ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
في تكوين الثورة السورية
و«طبائعها» وتحولاتها المحتملة الأحد, 02 أكتوبر 2011 ياسين الحاج صالح القدس العربي ليست عارضة أو خارجية العلاقة بين تكوين
الثورة السورية وبين طابعها السلمي.
تفجرت الثورة احتجاجاً على نمط عدواني
لممارسة السلطة، لكن في انتشارها
السريع إلى معظم أرجاء سورية ما يشير
إلى سخط منتشر ربما يجد أصوله في ذلك
التدامج المحكم بين السلطة والثروة
الذي ميز عهد بشار الأسد. حكام سورية
الحاليون أناس أثرياء منعمون، لديهم
ثروات مهولة لم يتعبوا في تحصيلها،
وينظرون إلى السلطة العمومية كامتياز
ثابت وأبدي لصيق بهم، ويعتمدون في
دوامه على أجهزة عنف متمتعة بالحصانة
الكلية، ومتمرسة بالإرهاب. ولقد طوروا
في العقد المنقضي موقفاً متعالياً على
عموم محكوميهم، فباتوا يصفونهم
بالحثالات والمتخلفين والمتعصبين. الثورة اعتراض جوهري على هذا البنيان
السياسي المتعجرف، الذي يعتمد على
ركيزتي العنف والمال. ومن شاركوا فيها
هم جمهور متنوع، مديني وريفي، متعلم
وعالي التعليم، شاب وكهل، ومن الجنسين.
هذا جمهور شعبي، يحفزه في احتجاجه دفاع
عن حياته وتطلع إلى تحكم أكبر بها،
وإلى أن تكون له كلمة في شأنه العام.
وهذه تطلعات تخاطب أكثرية السوريين،
متجاوزة من حيث المبدأ الفوارق
الجهوية والإثنية الدينية. نوعية المطالب الإنسانية والعامة وتنوع
الجمهور المشارك في الثورة، هما ما
يجعلانها على غرار الثورات المصرية
والتونسية واليمنية غريبة على العنف
من حيث المبدأ. الأمر لا يتعلق بدعوة
إيديولوجية إلى السلمية، ولا بنزعات
لا عنفية يواليها بعض السوريين، ولا
بتكتيك سياسي، بل بالتكوين الاجتماعي
للثورة، أو بطبائعها. وهذه الطبائع
المنفتحة ذاتها هي ما جعلت الثورة
غريبة على الطائفية. مطالب الحرية
والكرامة لا تخص ديناً أو طائفة. ولا
يتغير الأمر إذا عرّفنا هذه المطالب
بلغة حقوقية أو سياسية أو اقتصادية. لا
شيء خاصاً أو فئوياً أو حزبياً فيها. ولا شيء إيديولوجياً، حين المقصود
بالإيديولوجيا نسق من الأفكار والقيم
موجه نحو العمل، ومزود بمبدأ اتساق
داخلي يصون وحدة معتنقيه ويميزهم عن
غيرهم. وتجارب القرن العشرين تؤشر إلى
اقتران يكاد يكون قانوناً اجتماعياً
في شأن ارتباط العنف بالنظم
الإيديولوجية المحددة، وبدرجة تتناسب
مع تحددها وصلابتها، أو إعلائها من شأن
اتساقها الذاتي على تفاعلها مع الواقع
المتغير. لطالما اعتبر التيار الشيوعي
الثورة عنيفة بالتعريف، إلى درجة أن
الكلام على ثورة سلمية كان يبدو
تناقضاً في الألفاظ. ولعله من باب
التأثر بالمثال البلشفي صار كل
استيلاء بالقوة على السلطة يعتبر نفسه
ثورة. ولقد كانت الثورة العنيفة إغراء
للتشكلات القومية العربية، ومنها
بخاصة حزب البعث الذي استولى على حكم
سورية والعراق بالقوة، بعد أن كان
محدود الشعبية فيهما معاً. ولطالما
فاخر بعثيون على الناصريين بأنهم أكثر
ثورية منهم لأن لديهم عقيدة محكمة (وليس
أفكاراً «تجريبية» متناثرة)، ومعلوم
أنهم بزوا النظام الناصري بالعنف.
والإسلاميون مثال على اجتماع النظام
العقدي المغلق والمكتفي بذاته مع
النزوع المضطرد إلى العنف. والتيار
السلفي الجهادي بينهم هو الأكثر حرفية
وأصولية ولا تاريخية، والأكثر لجوءاً
إلى العنف. ولا يشذ عن هذه القاعدة تيار
المحافظين الجدد الأميركي في سنوات
بوش الابن. فقد جمعوا بين تصلب العقيدة
التي تتطلع إلى فرض الليبرالية
عالمياً وبين الدعوة إلى ممارسة القوة
الأميركية عالمياً. وقد لا يدعو مثقفون
عرب، وبدرجة تتناسب مع تعريف أنفسهم
بالحداثة والتنوير، إلى ممارسة العنف
ضد عموم المحكومين (بعضهم يفعل)، لكنهم
لا يجدون بأساً به إذا مورس ضد
الإسلاميين، ومهما بلغ من قسوة. لا شيء من ذلك في الثورة السورية، وفي
الثورات المصرية والتونسية واليمنية.
هذه ثورات اجتماعية مفتوحة ضد نظم سلطة
وثروة مغلقة. وهي ثورات عامة ضد نظم
أرستقراطية بلغت حد توريث الحكم. ولأنها كذلك، ثوراتنا لا تمارس العنف.
العنف هو منهج النخبة في الحكم، أي
الأرستقراطية أو الأوليغارشية، أو «الحزب
القائد للدولة والمجتمع»، أو الأسرة
العبقرية، عموم ذوي الدم الأزرق الذين
لا يقبلون المساواة مع غيرهم. لقد كان
من أسوأ ضلالات شيوعية القرن العشرين
الربط بين العنف والشعب، أو اعتبار
العنف منهج الشعب في التحرر. غير صحيح.
بل هو منهج «الطليعة» التي تتعالى على
الشعب وتستعبده. وتوفر طبائع الثورة، العامة والمفتوحة
والشعبية، رائزاً مهماً للحكم في شأن «الأخبار»
التي تتكلم على عنف أو عصابات مسلحة أو
مجموعات إرهابية في سورية. هذه الأخبار
تتعارض مع طبائع الثورة، لذلك فهي
كاذبة. لكننا لا نستند إلى هذا الرائز
الخلدوني وحده. سندنا هو السجل الواقعي
بقدر ما تسمح فرص الحصول على معلومات
موثوقة، مسنوداً هو ذاته بخبرة غير
منقطعة بالواقع السوري وبطبائع النظام
السوري. وهذا نظام نخبوي، موغل في
الرجعية والطغيان. والعنف والطائفية
ينبعان من تكوينه بالذات، أي من طابعه
النخبوي الأوليغارشي والعنيف. لذلك
مارسهما فوراً ومنذ البداية، ولذلك لم
يفكر يوماً، ولا هو يفكر اليوم، بأن
يحيد قيد أنملة عن نهجه هذا. لكن متابعة السجل الواقعي تفيد بممارسات
عنف من جهة منسوبين إلى الثورة ضد قوات
النظام في الشهرين الأخيرين. قد يحصل
ذلك دفاعاً عن النفس أحياناً، أو على
يد جنود منشقين، تنحصر خياراتهم بين أن
يُقتَلوا أو أن يواجهوا النظام العنيف
بالعنف. لكن العنف المعارض يتجه إلى
أخذ طابع نسقي أكثر وأكثر. فإذا ترسخ
هذا الاتجاه، كان محتملاً أن تستقل
ممارسة العنف من جهة الثورة عن
مسبباتها المباشرة، وتكف عن كونها رد
فعل متنحياً (فيما التظاهرات
الاحتجاجية السلمية هي الوجه المهيمن)
لتمسي الوجه السائد للثورة. وسيكون
هذا، إن حصل، علامة طور جديد من أطوار
الثورة وبطبائع مغايرة: من طور الثورة
الشعبية السلمية التي تعرف نفسها بما
تتطلع إليه بعد النظام من حرية وكرامة
وديموقراطية، إلى طور ثانٍ، طور
المواجهة بالقوة التي تعرف نفسها فقط
بإسقاط النظام. وقد ينفتح هذا الطور
الثاني على حرب أهلية عامة، ستكون
تحقيقاً للتخيير الذي ثابر النظام على
طرحه على السوريين: نحن أو الحرب
الأهلية، لكنها ستكون إبطالاً نهائياً
للتهديد بها أيضاً. أما من جهة الثورة فالعنف علامة على الوضع
المعضل الذي تواجهه اليوم. كي تواجه
النظام بفاعلية، تجد نفسها مساقة إلى
الرد عليه بوسائله. لكنها إن فعلت، هل
تؤسس بديلاً متفوقاً؟ ================= عسكرة الثورة.. سابقة
سورية لا تاريخية رؤوف بكر التاريخ: 02 أكتوبر 2011 بعد نحو 30 جمعة، يتجه الثوار السوريون
أكثر فأكثر نحو العمل المسلح، بعد أن
سدت منافذ التظاهر السلمي في وجوههم
وأعيتهم سبل الاعتصام والعصيان المدني
في مواجهة آلة عسكرية سخرت لها كافة
إمكانات الدولة التي يفترض أن تحميهم.
للتغير المقبل في آلية عمل الثورة
السورية أكثر من تفسير منطقي لمآلات
التحركات السلمية، وما تعنيه قبلاً
لجهة نتائجها. حينما تصطدم بعقلية ستالينية جامدة
ومتجردة حتى من المشاعر البطريركية
للأنظمة الشمولية. الواضح أن كلا
الطرفين في سوريا، المتظاهرين
والنظام، يخوضان معركة البقاء الفاصلة
التي سترسم ملامح البلاد لقادمات
الأيام. فهي بالنسبة إليهما معركة مصير
ومستقبل يأخذ فيها الرابح كل شيء ويبقى
وحيداً. وعليه، تعتبر الأحداث الجارية
منذ نحو ستة شهور ونصف الأهم في تاريخ
سوريا منذ عقود، إن لم يكن قروناً. ومرد ذلك، بطبيعة الحال، إلى الانقسام
الواضح في بنية المجتمع السوري بفعل
السياسات القائمة منذ أكثر من أربعين
عاماً، والتي فعّلتها الاحتجاجات على
طريقة الحجر المرمي في المياه
الراكدة، فكشفت مستور البركة المخفي
بفضل القبضة الأمنية. للعمل المسلح محاذيره الكثيرة. فدولة
متعددة الطوائف والأعراق، تجاورها دول
من قبيل إسرائيل ولبنان والعراق،
تتمسك أقلياتها ببساط النظام السحري
خوفاً من «بعث» عنقاء الأغلبية من تحت
الرماد، لا يمكن إلا أن يعد فيها
مواطنها إلى المليون قبل أن يفكر بحمل
السلاح، حتى لو كان دفاعاً عن نفسٍ
شرعته العقائد الوضعية والإلهية. التجربة الفرنسية ولكن «عسكرة» الثورة السورية، في نهاية
المطاف، ليست فريدة من نوعها، بالنظر
إلى التجارب التاريخية السابقة وتلك
الحالية. لم تنحدر فرنسا، على سبيل
المثال، إلى أتون حربٍ أهلية خلال
أربعينات القرن الماضي بعد الإطاحة
بنظام فيشي، على الرغم من حملات
الانتقام الهائلة الموجهة ضد أتباع
ذلك النظام. والتي وصلت حتى إلى حد حجب البطاقة
الصحافية عن الإعلاميين المتواطئين مع
حقبة «فرنسا الفيشية». ولأن الشيء
بالشيء يذكر، فإن الفرنسيين أنفسهم هم
أصحاب الثورة المعروفة بمبادئها
الثلاثة: «حرية» «مساواة» «أخوة»،
التي أطاحت بآلاف الرؤوس تحت شفرة
المقصلة، وأسست لثوراتٍ تحررية
واستقلالاتٍ وأفكارٍ وعقودٍ اجتماعية
غيرت وجه العالم منذ أكثر من قرنين. الحالة اليوغسلافية وحينما تعذر على البوسنيين والكروات
التفاهم مع السلطة الصربية لوطنهم
اليوغسلافي قبل عشرين عاماً، ثاروا
عليها حاملين السلاح، بعد أن تيقنوا أن
هذا خيارهم الوحيد في مقابل «بلغرادهم»
التي استحوذت على كل شيء بدءاً من
المناصب العليا في الجيش والحزب،
مروراً بقمع تطلعات مكونات المجتمع
السياسية والثقافية. وليس انتهاءً بممارسة التطهير العرقي
والديني بحق كل من حاول التململ من
القبضة الحديدية لعاصمة الوطن الكبير.
ويبقى هذا الضرب من الخيارات الأكثر
مخافةً، لما يعنيه من تفككٍ تدريجي كان
منطقياً بعد دفن قفاز جوزيف تيتو
المغلف بالمخمل.. والتشابه هنا موصول
لناحية رهاب الأقليات وتململ الأغلبية. المنطقة العربية أما في المنطقة العربية، فيبرز مثلان
يقاربان المسألة السورية. فإبان هزيمة
نظام «البعث» العراقي في حرب تحرير
الكويت، انتفض العراقيون في معظم
المحافظات، فأنهوا، بالسلاح، أي وجودٍ
للحرس الجمهوري وعسسه ومعتقلاته. ولكن، ولأن أحداً في الغرب لم يملك
العزيمة لدفع «المهيب» إلى نهايته
المنطقية، بسبب ملفاتٍ عالقةٍ أخاف
بها خصومه، تناسى النظام السابق جراح «أم
المعارك» وأراضيه الجنوبية المسيطر
عليها أميركياً، ورد التحية بأحسن
منها لمواطنيه من البصرة حتى دهوك على
مسامع وأبصار «المارينز»، في تجربةٍ
سبقت حالة «البعث» السوري، حينما
تحركت دبابات الحرس الجمهوري لتدك
معقل الاحتجاجات في درعا، على مرمى حجر
من هضبة الجولان المحتلة وفي تجاوزٍ
لخط الهدنة الإسرائيلي. وكأن التاريخ يعيد نفسه مع نظامٍ يقال إن
أوراقه الإقليمية أشبه بلعبة الروليت.
وإن كان السوريون لا يتمنون مصيراً
مشابهاً انتهى إليه جيرانهم العراقيون
العام 1991، فإنهم تيقنوا على ما يبدو أن
حديد النظام لا يفله سوى سلاح الثورة،
سواءً تدخل «الأجنبي» عسكرياً، كما في
الحالة العراقية نفسها في 2003، أو لم
يفعل. وتالياً، يتطلعون إلى سيناريو أسلم
عاقبةً، يستنسخ النموذج الليبي، الذي
استهل ثورته بأغصان الزيتون وأنهاها
على أزيز الرصاص في باب العزيزية
احتفالاً; رغم ذهب «العقيد» وأمواله
واستعداده للمساومة، فضلاً عن شبكة
علاقاته وقنابل مهاجريه غير الشرعيين
التي ذهبت أدراج الرياح. ولأن نظام «الفريق»
السوري، بدوره، براغماتي الصبغة، رغم
وجهه العقائدي. فإن أنباء المساومات التي طفت على السطح،
قد تغير من هيكل المعادلة الحالية أو
تعدل فيها أو تؤخر آثارها ليس إلا،
ولكنها ليست بقادرة على محوها أو إعادة
تسويق البضاعة التي يحاول السوريون
منذ مارس الماضي ردها إلى صانعيها
ومروجيها، بعد أن توصلوا إلى قناعة،
هربوا منها على الدوام خوفاً من مواجهة
لحظة الحقيقة، مفادها أن الذئب لا يمكن
أن يصبح نباتياً حتى لو اقتلعت أسنانه..
فقرروا حمل «كماشة السلاح» علهم يكوون
الجرح علاجاً أخيراً. ================= الشرق القطرية 2011
السبت 1 أكتوبر سمير الحجاوي تخطئ الأنظمة العربية، قبل الحكومات
الغربية والصين وروسيا، إذا ظنت أن
النظام البعثي بزعامة بشار الأسد
يمتلك أية فرصة للبقاء، فهذا النظام
سقط نظريا عندما ثار الشعب السوري وخرج
إلى الشوارع وقدم الشهداء والدماء من
أجل الحرية والعدالة والكرامة. وبما أن الشعوب لا تعاند ولا يستطيع أي
نظام حكم أن يقف في وجهها إذا ثارت أو
تمردت، فان نظام بشار الأسد المدعوم
بثلاث حلقات من الموالين وهم معظم
الطائفة العلوية وإيديولوجيي حزب
البعث ورجال أعمال النظام وطبقة
التجار المستفيدين من وجوده، سيسقط لا
محالة، رغم أن الكلفة ستكون مرتفعة على
غرار ما حصل في ليبيا. خلع العقيد في ليبيا كلف 50 ألف شهيد
وعشرات الآلاف من الجرحى والمشردين،
ودمر البلد بأكملها، وتقدر الخسائر
المادية حسب بعض الأرقام إلى 500 مليار
دولار، وشطر البلد إلى نصفين، القبائل
التي قاتلت ضده والقبائل التي تقاتل
معه، وهذه جروح من الصعب تضميدها، فمن
يقاتل في سرت وبني وليد هم كتائب
القذافي المدعومين بالقذاذفة
والقبائل المتحالفة معها، وفي سوريا
أيضا سيكون هناك جرح كبير،
فالمتحالفون مع النظام لن يكون لهم دور
في سوريا المستقبل بعد الانتصار
النهائي للثورة، وبعيدا عن الكلام
الممجوج للوحدة الوطنية، والحديث
المنمق فان المجتمع السوري سوف ينشق
إلى ثوار وإلى موالين للنظام "طائفيا
وحزبيا ومصلحيا"، فنظام بشار الأسد
قام بتسليح القرى العلوية، وتوترت
العلاقات بينهم وبين القرى والمدن
المجاورة، والشبيحة "مليشيا النظام"
في معظمهم ينتمون للطائفة العلوية، مع
وجود أقلية غير علوية معهم، وهذا يدل
على أن نظام بشار الأسد يستخدم الورقة
الطائفية بكل قوته، ويحاول أن يجعلها
"خشبة الخلاص" من أجل التشبث
بالسلطة. بالإضافة إلى تقسيم المجتمع طائفيا، فإن
عناد نظام بشار الأسد وإصراره على
التشبث بالسلطة أدى أيضا إلى شق الجيش،
حيث بدأت عمليات التمرد والانشقاق،
وهي العمليات التي تحولت إلى معارك بين
أبناء الجيش الواحد كما حصل في الرستن،
التي دارت فيها معارك حقيقية، وهذا
يعني أن الجيش الذي يتركب من راس علوي،
ومن جسد غير علوي سيشهد مزيدا من
الانشقاقات في الأيام المقبلة، مما
يعني إضعاف الجيش السوري المنهك من
مواجهة ثورة الشعب السوري المستمرة
منذ أكثر من 6 شهور، وهذه خسارة سورية
وعربية فادحة، فالجيش السوري "نظريا"
جيش قوي يمتلك أسلحة معقولة مقارنة
بإسرائيل المسلحة حتى الأسنان،
وانشقاق هذا الجيش وتقاتل أفراده إلى
جانب انقسام المجتمع السوري أفقيا
وعموديا يعني أن سوريا خرجت من
المعادلة في المنطقة كما خرج العراق
قبل ذلك، مما حول العالم العربي إلى
ملعب لإيران وتركيا وإسرائيل والقوى
الكبرى، وهنا لا بد من التوضيح أن نظام
بشار الأسد لم يكن مكافئا موضوعيا لأي
من هذه الدول، لكنه كان الخط الفاصل
بينها، ولكن في المشهد السوري المتغير
فإن بقاء نظام بشار الأسد في الحكم مع
استمرار الثورة يعني استنزاف سوريا
اقتصاديا وتمزيقه مجتمعيا وعسكريا
وتكبيده خسائر بشرية فادحة. إسرائيل ومعها الغرب، تكسب مما يحدث في
سوريا، كما كسبت في كل الفترة خلال نصف
قرن من حكم حزب البعث وعائلة الأسد،
فما يجري هناك يعني تحول سوريا إلى "ساحة
صراع داخلي" كما حدث في العراق،
وسيكون العرب هم الخاسر الوحيد
والكبير، وكما فتح احتلال العراق
وإسقاط نظام صدام حسين الباب أمام تمدد
إيران وتحولها إلى قوة إقليمية كبيرة،
فإن تمزق الداخل السوري يعني أيضا
مكاسب لتركيا، القوة الإقليمية
الصاعدة، ومكاسب لإسرائيل أيضا، وان
اختلفت الأهداف والنوايا، وسيخسر
العرب ساحة اخرى ستتحول إلى "جحيم"
من الصراع إذا استمر بقاء نظام الأسد
الذي يرفضه الشعب السوري. للأسف الشديد فإن الأمة العربية تعاني من
انعدام الوزن، وتعاني عدم وجود قيادة
مرجعية، وتفتقر إلى القوة المركزة،
وتقاتل أنظمته شعوبها، والدول العربية
الكبيرة إما مريضة يحكمها مرضى أو
تعاني من عدم الاستقرار والصراع بين
الثورة والثورة المضادة، واستمرار هذا
الوضع سيؤدي إلى انهيار الكيانات
العربية التي تشكلت ما بعد الحرب
العالمية الثانية وتحولها إلى فسيفساء
فوضوية، وهو انهيار لن يستطيع احد وقفه
إذا استمر الصمت على ما يجري في سوريا،
وإلى جانبها اليمن، وستتحول الحالة
إلى "أحجار الدومينو" التي
ستتساقط تباعا ولن يفلت أي كيان عربي
من العاصفة المقبلة، وسيكون الثمن
مرتفعا جدا. ومن أجل تقليل الخسائر، على الأنظمة
العربية "العاقلة" إذا رغبت
بإطالة عمرها، أن تخلع السن الفاسد "في
سوريا" بدل خلع "الفك" كله،
وهذا يتطلب منها الضغط للإطاحة بنظام
بشار الأسد، والتدخل لإعادة ترميم
الوضع في سوريا اجتماعيا وسياسيا
واقتصاديا. المسألة لا تحتمل التأجيل، فالنار
السورية ستلتهم الجميع بدون استثناء،
ويخطئ من يظن أن بوصلة الأحداث ستغير
الاتجاه، وإذا لم يتم إسقاط النظام
البعثي السوري فإن النار قد تتمدد إلى
لبنان والأردن في المرحلة الأولى وإلى
مناطق أخرى بعد ذلك. الأنظمة العربية مطالبة بالتدخل لإجبار
نظام الأسد على الرحيل قبل فوات
الأوان، وأي تأخير يعني أنها قد تكون
جزءا من الثمن، وستتحول مواردها
وميزانياتها لتمويل العساكر والجيوش
لحماية نفسها من السقوط، وستذهب هذه
الأموال سدى لأن الشعوب إذا ثارت فإنها
لا تتوقف.. أيها الحكام العرب.. اخلعوا
نظام بشار الأسد بدل أن تجدوا أنفسكم
داخل حلقة النار التي تتسع يوما بعد
يوم. ================= الاستبداد في ظلّ نظام
الحزب الواحد ( الحالة السورية) سربست نبي() المستقبل - الاحد 2 تشرين الأول
2011 العدد 4132 - نوافذ - صفحة 12 تقود الحركات "التكتونية" السريعة
التي شهدتها وتشهدها المنطقة إلى نشوء
نظم سياسية جديدة في الشرق الأوسط،
واندثار أخرى حكمت باسم الحاكم
الأوحد، الأب الواحد الذي لا شريك له.
ويصاحب ذلك انزياح عن حقل
الأيديولوجيات التي هيمنت باسم الحزب
الواحد، والعرق الواحد، والشرعية
الوحيدة، التي أفرزت أشدّ أشكال
الولاء انحطاطاً. ففي ظل هذه النظم البالية استأثرت طغمة في
ذاتها القرار السياسي والاجتماعي
واحتكرتهما. ومن هذا المنطلق استبدت
بإرادة الأغلبية بعد أن استعارت لسان
الأمة وصارت ناطقة باسمها، وزعمت أنها
تتحدث باسم العموم ومصالحه. ويلاحظ أن
هذا الادعاء بتمثيل مصالح العموم
والتشدق بالشرعية كانا يشتدان
ويتناميان بازدياد قمع هذه النظم
لمجتمعاتها وتصاعد بطشها. الأطروحة الشهيرة التي هيمنت على النظم
السياسية في العالم العربي ودول
العالم الثالث، ومنظومة الدول
الاشتراكية في القرن العشرين على
اختلاف أنماطها، كانت تقول: إن المصلحة
الوطنية الحقيقية وسلامة النظام
سياسياً واجتماعياً، تكمن في التماه
بين الدولة والمجتمع وحزب وحيد يمنح
نفسه احتكار الشرعية السياسية
والقانونية، وينطق باسم المجتمع
وشرعيته، بعد أن استعار صوته ولغته.
وقد شخص عالم الاجتماع الفرنسي ريمون
آرون خمسة عناصر رئيسة مشتركة بين هذه
الأنظمة: 1- احتكار النشاط السياسي ليقتصر على حزب
واحد. 2- تحرك ذلك الحزب بفعل أيديولوجية تغدو
الحقيقة الرسمية للدولة. 3- تمنح الدولة نفسها احتكار وسائل القوة
والإقناع. 4- معظم النشاطات الاقتصادية والمهنية
مندمجة بالدولة وخاضعة للحقيقة
الرسمية. 5- الخطيئة الاقتصادية أو المهنية تغدو
خطيئة أيديولوجية، وعليه فينبغي أن
تعاقب بإرهاب أيديولوجي وبوليسي في آن
معاً. وواقع الحال أن هذه النظم عمدت انطلاقا من
هذه القناعة الأيديولوجية إلى تقويض
الحياة السياسية الحزبية داخلياً.
وقلًصت الحراك الاجتماعي المدني إلى
أدنى حدّ له، وحالت دون نشوء فاعلين
سياسيين، وقضت على كل أشكال المشاركة
أو المساهمة السياسية. وهذا التماهي أو الدمج بين البنى الثلاث
أطاح بالشرط السياسي والقانوني لردع
السلطة ومقاومة عسفها. فصار من المتعذر
تصحيح عيوبها ونواقصها، وتعويض
مثالبها، ومهدت بذلك لشرعنة أخطائها
التي تراكمت حتى غدت بنظرها إنجازات
وطنية وملاحم. وليس من المنطقي
والمعقول، بعد كل هذه العقود، أن تستمر
هذه القناعة مهيمنة على حياة
السوريين، إذ لابدّ من رفضها بحزم ومن
دون هوادة، لأنها شكلت وتشكل الأساس
الرئيس لبقاء التسلط والاستبداد. إن
احتكار السلطة، على هذا النحو، مثّل
الجذر الحقيقي لكل ركود اجتماعي وفساد
سياسي واقتصادي عرفته سوريا طوال عقود. الشعب السوري إذ يبرهن اليوم علانية،
بصورة عملية وعلى نطاق واسع، تأييده
الحاسم للتحول الديمقراطي، وإسقاط
نظام الاستبداد البعثي بالطرق السلمية.
وينشد حكومة مدنية ديموقراطية تعددية،
تمثل الطيف الاجتماعي والسياسي السوري
كله على نحو عادل، فإن هذا التأييد لا
ينبثق فقط من قناعة السوريين أن النظام
يمثّل شرّاً وفساداً فحسب، فهذا من
مبدأه وطبيعته أصلاً، إنما أكثر من ذلك
لأن هذا النظام ببنيته الشمولية صار
نافلاً ومضاداً للتاريخ ولمستقبل
السوريين جميعاً، بحيث استحال التعايش
معه، وعاد تفكيك هذه البنية والتخلص
منها ضرورة تاريخية وأكبر تحدٍّ مباشر
أمام السوريين جميعاً. لقد صادرت هذه النظم أسس المشاركة
السياسية الحرة. وقضت على كلّ إمكانية
للتداول السلمي للسلطة، وكبحت كل
مساهمة فردية أو جماعية للمواطنين.
وبالمقابل فرضت بالقوة نمطاً معيناً
من الوعي السياسي والأيديولوجي على
المواطنين وسلبت عنهم حرية التفكير
والتعبير، وأنهكت المجتمعات
بشعاراتها الأيديولوجية، انطلاقاً من
عدم ثقتها بوعي هؤلاء. ونجم عن ذلك وهن
في الشعور بالمواطنة وهشاشة في
الانتماء، أفضت في النهاية إلى تدمير
روح الاجتماع المدني والإنساني، وعمقت
من تفكك المجتمع، وأتلفت كل فضاء
تواصلي، وعززت النزوع الارتدادي إلى
انتماءات عصبوية متخلفة، وأسست
بالتالي، على مستوى الوعي، مقدمات
التناحر الفئوي في المجتمع الذي تحول
إلى جمهرة سلبية، قلقة وعدمية، محتقنة
ومفككة، يسودها الشك والكراهية. هذه هي سمات الحالة السورية إلى حدّ كبير،
التي استمرت، ولا تزال، منذ نصف قرن
على هذا النحو. وبسبب من ذلك لم تتحول
السلطة في سوريا إلى سلطة دولة مواطنين
بالفعل، إنما في أحسن حال غدت سلطة بطش
منظمة. المعضلة الرئيسة أمام السوريين الآن،
التي تشكل تحدياً تاريخياً وسياسياً
لهم، في مرحلة التغيير، تكمن في كيفية
التحول إلى سلطة دولة مدنية- حديثة،
تستند إلى مبدأ المساواة السياسية بين
مواطنيها. وهذا التحول يشترط قبل كل
شيء الفصل السياسي والاجتماعي للدولة
عن الجماعة العرقية وإلغاء وصاية
الحزب (الواحد الأحد) وهيمنته على
الجهاز الأيديولوجي والإداري للدولة. إن تحرر الدولة سياسياً من الأيديولوجيات
العرقية والدينية، هو في الوقت نفسه
مقدمة ضرورية لتحديث الدولة والمجتمع
المدني. فقد أسس دستور عام (1964) لهيمنة
الحزب الواحد على الدولة والمجتمع،
وبموجب المادة الثامنة من الدستور
الحالي صارا أسيرينِ للحزب الذي تحوّل
إلى غول سياسي وأيديولوجي اختزل كل
الولاء الوطني في نفسه وفي شعاراته،
وتحوّل هو بدوره إلى عتبة لتأبيد
القائد المستبد. ومن الدلالات
السياسية والرمزية لتغييب الدولة
الوطنية والانتماء إليها في هذه
الحقبة، شيوع مفهوم "دولة البعث"
في خطاب الإعلام الرسمي وطغيان نشيد
البعث وعلمه، وتغييب النشيد والعلم
الوطنيين. لعلَّ طابع السلطة في سوريا هو نتاج
التاريخ الذي مرّت به، ولا يمكن فهم
هذا الطابع إلا في ضوء هذا التاريخ.
فهذه السلطة رغم أنها مثلت جهازاً
سياسياً منظماً ومؤسسات حاكمة، إلا
أنها فشلت في أن تكون سلطة مواطنين
أحرار، وعجزت عن أن تجسد تمثيلاً
سياسياً حقيقياً للسوريين طوال ذلك
التاريخ. فمنذ انقلاب آذار 1963احتكر البعث
وأيديولوجيته القومية الحياة
السياسية في البلاد وقسرت المجتمع على
التطبع بشعاراته "الثورية" وعلى
السير طبقاً لمصادراته الأيديولوجية
ومقاصده، وقد انعكس ذلك على مجمل مناح
الحياة العملية والنظرية. إذ قدّ
الدستور السوري الحالي على مقاس دستور
حزب البعث، بل يمكن عدّه مجرد حواشٍ
على متنه الأيديولوجي. وتميّز بهيمنة
الأيديولوجيا القومية العنصرية عليه،
والتي تؤكد سيادة عنصر قومي دون غيره،
وربط المواطنة السورية واختزالها في
مطالب الأيديولوجية العروبية. ففي
مقدمة الدستور التي تعدّ جزءاً لا
يتجزأ منه، يلاحظ استخدام كلمة (عربي) و(عربية)
أكثر من ثلاثين مرة، ويعزز هذا المنحى
القومي المنطلقين(1-2) ثم تترى المواد
والفقرات التي تؤكد ما سبق. في الفقرة
(1) من المادة الأولى تحدد اسم الدولة ب(الجمهورية
العربية السورية) وفي الفقرة (2) منها (القطر
العربي السوري هو جزء من الأمة العربية)
وعلى كل فرد سوري جدير بالمواطنة أن
يلتزم العمل من أجل وحدة الأمة
الشاملة، ف(المواطنون في الجمهورية
العربية السورية هم فقط العاملون من
أجل الوحدة العربية الشاملة). وفي
المادة (4) (اللغة العربية هي اللغة
الرسمية)، حيث تمّ تجاهل وجود أي لغات
قومية أخرى في البلاد وإنكارها. وتُلزم
جميع المواد التالية (116-96-90-63-7): رئيس
الجمهورية، ورئيس الوزراء والوزراء
ونوابهم، وأعضاء مجلس الشعب، عبر
القسم الدستوري بالعمل على تحقيق
أهداف الأمة العربية في الوحدة
والحرية والاشتراكية. كذلك الأمر مع
المادة (11) الخاصة بمسؤوليات القوات
المسلحة. وفي الاقتصاد والتخطيط
الاقتصادي المادة (13)، كما في التعليم
والثقافة طبقاً للمادة (21) حيث ورد:
يهدف نظام التعليم والثقافة إلى إنشاء
جيل عربي قومي اشتراكي، علمي التفكير،
مرتبط بتاريخه، معتز بتراثه، مشبع
بروح النضال من أجل تحقيق أهداف أمته
في الوحدة والحرية والاشتراكية.
والمادة (23): الثقافة القومية
الاشتراكية أساس بناء المجتمع العربي
الاشتراكي الموحد، وهي تهدف إلى تحقيق
القيم الأخلاقية والمثل العليا للأمة
العربية. وحتى في النطاق القضائي بينما
كانت الأحكام تصدر فيما مضى باسم (الشعب
السوري) صارت بموجب المادة (132) من
الدستور الحالي تصدر باسم "الشعب
العربي في سوريا". وماذا بعد كل هذه
ال "بعثنة" العروبية للبلاد، التي
استعانت بكل تقنيات احتكار السلطة من
النازية واستلهمت ممارساتها
الأيديولوجية وخبراتها البيروقراطية! الواقع أن هذه السلطة سوّغت لنفسها، على
الدوام، بداعي تمثيل المصلحة العامة
والعليا، انتهاك القانون والدستور
الذي وضعته بنفسها، وبررت الوسائل
المستخدمة لذلك، حيث تفننت في تقنيات
اغتصاب السلطة وتوسعت في مداها. ومن
خلال ذلك لم تعتد إلا بالحفاظ على
استمرارها كغاية قصوى. فاستحالت
العروبة في ممارساتها وفكرها إلى نزعة
عدوانية إقصائية، وقومية متعصبة.
وانحدرت اشتراكيتها إلى شكل وقح وفجّ
للابتزاز والنهب. وجعلت "حريتها"
المعلنة المواطن السوري مجرد مستهلك
للشعارات الأيديولوجية الشمولية
والسيئة الإعداد. لقد استباحت سلطة الاستبداد، طوال عقود
طويلة من الزمن، الحدود المرسومة لها،
وتمادت إلى أقصى حدّ في الإساءة إلى
حرية المواطن وكرامته، فلم تكترث لأي
قواعد دستورية أو معايير إنسانية
رادعة، ولم تخضع لأيّ حساب. من هنا
حوّلت الإنسان- المواطن، الذي يجب أن
تكون كرامته وأمنه غاية بحدّ ذاتها،
إلى مجرد أدوات حيّة لممارسة عسفها.
وسعت من دون هوادة إلى جعل السوري يركع
لها ويجثو على ركبتيه مطأطَأ الرأس،
وسلبت منه كل خيارات الحرية، فحولت
البلاد بذلك إلى سجن كبير، وجعلت من
العباد أسرى فيه. فلم يكن المواطن
يتمتع بأدنى حدّ من الحرية أو أيّ حقوق
أخرى، ولم يكن له أيّ خيار بالاعتراض
على التجاوزات القمعية للسلطة. إن
مكانة الإنسان المعنوية وسموّه يفرضان
على أيّ نظام سياسي أن يصون كرامته
وحريته، ولا يجوز لأي سلطة أن تتعرض
لهما بأي حالٍ من الأحوال. وهذا المبدأ
كان محالاً في سوريا البعث لانتفاء
الشروط السياسية التي تمكن الأفراد من
تحديد القواعد التي يجب أن يرتكز عليها
نظام الحكم، وغياب دور المحكومين في
ضبط السياسات العامة للسلطة الحاكمة
وتحديدها، وإقصاء المواطنين عن
المساهمة السياسية وعن ممارسة السلطة.
فضلاً عن غياب الفصل والتمييز بين
السلطة القضائية والسلطة التنفيذية،
هذا الفصل الذي تقتضيه بنية الدولة
الحديثة. للوهلة الأولى يبدو الدستور السوري وكأنه
يتكئ على مبدأ فصل السلطات، مثلما هو
معلن في الباب الثاني من الدستور. من
دون هذا الإعلان الأولي فإن جميع
النصوص الأخرى تنفي هذه الإمكانية، بل
على العكس فهي تعزز اختزالها في السلطة
التنفيذية ودمجها فيها. فالسلطة
التنفيذية، ممثلة برئيس الجمهورية،
تهيمن بصورة فعلية على الآخريين
وتحتكر في نفسها جميع صلاحياتها. ومجرد
الإقرار في المادة(8) بوجود سلطة عليا
تعلو جميع السلطات الأخرى، هي سلطة
الحزب القائد في الدولة والمجتمع، هو
كاف لنفي أيّ أهمية أو دور للسلطات
الأخرى. يمنح الدستور السوري صلاحيات شبه مطلقة
لرئيس الجمهورية، الذي ترشحه القيادة
القطرية، وليس لأحد أو أي مؤسسة
تشريعية أن تعترض على هذا الترشيح.
وتسوّغ مقدمة الدستور وتكرّس هذه
الصلاحيات أو السلطة بشرعية ثورية
مطلقة اختزلها في حزب البعث. فهو (الذي
فجّر ثورة الثامن من آذار1963، وهو الذي
يمثل إرادة الأمة وتطلعاتها نحو
المستقبل، وكون مسيرته النضالية جاءت
بالحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني
1970....الخ) بهذه المكانة يمنح الأمين
العام، قائد الثورة كل هذه السيادة
والإرادة المطلقة، أو المكانة شبه
المقدسة، على المجتمع والدولة، من هذه
الصلاحيات: حلّ مجلس الشعب، المادة (107)،
إعداد مشاريع القوانين وإحالتها لمجلس
الشعب، المادة (110). يعترض على القوانين
التي يقرّها مجلس الشعب، المادة (98)،
يتولى سلطة التشريع في كل الأحوال،
ويلغي أيّ تعديل للدستور يقرّه مجلس
الشعب بأكثرية ثلاثة أرباعه، ما لم
يوافق عليه. المادة (111) الفقرات (1/2/4)،
المادة (149). فضلاً عما سبق، لرئيس الجمهورية، بموجب
الدستور، صلاحيات قضائية تتعدى كل حدّ.
فهو يترأس مجلس القضاء الأعلى، ويسمي
أعضاء المحكمة الدستورية العليا،
المادة (139). ويقترح تعديل الدستور،
ويلغي المهام الدستورية لمؤسسات
الدولة في بعض الأحوال، المادة(113). وله
صلاحيات عزل وتعيين الوزراء، المادة(95).
والموظفين المدنيين والعسكريين،
المادة (109). وبالمثل، له صلاحيات
عسكرية وأمنية لا حدود لها، انظر
المواد (100) (101) (103). كما أن مصادرة دور السلطة التشريعية
تتجسد بصورة عملية في المادة (53) التي
تؤكد على ضرورة أن يكون نصف أعضاء مجلس
الشعب من العمال والفلاحين. ولأن
الدستور يقرّ بأن حزب البعث، وأحزاب
"جبهته" الوطنية، هو الممثل
الشرعي الوحيد للعمال والفلاحين، فإنه
بذلك يضمن استمرار هيمنته على المجلس
من خلال قوائم جاهزة، معدة بصورة
مسبقة، وينفي كل إمكانية واقعية
للتنافس الانتخابي الحرّ والنزيه.
وهذا الأسلوب في ضمان الهيمنة والتسلط
ينسحب في الوقت نفسه على انتخابات
الإدارة المحلية ومجالس البلديات،
والنقابات المهنية والجمعيات، التي
يلزمها الدستور بموجب المادة (49)
بالمشاركة في تحقيق "المجتمع العربي
الاشتراكي" وحماية نظامه. ما قاد
بالنتيجة إلى تقويض كل إمكانية أو شرط
لنشوء قوى مدنية فاعلة وتطور مجتمع
مدني حيوي قادر على السجال مع الدولة
ومقاومة عسف السلطة وتماديها. وشكل ذلك
عقبة تاريخية لاستمرار اغتصاب السلطة
السياسية حتى وقتنا الراهن. وخلال نصف قرن، تقريباً، فرض الاستبداد
البعثي، دستورياً، نظاماً للامتيازات
بديلاً عن مساواة المواطنين جميعاً،
وكرّس تقسيماً قوامه درجة الولاء
السياسي للحاكم- القائد،
للأيديولوجية، للحزب الأوحد على حساب
الولاء للوطن. وتمّ تصنيف المواطنين
وحقوقهم بموجب ذلك. وبالمقابل جعل
العيش مستحيلاً على المختلفين معه،
الذين عدّوا مشبوهين ومارقين وخطرين
على الانسجام الوطني. وألغى عملياً كل
تعددية في الحياة السياسية بموجب
المادة (8) من الدستور التي تنصّ على أن (حزب
البعث العربي الاشتراكي هو الحزب
القائد في المجتمع والدولة، ويقود
جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد
طاقات جماهير الشعب، ووضعها في خدمة
أهداف الأمة العربية)، وبدورها صادقت
أحزاب الجبهة وأقرّت في ميثاقها
الأساسي (7-3-1972) بأن منهاج حزب البعث
ومقررات مؤتمراته موجّه أساسي للجبهة
في رسم سياساتها العامة وتنفيذ خططها،
فضلاً عن اعترافها بقيادة حزب البعث
للجبهة والهيمنة عليها بأكثرية النصف+1.
على هذا النحو استسلمت بصورة مفرطة
للبعث وتماهت مع سياساته. أصبحت الطاعة العمياء عقيدة الحكم ومحكّ
المواطنة الصالحة لدى سلطة الاستبداد،
وعُرّفت هذه الطاعة (الخنوع) بدلالة
الحرية المسؤولة. وكانت هذه هي الحرية
القصوى والممكنة، التي يستطيع أن
يتطلع إليها المواطن السوري. وبالمثل
مجّد الأمن والسلام الداخليينِ، ذلك
السلام الذي عنى سلام المقابر والموتى(
كما وصف هوبز). وكرّست وحدة قوامها
الإكراه والخضوع. وكي يثبت ولاءه
وجدارته الوطنية، في ظل نظام كهذا، لم
يكن أمام الفرد- المواطن سوى التنازل
عن وعيه وضميره للحزب الحاكم وقائده
الأوحد، وعن كرامته للأجهزة الأمنية.
على هذا النحو اقترن مفهوم الأمن
والاستقرار في خطاب النظام وممارساته
بكبت جميع أشكال الحريات طوال عقود
طويلة. كان الشعب السوري برمته مشبوهاً في نظر
السلطة ما لم يثبت العكس، عبر تأكيد
ولائه المطلق للنظام بشتى السبل
والممارسات. فكان عليه أن يهتف في
كرنفالات تمجيد النظام بشعاراته،
ويتحرك وفق إرادته حتى يغدو في حالة
امِّحاء تامّ معه. لقد أراد النظام عبر
جملة ممارسات تعبوية كهذه فرض وعيٍ
سياسي موالٍ مشترك على المجتمع، ما
أثار الكراهية والحنق نحوه. في مثل هذه الحال كان السكوت وعدم معارضة
النظام لا يجدي نفعاً ولا يحظى بالرضا
التام للسلطة التي كانت تريد أن تقوّل
المواطن ما تريد هي قوله. وعلّة هذا
الأمر أن الشعب كان مشبوهاً بنظر
النظام، لا ب مقتضى أفعاله وأعماله،
وإنما بموجب نواياه المضمرة والمفترضة.
ولهذا السبب أيضاً كان يشعر على الدوام
أن هناك ما يهدد أسسه، واتسمت ممارساته
نحو المجتمع ومواطنيه، بموازاة ذلك،
بالقسوة والارتياب. الديمقراطية، إذن، لا تعني اليوم إزالة
العوائق المادية والمعنوية أمام
الأفراد وتحريرهم من القيود فقط،
وإنما تعدّهم أيضاً ليكونوا صانعي
تاريخهم، فاعلين ومساهمين في تقرير
خياراتهم السياسية وإبداعها. والحال
أنه ليس ثمة ديموقراطية من دون حرية
الاختيار، ومن دون تعددية سياسية
تنافسية، ومن دون انفتاح وتواصل
سياسيّ حرّ بين المختلفين. فتنبع الصفة
التمثيلية للديموقراطية من هذا
الواقع، واقع التعددية والتنوع في
الرؤى السياسية والأفكار والمصالح
وتنازعها. فلا يمكن تخيل الحاجة إلى
ديموقراطية بوجود مجتمع متجانس ومتماه
مع نفسه، من دون تمايز أو اختلاف. وعليه
فأن هذه الصفة التمثيلية تعكس اختلاف
الذوات السياسية الفاعلة وتنوع
العلاقات الاجتماعية التي تؤسس
لأدوارهم. وبناء عليه نستنتج أن السلطة
المنتخبة، ذات الصفة التمثيلية، لن
تكون ديموقراطية حتى ولو استحوذت على
أغلبية الأصوات، مالم تكن تعددية في
الوقت نفسه. ولا تعدو صفتها التمثيلية
تلك أن تكون إلا شكلية ومجردة، ما لم
تستغرق في ذاتها طيفاً واسعاً
ومتنوعاً من الآراء والاتجاهات
السياسية القائمة والمصالح الفعلية
للبشر. إن من شأن الكوابيس الأيديولوجية، التي
تنجم عن تماهي المجتمع والدولة مع
أيديولوجية حزب حاكم، أن تضعف الشعور
بالمواطنة لدى الأفراد وتخنق لديهم كل
ابتكار أو تنوع خصب في الرؤى، وتقيّد
روح المبادرة. فالمجتمع الديموقراطي
الحديث في أبرز تعريف له، هو المجتمع
الذي يشرك أكبر تنوع ثقافي ممكن وتنوع
في الآراء مع أوسع استخدام ممكن للعقل،
مع ضمان أكبر قدر ممكن من الاحترام
للتطلعات الفردية والجماعية، من دون
اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف أو
القهر أو الإقصاء.. ================= في احتمال عسْكرة الثورة
السورية دلال البزري المستقبل - الاحد 2 تشرين الأول
2011 العدد 4132 - نوافذ - صفحة 11 من بين اللاءات الثلاث التي رفعتها
المعارضة السورية، "لا تسلّح لا
طائفية لا تدخل خارجي"، فان ال"لا"
الاولى، العسْكرة، هي التي تقرر مصير
الاثنتين الاولين، ومستقبل الثورة
برمتها. لماذا؟ لأن العسكرة، لو حصلت، لسوف تجرّ في
طريقها الاحقاد الطائفية، الدفينة
وشبه المعلنة، الى التعبير عن نفسها
بالنهج نفسه الذي عبّر به النظام.
النموذج الأقوى، الذي سوف يصوب نحوه
السلاح، سوف تتم محاكاته، وبقوة دفع
ذاتية وغريزية، وبالخروج من كل
القيوده الثقافية-الحضارية. يكون ما
تكبده حامل السلاح الجديد طوال أشهر
التظاهر القاتل، ما وضعه في سريرته،
وما خزّنه في صدره من غضب صدره، مثل حمم
بركان اخرجها انفجار من بطن الارض؛
سيلٌ من الحِمَم تحرق بتوهج نارها
المتدفّقة كل حياة تعترض ركضها نحو
البعيد. حامل السلاح في هذه الحالة، السورية، سوف
يكون مثل ذاك الذي سبقه اليه من بين
اللبنانيين والفلسطينيين الذين
عسكروا نضالهم ضد اسرائيل، فتبنوا
اساليبها، واصبحوا يشبهونها، حتى في
"نضالهم" المدني، غير العسكري،
وغرقوا في بحور الحرب الاهلية الدائمة.
ان يبقى النفور الطائفي "ثقافيا"
أو "مدنيا"، على كل علاته، على كل
احباطاته، وعنفه اللفظي، خير من ان
يخرج محمولا على سلاح، خفيف أو ثقيل أو
أبيض. لذلك فان الاخفاق في رفض العسكرة
سوف يؤدي حتما الى الاخفاق في رفض
الطائفية. العسْكرة ايضا، لو اعتمدت، لسوف تفتح
الباب على مصراعيه امام التدخل
الخارجي. من أين يأتي سلاح الدعم إن لم
يكن من الخارج؟ اللبنانيون
والفلسطينيون، هنا ايضا، اصحاب تجربة
رائدة في هذا المجال. في نضالهم
المشترك أو المنفصل من اجل تحرير
الاراضي المحتلة لم يتركوا ممولاً،
مستثمراً في السياسة، يعتب عليهم.
ممولون انهارت عظمتهم الآن، وممولون
يَعِدون أنفسهم بمناطق نفوذ وأذرع
اقليمية جديدة. الجميع مرّ من هنا، كما
يحاول الجميع المرور بسوريا، حتى الآن
سياسيا ولوجيستيا؛ ولا احد يعلم متى
يكون عسكريا، اذا ما حزمت المعارضة
أمرها وقررت تحميل شبابها السلاح
دفاعا عن ثورتها. اذن اول الطرق
للاطاحة بال"لاءات" الثلاث هو ضرب
ال"لاء" المحورية، تلك المرفوعة
ضد التسلح والسلاح. ونكون ساعتئذ كما كنا بعد شهرين من هزيمة
حزيران 1967 امام مجموعة اخرى من ال"لاءات"
الثلاث: "لا صلح لا تفاوض لا اعتراف"
قبل ان "يعود الحق الى اصحابه".
"لاءات" لم تصمد ولم تثمر ولم تفلح
في استعادة شيء (الغريب في الثقافة
السياسية العربية ذاك المخزون الهائل
الجهر بالرفض، يقابله فقر وقحط في
المبادرات). لكن خسائر العسْكرة لا تقتصر على الاطاحة
بلاءات المعارضة. انها تنال ايضا من
قوتها البشرية. معروف وواضح ان النظام
يتمنّى العسكرة هذه. كل فكرته تدور
حولها. كل الامر بالنسبة للمتكلّمين
باسمه لا يعدو كونه "مؤامرة"
تنفذها "جماعات" أو "عناصر
مسلحة". وقتله للمتظاهرين ليس سوى
حملة "تمشيط امنية ضد هذه العناصر".
الآن، ماذا لو كانت هذه الرواية صحيحة؟
هل كانت ستدوم حملة التمشيط الامنية
هذه ستة أشهر ونصف من دون انقطاع يوم
واحد؟ الرواية الرسمية تكذب نفسها
بنفسها: فلو كانت صحيحة، لسحقت العناصر
المسلحة منذ الاسبوع الاول. فالقوة
الضاربة للنظام ليست بالهينة؛ انها
اجهزة متداخلة ومتشابكة وممولة ومدربة
ومجهزة. واذا باشرت المعارضة تسليح
نفسها ابتداء من هذه اللحظة، لن تصل
الى مستوى قدراتها الا بعد عقود. اذن
بلغة "ميزان القوة" العسكري، قد
لا تربح الثورة شيئا بمحاربتها النظام
عسكريا. ولنفترض العكس: اي ان تتسلح الثورة وتكسب
معركتها ضد النظام. في هذه الحالة سوف
يكون بديهيا ان الحكام الجدد هم قادة
الذين حملوا السلاح. واي رفض لهذا
الحكم الجديد لن ينجم عنه سوى صراع
مضاعف على السلطة، اين منها سلطة "حزب
الله" اللبناني، الذي ارغمنا على
القبول بفكرة انتصاره التاريخي على
اسرائيل، فبات هو المتحكم بأمرنا، منذ
لحظة اعلانه عن هذا الانتصار؟ "صراع مضاعف"، نقول، لأن مرحلة ما
بعد الثورات عادة، حتى السلمية منها،
هي مرحلة صراع سلطة بين الذين شاركوا
فيها، ثم بينهم وبين الذي شاركوا بقدر
أقل والذين لم يشاركوا بتاتاً. اما بعد
الثورات المعسكرة، فسوف يضاف اليها
صراع ثالث ورابع، يقوم بين الذين حملوا
السلاح، وبينهم وبين كل الآخرين. وبما
ان حملة السلاح هم الاقوى "على الارض"،
فسوف يغلبون "المدنيين"، الذين
عملوا قليلا او كثيرا، ولكن من دون
سلاح. وعندما يربح حملة السلاح، لا
حاجة للكلام عن الديموقراطية،
والتداول والقانون الخ. وساعتئذ يكون
الاعلان عن فشل الثورة الديموقراطية
مدويا. ولن يتغير شيء غير شخص الحاكم
وصورته. الا ان رفض التسلح يضع السوريين
المعارضين للنظام امام مجزرة ليس
معروفا حدودها ولا خواتمها. فالنظام
يحصد الارواح يوميا ويبدع في الجرائم
التي يرتكبها. وصلت به الامور الى حد
تقطيع اوصال الذين يخطفهم ويبتر
اعضائهم ويسلخ جلودهم (آخر ضحاياه شابه
في 18 من العمر، زينب حسني، سلخ جلدها
وتقطعت اوصالها بعدما خطفها الامن
للضغط من اجل ايجاد اخيها الملاحق).
ويمكن بسهولة تصور الحال النفسية
للمتظاهرين الذين ينزلون يوميا الى
الساحة ويعدون العدة للموت قتلا او
قنصا او سحقا... الى متى يمكنهم
الاستمرار بالنزول؟ وهم يقتلون
كالعصافير في شوارع بلادهم غير
المحتلة، صاحبة السيادة؟ هل نتصور
انهم سيبقون على سلميتهم من دون ان
تتحرك لديهم نوازع الردّ او الانتقام
او التشنيع؟ أكثر من ذلك: المثابرون على القتل، وبهذه
الوتيرة الجهنمية، ماذا يفعلون عندما
تنتهي المعارك؟ هل يعودون مواطنين
عاديين يحترمون نظاما أو قانونا أو
عرفاً؟ وضحاياهم، في حال كتب لهم
التاريخ الانتصار عليهم، كيف
سيتعاملون معهم؟ بأية صفات سوف
ينعتونهم؟ هل يعاملونهم بالكياسة
المطلوبة تجنبا لحصول ما حصل في العراق
بعد سقوط صدام والبعث العراقي، مثلا؟
هل سيكون هناك ما يكفي من القوة "العقلانية"
لردع المنتصرين عن الثار، الشنيع،
والثأر المضاد، الأكثر شناعة؟ ان دعوة المعارضين السوريين الى عدم
استخدام السلاح هي طبعا محمودة. ولكنها
تتأرجح بين اقصى السينيكية، واقصى
الطهرانية: سينيكية لأنها لا تقدم افقا
غير التقدم على مذبح التظاهر القاتل،
التقدم اليومي، من دون كلَل. وطهرانية
لأنها تتجاهل مخزون العنف المضاد الذي
تختزنه النفوس المعرّضة لعنف منظّم
على امتداد زمن طويل. وما يسرّع من هذا الانجراف هو الضعف
الصميمي لثقافة اللاعنف السياسي في
ربوعنا. فالرجولة والشرف والتحرر وكل
الاشياء التي تثير مشاعرنا السياسية
مرتبطة بوجه من اوجه العنف، وعلى رأسها
طبعا السلاح؛ "السلاح زينة الرجال".
لذلك فان الدعوة الى السلمية، وهي دعوة
ثقافية بامتياز، وليست دعوة طبيعية او
غريزية، تتلمّس أكثر من الالحاح.
تحتاج، لكي تحيا، الى رجال ونساء
اتقنوا فنون عدم العنف وسبله وتعرجاته
وطرق حمايته، الروحية منها والعملية.
تحتاج الى الوقت، خصوصا الوقت. لا حل لهذه المعضلة في المدى القريب. ولكن
مجرد ادراجها ضمن "اللاءات"
الثلاث في برنامج المعارضة يفتح
امامها الافق العريض لمناقشتها
واغنائها وتفاعلها مع الواقع. سيما وان
المعركة تبدو طويلة. وهذه نقطة قوة
للمعارضة لا نقطة ضعف، اذا ما اخذت على
عاتقها المهمة. ================= سوريا: دعاوى ضد النظام
بالجملة؟ علي حماده النهار 2-10-2011 بينما كان البطريرك مار بشارة الراعي
المغادر الى اميركا في زيارة راعوية،
يهاجم الاعلام "الكاذب" على طريقة
تعامله مع اصطفافه الجديد، كان صديقه
بشار الاسد يدك مدينة الرستن في محافظة
حمص بالدبابات، ويقتحمها لتنفذ قواته
فيها مجزرة بحق مدنيين كل ذنبهم انهم
احتضنوا جنودا شرفاء من الجيش انشقوا
لرفضهم القتل الممنهج الذي امرتهم به
قيادتهم الميدانية والعليا عملا ب"تراث"
النظام الذي يقتل كل من لا يماشيه، في
سلوك لا يختلف عن السلوك الاسرائيلي في
فلسطين، فيصير الجيش السوري جيش
احتلال في عيون ملايين السوريين الذي
يؤثرون الموت على المذلة، ويرفضون
العيش في سجن النظام، مقدمين صدورهم
العارية عربون حرية وكرامة لسوريا
الغد. وفي حين كان البطريرك الجديد يمهد لزيارة
سوريا الأسد بزيارة العراق المتحالف
رئيس حكومته اليوم مع النظام السوري
برعاية ايرانية، كان حلفاؤه الجدد في
دمشق يعملون القتل في شعبهم ليصل عدد
الشهداء الاسبوع المنقضي اليوم الى
حوالى المئة، وكان العالم يثبت مرة
جديدة انه يتلهى بمعركة قرارات دولية
مع روسيا في مجلس الامن، في حين ان
المطلوب صار تدخلا اكثر كثافة وحزما في
سوريا لمنع حصول اكبر مجزرة في المشرق
العربي بعد مجازر جنوب العراق سنة 1991
وحملة الأنفال في المناطق الكردية
وكانت نتيجتها رمي القرى ( حلبجة) بغاز
الخردل. وما حصل قبل ايام في ريف حمص من
قيام طائرات معدة في الاساس لرش
المبيدات الزراعية، برش مواد سامة يشي
بأن النظام لن يتأخر عن الذهاب بعيدا
في حربه على شعبه. في الاثناء اجتمعت قوى متنوعة من
المعارضة في اسطنبول لدفع مسيرة توحيد
المعارضة الى الامام لئلا يبقى النظام
يواجه صفوفا مشتتة يلعب على تفرقها،
كما حدث اخيراً عندما نسق مع عدد من
متسلقي المنابر المعارضة لتنظيم مؤتمر
"معارضة" في دمشق لم يتعرض له على
جاري العادة لأنه كان يعرف ان معظم
المجتمعين انما يصبون في النهاية في
مصلحة بقاء النظام تحت شعار الاصلاحات
الورقية التي اعلنها رئيسه مرفقة
بحملات قتل وحشية في حق آلاف المدنيين
العزل في انحاء سوريا. وبما ان التدخل الدولي المنسق مع روسيا
يبدو الآن اكثر استحالة من ذي قبل،
ينتظر ان تكون هناك خطوات أقوى من جانب
تركيا بالتفاهم مع المجموعة العربية،
بالاضافة الى جهد بات اكثر إلحاحا من
اي وقت مضى، ويتعلّق بقبول محكمة
الجزاء الدولية في لاهاي الملف السوري
بمبادرة شخصية من المدعي العام لويس
مورينو اوكامبو لنقل المعركة مع
النظام واركانه وفي مقدمهم بشار الاسد
الى نطاق الادانات الدولية بارتكاب
جرائم ضد الانسانية. وفي حال فشل
اوكامبو في تسلم الملف بمعزل عن قرار
واضح من مجلس الامن، وجب التحول الى
خوض معركة قضائية في كل انحاء العالم
امام السلطات القضائية في الدول
الاوروبية والاميركيتين ليصبح النظام
واركانه مطلوبين بمذكرات توقيف في
معظم بلدان العالم. ================= حين يرمي سوريون جيشهم
بالخيانة عيسى الشعيبي الغد الاردنية 2-10-2011 يشق على النفس ويعتصرها قطرة قطرة، رؤية
يافطة يتكرر رفعها في مقدمة المسيرات
الشعبية السورية، من أسبوع إلى أسبوع
آخر، تصف الجيش الذي ادخره السوريون
للدفاع عن البلاد وتحرير الجولان، أنه
جيش خائن، فيما الحناجر الغاضبة تردد
هذه الكلمة الصادمة، المستفزة لأعمق
ما في القلوب العربية من مشاعر درجت
على اعتبار الجيش، في كل زمان ومكان،
رمزاً وطنياً جامعاً عالي الشأن، يعلو
اعتباراً فوق أي اعتبار. وأحسب أن آلاماً مبرحة، وسلسلة لا حصر لها
من المشاهد المروعة، هي التي دفعت قادة
المسيرات الشعبية إلى الكف عن الحداء
الجميل لحماة الديار، وأكرهتهم على
نقش هذا الشعار الذي يصعب نطقه همساً،
فما بالك بإطلاقه بأعلى الصوت، وذلك
لما فيه من خروج فظ على المألوفات
الوطنية، ومس بأقدس القيم المشتركة
لشعب بالغ الاعتزاز بجيشه، إن لم نقل
عظيم الاحترام لموئل فخره وعنوان
مجده، وموضع رهانه على تحرير جزء من
تراب الوطن العزيز. ومع التحفظ الشديد على هذا الوصف الموجع
للضميرين: الوطني والقومي، وعدم
التسليم بوجاهة ترديد هذا القول تحت
أقسى الظروف، فإن ذلك لا يمنع من
التوضيح أن هذا الجيش الذي يرميه
المتظاهرون بالخيانة، ويشهرون به
بالفم الملآن، ليس هو ذلك الجيش الذي
خاض حرب تشرين عام 1973، ولا هو امتداد
لتلك القطاعات العسكرية التي أبلت
أحسن البلاء في شمال فلسطين عام 1948،
ناهيك عن أبطال معركة ميسلون ويوسف
العظمة وغيره من أبطال الثورة السورية
المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي. ذلك أنه بعد نحو أربعة عقود من الهدنة
التامة على الحدود، تعاقب فيها جيلان
على الأقل من الجنود المكلفين
والمتطوعين، وربما كبار الضباط وضباط
الصف، فإن حقيقة لا مراء فيها تقول: إن
أحداً من هذا الجيش لم يطلق طلقة واحدة
ضد إسرائيل، أو بادر إلى مواجهة فردية
ولو يتيمة مع المحتلين في الجولان، مع
أن بعضه حارب بضراوة ضد اللبنانيين
والفلسطينيين في السبعينيات
والثمانينيات، وبعضه الآخر قاتل ضد
العراقيين في حفر الباطن، فيما احتشد
ذات مرة بأرتاله المدرعة على الحدود مع
الأردن منذ نحو ثلاثين عاماً، ناهيك عن
ولوغه في دماء السوريين أنفسهم إبان
مجزرة حماة عام 1982. ونحن إذ نسترجع تحت الظلال الكثيفة
السوداء ليافطة "الجيش السوري
الخائن" كل هذه الحقائق الموجعة
للضمائر، الباعثة على نبش أسوأ
الذكريات، فإننا نمتنع عن المصادقة
على صحة هذا الوصف الذي لا يليق بأي جيش
وطني كان، وإنما نستحضرها كي نخفف من
وقع هذا الشعار على النفوس المعذبة
بارتكابات الشبيحة وقوى الأمن
والألوية المدرعة، ومقارفاتهم
الوحشية ضد الناس الذين دفعوا من قوت
يومهم لبناء عديد هذا الجيش وادخار
عدته ليوم كريهة إزاء من يحتلون نحو
خمس الديار. ولعل ما هو أفظع من ذلك وأشد مجلبة للعار
والشنار، واستثارة الحس العميق
بالهوان، هو هذه المقاربات التي
يعقدها السوريون على الهواء مباشرة،
بين مسلكية الجيش الذي يواصل استباحة
المحرمات وقصف المآذن وتقطيع أوصال
الفتيات والفتيان، وبين تصرفات جيش
الاحتلال الإسرائيلي شديد الانحطاط،
واضعين جيشهم في مرتبة أخلاقية أدنى من
ذلك الجيش الذي بدأ سجله السافل من
مذبحة دير ياسين، ولم يختتمها بعد في
حملة الرصاص المصبوب على قطاع غزة قبل
نحو ثلاثة أعوام. وليس من شك في أن السوريين الذين يتذكرون
أن المستعمر الفرنسي البغيض لم يسرف
إلى مثل هذا الحد في التنكيل بالناس،
يحز في نفوسهم بدون أدنى ريب عقد مثل
هذه المقاربات المؤلمة بين جيشهم
الوطني وبين المستعمرين القدماء،
ناهيك عن المحتلين الجدد. غير أن
استرخاص أرواح المتظاهرين بهذه
الدرجة، وقتل المئات منهم تحت
التعذيب، وخطف النساء، وجز الحناجر
وبتر أعضاء الأطفال، وكل ما لا يخطر
على البال من فظاعات، هي التي أملت
عليهم عقد كل هذه المقاربات التي لم
يجرؤ الليبيون على عقدها في أحلك
الساعات. ================= الغد الاردنية نادر رنتيسي 2-10-2011 ..إنَّها الآنَ امرأةٌ سابقةٌ في حياة
العربِ، وحبٌ قديمٌ لا يُثيرُ الأسى.
على زندها الأيسر كتبَ كلُّ عربيٍّ شاب
أول نقش في العشق المُستَرَقِ،
وجاءَها الرجالُ من كلِّ الزوايا
المعتمة يطلبونَ غرة النهار، ولما
غادروها خبأوا ضوءَها في أنفاق بلاد لا
يغادرُ توقيتها منتصف الليل؛ سوريَّة
الآن لكلِّ العرب، واحدةٌ من نساء
قليلات وجوههنَّ جميلة، ولا
يستذكرونها إلا بقول ابنها الشاعر:"..ويَصرْنَ
أجمل عندما يبكينا"! وهي ليْسَتِ الآنَ على ما يُرام..؛ وحيدةٌ
مثل نجمةٍ سينمائيَّةٍ لا بطل يطولُ
قامتَها، أو سماءٍ يخشى العبادُ
المذنبونَ من النظر إليْها، هي النهرُ
المهجورُ الذي تغيَّر لونَهُ إلى
الأحمر فخشي المتنزهونَ الرجوعَ إلى
مكان الجريمة، أو المسرحُ الذي انقلبت
أدواره وصارت مقاعدُ المتفرجين ساحة ل
20 مليون عرض موندرامي غير مسموع الألم..؛
هي إذاً البلادُ المغلقةُ على "حبِّ
لا يرى الشمس"! لا كتفٌ تبكي عليه سورية إذا أرادت
البكاءَ، وإذا توجَّعَ وجعُها لا وجهَ
قريباً أو بعيداً يستجيبُ بنخوة أو
استرخاء لندائها المُكابِرْ: "أخ".
مذبوحَةٌ على مذبحها من الوريد "اللاذقيِّ"
إلى الوريدِ "الزوريِّ"، لا عاشقٌ
يهتفُ باسمها حين يقصدُ امرأةً أخرى،
أو شاعر يمرُّ باسمها ويبتسمُ:"شكوتُ
دمشق إلى الشام، كيف مَحَوْتِ ألوف
الوجوه، وما يزال وجهكِ واحدا"،
خاليةٌ طرقُها من المارَّة، لم يأتِها
إلا "نبيل العربي" حاملاً مهلة
إضافيَّةً لاكتمال موتِها حتى العام
2014! "موسم الهجرة إلى الشمال" العربيِّ
مصابٌ بالركودِ، لا فضولَ لدى العربِ
لرؤيةِ نوعٍ واحدٍ من الموت: "تمثيلٌ
ساديٌ في الجثث"، فلا بشر يزاولون
الحياة: كلُّ منْ يمشي، أو يقفُ في
طابور ما، أو يذهب إلى العمل في
الثامنة صباحا، أو لا يتأخرُ عن موعده
الزوجيِّ في التاسعة مساء..؛ هو يراوغُ
بجثته، حيِّزاً محدوداً من الزمن، قبل
تجربة أدوات الصعق المتجدِّدَة،
وطرائق الشبْح المعقدة، وقبل أنْ
يُصيبَها بلا تردد رصاص قناصة لا
يخطئونَ الرؤوس التي تغادرُ القطيعَ؛
مَنْ لم يمت حتى الآن، سيكبر ظله إلى
ألا يبلغه مديحٌ! "بابُ الحارة" مغلق..؛ فإلى أين يأتي
العرب و ع "الحدود" جنودُ "شمال
ستان" يأخذونَ حياتكَ أو يُعيدونَها
بورقة خضراء من فئة المائة. وإلى أين
يدخلونَ..؛ فلا كحل اليومَ في عيون "الشاميات"،
ولا ترف لتقديم أصناف المقبلات في طعام
اليوم الثالث من العزاء..، شاغر فنجان
قهوة "سلمى المصري" في "أرض
الديار" بمسلسل يُعَدُّ لشهر رمضان،
والعربيَّةُ السمراءُ لن تغافلَ أهلها
وتخرجَ من الفندق أول المساء إلى "مقهى
الروضة"، لتسترق نظرة ولهٍ عن كثب ل
"كاريزما" دمشقي وسيم اسمه "تيِّم
حسن"! وقتٌ خال من الأجزاء، لا أحد يسألُ "متى
يُعلنونَ وفاة العرب؟"؛ أو يعرفُ
أنَّ للرجال هنا، في "الرستن"
تحديداً "نهاية رجل شجاع"،
يفضلونَ الموتَ مع رجل رفيع اسمه قميء
"الزلقوط"، على أنْ يواصلوا
المشيَ بقدميْن مبتورتيْن. ليست عادية
أيامهم، تذهبُ إلى خلودها بأذرع
مفتوحةٍ تحنُّ للصلبان الخشبيَّة في
"باب توما"؛ رجالٌ طيبونَ هم،
يموتون بلا تذمر لا يربكُ رحيلهم إلا
تساؤلهم البريء بلا إجابة: كيف لا
تخجلُ محال الحلويات في "الصالحية"
من ذرِّ السكر في وجه الموت؟! "سورية يا حبيبتي": لو أنَّ
المغنِّينَ الثلاثة لم يُمجِّدوا نصرَ
"الحافظ" المزعوم، لعادت لي
كرامتي وهويَّتي؛ وصارت العروبة أوثقَ
من شعارات معلقة على "فروع
المخابرات" وأكثر جديَّةٍ من مقالبٍ
سمجة ل "غوار الطوشة"، ما كنَّا
سننتظرُ بلا أمل خروجَ الناجينَ من
الموتِ المجانيِّ في رواية "القوقعة"..؛
لو أنَّ المغنِّينَ الثلاثة ما كذبوا
لكانت سورية "المرأة الواحدة التي
يهواها القلبُ..، وهي الدنيا"! ================= فايز سارة الشرق الاوسط 2-10-2011 كيف تبدو الصورة المحيطة بأزمة سوريا
وحولها؟ ربما كان ذلك هو السؤال الأهم
عند المهتمين ومتابعي الوضع السوري،
والأهم عند السوريين الذين يعيشون في
أتون المشهد الراهن. وقد تكون الإجابة
عن هذا السؤال مؤشرا إلى ضرورات ما
يمكن القيام به للخروج من الجحيم
السوري باتجاه التغيير المأمول
تحقيقه، حيث يمكن القول إن ثمة توافقا
سوريا واسعا عليه، وهو التغيير باتجاه
نظام ديمقراطي مرسوم في جوهر برنامج
قوى المعارضة منذ وقت طويل، ويمثل في
الوقت نفسه استجابة للجوهري في شعارات
ومطالب المتظاهرين والمحتجين وعموم
السوريين الذين يتطلعون إلى دولة
ديمقراطية تعددية توفر العدالة
والمساواة والمشاركة وسيادة القانون. إن الأبرز والأهم في مؤشرات الضجيج
السوري، يكمن في أزيز الرصاص وقذائف
الأسلحة التي تعيش سوريا في ظلالها،
والتي تؤكد أن مسار الحل الأمني
العسكري ما زال يتواصل في «معالجة»
الأزمة، وقد باتت السلطات تختصرها
بالقول إنها تتصدى ل«مؤامرة خارجية»
من جهة، وتواجه «عصابات وجماعات
إجرامية مسلحة، تقتل المدنيين وعناصر
الأمن والجيش» من جهة أخرى. وكما أن للنظام ضجيجه المعبر عن نهجه في
التعامل مع الأزمة وتجلياتها
الاحتجاجية، فإن للشارع السوري ضجيجه
ممثلا بهتافات المتظاهرين الذين رفعوا
من سقف مطالبهم حد المطالبة بإسقاط
النظام بعد أن فشل النظام في سماع
المطالب الأقل حدة في منتصف مارس (آذار)
الماضي، والتفاعل معها بصورة إيجابية،
مما طور مسيرة الاحتجاج والتظاهر التي
كادت تصير عامة وشاملة في أنحاء سوريا.
ويجد ضجيج الشارع السوري صداه في أوساط
جماعات المعارضة السورية، التي وإن
وقفت بصورة شبه جماعية خلف الشارع
وحركته وهتافاته، فإن ذلك لم يمنع ظهور
ضجيجها الذاتي، الذي يمكن ملاحظته في
نقاشاتها الداخلية التي لا تخلو من
خلافات واختلافات حول ما يجري وسبل
مواجهته، مما يؤدي إلى اصطفافات بين
معارضتي الداخل والخارج من جهة،
واصطفافات داخل كل منهما في إطار
الانقسامات التي تعاني منها المعارضة
نتيجة عقود من العيش في ظل نظام أمني -
استبدادي. وإذا كان الداخل السوري وامتداداته في
الخارج وسط الجاليات السورية على نحو
ما هو عليه من حراك وضجيج، فإن الخارج
الإقليمي والدولي، يعيش الواقع ذاته.
إذ إن تركيا، جارة سوريا في الشمال، هي
أكثر دول الإقليم ضجيجا في تأثرها
بالحدث السوري، وبخاصة بعد أن حسمت
أمرها، وأعلنت وقوفها ضد سياسات
السلطات السورية في التعامل مع
الأزمة، وبهذا وضعت حدا للمراوحة في
موقف يأخذ موقفا مناهضا للسياسة
الرسمية، ويسعى في أحيان أخرى
لمساعدتها في الخروج من مأزقها عبر
اقتراح خارطة طريق يذهب السوريون
عبرها نحو حل الأزمة، غير أن السلطات
السورية لم تتجاوب مع المسعى التركي،
الأمر الذي عمق الخلاف، ودفع
بالعلاقات التركية - السورية للتدهور،
ثم دفع بتركيا لتصير – كما هو معلن
اليوم - حجر أساس في مشاريع المواجهة مع
السياسة السورية، وبخاصة في موضوع دعم
أطراف من المعارضة من جهة، وتنفيذ
سياسة قوية متعددة للعقوبات المفروضة
على النظام في دمشق. وإضافة إلى الضجيج الصادر عن تركيا، فإن
ثمة ضجيجا في المحيط الإقليمي، يجسده
ما يحصل في منطقة الخليج، لكنه يأخذ
ملامح السياسة الخليجية، التي اعتادت
أن تكون أقل حدة وثورانا، وإن كانت
تملك إمكانيات تأثير أكبر سواء في
علاقاتها العضوية مع سوريا بوصفها
بلدا في الإطار العربي، أو بفعل وجود
جاليات سورية كبيرة في هذه البلدان،
إضافة إلى وزنها السياسي/ الاقتصادي في
التأثير على قرارات دول فاعلة ومؤثرة
في المستوى الدولي، لا سيما دول أوروبا
والولايات المتحدة، وقد سعت أغلبها
نحو إعلان مواقف دولية وأممية قوية حول
الوضع في سوريا، ليس فقط على صعيد
علاقات ومواقف الدول، بل على صعيد
الأمم المتحدة ومؤسساتها، وخصوصا مجلس
الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان
التابع للهيئة الدولية. خلاصة القول، أن كثيرا من الضجيج أحاط،
وما زال، بالمشهد السوري، ضجيج في
الداخل وآخر في الخارج. غير أن ذلك
الضجيج ما زال محدودا في تأثيره، فلا
ضجيج النظام الناتج عن قعقعة سلاحه
وأصوات قذائفه قادر على الحسم مع
الحراك السوري، ولا الأخير مع
تحالفاته وظروفه الداخلية/ الخارجية
قادر على الحسم مع النظام، وفي الخارج
فإن ضجيج الواقع الإقليمي والدولي، لا
يترك أثره الحاسم على الوضع، ليس فقط
بفعل وجود مواقف وأصوات مثل روسيا
وإيران مغايرة للأكثرية الإقليمية
والدولية المعارضة للنظام ممثلة
بتركيا وأوروبا والولايات المتحدة، بل
انتهى بفعل أن كثيرا من الدول الأخيرة،
لم تحسم مواقفها بصورة نهائية ولدى
بعضها تخوفات بصدد المستقبل، وبعضها
قلق مما سيتركه التحول السوري باتجاه
الديمقراطية من آثار على الصراع
العربي – الإسرائيلي، وهو موضوع مهم
في الشرق الأوسط. وإذا كان الوضع في خلاصته على نحو ما
تقدم، فإنه يعني أن الأزمة في سوريا
مستمرة على حالها، ما لم تحصل تطورات
دراماتيكية، تقلب التصورات
والمعادلات القائمة، وتؤدي إلى تبدلات
ليس في ضجيج سوريا والضجيج المحيط بها،
بل إلى انقلاب في الواقع يدفع عجلة
التغيير السوري إلى الأمام، وهو
الخيار الوحيد أمام سوريا، ذلك أن ثمة
إجماعا في هذا المجال أساسه، أن سوريا
لن تعود إلى ما كانت عليه قبل منتصف
مارس الماضي. ================= تطرف الأقليات.. الشيعة
والمسيحيون نموذجا طارق الحميد الشرق الاوسط 2-10-2011 نقل عن الرئيس بشار الأسد قوله لوفود
جمعيات مسيحيي الشرق إنه «يرفض أن تحل
العثمنة محل العروبة، وأن تصبح أنقرة
مركز قرار العالم العربي، أو أن تترك
الساحة للأحزاب الدينية، فيسيطر
الإخوان المسلمون ومركزهم الرئيسي
بأنقرة على المنطقة». وهذا الحديث يعني أن النظام الأسدي يحاول
استمالة الأقليات من خلال إخافتهم من
الأكثرية، والإشكالية حقيقة ليست بما
يصدر عن النظام الأسدي، بل بما يصدر عن
الأقليات نفسها بمنطقتنا، المسيحية
بلبنان وسوريا، وحتى الشيعة بالعراق
والبحرين، حيث يرتكبون خطأ فادحا
بانزلاقهم إلى مستنقع دعم الطغاة بحجة
حمايتهم أمام الأكثرية، ومن المهم هنا
أن أنقل ما سمعته من أحد الأصدقاء
العقلانيين، والليبراليين، وأبعد
الناس عن الطائفية، حول رد فعله تجاه
ما يبدر من الأقليات هذه الأيام
بمنطقتنا، وهذا الصديق يعكس رأي شريحة
لا يستهان بها من العقلانيين
والليبراليين بمنطقتنا. يقول الصديق، وهو في موقع حساس: «من تجربة
اقتنعت بأنني ارتكبت خطأين في حياتي..
الأول عندما اعتقدت أيام الشباب،
والحماس الشديد للقضية الفلسطينية، أن
كل خطأ يرتكب لتحرير فلسطين هو خطأ
مقبول، وأيا يكن، لكن علمتني التجارب
خطأ هذا التفكير، وحجم الضرر الذي
ألحقه بالقضية الفلسطينية، والمنطقة
كلها». ثم يضيف: «أما الخطأ الثاني،
الذي تعلمته للتو، فمع شدة تحمسي
لليبرالية كنت أعتقد أن الوقوف مع
الأقلية واجب أيا يكن، لكن الحقيقة هي
أن الواجب هو بالوقوف مع المواطنة،
وليس الأقليات، ومهما يكن»! كلام هذا الصديق هو لسان حال العقلاء
بمنطقتنا اليوم، والسبب ليس التعصب
الطائفي، بل تطرف الأقليات المفضوح،
حيث باتت هذه الأقليات تتناسى أن
المواطنة، وبالطبع الوطن، أسمى من كل
شيء، وحتى عمامة الديكتاتور، وحلفائه! فهذا هو الخطأ الذي يقع فيه شيعة البحرين،
وإن لم يكونوا أقلية ببلادهم، فهم
أقلية في محيطهم العربي، والأمر نفسه
الذي يقع فيه شيعة لبنان، وبالنظر
لمحيطهم، وخصوصا أنهم يرون أن الجمر
تحت الرماد في إيران، فإذا كان
الإيرانيون أنفسهم يحلمون باللحظة
التي يستنشقون فيها الحرية فكيف يرتمي
شيعة منطقتنا، خصوصا مدعي المطالب
الديمقراطية، في أحضان نظام إيران
الديكتاتوري؟ بل الأدهى والأمر كيف
ينطلي على مسيحيي المشرق، وتحديدا
سوريا ولبنان، قول الأسد بأنه لن يسمح
بأن تصبح أنقرة مركز القرار العربي، أو
أن تترك الساحة للأحزاب الدينية،
فيسيطر الإخوان المسلمون، وهو - أي
النظام الأسدي - مدعي العلمانية نفسه
يرتمي في أحضان إيران الفارسية،
ويمكنها من جميع دولنا العربية، وضد
القرار العربي، وهذا ليس كل شيء، بل
يتحامى بالنظام الإيراني الإسلامي
القمعي ضد الشعب السوري؟ إنه أمر لا
ينطلي على ذي فطنة! وعليه، فإن الهدف الأسمى هو الحفاظ على
الأوطان، وحق العيش المشترك فيها، تحت
إطار المواطنة، وليس تحت ظل تطرف
الأقليات وتداعيها لنصرة الطاغي الذي
مصيره إلى زوال، وهذه سنن الله في
خلقه، عاجلا أو آجلا، فالطغاة ذاهبون
والأوطان هي الباقية، والخطر اليوم أن
العقلاء الذين دافعوا عن الأقليات
بمنطقتنا باتوا أنفسهم متشككين في دور
الأقليات، فما بالك بعامة الناس؟ ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |