يخدم
أكثر من غرض ولو كان متناقضا احيانا.
تزايد تلك الرواية على القوى الغربية ب«لغتها»
مدعيا انها تؤيد تلك الجماعات التي تشن
هي ذاتها عليها «الحرب الكونية ضد
الارهاب، وتوفر، داخليا، ذريعة لحملات
عسكرية أمنية غرضها الأساسي ترويع
المدنيين والسعي لثنيهم عن النزول الى
الشارع. فلو افترضنا جدلا أن مصطلح «إرهاب»
ينطبق على مسلحين متمردين على السلطة
السورية، وهو تعريف يصعب ان ينطبق على
التعريف الدولي المتداول عن «الارهاب»
بما هو ممارسة للعنف او التهديد به ضد
مدنيين لاغراض سياسية. مهما يكن،
لنفترض ان ٥٠٠ قتيل من أفراد
الجيش وقوى الامن قد سقطوا برصاص تلك «المجموعات»،
حسب الارقام الرسمية، يبقى السؤال: من
قتل الالفي ضحية اضافية من ضحايا هذه
الاشهر الستة من العنف المنفلت من
عقاله؟ ومن اعتقل العشرين الف معتقل او
يزيد؟ ومن المسؤول عن اختفاء آلاف
المخطوفين؟ وعن العشرات من المعتقلين
الذين قضوا تحت التعذيب؟ وهل ان الآلاف
المؤلفة التي تنزل الى الشارع يوميا هي
ذاتها «مجموعات ارهابية المسلحة»؟
وإذا كانت المعركة الدائرة رحاها هي
حصرا معركة ضد «المجموعات الارهابية
المسلحة»، ما مبرر صدور المرسوم
التشريعي رقم ١١٠ الذي يزيد
العقوبات على «أعمال الشغب» التي يجري
تعريفها كالاتي: «كل حشد او تجمع على
الطرق العامة او في مكان مباح للجمهور
يعدّ تجمعا للشغب ويعاقب عليه بالحبس
من شهر الى سنة وبالغرامة بخمسين ألف
ليرة سورية»، وهذا يعني ان أجهزة الأمن
تستطيع اعتقال مواطنين متجمعين عند
فرن للخبز او حول كشك لشراب التوت
الشامي عند مدخل سوق الحميدية! ثمة حريصون على سوريا يتذكرون رأيا ساد
بعد حرب تشرين ينهي عن أي مغامرة
عسكرية ضد إسرائيل لتحرير الجولان
لأنها سوف تؤدي الى تدمير المدن
السورية والبنية التحتية وما حققه
نظام البعث من إنجازات. بغض النظر عن
وجاهة هذا الرأي، في نظرة استرجاعية،
ومهما تكن قيمة الانجازات المعنية، لا
بد ان نسجّل اننا الشهود المفجوعون عن
وحدات من الجيش المعدّ لتحرير الجولان
تدمّر في المدن والقرى السورية التي
أريد حمايتها من الدمار الاسرائيلي! وثمة حريصون على سوريا يضعون اليد على
القلب عندما تتصاعد دعوات من الشارع أو
من أطراف من المعارضة تطالب بالحماية
الدولية. ولكنهم يرفضون في الآن ذاته
لوم الضحية عندما يكون في مواجهتها من
لا يقدّم لها من خيار غير الاستغاثة من
الرمضاء بالنار. ومع ذلك فكثيرون من الحريصين على سوريا لا
زالوا يأملون بأنه لا يزال من خيار آخر
غير ان يستجيروا من الرمضاء بالنار. ================= الموارنة والمسيحيون
بعد "نهاية التاريخ" في سوريا جهاد الزين
النهار 14-9-2011 هؤلاء المسيحيون الذين تحمل الحداثة
رائحة وازياء احيائهم ومدارسهم سنكتشف
انهم يستقبلون الآن المرحلة الاكثر
حداثية وغربية في المنطقة منذ عقود
بتحفظات بل باعتراضات. لا يمكن للمراقب
السياسي، خصوصا اللبناني، الا ان
يتوقع الضجة التي بدأت تثيرها
التصريحات التي ادلى بها البطريرك
الماروني بشارة الراعي خلال زيارته
الى فرنسا. فهذه التصريحات ليست مجرد مواقف غير
مألوفة صادرة عن الرئيس الجديد
للكنيسة المارونية، انما هي بما تعنيه
حرفيا انقلاب حقيقي في مواقف هذه
الكنيسة ليس قياسا بالبطريرك السابق
مار نصرالله بطرس صفير وانما بما هو
ابعد من ذلك. لهذا تستلزم هذه التصريحات قبل اتخاذ
موقف منها سلبا او ايجابا ان نسعى الى
فهم اسبابها والمعطيات التي ادت الى
صدورها. فهي لم تصدر فقط عن البطريرك بل
اختار صاحبها اطلاقها في العاصمة
الفرنسية التي تقود سياسات نقيضة لها،
وهي اي باريس ماهي عليه من اهمية رمزية
وعملية في حاضر وتاريخ الموارنة
ولبنان الصغير ثم الكبير. يمكن اختصار تصريحات البطريرك الراعي في
اربع نقاط اساسية: الاولى هي الموقف من خطر التشدد الاسلامي
السني على المسيحيين السوريين
وبالتالي اللبنانيين بل على مسيحيي
المنطقة. الثانية هي الموقف المتفهم لوضع النظام
السوري من حيث حاجته الى الوقت لتنفيذ
اصلاحاته الموعودة.وهذا يعني نوعا من
التأييد لهذا النظام. الثالثة وهي تأييد عدم تسليم "حزب الله"
لسلاحه قبل انهاء الاحتلال الاسرائيلي
لما تبقى من اراض لبنانية بحوزته
ولتأمين عودة اللاجئين الفلسطينيين
الى بلادهم. الرابعة وهي اشتراطه ان لا تكون المحكمة
الخاصة بلبنان مسيّسة او مزورة...
لتأييدها. هذه المواقف بالمعايير اللبنانية
والاقليمية هي مواقف صاعقة وخصوصا
لفريق مسيحيي 14 اذار، ناهيك عن انها
تحمل تحديا مباشرا في نقاطها الثانية
والثالثة والرابعة للسياسة الغربية
الاميركية والاوروبية في لبنان
والمنطقة وليس فقط للدولة المضيفة
فرنسا. لو حملنا على محمل الحرفية كلام السيد
الراعي لكان بامكاننا ان نعتبر بلا اي
تردد ان اقوال البطريرك الاخيرة تعني
لاول مرة منذ عام 1920 انتقالا للكنيسة
المارونية من اولوية خطاب الحفاظ على
صورة ما للبنان السياسي التي هي مؤسِسة
تكوينية بالشراكة مع الفرنسيين في
قيامه كدولة الى اولوية استطيع القول
ولو بحذر انها من نوع جديد هي اولوية
الحفاظ على وجود المسيحيين المشرقيين
في بلاد الشام بما فيها لبنان وفلسطين
والاردن وطبعا مسيحيي مصر وما تبقى في
العراق. الكنيسة المارونية هي الكنيسة الوحيدة في
العالم العربي التي تعتبر نفسها
مسؤولة عن كيان وطني له دولته على غرار
الكنيسة الارمنية في القوقاز والصربية
واليونانية والبلغارية في البلقان
والبولونية في شمال اوروبا ناهيك عن
علاقة الكنيسة الروسية بالدولة
الروسية ما قبل وما بعد الحقبة
السوفياتية.الكنائس العربية الاخرى او
الموجودة في العالم العربي لا تملك هذه
الخاصية بما فيها الكنيسة القبطية
التي وان كانت شديدة الاعتزاز حتى داخل
العالم المسيحي باصالتها الوطنية الا
انها لا تعتبر نفسها مسؤولة عن الدولة
المصرية على الاقل منذ الفتح
الاسلامي، بل العكس هو القائم اي كونها
خاضعة لتقاليد الدولة "السلطانية"
المسلمة المصرية. منذ عام 1920 تأسست الثقافة السياسية
المسيحية اللبنانية على الحساسية
الكيانية اللبنانية حيال سوريا كداخل
واسع ثم لاحقا ككيان موحد عاصمته دمشق
باعتبار الاخيرة مصدر تهديد الاستقلال
اللبناني. ستستمر هذه الحساسية
اللبنانية وبكركي عنوان رئيسي فيها،
لتبلغ بسبب مسؤوليات سورية ولبنانية
متبادلة لسنا في مجال التدقيق فيها
هنا، مستوىً عاليا من التوتر في
العقدين المنصرمين. تنزع تصريحات البطريرك الراعي الاخيرة
اذا اعتبرناها "كُلا" مترابطا الى
اولوية الوجود المسيحي المشرقي لا
اللبناني وحده. وبهذا المعنى هي تحدث
تعديلا نوعيا في خطاب الحساسية باتجاه
تغييره الفعلي مرتبة الخطاب المشرقي
داخل توجهاتها السياسية. وليس صدفة في
هذا السياق ان تنضم هذه التصريحات الى
النمط الغالب لخطاب الكنائس الانطاكية
الاخرى ولكن طبعا سيعني، هذا لأن
المارونية هي الكنيسة العربية الاقوى
سياسيا- وان كانت ليست الكنيسة
الاكبرعدديا وجغرافيا- سيعني انها
ستحتل الموقع القيادي بين الكنائس في
الخطاب المشرقي كونها الكنيسة "الدولتية"
الوحيدة (السلبيون يقولون انها
الكنيسة الوحيدة غير الذمية). البعد الاخر لتصريحات البطريرك اذا كانت
غير عابرة انها تنتقل الى تبني مفهوم
تحالف الاقليات المسلمة والمسيحية في
مقابل الاكثرية السنية. ادخال موضوع
"حزب الله" في التصريحات يعني ان
الشيعة الاثني عشرية جزء من هذه
الاقليات في نظر البطريرك. لا بأس هنا من التدقيق. بما ان مواقف السيد
الراعي تضع ضمنا ومباشرة الطائفة
الشيعية ضمن الاقليات في المنطقة، لا
بد من التساؤل عما اذا كان هذا "التصنيف"
للشيعة دقيقا قياسا ب"معيارين"،
الاول هو مسؤولية الحالة الايرانية
التاريخية منذ العام 1979 عن تفعيل بل
اطلاق الاسلام السياسي الذي يتوجس منه
البطريرك الراعي بمعناه "الاكثري"داخل
ايران ذات الثمانين مليون مواطن،
وبمعناه الايديولوجي الذي سيساهم في
تفعيل مد اصولي سني هائل اعتبارا من
منتصف الثمانينات من القرن العشرين،
رغم ان جزءا مهما من الجيل الثاني لهذا
المد سيصبح معاديا للشيعية الخمينية. المعيار الثاني هو دور الاسلام السياسي
الشيعي ايضا الاغلبي في العراق - الى
جانب الاسلام السني - في ما آلت اليه
الحالة العراقية بعد العام 2003 ومن
ضمنها اوضاع المسيحيين "الانقراضية"
في بغداد المختلطة مذهبيا وفي الشمال
الموصلي السني مع التذكير الدائم بأن
تدهور اوضاع المسيحيين العراقيين بدأ
في الثلاثينات من القرن الماضي. فبعكس
الازدهار الاجتماعي الذي لاءم
المسيحيين مع تأسيس الكيان السياسي
السوري والحماية الملكية الدستورية
للاقلية المسيحية الاردنية يجب ملاحظة
ان الكيان العراقي منذ تأسيسه عام 1921
سيظهر سريعا انه لم يلائم بشكل عميق
المسيحيين العراقيين لا في المجال
السياسي بعكس لبنان والاردن، ولا في
المجال الاجتماعي الاقتصادي بعكس
سوريا، بينما سيشاطر المسيحيون
الفلسطينيون سوء الطالع الذي اصاب
المسيحيين العراقيين انما بشكل اقسى
بما لا يقاس لان المسؤولية هناك تتعلق
بالعدو الاسرائيلي وفي سياق وحشي لم
يميز بين مسلمين ومسيحيين. لكن من
الواضح في خلفية تصريحات سيد بكركي ان
الشيعة في لبنان هم جزء من اقليات بلاد
الشام رغم سيطرة نوع من الاسلام
الاصولي على تمثيلهم السياسي. دائما يخبىء التاريخ اشكالا غير متوقعة
من ردود الفعل. ففي الزمن المفاجىء
للثورات العربية شبه الشاملة تحت
الشعار الديموقراطي اساسا شهدنا في
جملة وقائع كثيرة ان حركات الاخوان
المسلمين لاسيما في مصر هي في الواجهة
الديناميكية للحدث. لكن شهدنا ايضا
بروزا سريعا لحساسية سلبية من
الفاتيكان حيال تأثير التيارات
الاسلامية المتشددة المباشر في مصر.
استدعى هذا رد فعل ليس من المتطرفين بل
من المؤسسة التي عادت تحاول تحضير
نفسها في ظل قيادة شيخها المتنور
الدكتور احمد الطيب لقيادة تيار
الاعتدال الاسلامي اي مشيخة الازهر. اذن سيصبح السجال في مرحلته الاولى "الثورية"
سجالا بين معتدلين (الفاتيكان-الازهر)
وليس بين معتدلين ومتطرفين وهذا امر
حمل معه خطر ظهور نوع من التوتر بين
الاسلام والمسيحية. واسمح لنفسي
بالقول انه تلاسن في المكان الخطأ لان
مصر نفسها، دولة ونخبا، تبدو حتى في
حالتها الثورية ذات فرادة مطمئنة
عميقا على المدى الابعد وهي خوض
التغيير من داخل المؤسسات القضائية
رغم التحديات اليومية بل المخاطر
اليومية للتطرف. اما في المشرق
"الليفانت"، بلاد الشام والعراق،
فتبدو الامور اقل يقينية، حيث دول غير
مكتملة الشرعية منذ تأسيسها ومجتمعات
تزداد تفككا حتى لو ان الرؤية
المتفائلة (دعونا نسمها الرؤية
التماسكية) التي تحملها نخب علمانية
ومتنورة معارضة في الداخل والخارج
تستطيع الاتكاء على معطيات جادة من
تاريخ الصراع السياسي في هذه الدول.
لكن من اين لنا اليقين بل الثقة في ان
اجنحة الاسلام السياسي في "الليفانت"
قادرة على لعب ادوار "تماسكية"
فاعلة بالمعنى الذي اظهرته القيادة
الرئيسية للاخوان المسلمين في مصر
ناهيك عن التجربة الميدانية "العلمانية"
لتيار مهم من شباب "الاخوان" في
ميدان التحرير مع اليساريين
والليبراليين اقباطا ومسلمين؟ اذا كان
للامور الكبيرة نِصابها فمن المستحيل
ان يكون كلام البطريرك الراعي مجرد
فورة عابرة كنسيا وفاتيكانيا. نعم انه
انقلاب يقوده البطريرك ولكن علينا ان
نفهم موجته الضمنية لاسيما في
الفاتيكان. وحتى لو ان اعتراضات كبيرة
عليه يمكن انتظارها من داخل النخب
المارونية، فلن تكون المرة الاولى
التي تختلف فيها هذه النخب على خيارات
سياسية كبيرة.وسبق لبعض البطاركة ان
اختلف مع المفوض السامي الفرنسي كما
حصل عام 1936 في موضوع امتياز التبغ (وجعل
ذلك رياض الصلح يلتقط الفرصة لمد جسور
بين بكركي وقيادة الكتلة الوطنية
السورية) او حتى كما تقول مذكرات
الجنرال غورو التي نشرها ابن شقيقته
عندما اعترض البطريرك حويك عام 1921 على
النفوذ الذي يتمتع به جهاز المفوضية
الفرنسية في دمشق! واذا كانت النخب المسيحية عموما في بلاد
الشام قد ساهمت في الحفر الثقافي
والسياسي الذي ادى الى سقوط
الامبراطورية العثمانية فسيكون من
الترويج السطحي الادعاء ان هذه النخب
وجماهيرها قد انخرطت بدون تعقيدات في
عملية اخراج الانتداب الفرنسي من
لبنان وسوريا. لقد كان الكثير منها
واجفا وقلقا من ذلك التغيير "الوطني"
حتى لو كان بعضها في قيادة التيار
الاستقلالي. واي كلام آخر هو مجرد
بروباغندا. اليوم ها هي موجة التغيير الديموقراطي
العربي التي يقودها الغرب بالاستناد
الى ديناميات واحتقانات اجتماعية
وسياسية واقتصادية محلية هي بنت زمننا
الاكثر عولمة، واذا بالتاريخ الراهن
يخبىء لنا مفاجأة كبيرة بدءا من الشكل:
المسيحيون الذين هم بيئة الليبرالية
الاجتماعية والثقافية في المنطقة،
هؤلاء الذين تحمل الحداثة في بلادنا
رائحة وازياء احيائهم ومدارسهم، هؤلاء
انفسهم في سوريا بشبه صمت وفي لبنان
بضجيج ما بعد تصريحات بشارة الراعي
يثيرون اشكالية مدى اهلية التيارات
الاسلامية لقيادة مرحلة التحول
الديموقراطي!؟ لنكتشف انهم ايضا في الموجة الديموقراطية
التي هم بائعو بضاعتها الغربية الاعرق
في بلاد الشام منذ القرن التاسع عشر...
لنكتشف انهم لديهم اسئلتهم وتحفظاتهم
واعتراضاتهم - احيانا الوجودية - على
اكثر مرحلة غربية وحداثية في المنطقة
منذ عقود... كأنهم يفتحون كوة في جدار
"نهاية التاريخ" نحو ما بعده....؟ ================= "الإخوان" كحزب
مُنظَّم غائبون عن سوريا! سركيس نعوم النهار 14-9-2011 بعد الذي بدأ يحصل في سوريا عام 1979 على نحو
شبه منتظم من اغتيالات وأعمال عنفية
"اسلامية" ضد النظام بدعم عراقي
في رأيه، والذي انتهى بعد نحو ثلاث
سنوات بما سماه العرب والمسلمون
والعالم ب"مجزرة حماه"، يقول
الخبير نفسه في "اخوان" سوريا،
تفرّغ النظام لإنهاء بل لاستئصال
الاسلاميين السوريين وعلى رأسهم
التنظيم الاكبر شعبياً "الاخوان
المسلمون"، ونجح. ولعل ابرز ما ساعده
في ذلك عدم انتشار اخبار المجزرة اثناء
حصولها او بعد حصولها بأسابيع وربما
بأكثر من اسابيع، وعدم معرفة العالم في
حينه وفي السنوات التي اعقبتها
الارقام النهائية لأعداد القتلى
والجرحى والمفقودين والمعتقلين
ولقيمة الدمار الذي اسفرت عنه. وهو امر
ما كان ليحصل اليوم في ظل الثورة
المتصاعدة يومياً لتكنولوجيا الإعلام
ووسائل الإتصال. علماً انه يجب عدم
تجاهل دور عوامل اقليمية ودولية معينة
في دفع المجزرة المذكورة الى غياهب
النسيان او التجاهل سنوات عدة. وهي
العوامل نفسها التي اعادتها الى ساحة
الاهتمام الدولي ولكن بغرض ابراز
كفاءات النظام السوري وبُعْد نظره
الذي استشرف وقبل وقت طويل الارهاب
الآتي الى المنطقة والعالم فتصدى له
حتى عندما كان العالم يتعاون مع اصحابه
ضد اعداء مشتركين وينظر اليهم بكثير من
الإعجاب. استمر قمع الاسلاميين طيلة حكم المؤسس (الراحل)
حافظ الاسد، ولم يتوقف بعد تولي نجله
السلطة عام 2000 رغم كل المداخلات التي
حصلت. ولا يعني ذلك ان الاستثناءات على
هذا الصعيد كانت معدومة. بل كانت قليلة
او نادرة وخصوصاً بعد ارهاب 11 أيلول 2001
واحتلال اميركا العراق عام 2003. إذ
استقبل النظام السوري اعداداً قليلة
من الاسلاميين الذين كان يمكنه ان
يتعامل معهم لينفذوا سياسته في
المنطقة. لكن اكثرية هؤلاء الهاربين من
افغانستان بعد احتلال اميركا لها ومن
مناطق اخرى كانت تصل الى سوريا ثم "تُشحن"
او "تَشحن" هي نفسها الى اماكن
اخرى. اما اسلاميو سوريا وفي مقدمهم
"الاخوان" فضُرِب تنظيمهم في صورة
نهائية، واستمر حكم الاعدام لكل منتمٍ
من السوريين اليهم سيفاً مصلتاً فوق
رؤوسهم. وأدى ذلك الى انكفاء الغالبية
في الداخل عن اي نشاط، والى هجرة عدد
كبير من الباقين الى دول عربية في
البداية، ولاحقاً الى اوروبا وكندا
وحتى اوستراليا. طبعاً، يتابع الخبير في "اخوان"
سوريا نفسه، خُفّف في السنوات الاخيرة
حكم الاعدام المشار اليه الى حكم
بالسجن 12 سنة. لكن شيئاً لم يتبدّل
بالنسبة "اليهم". اذ جرت محاولات
عدة ايام المؤسس (الراحل) حافظ الاسد
لمصالحته ونظامه مع هؤلاء. وظن بعضهم
وبعض اهل النظام ان ذلك ممكن. لكن كل
انفتاح تصالحي من الفريقين كان يتبعه
تشدّد من النظام واعتقالات، ثم تليه
محاولات انفتاحية سرعان ما كانت تواجه
الطريق المسدودة. اما في عهد الخلف
الرئيس بشار الاسد فان محاولات عدة جرت
قام بأبرزها السيد حسن نصرالله الامين
العام ل"حزب الله"، وكان ذلك بعد
حرب تموز 2006، وبعد إبداء المعارضة
السورية بعمادها "الاسلامي"
استعدادها ومن اجل قضية العرب وسوريا
للتعاون مع النظام. إلا ان الفشل كان من
نصيبها. كما كان من نصيب محاولة سابقة
قام بها "اخوان" من لبنان زاروا
الرئيس بشار وبحثوا معه ساعات ولكن من
دون نتيجة، علماً انه تجدر الاشارة هنا
الى ان هؤلاء التقوه قبل تولّيه
الرئاسة فأبدى استعدادات طيبة ولكنه
قال انه يجهل ملف هذه القضية. وعندما
امسك بالملف واطّلع على فحواه احجم عن
السير في المصالحة. في اختصار، يقول الخبير في "الاخوان"
اياه وعلى ذمته، ليست حركة "الاخوان
المسلمين" مسؤولة عن الثورة الشعبية
السورية. فهي غير موجودة تنظيمياً في
سوريا. الشعب بكل اطيافه الطائفية
والحزبية والسياسية او بغالبيتها
مسؤول عنها ومشارك فيها. ولا ينكر احد
ان الشعب السوري مسلم بغالبيته
ومتديِّن، وأن الفكر الاسلامي "الاخواني"
وغير الاخواني منتشر في اوساط الشباب
والمسنين والمخضرمين من ابناء الذين
قمعوا او اضطهدوا في اوائل ثمانينات
القرن الاخير. لكن الثورة لا تهدف الى
إقامة دولة الشريعة الاسلامية في
سوريا بل دولة الحرية والديموقراطية
والمساواة والعدل. الى اين تسير هذه الثورة؟ والى اين يسير
النظام الذي تستهدفه؟ وأي دور للقوى
الاقليمية الكبرى فيها؟ ================= ياسر الزعاترة الدستور 14-9-2011 يبدو أن الثورة السورية قد أدخلتنا في
دوامة من الجدل الذي لا ينتهي حول كثير
من المفاهيم الدينية والسياسية ذات
العلاقة بالانقسامات الدينية
والمذهبية، فيما كانت الثورتان
المصرية والتونسية قد مرتا بسلام،
ربما بسبب سرعة الإنجاز، وربما بسبب
عدم وجود انقسام طائفي أو مذهبي في
تونس، فيما تبدى الانقسام في مصر بعد
انتصار الثورة بسبب الجدل حول هوية
الدولة بين الإسلاميين وبين سواهم من
الأطياف الفكرية، ومن ضمنهم الأقباط
الذين لم يتوقف الجدل معهم خلال
السنوات الأخيرة. في الحالة الليبية وقع الجدل بسبب التدخل
الغربي (ليس هناك انقسام ديني أو مذهبي)،
لكن الحالة السورية كانت الأكثر جدلا،
ليس فقط فيما يتصل بالبعد السياسي،
وحيث يعتقد البعض بوجود مؤامرة على
نظام المقاومة والممانعة في دمشق، بل
أيضا بالبعد الديني والمذهبي تبعا
للتنوع الذي يتوفر في الساحة السورية (عرب
سنّة، أكراد سنّة، دروز، علويون،
شيعة، مسيحيون)!! والحال أن النظام السوري لم يقدم نفسه
بصيغة طائفية خلال المرحلة الأخيرة،
بل ربما حرص رموزه على تقديم أنفسهم
بوصفهم سنّة، فيما كان الأسد الأب قد
استنجد ببعض مراجع الشيعة في لبنان
للعمل بين صفوف العلويين، الأمر الذي
أدى إلى تشيّع نسبة منهم، والسبب
بالطبع يتعلق بإشكاليات المذهب العلوي
«النصيري» نفسه وصعوبة نقله وإقناع
الأجيال الجديدة به في ظل الثورة
الإعلامية. لكن ذلك لم يخف يوما أن أهم رموز الحكم في
المؤسسة الأمنية والعسكرية (أضيفت
إليهم الاقتصادية كما في حالة رامي
مخلوف وآخرون) كانوا من ذات الطائفة،
الأمر الذي يرتبط بقضية الولاء (بروحيتها
القبلية) أكثر من الحرص على المذهب،
وعموما ثمة مذاهب وأديان تتحول بمرور
الوقت إلى عصبية أو قبيلة أو قومية،
ومثال ذلك اليهود الذين يبدون أقرب إلى
القومية منهم إلى أتباع دين، بدليل
وجود ملحدين بين صفوفهم، بل إن هرتزل
رائد الفكرة الصهيونية نفسه كان ملحدا
كما يعرف الجميع. عندما نتحدث في شأن هذه الانقسامات، فنحن
إنما نقرأ الحالة السياسية
والاجتماعية كما ينبغي أن تقرأ لكي نصل
إلى النتيجة الصحيحة في التحليل
السياسي، ولا نقصد بذلك التحريض
الطائفي، لاسيما أننا نؤمن أن المذاهب
والأديان غالبا ما تؤخذ بالوراثة،
وقليلا ما يغير الناس أديانهم
ومذاهبهم بشكل فردي. الأهم من ذلك أن دأب هذه المنطقة هي
الحفاظ على وجود الأقليات وعدم
محاربتها في معتقداتها، بدليل وجود
هذه المذاهب والأديان التي تتناقض على
نحو سافر مع معتقدات الدين الإسلامي،
فيما نتذكر حروب المذاهب والأديان
الرهيبة في أوروبا، وقبل ذلك ما فعله
الإسبان الكاثوليك بالمسلمين فيما عرف
بمحاكم التفتيش، الأمر الذي انطبق قبل
تلك المرحلة على اليهود في أوروبا
أيضا، أولئك الذين وجدوا ملاذهم بين
المسلمين في الأندلس، وظلوا يعيشون
حتى وقت قريب في منطقتنا هذه إلى أن
هجّرتهم العصابات الصهيونية بالطرق
المعروفة. ثمة فرق إذن بين التحريض الطائفي، وبين
قراءة الوقائع على الأرض، وعلى سبيل
المثال، هل يمكن للمتابع أن يقرأ
الحالة اللبنانية من دون الحديث عن
الطوائف والمذاهب؟!. سيقال إن سوريا مختلفة، ولا نريدها أن
تكون مثل لبنان، وهذا صحيح، ولكن ذلك
لا يعني الركون إلى واقع خاطئ يتمثل في
سيطرة فئة محدودة العدد والنسبة على
الغالبية في البلاد بدعوى الوحدة
الوطنية، فيما نرى بأم أعيننا ممارسات
النظام التي تفوح منها رائحة الطائفية. السوريون ليسوا ملائكة، ومن يعتقد أن
شعارات الثورة التي تركز على البعد
الوطني والوحدوي تمنع السوريين السنّة
من الحديث بشكل مباشر عن هيمنة
العلويين (وأقله فئة منهم) على الحكم
واهم إلى حد كبير، ومن يعتقد أن
العلويين بدعم غالبيتهم للنظام
ينطلقون من منطلق الإيمان بنزاهته
وعظمته واهم أيضا، الأمر الذي ينطبق
على الفئات الأخرى التي تحدد مواقفها
بناءً على مصالحها الخاصة (الأقليات
غالبا ما تميل إلى تأييد الأوضاع
القائمة والوقوف إلى جانب القوي)، من
دون أن نعدم من بين صفوفها أناسا لا
تعنيهم التصنيفات بمقدر ما ينحازون
للحق والعدالة. إننا ندعو للحق والحرية والعدالة
والمساواة، ونرفض أي منطق عنصري مهما
كان. هذا ما نعتقده ونؤمن به، لكننا
إزاء صراعات ينبغي أن تقرأ بشكل واقعي،
ومن العبث أن يُطالب بعضهم السنّة في
سوريا بأن يتحولوا إلى ملائكة لا
يلتفتون إلى تلك التصنيفات بينما
يرونها تتحرك أمام أعينهم بشكل سافر. لم يحدث ذلك في أعتى الديمقراطيات التي
تنص دساتيرها على أن يكون الحاكم من
العصبية الأكبر (المذهب الأكبر) في
البلاد. ومع ذلك فقد أراد السوريون
الإصلاح، ولو أصلح بشار الأسد لما
رفضوه، لكنه رد بالرصاص على مطالبتهم
السلمية بالإصلاح فكان ما كان. ولذا
فإنه ونظامه هم من يتحملون وزر ما
يجري، وليس الشعب السوري، أو من
ينصرونه من الخارج. ================= صالح القلاب الرأي الاردنية 14-9-2011 هناك مؤشرات واضحة وملموسة على أن
المنطقة ,في ظل كل هذه الاحتقانات ,قد
تشهد حرباً جديدة ستكون هذه المرة
إقليمية نظراً لتأزم العلاقات بين
تركيا وإيران وكل هذا بالإضافة إلى
تردي العلاقات التركية-الإسرائيلية
التي تشهد انهياراً فعلياً زاده رجب
طيب أردوغان سخونة بتلويحه الأخير
باستخدام القوة العسكرية لإيصال
المعونات الإنسانية إلى غزة وفك
الحصار الذي ترفضه إسرائيل على هذا
القطاع الذي هو الأكثر كثافة سكانية في
العالم بأسره. إلى ما قبل انفجار الأحداث السورية
المتلاحقة ,في الخامس عشر من مارس (آذار)
الماضي, كانت علاقات تركيا بسوريا في
ذروة تألقها وكان الاعتقاد ,على خلفية
طرد دمشق للمتمرد الكردي عبد الله
أوجلان وتسليمه للأتراك, أن هذه
العلاقات ذاهبة إلى وضعية متميزة غير
مسبوقة لكن وفور حصول ما حصل بدأ هذا
التحسن في العلاقات يتراجع بسرعة ووصل
النزق بدمشق ردّاً على تصريحات
أردوغان النارية التي ندد فيها بالقمع
الذي يمارسه نظام الرئيس بشار الأسد ضد
الشعب السوري إن عاد النظام السوري إلى
إثارة قضية لواء الاسكندرون الذي كان
الرئيس السابق حافظ الأسد في إطار صفقة
أوجلان هذه مع أنقرة قد طوى صفحته
واعتبر هذه المشكلة منتهية ولا عودة
إليها. ولعل الكل يذكر أن السياسة التي كان بدأها
نظام حزب العدالة والتنمية مع دول
الجوار وبخاصة إيران وتركيا قد أُعطيت
عنواناً اخترعه وزير الخارجية أحمد
داود أوغلو هو «تصفير الخلافات» لكن
ثبت في ظل صدام المعادلات في هذا
الإقليم أن المصالح المتضاربة بين
القوى الرئيسية في هذه المنطقة ,الإيرانيين
والأتراك والإسرائيليين, أكبر من
حكاية «التصفير» هذه بكثير والدليل هو
كل هذا الاستقطاب المتسارع الذي بات
ينذر بحرب إقليمية إن هي نشبت فإنها
ستشكل نصف أو ربع حربٍ عالمية. ليس دقيقاً بل ليس صحيحاً أن وراء كل هذا
التأزم المفاجئ في العلاقات التركية-الإيرانية
الأحداث الجارية في سوريا وانحياز
نظام حزب العدالة والتنمية التركي إلى
الشعب السوري الثائر فهذه مسألة مع
أنها هامة ومقلقة لدولة الولي الفقيه
التي لديها تطلعات نفوذ كاسح في
الإقليم كله إلا أن هناك المسألة الأهم
وهي تنافس هاتين الدولتين ,تركيا
وإيران, على المصالح الحيوية وعلى
الحضور العسكري والسياسي في الشرق
الأوسط كله وعلى غرار ما كان عليه
الوضع بين الصفويين والعثمانيين في
فترات تاريخية سابقة. هناك قوات أميركية في العراق تصر على
البقاء رغم رفض إيران وأعوانها
العراقيين وهناك تواجد عسكري أميركي
متفاوت الحجوم في بعض دول الخليج
العربي وهناك أيضاً القواعد الأميركية
في تركيا وكل هذا بالإضافة لوجود حلف
شمالي الأطلسي المستجد في ليبيا وهكذا
وإذا عرفنا أن الأميركيين قد لجأوا في
الفترة الأخيرة إلى تركيز قواعد
صاروخية موجهة نحو إيران فإن هذا يعني
بالإضافة إلى هذا التأزم التركي-الإسرائيلي
الطارئ أن المنطقة أصبحت كلغم كبير
قابل للانفجار في أي لحظة. والمشكلة بالنسبة لهذه المسألة أن كل هذا
يجري في هذه المنطقة الحساسة والعرب
محيدون وغائبون غياباً تاماً وكأن
الأمر لا يعنيهم فالدول العربية
الرئيسية إما أنها ,كالعراق, مصادرة
لحساب دولة أخرى هي إيران أو أنها
مشغولة بنفسها داخلياً وغير قادرة على
أن تكون رقماً فاعلاً في معادلة هذه
الأحداث التي تجري في الشرق الأوسط. ================= انفصامية الفنان السوري
تجاه قضيته عمار جمهور القدس العربي 14-9-2011 عند استرجاع شريط الذكريات الطويل الممتد
على امتداد عمر الأنظمة العربية
برمتها، لا بد من الولوج إلى المُنتج
الفني، وكذلك النقدي الذي رافق هذه
الحقبة التاريخية من عمر المنطقة
العربية، وما كانت تعنيه بالنسبة
للمثقف، والفنان، والناقد، والمفكر.
فقد كانت مرحلة اغتراب قيمي للفرد عن
محيطه الجماعي. وقد حاولت العديد من
الأعمال السينمائية، والمسرحية،
والدرامية وغيرها أن تعمل على إعادة
صياغة الفرد العربي المقموع والمضطهد
والمسلوب الحرية والإرادة، وذلك عبر
تجسيد إبداعي للعديد من الأعمال
الفنية الخالدة، وخاصة تلك الأعمال
التي حملت في ثناياها معانيَ إنسانية
خالدة وعميقة عمق الوجع الآدمي ذاته. لقد أُعجبنا، وما زلنا معجبين، بجرأة
الفنانين السوريين وبجرأة أعمالهم
الفنية، وقد شكلت هذه الأعمال عنصراً
وحدوياً للمواطن العربي، وذلك لتشابه
الحالة العربية برمتها، بالرغم من
اختلاف فكر الأنظمة السياسية العربية
وأساليبها وتعددها. وعبر النقد السريع
لعدد محدد من الأعمال المسرحية
السورية الكبير كمسرحية ' كأسك يا وطن'،
'شقائق النعمان'، 'الغربة'. يبدو واضحا
أنها شكلت معتقدات راسخة في الأذهان
العربية مكنتّها من أن تصبح سرمدية
الوجود وأزلية البقاء والخلود؛ لأنها
حملت في فحواها قيماً نقدية متمردة
ولاذعة لواقع موجع ومؤلم، تشارك فيه
العربي مع أخيه العربي فكراً وممارسة
من المحيط إلى الخليج. المفارقة الغريبة الواضحة والمخجلة التي
تتمثل اليوم في المشهد الثقافي السوري
عبر اتساع المسافة الكبيرة ما بين
الفكر الذي نظّر له فنانو ومفكرو
ومنتجو هذه الأعمال، والذين حملوا على
عاتقهم هم المواطن العربي بشكل عام
والسوري بشكل خاص، وباتوا اليوم
عنواناً براقاً لأزمة هوية في أدق
مرحلة عربية ومفصلية من تاريخ
المنظومة العربية برمتها، تائهين بين
نظام قمعي استبدادي، وبين شعب أعزل
تُمارس بحقه أبشع جرائم القمع الفكري
والمادي على حد سواء. والتساؤل الذي يراوغ مكانه يتمثل في
التلكؤ الفكري والسياسي لهؤلاء
الفنانين الذين لم تتسع لأعمالهم
الشاشات التلفزيونية خلال شهر رمضان
الكريم، ولو حتى بتلميح أو إيحاء
لرفضهم لواقع ما يجري في المشهد
المأسوي السوري، خاصة أنها تمر في
مرحلة تاريخية ومفصلية هامة في
التاريخ. فهل ما يجري في الساحة
العربية السورية اليوم لا يعني هؤلاء
الفنانين؟! أم أن ما يجري لا يمثل
معتقداتهم التي أقنعونا بها خلال
السنوات الماضية؟!، وهل هذا النقد كان
شعاراً تسويقياً جذاباً لاستمالة
المشاعر ودغدغة الأحاسيس الإنسانية؟
أم أنها لعبة الخوف التي لا تنتهي؟! أم
هو الولاء المطلق للنظام الواحد،
وللفكر الواحد، وللفن الواحد،
وللاتجاه الواحد؟! انطلقت الكوميديا السورية لتحمل رسالة
سياسية وفكرية عبر استثمار المأساة
هزلياً، وعبر انتهاج الكوميديا
موقفاً، والموقف السياسي والفكري
بالتحديد، ونجحت في توظيف ذاتها لخدمة
الفكرة المستنيرة والحرة دفاعاً عن
حريات وتطلعات أبناء جلدتهم من
مواطنين بسطاء وقوميين تقدميين. آن
الأوان لمراجعة نقدية شاملة وموسعة
للأعمال الفنية خلال المرحلة السابقة
ومقارنتها مع الواقع حالياً،
بالاستناد إلى مضمون الأعمال الفنية
التي أعتقد أنها أصبحت خالدة، بالنظر
إلى سياقها السياسي الذي وُظّفت من
أجله، والسلوك الاجتماعي والنفسي
المنافي لسياق الفنان وسلوكه استناداً
إلى الإرث التاريخي الذي يتناقض مع
موقفهم تجاه ثورة أبناء جلدتهم،
فالواقع ينادي والتاريخ يقف عاجزاً عن
تدارك المستقبل بفعل انفصامية الذات
سلوكياً وتغليفها بأزمة تعبير خانقة،
لا تستطيع ولادة إلا العقم الفني
مأزقاً. ' كاتب من سورية ============== الاربعاء, 14 سبتمبر 2011 عبدالله إسكندر الحياة يُكثر المعارضون السوريون من المؤتمرات
في الخارج، سعياً الى هيئة تمثيلية
موحدة، وليكون للمعارضة عنوان واحد
وبرنامج مشترك. وحتى الآن ما زالوا يتلمسون طريق هذه
الهيئة من دون التوصل الى صيغة مقنعة
لهم اولاً وللحركة الاحتجاجية ثانياً
وللمحاورين في الخارج ثالثاً. ولعل هذا
التباطؤ في التوصل الى مثل هذه الصيغة
يثير قلقاً في شأن قدرة المعارضين
السوريين على تشكيل بديل قادر، في ظل
الشعار المرفوع عن تغيير النظام. وبدأت
تُسمع اصوات، داخل سورية وخارجها،
تعكس هذا القلق ونفاد الصبر ازاء مرور
الوقت من دون ارساء الهيكلية المطلوبة. هذا القلق مبرر، ليس لان المعارضة
السورية تجد صعوبات وتعقيدات امام
وحدتها، وانما لان الحكم السوري مستمر
في عملياته الامنية وما تنطوي عليه من
قتل وتدمير. وهي العمليات التي لا تزال
مواجهتها السلمية هي الطاغية. اي ان
التحرك السلمي الحالي يتعرض للقمع
الشديد، مع ما يرافق ذلك من انتهاكات
للافراد والمجموعات. لكن حدود التمسك
بالاحتجاج السلمي قد تسقط مع استمرار
هذا القمع الشديد. وربما هذا ما يسعى
اليه الحكم عبر استخدام هذه القوة
المفرطة. لانه يدرك انه بذلك تخسر
الحركة الاحتجاجية، ليس فقط المواجهة
الميدانية وانما ايضا المواجهة
السياسية. المعارضون السوريون المؤتمرون في الخارج
هم، في غالبيتهم، من الشخصيات ذات
الصدقية والتجرية السياسية. والارجح
انهم يدركون طبيعة التحدي الكبير الذي
يواجهونه. وتحدث كثر منهم عن العوامل
التي لا تزال تحول دون تشكيل هيئتهم
التمثيلية الموحدة. وذكر بعض هؤلاء،
وهم في الغالب من المعارضة التقليدية
واحزابها، ان حساسيات شخصية لا تزال
تجر نفسها منذ سنوات القمع، وان ثقة
مضطربة لا تزال تشوب علاقاتهم. ومثل هذا الامر من البديهيات في ظل العقود
السابقة من القمع والالتفاف
والاستخدام الامني لبعض من في هذه
المعارضة التقليدية. في موازاة ذلك، يبدو ان ثمة قاسماً
مشتركاً سياسياً مرحلياً يجمع هذه
العارضة بكل فئاتها: سلمية الاحتجاج،
تغيير النظام، اقامة دولة مدنية
تعددية وديموقراطية تحترم حقوق
الانسان وحرياته وتساوي بين جميع
السوريين. اما الاختلاف في التفاصيل
فهي مسألة طبيعية وبديهية، لا بل
ضرورية لحياة ديموقراطية سليمة
وتعددية، حتى داخل الهيئة التمثيلية
للمعارضة. فمن دون الخلاف والسعي الى
ابراز وجهة النظر الخاصة لا يكون
للتعددية أي معنى في المرحلة الحالية،
ولا يكون للديموقراطية معنى في
المرحلية اللاحقة، بعد اقامة النظام
الجديد. ما سبق ليس تبريراً للتأخير في الوصل
سريعاً الى هذه الهيئة، وانما للاشارة
الى ان ثمة سيرورة سورية داخلية موازية
لمؤتمرات الخارج التي هذه هي
مواصفاتها. فالذين يخرجون يومياً سوية
الى الشوارع ويواجهون الرصاص
والمدافع، ويجازفون بأرواحهم التي قد
تزهق وبحرياتهم التي ستسلب فور
اعتقالهم، لا يفكرون كثيرا بانتماء
زميلهم السائر الى جنبهم. فلا يترددون
في الخروج اذا عرفوا ان هذا اسلامي
وذاك علماني وذلك من مذهب آخر. انهم
يخرجون لهتاف واحد. وهذا سر صمودهم
واستمرار حركتهم التي تدخل شهرها
السابع، رغم كل المشقات. وهذا ايضا
الدرس السياسي الاول الذي على
المؤتمرين التقاطه. وهو ان القيادة
الفعلية للحراك السوري هي في الداخل.
وأي صيغة لهيئة في الخارج تستقي
فعاليتها من توفير الظروف الملائمة
التي تمكن الداخل من الاستمرار. ولذلك، ليس صدفة ان ينكر الحكم على الداخل
أي قيمة سياسية ويقدمه كعصابات مسلحة»
تخون الوطن، فيما يتعامل مع بعض من
الخارج على انهم معارضة وطنية. ================= الراعي والدفاع عن
النظام السوري عبدالرحمن الراشد الشرق الاوسط 14-9-2011 بطريرك الطائفة المارونية بشارة الراعي
لم يخدم النظام السوري، بل أضر
بالمسيحيين في سوريا، وبصورتهم في
العالم العربي، عندما سافر إلى باريس
وأبلغ الفرنسيين قلقه من سقوط النظام
السوري ووصول جماعة أصولية سنية إلى
سدة الحكم. فقد تلقف الخبر الجميع في
المنطقة على أن بطريرك الموارنة يقوم
بحملة للدفاع عن النظام السوري الذي
يغرق في دماء مواطنيه، ويحرض ضد السنة
في سوريا، ويريد من فرنسا
الكاثوليكية، وهي لاعب رئيسي في
محاصرة نظام الأسد، أن تقدم مخاوف
المسيحيين السوريين واللبنانيين على
دعوات إسقاط النظام بغض النظر عما
يفعله في حق مواطنيه! ولا أدري إن كان حرص البطريرك على سلامة
رعيته يأتي من خلال وضعهم في مرمى
الهدف بالدفاع عن نظام ساقط، أو
بالاستنجاد بحمايتهم من نظام مفترض لا
نرى له وجودا إلا في دعاية الإعلام
الرسمي السوري الذي يخوف به العلويين
والمسيحيين. لا أحد سيقبل بنظام سني متطرف يستهدف أي
فئة سورية، وسيحارَب من السنة كما
حوربت الجماعات المتطرفة الأخرى
وأُفشل وصولها إلى الحكم. إن أكبر خرافة هي تلك التي تزعم أن النظام
السوري ضمانة ضد التطرف الديني.
الحقيقة أن النظام السوري هو الذي شجع
التطرف في السنين القلقة الماضية،
لولاه لما وجد اليوم حزب الله واستمر،
ولولاه لما عاشت حماس و«الجهاد
الإسلامي» التي ترعرعت في دمشق،
ولولاه ما استطاع تنظيم القاعدة السني
المتطرف التجمع في الشام، والانطلاق
عبر الحدود وارتكاب جرائمه المروعة في
العراق التي راح ضحيتها، من سنة وشيعة
ومسيحيين، عشرات الآلاف خلال السنوات
السبع الماضية، بحجة محاربة الاحتلال
الأميركي. ولولا النظام السوري لما وجد
الملالي في نظام إيران موطئ قدم في
العالم العربي. فكيف يقول الراعي إنه
يخاف من نظام سني متطرف يصل إلى الحكم
في دمشق؟ إن أكبر راع للحركات
الإسلامية المتطرفة كان ولا يزال
النظام السوري، والبراهين ماثلة أمام
أعين الجميع. ولا يفترض أن يغيب عن القيادات المسيحية
أن حرص النظام السوري على استخدامهم في
الدفاع عنه لن يفلح في إنقاذه، بل
سيورطهم فقط. لقد تجاوزت الأحداث
إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى
الوراء وبات النظام يريد أن يجر معه،
وهو يغرق، كل من يستطيع الإمساك به.
وهذا ما يجعلنا نستغرب تورط رأس
الكنيسة المارونية في الدفاع عن أسوأ
نظام عرفته سوريا في تاريخها، نظام ولغ
في دم المسيحيين والمسلمين في لبنان
نفسه، بل إن هذا عبث سياسي خطير. ولا
نستطيع أن نقارن شخصية في مكانة
البطريرك مع سياسي مثل سليمان فرنجية
ملتصق بالنظام السوري، أو سياسي متقلب
مثل الجنرال عون، لأن كليهما سيسارع
فور سقوط النظام إلى التبرؤ منه
والالتصاق بمن يخلفه، كأي سياسي آخر
يتنقل بحسب مصالحه. هل سيعود غدا
الراعي ويتبرأ من أقواله ومن مشاركته
في الدفاع عن النظام هناك؟ وماذا عن
رعيته؟ وطالما أن البطريرك هو من يقول إن نهجه
الصراحة والموضوعية، فإن الموضوعية
تقتضي من القيادات المسيحية أن تشارك
في الانتفاضة حتى تشارك في الكيفية
التي تنتهي بها، وتشارك في صياغة
مستقبل سوريا بدل أن تقف بعض هذه
القيادات في الطرف الآخر من الشارع،
إلى جانب النظام الذي لم يرتكب أخطاء
جسيمة في ستة أشهر مضت فقط بل ارتكب
أخطاء متسلسلة في أربعين عاما في حق
السوريين وحق اللبنانيين بمن فيهم
المسيحيون. ================= يوسف الديني الشرق الاوسط 14-9-2011 الخيط السيسيولوجي الذي يجمع بين الثورات
المنجزة منها، كتونس ومصر وإلى حد ما
ليبيا، أو تلك التي ما زالت برسم
الإيقاف، كاليمن، أو حتى التي تجاوزت
مفهوم الثورة إلى مفهوم التحرر من
الإبادة الجماعية كالحالة الدموية
التي تشهدها سوريا، هو أنها ثورات ضد
الأقليات، ليس بمفهومها الإثني أو
الطائفي، وإنما الأقليات المستأثرة
بشكل عام، أقلية السلطة القامعة، كما
في تونس، وأقلية الحزب الواحد في مصر
وتونس، وأقلية الفرد / العائلة، كما في
الحالة الليبية، إلا أن مفهوم
الأقلية، وإن كان أوضح في الحالة
السورية فإن عوامل كثيرة ومعقدة تبدأ
من شكل ومفهوم السلطة في سوريا وتتصل
بعلاقة المدن بالريف وانعدام الخط
الفاصل بينهما، إضافة إلى قدرة النظام
المذهلة على مدى تاريخها الطويل في صهر
وابتلاع الأقليات، ومن ثم محاولة
تكسير كتلة الأكثرية من خلال اللعب على
الوتر الطائفي ومحاولة تذويب الجميع
في بوتقة الحزب الواحد.. هذه العوامل
كلها، إضافة إلى حساسية الموقع
الجيوسياسي لسوريا، إضافة إلى الذاكرة
القريبة للذات الجمعية السورية
المرعوبة من التغيير المسلح على خلفية
أحداث حماه، جعلت الحالة السورية
تمتلك تعقيدا على الأرض لا يمكن التنبؤ
بنهايات قريبة للأزمة على طريقة باقي
الدول التي استفادت وبشكل كبير. هناك
فارق بين الواقع الحقيقي والواقع كما
تقدمه الميديا الحديثة على الإنترنت
والفضائيات التي حاصرت الأنظمة
السياسية وحلفاءها في الداخل والخارج
بمأزق الصورة في ما يشبه محاكمة
افتراضية على الهواء مباشرة على
انتهاكات وجرائم تبدو - على فظاعتها -
أمام ما يحدث في سوريا أشبه بفيلم رعب
قصير أمام مسلسل سوري دموي طويل لا
يمكن لمشاهديه التنبؤ بنهايته. طبيعة النظام السوري الآن في حقبة
الثورات، وإلى حد ما كان نظام البعث
الزائل في العراق، أنه بات يتعامل مع
الميديا على أنها في صالحه وليست ضده،
لأسباب تتصل بطبيعة النظام وعلاقاته
الدولية القائمة أساسا على قبوله كما
هو بدمويته ونظام مخابراته وطريقته في
إدارته للقمع، ولا أدل على ذلك من
مشاهد تبثها الميديا ويظهر التصوير
فيها بشكل يقترب من الاحترافية، مما
يدل على أنه تم بواسطة عناصر من الجيش
تنقل هذه المواد أبشع ما يمكن تخيله من
طرق للتعذيب والإهانة والتنكيل فيما
يشبه الرسائل التي يريد النظام من
خلالها بث الرعب في نفوس المحتجين،
طمعا في أن تسهم هذه المناظر الوحشية
في إيقاف الإرادة الجماعية بالخروج
والتظاهر اليومي.. عشرات الفيديوهات
البشعة على موقع «يوتيوب» لعل أحد
أكثرها فداحة ذلك المقطع الذي يقوم فيه
عناصر من الجيش بالتأكد من مفارقة بعض
المحتجين المصابين على الطرقات للحياة
من خلال ركلهم للجريح ومن ثم الإجهاز
عليه بطلقات من مسافة قريبة! النظام السوري بات يدرك الآن، بعد مرور كل
هذه المدة، أن الميديا لا يمكن أن تشكل
تهديدا له، ما دام لا يزال قادرا على
البقاء دون أي رد فعل حقيقي ذي جدوى
للدول الكبرى أو المجتمع الدولي أو
جامعة الدول العربية، وهو يدرك، من جهة
ثانية، أن المعارضة السورية تضعف يوما
بعد يوم أن تحدد ملامحها في شكل تكتل
سياسي يعبر عن المحتجين الذين تجاوزوا
موضوع الإصلاحات السياسية وهم ينطلقون
بالآلاف حاملين كل يوم نعش من كان
بالأمس يسير معهم في الاتجاه الجنائزي
ذاته إلى حيث اللاعودة. ومن جهة ثالثة فإن النظام يدرك، كما
الجميع، أن عمر مفعول ما تنتجه الميديا
من مناظر بشعة يظل محدودا في ظل تسارع
الأخبار من هنا وهناك، وأن طبيعة
الأولويات الإعلامية تختلف من وقت
لآخر لأسباب لا تتصل بالمأساة
الإنسانية، لكن بحسب مضامين المواد
الإعلامية وعلاقاتها باهتمامات
المشاهدين المرتبطة بغريزة متابعة
الجديد المثير. الأكيد أن الميديا البشعة التي يتفنن
النظام السوري في إنتاجها بهدف
الترويع أو يوثقها السوريون في ثورتهم
السلمية تجاه النظام لن تكون عامل
الإنقاذ أو حتى تسريع نهاية النظام، ما
لم يحدث تغيير على الأرض، هذا التغيير
يجب أن يبدأ من المعارضة أولا ومن
المجتمع الدولي الذي يجب أن يتجاوز
مرحلة العقوبات الاقتصادية التي لا
تجدي في ظل قدرة النظام على العيش أكبر
فترة ممكنة بحكم خبرته في التعامل مع
الحصار الاقتصادي وبفضل حلفائه
والمتعاطفين معه، وبسبب المناخ العام
السلبي الذي خلفته الثورات إن على
مستوى مرحلة ما بعد الثورة أو حتى أداء
التدخل الدولي المباشر الذي أصبح
النقاش والجدل حوله أشبه بالترف
الأخلاقي البارد في مقابل حمام الدم
الساخن في الواقع السوري. هذه الحساسية تجاه أي تدخل عسكري وانتظار
تحول دراماتيكي في الثورة السورية دون
أي مقدمات أو أسباب يمكن أن تمهد لهذا
التحول المنتظر، يقابله مراوغة وتلكؤ
في التعامل مع الحالة السورية من قبل
المجتمع الدولي والدول الغربية وحتى
موقف الجامعة العربية البطيء الذي لا
يناسب أبدا مسار الأحداث في سوريا.
فمنذ انطلاق الأزمة السورية، إذا
استثنينا الموقف السعودي الاستثنائي،
فإن معظم الدول، وعلى رأسها الولايات
المتحدة والدول الأوروبية، كانت ولا
تزال إلى حد ما - بسبب غموض البديل على
الأرض وإشكالية المعارضة الهشة - تطالب
النظام بإصلاحات على مستوى الإدارة
السياسية للبلاد لتتنازل بعد ذلك،
ويكون الهدف الأساسي هو المطالبة بوقف
حمام الدم وقمع المحتجين سلميا! النظام السوري يدرك جيدا أن بقاء حلفائه
الأساسيين، إيران وحزب الله، والدول
التي تربطها بسوريا علاقات اقتصادية
وسياسية كالصين وروسيا، مرهون بقدرته
على إطالة مدة قدرته على احتواء الموقف
على الأقل في دمشق والمدن الرئيسية
ليتم تصوير ما يحدث على أنه فوضى
طائفية أو احتجاجات عشائرية وجماعات
متشددة، في حين أن الشعب السوري بتياره
العريض فاجأ وما زال يدهش العالم، حتى
الآن، بقدرته التي تتجاوز مفهوم
القدرة والاختيار إلى القدر في سلمية
الاحتجاجات وعدم انزلاقها إلى فوضى
العنف، فيما يشبه أساطير التضحية
الجماعية لإنقاذ أكبر قدر من الأبرياء
والضحايا.. السوريون من منظور المجتمع
الدولي العاجز والمرتبك في التعامل مع
مأساتهم الإنسانية أشبه بمن يواجه
إعصارا أو كارثة كونية حتمية يتعاطف
الناس مع صور ضحاياها على الميديا وفي
صدر نشرات الأخبار لتصبح مع مرور الزمن
مجرد ذكرى حزينة تقبع في أرشيف الذاكرة..
الأكيد أن الميديا يمكن أن توثق مأساة
السوريين، لكنها لن تكون وحدها عامل
إنقاذهم. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |