ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 17/09/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

'إعلان دمشق': بيضة القبّان أم المظلة ذات الثقوب؟

صبحي حديدي

2011-09-15

القدس العربي

في وسع المرء أن يضع جانباً (مؤقتاً، في الأقلّ، وحتى تتضح حدود الغابة المخفية خلف الشجرة) شراهة معارضي الخارج السوريين إلى عقد المؤتمرات والملتقيات والمشاورات، لتشكيل مجالس وطنية أو إنقاذية أو انتقالية، عُقدت في أنطاليا أو بروكسيل أو إسطنبول أو الدوحة أو القاهرة، وضمّت محاربين قدماء وآخرين انضموا إلى النادي مجدداً، بينهم مَنْ عارض النظام طيلة عقود، ومَنْ كان مقرّباً من دوائر السلطة حتى ساعة انطلاق الإنتفاضة، وبعدها، والآن أيضاً. ليس عجيباً، والحال هذه، أن تنتهي جميعها إلى فشل ذريع معلن، أو آخر ذريع بدوره ولكنه مقنّع، أو الاستعاضة عن الإقرار بالفشل بما هو مزيج من ذرّ الرماد في العيون وقطع الوعود الخلّبية والآمال السديمية.

هذه السيرورة تكفّلت، كما يليق بها أن تفعل منطقياً، بكشف العورات هنا وهناك، وفضح هزال الغابة التي ينتظرها السوريون خلف شجرة هذا المؤتمر أو ذاك، وإسقاط أسطورة 'الإجماع' على زيد أو عمرو من 'نجوم' تلك الغابة (وهم، في الغالب، صناعة آلة المماحكات على الفضائيات، وليس السجال الحيوي النزيه والصادق، حول مسائل أصيلة وحيوية وملحّة). لكنها، من جانب آخر وثيق الارتباط وجدلي، كانت السبب غير المباشر، بل كانت عند البعض هي أمّ الأسباب المباشرة، في إشاعة خرافتَين: أنّ نجوم الخارج أقدر من سواهم على تمثيل حاجات الإنتفاضة في الداخل، من حيث التمثيل والتنظير والقيادة، وتسطير الدساتير والعهود والمواثيق، وما إلى ذلك؛ وأنّ معارضة الداخل الكلاسيكية، المؤلفة من الأحزاب والمنظمات والنشطاء خارج 'اتحاد التنسيقيات' و'لجان التنسيق' والتنسيقيات المهنية المختلفة، ينبغي أن تمتثل للجهود التي يبذلها نجوم الخارج في مؤتمراتهم، تحت طائلة تخريب وحدة المعارضة وتفتيت الحراك الشعبي.

جرى هذا طيّ المسكوت عنه بالطبع، وكان ديدن السلوك الخفيّ للتحركات والمشاورات والمداولات، إذْ أنّ أحداً من النجوم لا يتجاسر على إغفال الداخل أو الزعم بأبوّة متعالية على الانتفاضة، بل كان العكس هو المشاع دائماً وأبداً: أنّ الأصل هناك، ونحن الفرع والامتداد. وتلك حال انتقلت، بالعدوى الفطرية، إلى بعض مبادرات الداخل (مثل 'هيئة التنسيق الوطنية' في المقام الأوّل)، فبدا وكأنّ المبادرين لا يعوّلون على قوى الداخل (رغم تفاخرهم بأعداد هائلة من 'الأحزاب' المنضوية في صفوفهم)، بقدر ما يتوكأون على بعض نجوم الخارج، أو كلّ ما يمكن حشده من هؤلاء. ولهذا شهدنا، تماماً كما حدث في مهازل إعلان مجالس وطنية وانتقالية وإنقاذية، شكوى بعض النجوم من أنّ الهيئة أضافت أسماءهم دون علمهم، ودون التشاور معهم؛ وأنهم قبلوا على مضض، أو جنحوا إلى الصمت حرصاً على... وحدة المعارضة!

وفي المناسبة، من الحكمة للمرء أن يؤجّل السجال مع 'هيئة التنسيق الوطنية'، إلى ما بعد انعقاد ما أسمته 'المجلس الوطني الموسع'، بعد أيام، في إحدى ضواحي دمشق، حيث من المقرّر أن تناقش وتقرّ سلسلة من أدبياتها، وتنتخب مجلسها المركزي. سوف يتضح، كذلك، ما إذا كان ماراثون المفاوضات في الدوحة قد أسفر عن تقارب الهيئة مع أية مجموعة محدّدة، أو مع أفراد بعينهم، بحيث يكون انعقاد المجلس مناسبة لانكشاف حجم غابة جديدة خلف الشجرة الواحدة؛ أو أنّ الدوحة ردّت الهيئة إلى سابق مبادرتها الأولى، التي أعلنها حسن عبد العظيم، المنسق العام للهيئة والأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، أواخر حزيران (يونيو) الماضي. وثمة، في كلّ احتمال، حسابات متقاطعة أو متضاربة تستوجب انتظار الخلاصات التي سينتهي إليها المجلس، ليس أقلّها دلالة أن توافق السلطة على انعقاده في الأساس.

ما هو، في المقابل، جدير بالنقاش هذه الساعة، ولعلّه سوف يطغى كذلك على وقائع الأيام القليلة القادمة، من إعلان اسطنبول أمس إلى انكشاف أسرار ماراثون الدوحة، هو موقف 'إعلان دمشق' من مسائل شتى تخصّ الانتفاضة والراهن السوري، مثلما تتصل بمشاريع المجالس الوطنية أو الإنقاذية أو الانتقالية. وليس سرّاً أنّ 'إعلان دمشق' صار أشبه ب'بيضة القبان' في غالبية تلك المشاريع، من حيث ترجيح مقدار أعلى من تمثيل الداخل، أو إسباغ معنى أوضح على مفهوم 'الشرعية'، وصارت غالبية المبادرين تراهن على خطب ودّ أهل الإعلان، أو اتقاء الخلاف معهم، في العلن على الأقلّ. وفي هذا جوانب إيجابية بالطبع، لأنها تفضي إلى صيغة تفاعل وحوار أياً كانت عوائقه، من جهة؛ ولكنه ينطوي، من جهة أخرى، على تسليم ضمني بأنّ إطارات المعارضة الكلاسيكية (التي لم تكن أداة انطلاق الانتفاضة في الأساس) هي مرجعيات أولى لتمثيل الانتفاضة، وليس إحدى مرجعياتها (بالنظر إلى أنّ مواقعها في تاريخ المعارضة ترشحها لأن تكون ضمن المرجعيات).

والحال أنّ الإعلان سعى، منذ انعقاد مجلسه في خريف 2005، إلى أن يكون مظلة عريضة لفصائل المعارضة الوطنية والديمقراطية كافة، في مختلف أطيافها اليسارية والقومية والليبرالية والإسلامية، فضلاً عن اجتذاب موشور عريض من المستقلين ذوي المزاج المعارض.

فهل ما تزال المظلة على حالها، صامدة بصفتها هذه على الأقلّ، أم اعترتها ثقوب وشقوق شتى تطعن في قدرتها على تأمين ظلّ مشترك للجميع، على نحو الحدّ الأدنى؟ آخر ما يزجّ بهذا السؤال إلى واجهة الاحداث ما أُعلن في اسطنبول، أمس، عن عضوية أنس العبدة (الذي يترأس مجلس 'إعلان دمشق' في الخارج) في أحدث طبعات المجالس الوطنية السورية، رغم أنّ الأمانة العامة للإعلان لم تتخذ بعد موقفاً محدداً من مقترحات مجموعة اسطنبول؛ إذْ لا يعقل أنّ العبدة يمثّل جماعته (وهو رئيس 'حركة العدالة والبناء') وحدهم، ولا تشمل عضويته في المجلس الجديد تمثيل الإعلان أيضاً.

ذلك ثقب جديد يُضاف إلى ثقوب أخرى تجلّت في البيان الذي صدر مؤخراً عن قيادة الإعلان، تحت عنوان 'أسس عامة لرؤية سياسية لعمل المعارضة الديمقراطية'، وتضمّن عشر نقاط شاملة للمسائل المطروحة على ساحة العمل الوطني إجمالاً، والتي تنسحب أيضاً على حال الإنتفاضة إذْ تدخل شهرها السادس هذه الأيام بالذات. ثمة انحياز إلى ثورة الشعب، وتمسّك بالطابع السلمي للإنتفاضة، ونبذ للعنف أو اللجوء إلى السلاح، وحرص على الوحدة الوطنية، وتكريس جزء كبير من الشعارات للإعراب عن رفض الطائفية والفئوية، والتعويل على اللحمة الوطنية للشعب السوري من أجل إنجاز التغيير. وثمة تشديد على أنّ موضوع وهدف السوريين الآن، والمعارضة جزء مسؤول منهم، هو الانتقال بالبلاد من حالة الاستبداد إلى الديمقراطية، عبر إسقاط النظام الحالي الفاقد للشرعية...

بناء الدولة المدنية الحديثة، يتابع البيان، يتأسس على عقد اجتماعي، ودستور جديد تضعه جمعية تأسيسية منتخبة وتطرحه على الاستفتاء العام، ليكون أساساً لنظامٍ برلماني، يضمن الحقوق المتساوية للمواطنين ويحدّد واجباتهم من دون تمييز قومي أو ديني أو مذهبي، كما يكفل التعدّدية وتداول السلطة واستقلال القضاء وسيادة القانون، واللامركزية الإدارية، واحترام حقوق الإنسان والالتزام بالشرائع الدولية ذات الصلة. ويرى البيان أنّ النظام يعتمد طريقتين للخروج من مأزقه: استخدام أجهزته الأمنية المتوحشة وملحقاتها، وتوريط الجيش الوطني في مواجهة شعبه، وتقطيع أوصال البلاد والمدن، وضرب وحدة الشعب الكيانية من خلال التعامل معه كإثنيات وطوائف؛ والطريقة الثانية هي تشتيت القوى المعارضة، والمناورة لتخفيض سقف طروحاتها، وإشغالها بمسائل متشعبة ومبادرات مرتجلة تنتج عنها مواقف متعارضة.

وإذ يقرّ البيان بضرورة عقد مؤتمر وطني سوري في المستقبل، يتولى بحث آليات الانتقال وتشارك فيه القوى المعارضة وممثلو الشعب، فإنّ عبارة 'بما في ذلك مَنْ يقبل من أهل النظام، ولم تتلوث يداه بدم السوريين أو بالفساد' تعيد المرء إلى عاقبة الثقوب في المظلة، فلا تفوح منها نبرة التنطّح إلى تفصيل غير مطروح أصلاً فحسب، بل تبدو متكلفة وجوفاء، لكي لا يرى المرء فيها دغدغة لشريحة من 'أهل النظام' لا يعلم احد أين تقع، أو كيف ولماذا لم تتلوّث بدماء السوريين. ثقب آخر هو العبارة التي تقول: 'وسيتحقق هذا [أي الانتقال إلى دولة ديمقراطية حسب المعايير الدولية المعروفة] حين يقتنع النظام بأنّ الشعب هو مصدر كل شرعية، وهو مَنْ يحدد موازين القوى'. هل ينتظر الإعلان من النظام أي 'اقتناع' بهذا، في أي وقت قريب؟ وماذا سيفعل النظام، إذا وقعت المعجزة ف'اقتنع'؟

ثقب الثقوب، إذا جاز القول، هو التيارات الخلافية التي تتفاعل داخل قيادة الإعلان، لا على نحو تعددي صحّي يجعلها منبع إغناء وثراء، وهذا حاصل جزئياً لحسن الحظّ؛ بل على نحو يزيد الشقة تباعداً، يوماً بعد يوم، ويحيل نقاط الخلاف إلى متاريس للتكتل تارة، أو إلى منابر تعويم غائم للمسائل الملموسة والعاجلة والحساسة تارة أخرى. وليس هذا سرّاً يُهتك، بالطبع، كما أنّ انتهاكه  حتى إذا وقع  لا يُلحق الأذى بالإعلان وأهله وقيادته، بل هو واجب أمام الشعب، وحقّ للإنتفاضة، وتعبير عن احترام التضحيات المشرّفة التي بذلتها القيادات ذاتها المنخرطة في الخلاف على أيّ نحو.

ذلك ينقذ الإعلان، والمعارضة السورية بأسرها، من مغبة تلك التقديرات الأمنية  السياسية، التي آمنت بها أجهزة النظام ذات يوم، وكانت تذهب إلى الخلاصة التالية: إذا واصل 'إعلان دمشق' حضوره الهلامي، سياسياً واجتماعياً وإيديولوجياً وثقافياً، عدداً وعدّة وأنشطة، كما بدأ في 16/10/2005؛ ثمّ إذا انقلب، أكثر فأكثر، إلى مظلة عريضة (أي: منفلشة، مفلطحة، غامضة، شائهة التكوين...) تدلف تحتها، وتحتمي بها، وتتعطّل معها مختلف تيّارات المعارضة السورية (بما في ذلك مكوّن المعارضة الأمّ والأقدم، 'التجمّع الوطني الديمقراطي' الذي تأسس أواخر 1979)، وكفى الله المعارضين شرّ المجابهة... فلا ضرر على السلطة، والحال هذه، ولا ضرار!

ولا ضرر، هنا أيضاً، من استذكار حقبة كان مأمول السلطة خلالها  أو على نحو أدقّ: كان مطلوباً  من 'إعلان دمشق' أن يفاقم عطالة المعارضة السورية، لا أن يرفدها على نحو جدّي وملموس، لكي ينشّطها وينتقل بها ومعها إلى طور أرقى في العمل السياسي والمجتمعي والمدني المعارض. وكانت تقديرات السلطة، الأمنية  السياسية ذاتها، تذهب إلى أنّ الوقت لن يطول قبل أن يغرق أهل الإعلان في سفسطة نظرية طاحنة بين مكوّنات الإعلان القومية واليسارية والإسلامية والليبرالية، فتنشب حروب داحس والغبراء حول أولوية مسمّى الأجندة الوطنية (التي لا مناص من أن تخدم 'نظام الممانعة والتصدّي' في آخر النهار) مقابل مسمّى الأجندة الديمقراطية (التي تزعج النظام بالضرورة لأنها تضع الاستبداد في رأس المخاطر التي تتهدّد استقلال البلد ووحدته الوطنية)؛ وحول الفارق بين 'الديمقراطية الليبرالية' و'الليبرالية الديمقراطية' (نعم، هكذا!)، أو حتى بين 'الليبرالية الوحشية' و'الليبرالية الإنسانوية'!

بيد أنّ الانتفاضة جبّت هذا كلّه، في ما يخصّ قوى المعارضة وقياداتها، فضلاً عن أنساق الاحتجاج ومعنى التغيير الجوهري، فلم يعد مسموحاً ل'إعلان دمشق' أن يكون بيضة قبّان هنا، ومظلة ذات ثقوب هناك، أو في آن معاً!

==============

معارضة في السبعين وانتفاضة في العشرين!

الجمعة, 16 سبتمبر 2011

عمر قدور *

الحياة

يفيدنا ردّ تعثر المعارضة السورية إلى ظروف المرحلة السابقة في فهم أسبابه، وبوسعنا إجمال الأسباب بتغييب السياسة عن المجتمع لصالح الشمولية والاستبداد، لكن هذا الفهم الذي يمنح ضعف المعارضة ميزات أخلاقية لا يكفي لتسويغ البطء والترهل اللذين تجليا أثناء الانتفاضة، وفي الوقت ذاته لا يعفي المعارضة من تحمل مسؤولياتها الراهنة ما لم تعلن عن استقالتها منها. الحق أن رموز المعارضة لم يستنكفوا عن السياسة، وهم الذين يحتلون شاشات الفضائية والصحف العربية بنسبة غالبة ولذلك أصبحوا معروفين من قبل المجتمع السوري أكثر من أي وقت مضى، من دون أن ينعكس هذا على أدائهم السياسي الذي تميز بالمراوحة ضمن مقولات تجاوزها النظام بالمزيد من أعمال القتل والقمع، وتجاوزها الشارع بحاجته الماسة إلى حماية انتفاضته.

من المشاهد المتكررة أن يظهر معارض ما على التلفزيون ليختزل رؤيته، أو رؤية التنظيم الذي يمثله، بأنه مع مطالب الشعب. تكرار هذه اللازمة يدل بحد ذاته على القصور، فترداد البديهيات ينتمي إلى الخطابة لا إلى الفعل السياسي، كذلك هو الانتماء إلى الشعب. ثم إن استخدام مفهوم «الشعب» على هذا النحو الغائم يتجاهل وقائع الانتفاضة ذاتها، فالسوريون ليسوا كتلة واحدة في تصوراتهم السياسية، صحيح أنهم متفقون على بعض الأهداف لكن التباينات موجودة حول الوسائل، وكلما طال أمد الانتفاضة قد تنعكس هذه التباينات سلباً بفعل الثمن الباهظ الذي يُدفع يومياً. لم تقدّم أية جهة معارضة حتى الآن خريطة طريق لبلوغ الأهداف التي تبنتها مع الشارع، ومن المعلوم أن التظاهرات العفوية وحدها مهما انتشرت وبلغت كثافتها لن تسقط نظاماً يمسك بمقاليد القوة المباشرة، وتحت الضربات الموجعة التي تُوجه يومياً إلى ناشطي الانتفاضة لن يُتاح لهم الانتظام في تكتلات سياسية جامعة.

في الواقع افتقرت المعارضة إلى التفاعل مع تفاصيل ما يحدث ميدانياً، وفي ما عدا بيانات شديدة العمومية نأت بنفسها عن أحداث بالغة الخطورة أو الدلالة (ما حدث في مدينة جسر الشغور ومحاولات إشعال الاقتتال الطائفي في حمص، على سبيل المثال). هذا الافتقار يتذرع بترك التفاصيل الميدانية لتنسيقيات الثورة، وهي ذريعة تخفي إما تهرباً من المسؤولية أو جهلاً بالمقدرة العملية للتنسيقيات، فلجان التنسيق قامت بدورها على أكمل وجه من ناحية ريادتها في التحريض على التظاهر، ويكاد همّ الحفاظ على زخم الانتفاضة وإيصال صورتها الإعلامية الحقيقية أن يستنفذ طاقتها، وليس من العدل أو النبل أن يتحمل هؤلاء النشطاء المسؤولية برمتها تحت ذريعة درايتهم الحصرية بواقع الحال أو احتكار تمثيله من دون أن يدّعوا ذلك، أو أن يمتلكوا القدرة التنظيمية على ضبط إيقاع الشارع.

ليس مطلوباً من المعارضة اليوم أن تأتلف في هيئة جامعة مانعة، ولا أن تشكل هيئة تمثيلية فضفاضة، فلا الوقت ولا الظروف يسمحان بمثل ذلك. ثم إن فكرة الإجماع، على استحالتها، تنتمي إلى زمن ولى، لكن من الممكن والملحّ تشكيل هيئة تحظى بقبول نسبي كبير، ووفق أدائها قد تعزز من حضورها وتأثيرها في الشارع السوري. إن المحك في نجاح مثل هيئة كهذه هو قدرتها على التفاعل المرن مع يوميات الانتفاضة، وكفاءتها في اقتراح مخارج سياسية للأهداف العامة لها، فضلاً عن الاتصال بالقوى الدولية المؤثرة بوصفها تمثيلاً موقتاً مُعترفاً به. هذا لا يعني أبداً احتكار المعارضة من قبل الهيئة المفترضة، لكنه يضع الأساس للتنافس الحقيقي على أكبر تمثيل لها، ويخرج الأمر من دائرة المؤتمرات المتعارضة والمتداخلة في شكل غابت معه صدقية الجميع.

ثمة حاجة تكبر باطراد لكي تستدرك المعارضة تقصيرها وقصورها، فمثلاً، ازدياد حالات الانشقاق في صفوف الجيش وتشكيل هيئات عسكرية منفصلة قد يؤدي إلى انعطافات غير محسوبة في غياب برنامج سياسي واضح. الأهم من ذلك، ربما، الانعكاسات السلبية لتشرذم المعارضة على الشارع السوري واستغلال السلطة لهذه الحالة داخلياً وضمن دائرة حلفائها الباقين.

لقد أدى الشارع، ويؤدي يومياً، واجبه في إنهاك السلطة وإضعافها، وصار يرى من حقه أن يبدأ بقطف ثمار التضحيات اليومية، أو على الأقل أن تدفع هذه التضحيات بالمعارضة إلى فعل سياسي يليق بدماء السوريين، وسيكون من شأن انعدام الأفق السياسي للانتفاضة أن يوهن في عزيمة البعض، وأن يزيد في تردد ما يُعرف بالفئة الصامتة حتى الآن.

في تعبير عن اليأس من أداء المعارضة كتب أحد المدونين على الفيسبوك «علينا أن نكفّ عن محاولة تزويج المعارضة بالانتفاضة لأن الأمر يشبه تزويج رجل في السبعين فتاة في العشرين». لكن هذا التشبيه على رغم وجاهته لا يلغي الحاجة الموضوعية للمعارضة التقليدية، ويرتب عليها اكتساب اللياقة الضرورية للزواج. في الواقع لا يوجد بديل منظور لمثل هذا الزواج، على رغم أنه ليس الخيار المحبب لدى البعض، والشباب منهم خصوصاً. هو اقتران انتقالي موقت بطبيعته، وإذا حافظت المعارضة بشجاعة على رمزية وجودها أثناء عقود الاستبداد فهي اليوم أمام استحقاق تاريخي تتوج به مسيرتها، وقد تكون مُطالَبة بعده بإفساح المجال فعلاً لا قولاً أمام شباب الثورة. لا شكّ في أن كثيراً من النقد قد يبدو قاسياً إزاء نبل ما قدمه المعارضون من تضحيات في زمن الديكتاتورية، ولعل نُبل ما يُطلب منهم الآن يعوّض عن ذلك إن كان لهم شرف المساهمة الفعالة في نقل سورية من الماضي إلى المستقبل.

==============

دور المسيحيين في الربيع العربي

الجمعة, 16 سبتمبر 2011

وليد شقير

الحياة

من إيجابيات الضجيج الإعلامي الذي تسببت به ردود الفعل على تصريحات البطريرك الماروني بشارة الراعي، والتي طرح فيها مخاوف مسيحية من بعض أوجه الربيع العربي، والتغييرات التي يحدثها، لا سيما في سورية، أنه أطلق نقاشاً علنياً وضمنياً حول الدور المسيحي في الحقبة الجديدة التي يشهدها العالم العربي أولاً، وتداعيات أحداثها ثانياً.

وهو نقاش لا يلبث أن ينقل التفكير بالأمر الى ما هو أوسع، ليشمل دور الأقليات وموقعها في التغيير، وما سينجم عنه من معادلات.

قد لا يكون البطريرك الراعي قصد إطلاق هذا النقاش الذي يتعدى اللحظة السياسية الى ما هو أعمق، لكن تفاعلات مسارعته الى الحديث عن القلق من أن يدفع المسيحيون ثمن تولي «الإخوان المسلمين» الحكم في سورية، ومن «تحالف السنّة فيها مع سنّة لبنان ما سيزيد التأزم مع الشيعة»، والذي سبقه كلام عن إعطاء فرصة للرئيس السوري بشار الأسد لتنفيذ الإصلاحات، لن تقف عند حدود ما سيرتبه ذلك في الحلبة السياسية اللبنانية، التي يسهل فيها إخضاع عناوين كهذه للاستثمار في الخصومات والانقسامات القائمة راهناً.

والتفاعلات الأهم من الجلبة السياسية الداخلية حول كلام البطريرك هي تلك التي ظهرت وستظهر في ثلاث دوائر مهمة معنية بما قاله هي: دائرة مجلس المطارنة الذي يحوي رأياً آخر غير رأي البطريرك في شأن الموقف من النظام السوري ومن سلاح «حزب الله» الذي ربطه الراعي بالاحتلال الإسرائيلي، ودائرة الفاتيكان الذي بموازاة قلقه على أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط من تنامي الأصوليات، كان له موقف من أحداث سورية عبّر عنه البابا بنديكتوس السادس عشر في 8 آب (أغسطس) الماضي حين وجّه في صلاة التبشير «نداء ملحاً الى السلطات والسكان في سورية لإعادة إحلال التعايش السلمي في أسرع ما يمكن والتجاوب في الشكل الملائم مع تطلعات المواطنين المشروعة بما يراعي كرامتهم ويدعم الاستقرار الإقليمي» وتوجه الى السفير السوري في الفاتيكان مطالباً الرئيس الأسد «بالأخذ بتطلعات المجتمع المدني والهيئات الدولية».

أما الدائرة الثالثة، فهي فرنسا التي عبّرت للراعي عن خيبتها من كلامه.

لقد طرح قلق البطريرك السؤال عما إذا كان للكنيسة في لبنان التي لديها المشروعية في التعبير عن هواجس مسيحيي الشرق ككل، موقف جديد حيال الأوضاع في لبنان والمنطقة والمستقبل الآتي، الذي سيشهد تغييرات حتمية بحكم الربيع العربي. فالبطريرك انطلق من فرضية أن النظام السوري سيزول حين انتقل الى الهاجس حيال ما بعده. وهي فرضية ما زالت خاضعة للأخذ والرد، إلا إذا كان أخذه بها جاء نتيجة التأكيد الفرنسي له أن «النظام انتهى» وقاده ذلك الى استعجال التعبير عن الهواجس.

في كل الأحوال يقتضي البحث عن أجوبة على الأسئلة المسيحية حول ما بعد الثورات العربية انطلاقاً من التدقيق أكثر في حقيقة الحركات الإسلامية المشاركة فيها. وفي هذا المجال يدعو المعارض السوري الكاتب ميشال كيلو في مقابلة صحافية نشرت قبل يومين الى النظر الى هذه الحركات ليس انطلاقاً من تجارب سابقة في السبعينات حين استندت الى شعار «الحاكمية» وتكفير الآخر وأنها الآن باتت تطالب بالدولة المدنية وبالتعددية.

لكي يستقيم النقاش الجدي حول موقع المسيحيين بعد الثورات، يفترض عدم ربط ذلك ببقاء نظام ما أو ذهابه. فالتغيير الذي تقبل عليه المنطقة ناجم عن تراكم عقود من الظلم، هذا فضلاً عن أن القلق من أن تكون واجهة هذا التغيير سنّية لا يصح في كل الحالات، إذ أن واجهته في العراق الذي تخلص من الديكتاتورية هي شيعية. والحركات القومية في المنطقة سبق أن اعتمدت شعارات وتسميات إسلامية نشهدها الآن في أيام الجمعة من باب التعبئة الشعبية نظراً الى أنه يوم الصلاة الذي يتجمع خلاله المواطنون، بل أن وسائل التعبئة هذه وجدت مكاناً لشعار يوم الجمعة العظيمة في عيد الفصح، بل إن قادة قوميين علمانيين ومسيحيين سبق أن استخدموا وسائل التعبئة الإسلامية (ميشال عفلق وجورج حبش...).

والحقبة الراهنة من التغيير في المنطقة لن تتمكن الأقليات الطائفية من الوقوف في وجهها إذا صح الافتراض بأن الأكثرية السنّية وحدها هي وقودها وهي التي تستفيد منها.

أقصر الطرق الى تجاوز القلق مما بعد الثورات أن يلعب المسيحيون دوراً ريادياً في تعميم ثقافة حقوق الإنسان والديموقراطية وتداول السلطة وإشاعة الحريات، التي يقوم وجودهم في وسط الأكثرية على تكريسها.

==============

أين ستنتهي الثورة في سورية؟

د. محمد حسين المومني

نشر : 15/09/2011

الغد الاردنية

لا أدري كم منّا يستطيع تحمل رؤية مشاهد التعذيب والتنكيل بالشعب السوري الأعزل! ولا أدري أي مروءة بقيت في نظام سياسي يجبر مواطنيه على الإقرار بأن "لا إله إلا رئيسه"، ويدوس على كرامات الرجال، وينكل بالأطفال، ويرهب الآمنين في بيوتهم! كيف يفكر من يرتكب هذه الفظائع، وماذا يعتقدون أنهم سيجنون؟ هل سيقتلون الملايين من أبناء الشعب السوري التي انتفضت لكرامتها، وسطرت أروع الأمثلة في البطولة والتضحية والرجولة؟ ألا يدرك هؤلاء أنهم كلما قتلوا شخصا خرج ثأرا لدمه العشرات إن لم يكن المئات؟ ألا يخشى هؤلاء من قهر الرجال.. خاصة أولئك السوريين الذين صرخوا بأعلى صوتهم: "المنيّة ولا الدنية"! المفجع أن من يقتل ويذبح وينكّل، يفعل ذلك وهو يعتقد أنه يقوم بفعل وطني شريف، وأنه يحارب مرتزقة وعملاء خارجين عن القانون لأنهم يتظاهرون مطالبين بالحرية والكرامة، وكأنه قد تعرض لعملية غسل دماغ كامل.

أكثر السيناريوهات تفاؤلا باستمرار الحكم على ما هو عليه في سورية تتحدث عن أوقات ومُدد لا عن بقاء وديمومة. ويكاد يجمع كافة المحللين المحايدين أن النهاية ستكون غير سارة ودموية لنظام سياسي حوّل مدارسه إلى معتقلات تهان فيها كرامة الرجال. مثالا ليبيا واليمن يدللان بوضوح على استحالة استمرار الوضع في سورية على ما هو عليه، وأن الانهيار قادم لا محالة، والخيار الوحيد المتبقي أمام الحكام السياسيين هو تأمين مخرج سياسي وأمني آمن لهم ولعائلاتهم؛ فالشعب الذي خرج بالملايين يعلم تماما أنه إذا عاد واستكان فسيقضى عليه واحدا واحدا، لذلك فلا عودة بالنسبة له إلا مع انهيار آلة القمع والقتل.

تسريع وقف القتل الذي يتعرض له الشعب السوري هو ما يجب الحديث عنه في هذه المرحلة، والذي قد يتأتى من خلال دور دولي أو عربي جمعي لا فردي. وقد رأينا للآن تحركا عربيا خجولا باتجاه اقتراح مخرج للأزمة، ولكن العرب معنيون بأكثر من ذلك؛ فهم مطالبون على الأقل بتقديم دعم معنوي لمطالب الشعب السوري على غرار ذلك التركي.. دعم معنوي ليس خارجا عن المألوف، بل ملتزم بمنظومة الأخلاق السياسية والاجتماعية التي تحترمها الدول العربية -على قصورها- والتي لا يبدو صناع القرار في سورية يعرفون أي شيء عنها.

أما الموقف الدولي فهو أكثر ترددا، لأن سورية ليست ليبيا وإنما أشبه بالعراق. ولهذا، فالأرجح أن تدخلا مباشرا أمر مستبعد، ولكن ما يمكن عمله هو أولا قيادة جهد لعزل وتعرية الموقف الروسي المشين تجاه الأحداث في سورية، وبالتزامن مساعدة المعارضة السورية على التوحد والتنظيم والتخطيط لتصبح كينونة على غرار المجلس الانتقالي الليبي.

استمرار ما يحدث في سورية سيؤجج الإقليم ويزيد من نسبة التوتر فيه. وشجاعة الثورة السورية قدمت الكثير من المعنويات للراغبين بالثورة والتحرر، رغم أنها أيضا أخافت البعض من الفوضى التي قد تترتب عليها. الثورة لن تنتهي إلا بسورية جديدة حرة وديمقراطية؛ وعليه فدول الإقليم والعالم معنية بإيقاف مأساة الشعب السوري والاستعداد لمرحلة ما بعد الثورة.

==============

روسيا والطموحات الفرنسية في سوريا

صحيفة «كمسمولسكايا برافدا» الروسية

البيان

التاريخ: 16 سبتمبر 2011

من الملاحظ والملفت للنظر، أن فرنسا نشطت كثيرا مع أحداث الثورات الشعبية في ما يسمى ب"الربيع العربي"، حتى قال البعض إن باريس بدأت تنافس واشنطن في سياسة التدخل في شؤون الدول الأخرى. وقد بدأت فرنسا فاعليتها بعد إسقاط النظامين الحاكمين في كل من تونس ومصر، ومع بداية اشتعال الثورة الشعبية في ليبيا، واتخذت باريس موقفا مؤيدا بشدة للثوار ضد الأنظمة، وهو بالطبع موقف مناقض للموقف الروسي، الذي يرى الكثيرون أنه مع الأنظمة الحاكمة ضد الشعوب.

وبعد أن حسمت الأمور بشكل كبير في ليبيا، قررت فرنسا التركيز على سوريا، وتبنت بشكل واضح خيار إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد هناك، بينما تقف موسكو على النقيض تماما وترفض أية إجراءات دولية ضد نظام بشار الأسد.

روسيا تغيظ فرنسا بموقفها من الأحداث في سوريا، فقد أثار الموقف الروسي عاصفة من الاستياء لدى وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه. ومن الواضح أن الفرنسيين المتحمسين للحلول العسكرية (بتأييد من البريطانيين)، يحاولون منذ زمن بعيد تمرير وثيقة في الأمم المتحدة تدين تصرفات السلطات السورية. وهذه هي المبادرة الفرنسية الثانية خلال العام الجاري، ففي آذار/ مارس الماضي نشط ساركوزي في الدعوة للضغط على القذافي، وقد فاز في النتيجة. آنذاك امتنعت روسيا عن التصويت، وها هي الآن استوعبت الدرس، إذ تنطلق في موقفها من الوضع في سوريا من رغبتها في عدم تكرار السيناريو الليبي. كما ترى موسكو أن ما يحدث في سوريا، لا يخلو من عنصر المؤامرة ضد النظام بشكل ما.

وسواء كانت المؤامرة من الداخل أو من الخارج، فإنها واضحة كما يقول الروس. وتنقل وسائل الإعلام عن الرئيس الروسي ديميتري مدفيديف قوله "نحن نرى المشاكل في سوريا، ونرى استخدام القوة غير المتكافئ، وعدد الضحايا الكبير، وهذا ما لا يناسبنا أيضا. لقد تحدثت عن ذلك مرارا في تواصلي شخصياً مع الرئيس بشار الأسد، ولكنني أرى أن تلك القرارات التي نتخذها لإيصال رسالة صارمة، كما يقال عادة، إلى القيادة السورية، يجب أن توجه إلى الطرفين لأن الوضع هناك ليس نقيا". أما جوبيه فيصر على اتخاذ "قرار واضح كل الوضوح لإدانة العنف"، ويسعى من وراء القرار إلى ممارسة ضغوط على النظام السوري، قد تصل إلى حد التدخل العسكري في سوريا مثلما حدث مع القذافي في ليبيا. وبالمناسبة، فإن الصين تقف أيضاً ضد القرار الخاص بسوريا، وهي كروسيا تتمتع بحق النقض (الفيتو)، الذي لم يُستعمل عند التصويت على المسألة الليبية.

إن محتوى القرار الخاص بسوريا ليس واضحا تماما، وربما أمكننا القول إن سوريا أيام حكم حافظ الأسد، تعرضت لشتى العقوبات الممكنة باستثناء التدخل العسكري، الذي تتخوف منه روسيا والصين اللتان رأتا كيف تتحول "منطقة الحظر الجوي" إلى قصف عشوائي، بمساهمة من فرنسا نفسها.

في سوريا تستمر الصدامات بين قوات الحكومة والمتظاهرين، في الوقت الذي تم الاتفاق خلال لقاء ضمّ الرئيس السوري بشار الأسد وأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، على مجموعة من الإجراءات العاجلة لحل الأزمة السورية. وتنقل وسائل الإعلام العربية، أن المقصود بذلك سحب الجيش من المدن، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين من السجون، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية. وهذه ليست المرة الأولى التي يُقدم فيها الأسد على بعض التنازلات أمام المطالب الخارجية، فقد سبق أن أعلن مرتين عن إصدار عفوٍ عام، ووعد بإجراء إصلاحات.. ولكن ذلك كله لا يزال مجرد كلام.

==============

الاحتجاجات والنظام السوري: تحديات المرحلة المقبلة

فاروق حجي مصطفى

الوسط

16-9-2011

أربعة أشهر ونيف خلت والنظام السوري يقول إن الأوضاع التي تمر بها البلاد ما هي إلا حالة طارئة، وإنّه سيخرج من هذه الأزمة أقوى، مستنداً في ذلك إلى تجاربه السابقة، مع الإخوان المسلمين في الثمانينات وأحداث 2004 مع الأكراد ...الخ ، مهوّناً بذلك من قوة الحركة الاحتجاجية، بسبب تصوره أنه يمتلك قدرات (أمنيّة، عسكريّة، نقابات، ومنظمات شعبيّة- الرديفتين لحزب البعث- نفوذ في أوساط التجار بحلب ودمشق،..الخ) ظنّ النظام أن قوّة المعارضة، التي تعتمد على قوة وحماسة الشارع وإرادته في التغيير، يمكن تفريطها بسلسلة من الوعود الإصلاحية ومن خلال تكثيف ضغطه على حركة الشارع، ومحاولته المستميتة لإفشالها، الأمر الذي أبدت معه حركة الاحتجاجات الكثير من القدرة على المقاومة بما فاق توقعات النظام، وهذا ما جعل النظام أمام خيارات ثلاثة: إمّا التراجع، وإما الإقرار بالهزيمة، وإما الاندفاع باتجاه الاستمرار في الحلول الأمنيّة والعسكريّة، وكلها بدائل أسوأ من بعضها وتنعكس سلباً على النظام.

والحق، إن وضع حركة الاحتجاجات قابل للتطوّر إيجابيّاً، فإذا كانت الاحتجاجات تنتعش وتقوى يوم «الجمعة» آخذة هذا الزخم الذي باتت عليه؛ فإن بقية أيام الأسبوع لا تخلُ من وسائل ثقافية ذات منشأ غير شعبي وغير عنفي؛ كمسيرات الشموع المسائية، هذا عدا عن النشاط المكثف الذي بتنا نراه عبر الوسائل الإعلاميّة والالكترونيّة وعبر صفحات التواصل الاجتماعي (الفيسبوك).

وتقول المعطيات إنّ السوريين مقبلون على مرحلة أكثر حماسة وذات مدلول في الوعي المجتمعي السوري، وهو ما سيغيِّر من تكتيكات وخطابات الحركة الاحتجاجية، الأمر الذي سيحرج النظام أكثر من أي يوم مضى من خلال إيقاعه في الدوامة الأمنيّة والسياسية، وخصوصاً أن الخيار الأمني الذي كان متاحاً له طيلَة الأشهر الماضية سيغدو ذا تأثير رجعي بالغ عليه.

ويتفق غالبيّة السوريين على أن هذه الأشهر الأربعة التي دفع السوريون أثماناً باهظة خلالها، حققت أرضيّة صلبة لتحقيق الوحدة الوطنيّة، والحقّ أنّ ثمّة نتائج عدة حققتها حركة الاحتجاجات على الأرض، نقرأها من خلال:

أنّ تعنت النظام، وتكابره على ما يجري؛ أصبح دافعاً لدى فاعلي حركة الاحتجاجات للمزيد من النشاط والتوسع بشكل أكثر مما كان متصوّراً، وما أن استهتر النظام بأهميّة المطالب الشعبية التي تبلورت تحت عنواني «الحرية والكرامة»، واعتباره أن كل ما يحدث يمكن السيطرة عليه بسهولة عبر الوسائل الأمنيّة، حتى توسعت دائرة الاحتجاجات وانخرطت كل المكونات فيها، وتبلورت المطالب أكثر وضوحاً. على رغم ذلك مازال النظام مصرّاً على نهجه الأمني القمعي الذي أوقعه في نفق يصعب عليه الخروج منه، حتى إيحاء النظام بأنّ ثمة سورية جديدة بدأ يشتغل عليها من خلال المراسيم والتعميمات وتأسيس اللجان الخاصة بإصدار قانوني الانتخابات والإعلام...الخ لم يعد ذا قيمة كبيرة لدى أحد من الأطراف المعارضة.

نعتقد أنّ النظام السوري صار يعترف بأنّ الأزمة الوطنيّة تفاقمت وهي تتفاقم بشكل أكثر حدّةً، لكن ما لا يفعله النظام هو تغيير قناعاته بأنه مازال ممسكاً بزمام الأمور، والسؤال الذي يطرح نفسه هو، إذا كانت المعارضة (التي عاهدت نفسها بالوقوف إلى جانب الشارع ودعمها له)عاجزة اليوم عن بلورة أفكارها السياسيّة وسط حركة الاحتجاجات، وضبط بعض شعاراتها وهتافاتها؛ فكيف للنظام الاقتناع بأنه يستطيع التأثير على الشارع وميوله، وتالياً تحريفه عن مآله وحلمه في التغيير؟

نسي النظام أنّ المعارضة السوريّة الداخليّة منها والخارجيّة، عاجزة عن السيطرة على الشارع، فالشارع السوريُّ اليوم أضحى باعث الحلول، وليست المعارضة التي ما انفكت الخلافات والانشقاقات تطغى عليها. في ضوء ذلك، كيف بالنظام أن يتباهى بقدرته على السيطرة ووقف حركة الناس والشارع اللذين يريان مصلحتهما في تفعيل حركة الاحتجاجات وليس كبحها. من هنا، يمكن الحديث عن تطابق في الرؤية بين المعارضة والشارع، إذ منذ مؤتمر«سمير أميس» لا تستطيع المعارضة، وحتى أي طرف من أطرافها، الخروج عن رأي الشارع وشعاراته. حتى أنّ المعارضة مقتنعة بأنّ حماية حركة الاحتجاجات وتطويرها، أصبحت من مسئوليتها الوطنيّة والسياسيّة وحتى الأخلاقيّة.

ولا نستغرب أنّ الحركة الاحتجاجيّة غيّرت مفهوم «الاستقرار»، فأصبح الناس يَرون أنّ «الاستقرار»يكمن في حماية الحركة وليس في صدِّها، وهناك شرائح واسعة من المجتمع السوري لديها القناعة بأنّ الاحتجاجات جلبت لهم شيئاً من الطمأنينة والحرية والجرأة، وإلا، فماذا يعني عندما يقال»إني أحمي نفسي من خلال مشاركتي في حركة الاحتجاجات» أليسَ هذا شعوراً بالأمان والطمأنينة؟ ويبدو أنّ النظام حينما كان يتحدث عن»الاستقرار»، فإنه كان يعني بذلك «استقراراً» مختلفاً.

بحسب فاعلي الاحتجاجات؛ فإن «الاستقرار» الذي فرَضَهُ النظام وأصبح جزءاً من ثقافة العموم هو ذلك «الاستقرار» المرتبط بالخوف أو الصمت، بمعنى «إذا كنت تريد الاستقرار فعليك أن تصمت»، ولعلّ نزول الناس إلى الشارع أثبت أنّ بقاء «الاستقرار» والحفاظ عليه إنما كان لبقاء النظام وليس لأمن الناس، فمع نزول الناس إلى الشارع لم يتحرر الناس من «ثقافة الخوف» فقط إنّما كسر طوق «الاستقرار» الذي كان يكبّلنا ويكبّل المجتمع السوري لعقود خلت.

الآن الحركة تجلب الطمأنينة في النفوس وتحقق الحريّة والكرامّة، ولعلّه لم يخطئ من قال: إن سوريّة مملكة الموت، لأنّه يستحيل أن يتواجد «الاستقرار» في الحياة، فقط يمكن الحديث عنه في المقابر. هذا الكلام رُددَ خلال فترة «ربيع دمشق».

والحال أنّ حركة الاحتجاجات لم تقف عند حدود تغيير بنية النظام، وإنمّا امتدت وظيفتها للحديث عن توحيد المجتمع السوريّ المتنوع في إطار دولة المواطنة الحقّة، وأحدنا يلمس روح الوحدويّة التي تتحلى بها القطاعات الواسعة من المجتمع السوريّ المنتفض، وهو الأمر الذي أعطى للوحدة الوطنيّة معنىً آخر، فكل النشطاء ومن كل المكونات الوطنيّة والشرائح المجتمعيّة يلتفون حول هدف واحد هو الحفاظ والارتقاء بمكانَة الوطن وتطويره بمحض إرادتهم وبقناعة أنّ مصلحة تفعيل المواطنيّة إنما هي مصلحة خاصة قبل أن تكون عامة.

يمكن القول إنّ المعطيات التي أوردناها؛ قد أسهمت في تغيير الذهنيّة والمواقع، فالمثقف لم يعد منذ حين من تلك الطبقة المستعلية على الشعب، وصار يرى نفسه جزءاً من مطالب الناس، والكثير من المثقفين فكّوا روابطهم مع النظام لصالح عامَّة المجتمع، ونعتقد أن هذا الشعور دفع بالمثقفين والفنانين إلى النزول إلى الشارع ليقولوا: ها نحن معكم في السرّاء والضرّاء. إلى جانب ذلك لم يعد الكردي يصارع كرديّاً آخر على من يرفع علم كردستان أولاً(في سورية)، والآن أصبح في الشارع الكرد يزايدون على بعضهم برفع العلم الوطني، وحتى أنّهم يحرصون على عدم افتعال قضيّتهم القوميّة وأهميتها في المستقبل السياسيّ في سورية، ولعلّ مردّ ذلك كي لا يطرأ أي شقاق في الشارع المعارض.

من هنا أستطيع القول، لولا هذه الروحيّة الوطنيّة الذي يتحلى بها غالبيّة النشطاء الأكراد لما قبلوا أن يناقشوا مدة «ست ساعات»مع المعارض حسن عبدالعظيم وثيقة التفاهم، التي أراد الكرد من خلالها أن تتوحد المعارضة كلها في إطار واحد، إلا أنّ صديقنا عبدالعظيم نفذ صبره وأعلن إطاراً جديداً للمعارضة تحت مسمّى «هيئة التنسيق الوطني للتغيير».

لم يستطع انتظار جماعة «إعلان دمشق» لتكون ضمن هذا الإطار، الأمر الذي دفع بالكرد إلى إعلان أنهم ليسوا جزءاً من هذا الإطار، ولعل سبب ذلك هو لأجل مصلحة المعارضة، فالمعارضة بحاجة إلى إطار واحد متفق عليه من الجميع على قاعدة الحد الأدنى. والسؤال: أليس هذا كله من إفرازات حركة الاحتجاجات السوريّة التي مازالت وستبقى الحامي الوطنيّ وتحافظ على صبغتها الوطنيّة بعيداً عن العصبيّات؟

هذا المقال ينشر بالتعاون مع مشروع منبر الحرية

صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3296 / 16-9-2011

==============

سوريا ستكون أجمل بلا شتائم .. بلا ثأر وانتقام

ميشال شماس()

المستقبل

16-9-2011

إن من يريد التغيير في سورية هم أغلبية الشعب السوري بمختلف انتماءاته وتلاوينه السياسية والدينية والعرقية، وإن الهدف من هذا التغيير هو نقل سورية من دولة تعيش حالة شمولية إلى دولة تعيش حالة مدنية ديمقراطية تعددية تداولية تُحتَرم فيها حرّيات السوريات والسوريين وتُصَان كراماتهم وتحفظ حقوقهم وأموالهم وممتلكتهم...

إن ما نسمعه اليوم من عبارات وشعارات تصدر عن بعض المعارضين للنظام والموالين له على حد سواء تخدش وتجرح ليس فقط من تُوجه إليه وحسب، بل وحتى من يسمعها أيضاً .. وأقل ما يُقال فيها أنها بعيدة كل البعد عن قيم الحرية والكرامة التي ينشدها الشعب السوري، وبعيدة أيضاً عن قيمة الإنسان كقيمة حضارية.

لقد تسنى لي الإطلاع على بعض مواقع " الثورة السورية " فهالني الكم الكبير من الشتائم والسباب الذي يخدش الحياء مما يكتب على تلك المواقع وغيرها ممن يدعون أنهم يدعمون الثورة السورية بتلك الكلمات والعبارات الجارحة والخارجة عن باب اللياقة والأدب، وهؤلاء الداعمين ل"الثورة السورية" لا يختلفون بتصرفاتهم تلك عما يفعله أيضاً بعض الداعمين والموالين للنظام الذين يستخدمون في دفاعهم عن النظام الأسلوب نفسه تماماً من ترديد عبارات يندى لها الجبين أخجل من ذكر بعضها..

وإنني أتوجه برجاء حارإلى جميع السوريات والسوريين سواء أكانوا موالين أم معارضين أم مستقلين أن يترفعوا عن استخدام تلك العبارات المسيئة لهم بالدرجة الأولى قبل أن تسيء لغيرهم.. إذ أن استمرار ترديد تلك العبارات والشعارات المسيئة لاسيما من قبل بعض داعمي "الثورة السورية" سيجعل قسماً من السوريين متردداً في دعم هذا الحراك الشعبي الذي تشهده سورية، مما سيؤثر سلباً في النهاية على مستقبل قضية التغيير في سورية وسيجعلها أكثر صعوبة وكلفة..

وإن حركة الاحتجاجات التي تشهدها سورية منذ أكثر من ستة أشهر لا يمكن لها أن تنتصر بشعارات الثأر والانتقام كإعدام فلان وقتل ذاك، ولا يمكن لها أن تنتصر أيضاً من خلال ترديد عبارات جارحة غير لائقة تنال من شخص رئيس الدولة وأي شخص أخر مهما كان مركزه صغر أو كبر..كما لا يمكن لها أن تنتصر بدعوات البعض إلى حمل السلاح أو من خلال استحضار التدخل الدولي تحت مسميات مختلفة.

وحتى يُقدر لهذا الحراك الشعبي أن ينتصر- ويجب أن ينتصر- ويستطيع نقل سورية من دولة شمولية إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية لابد له من الابتعاد عن إرسال رسائل الوعيد والتهديد تارة بإعدام فلان وقتل علان، وتارة بتوجيه الاهانات والتجريح والسباب والشتائم، وإرسال بديل عنها رسائل الاطمئنان لا التخويف لجميع السوريين معارضين وموالين ومستقلين وصامتين والتأكيد فيها على أن مستقبلهم مضمون وإن حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم ستكون مصانة ولنا في رسالة العظيم نيلسون مانديلا إلى ثوار تونس ومصر حكمة ومثالاً يُحتذى به:(أعلم أن مما يزعجكم أن تروا الوجوه ذاتها التي كانت تنافق للنظام السابق تتحدث اليوم ممجدة الثورة، لكن الأسلم أن لا تواجهوهم بالتبكيت إذا مجدوا الثورة، بل شجعوهم على ذلك حتى تحيدوهم وثقوا أن المجتمع في النهاية لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته. إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير.

أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعا واسعا من السود كانوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق، لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية من جديد. لذلك شكلت "لجنة الحقيقة والمصالحة" التي جلس فيها المعتدي والمعتدى عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر.إنها سياسة مرة لكنها ناجحة.أرى أنكم بهذه الطريقة وأنتم أدرى في النهاية- سترسلون رسائل اطمئنان إلى المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخرى أن لا خوف على مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة، مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلى التغيير، كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات القائمة من طبيعة وحجم ما ينتظرها.تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا ركزنا كما تمنى الكثيرون- على السخرية من البيض وتبكيتهم واستثنائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني اليوم.أتمنى أن تستحضروا قولة نبيكم: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). انتهى كلام نيلسون مانديلا موحد جنوب أفريقيا وباني مجدها الحديث.

إن الدولة المدنية الديمقراطية التعددية التداولية التي ننشد إقامتها وبناءها في سورية الجديدة سورية الكرامة والعزة لا يمكن أن تُبنى بالتهديد والوعيد والتخوين والسباب والشتائم والتجريح. ولا يمكن أن تُبنى بالثأر والانتقام، بل تُبنى بتحقيق العدالة والحرية وباعتماد الحوار والتلاقي.. وبنشر المحبة والتسامح..

() محام سوري

==============

سلوك الباندا

الجمعة, 16 سبتمبر 2011

حسام عيتاني

الحياة

تسلك الأقليات الطائفية والعرقية في المشرق العربي سلوك كائنات مهددة بالانقراض. فتطالب بأقصى درجات الحماية وتعفي نفسها من أدنى واجبات الشراكة.

والأقليات، وخصوصاً المسيحية، تقول انها تريد ضمانات لبقائها في هذه المنطقة وإلا فإنها ستهاجر إلى الغرب وتترك من يبقى هنا في صحراء ثقافية وحضارية. وتذهب الرطانة المنافحة عن الأقليات الى القول إن لا معنى أصلاً لوجود المشرق لولا تنوعه الحضاري الذي يمثله حضور المسيحيين وغيرهم من الاقليات. كقاعدة عامة، من الأنسب الحفاظ على قدر من التعدد والتنوع الثقافي والعرقي في بلاد الشام والهلال الخصيب، التي تميزت على مدى قرون بمستوى مقبول من التسامح الديني.

المفارقة ان الأقليات لا تنبذ الرؤية الاقصائية للآخر والاستئثارية بالسلطة متى تمكنت من الوصول اليها. ويكاد تاريخ نظامي البعث في العراق وسورية أن يكون قصة صريحة لأمراض الأقليات متى تسنّمت الحكم. وصراعات البعث والشيوعيين في العراق في الخمسينات والستينات، هي حروب طوائف أُخفيت وراء واجهات القومية العربية والصراع الطبقي. وأحداث سورية في السبعينات والثمانينات، طُمر وجهها الطائفي تحت ركام ضرورات الصمود في وجه اسرائيل والعدوانية الاميركية.

ومن يقرأ تصريحات بعض زعماء المسيحيين اللبنانيين ويرسم خريطة المشاركة في الثورة السورية، يجد من دون صعوبة كبيرة أن الأقليات التي تطالب بالحصول على حصتها كاملة في السلطة مخافة ان تتعرض للإبادة، تخطئ بشدة في فهم وجهة سير الأمور في المنطقة. فليس بدعم نظام طائفي يقترب حثيثاً من نهايته، تضمن الأقليات حقوقها.

لا يرمي هذا الكلام إلى نفي وجود أزمة عميقة في العلاقات بين الطوائف والاقليات القومية. ولا يسعى إلى رسم صورة غير واقعية عن مجتمعات متجانسة الهوية ومنقسمة الى طبقات اجتماعية واضحة المعالم وحسب أو بين جهات عميلة للخارج وفئات تغلغل حب الوطن الى وعيها واستوطن هناك. وغني عن البيان ان الانتماء الطائفي أدى – وسيؤدي في المستقبل المنظور - دوراً مهماً في تصنيف الأفراد والجماعات وفي تموضعها من السلطة وعملية تقاسمها.

وهنا لبّ المسألة. فعلى أي أساس يتعين تقاسم السلطة؟ دعونا نعترف بأن الخوف من الديموقراطية باعتبارها ممراً مباشراً لتسلط الأكثرية على الأقلية، خوف شرعي ومبرر. وأن النموذجين اللبناني والعراقي في توزيع السلطة على الطوائف، يؤديان عملياً الى شلل الحكومات واندثار القدرة على بناء توافقات وطنية عريضة. كما أن المزاوجة بين الديموقراطية والعلمانية قبل بناء مؤسسات قضائية وأمنية وطنية قوية، وتعزيز المجتمع المدني وترسيخ الحريات كافة، تظل مغامرة غير محسوبة النتائج.

في المقابل، يؤدي أي إفراط في حماية الاقليات ومنحها ضمانات الى نوع من التمييز لمصلحتها، لا تبدو التجارب الصريحة في لبنان والمستترة في العراق وسورية، مشجعة للإقدام على تكرارها.

والمهم أن إنكار وجود مشكلة في العلاقات الطائفية يعادل في خطره الإصرار على ان المدخل لحل كل أزماتنا هو تسوية العلاقات هذه. لكن يتعين القول ان المشكلات بين الجماعات في المشرق لم تجد حلاً قابلاً للتطبيق في الأماكن والدول. المأساة ان قادة الأقليات يريدون ان يقبل الآخرون بسلوك أشبه بسلوك الباندا المهدد بالانقراض: كل ما يأتي هو به مغفور له. وكل ما يقوم به العالم الخارجي يجب ان يتوافق مع مزاج الباندا وإلا...

اقل ما يقال في هذا السلوك انه لا يتلاءم، لا مع معطيات المنطقة ولا مع أي منطقة أخرى في العالم المعاصر.

=============================

هل تنهي العقوبات الدولية أزمة سوريا؟!

تر هارلينج*/ فورين بوليسي

ترجمة/ شيماء نعمان

مفكرة الاسلام 7-9-2011

مفكرة الاسلام: بينما تتفاقم الأزمة في سوريا في ظل الممارسات القمعية التي ينتهجها نظام "بشار الأسد" للقضاء على الثورة الشعبية المندلعة في البلاد، يرى بعض المحللين السياسيين أن ورقة العقوبات هي السلاح الدولي الذي يمكن أن ينال من نظام الأسد ويعجل من انهياره إذا ما تم التعاطي معها وفق شروط محددة.

واعتبر "بيتر هارلينج" - مدير مشروع (العراق- سوريا – لبنان) ب "مجموعة الأزمات الدولية" - أن هناك خطوات ينبغي على المجتمع الدولي اتخاذها بحذر من أجل إعطاء "تطمينات" للسوريين وتهديدات لنظام الأسد. وكتب هارلينج تحت عنوان "كيف لا نطيل أمد معاناة السوريين؟" تحليلاً نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية جاء فيه:

من غير المحتمل أن يكون للانهيار السريع للنظام الليبي تداعيات حاسمة فيما يتعلق بالصراع في سوريا، ولكنه بالرغم من ذلك يقدم لمحة جدية عما ستكون عليه نتيجته النهائية. فلم يكن المحتجون في سوريا في حاجة لرؤية الثوار الليبيين يسيطرون على طرابلس ليعززوا ثقتهم؛ فقد أظهروا على مدى شهور تصميمًا فوق العادة في وجه عمليات العنف المتصاعدة. ولن يتراجع المحتجون عن موقفهم لكونهم يعرفون أن الأسوأ سيلوح في الأفق إذا ما أعادت الأجهزة الأمنية إحكام قبضتها من جديد بلا منازع. غير أن سقوط العقيد القذافي أمر مؤثر ولكن لسبب آخر ألا وهو: أنه يقدم دليلاً على الهشاشة الداخلية لهياكل توريث السلطة التي ابتليت بها المنطقة.

وتعتمد مثل هذه الأنظمة كما هو واضح على الخوف والانتهازية أكثر من اعتمادها على المؤسسات أو القضايا. وهي تبدأ في الانهيار في اللحظة التي يدرك فيها جيش المتعصبين الذين يشكلون صفوفهم أن المعركة خاسرة. فيظهرون أقوياء يومًا ثم يرحلون في اليوم الذي يليه. فعندما دخلت القوات الأمريكية بغداد في عام 2003، كشفوا - ما كان مذهلاً لهم أنفسهم - أن نظام صدام كان أجوفَ.

أما ديكتاتورية الرئيس التونسي "ابن علي" فقد ظهرت كقزم يقف فوق ركائز متهالكة. وكذلك في ليبيا، قاتلت القوات الموالية للقذافي الثوار ودفعت بهم إلى ما يبدو أنه حالة من الجمود اللانهائي إلى أن جرفوا بعيدًا على نحو مفاجئ.

ولا يمثل النظام السوري أي اختلاف. فاستخدامه القمعي لعصابات البلطجة، المعروفة باسم "الشبيحة"، يتحدث بصوت مسموع عن لسان حال مؤسساته حتى في القطاع الأمني. ولقد ذهبت مطالبات النظام بتجسيد المقاومة ضد ظلم الاحتلال "الإسرائيلي" والهيمنة الأمريكية أدراج الرياح بسبب أسلوب تعاطيه مع شعبه نفسه. كما وُصفت الإصلاحات بأنها فزورة تمثيلية. غير أنه وفق أي سيناريو معقول، فإن الاقتصاد السوري لن يتعافي في ظل حكم الرئيس الأسد.

إن الدعم الوحيد الذي لا زال يحتفظ به النظام مستمد كلية من خدمة المصالح الذاتية والخوف من المستقبل. ولكن ذلك سيجري مجراه حتى يصبح من الواضح أن النظام ينتمي إلى الماضي. إلا أن شيئين لا يزالان مجهولين وهما: ما الذي سيؤدي إلى هذه اللحظة من الجلاء؟ وما مدى الضرر الذي سيتسبب فيه الأسد قبل أن ينهار؟ وذلك على مستوى كلٍّ من تماسُك شعبه واستمرار الاقتصاد ومفهوم المقاومة.

كيف إذن؟ ألا نطيل من أمد المعاناة؟

 في الوقت الذي يشعر فيه المجتمع الدولي باضطراره لفعل شيء ما، فإنه ينبغي أن يظل المبدأ الأساسي هو عدم إلحاق الضرر. ومن ثم فهناك خطأين هامين ينبغي عدم الوقوع فيهما:

أولاً: أنه يتعين الانتباه إلى العقوبات الاقتصادية بعيدة المدى؛ فهي ربما تقلص من قدرة النظام على تمويل القمع وتقنع المؤسسة التجارية بأن الوقت قد حان لإنهاء هذه الكارثة باهظة الثمن. لكن تلك العقوبات، حتى وإن كانت تقتصر على صناعة النفط والغاز، فإنها قد تأتي بنتائج عكسية. وبينما تتحول سوريا بوتيرة متصاعدة إلى دولة منبوذة، وتقوم البنوك بتقليص المعاملات، فإن العديد من الشركات سوف تبتعد طوعًا بعيدًا عن سوق صغير وهو ما سيتسبب في مشكلة كبرى؛ وسيُلقي النظام باللوم في الأزمات الاقتصادية على وجود مؤامرة دولية.

وستجد الدول الغربية أنه من الصعب التصدي لمثل هذه العقوبات، وخاصة بالنظر إلى نقص وسائل الضغط البديلة. بالرغم من ذلك فإنه يمكن تقليص أية تداعيات سلبية من خلال شرح النطاق الدقيق للعقوبات بصورة علنية - ما الذي تؤثر عليه وما الذي لا تؤثر عليه - وذلك للشعب السوري وللجهات الاقتصادية الدولية الفاعلة. وبالمثل ينبغي منذ البداية إيضاح الشروط الدقيقة وكذلك آلية رفع العقوبات على نحو سريع. وأخيرًا، ينبغي أيضًا أن تقترن بخطة استباقية ذات مصداقية من أجل إنعاش الاقتصاد السوري في سياق تحول سياسي حقيقي. ولن يكون هناك ما هو أكثر عمقًا في التأثير على مجتمع المال والأعمال السوري، الذي يطمح في الاطمئنان إلى أن التغيير سيوفر فرصًا حقيقية وليس مخاطر فحسب.

أما الخطأ الثاني الذي ينبغي تجنبه هو أن يشارك الغرب مع أعضاء من جبهة المعارضة في محاولة لتقديم ما يسمى ب "البديل" وإضفاء الشرعية عليه. ويتعين التمييز بين حركة الاحتجاج - التي أثبتت أنها شعبية ومتماسكة ومنظمة ومسئولة إلى حد كبير؛ لا سيما في إظهار انضباط كبير في مواجهة استفزازات النظام - وبين المعارضة؛ التي تضم المثقفين المنشقين الذين حاربوا النظام جهرًا ولكن على نحو مرتبك وغير منظم.

إن أعضاء المعارضة في المنفى على الأخص، وهم منقسمون في كثير من الأحيان حول قضايا الشخصية والذات، قد سلطوا الضوء على صورة "البديل" وهو ما يذكر بقوة بالعراق. وقد اتخذ العديد منهم مبادرات - حيث يقومون بحملات كقادة منتظرين، والدعوة إلى مؤتمرات استضافتها دول مناصرة، وإجراء مقابلات مع مسئولين أمريكيين؛ مشيرين إلى تحول جذري في مستقبل السياسة الخارجية للبلاد - أضرت بشرعيتهم في الداخل ودفعت المتظاهرين إلى رفضهم بدلاً من الاتفاق معهم على تقاسم العمل.

وقد أدى غياب التأييد الشعبي - في بعض الحالات - إلى دفع شخصيات المعارضة إلى تعويض ذلك عن طريق الاعتماد المفرط على سمعتهم وشخصيتهم بالخارج. ويتوجب ألا يتم تشجيع هذا الاتجاه المزعج لغالبية الشعب السوري.

بل ينبغي على المجتمع الدولي - بدلاً عن ذلك - ممارسة ضغط عليهم لتقديم إجابات عن مجموعة من القضايا العملية التي تطرحها عملية الانتقال التي تلوح في الأفق. مثل كيف يمكن ضمان ألا يؤدي تداعي النظام إلى انهيار متزامن للدولة الهشة؟ وكيف يمكن التعاطي مع جيش لم يرقى إلى مهامه بصفته جيش وطني؟ وكيف يمكن الحفاظ على الأمن في ظل قوة شرطة عاجزة وفاسدة؟ وكيف يمكن ضمان سلامة الطائفة العلوية التي لا يمكن إعادة بناء سوريا على نحو صحيح بدونها؟ وما الذي سيتطلبه بدء عملية الانتعاش الاقتصادي؟

أما في الوقت الراهن، فليس هناك حاجة إلى صياغة ترتيب سابق لأوانه لتقاسم السلطة. بل ينبغي أن يكون التركيز على التفكير في كيفية التعاطي مع المراحل الأولية لعملية الانتقال، ودعم الحكم الأساسي، وإنعاش الاقتصاد. ومن خلال طرح مثل تلك التساؤلات والإجابة عليها - وهي التساؤلات التي ليس لدى حركة الاحتجاج الوقت والمساحة والطاقة والخبرة لدراستها - فإن المثقفين المعارضين ربما يتمكنون من اكتساب أهمية على الأرض؛ وكذلك بث الاطمئنان في نفس كلٍّ من المحتجين الذين يشعرون بالاستياء من مساعيهم الملحوظة من أجل تولي السلطة والمواطنين العاديين الذين يؤيدون النظام نظرًا لغياب الثقة فيما هو بديل. إن المساهمة الحاسمة للمعارضة لن تكون في استغلال تأثير حركة الاحتجاج ولكن في إتمامها.

-------------

*بيتر هالينج: مدير مشروع (العراق- سوريا – لبنان) ب "مجموعة الأزمات الدولية"

============================

الانتفاضة السورية عند المنعطف الأخطر

الخميس, 15 سبتمبر 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

هناك نذر لخطر كبير على الانتفاضة الشعبية في سورية. فالنظام على وشك أن يبدأ تنفيذ خطة قمع واسعة مهّد لها بإعلان التعبئة العامة والاستعداد لحملة تشمل خمساً أو ست محافظات باتت معاقل للحراك الشعبي. وما دعاه إلى رفع درجة الاستشراس الأمني - «الشبّيحي» أنه، أولاً، يريد الانتهاء من هذه الأزمة التي ألحقت أضراراً ملموسة بهيبته ومكانته الإقليمية، كما أنه تلقى عملياً إنذاراً روسياً بأن أمامه فرصة أخيرة ليثبت سلطته بشكل واضح ونهائي وإلا فليستعد للرحيل. ولعل النظام فهم شعار «حماية المدنيين» الذي رفعته الانتفاضة في الجمعة الأخيرة، مرفقاً بطلب مراقبين دوليين، باعتباره خطوة تمهيدية لشعار لاحق قد يتضمن دعوة صريحة إلى «التدخل الدولي».

فالشعب الذي نجح في انتفاضته بفضل إصراره على سلميتها لا يزال يرفض «عسكرتها» لكنه يجد نفسه بلا خيارات للدفاع عن النفس مع ازدياد احتمالات إقدام النظام على مجازر أكبر من التي ارتكبها حتى الآن. ثم أن الانشقاقات عن الجيش لن تعني شيئاً إذا لم تقترن بمشروع مواجهة تتطلب بلورته وقتاً لن يتيحه النظام ودعماً لا يبدو أن دول الجوار في صدد توفيره. ويعتبر «اعتقال» المقدم المنشقّ حسين هرموش إنذاراً لجميع المنشقّين، إذ أن جهازاً استخبارياً أوقعه في فخّ، أي أنه سُلّم تسليماً. وفيما أصبح الجنود الفارون أهدافاً مستجدّة ذات أولوية للقتل، لوحظ أخيراً أن الاعتقال بغية التعذيب والتصفية الجسدية بات متقصداً ومنهجياً، بالاستناد إلى التفاصيل المفزعة لما تعرّض له الناشط غياث مطر وقد عُرف عنه في داريا أنه كان يقدّم وروداً إلى الجنود في بدايات الانتفاضة.

وهكذا قد يجد الداعون في عواصم العالم إلى وقف «فوري» للعنف والقتل أنهم إزاء ظاهرة لم يتعرفوا إلى كل أبعادها. أما القائلون بإن النظام وصل إلى خط النهاية في «الحل الأمني» فربما يفاجئهم إمعانه في التجذّر في «ما بعد بعد» العنف الذي بدر منه حتى الآن. وما اضطر الانتفاضة إلى صرخة «حماية المدنيين» إدراكها أن البطش الآتي قد يكون بالغ الكلفة وفوق الاحتمال. فرغم أن التظاهرات لا تزال تخرج وتتحدّى النظام، إلا أن الصعوبات زادت وهي مرشحة لأن تزداد أكثر فأكثر. ولعل ما يضغط حالياً على معنويات الانتفاضة أن الذين يتعرضون لخطر الموت في الداخل يشعرون بأن النظام لم يعد يلوّح بأي استعداد للتخلي عن العنف بل صار يستخدم تمترسه فيه لحمل من يحاولون التوسط معه على تبني حلوله «السياسية». وثمة اعتقاد بأنه استطاع، مرتكزاً إلى الدعم الروسي المطلق، إعادة إقناع بعض داعميه الإقليميين والدوليين بأن الحل يكون تحت مظلته أو لا يكون أبداً، وأن عليهم أن يختاروا نهائياً بينه وبين «نظام ديني» يمكن أن يخلفه. أما دليله إلى ذلك فليس فقط رواياته عن «العصابات المسلحة» ولا تحذيره الوسطاء من «الانسياق وراء حملات التضليل الإعلامي والتحريض على سورية»، وإنما خصوص الاضطراب والبلبلة اللذين يسمان السعي إلى توحيد معارضتي الداخل والخارج وكثرة الأيدي والأطراف المتدخلة من دون نتائج جادة. ويعرف النظام الشيء الكثير عن هذه العملية لأنه أول وأكبر المتدخلين فيها سواء بشكل مباشر عبر عدد من «وجوه» المعارضة أو غير مباشر عبر وجوه غير معروفة، فضلاً عن أنه اختبر خلال الأزمة قابلية بعض الفئات للدخول في مساومات خصوصاً في حقبة الإطلالة التركية على الأزمة.

في النهاية قد يكون الأمين العام للجامعة العربية وصل متأخراً إلى دمشق، لا لأن الزيارة عوّقت أولاً ثم قبلت ثم أرجئت إلى أن حصلت، بل لأن ظروف الحدّ الأدنى الموضوعية لحل يلاقي بنود «المبادرة العربية» قد تبددت. ف «الوقف الفوري لكل أعمال العنف ضد المدنيين» و»تعويض المتضررين» و»إطلاق جميع المعتقلين السياسيين» تجاوزها النظام جميعاً، فهو الآن يعتبر نفسه في حرب ضد «التدخل الخارجي» ولن يقدم على أي تغيير في منهجه إلا بعد تأكيد قدرته على إسكات الشارع أو خفض صوته وشلّ حركته إلى مستوى غير معبّر. لذلك فإن البحث معه في «فصل الجيش عن الحياة السياسية والمدنية»، كما تنص المبادرة، بدا ضرباً من اللامعقول. أما إلزامه بإعلانات محددة وجدول زمني ومواصفات معينة للحكومة الائتلافية فلا يرى ما يوجبه طالما أنه يبادر زائريه بعرض مفصّل عن «الإصلاحات» التي تقول إن الأحداث تجاوزتها بينما يقول النظام أنه يوشك على إنجازها.

في ضوء التطورات والحال النفسية المهتاجة للنظام وجد نبيل العربي أنه ملزم بطمأنة الرئيس بشار الأسد إلى أن «التدخل الخارجي» في سورية ليس على جدول الأعمال العربي. أما قوله إنه «اتفق» مع الأسد على «سلسلة إجراءات» فيذكّر بخيبة الأمل التي أعقبت «اتفاقات» ظن وزير الخارجية التركي أنه توصل إليها، ثم أنه قد يحمّل العربي والجامعة قريباً مسؤولية «شرعنة» العنف الآتي. إذ لا يعقل أن تكون هناك «إجراءات» فعلاً وأن يكون الرئيس السوري انتظر الأمين العام للجامعة ليتفق معه في شأنها. ذاك أن جميع الذين حاولوا التوسط مع النظام لم يتمكنوا من إقناعه بوقف القتل. وفي البداية كان الوسطاء يسمعون كلاماً هادئاً عن «الإصلاح» مرفقاً بتصميم عالي النبرة على ضرب «العصابات» وبالأخص السلفيين. وفي الأسابيع الأخيرة بات التصميم على العنف هو المتصدّر طالما أن «المؤامرة» تريد إطاحة النظام ولم تعد تسأل عن الإصلاح. وهذا على الأرجح ما سمعه الأمين العام للجامعة.

واقع الأمر أن النظام عقد رهانه على روسيا، فهي الوحيدة المؤيدة للنهج الأمني بصرف النظر عن الكلفة البشرية، لكن بشرط أن «ينجز» على نحو حاسم ونهائي. ولذلك فإن موسكو ستتكفل بتأمين هذه الفرصة الأخيرة له عبر رزمة حلول «سياسية» ستعمل على ترويجها شراءً للوقت ولهدنة دولية غير معلنة. ورغم أن «المبادرة العربية» لم تصغ بذهنية «إسقاط النظام»، إذ لحظت انتخابات رئاسية بعد انتهاء ولاية الأسد سنة 2014، إلا أن تنفيذها يفضي بالضرورة إلى نظام آخر حتى قبل تلك الانتخابات. ومع ذلك يصعب الاعتقاد بأن الأسد يمكن أن يتعامل مع هذه المبادرة ما دامت موسكو تضمن له صفقة أفضل. لكن النظام يعرف، بمعزل عن الجامعة العربية أو روسيا أو سواهما، أن مشكلته لم تكن مع الخارج لذلك تبقى أولويته تصفية الحساب مع الانتفاضة دموياً، فهو يعتقد أن هذه وحدها يمكن أن تؤمن له مقداراً مريحاً من البقاء والاستمرارية، بل يرى حالياً أن هناك ظروفاً تجعلها ممكنة.

=================

الشعب السوري جوهر المعادلة

د. شفيق الغبرا - كاتب كويتي

ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»

تاريخ النشر: الخميس 15 سبتمبر 2011

الاتحاد

لا تسير الثورة في سوريا وفق جدول زمني محدد أو طريق أحادي الأبعاد، فهي تخضع لمعادلات أصبحت واضحة المعالم. فالنظام السوري يعيش حالة إرهاق متنامية يعوض عنها برفع حدة القمع، والشعب السوري، الذي كان حتى الأمس القريب خارج المعادلة السياسية، نجده وقد أصبح اللاعب الأول والأهم في الواقع السوري.

ومن جانب آخر لن يستطيع العالم الأوسع التخلي عن الشعب السوري طالما أنه مستمر في ثورته. هذه العناصر ستساهم في التداخل الدولي والعربي والتركي في الوضع السوري. إن اكتشاف السوريين المفاجئ للسياسة واكتشافهم لذاتهم وشخصيتهم قد غيّرهم وأكسبهم مع كل جولة مناعة ومكانة. مع كل يوم تزداد قوة السوريين بينما يتآكل النظام السياسي. الولادات السياسية والثورية على الأخص تأتي بمقاييس مختلفة، بعضها عسير كالولادة الليبية، وبعضها متشابك ومتعرج وكثير الأبعاد كالولادة السورية.

ولينجح الشعب السوري في نيل استقلاله الذاتي وترجمة صحوته إلى حقيقة سياسية جديدة لا بد من استمراره في مواجهة الأجهزة الأمنية العسكرية التي حرست الفئة الحاكمة على مدى عقود. في سوريا حرب استنزاف مرهقة للنظام، فاستنزاف الجيش مقلق للجيش ومسيء لمعنوياته وكرامته، فعوضاً عن أن يكون في الجولان يحرر أرضاً محتلة، يقتل شعبه من المدنيين السلميين المطالبين بالحد الأدنى من الحقوق السياسية والحريات. ليس سهلاً على جيش وطني أن يجد نفسه في حالة ملاحقة لمتظاهرين من بلدة إلى أخرى.

من جهة أخرى فشلت الإصلاحات التي وعد بها النظام لأنه لن يقوى على تنفيذها، فلا القوى الأمنية التي يعتمد عليها تقبل بها، ولا الرئيس بشار قادر على تحقيقها. وهذا ينطبق على مبادرة جامعة الدول العربية المطروحة الآن. فالنظام، حتى اللحظة، يأمل بالعودة إلى ما كانت عليه الحال وكأن شيئاً لم يكن، وهذا غير ممكن، لأن اللحظة الراهنة لحظة تغير تاريخية من عهد إلى آخر ومن ديكتاتورية إلى ديمقراطية. وأفضل فرصة للنظام في سوريا أن يحقق اتفاقاً جاداً مع المعارضة يتضمن طريقة خروجه من السلطة في ظل وقف عمليات القمع ضد المتظاهرين وإطلاق سراح كل السجناء وإيقاف جميع أعمال الأجهزة الأمنية ضد الشعب.

لهذا بالتحديد وفي ظل تمسك السلطة بالبقاء في الحكم، على رغم فقدانها الشرعية السياسية الشعبية، سيزداد الوضع في سوريا اشتعالاً بينما سيسعى الجيش لتصفية من ينشق عنه، ما سيساهم في قتال بين الجيش وبين المنشقين الذين سينتشرون في الجبال والأرياف والمناطق المختلفة. سوريا الآن مهيأة لحرب عصابات يخوضها قطاع من الجيش ضد آلة القمع العسكرية.

في الأسابيع المقبلة سيتطور في سوريا مساران متوازيان: الأول سلمي شعبي يمثّل إرادة الغالبية المستمرة في التعبير عن نفسها والتي تمثل أساس قوة الثورة وزخمها، أما الثاني فيمثل المنشقين من أبناء الجيش ممن يرفضون إطلاق النار على الناس.

وهناك فئة من الشعب السوري، ومن كل فئاته، ليست صغيرة، تتعاطف مع حركة الاحتجاج، لكنها لن تنضم إليها إلا عندما تكتشف أن النظام الراهن لن ينجح على الإطلاق في إعادة ترتيب الوضع في سوريا. عندما تكتشف هذه الفئات أن النظام يتفكك من الداخل وساقط في المنظومة الدولية والإقليمية، وعندما تكتشف أن مصالحها التجارية لن تعود إليها إلا من خلال نظام جديد، سنجدها تحسم الموقف. ستنزل فئات شعبية كبيرة في لحظات تاريخية حاسمة لتحقيق التغير التاريخي الأكبر في تاريخ سوريا.

استمرار الثورة سيفرض نفسه على الأجندة الدولية والإقليمية. سيكون هناك مزيد من المواقف الدولية التي تتناغم لمصلحة تدخل دولي. سيجد الأتراك أنهم مضطرون لتدخل أكبر، وسيجد مجلس الأمن كما الدول العربية أنه مضطر لقرارات أكثر قوة وحزماً. فقد رأينا أنماط التدخل الإنساني لحماية المدنيين في البوسنة ثم في كوسوفو وفي ليبيا وفي دول أخرى، في هذا لن تكون سوريا استثناء، وسيكون هذا رهناً بالخسائر المدنية ومدى تعاون أو عدم تعاون النظام السوري مع المنظومة الدولية. سنجد وضعاً دولياً وعربياً وإقليمياً أكثر تداخلاً في سوريا، بحيث تصبح موضوعة "الحماية الدولية للشعب السوري" شعاراً تقبل به دول كثيرة.

وتشكيل المجلس الوطني السوري برئاسة برهان غليون المفكر العربي السوري يمثل خطوة بالاتجاه الصحيح، كما أن تشكيل مجلس أعلى للثورة السورية في الداخل هو الآخر يساهم في تجميع قوى الثورة السورية ونقلها للمرحلة الثانية. الثورة السورية الآن في مرحلة صمود، وهي في مرحلة إعادة استجماع قواها للدخول في دورة جديدة من الاستنزاف للنظام السوري والأجهزة الأمنية والقوات العسكرية التي ترفض التغير السياسي السلمي. الثورة في سوريا تسبب للنظام السوري كماً كبيراً من الخسائر السياسية والمعنوية والإقليمية والدولية.

ومن الطبيعي، بعد سيل الشهداء والقتلى، أن تستمر الثورة السلمية لتحقيق هدفها المركزي في تغيير النظام وتحويل سوريا إلى دولة حريات ونظام يقوم على التداول السلمي على السلطة.

في سوريا يحتدم التصادم الأكبر بين القوة العسكرية التي تغتصب السلطة السياسية وبين قوة الناس المحصنة بالحقوق والعدالة وسلمية الانتفاضة. في المواجهة بين العسكرية المجردة والإنسانية الحقوقية تتفوق القيم وينتصر الناس للحقوق. لهذا السبب عمت المعمورة في معظم الحالات في العقود الأخيرة القيم الديمقراطية ولم تعم فيها قيم الديكتاتورية. في التاريخ الإنساني لم ينجح نظام يرفضه شعبه في البقاء على سدة الحكم.

=================

كلّ العرب أعداء لسورية !!

يوسف الكويليت

الرياض السعودية

التاريخ: 15 سبتمبر 2011

سورية لن تسمع قيادتها أي صوت عاقل، إلا من يوقع على مذكرة، وموقف ثابت يؤيدانها، وأمين عام الجامعة العربية الذي زار دمشق وبشّر بوقف للعنف، وقع في خدعة مكشوفة للشعب السوري وغيره، ثم دعوة المجلس الوزاري العربي بما تضمنه المشروع العربي لنزع فتيل الأزمة بين الشعب والحكومة، فكان الرد، تقديم مشروع سوري ينادي بإصلاحات داخل جامعة الدول العربية ويصف بيان الجامعة بالعدائي..

المنطق أن الإجماع العربي لم يأت إلا من خلال الوقائع المشاهَدة، وعملية أن تنقل المعركة لداخل جامعة الدول العربية للمناداة بالإصلاحات والشعب السوري غارق في الدم والبؤس، فذلك أمر يدعو للضحك.

فهذه الدول لم تكن على عداء مع سورية، ولا تستطيع السلطة أن تنشر بالوثائق أنها جزء من الأزمة، لكن الوضع المتفجر، قاد لأنْ تكون كل الدول الأعضاء في موقف العداء..

المبرر غير منطقي، ولاموضوعي إذا كانت الإدانات تأتي من داخل سورية، وعملية أن يتم إصلاحٌ من الداخل فشيء مستحيل لأن السلطة تريد إدارة الحكم وفق مواصفاتها دون غيرها.

والدليل أن من تحاورت معهم من المعارضة وطالبوا بإصلاحات لا تخضع فقط لرغبة الدولة، غيّب أو قتل كل معارض، ما ينفي نية الحوار وتجاوز الأزمة من الداخل..

الجامعة العربية نعرف سلفاً، أنها لن تغير من طبيعة الأشياء، إذا كانت دمشق تقف في وجه معظم دول العالم، إلا نسبة ضئيلة تربطها بها مصالح تخشى أن تتضرر أو تنشأ عنها أزمة ما بعد الحكم القائم.

وعملياً سواء رفضت أو دعمت الموقف العربي، فلا أحد يستطيع أن يتهم شعباً ثائراً بأنه يقوم بدور خارجي لمؤامرة دولية، وهي حجة سبق أن ادعاها زعماء الدول الذين خرجوا من كراسيهم، وحتى لو قبلنا هذا الافتراض، هل يمكن أن يُجمع شعب على عقوق مواطنته، ويقبل بالموت على الحياة؟!

ولو كانت السلطة على وفاق مع شعبها لما حدثت المظاهرات، وصارت عنواناً لمحطات الفضاء ووسائل الاتصال الأخرى، وعملياً فالقضية داخلية بحتة، ومَن يقرر المستقبل ليس المدفع والرشاش والدبابة، بل من يريدون انتزاع حرياتهم وحقوقهم، وحتى لو ناصر العالم كله حكومة دمشق، فإن الشعب وحده هو من يؤكد دوره وفعله..

الانتحار المتبادل لن يعطي نتائج لغسل الدم، ومن يفهم التاريخ يتعظ به، لكن حكومة دمشق التي رأت مشهد الثورات العربية، اعتقدت أنها في مأمن، وقد نسيت أن تلك الأنظمة أحاطت نفسها بنفس القوة والعيون المراقبة، لكنها أدركت أن الوطن لا يرتهن بنظام أو شخص، ومع افتراض أن الزمن سيلعب دور المرجّح، وهي ليست استنتاجات تبنى على الفرضيات، بل الحقائق، فإن الطريق للحرية مفروش بالضحايا..

فالخراب واهتراء السلطة لم يمنعا انهيار الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى، ولم يحميا نظام الشاه الذي اعتُبرت استخباراته الموجهة ضد الشعب أقوى جهاز في المنطقة كلها، ومع أن العالم يستنكر ولا يتدخل إلا بضغوط سياسية واقتصادية، فالآراء تتفق أن الشعب سيحسم المعركة حتى لو تناثرت الجثث، لأن المعيار الذي تقاس به إرادة الشعوب أنها لا تهزم ولا تقهر، والشعب السوري على نفس المنوال في الثقة بموقفه وإرادته..

=================

مخاطر كثيرة في مواقف البطريرك

عبد الوهاب بدرخان

السفير

15-9-2011

لم يكن هناك داعٍ لانتظار ايضاحات من البطريرك بشارة الراعي، لأنها ستكون بالتأكيد مزيدا من الشيء نفسه. مثلما ان التهجم عليه وعلى مواقفه سيزيده تجذرا في خياره الذي بات الآن معلنا. فنكون بجنرال واحد ونصبح مع جنرالين، هناك واقع بكركوي جديد، ولا بد من التعامل معه.

سيقول البعض كنا بانقلاب واصبحنا بانقلابين. لا عزاء للأقلية، وهنيئا للاكثرية هذا الاختراق المفاجئ. هذا بلد بارع في التسخيف الى اقصى حد، اذ لم تعد افراح 8 لتستقيم الا على احزان 14، والعكس صحيح.

هل ان مخاوف البطريرك صحيحة؟ نعم. هل ان مسيحيي الشرق يمرون بمحنة؟ نعم. هل ان مواقف البطريرك "فاتيكانية" في اثارتها ل"قضية" المسيحيين؟ نعم. في صياغتها وتعاملها مع الازمة السورية والوضع اللبناني تُرك الامر لتقديره. اما دغدغتها للنظام السوري وتبنيها لدعاوى "حزب الله" فيصعب الحكم عليها، لكنها تتماشى عمليا مع نهج التعامل مع الامر الواقع الذي اضطر المسيحيون لاتباعه في عراق البعث كما في سوريا البعث، فضلا عن لبنان تحت الوصاية. لكن، هل ان الاستنتاجات التي جهر بها البطريرك تتناسب مع تحليله للمخاوف؟ هذه مسألة اخرى ستترتب عليها مسؤوليات تاريخية امام عموم الشعبين اللبناني والسوري.

البطريرك على حق في التوجس من صعود الاصولية الاسلامية، وعلى حق في اعتبار ان ليس للمسيحيين ما يتوقعونه ايجابيا من حكم يسيطر عليه "الاخوان المسلمون" او السلفيون، وعلى حق في الاتعاظ بالمعاناة القاسية لمسيحيي العراق، وعلى حق في نقد انحياز الدول الغربية لاسرائيل. لكنه نسي – وهذا خطأ – ان غالبية المسيحيين تعاني ايضا من هوس الاسلاميين المؤدلجين وتتساوى بهواجسها مع المسيحيين وقد تفوقهم احيانا. بل نسي خصوصا ان مستقبل الشعوب يجب ان يكون مفتوحا على انظمة تحترم العيش المشترك والحكم بالقانون لا على مداراة الخوف تحت مظلة انظمة مستبدة ودموية. ولعله نسي اكثر ان اللبنانيين شرعوا عام 2005 تجربة وطنية واعدة استحقت التقدير والتفهم من بكركي سابقا، لكن "تحالف الاقليات" تحت رحمة البعث في سوريا وتحت رحمة "حزب الله" في لبنان اجهض تلك التجربة، وكما لم يصنع واقعا طبيعيا في سوريا فإنه لن يصنع واقعا سويا في لبنان، لا للمسيحيين ولا للمسلمين.

مخاطر كثيرة تنطوي عليها مواقف البطريرك. اقلها شأنا هو الترادح الداخلي. لكن اهمها التغاضي عن نشوء دويلات على حساب الدولة، وعن السلاح غير الشرعي، فضلا عن التهرب من استحقاق العدالة بذريعة "التسييس". وهناك ايضا الاختصام المجاني للسنة، بل الاختصام المتهور للشعب السوري. اما اسوأ المخاطر فيكمن في المجازفة بالظهور كمدافع عن النظام السوري فيما هو يقتل شعبه، كما لو ان البطريرك يختزل فيقول: الديكتاتور يحمي المسيحيين، اذاً فاعطوه فرصة ليبقى.

=================

حكومة لبنان والقتل في سوريا

علي حماده

النهار

15-9-2011

لا نعرف من الذي اعطى وزير الخارجية اللبناني تعليمات ليتحفظ لبنان عن بيان وزراء خارجية الدول العربية. فهل رئيس الجمهورية موافق على قتل الآلاف من السوريين العزل، ام ان رئيس الحكومة يؤيد "اصلاحات بشار الدموية" التي اودت حتى الآن باكثر من ثلاثة آلاف شهيد، ام انه بكل بساطة صار لبنان الرسمي شعبة من شعب "حزب الله"، يأتمر بها وزير الخارجية بمرجعيته المذهبية ليحمل لبنان موقفا مناصرا لقتلة الاطفال والنساء في سوريا؟

هذه اسئلة مشروعة في مرحلة حرجة يعيشها لبنان. فالموقف اللبناني الرسمي المذعن للقتلة في سوريا ولقتلة شهداء ثورة الارز في لبنان هو العار بنفسه. ففي الوقت الذي يجلس لبنان على طاولة مجلس الامن ويترأس المجلس، يؤدي هذا الموقف اللبناني الحكومي دورا غير معقول ستكون له آثار وخيمة على مستقبل العلاقات اللبنانية – السورية في مرحلة ما بعد النظام. فالنظام ساقط لا محال، والمسألة مسألة وقت قبل ان تدخل سوريا عصر الحرية والكرامة. ولبنان بحكومته الواقعة تحت سيطرة "حزب الله" سائر عكس منطق التاريخ، وعكس مسار الامور في سوريا. فلا ايران ولا "حزب الله" بمقدورهما أن ينقذا النظام بعدما ذهب بعيدا في لعبة الدم، وبات معه كل حديث عن اصلاحات او اعادة تأهيل مجرد أوهام. والرئيس بشار الاسد صار خارج لعبة الامم، وعلى هامش الشرعية الدولية. من هنا لن يكون جزءا من مستقبل سوريا. وهنا نسأل الرئيس ميشال سليمان والرئيس نجيب ميقاتي هل يدركان حقا هذا الواقع؟

ألن يأتي وقت نكتشف فيه ان الرئيس ميشال سليمان صار رجلا شجاعا؟ او ان الرئيس نجيب ميقاتي صار أكثر صدقية؟ نسأل لأن الظرف الراهن في المنطقة يتطلب الكثير من الحكمة ربما، لكنه بالتأكيد يحتاج الى الكثير من الشجاعة الادبية والسياسية، وكذلك الى الكثير من الصدقية في التعامل. فهل لنا ان نحلم؟

ان لبنان لا يمكنه ان يناصر القتلة في سوريا. والواجب، بل المسؤولية الأخلاقية والادبية تتطلب منا على المستوى الرسمي ان نلتحق بمزاج الشعب اللبناني المناصر لثورة الحرية والكرامة، لا ان نكون تابعين لمستتبعين للشمولية الاقليمية.

لقد كان النائب وليد جنبلاط محقا بقوله قبل اكثر من سنة ونصف سنة ان لا مصلحة للبنان في ان يدخل مجلس الامن لأنه سيكون محرجا بالكثير من الملفات التي لن يقدر على التصدي لها بحرية ومسؤولية. وكم كنا مخطئين عندما اصررنا على دخول مجلس الامن ايمانا منا بان لبنان الاستقلال لا يجوز له ان يتهرب من موقعه الدولي، بل عليه ان يمارس استقلاله بكل جرأة في المحافل الدولية. واليوم نرى المواقف المعيبة في الجامعة العربية، وقبلا في مجلس الامن. ونتخوف من الاداء هذا الشهر خلال فترة رئاسة لبنان لمجلس الامن. آن الأوان لكي يقف رئيس الجمهورية وقفة شجاعة ليقول ل"حزب الله" وللنظام في سوريا حقيقة ما يفكر فيه. فنحن أكثر العارفين ان ميشال سليمان يعاني من تسلط الحزب والنظام على الحكم، والمؤسف أنه مستسلم.

=================

الحوار الذي تنشده السلطة

منذر خدام

الشرق الاوسط

15-9-2011

جاء – بالحرف - في نص إعلان دعوة «القيادة السياسية» إلى الحوار الوطني «الشامل» أنه «تمهيدا لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وضمانا للحفاظ على وتيرة وتسارع الإصلاحات وفق برنامج الإصلاح الوطني الشامل الذي يقوده السيد الرئيس بشار الأسد، وبهدف تحقيق أوسع مشاركة جماهيرية حول الرؤية المستقبلية لبناء سوريا في مختلف المجالات، تنطلق الاثنين القادم، الخامس من أيلول، جلسات الحوار الوطني على مستوى المحافظات، وتستمر حتى العشرين منه، على أن تحدد اللجان التحضيرية في المحافظات التاريخ الذي تراه مناسبا لانعقاد الجلسات وصولا إلى المؤتمر الوطني المركزي»، وهذا الإعلان نشرته جميع الصحف السورية ووسائل الإعلام السورية الأخرى على مدى أيام قبل الخامس من سبتمبر (أيلول). ولم تكتف «القيادة السياسية» بتجاهل القوى المعارضة الوطنية الديمقراطية، والحراك الشعبي وعدم مشاركتها سواء في توجيه الدعوة، أو في بقية الإجراءات التنظيمية الأخرى، بل وحددت الموضوعات التي ينبغي أن يركز عليها الحوار في موضوعات ثلاثة هي: «محور الحياة السياسية والإصلاح السياسي المنشود، والمحور الاقتصادي الاجتماعي، ومحور احتياجات المحافظات». ولم يغفل الإعلان بطبيعة الحال الحديث عن تشكيل لجان تحضيرية لتنظيم وقيادة الحوار مع أنه أبقاها مجهولة القوام والأشخاص، وحدد لها آجالا زمنية تنتهي بحدود العشرين من شهر سبتمبر، على أن ترفع ما يتم التوصل إليه من مقترحات إلى جهة، بقيت مجهولة أيضا، يرجح أن تكون هي عينها القيادة السياسية التي صدر عنها إعلان الدعوة بداية. وقد حدد الإعلان الهوية السياسية لمن سوف يدعون للمشاركة في الحوار بأنهم من «أحزاب، ومستقلين، ومعارضين».

هكذا إذن وبعد أن شارفت انتفاضة الشعب السوري على توديع شهرها السادس، وبعد كل الدماء التي سالت في شوارع سوريا من جراء قمع النظام للشعب المطالب بحقوقه، وبعد سقوط آلاف الشهداء من المدنيين والعسكريين، واعتقال عشرات الآلاف من السوريين رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا، تدعو «القيادة السياسية» للحوار «الشامل» لتحقيق الإصلاح الذي تصفه ب«الشامل» أيضا. لن أقول إن دعوتها جاءت متأخرة، في تكرار فج صار ممقوتا لخطاب يرد على كل خطوة تخطوها السلطة، ببساطة لأنها تدرك ذلك، وهذا ما يردده كثير من السلطويين في مجالسهم الخاصة، وتوضحه طريقة دعوة المشاركين في الحوار وانتقائهم.. ما أود التعليق عليه هو الآتي:

بداية؛ يتضح أن «القيادة السياسية» التي صدرت عنها الدعوة، قد تخلت عن هيئة الحوار التي شكلتها في السابق لقيادة وإدارة الحوار ونظمت لقاء «تشاوريا» عقد في دمشق في شهر يوليو (تموز) الفائت غابت عنه المعارضة بكل أطيافها. ورغم تحفظاتنا على الإعلان الذي صدر عنه فقد تجاهلته السلطة تماما، بل حملت بعض أطراف لجنة الحوار التي شكلتها المسؤولية عن الخطاب الذي صدر عن بعض المشاركين فيه والمطالب بضرورة «تفكيك النظام الاستبدادي»، أو بسحب الخيار الأمني واللجوء إلى الحلول السياسية.

وثانيا؛ تجاهلت الدعوة وجود أزمة عميقة وشاملة تعاني منها البلاد، في تأكيد واضح على خطاب السلطة المعروف والقائل بأن سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية شرسة، لذلك لم يكن مفاجئا أن تقترح «القيادة السياسية» صاحبة الدعوة ضرورة مناقشة كيفية «مواجهة المؤامرة الخارجية» كموضوع رئيسي من مواضيع الحوار الذي تنشده السلطة.

والمثير للضحك الساخر ثالثا؛ هو طريقة دعوة الأشخاص الذين وقع عليهم الاختيار للمشاركة في الحوار، فأغلبهم مسجلون في حزب البعث، مع ذلك لم تفرض عليهم الهوية التي سوف يشاركون من خلالها في الحوار، في تطبيق عملي لاحترام الرأي (أليس كذلك!!) فكانوا يسألون هل نسجلكم موالين أم مستقلين أم معارضين. واللافت أن أغلب من تم دعوتهم من الشخصيات الوطنية، قد رفضوا هذه الدعوة المتأخرة جدا، حسب رأيهم، من حيث المبدأ، وحتى بعض الحزبيين أو الموالين لم يرفضوا الدعوة من حيث المبدأ لكنهم أعلنوا صراحة أنهم لن يشاركوا في جلسات الحوار، ومن سوف يشارك بالحضور (لتجنب بعض الحرج) لن يشارك بالحوار، وسوف ينسحب في الوقت الذي يراه مناسبا.

ورابعا، وهذا اعتراف مني بأهمية ما جاء بورقة الدعوة، رغم تحفظي على بعض أفكارها، كان يمكن لهذه المبادرة للحوار الصادرة عن «القيادة السياسية»، أن تفتح أبواب التاريخ الإيجابي لها ولغيرها لو صدرت عنها في بداية الحراك الشعبي في شهر مارس (آذار)، حيث كنت مع كثيرين من المواطنين السوريين قد طالبنا بذلك في بيان شهير صدر بتاريخ 22/3/2011.

ما أود التأكيد عليه - وقد يكون ذلك مستهدفا من قبل السلطة، بتحميل المعارضة مسؤولية عدم المشاركة في الحوار، نظرا لأنها تدرك جيدا أن المعارضة بكل أطيافها لن تشارك في هكذا حوار - هو أنها، أي المعارضة، لم ترفض الحوار من حيث المبدأ، لكنها كانت تصر ولا تزال على أن المشاركة في أي حوار مع السلطة لا يستهدف تفكيك النظام الاستبدادي، بما يؤسس للانطلاق بعملية بناء النظام الديمقراطي البديل لن يكون مجديا. وحتى في هذه الحالة لا بد من خلق ما تسميه المعارضة بالبيئة المناسبة للحوار تقوم على أساس اعتراف السلطة بضرورة الانتقال إلى النظام الديمقراطي، وأن تتحمل المسؤولية عما تسببت فيه من معاناة للشعب السوري، خصوصا لجهة استخدام العنف ضد المتظاهرين، وهذا يكون من خلال تشكيل لجنة تحقيق ذات مصداقية للتحقيق في كل جرائم القتل والاعتداء على المدنيين والعسكريين ومحاسبة المتسببين والمسؤولين عنها، والتخلي عن الخيار الأمني نهائيا، بما يعنيه من سحب جميع القوات الأمنية والعسكرية من الشارع والسماح للناس بالتظاهر السلمي، وإطلاق سراح جميع الموقوفين السياسيين على خلفية الأحداث الأخيرة وما قبلها.

بعد القيام بهذه الخطوات وتنفيذ الإجراءات المطلوبة من السلطة، أعتقد أن المعارضة سوف تكون جاهزة لقول ما لديها مباشرة للسلطة، بعد أن قالته لها بصورة غير مباشرة مرارا (عبر وسائل الإعلام). الوقت ليس وقت عقد مؤتمرات حوار وما شابه، بل وقت اتخاذ إجراءات وتنفيذ مطالب.

=================

سوريا: عقدة الموارنة وخطيئة الراعي!

حسين شبكشي

الشرق الاوسط

15-9-2011

العلاقة بين الموارنة في لبنان وسوريا أقل ما يقال في وصفها إنها علاقة قلقة ومضطربة، وليس ذلك الأمر بوليد اليوم، ولكنه ممتد منذ تاريخ بعيد. مارمارون، القديس المسيحي نفسه الذي ينتمي إليه أتباع الطائفة المارونية، يعود إلى سوريا من الناحية الجغرافية من منطقة تقع بين حلب وحماه وليس من جبل لبنان، وهناك «جدل» كنسي لا يتم الحديث عنه كثيرا، لما قد يسببه الأمر من فتنة في مرجعية مارمارون نفسه، فالروم الأرثوذكس، أتباع الكنيسة الشرقية العريقة، يعتبرون مارمارون أحد «قديسيهم» ويحتفلون به وغيره من القديسين سنويا في مناسبة معروفة باسم عيد القديسين.

ولكن تاريخيا، اعتاد الموارنة على ترويج أنفسهم على أنهم حماة المسيحية في الشرق، ورواد الحرية والحقوق فيه، مع التشديد على أن كل ذلك يجب أن يكون داخل إطار لبنان حر وسيد ومستقل هم سادته، هكذا كانت قواعد اللعبة غير المكتوبة دوما، ولكن قواعد اللعبة دوما ما كانت تجد لها من يخرقها ويوجد الاستثناء المحير، فوقف الموارنة التابعون للكنسية والساسة التابعون للطائفة في حيرة من أمرهم في كيفية تعاملهم مع «المسيحي» أنطون سعادة، مؤسس الحزب القومي السوري الاجتماعي، الذي كان ينادي بوحدة عرقية قومية بين دول الهلال الخصيب مشكلا سوريا الكبرى، وهو ما اعتبره الموارنة صدمة، لأنها أتت من لبناني ومسيحي في آن، يطالب فيها بفكرة ارتآها عودة للوراء بدلا من الحفاظ على فكرتهم «التقدمية»، وتم التعامل مع الفكرة سريعا وبشكل حاسم، وتم الخلاص من الرجل بإعدامه في أسرع محاكمة عرفها لبنان، وكان للكنيسة المارونية دور معروف في ذلك.

وبعدها جاءت صدمة أخرى من «مسيحي» آخر يسمى ميشيل عفلق، سوري، ينادي بفكرة علمانية بحتة لا مكان للدين فيها، وتمجد الانتماء العروبي والقومي (وهي المسألة البالغة الحساسية والتعقيد بالنسبة للموارنة تاريخيا)، وتمت محاربته بشتى الطرق سياسيا عبر الأزمنة، ساعد في ذلك أن البعث الذي أطلقه ميشيل عفلق كان ينفذ على أرض الواقع في سوريا والعراق بأسلوب قمعي وبغيض ولم يكن من الممكن قبوله بمنطق وحكمة. ولكن الكنيسة المارونية كان لديها في بعض الأحيان الحنكة السياسية لقراءة المواقف بقوة، كما حدث مع البطريرك المعوشي في عام 1958 ووقوفها ضد الرئيس الماروني كميل شمعون واتهامها إياه بالجنون والتطرف ضد محيطه، مما جعل الناس يطلقون عليه اسم «محمد المعوشي»، وكذلك الأمر كان من بعده مع البطريرك صفير، الذي وقف بقوة مع اتفاق الطائف الذي وضع حدا للحرب الأهلية المسعورة في لبنان على الرغم من الاعتراض الشديد لقائد الجيش آنذاك ميشال عون واقتحام أنصاره لمقر البطريرك في بكركي وإهانته وإجباره على تقبيل صورة ميشال عون، ومن بعدها كانت المواقف المعروفة لصفير للسياسات السورية بلبنان وترؤسه للقاء قرنة شهوان المعارضة والإهانات الجارحة التي تلقاها من سليمان فرنجية وقذفه له بعبارات خارجة جدا.

وميشال عون وسليمان فرنجية وإيلي حبيقة هم نماذج للمارونية السياسية التي كان لها تواصل مريب مع النظام السوري الحالي، كما هو معلوم لدى اللبنانيين، ولذلك يأتي تصريح البطريرك الحالي للكنيسة المارونية بشارة الراعي الداعم للنظام السوري والتحذير من سقوطه، لأن ذلك سيضر بالمسيحية وسيأتي بنظام إسلامي متشدد يأتي صادما للموارنة أنفسهم. وفي هذا التوقيت ومن العجيب أن التصريح صادر من الرجل وهو في العاصمة الفرنسية باريس، وهي معقل المعارضة الدولية ضد النظام في سوريا وأول من أسقط عنه الشرعية، وقد استغربت الخارجية الفرنسية تصريح رجل الدين الماروني هذا، وعلقت بالقول إنه كان يقول لنا خلف الأبواب المغلقة عكس ما صرح به تماما، ولكني عرفت من مصادر مقربة من بكركي أن بشارة الراعي قال بذلك القول بناء على «توجيه» معين من الفاتيكان نفسه، والفاتيكان ببابويته الحالية معروف بعدائه للإسلام، ولم يخفِ ذلك في أكثر من مناسبة، وتم الإيعاز إليه بأن يصرح بذلك لإطلاق الفزاعة الإسلامية حتى لا يحصل للمسيحيين ما حدث لهم في العراق ويحدث لهم في مصر.

واقع الأمر أنه لم يحدث أبدا أن ضمنت الأنظمة القمعية حقوق الأقليات، ولكن ما تضمنها هي الديمقراطيات المبنية على الدستور والمتضمنة الحقوق والواجبات، ولكن من المعيب والمهين أن تساهم كنيسة «وطنية» ترفع شعارات المحبة والتسامح في إراقة دماء الجار وتبارك ذلك على لسان رأسها. جوناثان راندل، المؤرخ المميز لتاريخ الحرب الأهلية في لبنان ودور الموارنة وأمراء الحرب فيها كتب في كتابه الشهير «الذهاب حتى النهاية» أن الكنيسة المارونية لعبت في بعض المراحل أدوارا خطيرة كانت لها وقع أخطر من دوي الرصاص وأرتال الجيوش. وتصريح بشارة الراعي في دعم نظام قتل عشرات الآلاف عبر السنين هو ليس زلة لسان فحسب بل خطيئة تستوجب الغفران.

=================

الأقوى في سورية

الخميس, 15 سبتمبر 2011

زهير قصيباتي

الحياة

ليس فائض الكاريزما لدى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والذي قد يُقلِق بعض العرب، هاجسهم الأول الآن، فيما يلقى استقبال «الأبطال» في مصر الثائرة. يُقلِق الجميع «فائض الدم» الذي يُهدر يومياً في سورية، وغرق دمشق في عزلة «المؤامرة»، في حين لم يعد الجار التركي ممتلكاً أي أهلية لدى نظام البعث لإسداء النصح، وهدم جدران أوهام القوة.

ينتظر العرب معرفة الخيار – اللغز الذي لوّحت به أنقرة بوصفه الورقة الأخيرة لمواجهة الأزمة في سورية، ولعل كثيرين منهم لا تزعجهم رؤية أردوغان ينتزع من طهران معظم «أوراقها» الشرق الأوسطية، في هجمة «أخوة» من أجل شراكة مع العرب، سلاحها تأنيبٌ متواصل لإسرائيل، يعطل كل المزايدات الإيرانية.

جرّبت جامعة الدول العربية تعريب الحل في سورية، فتجلى سريعاً أن حوارها مع السلطة هو حوار بين من لا يملك القدرة على فرض حل وبين نظام فقد القدرة على الإنصات، منذ بات أسيراً لضجيج أشباح «المؤامرة». وإذ بدت دمشق كمن يراهن على فرض وقائع في الشارع قبل زيارة الأمين العام للجامعة نبيل العربي، ثم قبلت الزيارة حين طال الرهان، على أمل التأثير في مواقف الجامعة على الأقل، أُحبِطت السلطة سريعاً بتبني المجلس الوزاري العربي لغة تعتبرها اختراقاً لمصلحة «الأهداف الأجنبية». كان المطلوب في دمشق تعريباً يتغاضى عن آلة القتل طالما هي جزء من المواجهة مع «المؤامرة».

أما استعجال النظام السوري التنديد ببيان المجلس باعتباره «عدائياً»، فلن يترك لحظوظ التعريب سوى رماد المواجهات في المدن والقرى، وحرائق الحوار بالقمع والرصاص. وإن كان أبرز ملامح الاشتباك بين دمشق والجامعة، اشتراط المجلس الوزاري «وقف النار» قبل إرسال الوفد العربي في مهمة من أجل «تقصي الحقائق»، فما لا يسع النظام السوري تقبّله، هو أن ينحو الأشقاء الى نهج التدويل (على غرار اللجنة الأممية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان)، حين يتبنون لغة «الإملاء»: أولاً في أولوية وقف النار وسحب الجيش الى ثكنه، وثانياً في وضع النظام والمعارضة متعادلَين في كفتي ميزان الحوار.

والحال أن خسارة خيار التعريب بوصفه رافعة لطروحات النظام حول استئصال «المؤامرة» – كما يرغب – إذ تبدو حتمية، بدليل إصرار دمشق على اجتياحات ينفذها الجيش، وبعضها ينذر باحتكاك عسكري مع الجار التركي... تلك الخسارة لا تحمل بذوراً تلقائية لتدخل عسكري دولي يُجمع السوريون على رفضه. لكن ما لا يمكن شطبه من الاحتمالات العسيرة، هو ذاك الطريق الذي قد تجد الدول الغربية أن لا مناص من تعبيده، ولو تحت غطاء إنساني يرفع راية الأمم المتحدة. فذاك وحده يحول دون الزج بأنقرة رأس حربةٍ في صدام كلفته باهظة، وكي لا يستتبع القتال مع دولة عضو في الحلف الأطلسي (تركيا)، استدراجاً سهلاً لقوات الحلف المنتصرة في الحرب الليبية.

ما بقي من أسهم التعريب، لا يعززه لدى النظام السوري تلويح أو «إنذار» بمراجعة الجامعة ملف الأزمة «في حال استمرت أعمال القتل والقمع». والعبارة لرئيس الوزراء القطري وزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الذي غمزت دمشق مرات من قناة بلاده، بعدما اتهمتها بالتحريض.

وبجردة حساب بسيطة، يندرج في فريق «الأقوياء»:

- الجامعة العربية، إذ تنحاز الى حقوق الشعب السوري وترفض القتل لتأديب المطالبين بالحريات. لكن كل الخوف – كالعادة - أن تنحصر قوة الجامعة بصوتها، وتخلي الساحة مجدداً لمواجهة مكشوفة بين غباء الإصرار على الانتحار وشكلٍ ما للتدويل، لا يلغي المخاوف من حرب أهلية.- أردوغان، الذي يندد يوماً ب «جرائم بحق المدنيين السوريين»، ويتوعد في اليوم التالي «جرائم إسرائيل» بثمن حتمي. هو المتهم برفع الصوت ضد الدولة العبرية، ليفتح الطريق أمام «آخر العلاج الكي» مع النظام السوري.

- الغرب، الذي يصرّ على استبعاد التدخل العسكري لحماية المدنيين في سورية، وهو سيبقى متهماً بإيحاءات «تضليل» للنظام، تطمئنه الى ان عصا التدويل ستبقى مالية – اقتصادية، بلا مبضع جراحة.

... وأما الضعفاء الذين يواجهون بصدورهم حملات «التأديب» الدموية، ويرهبون القمع بأصواتهم، فما زالوا أقوى الأقوياء بعد نحو نصف سنة على زلزال انهيار الخوف.

=================

الانتفاضة السورية عند المنعطف الأخطر

الخميس, 15 سبتمبر 2011

عبدالوهاب بدرخان *

الحياة

هناك نذر لخطر كبير على الانتفاضة الشعبية في سورية. فالنظام على وشك أن يبدأ تنفيذ خطة قمع واسعة مهّد لها بإعلان التعبئة العامة والاستعداد لحملة تشمل خمساً أو ست محافظات باتت معاقل للحراك الشعبي. وما دعاه إلى رفع درجة الاستشراس الأمني - «الشبّيحي» أنه، أولاً، يريد الانتهاء من هذه الأزمة التي ألحقت أضراراً ملموسة بهيبته ومكانته الإقليمية، كما أنه تلقى عملياً إنذاراً روسياً بأن أمامه فرصة أخيرة ليثبت سلطته بشكل واضح ونهائي وإلا فليستعد للرحيل. ولعل النظام فهم شعار «حماية المدنيين» الذي رفعته الانتفاضة في الجمعة الأخيرة، مرفقاً بطلب مراقبين دوليين، باعتباره خطوة تمهيدية لشعار لاحق قد يتضمن دعوة صريحة إلى «التدخل الدولي».

فالشعب الذي نجح في انتفاضته بفضل إصراره على سلميتها لا يزال يرفض «عسكرتها» لكنه يجد نفسه بلا خيارات للدفاع عن النفس مع ازدياد احتمالات إقدام النظام على مجازر أكبر من التي ارتكبها حتى الآن. ثم أن الانشقاقات عن الجيش لن تعني شيئاً إذا لم تقترن بمشروع مواجهة تتطلب بلورته وقتاً لن يتيحه النظام ودعماً لا يبدو أن دول الجوار في صدد توفيره. ويعتبر «اعتقال» المقدم المنشقّ حسين هرموش إنذاراً لجميع المنشقّين، إذ أن جهازاً استخبارياً أوقعه في فخّ، أي أنه سُلّم تسليماً. وفيما أصبح الجنود الفارون أهدافاً مستجدّة ذات أولوية للقتل، لوحظ أخيراً أن الاعتقال بغية التعذيب والتصفية الجسدية بات متقصداً ومنهجياً، بالاستناد إلى التفاصيل المفزعة لما تعرّض له الناشط غياث مطر وقد عُرف عنه في داريا أنه كان يقدّم وروداً إلى الجنود في بدايات الانتفاضة.

وهكذا قد يجد الداعون في عواصم العالم إلى وقف «فوري» للعنف والقتل أنهم إزاء ظاهرة لم يتعرفوا إلى كل أبعادها. أما القائلون بإن النظام وصل إلى خط النهاية في «الحل الأمني» فربما يفاجئهم إمعانه في التجذّر في «ما بعد بعد» العنف الذي بدر منه حتى الآن. وما اضطر الانتفاضة إلى صرخة «حماية المدنيين» إدراكها أن البطش الآتي قد يكون بالغ الكلفة وفوق الاحتمال. فرغم أن التظاهرات لا تزال تخرج وتتحدّى النظام، إلا أن الصعوبات زادت وهي مرشحة لأن تزداد أكثر فأكثر. ولعل ما يضغط حالياً على معنويات الانتفاضة أن الذين يتعرضون لخطر الموت في الداخل يشعرون بأن النظام لم يعد يلوّح بأي استعداد للتخلي عن العنف بل صار يستخدم تمترسه فيه لحمل من يحاولون التوسط معه على تبني حلوله «السياسية». وثمة اعتقاد بأنه استطاع، مرتكزاً إلى الدعم الروسي المطلق، إعادة إقناع بعض داعميه الإقليميين والدوليين بأن الحل يكون تحت مظلته أو لا يكون أبداً، وأن عليهم أن يختاروا نهائياً بينه وبين «نظام ديني» يمكن أن يخلفه. أما دليله إلى ذلك فليس فقط رواياته عن «العصابات المسلحة» ولا تحذيره الوسطاء من «الانسياق وراء حملات التضليل الإعلامي والتحريض على سورية»، وإنما خصوصاً الاضطراب والبلبلة اللذين يسمان السعي إلى توحيد معارضتي الداخل والخارج وكثرة الأيدي والأطراف المتدخلة من دون نتائج جادة. ويعرف النظام الشيء الكثير عن هذه العملية لأنه أول وأكبر المتدخلين فيها سواء بشكل مباشر عبر عدد من «وجوه» المعارضة أو غير مباشر عبر وجوه غير معروفة، فضلاً عن أنه اختبر خلال الأزمة قابلية بعض الفئات للدخول في مساومات خصوصاً في حقبة الإطلالة التركية على الأزمة.

في النهاية قد يكون الأمين العام للجامعة العربية وصل متأخراً إلى دمشق، لا لأن الزيارة عوّقت أولاً ثم قبلت ثم أرجئت إلى أن حصلت، بل لأن ظروف الحدّ الأدنى الموضوعية لحل يلاقي بنود «المبادرة العربية» قد تبددت. ف «الوقف الفوري لكل أعمال العنف ضد المدنيين» و»تعويض المتضررين» و»إطلاق جميع المعتقلين السياسيين» تجاوزها النظام جميعاً، فهو الآن يعتبر نفسه في حرب ضد «التدخل الخارجي» ولن يقدم على أي تغيير في منهجه إلا بعد تأكيد قدرته على إسكات الشارع أو خفض صوته وشلّ حركته إلى مستوى غير معبّر. لذلك فإن البحث معه في «فصل الجيش عن الحياة السياسية والمدنية»، كما تنص المبادرة، بدا ضرباً من اللامعقول. أما إلزامه بإعلانات محددة وجدول زمني ومواصفات معينة للحكومة الائتلافية فلا يرى ما يوجبه طالما أنه يبادر زائريه بعرض مفصّل عن «الإصلاحات» التي تقول إن الأحداث تجاوزتها بينما يقول النظام أنه يوشك على إنجازها.

في ضوء التطورات والحال النفسية المهتاجة للنظام وجد نبيل العربي أنه ملزم بطمأنة الرئيس بشار الأسد إلى أن «التدخل الخارجي» في سورية ليس على جدول الأعمال العربي. أما قوله إنه «اتفق» مع الأسد على «سلسلة إجراءات» فيذكّر بخيبة الأمل التي أعقبت «اتفاقات» ظن وزير الخارجية التركي أنه توصل إليها، ثم أنه قد يحمّل العربي والجامعة قريباً مسؤولية «شرعنة» العنف الآتي. إذ لا يعقل أن تكون هناك «إجراءات» فعلاً وأن يكون الرئيس السوري انتظر الأمين العام للجامعة ليتفق معه في شأنها. ذاك أن جميع الذين حاولوا التوسط مع النظام لم يتمكنوا من إقناعه بوقف القتل. وفي البداية كان الوسطاء يسمعون كلاماً هادئاً عن «الإصلاح» مرفقاً بتصميم عالي النبرة على ضرب «العصابات» وبالأخص السلفيين. وفي الأسابيع الأخيرة بات التصميم على العنف هو المتصدّر طالما أن «المؤامرة» تريد إطاحة النظام ولم تعد تسأل عن الإصلاح. وهذا على الأرجح ما سمعه الأمين العام للجامعة.

واقع الأمر أن النظام عقد رهانه على روسيا، فهي الوحيدة المؤيدة للنهج الأمني بصرف النظر عن الكلفة البشرية، لكن بشرط أن «ينجز» على نحو حاسم ونهائي. ولذلك فإن موسكو ستتكفل بتأمين هذه الفرصة الأخيرة له عبر رزمة حلول «سياسية» ستعمل على ترويجها شراءً للوقت ولهدنة دولية غير معلنة. ورغم أن «المبادرة العربية» لم تصغ بذهنية «إسقاط النظام»، إذ لحظت انتخابات رئاسية بعد انتهاء ولاية الأسد سنة 2014، إلا أن تنفيذها يفضي بالضرورة إلى نظام آخر حتى قبل تلك الانتخابات. ومع ذلك يصعب الاعتقاد بأن الأسد يمكن أن يتعامل مع هذه المبادرة ما دامت موسكو تضمن له صفقة أفضل. لكن النظام يعرف، بمعزل عن الجامعة العربية أو روسيا أو سواهما، أن مشكلته لم تكن مع الخارج لذلك تبقى أولويته تصفية الحساب مع الانتفاضة دموياً، فهو يعتقد أن هذه وحدها يمكن أن تؤمن له مقداراً مريحاً من البقاء والاستمرارية، بل يرى حالياً أن هناك ظروفاً تجعلها ممكنة.

* كاتب وصحافي لبناني

=================

الشرق الأوسط الجديد يتشكل ويضيق على إسرائيل (2/2)

نصوح المجالي

الرأي الاردنية

15-9-2011

الملفت ان الشعوب العربية دخلت الساحة بقوة لتلعب دوراً رئيسياً في التغيير وفي اعادة تشكيل الشرق الاوسط الجديد.

ومع ان هذه المرحلة لم تتبلور بعد وما زالت في مرحلة التشكيل الا انها بالتأكيد تسير باتجاه معاكس لما كان سائداً في الساحة العربية, من توجهات وسياسات تسير في اتجاه مناهض لاسرائيل, وقد حُفزت احداث المنطقة قوى مهمة في المنطقة كمجلس التعاون الخليجي وتركيا لتطوير موقفها لتلعب دوراً موازناً ومؤثراً وقائداً في عملية اعادة التشكيل التي اصبحت حتمية.

من الطبيعي ان تتحرك دول المنطقة الاخرى ذات الاغلبية السنيّة وتلتقي بعد أن تشكل محور شيعي واضح تقوده ايران يمتد من طهران الى بغداد وسوريا ولبنان من حيث النفوذ وهو خط سياسي يستهدف ايضاً اعادة تشكيل المنطقة والصراعات الدائرة فيها وفق اجندة اخرى تخدم دور ايران الاقليمي في المنطقة.

فالدول ذات الاغلبية السنية, مجلس التعاون الخليجي مضافاً اليها الاردن والمغرب وتركيا ذات الاغلبية السنية أخذت تؤكد حضورها وقيادتها للمنطقة ولن يطول الوقت حتى تنضم مصر اكبر دولة سنية في المنطقة لهذا التوجه ليس لادارة صراع طائفي ليس مرغوب فيه ولكن للحد من التغوّل الشيعي الذي بدأ يعبث بالمعادلات السياسية والدينية في المنطقة ويشكل تهديداً واضحاً لمنطقة الخليج ودول المشرق ولمواجهة غلواء اسرائيل..

ومن هذا المنطلق نفهم الدعوة لانضمام الاردن والمغرب لمجلس التعاون الخليجي لتدعيم هذين البلدين تنموياً واقتصادياً وللحفاظ على دورهما في حفظ التوازن في المنطقة ولتدعيم الاعتدال وصد الاختراقات المذهبية والحيلولة دون حدوث مفاجآت أو تطورات سياسية في البلدين قد تفاقم الخطر في المنطقة, فأي خطر يهدد الاردن سيضع منظومة الخليج بين مطرقة ايران وسندان اسرائيل وابتزاز الحماية الغربية في هذه الحالة.

فنحن في العالم العربي ندفع ثمن قرن من الزمن اضعناه تقدم فيه العالم وبقينا مكاننا, مناهضين للتقدم السياسي والديمقراطي ولم نحقق سوى التفكك الذي اسبغ شرعية الامر الواقع على نهج معاهدة سايكس بيكو, ومكن لهيمنة اسرائيل في المنطقة ورهن ارادة العرب لسياسات الدول الكبرى في المنطقة, مما افقد العرب القدرة على ممارسة ارادة جماعية تحمي مصالحهم وقضاياهم الحيوية وهذا شجّع دول الاقليم الكبرى ايران وتركيا لتكرّس نفسها كدول قائدة في الاقليم بعد أن ضعفت ارادتنا ودورنا.

لقد بدأت تركيا في مراجعة موقفها تجاه اسرائيل، لتخرج من مرحلة التحالف والتعاون مع اسرائيل، الى مرحلة قيادة المنطقة نحو تطويق التطرف الاسرائيلي، ودعم حركة التحرر في العالم العربي، والحد من غلواء إيران، فالموقف التركي يتدرج نحو قيادة محور جديد آخذ في التشكيل في المنطقة، فزيارة اوردوغان لمصر وتونس وليبيا وموقفه الحازم من سوريا، والدعوة لانشاء مجلس تعاون استراتيجي في المنطقة قد يضم مصر يشير الى ان التوازن في الشرق الاوسط الجديد، سيتم بالتناغم والتكامل بين الدور المتنامي، لدول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية وبين تركيا والمحور الاستراتيجي الذي تدعو اليه وتأمل ان تنضم اليه مصر وتونس وليبيا.

وبهذا يتم تشكيل الخارطة السياسية من ثلاثة محاور، محور مجلس التعاون الخليجي، ومحور تركيا ومصر، ومحور إيران، وبينها إسرائيل التي تبدو اليوم اشد عزلة في المنطقة، واقل مصداقية في الساحة الدولية، واشد خطرا على نفسها وجوارها لتفاقم التطرف الاجتماعي والديني على ساحتها وخطورة انعكاسه، في سياساتها المهددة لدول المنطقة.

فهل تتغير اسرائيل من الداخل، اذا ما اصبحت كلفة سياساتها الراهنة وما تثيره من حولها من كراهية وما تشهده المنطقة من تحولات ليست في صالحها، وباهظة الثمن؟, سؤال يصعب الاجابة عليه، ويصعب تصور ان هيمنة اسرائيل ستستمر في ضوء كل هذه المتغيرات، التي ستعيد تشكيل المنطقة خلافا لما توقعته اسرائيل وحلفاؤها، في مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة وما ولده ذلك من اوهام ايجاد شرق اوسط تقوده وتهيمن فيه اسرائيل على المنطقة.

==================

سوريا: نحو المجهول

أحمد شاهين

القدس العربي

15-9-2011

أكمل الرئيس السوري ، بشار الأسد ، خطواته نحو الإصلاح الذي وعد به ، والغرض النهائي من كل هذه الإجراءات ، إذا دخلت حيز التطبيق ، الحفاظ على السلطة القائمة ، المهددة بالسقوط بفعل حركة شباب غاضب .

إلا أن دخول هذه القوانين حيز التطبيق يقتضي ، حسب تصريحات الأسد ، توفر أجواء أمنية مناسبة ، الأمر الذي تقوم به قوات الأمن السورية بكل أذرعها ، إضافة إلى دعم الميليشيا التي صارت تعرف شعبيا باسم ' الشبيحة '، ومن غير المعروف رسميا الصفة القانونية التي تعمل بها هذه الميليشيا ، فقد تكون ميليشيا حزبية ، وهو تقليد بعثي اعتمده حزب البعث في بداية مجيئه للسلطة في عام 1963 بتشكيل ما عرف في حينه باسم ' الحرس القومي ' ؛ وقد تكون هذه الميليشيا من مكونات طائفية ، جرى الهمس بوجودها منذ أيام الأسد الأب ، وقام بتشكيلها في حينه أخوه جميل الأسد ، وتردد آنذاك الهمس بأن الجنرال حافظ الأسد كان يعد الأرضية في مناطق جبال العلويين لإنشاء دولته فيها في حال سقطت من يده السلطة في دمشق . والحديث عن طائفية الشبيحة أقوى من الحديث عن حزبيتها.

التنوع السوري

يبلغ عدد سكان سوريا نحو 23 مليون نسمة ، ويمثل سكان المناطق الحضرية نحو 56 بالمائة منهم ، وتعتبر حلب بنحو 3 ملايين نسمة أكبر المدن السورية ، تليها دمشق العاصمة بنحو 2،5 مليون نسمة ، ثم حمص بنحو مليون و300 ألف نسمة ، وبعدها حماة بنحو 600 ألف نسمة .

ويحتوي المجتمع السوري على تنوع متعدد من الإثنيات القومية : عرب وأكراد وأرمن وشركس وآشوريون وسريان وآراميون ، يشكل العرب منهم نحو 90 بالمائة ، بينما يشكل الآخرون نحو 10 بالمائة ، أكثرهم عددا من الأكراد وهؤلاء هم الأكثر حيوية من بين الأقليات الإثنية لارتباطهم بما يعرف بالقضية الكردية التي يدعو القائمون بها إلى حق تقرير المصير للأكراد في منطقة كردستان التي تتقاسمها تركيا وإيران والعراق وسوريا . ويحتوي المجتمع السوري تنوعا دينيا ومذهبيا ، يمثل فيه المسلمون السنة نحو 74 بالمائة ، بينما يمثل المسلمون من الطوائف الأخرى نحو 16 بالمائة ، تعتبر الطائفة العلوية أكثرهم عددا بنسبة تقارب العشرة بالمائة من عدد السكان .

هذا ويمثل المسيحيون بكل مذاهبهم نحو 10 بالمائة من عدد السكان .( الأرقام من : C I A the world factbook). وقد عاشت هذه الجماعات البشرية المكونة للمجتمع السوري الراهن كجماعات مغلقة ، في مناطق جغرافية خاصة بها تشكل كل منها ما يشبه ' الغيتو ' ، وكانت تحكم علاقات هذه الجماعات العدوانية ضد بعضها البعض ، ولدى كل جماعة منها صورا مشوهة عن الجماعات الأخرى تولدت عبر تاريخية هذا الانفصال العدواني . ولا نجانب الصواب إذا قلنا أن تجربة حزب البعث في السلطة كانت نقلة نوعية في تعريف هذه الجماعات بعضها ببعض وفتح قنوات تواصل ، أحدثت نوع من التعارف بين هذه المكونات البشرية ؛ مع ملاحظة أن هذا الانفتاح ظل محصورا فيما بين الفئات العليا من هذه الجماعات : رجال السلطة وتجار المدن ، وبعض الحالات القليلة في أوساط المثقفين. كان هذا الأمر طبيعيا في ظروف النظم التي حكمت المنطقة ، فقد كانت تلك نظما امبراطورية، ولا مركزية مما يسمح للجماعات المغلقة بالاستمرار في انغلاقها ، الذي تشكل فيه قاعدة ' الزواج الداخلي ' إحدى أسس ركائزه.

ضبابية الوضع في سوريا

مع الأخذ بعين الاعتبار أن تجربة الدولة في سوريا حديثة العهد ، حيث نشأت في عام 1946 بعد الحصول على الاستقلال ، وحاكت في هذه التجربة شكل الدولة الأوروبية الحديثة ، فحاكت هيكليتها الإدارية ، فصارت فيها الوظيفة الحكومية قيمة اجتماعية ومكسبا ماديا ، كما تقول جدتي ' أكل ومرعى وقلة صنعة ' ، بمعنى دخل بلا إنتاج .

بين استقلال سوريا في 1946 وسيطرة حزب البعث على السلطة في 1963 شهدت سوريا سلسلة من الانقلابات العسكرية ، لم يسلم البعث نفسه من عدواها ، فقد حصل داخل سلطة البعث نفسه ثلاث انقلابات ناجحة ، كان آخرها انقلاب الجنرال حافظ الأسد في 1970 ، وهو أول سلطة في تاريخ سوريا الحديثة تستمر كل هذه المدة ؛ وكان قاعدتها إقامة دولة أمنية بكل معنى الكلمة . وقد ورّث الأسد الأب ابنه بشار هذه الدولة باعتبارها 'إرثا شخصيا ' ، ولا نبالغ في هذا الوصف .

وباعتبارها دولة أمنية فهي تقوم على قاعدة القهر لعموم المجتمع ، وهو تقليد طبيعي لتجربة السلطة في هذه المنطقة من العالم منذ نظام الدولة المدينة ، حيث يعتبر أي خروج على السلطة ' تطاولا على الأسياد ' ، وهو التعبير الذي استخدمه الملثمون الذين اعتدوا على الصديق الفنان على فرزات . ولذا يمكن اعتبار ' الخارجين على النظام إلى الشوارع ' ، في إطار هذه الثقافة ،' متطاولين على أسيادهم '، ويجب ' تربيتهم ' من جديد وتأهيلهم ، وقتل المحرضين من بينهم كعملية استئصال ل ' الجراثيم ' لاستعادة 'مناعة ' السلطة ، وهو ما تقوم به أدوات أمن السلطة التي تدفع لهم رواتبهم للقيام بهذه المهمة . وفي هذا الاطار أذكر بالبيان الثلاثي الذي أصدرته بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية احتجاجا على إنشاء جيوش عربية ، وكان عنوان البيان ' اسرائيل وجدت لتبقى ' ، فكان رد دول الجامعة العربية في حينه ( 1953 ) ، وكانت سوريا من بينها ' أن هذه الجيوش تعد للحفاظ على الأمن الداخلي وليس للحرب ضد إسرائيل ' . وما يمارسه الجيش السوري ، وما مارسه ، يدخل في هذا الإطار .

على الطرف الآخر من المعادلة السورية يوجد شارع غاضب ، كان مطلبه الإصلاح ، لكن رد فعل السلطة دفعه للمطالبة بإسقاطها ، حتى أن بعض الهتافين حكم على الرئيس ب ' الإعدام ' . ويدعي مؤيدو النظام أن هؤلاء المحتجين أقلية تحرضهم جماعات متآمرة تهدف إلى ' تقسيم ' سوريا . والمتظاهرون في الحالة السورية هم طلائع أولى ، تتزايد عدديا بقدرتها على الاستمرار ، وقدرتها على الحفاظ على سلميتها التي تعني أنها تحمل للمستقبل السوري روحا مدنية قابلة لاحتضان مكونات المجتمع السوري المتنوعة في دولة مدنية : إنه حلم ، لكنه قابل للتحقق .

إلى جانب هؤلاء الغاضبين ، يقبع أغلبية السوريين ، في حالة خوف : من السلطة ، ومن المستقبل الذي لا يعرف أحد ما الذي يخبئه ؛ حتى المنجمين لم يستطيعوا قراءة هذا المستقبل ، خاصة أن وسائل الإعلام المرئي تعرض يوميا جماعات سورية مقيمة منذ زمن طويل خارج سوريا ، تملك من الأموال ما يكفيها لإقامة مؤتمرات تدعو فيها لتشكيل هيئات لقيادة ' الثورة السورية ' ، إلى درجة أن أحد هذه المؤتمرات سمى أشخاصا لقيادة الثورة السورية من غير أن يستشيرهم . وبعض هذه الجماعات ، خاصة منها التنظيمات السياسية ، استدركت مؤخرا تقصيرها وصارت تعلن عبر وسائل الاتصال الحديثة ( الأنترنت ) عن تشكيلات قيادية داخل سوريا تحت مسميات موحية وبعيدة عن أسماء هذه التنظيمات : من مثل ، الهيئة العامة ، وتجمع الأحرار ، عدا عن أن كل شخص يستدعى للحديث مع محطة تلفزيونية يعلن أنه ' ناطق رسمي ' . وفي هذا الإطار قال الصديق هيثم مناع ( العودات ) : ياخي كل واحد مستعجل يخطف الكعكة .

فما يجري في سوريا خطوة أول نحو بناء مجتمع سوريا الحديث الذي يستطيع احتضان كل مكوناته ، بالرغم من كل القنابل الدخانية التي تطلق من كل الجهات .

' كاتب سوري

=================

ربيع الثورات العربية ولمن سوف تكون الغلبة: للثوار أم للشطار؟

د. عامر رمضان أبوضاوية

القدس العربي

15-9-2011

لقد كشف ربيع الثورات العربية ان كثيراً من البلاد العربية كانت تدار من قبل مجموعة من الإفراد متكاتفين يديرون كافة الأمور بعقلية أسروية مافياوية، مجموعة نصبت نفسها كطليعة، تدعى أنها تبتكر النظريات، وتديرالامور، وتحرك الشارع .

وبغض النظر عن الادعاء، فهذه المجموعة عطلت كل الكفاءات والقدرات والثروات الوطنية، ومنعت الناس حتى من تحقيق أهدافهم الأساسية، وحولت هذه البلدان إلى 'ممالك صمت وخوف' نتيجة التسلط والقمع المعنوي، ومن ثم طمس الشخصية، وتكريس الخنوع والخشوع وممارسة أساليب الإخضاع، اى إخضاعهم معنويا، وبالتالي الاستخفاف بهم مثلما استخف فرعون بقومه فأطاعوه، وهو ما ورد في الآية الكريمة، حيث يقول الباري سبحانه وتعالى: 'فاستخف قومه فأطاعوه'.

ممالك الصمت و الخوف هذه الساعية إلى تأسيس حكم عربي وراثي حولت شخصية الإنسان العربي العادي إلى شخصية تعانى من انعدام الكفاءة الاجتماعية بدليل انه يتجنب المجابهة والمواجهة، لأنه يشعر انه اقل من الآخرين، وأنه دوما دون مستوى الوضعيات الاجتماعية، أنه شخص بدون كرامة، مما دفعه إلى حرق نفسه فكان' محمدالبوعزيزى' بمثابة الشرارة لكسر حاجز الصمت والخوف وبداية 'ربيع الثورات العربية' في سبيل الحرية والكرامة. وفى هذا السياق تنطبق علينا- نحن شعوب الأمة العربية- دعاوى فلاسفة الأنوار، أو ما يسمى بالحركة التنويرية (ِAufklaerung) لدى الفكر السياسي الالمانى، والتي على رأسها تأتى دعوة الفيلسوف الالمانى فخته (Fichte)- شعبه بروسيا- إلى النضال ضد جيوش نابليون، حيث نجده يقول 'الكرامة هي جوهر الإنسان الداخلي وان الإفراد بتعاونهم الحي بمقدورهم أن يخلقوا روحا جماعية'.

ومن الواضح أن فخته كان يهدف من القول إلى المناشدة التحريضية التي ترفع همة الأمة الألمانية حتى تنتقل من حالة السلبية واللاوعي التي كانت عليها، إلى حالة الشعور بالمسؤولية التاريخية للفاعلية الجماعية وهذا ما تعيشه شعوب الأمة العربية ألان، حالة الشعور بالمسؤولية التاريخية للفاعلية الجماعية في الانفعال والفعل السياسي من اجل تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يعيش فيها المواطن العربي بطريقة تحقق له حياة أفضل، وذلك من منطلق تنمية ملاك روح الإبداع والإقدام والمبادأة ودمج مصلحة الوطن مع مصلحة الفرد ومصلحة الفرد مع مصلحة الوطن...فكيف السبيل إلى ذلك؟ الكل يتطلع إلى تجربة الديمقراطية النيابية...إلى الدولة البرلمانية التي تجسد في واقع الأمر مسيرة مرحلية من سنة 930م كأول برلمان في جزيرة اسلندة (Island) تلي ذلك سوسيرا ومجالس الكانتونات (Urkantonen) في القرن الثالث عشر وحتى صدور الوثيقة الكبرى (Magna Charta)، ووثيقة الحقوق (Bill of Rights) والثورة الانجليزية في القرن السابع عشر وتأسيس أول دولة برلمانية.

وحتى لا نقع فريسة للانبهار بالنتائج السياسية الايجابية للنظم السياسية الليبرالية في أوروبا وأمريكيا الشمالية، علينا أن ننتبه أولا إلى تدافع الشطار على مقاليد إدارة الأمور خلال المرحلة الانتقالية. فبين السلطة المنهارة كنتاج لإرادة التغيير، والاستعداد لتولى مقاليد الحكم، يوجد حقل ألغام مترامي الإطراف، حقل ألغام ملئ بالذخائر غير المنفجرة، ومخلفات الحرب .

ولا شك ان مخاطر ما بعد الحرب كبيرة وجسيمة، فهي حرب فى حد ذاتها، اشد خطورة واشد فتكاُ بالوطن والمواطنين والممتلكات من الحرب نفسها، على رأى خبراء العسكر .

فمن قال ان الحروب تنتهي بتوقف إطلاق النار ؟ ومن قال ان الثورات تحقق غاياتها كاملةً بسقوط الطغاة ؟ .

الا يعنى ان سقوط الطاغية بداية محاربة التعويل على فشل الثورة، اى محاربة المؤثرات السلبية للنظم السياسية الدكتاتورية على القيم والثوابت الاجتماعية ، المتمثلة فى كثيراً من الظواهر غير السوية، والمعروفة فى هذه المرحلة بسلوكيات الطابور الخامس : كترويج الإشاعات، وإتباع أسلوب النفاق، والتشكيك فى مصداقية الكفاءات الوطنية المناضلة، والتبجح ببعض الكفاءات المعتدلة (اعتدال بدون أخلاق) لشغل المناصب التسييرية، كي يشكل هولاء عوائق داخلية لعملية استبدال حقيقة للكوادر الإدارية.

فإرادة التغيير تعبر عن اتجاه تاريخي معين اخذ يفرض نفسه، بمعنى مطلب عام من اجل تغيير الواقع يبرز من خلال إرادة الشخصية الجماعية فى ضوء مقاصد جمعية تتفاعل مع التاريخ . إما الاستعداد لتولى مقاليد حكم السلطة المنهارة فيعبر عن طموحات سلطوية فى ضوء مقاصد شخصية تبزغ من خلال أجندات لمكونات وهمية، خاصة خلال المرحلة الانتقالية . فلمن سوف تكون الغلبة في هذه المرحلة : للثوار أم للشطار؟

' اكاديمي في قسم العلوم السياسية جامعة طرابلس

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ