ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
دقة
اللحظة تفرض توحيد الصفوف .. سوريا:
خلافات معارضة الداخل والخارج فاروق
حجي مصطفى كاتب
سوري الاتحاد 1-10-2011 مع ما
حصل من تطورات على كل الأصعدة (النظام،
الشارع) في سوريا، لم تكلف المعارضة
السورية نفسها عناء توحيد صفوفها
تنظيميّاً أو حتى الإيحاء للرأي العام
بأنها متحدة ومتجانسة ومنسجمة مع
ذاتها على رغم كل الصيحات التي تطالب
بالوحدة ورص الصفوف، من الشارع السوري
وحتى من الأطراف الدوليّة. وهذه
المعارضة -وخصوصاً الخارجية منها- في
الوقت الذي يتطلب منها أن تكون صانعة
للتطورات تلجأ إلى البحث في القشور
وتستهلك مجهودها في أمور قد لا تشكل
لدى السوريين همّاً أساسيّاً في هذه
المرحلة مستغلة الفراغ الذي تركته
المعارضة الوطنيّة الديمقراطيّة
العاملة على أرض الواقع. وهذا المسار
بدلاً من أن يكون عاملاً مساعداً
للشارع صار اليوم عبئاً ثقيلاً عليه.
وبطبيعة الحال تتحمّل المعارضة
الداخليّة المسؤوليّة الكاملة، إذ
بتباطئها في تناول المسؤولية تجاه ما
يجري، خلقت فراغاً هو ما دفع بالمعارضة
الخارجية للعمل ضمن سياقات قد لا تكون
مساعدة للحراك بل ربما كانت معيقة
لنشاطه ومسيئة إلى سمعة وأحقيّة
ومشروعيّة استمراره. وقد صار يفهم من
المؤتمرات التي تعقد في الخارج أنَّها
مؤتمرات تحقق أجندات معينة ليس إلا.
حتى وإن كانت ثمّة نيّاّت صادقة وسليمة
لدى البعض الذين يسعون لعقد مثل تلك
المحافل في الخارج وذلك لبلورة بعض
المفاهيم، والبحث في إشكالات مثل
العروبة والإسلام والعلمانية
والليبراليّة، وبعض هذه الإشكالات
يشكل الآن مبعثاً للمخاوف وخاصة
للأقليات الدينيّة والعرقيّة، هذا عدا
البحث عن سبل الانتقال الآمن إلى دولة
ديمقراطيّة مدنيّة. والحق
أنه مهما أبدت المعارضات السورية
بأنها متفقة على العناوين العريضة مثل
دولة المواطنة وضرورة الانتقال من
الدولة الاستبداديّة إلى الدولة
الديمقراطيّة، وأوحت بأنّها منسجمة
إلى حد ما مع هذه العناوين إلا أن هذه
المعارضات تعاني من أزمة عدم توحيد
الخطاب. ولعل ما شاهدناه في مؤتمر
إسطنبول قبل فترة وكيف انسحب بعض
الأكراد من المؤتمر هو دليل على أن
المعارضة بحاجة إلى نقاش ووضع النقاط
على الحروف لا أن تتستر وراء مفردات
فضفاضة مثل الديمقراطيّة والتعدديّة. ان
المسافة التي تفصل بين المعارضة
السورية الخارجية والداخلية عريضة.
وقد لا يصح أن نقفز فوق الحقيقة ونوظّف
ما قالته "هيئة التغيير الديمقراطي"
في وثيقتها الأولى من أنّه لا فرق بين
معارضة الخارج والداخل وضرورة التواصل
بين شقي المعارضة لأنه ما زالت ثمة
حواجز حقيقية، هي بمثابة عُقد يصعب
فكها. ولعل السبب في انفصال المعارضة
الخارجية عن المهمّات الواقعية هو أن
غالبية هذه المعارضة متشوقة إلى روح
القيادة والشعور بأنّها قائد فعليّ. وتجدر
الإشارة إلى أنّ الخلاف بين المعارضة
الداخلية والخارجية قائم منذ 2005 عندما
أعلن بعض الشخصيات في الخارج الأمانة
الخاصة بها الأمر الذي دفع جماعة "إعلان
دمشق" بالداخل إلى اتخاذ موقف عدم
التبني لما يصدر من الخارج من بيانات
ومواقف غير منسجمة مع التطورات
السياسية وعلاقة السلطة بالمعارضة،
وطالبت الأحزاب المنضوية في "إعلان
دمشق" من ممثليها في الخارج
الالتزام بما يصدر من الداخل وعدم
الانزلاق نحو التطرّف والمبالغة في
الشعارات ما أدى في النهاية إلى بقاء
حالة التشرذم وطغيان مناخها على كل
مشهد المعارضة، ومن يدري ربما ستطول
مدة طلاق الخارج والداخل إلى أمدِ بعيد! منذ أن
بدأت حركة الاحتجاجات في سوريا، والكل
يسأل، ترى لماذا لا تتوحد المعارضة
السورية؟ هل هناك أسباب بنيويّة
متعلقة ببنية المعارضة، أم أن هناك
أسباباً إيديولوجية، بسبب تعدد
المشارب: قوميّة، إسلامية، فكريّة، أم
أن هناك اعتبارات أخرى؟ وهل للنظام دور
في بقاء حال المعارضة هكذا، وهل أثرت
العلاقات والحساسيات التي تحكم بين
رموز المعارضة على أن يبقى التشرذم سيد
الموقف، ويحول دون توحيد صفوفها الذي
ما فتئ يشكل عبئاً على الشارع المنتفض؟
للوهلة الأولى يُستنتج أن كل هذه
الأسباب لها علاقة بتشرذم المعارضة
السورية مضافة إليها أسباب أخرى معيقة
لتوحيد صفوفها ولاسيما العلاقة بين
المعارضة الداخلية والمعارضة
الخارجية حيث بقيت هذه العلاقة مرهونة
بتجاذبات السلطة والمعارضة ما أدى إلى
تعميق الفجوة بين المعارضتين. وإذا
كان للنظام دوره وتوابعه في صفوف
المعارضة قبل حركة الاحتجاجات فإنه
الآن عاجز عن التأثير على أداء
المعارضة، حتى أنّه عاجز عن الحفاظ على
من كان تابعاً له في صفوفها، ولا يخفى
على أحد أنّ من كان تابعاً للنظام
وسامعاً لإشاراته يوماً من الأيام
يتجنب الظهور الآن، ولعل السبب يعود
بالدرجة الأولى إلى أنّه لا يريد إحراق
نفسه في ظل سيادة حركة الشارع على مسار
التغيير في البلد، ويريد التهرّب من
ذلك التراث الضخم المنعش بأيديولوجية
اليسار الخشنة. وفي
الحقيقة أنّ النظام نفسه يتجنّب الآن
الضغط على من كان يوماً من الأيام يعمل
له عبر "الريموت كونترول"، ليس
لأنّ النظام لا يحتاج إليهم بقدر ما
أنّهم لا يشكلون وزناً لقلة الفاعليّة
لدى هؤلاء، وقد يكونون عبئاً على
النظام نفسه. والسؤال، اليوم: هل
ستتوحد المعارضة وتدرك كم أنّها تأخرت
في إنجاز حالة طليعيّة منسجمة مع
العمليّة السياسيّة في بلدنا الذي
ينزف دماً منذ أشهر؟! ================= حازم
صاغية تاريخ
النشر: السبت 01 أكتوبر 2011 الاتحاد إذا
فكّرنا بمنطق بارد وسألنا: لماذا
يتردّد الأتراك في اتّخاذ مواقف أكثر
مبادرةً وحسماً في الموضوع السوريّ،
واجهتنا إجابات عدّة ومتفاوتة. ولكنْ
لا بأس، قبل استعراض تلك الإجابات،
بالقول إنّ السؤال هذا يغدو شاغلاً
متعاظم الأهميّة لدى أفراد سوريّين
كثيرين، وأفراد غير سوريّين، يؤرّقهم
ما يحصل في سوريا من عنف همجيّ. فأن
يعلن أردوغان، رئيس الحكومة، أنّه قطع
الاتّصالات بدمشق، وأنّه يفكّر في فرض
عقوبات على سوريا، فهذا، على أهميّته
ودلالته، يبقى أقلّ وأبطأ من بعض
الرهانات، المعلنة أو المضمرة، على
دور تركيّ. وإذ ترتفع يوماً بعد يوم
نبرة المطالبة بالحماية الدوليّة
للمدنيّين السوريّين، تتعاظم الأضواء
المسلّطة على الموقف التركيّ
واحتمالاته العمليّة، كما تكبر الفجوة
بين الحاجات والأفعال، حتّى لو كانت
مصادرةً لسفينة محمّلة أسلحةً للنظام. والحال
أنّ السبب الأوّل وراء التردّد
التركيّ هو، على الأرجح، التردّد
العربيّ إيّاه. ذاك أنّ من الصعب على
أنقرة أن تقدم على عمل كبير في سوريا (العربيّة)
من دون أن يكون هذا العمل مرفقاً
بمساهمة عربيّة، أو أقلّه بغطاء عربيّ
من النوع الذي توفّر لحلف "الناتو"
في مهمّته الليبيّة الأخيرة. فليس
طبيعيّاً أن تتقدّم تركيا في الحقل
السوريّ بوصفها جزءاً من الأطلسيّ
وحساباته من غير أن تستطيع التقدّم
كبلد مسلم تربطه بجواره العربيّ روابط
تاريخيّة ومصلحيّة شتّى. والحقّ أنّ
عملاً كهذا لن يكون فحسب مثيراً لمشاعر
عروبيّة ستبالغ دمشق في اصطناعها
وتحريكها، وربطها ب"الاستعمار
التركيّ والعثمانيّ"، بل سيكون
أيضاً مصدر تناقض مع النظريّة
السياسيّة التركيّة لجهة أولويّة
الانتماء إلى المنطقة والجوار
الإسلاميّ على ما عداه. وهذه الطريقة
في النظر هي بالضبط ما سبق أن هندسه
وزير الخارجيّة ومنظّر دبلوماسيّة "حزب
العدالة والتنمية" أحمد داوود أوغلو. لكنّ
ثمّة أسباباً أخرى وراء بطء أنقرة
وتعثّر مبادرتها. فالنهضة الاقتصاديّة
التركيّة التي قامت أساساً على
التصدير الخارجيّ، وجعلت الاقتصاد
التركيّ الاقتصاد الثامن عشر في
العالم، كما شكّلت أحد أهمّ أسباب
الانتصارات الانتخابيّة المتتالية ل"حزب
العدالة والتنمية"، تدفع إلى تدبير
طرق بديلة عن طريق الترانزيت السوريّة
إلى الأسواق المستورِدة الواقعة في
الجنوب، بما فيها أسواق الخليج. وهذا
فضلاً عن أنّ السوق السوريّة نفسها من
أهمّ مصادر العوائد التجاريّة لتركيا.
هكذا وفي ظلّ عجز ضخم في الموازنة
ومديونيّة غير محمودة العواقب، تصبح
تركيا مدعوّة لإجراء عديد الحسابات
قبل الإقدام على خطوات سياسيّة
وعسكريّة ذات انعكاس اقتصاديّ مباشر
على طاقتها التصديريّة. وهناك،
إلى ذلك، إيران. فقد حرصت أنقرة
طويلاً، على مدى السنوات القليلة
الماضية، على الظهور بمظهر الصديق
للحكم الإيرانيّ، كما بدا أنّها
معنيّة بالتنسيق معه، ليس في ما خصّ
المسائل الثنائيّة فحسب، بل أيضاً في
خصوص القضايا الإقليميّة والمسائل
المتفرّعة عن الملفّ النوويّ
الإيرانيّ ومشاكل طهران مع البلدان
الغربيّة. وقد بلغ الأمر، قبل أقلّ من
عامين، حدّ الحديث عن "تحالف
استراتيجيّ" يضمّ، إلى تركيا وإيران
كلاًّ من سوريا والعراق. ولكنّ هذا ما
لبث أن تبيّن أنّه نوع من التفكير
الرغبويّ الذي لا يستطيع إلى ما لا
نهاية أن يتجاهل المشكلات الموضوعيّة
بين البلدين ونفوذهما. وقد انفجر
الاكتشاف الواقعيّ مع اندلاع
الانتفاضة السوريّة، فراح يتبيّن أنّ
عملاقي العالم الإسلاميّ غير
العربيّين يقفان موقفين شديدي التباين
ممّا يجري في دمشق. ولئن حافظت تركيا
على لغة هادئة عموماً هي أقرب إلى
التكتّم على خلافها مع إيران، فإن
الأخيرة ذهبت بعيداً في اتّهامها
الأتراك بتنفيذ رغبات الغربيّين في
سوريّا. والواقع
أنّ أنقرة إذا ما بدت مضطرّة لأن تحسب
حساب القوّة العسكريّة الإيرانيّة
واحتمالات ردّ فعلها، فإنّها هنا
أيضاً مرشّحة لأن تصطدم بنظريّتها، أي
نظريّة داوود أوغلو، عن العلاقات
الإقليميّة والتموضع حيالها. ذاك أنّ
تطوّراً كهذا سيؤول حتماً إلى استجلاب
العالم الخارجيّ وقواه العسكريّة
للتدخّل المباشر في المنطقة، خصوصاً
أنّ تركيّا عضو فاعل في "الناتو"،
فيما إيران ترتبط بعلاقة شديدة السوء
مع البلدان الغربيّة بسبب المسألة
النوويّة. وغنيّ عن القول إنّ إحدى
الأطروحات التي سال حبر تركيّ كثير في
الدفاع عنها هي جعل أهل المنطقة يحلّون
شؤونها بعيداً عن "لعبة الأمم". وأخيراً،
هناك ما كُتب عنه الكثير في الآونة
الأخيرة ممّا يتعلّق بالأكراد
والعلويّين السوريّين. فهنا سريعاً ما
يتداخل الشأن السوريّ والشأن التركيّ
الداخليّ، لاسيّما في ظلال استمرار
الحرب الدائرة بين أنقرة و"حزب
العمّال الكردستانيّ" وانحياز
الكتلة العلويّة التركيّة للقوى
العلمانيّة المناهضة ل"العدالة
والتنمية"، أتمثّلت في أحزاب اليسار
أو تمثّلت في الجيش الأتاتوركيّ الذي
يحرز ضبّاط علويّون مواقع أساسيّة فيه. لكنّ
خطاب أردوغان المصريّ الأخير ورحلته
العربيّة ودور أنقرة في ليبيا وتداول
حكومة "العدالة والتنمية" مع
الروس في الشأن السوريّ، كلّها توحي
بأنّ القيادة التركيّة لن تتخلّى عن
محاولة الاستفادة من الوضع الراهن
لزمن ما بعد الانتفاضات. ويقطع في هذا
الاحتمال التدهور الذي قد يتواصل في
العلاقة مع اليونان وقبرص ممّا يفاقمه
الملفّ النفطيّ المتزايد الأهميّة.
وفي هذا المعنى يمكن القول إنّ التصعيد
التركيّ الأخير في مواجهة إسرائيل
وحكومة نتنياهو ربّما كان أقرب إلى عمل
استباقيّ وظيفته أن يحمي احتياطيّاً
أيّ تحرّك تركيّ محتمل في سوريّا بعد
أن تتوافر شروطه المطلوبة. ذاك
أنّ من المستبعد جدّاً أن يفكّر
الأتراك في أنّ الباب العربيّ سيبقى
مفتوحاً لدورهم الكبير والموعود من
دون أن يُحسم الوضع في سوريّا بطريقة
أو أخرى. وهذا التقدير هو ما يشجّع
المتفائلين بدور تركيّ أشدّ مبادرة
وحزماً على القول إنّها مسألة وقت لا
أكثر. وهل يمكن أن يكون عديم المعنى
احتضان أنقرة أطيافاً من المعارضة
السوريّة وبعضاً من مؤتمراتها؟ ================= حسين
العودات التاريخ:
01 أكتوبر 2011 البيان ردد
المتظاهرون في مدن تونس ومصر وليبيا
واليمن وسوريا شعار (الشعب يريد إسقاط
النظام) دون أن يتصدى أحد في الواقع
لشرح معنى هذا الشعار، ومفهومه،
وآلياته، ونتائجه، كما لم يحاول
المتظاهرون ولا السياسيون ولا حتى
الكتاب بيان فيما إذا كان هذا يعني
إسقاط السلطة السياسية وحدها. وما
الفرق بين السلطة والنظام، وهل المطلب
الجماهيري يعني إسقاط النظام السياسي
بالمطلق، أم إسقاط رموزه وآلياته؟ وفي
الشهر الأخير جاء في البيان الختامي
لمؤتمر المعارضة السورية الذي عقد
علناً في ضواحي دمشق عبارة (إسقاط
النظام الاستبدادي) فهل هذه العبارة
تسد مسد شعار إسقاط النظام، أو إسقاط
السلطة أو ما يشبهها. بحدود
ما أعلم فإن المقصود بالسلطة السياسية
هو الحكومة والسلطات الثلاث التنفيذية
والتشريعية والآلية التي تعمل بموجبها
السلطة القضائية والقوانين التشريعية
المعمول بها مثل قانون الطوارئ وقانون
التقاضي وعلاقة السلطة الأمنية
بالسلطة القضائية، وأسلوب التعامل مع
المواطنين، ومدى احترام هذه السلطة
لحقوقهم وحرياتهم. هذا فضلاً عن إتاحة
الفرصة (للسلطة الرابعة) أي سلطة
الصحافة والإعلام لمراقبة الحكومة
والعاملين في الإدارة، وقيامها بمهمة
نقل المعلومة والتواصل بين الناس. إضافة
إلى إسقاط أدوات الحكومة ومن هم في
مركز القرار والحاكمين وما يتبعهم من
أجهزة الأمن (والقمع) والتأديب والتي
قد تتغول فتسيطر على السلطة نفسها،
وتصبح هي بذاتها السلطة صاحبة القرار
والباع الطويل، ليس فقط في القبض على
السلطة وإنما أيضاً في الاستيلاء على
الثروة. وهكذا
فإن السلطة تعني هذا كله، ويمكنها أن
تكون أداة للتنسيق بين فعاليات
الدولة، أو وسيلة للسيطرة على الدولة
والمجتمع، ويكبح القانون عادة جماح
هذه السلطة وجنوحها نحو الانحراف عن
مهماتها الأصلية ولهذا لا تطبقه ولا
تحترمه، بينما تتمسك الدول والمجتمعات
الديمقراطية بالقانون وتؤكد دائماً
على سيادته وتطبق ذلك قولاً وفعلاً،
حتى أصبحت سيادة القانون هي المعيار
الرئيس لديمقراطية هذه الدول وحداثتها
وعدالتها. وتساعد
القانون على أداء مهماته منظمات
المجتمع المدني، وأحياناً منظمات
المجتمع الأهلي بما لها من قدرة
تقليدية وتاريخية، وكذلك تفعل الأحزاب
السياسية والتنظيمات الاجتماعية بشكل
عام، وعندما تنحرف السلطة وتقبض على
شؤون الناس بدون حق وتتغول قواها
الأمنية والتعسفية، ولا تحترم
القانون،. وتسطو
على الثروة والسلطة، وترفض مشاركة
الناس فيهما وفي إدارة شؤون حياتهم،
ولا تحترم حقوقهم كمواطنين ولا كبشر،
عندها يصبح إسقاط هذه السلطة هو الحل
الجدي والجذري الوحيد لتخليص المجتمع (والدولة)
والناس مما هم فيه. أما
النظام السياسي فأمره مختلف عن السلطة
بالتأكيد، لأن مضمونه مختلف وماهيته
كذلك، إضافة لوظيفته ودوره الإداري
والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فهو
يتضمن الدولة وإداراتها ومؤسساتها
وآليات عملها، ودورها
كدولة في
تنظيم حياة الناس ولعب دور الحاضن لهم
باعتبارها لجميع الناس . وليس
لأهل السلطة، كما يتضمن مجمل الأنظمة
الاقتصادية والاجتماعية والحقوق
والواجبات والقوانين الناظمة لحياة
الناس ومؤسسات الدولة (الإنتاجية منها
والخدمية) وآلية عمل هذه المؤسسات
وفلسفتها، وما تراكم في بناء الدولة
وتقاليدها وأنظمتها وفعاليات الفئات
والطبقات الاجتماعية، وربما يطال
أيضاً بعض التقاليد والعادات والقيم
وغيرها، وهذا يعني أن إسقاط النظام هو
إسقاط لكل هذه التراكمات ولم بناه
الناس منذ قيام الدولة.. وما
اتفقوا عليه كناظم لحياتهم، وحافظ
لحقوقهم. إنه إسقاط لكل شيء من الشرطة
المدنية إلى المؤسسات الاقتصادية
والاجتماعية إلى كل شيء آخر، هذا الأمر
شهدناه في العراق، عندما أسقطت الجيوش
الأميركية الغازية النظام، فأعادت
البلاد إلى العصور الوسطى ودمرت
مؤسسات الدولة (المدنية والاقتصادية
والاجتماعية والأمنية والثقافية)
وجعلتها قاعاً صفصفاً، وألغت قوانين
كانت ناظمة لحياة الناس، وألغت مؤسسات
كانت في خدمتهم. ومسحت
كل ما توافق عليه العراقيون خلال
تاريخهم المعاصر، وزرعت بدلاً عن ذلك
مفاهيم وقيماً وعادات ومؤسسات وآليات
عمل لأجهزة الدولة مشوهة، مستوردة،
وطلبت من العراقيين أن يبدأوا بناء
دولتهم ونظامهم الاقتصادي والاجتماعي
والثقافي من جديد، مطعماً بنكهات
أميركية وأوروبية غير مناسبة غالباً
لحاجات المجتمع العراقي. وهكذا
لم يكتف الغازي الأميركي بإسقاط
السلطة السياسية، بل اسقط النظام
العراقي برمته، سياسياً كان أم غير
سياسي. بسبب وجود فرق جدي بين السلطة
والنظام، نلاحظ أن الثوار التونسيين
والمصريين أسقطوا السلطة السياسية في
كل من بلديهم بسهولة ويسر لكنهم
مازالوا يحاولون تطوير النظام أو
تغييره أو تعديله، دون أن يلاقوا نجاحا
ًكبيراً، ذلك لأن النظام السياسي يكاد
يكون متجذراً، وقد يعود بعضه إلى عشرات
بل مئات السنين أي لبدء قيام الدولة
كما أشرت. وهناك
أمر آخر هام ينبغي الانتباه إليه وهو
أن تغيير النظام الاقتصادي الاجتماعي
الثقافي.. تغييراً كلياً، يكون عادة
برنامجاً لثورة شاملة (وغالباً مسلحة)
مثلاً ثورة اشتراكية ضد الرأسمالية،
أما في الحال العربي فإن الثورات إنما
تريد تحويل النظام إلى نظام ديمقراطي
تعددي تداولي ولم تطرح في برامجها
إقامة نظام اقتصادي اجتماعي جديد، كأن
تتحول الأنظمة القائمة إلى أنظمة
اشتراكية أو ما يشبه ذلك، فالأمر إذا
لا يقتضي تغيير النظام بل تطويره،
وإسقاط السلطة السياسية التي تقف عثرة
بوجه هذا الهدف. لهذا
وذاك، وحفاظاً على التراكم متعدد
الجوانب الذي تحقق في الدول العربية
وأنظمتها الاقتصادية الاجتماعية،
ولئلا تتحول دولها ومجتمعاتها إلى
أنقاض، فإن الشعار الصحيح الذي ينبغي
أن يطرحه المتظاهرون (الثائرون) هو
إسقاط السلطة السياسية بأشمل مفاهيمها
ومعانيها وماهيتها وآليات عملها
وانحرافها وجنوحها، أما النظام فإن
تعديله وتطويره وإصلاحه بعد سقوط هذه
السلطة ليس بالأمر الصعب، ولا يقتضي
هذا الهدف إسقاطه كله، وتحمل مخاطر
ليست في حسبان أحد. ================= الثورة
السورية على طريق اللاعودة مها
بدر الدين الرأي
العام 1-10-2011 تتصاعد
الأحداث في سورية لتصل لمرحلة اللا
عودة لكلا الطرفين الخصمين على الساحة
السورية، فالنظام السوري ماض في
دمويته إلى أقصى حد، ويتضح من رفعه
لسقف القمع الدموي أن لا نية لديه
للانصياع لمطالب الشعب السوري أو
للضغوط السياسية والاقتصادية
الخارجية التي تمارس عليه، كما أنه لا
يعير انتباهاً لمجلس الأمن بمشاريعه
الاستنكارية والعقابية ولا للمجتمع
الدولي وما قد يقدم عليه في حال
استمراره باستخدام الآلة العسكرية
السورية لإبادة الشعب السوري المنتفض،
حيث ان ثقافته السياسية تنحصر في هذا
النوع من التعامل غير الآدمي مع
الآدميين الشرفاء، وهي ثقافة ورثها
النظام الحالي مع وراثته للحكم من
الأولين ويرغب في توريثها للقادمين من
بعده. هذه
الثقافة الدموية تتنافى تماماً مع أي
فكر إصلاحي يتشدق النظام السوري
بمحاولة تطبيقه في سورية اليوم، فهي
متأصلة ومتجذرة في أعماقه لأنه قام
عليها ويظن أنه لن يستمر في حكم البلاد
إلا بفرض قبضته الحديدية على العباد،
ومن هذا المنطلق يصبح الحديث عن
الإصلاح غير منطقي في ظل التجارب التي
عاشها السوريون مع هذا النظام سابقاً
وحالياً، كما أنه حديث شرب عليه الدهر
وأكل ولم يعد يصلح لهذا الزمن الدامي
الذي فرض على الساحة السورية عنواناً
واحداً فقط هو إسقاط النظام أولاً. ويتضح
أيضاً من عدد الشهداء الذين يسقطون كل
يوم كأوراق الخريف التي تتساقط الآن في
ربوع سورية، أنه لا نية للشعب السوري
للعودة إلى الوراء بل انه قد أقفل طريق
الرجعة تماماً ليكون الاتجاه إجبارياً
نحو الهدف الأسمى للشعب السوري
الثائر، وهو نيل الحرية واستعادة
الكرامة ووقف اغتصاب الإنسانية على
الملأ، فجدار الخوف الذي كان يفصل بين
المواطن السوري وحريته قد سقط،
والرغبة في بناء سورية حديثة للأجيال
القادمة قد زادت، وقيم الاستبسال
والتضحية والإيثار سجلت أعلى معدلاتها
خلال تاريخ سورية في السبعة أشهر
الماضية، وهو ما يعني أن الشعب السوري
قد حزم أمره لدفع ضريبة سكوته وخنوعه
طيلة العقود الأربع الماضية، ونيته في
تصفية حساباته السياسية القديمة
والحديثة مع هذا النظام الفاشي، ليفتح
صفحة جديدة مع نظام جديد وبأسلوب سياسي
حديث. من هنا
يزداد الوضع توتراً ودموية، وتزيد
المواجهة حدة بين كلاب النظام
المسعورة ونار الثوار المستعرة،
وتتصعد الأمور فيعزز النظام آلة قمعه
التي تحاصر بؤر الثورة لتقمعها،
ويستبسل السوريون بالتعبير عن رفضهم
للخنوع ثانية فيحولون العزاء بالشهداء
إلى تهنئة وتصدح حناجرهم بطلب الموت
ولا المذلة، متمسكين بسلميتهم
وإيمانهم بنصر الله القادم. ولعل
ما حصل في مجزرة مدينة القصير حمص خير
دليل على أن جميع خطوط العودة مقطوعة
فقد تعرضت المدينة المكلومة الواقعة
على نهر العاصي إلى مجزرة حقيقة راح
ضحيتها مجموعة من خيرة شبابها بعض منهم
من عائلة واحدة، بالإضافة إلى أعداد
كبيرة من المعتقلين والمفقودين كما تم
اكتشاف ممارسات وحشية على أطراف نهر
العاصي الذي احمرت مياهه من دماء
الشهداء حيث وجدت أشلاء جثث مسحولة
بالدبابات وأخرى تسبح في النهر ولم
يمكن التعرف على أصحابها، لكن هذه
الهمجية لم تثن أهالي القصير عن إكمال
الطريق ولم تهبط عزائمهم في الاستمرار
بالاحتجاج، فحولوا مواكب تشييع
شهدائهم إلى لوحة فنية إنسانية مشرفة
غاية في الروعة من شأنها دفع الفئة
الصامتة إلى الصراخ، والقصير في هذا
ليست المدينة الوحيدة في مصابها
وعنادها بل هي نموذج للكثير من المدن
السورية التي تعرضت لأقسى أنواع القمع
ومازالت مستبسلة في الدفاع عن حقها
وحقوقها، كالرستن الباسلة وتلبيسة
الصامدة وحمص الأبية وحماة العصية
وغيرها وغيرها. وقد
ساهم هذا النظام الفاشي من حيث لا يدري
وباختياره الأسلوب الأمني للتعامل مع
الثورة بتكريس فكرة ضرورة التخلص من
هذا النظام الإجرامي في فكر الثورة
الملتهبة، واعتبار أي إصلاح للشأن
السوري يبدأ من إسقاط النظام ومحاكمة
جميع رموزه وطردهم خارج الخارطة
السورية السياسية الحديثة، ولم يفطن
أصحاب القرار في ردهات النظام بسبب
انتمائهم للثقافة الأمنية سالفة الذكر
بأن التجارب الثورية والتاريخ القريب
والبعيد قد أثبت أن سياسة العنف
والاستبداد هي سياسة تسرع بخطى صاحبها
إلى السقوط في الهاوية، كما لم يفطن
إلى المتغيرات الكثيرة التي تحدث في
الزمان والمكان والمنطق حيث تصب
جميعها في مصلحة الثورة وحتمية
نجاحها، لكن ماذا نقول وقد اقتصر نظر
هذا النظام على رؤية ما تحت أقدامه
فقط، وراهن على من يأخذ بيده على طول
الطريق من أصدقائه الإقليميين أصحاب
المصالح المشتركة، ولم يرى أن العصا
التي يتكئ عليها هؤلاء الأصدقاء قد
تهوى على رأسه عندما تتعارض مصالحهم مع
نظرته العمياء. لقد
أخطأ نظام الأسد منذ تأسيسه بنقطتين
أولهما عدم إيمانه أن دوام الحال من
المحال وأن الأنظمة الديكتاتورية إلى
زوال مهما طال بها المقام وأن فكرة
أبدية النظام بمعنى توارثه والتي حاول
ترسيخها في عقول السوريين خلال العقود
الماضية تتعارض تماماً مع مسيرة
التاريخ وحياة الشعوب، والثانية أنه
لم يعط الشعب السوري حق قدره، ولم يدرك
خصائصه التاريخية والنفسية
والاجتماعية وحتى الطائفية ومن هنا لم
يقدر الطريقة المناسبة التي يستطيع
بها التعامل مع هذا الشعب الذي إن
أكرمته ملكته وأن قمعته تمرد، وبهذا
فقد حفر النظام خلال مسيرة حكمه قبره
بنفسه وبدأ يدق مسامير نعشه بمطرقته
ولا يزال الشعب السوري ثائراً صامداً
بانتظار أن يدق المسمار الأخير. ================= ميشيل
كيلو السفير 1-10-2011 وجه
راهب لا أعرفه هذه الملاحظة إليّ في
الأسبوع الماضي، ردا على ما يشبه رسالة
كتبتها إلى غبطة البطريرك سيدنا بشاره
الراعي أناقش فيها تصريحات سياسية
صدرت عنه. وأضاف رجل الدين الموقر
نصيحة ثانية بصيغة آمرة: ولا تكن كعب
أخيل. على هذا الكلام، الذي كنت أود أن
لا يصدر عن رجل دين، أود أن أرد اليوم،
انطلاقا من حقيقة مهمة لا تحظى بما
تستحقه من اهتمام هي الاختلاف الجوهري
بين وضع الموارنة في لبنان والمسيحيين
في سوريا. في المقالة السابقة، رأيت
الأمور من منظور السياسة، وأريد أن
أراها اليوم بمنظار التاريخ (1). من
محاسن التغيير الذي يحدث اليوم في
الوطن العربي واقعة أنه يعيد طرح
المشكلات التي ربما نكون قد تجاوزناها
بسرعة في الماضي دون أن نفكر فيها
بعمق، أو أننا أحجمنا عن التوقف عندها،
فلم نقم بتفكيكها ومناقشتها وتمثلها
فكريا ومعرفيا بما يكفي. يعود ذلك إلى
مسألتين مهمتين: ÷
أولاهما أننا عشنا تناقضات وصراعات
كثيرة وتفتيتية خلال فترة الحكم
العثماني اتصلت أيضا بالأقليات
ووجودها وعلاقاتها المحلية والدولية
وما نالته من استقلال ذاتي خاص في
أحيان ومناطق كثيرة، فبدا لنا أن من
الأفضل لنا، وقد تخطينا تلك الحقبة، أن
نتخطى أيضا مشكلاتها وندير ظهورنا لها
ونتجه إلى مسار تدامج وتشابك مجتمعي /
سياسي متزايد، يقربنا بعضنا من بعض،
على أسس وطنية، ما بعد طائفية / ما بعد
أقلوية، شرعت تتخلق قبل السقوط تحت
الاستعمار الغربي، وتعززت كثيرا خلال
حقبة النضال من أجل الاستقلال الوطني،
الذي اعتمدنا في طلبه والقتال من أجله
على وحدتنا الداخلية، التي ارتكزت على
أفكار جامعة من تراث الثورة الفرنسية
الإنساني والتحرري، تبنيناها خلال
حقبة النهضة التي عرفتها نهاية القرن
التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، ومن
عملية الإحياء اللغوي/ الأدبي، الديني
/ التاريخي التي حدثت آنذاك، وخدمت خط
الاندماج والتشابك المجتمعي /الوطني،
السياسي / الثقافي، حتى ساد اعتقاد
متعاظم بأن المسائل والمشكلات الخاصة
بالأقليات لم تعد مهمة، أو أنها تفقد
أهميتها وراهنيتها وتذهب نحو وضع تصير
معه من ماض لا نريد تذكره أو الحديث
عنه، حفل بمظالم كثيرة وقام على فرقتنا
وضعفنا. ÷
وثانيتهما أننا اعتمدنا منذ مطالع
الخمسينيات سياسات تركزت أساسا على
السلطة باعتبارها رافعة التغيير
والتقدم، وأن منظومة القيم التي عملت
هذه في إطارها ووعدت بتحقيقها في
الواقع، قامت على أسس نظرية تتجاوز أي
مكون من مكونات المجتمع، قيل إنها
تتخطى مسائل عصر النهضة من خلال تحقيق
مفرداتها المتنوعة: من الحرية الشخصية
إلى القانونية، ومن استكمال الهوية
الوطنية الموحدة على صعيد الدول
المختلفة إلى تحقيق هوية قومية موحدة
على صعيد دولة جديدة لأمة العرب
المندمجة. هذه الأسس كان يقال إنها
ستدخل العرب إلى مجال ما بعد نهضوي،
نقطته المركزية إزالة ومحو الفوارق
بين الطبقات وتكوينات المجتمع
المختلفة، التي لم يعد من الجائز
والمناسب تعريفها بمذاهبها وأديانها
وخصوصياتها، لكونها تفريقية، ويجب أن
تتعين بمصالحها ووعيها الموحدين،
اللذين يجبان أية خصوصية يمكن أن يتعين
أي شخص أو تجمع بواسطتها أو من خلالها. باختصار:
لقد تم القفز من فوق مسائل مهمة كمسائل
الأقليات، نجد أنفسنا اليوم في
مواجهتها وقد امتلأت بمحمولات خطيرة،
ليس فقط لأن الحديث عنها أو التعامل
السياسي الفاعل معها كان محظورا
ومحرما، بل كذلك لأنها استخدمت في أكثر
من مكان كحوامل للسلطة، واكتسبت مثلها
طابعا متعاليا أخرجها من مجال التداول
المعرفي الحر والعام، وأثبتت أنها
كانت قادرة على تجاوز الزمن، وتستطيع
أن تكون خطيرة في جميع الاتجاهات. أصل من
هذه المقدمة إلى المسألة التي أريد
الحديث عنها وتتصل بالفارق بين
المسيحية المارونية وشقيقتها السورية.
قال إلياس مرقص في كتاب نقدي حول
برنامج كان الحزب الشيوعي اللبناني قد
أصدره في أواخر الستينيات، وأدان
الطائفية السياسية المارونية: إن
موارنة لبنان ليسوا مجرد طائفة وحسب،
بل هم تشكيل سياسي يتجاوز الطائفة،
كثيرا ما مارس مهام تتخطى أي تكوين
مذهبي جزئي، وامتلك علاقات دولية،
وبرز بخبراته الإدارية والاقتصادية
وبقدرته على التكيف مع وقائع السياسة
الدولية وانعكاسها على لبنان والمشرق،
مع أنه امتلك دوما سوية معرفية وثقافية
لافتة، فهو ليس إذن مجرد تكوين طائفي
كغيره من طوائف لبنان والمشرق، ولديه
من الاستمرارية ما يؤهله لأن يتولى
وظائف تتخطى قدرات أية طائفة، بمعنى
الكلمة المألوف. كان
إلياس يتناول الطائفة في الماضي. أما
في الحاضر، الذي أثبت أن وضعها قريب
جدا مما قاله عنها، فقد تصرفت دوما
باعتبارها كيانا مجتمعيا صلبا
ومتماسكا، احتل موقعا مميزا منذ وقت
طويل، حظي بتغطية دولية أقرت عبر
مواثيق وترتيبات عاشت قرونا عديدة،
جعلته يسيطر على منطقة جغرافية معينة
وقوم محدد، ويتواجه أو يتصالح بهذا
القدر أو ذاك، وبصور مباشرة أو غير
مباشرة، مع القوى والمكونات الصاعدة
في لبنان وجوارها القريب والمباشر،
مما أدخله في تجاذب تاريخي مديد مع
أطراف كثيرة، داخلية وخارجية، وأضفى
عليه سمات تكاد تكون ثابتة، وفرض عليه
طرائق سلوك دولوية، ووضعه دوما في قلب
الحدث اللبناني، إن للخير أو للشر،
وحوله في النهاية من جهة تمسك
بمتصرفية، إلى طرف يمسك بالمفاصل
الرئيسة في دولة حديثة، لذلك كان من
المحال أن لا يمر كل تطور عرفه لبنان
به، سلبيا كان أم إيجابيا، وأن لا تكون
لها مواقف مؤيدة أو معارضة من أي حدث،
مهما كان هامشيا. ليس
حال المسيحيين السوريين مماثلا لهذا
أو شبيها به بأي معيار. ولم يمتلك
مسيحيو سوريا وكنائسهم وضعا يشبه ولو
من بعيد وضع الكنيسة المارونية
اللبنانية. في سوريا، كان المسيحيون في
أنشطتهم العامة إما أعضاء في أحزاب
الأغلبية، أو أنهم عملوا في حاضنة
مجتمعية وسياسية جمعتهم معها، أو
برزوا من خلال الدولة الوطنية وخدموا
في صفوفها، لذلك شابه حالهم أحوال بقية
مواطنيهم وغلب وعي المواطنة الجامع في
وجودهم على الوعي الطائفي، الذي لم
يعين مواقفهم خلال تاريخهم الحديث، بل
كان ثانويا فلم يتصرفوا بما يمليه منطق
الطوائف أو تتطلبه مقتضياتها. حدث هذا
لسببين: أولهما أن أغلبية المسيحيين
السوريين انتموا إلى فئة عرفت تاريخيا
بدرجة اندماجها العالية في المجتمع هي
فئة الروم الأرثوذكس، حتى شاع القول
بأنها «سنة المسيحية»، وثانيهما أن
المجتمع السوري لم يعبر تقليديا عن
نفسه من خلال تشكيلات طائفية أو وعي
طائفي، وأن الطائفية مستهجنة مذمومة
فيه ومنه اليوم أيضا، ليس لأنها نقيض
ما درج على الإيمان به من أفكار وأهداف
جامعة وحسب، بل كذلك لأنها عكس الوطنية
ونقيض العروبة في نظره، ولأن من شأن
سيطرتها أو هيمنتها أن تجره إلى حيث لم
يقبل إلى الآن أن يكون: مجتمعا ممزقا
متصارعا ومتقاتلا وبالتالي مفككا
وآيلا إلى الانهيار. ليست
الطائفة الوطن السياسي أو الخاص
للمواطن السوري، مسيحيا كان أم مسلما،
وليست حاضنة تحميه بل هي خطر يهدد أمنه
ووجوده، وليس في وعي المسيحي السوري
فتن طائفية أو مذهبية حمّله إياها
تاريخه، وهو لا يعيش على الخوف من
الآخر، رغم ما تبذل أطراف معينة من
جهود منظمة في هذا الاتجاه، وهو يدرك
بحدسه أنه ليس، ولا يجوز أن يكون، طرفا
في أي نزاع أو صراع طائفي أو غير طائفي،
لأن الصراع مسعى تمزيقي / تفتيتي،
سيكون هو وغيره من مواطنيه ضحاياه.
لذلك تبدو أية مواقف تتعارض مع هذا
الوضع والوعي غريبة عنه، ومخيفة
بالنسبة إليه، ومتعارضة مع تاريخه
ورغباته الحقيقية، رغم ما سببه له صعود
التطرف الإسلامي والسلطوي من قلق خلال
السنوات الأربعين الماضية، وهناك في
أيامنا من القصص والوقائع ما يؤكد عمق
توطن الوعي الذي يتخطى أي مذهب في
وجدانه وسلوكه. أليس هو من طرب لقولة
الملك فيصل الأول: الدين لله والوطن
للجميع، وقصد الجامع الأموي في دمشق كي
يقاوم الانتداب الفرنسي مع بقية
مواطنيه، حيث ألقى فارس الخوري خطبه
العنيفة وسط تهليل المصلين المسلمين؟
ألم تفتح له أبواب مساجد بانياس في
الخمسينيات للصلاة على موتاه، لأنه لم
يكن لديه كنيسة هناك يصلي عليهم فيها؟
ثم ألم يستشهد المطران جبره، مطران
اللاذقية حتى أواسط الستينيات بآيات
من الذكر الحكيم في صلواته ومواعظه؟ هذه
الحقائق هي التي دفعتني إلى الاعتراض
على ما قاله سيدنا غبطة البطريرك
الراعي. ليس من مصلحة المسيحية
والمسيحيين نقل خصوصية لبنان إلى
سوريا والتعامل مع مسيحييها بمعايير
طائفية، لما سيسببه ذلك لهم من مشكلات
هم في غنى عنها، خلال لحظة تاريخية
حافلة بالمفاجآت والمخاطر، يبدو جليا
أنها تأسيسية بكل معنى الكلمة، وأن ما
بعدها لن يكون إطلاقا ما كان قبلها،
وليس مسموحا لأحد أن يقترف أية أخطاء
جوهرية فيها، وخاصة منها تلك التي لا
يحتاج بالضرورة إلى اقترافها، انسياقا
وراء أي رجل دين أو رجل دنيا، كائنا من
كان هذا وذاك! ينصحني
رجل الدين، الذي عرفت أنه حضر اجتماع
المعارضة مع الوفد الروسي الذي زار
دمشق مؤخرا بوصفه خبيرا في حركات
الإسلام السياسي، أن لا أكون حصان
طروادة، وكعب أخيل (من الواضح لمن في
الحالتين)، وأنصحه بدوري أن لا يخوض
حروب طروادة، لأنه لن يكسبها، ولأن
أحدا قبله لم ينجح في كسبها! (1)
أوردت في مقالتي السابقة مقاطع من
كلمات ألقاها بعثيون ومستقلون خلال
حوارات المحافظات. لكن خطأ ما وقع جعل
هؤلاء وأولئك من الموالين، مع أن الأمر
ليس كذلك في واقع الأمر. إنني أعتذر عن
هذا الخطأ غير المقصود لكل من وضعته في
غير موقعه الصحيح. ================= أنقرة
تنفي وتصف عرض توزير «الإخوان
بالدعاية السوداء» .. سوريا تواجه
تركيا: «تصفير التجارة» محمد
نور الدين السفير 1-10-2011 للمرة
الأولى تدخل العلاقات التركية -
السورية في مرحلة ردّ الفعل السورية. فقد
التزمت سوريا الرسمية منذ بدء الأزمة
بينها وبين تركيا الصمت تجاه كل
المواقف التركية الرسمية، والتي كانت
تمرّ مداورة على لسان رئيسي الجمهورية
عبد الله غول والحكومة رجب طيب اردوغان
ووزير الخارجية أحمد داود اوغلو. وإذا
كان وزير الخارجية السوري وليد المعلم
قد رفض مرة التدخل التركي في الشأن
الداخلي السوري، فإن الرئيس بشار
الأسد لم ينتقد أنقرة علناً، ولا في أي
حوار أو تصريح. ولكن
منذ أيام قليلة بدأت تظهر تسريبات غير
مباشرة ولكن «حرفية» عن لسان الأسد
تتعلق بالموقف التركي وتنتقده. فمنذ
فترة قصيرة اعتبر الرئيس السوري، في
لقاء مع وفد من المعارضة التركية، أن «الشعب
التركي شيء وحكومة حزب العدالة شيء آخر».
وبالأمس نقلت «السفير» أن الأسد تحدث
منتقداً الأردوغانية قائلاً «لا
للعثمنة» في إشارة قوية إلى أن تركيا
تنتهج سياسات عثمنة تجاه الوضع في
سوريا. كذلك قول الأسد، في لقاء مع
مسيحيي سوريا، إن دمشق ترفض أن تحلّ
العثمنة مكان العروبة، وأن تدير أنقرة
المنطقة عبر الإخوان المسلمين الذين
مركزهم الرئيسي، بحسب الأسد، في أنقرة.
كلام
سوري جديد؟ نعم، وهو مؤشر على أن مرحلة
جديدة من العلاقات بين البلدين قد
بدأت، وربما تعكس انتقال دمشق في
علاقتها مع أنقرة من الدفاع إلى الهجوم.
ومن
علامات ذلك، القرار الذي اتخذته
الحكومة السورية بوقف استيراد البضائع
التي تتجاوز نسبة الضرائب عليها خمسة
في المئة، والصرخة التي بدأت ترتفع في
تركيا من جراء هذا القرار. وهنا عكست
الأوساط الاقتصادية التركية قلقاً من
الخطوة السورية التي تطال قطاعات
اقتصادية مهمة، وأحد أهم شرايين
الحياة في اقتصاديات المحافظات
التركية القريبة من سوريا، والتي
انتعشت كثيراً في السنوات الأخيرة. وتنقل
صحيفة «راديكال» عن رئيس اتحاد مصدّري
المواد المعدنية والحديدية في اسطنبول
مراد أق يوز قوله إن القرار السوري
يشمل عملياً كل الصادرات التركية إلى
سوريا من المواد الغذائية ومواد
البناء إلى الملابس والأنسجة والمواد
الكيميائية. وأضاف «هذا يعني قطع
التجارة تماماً بين سوريا وتركيا».
ويرى أق يوز أن «القرار سياسي». أما
رئيس اتحاد المصدرين في جنوب شرق
الأناضول عبد القادر تشيكماز فيقول إن
القرار السوري هو «تصفير التجارة» بين
تركيا وسوريا. غير ان
ردة الفعل الأقوى جاءت من وزير
الاقتصاد التركي ظافر تشاغليان الذي
ذكّر السوريين بأن الإجراءات السورية
تنتهك اتفاقية التجارة الحرة بين
البلدين. وقال إنه اذا كان السوريون
يعتقدون أنهم يعاقبون تركيا فإن «أحداً
يده ليست فارغة، والعقوبة تستدرج
عقوبة مضادة». واضاف
تشاغليان، في مؤتمر اقتصادي عقد أمس في
اسطنبول، ان الاجراءات السورية تضرّ
بالاقتصاد والصناعة السورية، لأن وقف
تركيا لاستيراد المنتجات السورية
سيلحق أذى أكبر بالاقتصاد السوري. وقال
ان كبرى الاقتصاديات العالمية تستورد
بأحجام وأرقام كبيرة، ومنها الولايات
المتحدة والصين وهذا لن يؤثر على
قدرتها، وتركيا دولة كبيرة اقتصادياً،
ولن يؤثر عليها وقف تصدير محدود من أصل
صادراتها البالغة 300 مليار دولار، فيما
وقف تركيا استيراد منتجات سورية بقيمة
700-800 مليون دولار سنوياً سوف يترك
آثاراً سلبية على الاقتصاد السوري. واذ
دعا تشاغليان السوريين الى التراجع عن
«هذا الخطأ» قال إن الانغلاق على
الخارج لا يؤسس لديموقراطية. ونشرت
الصحف التركية أمس صوراً لبوابات
العبور الجمركية مع سوريا، فبدت خفيفة
الحركة. وقد لفتت صحيفة «ميللييت» إلى
أن حجم التجارة بين سوريا وتركيا قد
تضاعف 200 في المئة، إذ كان عام 2005 حوالى
823 مليون دولار وأصبح العام 2010 حوالى
مليارين ونصف المليار دولار. وقد بلغ
حجم صادرات تركيا إلى سوريا في الأشهر
الثمانية الأولى من العام الحالي (2011)
ملياراً و152 مليون دولار. من جهة
ثانية، نفت أنقرة ما أوردته وكالة
فرانس برس من أن تركيا عرضت على الأسد
توزير أربعة من الأخوان المسلمين في
الحكومة السورية. ووصف المستشار الخاص
لوزير الخارجية غورجان باليق «إن هذه
دعاية سوداء» تستهدف كسر تأثير تركيا
الذي هو إلى جانب كل الشعب السوري».
وقال إن وراء هذه الدعاية النظام
السوري الذي يقود دون خجل حملة تخويف
من الإسلاميين، مضيفاً إن هذه
الأكاذيب لا يمكن أن تستمر. على
صعيد آخر نقلت صحيفة «راديكال» ان
اللقاء بين رئيس الحكومة التركي رجب
طيب اردوغان والرئيس الأميركي باراك
اوباما أسفر عن اتفاق للتعاون الأمني
في إطار «الشراكة النموذج» بين
البلدين. وينصّ الاتفاق على متابعة
خبراء أميركيين أساليب تدريب فرق
الحماية الخاصة بكل من رئيسي
الجمهورية عبد الله غول والحكومة
اردوغان. وهي اساليب مطبقة في الولايات
المتحدة واوروبا واسرائيل. وقد وصل
الفريق الأميركي فعلاً إلى أنقرة
وأبدى إعجابه بحِرفية فرق الحماية
التركية. وبلغ
عدد أفراد الفريق الأميركي ستة، حملوا
معهم كل الأدوات التي يحتاجونها في
عمليات التدريب والمتابعة، وقد خصّصت
السفارة الأميركية في أنقرة لكل عنصر
مترجماً خاصاً. ================= علي
حماده النهار 1-10-2011 تكشف
المواجهات في محافظة حمص وسط سوريا بين
الجيش السوري التابع للنظام، والجنود
المنشقين المنضمين الى الثورة السورية
ان الامور تتعاظم بفعل الوحشية غير
الاعتيادية التي مارسها النظام في حق
التظاهرات السلمية على مدى ستة اشهر
وادت الى قتل ما يزيد على الثلاثة آلاف
وخمسمئة مواطن اعزل، وجرح اكثر من
عشرين الفا، و اعتقال خمسة عشر الفا.
فالسلمية التي تبقى حتى اللحظة
الراهنة السمة العامة للثورة السورية
تواجه اكثر الانظمة وحشية و دموية في
عالمنا. نظام مستعد ان يقتل عشرات
الآلاف للبقاء و للاستمرار في حكم بلاد
الشام بالحديد والنار. نظام لن يتوانى
عن دفع البلاد نحو صراع طائفي مذهبي
لكي يفلت من الاجل المحتوم. نظام لم
يتأخر ولن يتأخر عن دفع ثورة الناس
العاديين السلميين الى زاوية يستحيل
معها ان يستمروا الى ما لا نهاية في
مواجهة القتلة بالتظاهر السلمي. ومن
هنا اهمية الانشقاقات التي تحصل في
الجيش السوري، وتأتي بسبب التذمر
الكبير في الجيش من توريطه في قتل
الشعب، فتحول دون تسلح الشعب على نطاق
واسع باعتبار ان "كتائب ثورية"
تواجه جيش النظام في محاولة لحماية
الناس من الموت المحتوم. لقد
تحملت الثورة في سوريا، وتحمل المواطن
السوري العادي ما لا يحتمل من آلة
القتل التي يديرها النظام بلا هوداة،
وصمدوا كما لم يصمد شعب في المشرق
العربي امام القتل الممنهج الذي يذكر
بالاساليب الاسرائيلية في فلسطين، ومع
ذلك واصلوا النزول الى الشارع مطالبين
بسقوط النظام. وفي المقابل وجدنا
النظام يتورط في مجازر لم تقف عند حد
استخدام الرصاص، بل تعدته الى حد
استخدام المدفعية والدبابات وحتى
الطائرات وسط تعامل دولي وعربي خجول،
وقاصر عن التصدي للقتل في سوريا. يقال
ان بشار الاسد يستند في معركته الى جيش
لا يزال متماسكا حتى اللحظة، وان
النظام قوي بالمعايير العسكرية، ولكن
ما يغيب عن اصحاب القول ان بشار الاسد
ونظامه نجحا في تحويل الجيش السوري الى
جيش احتلال في بلاده! اي ان الجيش
المؤتمِر بالنظام الى الآن يحتاج قتل
ما معدله خمسين مواطنا في اليوم،
واجتياح خمس او ست مدن كي لا يسقط
النظام نفسه. هذه خصائص جيوش الاحتلال
التي تسيطر من دون ان تسيطر. انه جيش
احتلال حقيقي لا يستقيم يومه ما لم
يقتل عشرات المواطنين. اكثر من ذلك،
وفي معرض التطرق الى خصائص
الاحتلالات، فإن التخريب المتعمد
للممتلكات، وحرق البيوت والاشجار، و
قتل المواشي (مجزرة الحمير مثالا)،
وصولا الى قتل الاطفال (حمزة الخطيب)
وخطف البنات، واغتصابهن ثم قتلهن
والتمثيل بجثثهن (زينب الحصني) كلها
اعمال عادة ما تقوم بها قوى احتلالية،
او مجموعات ميليشيوية في اطار نزاع
اهلي داخلي، لا جيوش وطنية. ================= "أوراق"
سوريا الأسد نظرية في معظمها! سركيس
نعوم النهار 1-10-2011 المتابعون
الموضوعيون لما يجري في سوريا لا
يستبعدون، وإن نظرياً فقط، احتمال
نجاح نظامها في القضاء على الانتفاضة
بالقوة العسكرية وإن اسال ذلك انهاراً
من الدماء. لكنهم يؤكدون ان ذلك
سيحوِّل سوريا دولة مماثلة لكوريا
الشمالية المعزولة تقريباً دولياً
لسجلها الاسود في قضايا حقوق الانسان
والحريات والديموقراطية، والضعيفة
اقتصادياً الى درجة الفقر والجوع،
والفاقدة التأثير في السياسات
الاقليمية خلافاً للسابق. ولا يستبعد
هؤلاء ايضاً، وإن نظرياً فقط، احتمال
استمرار الانتفاضة السلمية مع تصاعد
العمليات العسكرية تدريجاً. كما لا
يستبعدون قدرة النظام على التعايش مدة
طويلة مع هذا الواقع. لكنهم عملياً لا
يبدون مقتنعين بهذا الاحتمال.
فالانتفاضة تطاول تقريباً كل محافظات
سوريا ولذلك لا يسهل التعاطي معها
بكفاءة. واستمرار هذه الحال طويلاً
مستحيل. إذ ليس امامها إلا الانتهاء او
التطور. والانتهاء معروف. اما التطور
فهو مخيف لأنه قد يكون نوعاً من الحرب
الاهلية. وهناك في اوساط حليفة لسوريا
ومؤيدة لحربها من منطلق أقلوي، مَن
يتمنى استمرار ما يجري فيها، وإن
تفاقم، سنوات طويلة وذلك كي يفرض على
المنطقة التي ستتأثر به كما على العالم
البحث الجدي في صيغ لحماية الاقليات.
والحماية لا يمكن ان تكون في عالم "متخلف"
الا التقسيم او ما يشابهه. في اي
حال نعود الى "الموقف" الصادر امس
لنشير الى ان المتابعين الموضوعيين
لما يجري في سوريا الاسد انفسهم لا
يوافقون حلفاءها على امتلاكها اوراقاً
ثمانياً، لا سبعاً كما ورد خطأ في
عنوان الامس، تسمح لها بالاستمرار في
سياسة المكابرة والمعاندة والمواجهة
المسلّحة للانتفاضة الشعبية السلمية
رغم ميل بعضها الى "التعسكر".
فروسيا الاتحادية لن تذهب الى الحرب او
الى المواجهة الشاملة مع اميركا
والمجتمع الدولي كرمى لعيون النظام في
دمشق. وهي تحاول مساعدته، وفي الوقت
نفسه تحاول من خلال التفاوض مع اميركا
واوروبا حول المقابل الذي يدفعها، اذا
اخذته، الى السير معهما في الموضوع
السوري، او على الاقل الى التعاون
معهما جدياً لإيجاد مخرج يحقق الاصلاح
الجدي والفعلي في سوريا. وروسيا
هذه تخشى حالياً مصاعب مالية
واقتصادية على ما ورد في إعلام الامس.
وإذا كانت هذه المصاعب عند اميركا
تمنعها من بلوغ اهدافها السورية، وهي
القوة الاعظم عسكرياً واقتصادياً رغم
مصاعبها، فإن مصاعب روسيا ستمنعها
قطعاً من المغامرة. والصين الشعبية
تعرف موقعها وحجمها جيداً. فهي القوة
الدولية الوحيدة المؤهلة لأن تصبح قوة
عظمى. لكن ذلك تلزمه سنوات طويلة وتقدم
هائل في كل المجالات وثبات لاستقرار
الداخل فيها. والاخير غير اكيد لأن
الاستقرار المفروض بالقوة قد يتداعى
اذا هبت نسائم الحرية او رياحها. وهي
ليست منخرطة في مناورات مع اميركا او
مواجهات في منطقة للاخيرة فيها مصالح
استراتيجية كالشرق الاوسط. وكل ما
يهمها هو الاعتراض حيث يجب ولكن بهدوء
حيناً بالامتناع عن التصويت في مجلس
الامن، وحيناً آخر بممارسة "الفيتو"،
علماً انها لم تمارسه من زمان.
والبرازيل وافريقيا الجنوبية والهند
لم تتخذ موقفاً ايديولوجياً مؤيداً
لسوريا بدليل موقفها المؤيد لمشروع
القرار "السوري" الاخير في مجلس
الامن رغم رفض روسيا له. وهذا مؤشر على
تطور محتمل في مواقفها مستقبلاً. اما
العراق فاستمرار تنسيقه مع سوريا
الاسد يرتبط بايران الاسلامية، والامر
نفسه تقريباً بالنسبة الى "حزب الله"
اللبناني. وايران هذه ستبقى الوحيدة
التي تساعد النظام السوري وإن تخلى عنه
الجميع لاعتبارات متنوعة. لكنها، وهذه
حقيقة تعرفها دمشق، لن تنتحر اذا رأت
ان الاسد قرر الانتحار، ولن ترفض صفقة
مع اميركا اذا أمنت لها دوراً اقليمياً
مميزاً وإن كان ذلك على حساب سوريا. اما
الشعب السوري فانه لا يختلف من حيث
الجوهر عن الشعب اللبناني وعن الشعوب
العربية الاخرى من حيث التناقض الذي
تثيره العصبيات المذهبية والدينية
والطائفية والقبلية. وعدم التحدث عن
ذلك علناً في هذه الامور كان بسبب
استقرار فرضه القمع وليس بسبب علمانية
اسسها النظام. ولو كان فعل ذلك مؤسسه
لربما كانت حال سوريا افضل. لكن "فات
الميعاد" على ذلك. وأما عدم وجود
مصلحة لاسرائيل في سقوط النظام فإن هذه
حجة في غير مصلحته، فضلاً عن انها لا
تستطيع ان تساعده وإن ارادت ذلك، علماً
انه لا يريد مساعدتها. في
اختصار سوريا النظام في وضع صعب.
وسوريا الشعب المنتفض او الثائر في وضع
مماثل. والمستقبل غامض، لكن لونه يميل
مع الأسف الى "الاحمرار". ================= اتساع
الهوة بين النظام والشعب في سوريا علي
الصفدي الرأي
الاردنية 1-10-2011 تتسع
الهوة وتتعمق يوماً بعد يوم في سوريا
بين النظام الحاكم والشعب، جرّاء
التجاهل الكلي لمطالب الحراك الشعبي
المنادي بالحرية والديمقراطية
والإصلاح، واقتصار التعامل معه على
لغة القمع الأمني والعسكري والبطش
التسلطي بدلاً من لغة الحوار وبناء
جسور الثقة والتفاهم والتجاوب مع
إرادة الشعب وصون حقوقه، وقد أدى
التصعيد المبالغ فيه وغير المسبوق
عسكرياً باستخدام الدبابات
والمروحيات ضد المواطنين المدنيين،
وتحويل الداخل السوري إلى جبهة حرب،
إلى إصرار الحراك الشعبي الذي اتسع
نطاقه على مواصلة انتفاضته ورفع سقف
مطالبه، وتغيير الصيغة السلمية لحراكه
ومواجهته العنف بعنف مضاد لجأت إليه
بعض قوى المعارضة، ولم تستغرب الحكومة
الأمريكية لجوء المعارضة السورية
للعنف في مواجهة النظام دفاعاً عن
النفس، إذ أعلن الناطق باسم الخارجية
الأمريكية (مارك كونر) أنه كلّما واصل
النظام قمع وقتل واعتقال الناشطين
السلميين، كلما صار مرجحاً أن يتحول
التحرك السلمي نحو العنف، وتقع
المسؤولية في ذلك على النظام الذي
يستمر في استخدام العنف ضد المدنيين. لقد
مُني النظام السوري نتيجة إفراطه في
استخدام القوة ضد شعبه سلسلة من
الخسائر الجسيمة، فعلاوة على فقدانه
لثقة المواطنين لعدم استجابته الفعلية
لمطالبهم الإصلاحية والاكتفاء بوعود
لفظية إعلامية مارست قواته عكسها
تماماً، تأثرت علاقاته سلباً بدول
كانت في عداد حلفائه مثل تركيا الذي
حاول رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان حث
سوريا على التغيير والإصغاء لمطالب
شعبها وإقناع نظامها بأن مصدر
المصداقية لأي نظام حاكم لا تأتي إلا
من إرادة شعبه، وأن أي سيادة دون إرادة
الشعب لا تكون شرعية، وأن تركيا تقف مع
الشعب لا مع النظام، وقد أعلنت تركيا
عزمها على فرض مجموعة من العقوبات ضد
النظام السوري ستطال الجيش والعلاقات
المصرفية وقطاع الطاقة وغيرها
استكمالاً للحظر الذي فرضته على وصول
الأسلحة إليها، وأضيفت هذه العقوبات
إلى ما فرضه الاتحاد الأوروبي من
عقوبات بدأت آثارها بالظهور على
الاقتصاد السوري، إذ ذكرت صحيفة (واشنطن
بوست) أن سوريا عاجزة عن إيجاد أسواق
لبيع نفطها، وكانت أوروبا تستورد 95% من
نفطها. ولم
تقتصر حملة انتقادات حلفاء سوريا لها
على تركيا بل شملت إيران أيضاً حيث
طالبها الرئيس الإيراني محمود أحمدي
نجاد بوقف العنف ضد المحتجين وأكد أن
المواجهات والمصادمات لن تفيد نظامها
بل تؤدي إلى تفاقمه والذي ينبغي عليه
الجلوس إلى طاولة الحوار مع شعبه
والقائم على الاحترام والتفاهم
المتبادل لحل سائر المشاكل، فالعدالة
والحرية والاحترام حق لكل البشر. وفيما
يعلن الرئيس الأسد إنهاء الأزمة في
سوريا وأن مدنها تستعيد استقرارها
الكامل، تتواصل حملات القمع
والاعتقالات التي اتسعت لتشمل طلبة
المدارس والجامعات، مما دعا الهيئة
العامة للثورة السورية إلى مناشدة
مجلس الأمن الدولي لتأمين حماية فاعلة
للمدنيين ودعوة النظام إلى وقف فوري
لإطلاق النار في سوريا، وفي هذا السياق
أعدت الدول الأوروبية مشروع قرار
لعرضه على مجلس الأمن يشجب القمع
الدامي في سوريا ويلوح بفرض عقوبات ضد
حكومتها إذا لم توقف العمليات
العسكرية ضد المدنيين. فالهوة
تتسع ليس بين النظام والشعب فقط، بل
بين سوريا النظام وبين المجتمع
الدولي، بما فيه حلفاؤها السابقون،
ودول الاتحاد الأوروبي التي ترفض لغة
العنف والقمع ضد الشعوب، وتعرضت جراء
ذلك لخسائر سياسية واقتصادية على حد
سواء. ================= السبت،
01 تشرين الأول 2011 01:52 فهمي
هويدي السبيل خلال
مؤتمر «الصحوة» الذي شهدته في طهران.
كان هناك حضور قوي للافتات التضامن مع
المظلومين في البحرين، ولا ذكر على
الإطلاق لمظلومية الشعب السوري. بل إن
مجرد ذكر محنة السوريين الراهنة كان
يفتح الباب لسجال أثناء المناقشات
تعلو فيه أصوات المدافعين عن نظام دمشق
باعتباره رائد الممانعة وحامى حمى
المقاومة، والمستهدف من قوى الاستكبار
المتحالفة مع الصهيونية. حتى حينما قلت
إننا مع المظلومين في البلدين، فإن ذلك
لم يعجب المدافعين عن الرئيس بشار
الأسد وجماعته، وظللت ألاحق طوال
الوقت بالتحفظات والاعتراضات من جانب
بعض الإيرانيين المتحمسين وآخرين من
الشبان البحرانيين الذين هربوا من
بلادهم ولجأوا إلى إيران، حيث انطلقوا
منها للدافع عن قضيتهم بشتى الوسائل. أكثر
ما أقلقني في الموقف الإيراني أنه غلب
الحسابات والمصالح السياسية على
الموقف المبدئي. إذ ليس سرا أن ثمة
تحالفا استراتيجيا بين طهران ودمشق،
وأن ذلك التحالف كان له أثره الفعال في
دعم المقاومة الوطنية اللبنانية ممثلة
في حزب الله وحلفائه. كما أنه أسهم في
تثبيت موقف النظام السوري ومساندته في
مواجهة الكثير من العواصف التي تعرض
لها. وفي الوقت ذاته فإنه أفاد إيران من
زاويتين، الأولى أنه كسر طوق العزلة
التي فرضتها عليها الولايات المتحدة
وحلفاؤها، والثانية أنه مكن إيران من
أن تلعب دورا مؤثرا في الخريطة
السياسية للعالم العربي. أهم من
ذلك التحالف واسبق عليه أن الثورة
الإسلامية في إيران قامت أساسا ضد
الظلم، ولها مواقفها المشهودة في
الدفاع عن المظلومين والمستضعفين،
ودفاعها القوى منذ لحظات انتصارها
الأولى في القضية الفلسطينية ينطلق من
هذا الموقف المبدئي والأخلاقي. وثورة
هذا منطلقها وموقفها ما كان لها أن
تسكت على الوحشية والبشاعات التي
يتعامل بها النظام السوري مع معارضيه،
ليس فقط لأسباب إنسانية وأخلاقية ولكن
أيضا لأنهم مسلمون موحدون بالله.
تفترسهم بلا رحمة أجهزة النظام و«شبيحته»،
وتعاملهم بأسوأ مما يتعامل به
الإسرائيليون مع الفلسطينيين. وأشك
كثيرا في أن المسئولين الإيرانيين
يجهلون كل ذلك، ويدهشني للغاية أن
يكونوا عارفين، ثم يتجاهلون ويلتزمون
الصمت، كما أنني استغرب كثيرا أن
يكونوا قد غرر بهم، بحيث صدقوا أن
الحاصل جزء من مؤامرات الإمبريالية
والصهيونية. في هذا
المشهد كان واضحا أن كفة المصالح رجحت
على كفة المبادئ، الأمر الذي يدعوني
آسفا إلى القول بأن ذلك يسحب الكثير من
الرصيد الأخلاقي للجمهورية
الإسلامية، الذي يفترض أنه أكثر ما
يميز انتماءها الإسلامي. لا أنكر أن
الرئيس الإيراني أحمدي نجاد خفف
الصورة بصورة نسبية خلال الأسابيع
الماضية، حين قال إن النظام السوري
يتعين عليه أن يستجيب لرغبات الشعب،
لكن هذا التصريح بدا وكأنه مجرد خط
أبيض في لوحة كبيرة غارقة في الدم،
تواجد حقا لكنه لم يغير شيئا من الصورة. قلت
لمن ناقشني من الإيرانيين أنني متفق مع
كل ما يقولونه عن موقف النظام السوري
إزاء القضية الفلسطينية والمقاومة
اللبنانية وانحيازه إلى صف الممانعة،
وذلك كله مما يحسب له لا ريب. ويمكن أن
نعتبره الجزء الملآن من الكوب. لكن
الشق الآخر الذي يتعلق بالسياسة
الداخلية ويعد القمع الوحشي وغير
الإنساني عنوان له لا يمكن اغتفاره تحت
أي ظرف. ولا ينبغي السكوت على القتل
والسحل وتقطيع أوصال المعارضين بحجة
الحفاظ على الممانعة والموقف القومي،
حيث لا يمكن أن يكون النظام شريفا في
علاقاته الخارجية وقاتلا لشعبه في
الداخل. ومن شأن استمرار هذا المنطق أن
يكفر السوريون بالممانعة والمقاومة
وبالخط القومي إذا أدركوا أن تلك
العناوين ضرورية لتسويغ إذلالهم
الاستمرار في قتلهم بصورة يومية. ولولا
أصالة الشعب السوري وصدق انتمائه
القومي لأشهر المتظاهرون ذلك الكفر
منذ بداية انتفاضتهم قبل ستة أشهر. حيث
مبلغ علمي أن الجماهير الغاضبة مع كل
تلك العناوين، لكنها أيضا مع الدفاع عن
حريتها وكرامتها وكبريائها. قلت
للشبان البحرانيين الذين عاتبوني
لأنني لم أكتب عن معاناة أهلهم، أنني
متضامن مع مظلوميتهم، وأرى أنهم ينبغي
ألا يكفوا عن المطالبة بوقف
الانتهاكات التي يتعرضون لها وبحرية
الانتخابات، لكنى لا اتفق مع دعوة
البعض منهم لإسقاط النظام في البحرين،
حيث ذلك مطلب يتجاوز بكثير السقف الذي
تحتمله خرائط منطقة الخليج. ودعوتهم
إلى تمثل التجربة الكويتية، التي كانت
قد لحقت بالبحرين في الممارسة
الديمقراطية. ذلك أن المعارضة هناك
تعمل من خلال النظام وقد تشتبك معه،
لكنها لم تطرح فكرة تغييره أو إسقاطه.
لم أعرف بالضبط مدى اقتناعهم أو
استجابتهم لما سمعوه منى، لكنني أرضيت
ضميري وقلت كلمتي ومشيت. ================= المعارضة
السورية بين الزهد والمشاركة في
جرائم النظام وليد
الحاج القدس
العربي 1-10-2011 لم يكن
المرء يتصور أن يصل الحال بالمعارضة
السورية الى ما وصلت إليه من تشتت
وفرقة وصراع على المناصب والكراسي،
كما صرّح بذلك المعارض البارز هيثم
المالح حين خرج غاضبا من مؤتمر
أنطاليا، في الوقت الذي تشير فيه
الأخبار المسربة من الداخل الى أن
السلطات السورية تعمل ومنذ فترة،
استعدادا في ما يبدو للمرحلة القادمة،
على تشكيل أحزاب سياسية وتقوم بتعيين
رؤساء لهذه الأحزاب واختيار أسماء
براقة لها، والهدف منها وكما تشير
المصادر، هو تقسيم الشارع المعارض
لمجموعة أحزاب كثيرة وتقسيم المواطنين
بين هذه الأحزاب، بالمقابل يقوم
النظام بتجهيز حزب جديد يضم وجوه
النظام القديمة، بحيث يستطيع هذا
الحزب من خلال قواعد حزب البعث السابقة
ومؤيديه من الطوائف والعشائر
والمنتفعين خوض غمار أية انتخابات
مقبلة والفوز فيها بكل يسر وسهولة. الجمعة
ما قبل الأخيرة حملت تسمية (وحدة
المعارضة) مطالبة بضم جميع القوى تحت
لواء واحد يقوم بالتعبير عن تطلعات
الشعب ورغباته ونقل مطالبه للرأي
العام العالمي ومخاطبته باللغة التي
يفهمها ويحب أن يسمعها. ولكن
هذه الجمعة تحديدا وبدلا من توحد
المعارضة كشفت عن حجم الخلافات في
صفوفها وتباين الرؤى والتوجهات بين
تياراتها المختلفة، حتى أن بعض
أطرافها بدا متناغما مع النظام ويتبنى
وجهة نظره، وهذا ما حصل في مؤتمر حلبون
في ريف دمشق بلاءاته الثلاث التي خرج
بها (لا للعنف ،لا للطائفية، لا للتدخل
الخارجي)، حيث ضم المؤتمر مجموعة من
قوى المعارضة التقليدية الليبرالية
منها واليسارية في الداخل، مع شخصيات
معارضة من الخارج سمح لها النظام بحضور
المؤتمر في خطوة مفاجئة عللّها منظموه
بتزامن انعقاده مع زيارة وفد البرلمان
الروسي، الذي أراد النظام من خلاله
توجيه رسالة للروس بأنه بات ديمقراطيا
ومنفتحا بشكل أكبر على قوى المعارضة
وتقبل الرأي الآخر، في حين فسّرها
البعض بأنها موافقة ضمنية على المؤتمر
ونتائجه المتوقعة والمعروفة سلفا من
قبل النظام. وحقيقة
الأمر فإن التصريحات التي سمعها
الشارع السوري بُعيد انفضاض المؤتمر
من بعض الأعضاء المشاركين فيه تشير الى
أن شيئا ما قد تغير، ففضلا عن اللاءات
الثلاث للمؤتمر التي لاقت انتقادات
حادة من قبل اتحاد تنسيقيات الثورة
السورية الذي يعتبر المحرك الحقيقي
للشارع السوري على الأرض، فإن تلك
التصريحات شكلت صدمة حقيقية، خاصة
أنها صدرت عن معارضين كانوا الى وقت
قريب من أشد المؤيدين للثورة
والمطالبين بإسقاط النظام. أحد تلك
التصريحات عبر عنه سمير العيطة أحد
أعضاء المؤتمر لصحيفة 'الأهرام' صبيحة
جمعة وحدة المعارضة (23-9-2011) قال فيه (لم
تعد المعركة في سورية بين الشعب
والسلطة، ولكن هناك معركة أخرى تقودها
قوى إقليمية وغربية وخليجية على سورية)
بل وحاول عيطة في حديثه ذلك إحداث
بلبلة ونوع من الفرقة والشقاق بين
ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي
والمتظاهرين على الأرض بقوله: (نجح بعض
منظمي أسامي الجمعات في رفع شعار جمعة
الحماية الدولية وطالب البعض بحظر جوي
ولكن هذه الدعوات قوبلت بانتقاد واسع
من التنسيقيات السورية الموجودة بكل
مكان، فأغلبية الناس في سورية يرفضون
التدخل الأجنبي ولا يؤيدون قراراً من
مجلس الأمن) وهو أمر مخالف للواقع
ومجاف للحقيقة بشكل تام، فالجميع شاهد
كافة اللافتات المرفوعة وسمع الشعارات
المطروحة في جمعة الحماية الدولية،
التي طالبت المجتمع الدولي صراحة
بالتدخل لحمايتهم من النظام السوري
وآلته القمعية. وفي
لقاء مع المعارض حسين العودات على شاشة
قناة الجزيرة في منتصف نهار جمعة
الوحدة الوطنية، وهو أحد أعضاء مؤتمر
حلبون، فاجأ العودات أيضاً مشاهديه
السوريين بالقول بأن ما تتفق عليه
المعارضة اليوم هو (الضغط على النظام
حتى يتغير نحو الديمقراطية ويصبح
ديمقراطيا) من دون تطرقه للمطلب
الرئيسي للشارع السوري وهو إسقاط
النظام. لؤي
حسين عضو بارز آخر في هيئة التنسيق
الوطنية المنظمة لمؤتمر حلبون هو
الآخر صدم الشعب السوري في حديث أدلى
به لصحيفة 'نيويورك تايمز' ونشر في
اليوم التالي لجمعة وحدة المعارضة
أشار فيه الى (استعداد المعارضة
السورية للتصالح مع الرئيس بشار الأسد
إذا كان ذلك ضروريا لمنع حرب أهلية في
البلاد). هيثم
مناع الناطق باسم اللجنة السورية
لحقوق الإنسان كان أشار أيضا قُبيل
جمعة وحدة المعارضة في اتصال مع قناة
روسيا اليوم إلى (وجود توجه يأتي من
الخارج، من دول الخليج بحسب اعتقاده،
يسعى بأي شكل من الأشكال لتشكيل هياكل
للمعارضة السورية على وجه السرعة)، أما
المعارض ميشيل كيلو فربما كان من
السباّقين، وذلك في مرحلة مبكرة جدا من
عمر الثورة السورية للحديث عن جماعات
مسلحة تقاتل النظام، في الوقت الذي لم
يكن يسمع فيه الشعب السوري والعالم
بأجمعه سوى أصوات طلقات وقذائف دبابات
النظام وأسلحته الثقيلة. في
الحقيقة لابد من الإشارة الى أن
تصريحات أعضاء هيئة التنسيق الوطني
جاءت رد فعل على الاعتراف الصريح من
اتحاد تنسيقيات الثورة السورية ب(المجلس
الوطني السوري) الذي أُعلن عن تشكيله
في 15 أيلول (سبتمبر) باسطنبول، وهذا
الاعتراف أثار حفيظة هيئة التنسيق
الوطنية وبعض المحسوبين على قوى
المعارضة لدرجة أن بعضهم أطلق عليه (مجلس
قندهار) في إشارة الى سيطرة الإسلاميين
عليه، في حين أن الإسلاميين لم يشكلوا
أكثر من 25 بالمئة من المجتمعين (إذا
افترضنا أن كل من أدى الصلاة خلال أيام
انعقاد المجلس وكان من ذوي اللحى من
أتباع التيار الإسلامي). ولكن
وللإنصاف فإن تنسيقيات الثورة السورية
لم تعلن اعترافها بالمجلس مجانا ومن
دون ثمن، بل طالبت المجلس الوطني لكي
يحظى باستمرار دعم التنسيقيات والشارع
السوري بأن يتحاور مع كافة قوى
المعارضة ويحاول ضم أحزابها وتجمعاتها
الى صفوفه، ولكن العقبة التي حالت
وتحول اليوم دون توسيع المجلس وضم
أحزاب جديدة إليه هو تشتت تلك الأحزاب
واختلاف أيديولوجياتها وتصوراتها لحل
الأزمة السورية، فضلا عن تكاثرها
العجيب في الآونة الأخيرة حتى بتنا
نسمع في كل يوم تقريبا عن تأسيس لتجمع
أو حزب سياسي أو عقد لمؤتمر في هذه
العاصمة أو تلك، فهنالك هيئة التنسيق
الوطني لقوى التغيير الوطني
الديمقراطي، وإعلان دمشق، وجبهة
الخلاص الوطني، و14 حزبا للأكراد الذين
لا يتجاوز عددهم الثلاثة ملايين. وهذه
مجموعة من المعارضة تؤسس ' المجلس
الوطني الانتقالي السوري ' وأخرى تشكل 'المؤتمر
السوري للتغيير'. في 6 سبتمبر تم في قطر
الإعلان عن تشكيل قيادة سياسية من بعض
أطراف المعارضة في الداخل والخارج تحت
مسمى (التحالف الوطني السوري)، وفي
الحادي عشر من سبتمبر عقد حوالي أربعين
معارضا سورية مقيمين في المنفى
اجتماعا في فيينا وانشأوا حركة جديدة
هي 'اتحاد السوريين في الخارج'، وفي
الرابع عشر من الشهر ذاته لؤي حسين
يعلن من دمشق إطلاق تيار بناء الدولة
السورية قال انه (يسعى إلى بناء دولة
ديمقراطية مدنية تحقق العدالة
الاجتماعية ورفضه لأي مجلس انتقالي). وفي
السابع عشر من سبتمبر التقى في باريس
ممثلون لحركات وهيئات علمانية سورية
معارضة لنظام الرئيس بشار الأسد
أعلنوا فيه ولادة (ائتلاف القوى
العلمانية والديمقراطية السورية) وذلك
في خطوة - كما وصفها المنظمون- تأتي
لإبراز الحيثية التي يتمتعون بها أمام
حركة ناشطة للتيار الإسلامي في صفوف
المعارضة السورية، خصوصا في الخارج.
وفي جمعة وحدة المعارضة (لاحظوا
التوقيت) محمد حبش عضو مجلس الشعب
السوري المقرب من السلطات يعلن عبر
شاشة الجزيرة مع صديقه طيب تيزيني
إنشاء حزب الطريق الثالث، وفي 27 سبتمبر
معارضون سوريون يؤسسون تكتلاً جديداً
في العاصمة البريطانية لندن تحت اسم 'التجمع
من أجل الثورة السورية'، قالوا إنه
يعتبر التدخل العسكري في بلادهم غير
مرفوض بالمطلق. لاشك
أن المعارضة السورية باتت تعد وبرأي
الكثير من المراقبين للحدث السوري من
أكثر المعارضات العربية انقساما
واختلافا، وهذه الانقسامات لم تعد
خافية على أحد رغم كل هذه اللقاءات
التشاورية والمؤتمرات والتجمعات، حتى
بات يعدها الكثيرون شريكة للنظام
بجرائمه ضد الشعب، عذرهم في ذلك عدم
اتفاق المعارضة فيما بينها على توحيد
صفوفها وتقديم رؤية موحدة لحل الأزمة
في البلاد والسعي نحو دعم دولي يسرّع
بالإطاحة بنظام الأسد. لقد
حسم الشارع السوري أمره وحدد خياراته
وأيد المجلس الوطني السوري باعتباره
الممثل الحقيقي له لكونه يضم أكبر عدد
من الأحزاب والقوى الوطنية وأعضاء
التنسيقيات في الداخل، وعلى أحزاب
المعارضة الأخرى الانضمام إليه فورا
وإعلانها دعمه، وأما ما تطرحه من
مبررات وتخوف من الإسلاميين المنضوين
تحت لواء المجلس إنما يصب في مصلحة
النظام ويبعث رسائل سلبية لعواصم
القرار الدولي ويثير تخوفاتهم
وشكوكهم، وعلى المعارضة الاعتراف بأن
من تطلق عليهم صفة (الإسلاميين) هم وقود
الثورة وهم من أشعلها، ولمن نسي أو
أراد أن يتناسى فإن المظاهرات انطلقت
من المسجد العمري بدرعا وهي تخرج اليوم
من مساجد سورية كافة حتى باتت بعض
المساجد رمزا للثورة السورية كمسجد
الحسن في الميدان والرفاعي في كفرسوسة
وآمنة في حلي وقاسملو في القامشلي، وهي
لم تخرج من أمام مقرات أحزاب هيئة
التنسيق الوطنية، كما أنها لم تخرج من
أمام صالات السينما ودور الأوبرا، ومن
يطلق عليهم اليوم انتقاصا بالإسلاميين
هم من حرّك المتظاهرين ودب في نفوسهم
الحميّة والعزيمة بدءا بشيخ القراء
كريم الراجح مرورا بشيخ الثورة أحمد
صياصنة والشيخ أسامة الرفاعي وأنس
عيروط وغيرهم. إن
أحزاب وقوى المعارضة السورية باتت
اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما فإما
أن تعلن انضمامها الى المجلس الوطني
الذي أيدته تنسيقيات الثورة السورية
أو تجلس في بيتها وتترك الشارع ليقرر
مصيره ويحسم خياراته بنفسه، وكفى
بزعماء المعارضة تذكير الشعب السوري
ليل نهار بماضيهم الثوري ووقوفهم في
وجه النظام وتعرضهم للسجن والاعتقال،
واليوم فإن عشرين بالمئة من الشعب
السوري أصبحوا سجناء حاليين أو سابقين
لدى النظام. أنتم
حوكمتم في محاكم مدنية وبحضور ممثلين
عن منظمات المجتمع المدني والمؤسسات
الحقوقية وسفراء دول الاتحاد
الأوروبي، أما بقية أبناء الشعب فيحقق
معهم في أقبية المخابرات السورية،
بعضهم نزف داخل السجن حتى الموت وبعضهم
اقتلعت عيناه والآخر انتزعت أحشاؤه
ومنهم من بترت أعضاؤه التناسلية
وآخرون سرقت أعضاؤهم وبيعت بالسوق
السوداء، ومنهم من اختطف من المشافي
الحكومية أثناء العمليات الجراحية في
وضح النهار. إن ما
يثير الدهشة أكثر لدى الشارع السوري هو
تصريحات بعض قادة المعارضة حول زهدهم
في السياسة والمناصب الحكومية، فميشيل
كيلو يعلن بأنه لا يريد أن يركب على ظهر
جيل الشباب الذين قاموا بالثورة وبعد
نجاحها عليهم هم أن يكملوا مشوارهم،
أما برهان غليون فقد أعلن صراحة أنه
راغب بالعودة لعمله الأكاديمي بعد
انتهاء المهمة، وهيثم المالح الذي بلغ
من العمر عتيا (تجاوز الثمانين) لا
أعتقد أن عاقلا في سورية كلها لديه
أدنى شك بأن هذا الرجل الثمانيني قد
هجر أهله وبلده وعرّض نفسه للتهلكة
طمعا في كرسي أو منصب. لكن
وما دام الحال، وبما أن المعارضين
السوريين البارزين (وقد ذكرنا نماذج
لآراء البعض منهم) غير راغبين بتولي
أية مناصب حكومية بعد الإطاحة
بالنظام، فإن التساؤل المشروع اليوم
هو حول أسباب اختلافهم وتشرذمهم، سؤال
هو برسم المعارضة السورية والإجابة
عليه ربما ستحملها الأيام القليلة
القادمة. '
صحافي سوري ================= عن
خصوصية الإسلاميين السوريين
ومسؤوليتهم المزدوجة السبت,
01 أكتوبر 2011 أكرم
البني * الحياة لم يلق
الحديث عن أهمية الدولة العلمانية
الذي أدلى به رئيس الوزراء التركي رجب
طيب أردوغان لإحدى قنوات التلفزيون
المصري رداً سلبياً أو رفضاً من
الإسلاميين السوريين على اختلافهم،
مثلما كان موقف الأخوان المسلمين في
مصر وبعض القوى السلفية، بل على العكس
بدت هذه الفكرة كأنها متّكأ للكثيرين
ممن يحسبون على هذا التيار لإظهار
تمايزهم والتذكير بشعارهم عن الدولة
المدنية التي تقف على مسافة من جميع
الأديان وتحتضن مواطنين متساويين في
الحقوق والواجبات. هل
يرجع السبب إلى قربهم من تركيا وموقف
حكومتها التي احتضنت عدداً من مؤتمرات
المعارضة السورية ودعمت سياسياً
ومعنوياً الانتفاضة الشعبية ونددت
بالممارسات القمعية للنظام وقد أعياها
تقديم النصائح له للخروج من الأزمة؟!
أم يرجع إلى تنوع تركيبة المجتمع
السوري وظاهرة التعددية القومية
والدينية التي تميزه وتفرض على
الإسلاميين السوريين خياراً مختلفاً؟!. أم
لتباين شروط النضال، بين تيارات
إسلامية تعمل في مصر بطريقة غض النظر
وحازت على رغم عدم الاعتراف الرسمي بها
على عدد كبير من مقاعد البرلمان في
الانتخابات قبل الماضية، وبين أطراف
إسلامية محظورة في سورية تحت طائلة
عقوبة الإعدام لكل منتمٍ إلى صفوفها،
وتالياً بين قوى إسلامية تتحين الفرصة
لقطف ثمار الثورة المصرية ولها مصلحة
في الكشف عن وجهها الإيديولوجي
ومطامعها السياسية، وأخرى لا تزال
تكابد في صفوف الانتفاضة الشعبية في
مرحلة من أشد مراحل تطورها حساسية
وتحتاج من الزاوية البراغماتية لمواقف
وشعارات تغازل هموم الجميع وتطمئن
الأقليات على مستقبل التغيير في
البلاد. ثمة من
يرجع السبب إلى ما يعتبره خصوصية
مستجدة للقوى الإسلامية السورية التي
بدأت تتمايز منذ سنوات وترسم لنفسها
وجهاً يختلف عن الماضي وعن أخواتها في
البلدان العربية الأخرى، ربما إقتداءً
بنجاح النموذج التركي الذي حفر عميقاً
في صفوفها وحفز نمو جماعات على صورته
ومثاله، وربما بفعل المراجعة النقدية
التي أجرتها وبدت أشبه بتحول نوعي طاول
معظم مستويات نهجها السياسي، أهدافاً
وآليات عمل ووسائل، وخلصت إلى الإقرار
بأن الشعب هو مصدر السلطات وبالاحتكام
لصناديق الاقتراع وتداول السلطة
والاعتراف بمختلف مكونات المجتمع
السوري واحترام حقوقها وحرياتها
ومساواتها أمام القانون، مع رفض العنف
وإدانته وتبنٍ واضح لأشكال النضال
السلمي ولمبادرات صريحة تدعو الجميع
للحوار والتشارك من دون أن تستثني
السلطة السورية ذاتها، كمحاولة شجاعة
لطي صفحة الماضي نهائياً. ويجد
أصحاب هذا الرأي أن ما أعطى هذه
المراجعة دفعة كبيرة إلى الأمام أن
غالبية قادة التيار الإسلامي وكوادره
عاشت في المنافي وترك احتكاكهم لسنوات
طويلة بالثقافة والحضارة الأوروبية
بصمات مهمة على أفكارهم ومواقفهم،
وقدم بعض دعاتهم اجتهادات واضحة في
الدولة المدنية وشروط بنائها، تجعل
مشاركتهم مصدراً لاغناء الحياة
الديموقراطية وتمكينها، من دون إغفال
أثر تجربة السجون ودورها في تعريف
العديد من الكوادر الإسلامية على
الأخر المختلف، ما ساهم في تغير سلوك
الكثيرين منهم وتخفيف غلوائهم في فرض
النمط الإسلامي وتشجيعهم على بناء
الثقة بطرائق الحوار والتفاعل مع
الآخرين وتفهم حقوقهم وخصوصياتهم. يحق
للبعض أن لا يثق بجدوى هذه المراجعة
وجديتها وأن يثير شكوكاً حول صدق
المواقف الجديدة لجماعات دينية تميزت
تاريخياً بعصبيتها الإيديولوجية
وبأساليبها الاقصائية والعنفية ولا
تزال تحمل أسماء ذات مدلول طائفي
تجعلها ساحة خصبة لنمو اجتهادات
واندفاعات تهدد خيارها الديموقراطي،
ويعتقد هذا البعض أن هذه القوى تضمر
عموماً غير ما تظهر وإنها لبست رداء
المدنية والديموقراطية لإعادة بناء
جسور التواصل وقطف ثمرة الاعتراف بها
شعبياً وسياسياً بعد هزيمتها المرة في
مطلع الثمانينيات، محذراً من مستقبلها
وبأنه لن يمر وقت طويل حتى تتكشف
حقيقتها كما حال مثيلاتها في مصر وتعود
حليمة لعادتها القديمة لتطلق مشروعها
السياسي الديني وما يترتب على ذلك من
نتائج خطيرة ومدمرة. لكن،
مع أخذ ما سبق بعين التفهم وتوخي الحذر
واليقظة في التعاطي مع مسألة تحوز هذه
الحساسية الخاصة، من العدل والإنصاف
القول إن الرصد الموضوعي لقوى
الانتفاضة السورية يكشف اليوم حضوراً
ملموساً لأوساط من المتدينين
والإسلاميين يتصدون ببسالة للاستبداد
ويجاهرون بدعوتهم لاحترام الآخر
والتسامح والحرية وحقوق الإنسان
ويظهرون صدقاً في رفضهم للعنف
واستغلال الإسلام كأداة للوصول إلى
السلطة والاستحواذ عليها، ما يشير
بالفعل إلى حضور محتوى جديد، فكرياً
وسياسياً، للخطاب الإسلامي تحمله
جماعات شبابية لا تسيرها قيادات أو
مواقف إيديولوجية محددة، ترى في
عقيدتها الدينية ما يدعم قيم العدالة
والتعددية والتمثيلية السياسية وما
يقطع مع فكرة الدولة الإسلامية ومع
التوجهات القديمة والأساليب القسرية
والتسلطية التي حاول الإسلاميون من
خلالها نشر معتقداتهم وآرائهم على
أنها الحقيقة المطلقة، ولا يغير من هذا
المشهد استناد المحتجون إلى بعض
الهتافات والطقوس الدينية أو الاختيار
الرمزي ليوم الجمعة واعتماد المساجد
محطات لانطلاق التظاهرات. والأهم
أن بعضاً من هؤلاء يعتقدون بأنهم يقفون
اليوم أمام مسؤولية مزدوجة ليس فقط
دورهم في عملية التغيير السلمي بل في
إثبات صدقيتهم بأنهم سيحافظون على
خيار الدولة الديموقراطية والعلمانية
ولن ينساقون كغيرهم وراء برامجهم
وحساباتهم الذاتية ويسوغون لأنفسهم
قطف ثمار الانتفاضة الشعبية، بل هم لا
يترددون في رفض سياسة الأخوان
المسلمين والتيارات السلفية في مصر
وإدانة نهجهم الاستئثاري، لأنه يلحق
ضرراً بالغاً في مسار الثورات العربية
وهويتها المدنية، ولن يجعل الزمن «زمناً
إسلامياً» كما يأملون بل زمناً لتعزيز
الانقسامات والانشغال باحتراب داخلي
يطيح مشاريع البناء والعدالة والتنمية
الديموقراطية التي ثار الناس من أجلها. لا أحد
يرغب في رؤية المزيد من الانتكاسات
السياسية والاحتقانات الاجتماعية في
الحالة السورية، أو المزيد من الفرز
والاصطفاف الديني أو الطائفي أو
القبلي، وأن يكون لهذه التكوينات ما
قبل الدولة دوراً رئيساً في تحريك
الحياة السياسية، ولا أحد يرغب في رؤية
هواجس ومخاوف تتنامى لدى الناس من
تحولات دراماتيكية تحدث خللاً بنيوياً
في البلاد قد يكون مدمراً، لكن ثمة من
يأمل وربما هو واثق بأن التجربة
السورية ستحمل جديداً وتشكل
بانتفاضتها فاتحة لحركات تغيير تثبت
بالملموس قدرة الإسلاميين والشباب
المتدين على تبني قيم الحرية والدولة
المدنية وعلى المشاركة بالدور
التاريخي لتجاوز العجز الديموقراطي
الذي يسم المجتمعات العربية، والبدء
ربما من الحقل السياسي هذه المرة،
لإكمال دورة الإصلاح الديني الذي قطعت
أنظمة الاستبداد أوصاله. *
كاتب سوري ================= الغد
الاردنية ياسر
أبو هلالة 1-10-2011 يجمع
المسؤولون الغربيون على أن نظام بشار
الأسد انتهى. وتُنقَل عن الدوائر
الضيقة المحيطة بالنظام أفكار شتى
للتعامل مع مرحلة ما بعد السقوط،
تستفيد من تجارب الربيع العربي، جلها
مبنية على أساس الاحتراب الطائفي
والتحصن في القرى المنيعة، والتهديد
باستخدام سيناريو الدولة العلوية، أو
إعلانها فعليا. وفي سبيل ذلك تسخر
إمكانات مالية تقوم على نهب مقدرات
الدولة من العملة والذهب وتسخيرها في
خدمة المجاميع الأمنية والعسكرية التي
تتسلح بأحدث أنواع الأسلحة. بحيث تفرض
"الدويلة" شروطا أفضل تمكن رؤوس
النظام من الإفلات من العقاب، وتفشل في
الوقت ذاته إمكانية بناء سورية حديثة
وديمقراطية. يدرك
بشار عزلته التامة، ويعرف أن مواقف
روسيا والصين لا قيمة لها عمليا، ولم
تجد نفعا لا مع القذافي ولا مع صدام
حسين ولا مع الصرب ولا مع غيرهم. البلد
الوحيد الذي يقف معه هو إيران
بامتداداتها في العراق ولبنان، وهي
ستشجع "الدويلة" وستحاول إيجاد
عمق لها من خلال شيعة لبنان والعراق.
وفي النهاية لدى إيران خبرة واسعة في
إدارة الحروب الأهلية والاستفادة منها
سواء في لبنان أو العراق أو أفغانستان. في
المحصلة، بشهور أو سنوات ستذوي هذه
الدويلة، ولن تكون إيران بمنأى عن
التغيير، وحزب الله نفسه ضجر من نظام
بشار، وبحسب ويكي ليكس، فحزب الله يتهم
النظام السوري باغتيال عماد مغنية.
وستكون أولوياته الحفاظ على نفسه
ومصالح طائفته التي تكاد تكون أكثرية
في لبنان لا ربطها بنظام آفل. ليس
سهلا التعامل مع واقع حرب أهلية، لكنها
حرب فرضها النظام الطائفي على شعب أعزل.
المرحلة الأصعب كيفية التعامل مع
بقايا النظام الآفل. فلم تعرف البشرية
إجراما ووحشية نوعا وكمّا مثل نظام
الأسد أبا وابنا. الفارق بينهما فقط في
التوثيق، فجرائم الأب وثقت نصوصا في
تقارير منظمات حقوق الإنسان، أما
الابن فقد أتاحت ثورة التقانة توثيقها
صورا وبثها بأسرع وقت على أوسع نطاق.
وهو ما أتاح للضحايا والمتعاطفين معهم
والشامتين بهم فرصة مشاهدة الحدث
وكأنه أمامهم عيانا. فجعنا في أول
الثورة السورية بصور حمزة الخطيب
الطفل الذي بتر عضوه التناسلي وخرم
جسده، وبعد نصف عام فجعنا باغتصاب
الفتاة زينب الحصني ابنة التسعة عشر
ربيعا وشويها وتقطيع أوصالها. حقيقة
ما أزال أعيش صدمة مشاهدة الفيديو
الكامل الذي لم ينشر على وسائل
الإعلام، الجثة سلمت من الأمن لمشفى
حمص. أي أن جهة رسمية أرادت توصيل رسالة
واضحة هانحن فاحذروا. الجثة بعد إعادة
تركيبها رأس مقطوع ومشوي، ويدان كذلك
مقطوعتان ومشويتان. هذه آخر رسالة
للتخويف، كل قصة زينب أن شقيقها مطلوب
للأمن. تجرى
عمليات اغتصاب على نطاق واسع، لكن
لأسباب اجتماعية وأخلاقية يتكتم
عليها، لكن قصة زينب تمثل ما بعد
الوحشية. السؤال الكبير كيف يمكن
التعامل مع عصابات الإجرام هذه بعد
سقوط النظام؟ وكيف يمكن التعامل مع
رئيسها بشار الأسد؟ الشعب السوري أجاب
بوضوح استمرار الثورة. هكذا تصرّف أهل
زينب التي تخلد في رحمة الله بعد أن
رحلت عن جحيم النظام الوحشي. هذا
الجواب العاجل الآن، لا يلغي التحضير
للجواب الآجل غدا. السؤال مفتوح للثوار
وأنصارهم، وللطاغية وأنصاره. ولا
أستغرب أن يطالب أنصار الطاغية في عمان
بإلحاق المدونة طل الملوحي بابنة
بلدتها زينب الحصني. ولا نعلم إن كانت
طل لقيت نفس المصير، فلا أحد يعلم عنها
شيئا. يا الله كن في عونهم. ================= محمد
جميل الرنتيسي الغد
الاردنية 1-10-2011 كأن
الرئيس السوري ينتقم لسقوطه، وكلما
تيقن في نفسه من ذلك زاد بطشا وتنكيلا
بالناس ولا أقول المتظاهرين فقط،
فالأخبار الموثقة بالصوت والصورة
والدماء تؤكد أن ابن حماة أو حمص أو
درعا على سبيل المثال، لا يحتاج إلى
تهمة أو إثبات بأنه مناوئ للنظام كي
يتعرض إلى التعذيب ثم القتل بل يكفي أن
يقرر ذلك من يعترضه من شبيحة أو جنود لا
يحفظون النشيد الوطني، وهذا ظهر كثيرا
وما يزال في مقاطع يستعرض فيها هؤلاء
جهلهم ووحشيتهم على جثث الناس بطريقة
استفزازية ورعناء لدرجة أنهم يتوسلون
من يقوم بالتصوير بأن يظهر ما يعتقدون
أنها بطولات. جانب
الصواب من يظن أن الثورة ستموت، فالقمع
لا يولد خوفا بقدر ما يدفع للمواجهة،
والثورة ذاتها التي نشهدها في شوارع
محافظات ومدن سورية عدة موجودة أيضاً
في باقي المحافظات والمدن لكنها تختمر
الآن في النفوس، والموضوع لا يتعدى
كونه مسألة وقت كي تنزل إلى الشارع
فيجد حينها النظام نفسه غريقا بلا قشة،
والكلام هذا ليس فقط تحليلاً أو تصورا
لما ستؤول إليه الأوضاع هناك، إنما
واقع يتناقله المواطنون السوريون
ونسمعه منهم إذ يعملون على تسريعه
لاسيما في العاصمة دمشق التي يشتّمُ
شرفاؤها رائحة الدماء العطرة جيدا وهي
قادمة من المحافظات على بعد مئات
الكيلومترات. النظام
استنزف كل أوراقه، وبقاؤه يضيق الخناق
عليه لا أكثر، ويمنح "الفكاهيين"
مساحة للتنبؤ بنهايته ما إذا كانت على
الطريقة التونسية أو المصرية أو
الليبية وحتى اليمنية التي يعتبر
الرئيس فيها في عداد "الساقطين"،
فالنظام الذي يفقد توازنه إلى درجة
إرسال قوات من الجيش لتطوق بعض المدارس
بالدبابات بعد أن خرج آلاف الطلبة منها
إلى الشوارع تنديداً بالعنف، يعد
نظاما هشاً بما يكفي لتقتلعه رياح
التغيير التي تمشي خلف السوريين لا
أمامهم، وهي رياح شرقية بحتة لا غربية
بكل الأحوال. رياح
شرقية، لأن الثورة شعبية بحتة
وأبطالها أناس تجرعوا الظلم والقهر
والتهميش عقودا طويلة صار السوري فيها
بفعل نظامه إنساناً يعيش كل طموحاته
وأحلامه وإمكاناته وطاقاته في ذهنه
بينما الواقع متاح ومسخر لرامي مخلوف
وفراس شاليش ومن هم على شاكلتهما، هذا
الواقع كان لزاماً أن يتغير والشعب
السوري ليس أقل من أشقائه في دول
الثورات الذين أطاحوا ديناصورات الحكم
بتضحياتهم، ثم إن من المجحف لا بل
والكذب أن يتم ربط "الثوار"
السوريين بثوار العواصم الغربية، فلا
يجمعهم في سياق الأحداث إلا هدف يتمثل
في تخليص البلاد من النظام كل على
طريقته، وما يهم هو أن الكلمة الأولى
والأخيرة على الأرض ستكون للشعب
السوري دون غيره، وأي طرف سيقدم دعماً
للسوريين كي يتخلصوا من نظامهم لن يكون
أكثر مما قدموه هم بأنفسهم وأبنائهم
ودمائهم. مسألة
التدخل الأجنبي حساسة جداً وهي أشبه
بالخلاص من فم "الأسد" للوقوع في
فم الثعلب، ففي حين ترى أطراف أن المهم
تخليص الشعب من الفتك والبطش اليومي
بصرف النظر عن الوسيلة أو الأدوات "على
أساس معالجتها لاحقا"، فإن أطرافاً
أخرى تقول إن أي تدخل أجنبي سيعني
المضي في تطويع المنطقة وتحويل القرار
السوري إلى واشنطن، فضلاً عن السيطرة
على ثروات البلاد وإعادة إنتاج
علاقتها بإسرائيل والغرب، لكن ما يجب
تأكيده هو أن أي سيناريو لا يتمناه
السوريون أو العرب، يتحمل مسؤوليته
النظام نفسه، الذي يجر سورية الآن إلى
مصير مجهول، بتعنته وإصراره على العنف. في
أدبيات الثورة، فإن الحرية كي تنبت
خضراء لا بد من دماء حمراء ترويها، لا
نختلف على هذا ونعلم أن تضحية السوريين
كبيرة جدا مع نظام لا يتحلى بأي من صفات
المسؤولية تجاه شعبه وبلده، وبدل أن
يبتكر حلاً ينقذه وشعبه من الأزمة سارع
إلى تعميقها بابتكار وسائل تعذيب وقتل
لا نظير لها، لكن ما يحدث الآن أن
الثورة أخذت تتماسك وتتنظم أكثر فأكثر
بعكس ما كان يطمح النظام، ولعل تزايد
أعداد المنشقين عن الجيش وإعلانهم
تشكيل كتائب مسلحة لحماية المدنيين
ومواجهة قوات الأسد وشبيحته، يعد
بمثابة مرحلة جديدة تزيد من تخبط
النظام ودورانه حول نفسه إلى أن ينقلب
يوماً ما على رأسه. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |