ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 06/10/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

من سوريا إلى اليمن.. لماذا العجز العربي؟

عثمان ميرغني

الشرق الاوسط

5-10-2011

أزمتا سوريا واليمن تراوحان مكانيهما، بينما أعداد الضحايا تزيد كل يوم، مع تشبث النظامين بالحكم في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، واستخدامهما للقمع والبطش والمماطلة لإخماد انتفاضة الشعبين. نظام علي عبد الله صالح يناور ويتملص من الوعود لأنه في الواقع لا يريد التخلي عن الحكم حتى إن تظاهر بقبول المبادرة الخليجية. فهو يشعر أنه يمكن أن يحاول شراء المزيد من الوقت، لعله يفلح في قمع الثورة الشعبية، مستغلا بندا في المبادرة يعطي الرئيس وأقاربه والمقربين من حاشيته ضمانات بعدم الملاحقة والمحاكمة. وهذه في الواقع هي نقطة الضعف في المبادرة الخليجية التي استغلها النظام؛ لأنها جعلته يشعر أنه يمكن أن يواصل سياسة القمع والقتل إلى آخر لحظة، عله ينجح من خلالها في كسر الانتفاضة الشعبية، وإن فشل فهو يضمن عدم الملاحقة والمحاكمة على الجرائم التي تُرتكب ضد المنتفضين على الحكم.

صحيح أن هناك وجهة نظر تقول إن النظام لن يجد ما يشجعه على التخلي عن الحكم، إذا كان يرى أن مصيره سيكون الملاحقة على غرار الرئيس الهارب زين العابدين بن علي، أو المحاكمة مثل الرئيس المعتقل محمد حسني مبارك، أو المطاردة أرضا وجوا على غرار العقيد المختفي معمر القذافي. ومن هنا جاء تضمين المبادرة الخليجية بندا يعطي الرئيس اليمني وأقاربه وبعض أركان نظامه حصانة من الملاحقة والمحاكمة لإقناعه بالتنحي. المشكلة أن الرئيس صالح، الذي أدمن أسلوب المناورات للبقاء في السلطة، وجد في هذا البند فرصة لكي يستمر في المناورة والمماطلة، ويواصل سياسة القوة والقتل لكسر شوكة المحتجين. وهكذا تزامنت عودته من رحلته العلاجية في السعودية مع تصعيد في وتيرة العنف، ومع تصريحاته التي توحي بأنه لن يبتعد عن الكرسي بسهولة، وأنه يريد الثأر من خصومه، خصوصا بعد محاولة الاغتيال التي تركته مشوها.

في الناحية الأخرى، يواصل النظام السوري أيضا سياسة البطش والقتل مصعدا حملته العسكرية ضد المدن التي تشهد احتجاجات، مستخدما كل شراسة آلته الأمنية والعسكرية والقمعية في مواجهة المنتفضين. لا يبدو النظام مكترثا بالاحتجاجات والإدانات العربية، وإن شعر بالقلق من الحصار الدولي المتزايد فهو يحاول التسريع بالحملة العسكرية على أمل إنهاء الاحتجاجات الشعبية لكي يتفرغ بعد ذلك للالتفاف على الضغوط الدولية والسعي لشق المجتمع الدولي بتقديم تنازلات محدودة تحفظ للنظام بقاءه وتترك السلطة في يديه ضمن إجراءات ديكورية توحي بأن هناك حوارا شعبيا ولجانا مختلفة ترفع توصيات لتعديلات «دستورية» تقدم رتوشا في الحكم لكنها لا تغير من طبيعته، أو رغبته في مواصلة نهج الحكم الاستبدادي، والانفراد بالسلطة. فالنظام مضى بعيدا في حملة القمع والتنكيل، ولن يشعر بعد الآن بالأمان مع معارضيه بحيث يفتح حوارا حقيقيا ويجري انتخابات حرة في ظل الغضب الشعبي الذي تولد خلال الفترة الماضية؛ لذلك فإنه سيركن إلى السياسة الوحيدة التي يعتقد أنها ستضمن له البقاء في الحكم، وهي القمع.

المواطنون السوريون، الذين يواجهون الحملة الأمنية الشرسة التي يقوم بها النظام، رفعوا عدة مرات لافتات تطالب بتدخل عربي وتركي، أو حتى دولي، لحمايتهم. لكن العرب في حالتهم الراهنة يبدون عاجزين تماما عن تلبية النداء السوري، وأكثر ما قدموه هو الإدانات مع قيام بعض الدول باستدعاء سفرائها من دمشق. أما تركيا فإنها على الرغم من تصعيدها للهجة الانتقادات، ومشاوراتها مع عدد من الدول الغربية لتصعيد الضغوط والمقاطعة لنظام الأسد، فإنها لا تبدو ميالة إلى خطوات عسكرية، خصوصا أن مثل هذا الأمر قد يؤدي إلى مواجهة مع طهران التي تدافع عن حليفها في دمشق. لكن أنقرة قد تجد نفسها محشورة في الزاوية إذا نجح العسكريون السوريون الذين انشقوا عن النظام في تنفيذ خطتهم الداعية إلى بسط سيطرتهم على شريط في المنطقة المحاذية للحدود مع تركيا بهدف إقامة منطقة آمنة تحت مظلة دولية لحماية المدنيين. فالنظام السوري سيسعى بالتأكيد لمنع الجنود المنشقين من إقامة مثل هذا الحزام الآمن، وقد تشتعل المعارك بالقرب من الحدود بما قد يجر تركيا إلى القيام بعمل يعطي مصداقية لمواقفها، خصوصا بعد تصعيدها للمواجهة الكلامية مع دمشق.

يبقى الموقف الدولي الذي لا يبدو ميالا، حتى الآن، للتدخل العسكري، خصوصا أن المعارضة السورية وعددا من الأطراف الإقليمية عبرت عن رفضها لهذا الخيار. وقد أكدت المعارضة السورية، التي أعلنت هذا الأسبوع تشكيل مجلس وطني، أنها تطالب بحماية دولية لكنها ترفض التدخل العسكري، وهو أمر أثار تساؤلات حول كيفية فرض هذه الحماية، وآليات تنفيذها من دون أن يؤدي ذلك إلى شكل من أشكال التدخل العسكري. المعارضة حاولت توضيح إشكالية هذا الموقف بالقول: «إن الحماية لا تعني التدخل العسكري؛ لأن الشعب السوري يرفض الاحتلال». الواقع أن كل الشعوب ترفض الاحتلال، ولا أحد يحبذ التدخل العسكري الأجنبي، لكن ما الحل؟ وما السبيل لوقف حملات القمع والقتل المستمرة ضد المواطنين الذين أبدوا عزيمة قوية على مواصلة احتجاجاتهم على الرغم من البطش والتنكيل؟

طوال أحداث الربيع العربي طرح المحتجون، الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة الرصاص والتنكيل، سؤالا تكرر في شكل استغاثة يائسة: أين العرب؟ فالشعوب التي بدأت تستعيد صوتها عبرت عن غضب مكبوت إزاء حالة العجز العربي الذي يسمح للأنظمة بالتنكيل بمواطنيها من دون أن تشعر بأي قلق من احتمال تحرك عربي جماعي للتدخل الرادع.

قبل سنوات كان الناس يقولون إن القارة الأفريقية هي الرجل المريض وإنها أعجز من أن تقوم بأي شيء وحدها، وتنتظر دائما من الرجل الأبيض أن يعطف عليها ويتقدم لمساعدتها كلما تعثرت أو واجهت أزمة. اليوم أصبح للاتحاد الأفريقي صوت يسمع في كل أزمات القارة، وقوات تشكل وتتحرك بإرادة وقرارات قادته للتدخل العسكري في عدد من أزمات القارة التي تحتاج إلى تدخل عسكري أو إنساني. والقوات التابعة للاتحاد الأفريقي موجودة اليوم بمظلة دولية في السودان في دارفور وفي الجنوب، وهناك قوات إثيوبية في أبيي، كما أن القوات الأفريقية موجودة في الصومال وتقاتل دعما للحكومة ضد الميليشيات المسلحة. على الصعيد السياسي نرى القادة الأفارقة يتحركون ويشكلون لجان الحكماء للتدخل والتوسط في أزمات القارة.

فهل العرب أعجز من الأفارقة؟

في الوقت الراهن هم كذلك، على الرغم من كل الإمكانات ومقومات القوة الموجودة لديهم. فالمشكلة تكمن في افتقاد الإرادة، وفي الركون إلى الخلافات والقبول بانعدام الثقة. لقد أقنعنا أنفسنا بأننا بلا حول أو قوة، وقنعنا بدور الضحية لكي نلقي باللوم دائما على الآخرين. هذا الإحساس بالعجز كان من بين أسباب كثيرة أشاعت الإحباط، وأفقدت الشعوب الثقة في بعض حكامها، وأسهمت في موجة الانتفاضات والثورات التي تطالب بالحريات والحقوق.. مثلما تريد استعادة الكرامة والثقة بالنفس.

==============

ثورة أخلاقية أيضا!

ميشيل كيلو

الشرق الاوسط

5-10-2011

لا نولي أهمية جدية وصادقة في حياتنا السياسية للأخلاق، ونعتبر ببساطة أن السياسة نقيض الأخلاق والأخلاق عكس السياسة. لذلك ترى الناس عندنا إما يكرهون السياسة ويرفضون الانخراط فيها وقبول ممارساتها ورموزها، إن كانوا من الأخلاقيين، وإما يرفضون الأخلاق ويرون فيها مسألة قليلة الأهمية وبعيدة عن الواقع ومستلزماته، إن كانوا من السياسيين. ورغم نماذج رائعة عرفها تاريخنا القديم والحديث، فإن السياسة تعد عندنا ميدانا للكذب والعنف والخروج على القيم والمبادئ الدينية والوضعية، حتى إن عامة الناس يبدون غالبا تساهلا غير مسوغ في كل ما يتصل بتصرفات السياسي وكلماته ووعوده، فإن لفت أحد نظرهم إلى خروج ما عن القيم والأخلاق يسم أفعالهم، سألوه باستغراب: هل كنت تتوقع أن يفعلوا غير ما فعلوه؟! وهل نسيت أنهم ساسة؟!

لكن صحوة أخلاقية أخذت تنتشر في عالمنا العربي خلال السنوات الأخيرة، تجلت أول ما تجلت في التمييز بين الحق والباطل، والخطأ والصواب، ثم في فرز هائل أعقب ذلك أو صحبه داخل مجتمعاتنا، قسم الخلق إلى معسكرين: واحد مجتمعي يضم مواطنين عاديين كثيرين، يرى السياسة من منطلق أخلاقي أيضا ويطالب السلطات بالالتزام بأسس أخلاقية في رؤية الأمور والتعامل معها. وثان سلطوي استمر في اعتبار المصلحة أولوية تحدد أي شيء عداها، من المحتم أن يخضع لها كل شيء، باعتبار أن خدمتها والتقيد بمتطلباتها هما جوهر الأخلاق، التي لا أخلاق في السياسة غيرها. هذا المعسكر، الذي رأى في المصلحة مسألة تتعلق أساسا بالسلطة وسلوكها وخياراتها، أقنع نفسه وحاول إقناع مواطنيه بأن ما يخدم السلطة أخلاقي وما يضر بها ضد الأخلاق، بينما رأى المعسكر الأول أن الأخلاق شأنها في ذلك شأن السياسة، لا يجوز أن تخدم مصالح ضيقة، لأنها هي ذاتها مسألة عامة، ومن الحتمي أن ترتبط بخدمة عامة البشر وتجعل «سيد القوم خادمهم» كما كانت العرب تقول، خصوصا وأنها تنصبّ في جوهرها على تدبير الشأن العام، الذي هو في السياسة كما في الأخلاق شأن مجتمعي وفردي في آن معا، ولا بد ينهض على مشتركات وأسس جامعة.

هذه الصحوة الأخلاقية، التي ترجمت نفسها إلى صحوة سياسية من نوع نبيل، لعبت دورا مهمّا في اليقظة العامة التي نعيشها يوميا في كل مكان من عالمنا العربي، واتخذت صورتين ملموستين: من جهة نزول الشعب إلى الشارع مطالبا بسياسات تلتزم بقيم ومبادئ روحية سامية يسعد تطبيقها الإنسان ويريح الجماعات، كالعدالة والمساواة والحرية وحفظ الكرامة واحترام الحياة والأمان الشخصي والجماعي والملكية... إلخ، ومن جهة أخرى مسارعة بعض الحكومات إلى اتخاذ تدابير من شأنها تحقيق قدر أكبر من العدالة والحرية في استجابة استباقية لمطالب الناس. في الحالة الأولى يرى الناس في الخلاص من حالهم السياسي القائم مقدمة ضرورية لتقدمهم نحو واقع سياسي إنساني السمات من نمط جديد، هو بالتالي أخلاقي المضامين، أما في الثانية فإنهم يرون في ما يتم من خطوات تقدما مقبولا بهذا القدر أو ذاك ينضوي في سياق واقعهم، الذي يشير إصلاحه الجزئي إلى أنه يتغير نحو الأفضل، وإن على الصعيد المادي، صعيد العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخل وما يتصل بهما من مسائل.

في مقابل هذا النهوض الأخلاقي الهائل، الذي لم يكن أحد يتوقعه قبل سنوات قليلة، رغم أن بعض المفكرين والمراقبين ترقبوا حدوث رد فعل ما ضد الانهيار السياسي والأخلاقي القاتل الذي حكم على العربي الفرد بالصمت الذليل، وعلى شعوب أمته بالهامشية والاستكانة للظلم والخوف، هناك سياسات رسمية تسود بلدانا عربية بعينها تفتقر إلى أدنى حدود الأخلاق والإنسانية، تراهن على تخويف المواطن إلى الحد الذي يبقيه في حالة موت شتوي دائم، يقبل أن يُذل ويهان ويُسرق وتُنتهك كرامته دون أن ينبس ببنت شفة، بينما تتبنى ممارسات تقوم على شق الجماعات التي يتكون شعبها منها وعلى تأليب بعضها ضد البعض الآخر، باعتبار أن من الحكمة والسياسة شحن نفوس المواطنين الخاضعين لها بالبغضاء والغل ضد كل من لا ينتمي إليهم، وأن كل فرد من أفراد شعوبهم يجب أن يكون خصما وعدوا لغيره، فإن خطر له أن يخرج من هذه المعادلة وينضم إلى سواه في المطالبة بأية حقوق اتهم بالعصيان وشق عصا الطاعة والخروج على الجماعة، وكان بانتظاره عقاب قد يبلغ حد قتله وتصفية أسرته وأصدقائه.

هنا، لسنا أمام حالة انفصال عادية بين السياسة والأخلاق، وإنما نواجه سياسة تقوض أية مرتكزات أخلاقية من أي نوع كان، بما في ذلك تلك التي ترتبط بالمصلحة، وتقلع عن حمل أية صفة عامة، وتصير فئوية وحتى فردية، مع ما يترتب على ذلك من انهيار في السياسة، التي لا تعود شأنا له سمات عامة، وتقتصر على خدمة مصالح خاصة وتصير شأنا خاصا وفي حالات كثيرة أمرا شخصيا يخدم أفرادا بعينهم، يدل وجودهم بحد ذاته على مدى التدهور الذي بلغته الجماعة الوطنية التي يفترض أنهم ينتمون إليها على الصعيدين السياسي والأخلاقي. لذلك، ليس من المبالغة القول إن المجتمعات العربية تعيد اليوم للأخلاق مكانها ومكانتها من وجودنا، وتعيد تأسيس السياسة على أرضية أخلاقية جديدة تتفق وسمتي الأخلاق الرئيستين: عنيت طابعها الروحي وعموميتها، فالأخلاق تكون في خدمة الجميع أو لا تكون، ومثلها يجب أن تكون السياسة، إن خدمتا معا القيم نفسها والجهات عينها، وأدتا إلى ترقية الحياة الإنسانية، على غرار ما حدث مرات كثيرة في تاريخ العالم والعرب، عندما رأت السياسة نفسها بمنظار الأخلاق وخدمت الأهداف التي تلزمها قيمها بخدمتها.

سيسود العالم العربي في المستقبل شعوران متناقضان: شعور بالخجل والعار مما ارتكبته السياسة في تاريخنا الأخير من انتهاك لضوابط الأخلاق، وشعور بضرورة بناء العالم السياسي على أرضية معايير أخلاقية تكون حامل العمل العام. وسيتغلب الشعور الثاني على الأول، بعد أن ينجح التغيير السياسي المطلوب شعبيا ومجتمعيا، ويقف العرب على أقدامهم في أعقاب فترة طويلة وقفوا فيها على رأس سياسي غير أخلاقي قوض الكثير مما أنجزه آباؤهم وأجدادهم على كل صعيد، خلال تاريخ طويل نهضوا معه وبلغوا قمة التطور والمدنية، عندما راعوا الأسس الأخلاقية في وجودهم، وانحدروا إلى الدرك الأسفل عندما أخرجوا الإنسان من السياسة، وحولوها إلى تجارة رخيصة ومغانم خاصة بقلة أو حتى أفراد!

=============

«التوحد البعثي»

الاربعاء, 05 أكتوبر 2011

خالد سليمان *

الحياة

بعد مرور ما يقارب نصف قرن على إنهاء الحياة السياسية الطبيعية المتمثلة بالتعددية والحياة البرلمانية والحراك السياسي والاجتماعي في سورية الستينات، قسراً، وبعد إخضاع المجتمع إلى أقسى درجات «التوحد البعثي»، يمكن القول إن الانتفاضة الحالية حررت الحراك الاجتماعي من مرضه واستعادت ما يمكن استعادته من قوة البقاء. تنطبق على حال المجتمع السوري هذه فكرة طرحها الكاتب والروائي البريطاني جورج أورويل في مقال له عن وضع الثقافة في كل من النظام الاستبدادي والتوتاليتاري نهاية الأربعينات. فقد اعتبر أورويل أن الثقافة في ظل النظام الاستبدادي تشبه كائناً مريضاً قابلاً للشفاء، بينما تشبه في ظل التوتاليتارية كائناً يعيش لحظاته الأخيرة على سرير الموت.

كان البعث في سورية مشروعاً توتاليتارياً بحتاً وحاول وضع المجتمع السوري برمته على سرير احتضار قسري، إنما البيئات الإقليمية والدولية المتغيرة أبقته ديكتاتورياً عسكرياً، ولذلك بقيت الثقافة، وفيها الحراك الإجتماعي، مثل فحم سريع الإشتعال، وقد اشتعل ولو متأخراً. لقد نجح النظام البعثي في توريط مجموعات اجتماعية في فلك نخبة أمنية وعسكرية مالية، لكنه فشل في «تبعيث» المجتمع وتزوير تاريخه ووضعه في غرف «المحو»، أو تبديله بتاريخ يمكن تسميته بالقطيعة البعثية.

يذكرني حال سورية الراهنة، حيث التلويح بتوسيع دائرة القسوة ضد المنتفضين، بنقاش دار بين كل من الكاتب اللبناني حازم صاغيّة والكاتب العراقي كنعان مكية حول نظامي البعث في العراق وسورية، وإمكانية وصفهما بالتوتاليتارية. يسأل كنعان عن وصف صاغيّة للنظام السوري، هل هو توتاليتاري أم ديكتاتوري؟. ويختصر صاغيّة وصفه بهذه الكلمات: «نظام الأسد أقرب إلى نظام الديكتاتورية العسكرية (...) إنما لو دققنا النظر في طبيعة هذه الأنظمة نرى انها قادرة على ضرب الماضي والحاضر والمستقبل، فهي تضرب الحاضر من طريق نظامها القائم نفسه، وتضرب الماضي عبر تزوير التاريخ كما تشوّهه وتضعك أمام مشكلات في المستقبل حيث يصبح من الصعب إيجاد حلول لها. فلو عمل بشار الأسد على الانفتاح السياسي والليبرالي والديموقراطي، ستضعف الدولة، وإذا بقي على نهج والده ستظل البلاد تهترئ أكثر وأكثر وتضعف اقتصادياً واجتماعياً. لا يوجد حل: انظر إلى العراق مثلاً، مع صدام كان كارثة وهو من دونه كارثة. لقد نما عدد من التناقضات والأحقاد في المجتمع. من الصعب جداً...». لقد ضرب البعث منذ وصوله إلى السلطة عام ١٩٦٣ البنى المجتمعية واشتغل على تفتيت المجتمع من جانب، وعلى الرهان على الطاعة للاحتفاظ برأسه من جانب ثانٍ. وتمخضت عن عقود من ضرب المجتمع بحاضره وماضيه و «مستقبله» ضمناً ثقافة اجتماعية وسياسية متورطة في العنف والفساد والخوف. وتالياً، أصبحت فكرة التغيير ضرباً من الألم أو تغاضياً عما يزيد الألم ذاته. ففي أحسن الأحوال، لا يمكن تصور مستقبل أفضل لسورية والسوريين من دون وقوع عدد كبير من الضحايا والجثث.

قصارى القول: أصبح البعث كائناً متوحداً بعدما فشل في أن يجعل المجتمع «متوحداً»، وصار يعيد لعبة القتل العاري من دون هوادة. إنما المعضلة الكبرى التي سبقت هذه اللعبة وكرّست ممارستها المتكررة هي صناعة رجل الأمن والعسكر والمخابرات التي شملت شريحة واسعة من المجتمع وصار من الصعب عزلها عن مكونات المجتمع السوري وثقافته واقتصاده. ومن هنا تبدو عملية التغيير من دون ضحايا ضرباً من الخيال.

ف «الشبيحة» لا يقتصرون على مجموعة من الأفراد الذين يدافعون عن مصالح النظام ومصالحهم ضمناً، إنما هم شكل من أشكال الدولة القومية العربية المعاصرة.

* كاتب كردي عراقي

==============

سلطة الشعوب بديلا لسلطة الجيوش

خضير بوقايلة

2011-10-04

القدس العربي

حملت ثورات التحرر من الاستعمار في البلاد العربية النخب العسكرية إلى سدة الحكم، وكان ذلك يحدث بصورة شبه تلقائية وبترحيب واسع من الأهالي. كان الجيش هو الوريث الشرعي للسلطة في البلاد العربية بعد مغادرة المستعمر، وكان ذلك يبدو أمرا عاديا لا حرج فيه بالنسبة للكثيرين، ولم يكن مهما أن يكون نقل السلطة بقوة البيان رقم واحد أو بانتخابات مزورة، لأن الأهم في تلك المرحلة هو أن البلد حصل على استقلاله ولا بدّ لجيش التحرير أن يتولى دفة الحكم في هذا البلد أو ذاك جزاء تضحياته وبسالته في مكافحة المستعمر، ومن هنالك ولد ما صار يعرف بمصطلح الشرعية الثورية التي غطت على الشرعية الشعبية والشرعية الدستورية، الجيش هو الذي يقرر مصير البلاد والعباد ويرسم السياسة التنموية وفق ما يمليه عليه هواه.

شاهدنا ذلك في كثير من البلاد العربية، في مصر والعراق وسورية والجزائر وليبيا وغيرها. كان التداول الوحيد للسلطة يتم بين الضباط عن طريق الانقلابات الدموية أو وفاة الحاكم العسكري، تحول الجيش إلى رمز مقدس لا يمكن لأي شخص أو تنظيم مخاصمته أو انتقاده، فهو حامي حمى الوطن والشعب والتاريخ والحاضر والمستقبل، وكل من كانت تسول له نفسه تجاوز الخط الأحمر كان يلقى بسرعة خاطفة مصيره اغتيالا أو سجنا أو نفيا. ويكفي الآن أن نعود قليلا إلى الوراء لنجد أن جلّ حكام بلاد الشرعية الثورية يحملون لقب عقيد أو مشير أو جنرال ورثوا عروشهم بالقوة وقرروا أن يخلدوا في الحكم ويورثوا أبناءهم من بعدهم لأنهم يرون أنهم أصحاب هذا الحق ولا أحد بإمكانه أن ينازعهم فيه، لا الشعب ولا الدستور ولا ما يسمى بقوى المعارضة.

مرت الأعوام وترسخت معها لدى الحاكم فكرة أحقيته بالملك وبنى له في نفس الوقت حقيقة واهية مفادها أنه موجود هناك لأن الشعب راض به وبكل ما يأتي منه، وكلنا يتذكر تلك الكلمات الخالدة التي قالها العقيد معمر القذافي أولا عندما سُئل عن المسيرات الشعبية التي بدأت في ليبيا إيذانا بانطلاق الانتفاضة الشعبية، حينها رد باستهتار أن تلك المسيرات ستخرج تأييدا له وأنه هو نفسه سيخرج مع الناس إلى الشارع للهتاف بحياته، وثانيا عندما سألته مراسلة قناة سي أن أن عن إمكانية خروجه من بلده لينجو من قبضة الثوار فرد عليها بعد قهقهة أطلقها بصعوبة (فيه واحد يهرب من بلادو؟) وأضاف بلغة الواثق أن شعبه يحبه والناس مستعدون للموت فداء له. نحن البسطاء من الناس قد يتبادر إلى أذهاننا أن القذافي وغيره من حكام الشرعية التاريخية والثورية يضحكون ويكذبون علينا بكلامهم هذا، إلا أن بعض المختصين في تحليل نفسيات هذا الصنف من المستبدين يؤكدون أن كثيرا منهم صاروا بمرور الوقت يؤمنون بما يقولون ولا يفكرون لحظة أنهم يكذبون على أنفسهم وعلى الناس، ولعل هذا الذي يفسر استماتة القذافي وصالح والأسد ومبارك وزين العابدين في صد كل محاولة للتغيير السلمي لنمط الحكم في بلدانهم، وكان أول رد فعل لهم هو إصدار أوامر بتسليط زبانية المخابرات والبوليس السياسي وأمن الدولة لقمع الناس ولا يهم كم روحا تزهق ولا تأثر الاقتصاد وحياة الناس بذلك، وخفي عليهم أن عجلة التاريخ تدور وأن الباطل سيهزم مهما طال به الأمد وأن وقت ذلك قد حان.

الشعوب العربية والشباب منهم خاصة رأوا أن العالم من حولهم يتغير وأن بقاءهم تحت رحمة الديكتاتوريين لم يعد يطاق، فقرروا أن يطيحوا بالأصنام ولو كلفهم ذلك حياتهم، فهم أصلا لم يكونوا يرون أنفسهم أحياء، بل جثثا ترى وتسمع وتنتظر الموت، لم يترك الحكام في نفوس الشباب ذرة أمل ولا رغبة في الحياة ومحوا من قواميسهم كل ما يحيي النفس وينشر التفاؤل في المرء. شباب يكره بلاده بشكل غريب وكل أمله أن تتاح له فرصة تخرجه من أرضه وترمي به في أحضان الغربة بكل مخاطرها ومجاهيلها. صنع الشباب ثورتهم في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والباقي آت لا محالة، وسجلوا صفحة جديدة من التاريخ العربي المعاصر عنوانها الشرعية الشعبية.

الشرعية الثورية وشرعية الانقلابات انتهت وبطل مفعولها وكلها زائل لا محالة، فهي فقط مسألة وقت ولن يطول هذه المرة بالتأكيد. الجيوش بمفهومها التقليدي لم يعد لها هي الأخرى مكان في حاضر الأمة ومستقبلها، وليست هذه أمنية ولا تخريف بل هو الواقع الذي وصل إليه مسار العالم أجمع والعرب لا يمكن أن يعيشوا مدة أطول بمعزل عنه. الشعوب العربية انتفضت وهي الآن تشق طريقها لتثبيت أسس حكمها بما يخدم مصلحة البلد والمجموعة الوطنية، بعد أن كان حكم الشرعية الثورية مسخرا لخدمة مصالح فئوية لا تتعدى زمر الأنظمة الحاكمة والانتهازيين المتعلقين بتلابيبها.

كانت النخب العربية الحاكمة قادرة على قيادة عجلة التغيير في المنطقة لو أنها تخلصت من أنانيتها وألجمت شهيتها ووضعت جيوشها على سكة العصرنة والحداثة، بعد أن تبين أن هذه الجيوش بالصيغة التي هي عليها الآن لا يمكنها أبدا أن تتولى مهمة حماية الوطن التي أسندتها إليها الدساتير على اختلافها، ذلك أن التحديات والمخاطر التي صارت محدقة بالبلدان الآن ليست ما كنا نراه من التدخلات والغزوات العسكرية السافرة، بل تطورت واتخذت أشكالا أخرى بأسلحة حديثة اقتصادية وتكنولوجية وإعلامية أخرى. فقدت الجيوش العربية جوهرها وتجاوزتها الأحداث، هي لا تزال تؤدي مهمة الدفاع والحماية دائما لكن ليس للوطن، بل لزمر الحكم والفساد فتحولت من نصيرة للشعوب إلى عدو لها. وليس أغرب من أن يرى المرء كيف صار الانخراط في أسلاك الجيش والأمن المختلفة حلما لدى كثير من الناس، ليس بهدف خدمة الوطن والدفاع عنه طبعا، بل لأن العمل في هذا القطاع صار السبيل الوحيد تقريبا لكي يضمن المرء مستقبله المادي ويعيش حياة الرفاهية، ويذكر أحد الأصدقاء في هذا الصدد كيف أن الانخراط في جيوش عربية كثيرة صار متاحا للذين يدفعون أموالا طائلة، أي أن الخدمة العسكرية باتت استثمارا مضمونا لا مكان فيه للمخاطرة أبدا. الحروب التقليدية انتهت والجيوش التقليدية أيضا مصيرها الزوال، ونحن نرى كيف أن كثيرا من البلدان العربية إن لم يكن كلها صارت مرتعا للقوى الخارجية التي يمكن أن نطلق عليها اسم الاستعمار الجديد. الحكام العرب لم يعودوا قادرين، بكل جيوشهم وترسانات الأسلحة التي يقتنونها، على حماية ثروات بلدانهم ولم يعودوا يتحكمون في القرارات السياسية والمصيرية لبلدانهم وهم بطبيعة الحال لا يجهلون ذلك، بل لا يهمهم أن يسلموا البلد على طبق من ذهب إلى القوى الخارجية، وأن يرهنوا مصير ومستقبل بلدانهم وشعوبهم مقابل ضمان واحد أن يخلدوا هم وذرياتهم في الحكم وأن يضمنوا استمرار مصالحهم الشخصية الضيقة. عجلة التغيير تحركت والمنتظر فقط من الشعوب أن ترفع التحدي وتنجح في مهمتها التاريخية الجديدة حتى تحفظ لها الذاكرة ذلك.

' كاتب وصحافي جزائري

=============

خطورة الانجرار إلى 'فخ ' عسكرة الثورة السورية

د. عبدالله تركماني

2011-10-04

القدس العربي

أمام تخاذل العرب والمجتمع الدولي عن نصرة الشعب السوري، وارتفاع منسوب القتل الأعمى والاعتقالات والتنكيل، بدأت الأصوات الداعية إلى العسكرة تجد آذاناً صاغية. وبعد أكثر من ستة أشهر على بدء الثورة الشعبية في سورية يجدر التحذير من أنّ عسكرة الثورة، التي تدعو إليها أصوات من هنا وهناك، تعني حتماً انزلاق سورية إلى حرب أهلية مدمرة.

لقد هبَّ الشعب السوري طالباً التغيير الديمقراطي السلمي وساعياً له، فكانت ردة فعل السلطة الأولى اتهامات لطلاب الحرية والكرامة بإثارة الفتنة الطائفية، حيث احتلت كلمة الفتنة والطائفية جزءاً كبيراً من خطاب السلطة ورموزها وإعلامها. وفيما كان المتظاهرون يشددون على وحدة الشعب السوري وعلى سلمية مساعيهم، كانت السلطة تعيد وتردد، بلا كلل ولا ملل، مسألة الفتنة وكأنها ملاذها الأساسي والأخير في مواجهة استحقاقات فشلها في الحكم، وعقم سياساتها.

وإذا كان الكذب في الحالة السورية عماده الشائعات ومكان صناعته الغرف المظلمة والمكاتب الأمنية وشاشات ' دنيا ' الصفراء، فإنّ الحقيقة عمادها الناس ومكان صناعتها المجال العام والمظاهرات وهتافات وشعارات الشباب في الشوارع.

إنّ السلطة تسوّق الوهم في صفوف بعض المكوّنات الوطنية الأقلوية، على الأخص الطائفة العلوية الكريمة، بأنّ تغيير الأوضاع ليس في صالحها، وأنّ مستقبل أسود ينتظرها إذا زال الحكم الفاسد لعائلات الأسد ومخلوف وشاليش، وهي تسعى لتوظيف الخوف والرعب من المجهول لتحويل هذه المكوّنات ومستقبلها إلى دروع تتقي فيها سنن التغيير وعوامل الإصلاح الحقيقي. وهكذا فإنّ السلطة المافيوزية تريد وضع هذه المكوّنات أمام خيارين: إما أن تكون داعمة لها أو تكون الخاسر الأكبر من رحيلها. وفي هذا الموقف منطق أعوج وظلم مركب، من خلال دفع قطاع من المواطنين للعيش في إطار موهوم وغير صحي وغير طبيعي، لأنّ بقاء أية سلطة فاسدة وديكتاتورية ضرب من المستحيل، وبالتالي فإنّ رهن مستقبل أجيال بها أمر فيه غبن كبير.

إنّ الدرجة غير المسبوقة من القمع التي انتهجتها السلطة المافيوزية حتى الآن قد تدفع عناصر من الحركة الشعبية إلى الرد بعنف على العنف دفاعاً عن شرف أسرهم. وهذه السلطة تفعل كل ما في وسعها للدفع نحو العسكرة، التي تعطيها حججاً إضافية لمزيد من القمع، في وقت ستكون هي متفوقة عسكرياً، كما ستكون لها حجة قوية في وجه المجتمع الدولي لتقول: نحن نتعرض للهجوم من مسلحين ولا بد لنا من الرد.

وفي هذا السياق لا يمكن أن نستبعد أنّ بعض الأفراد الذين فقدوا أبناءهم، أو بعض المتعصبين من كل المكوّنات، قد استخدموا هنا وهناك العنف بأشكاله المختلفة، بما في ذلك إطلاق النار على قوى الأمن. لكنّ هذه تبقى أحداثاً فردية عابرة وثانوية، أغلبها رد فعل على مبالغة الأمن في استخدام العنف، ولا يمكن أن تمس بالطبيعة السلمية للحراك الشعبي، الذي لم يكف عن ترداد شعارات السلمية والوحدة الوطنية ونبذ الفرقة الطائفية أو الإثنية.

لقد ركزت الثورة الشعبية السورية - منذ البداية - على طابعها السلمي، ليس من خلال هتافاتها ' سلمية... سلمية ' فقط، بل من خلال اتخاذ المتظاهرين من الشباب مظهر أصحاب الصدور العارية، وهو ما تجسد في تظاهرات تمت في عدد من المناطق السورية. وعلى رغم أنّ هتاف ' سلمية... سلمية ' خف حضوره وترديده في التظاهرات، وأُخلي مكانه لهتافات أخرى، خاصة بعد الانشقاقات المتواترة لبعض ضباط الجيش وعناصره، فإنّ المظهر السلمي للتظاهرات لم يتغير، وربما كان بين تأكيدات هذا المضمون، انطلاق تظاهرت نسائية في العديد من المناطق السورية، إضافة إلى تظاهرات الأطفال التي تكررت مرات في الآونة الأخيرة، مع افتتاح الموسم الدراسي.

وعلى رغم أنّ المسار العام لحركة التظاهر بدا سلمياً طوال الفترة الماضية، ومؤكداً على وحدة الجماعة الوطنية للسوريين بمكوّناتها المختلفة، فإنّ ذلك لا يمنع من القول: إنّ مظاهر محدودة ظهرت هنا أو هناك وفي ظروف محددة، خالفت المسار العام لهذه الحركة في الهتافات والشعارات، إضافة إلى حدوث بعض مظاهر العنف من جهة، وإظهار بعض مظاهر الانقسام السوري من جهة ثانية، لكنّ ذلك كله لم يمثل ظاهرة بل أحداث منفصلة وقليلة.

ولا شك بأنّ الجيش عندما يشعر بأنه مستهدف، وعندما يشعر مكوّن وطني ما بأنه مضطر للدفاع عن نفسه، فإنّ كليهما سيتوحد بقوة أكبر خلف النظام، وقوة النظام كمحصلة ستتضاعف. وفي هذا السياق نستطيع أن نؤكد: أنّ نخبة من داخل الطائفة العلوية مستفيدة، وليس كل الطائفة، فهناك مناطق في الساحل السوري، حيث يتمركز أغلب أبناء الطائفة، لم يصل إليها صرف صحي أو كهرباء. ولعل العقلاء من هذه الجماعة الوطنية يدركون أنّ مصيرهم مرتبط أشد الارتباط بمصير كل مكوّنات الشعب السوري، وليس بآل الأسد وحلفائهم، مما يجعلهم ينخرطون في مسيرة الثورة ضد ظلم السلطة المافيوزية، من أجل الحرية والكرامة والمواطنة لجميع السوريين. وبذلك يساهمون مساهمة جليلة في الحد من الخسائر البشرية والمادية الناتجة عن جموح السلطة الغاشمة.

إنّ الثمن الذي يدفعه السوريون باهظ بسبب من الطبيعة الشرسة للسلطة، ومن تأخر انشقاق فاعل في المؤسسة الأمنية كما حدث في تونس ومصر. ولكنّ المهمة تبقى هي نفسها: التغيير بواسطة حراك عام وشعبي، سلمي تعريفاً. سلمي ليس رأفة بأهل السلطة القائمة، وإنما لأنّ ذلك هو ما يسمح بالتبلور التدريجي والمتعاظم للبديل، وبالانتصار على منطق الحرب الأهلية الذي بات أهل النظام القائم يغرفون منه.

فإذا كان التأكيد الأول على مضمون التظاهرات بأنها سلمية في إشارة لنفي صفة العنف عنها، فقد كانت شعارات ' نريد حرية وكرامة ' تأكيداً آخر لسلمية التظاهرات من خلال إبعادها عن استفزاز السلطة وأجهزتها الأمنية، لكنّ استجابة الأخيرة لعدم الاستفزاز لم تتحقق، بل جرى الذهاب للأبعد في دخول الجيش وقوات الأمن وجماعات الشبيحة حيّز العمليات في حصار ودخول المدن والقرى والبلدات في عدد من المحافظات السورية، وهو تطور قوبل من قبل المتظاهرين بالتأكيد على عناصر الوحدة الوطنية في مكوّناتها المختلفة، وتكاتف السوريين معاً عبر هتافات تؤكد مؤازرة وفداء المدن والقرى السورية، التي تعرضت لانتهاكات كبيرة في التظاهرات والاقتحامات.

إنّ الرد على أطروحات السلطة تكون من خلال إقرار مفهوم المواطنة والمشاركة والعيش المشترك في وطن ديمقراطي يتساوى فيه المواطنون بالحقوق والواجبات. الأمر الذي أكده الحراك الشعبي السوري في مسار ما ينوف عن ستة أشهر، وهو الآن أمام تحدي استمرار مضامين تحركه على رغم الفاتورة الكبيرة، التي دفعها في مواجهة الحل الأمني للسلطة، والتي هي مرشحة للارتفاع أكثر، ما لم يبادر المجتمع الدولي إلى فرض حماية للمدنيين، من خلال مؤسساته المختصة بحقوق الإنسان.

إنّ سلمية الثورة السورية رهانها الواضح ولن تقع بأفخاخ النظام، وكان شباب قيادتها من النضج الذي مكّنهم من تجاوز حقول ألغام النظام، أو ردود الفعل غير المحسوبة، كما أنّ حرصها وفهمها للوحدة الوطنية بكل مكوّنات الشعب السوري، وتوجهها المخلص بخطابها إلى المكوّن العلوي: البراء من جرائم السلطة وآثامها، ومن محاولاتها تجييش بعض البسطاء والمندفعين والمنتفعين فيها، إنما يكرس فهمها للدولة الديمقراطية المدنية الضامنة لحرية الاعتقاد والرأي، وللمساواة التامة بين كافة المكوّنات على أساس دستور عصري، وقوانين حديثة تتعامل مع الجميع كمواطنين متكافئين.

' كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

==============

أبوكاليبس سورية ؟!

راجح الخوري

النهار

5-10-2011

الواقع الميداني في سوريا يناقض التنظير السياسي في أميركا والدول الغربية التي تعودت وضع روزنامة تحدد مواعيد افتراضية لسقوط الأنظمة في إطار "دومينو التغيير" العربي.

أول من أمس أعلنت واشنطن ان سقوط الأسد بات مسألة وقت. جاء هذا مع تصاعد المخاوف من انزلاق سوريا الى حرب أهلية، بعد سبعة أشهر من القمع الدموي العنيف الذي يشنه النظام على حركة الاحتجاج. ولكن قياساً بالكيمياء المذهبية التي تتمترس وراء العنف المتصاعد في سوريا، وقياساً بالتاريخ القديم والحديث الكامن في أذهان الكثيرين من السوريين، وخصوصاً في حماه على سبيل المثال، وقياساً أيضاً بتاريخ الحروب الأهلية المأسوية، التي عرفتها البلدان ذات النسيج التعددي ومنها لبنان، يمكن القول ان الكلام عن "أن سقوط النظام السوري مسألة وقت" إنما هومن قبيل الحسابات الخاطئة ان لم يكن من التمنيات، لأن انزلاق سوريا الى الحرب الأهلية سيُدخل النظام والمعارضة الى رمال متحركة دامية لا يعرف أحد كيف ومتى يمكن الخروج منها!

ثم ان الوضع السوري يختلف عن الوضع الليبي الذي لم يكن نزهة بالنسبة الى الأطلسيين، وعن الوضع اليمني الذي ينذر هو أيضاً بالحرب الأهلية، لكن الفرق بين سوريا وليبيا واليمن هو ان سقوط الأسد لن يشكل تغييراً للنظام فحسب، بل مقدمة لرسم خريطة سياسية جديدة للمنطقة كلها ولاعادة ترسيم قواعد الاستراتيجيات فيها. فليس سراً ان سقوطه سيوجه ضربة مؤلمة الى الجبهة الايرانية الممتدة الى "حزب الله" في لبنان وحركة "حماس" في غزة. وعلى هذا الأساس ليس مستبعداً ان تتحول سوريا ساحة حرب إقليمية لها أبعادها المذهبية، وهو أمر كان في وسع النظام ان يتلافاه قبل أشهر لو استجاب المطالب بالإصلاح، وخصوصاً ان الأسد كان يعد به!

ما حصل في ليبيا لن يحصل في سوريا. فلا أميركا والأطلسيون على استعداد حتى الآن للتدخل العسكري لحماية المدنيين، ولا المجلس الوطني الذي شكلته المعارضة يطالب بهذا التدخل. وعندما يقول الخبير الاستراتيجي جون ألترمان ان هناك قدراً كبيراً من التشكك وعدم اليقين لدى البيت الأبيض والدول الغربية، حول ما قد يحدث في المستقبل في سوريا، فان ذلك يعني ان تحديد المواعيد لسقوط النظام ليس أكثر من رهان لا يستند الى وقائع، وخصوصاً مع الانزلاق المتزايد الى أتون الحرب الأهلية.

وإذا صح ان الرئيس الأسد رسم "صورة أبوكاليبسية" أمام أحمد داود أوغلو، عندما أبلغه أنه سيشعل المنطقة كلها في ست ساعات، فيدك اسرائيل بالصواريخ من الجولان وعبر "حزب الله" في لبنان، وكذلك عبر إيران التي ستقصف البوارج الأميركية وتنظم عمليات انتحارية حول العالم، فان ذلك يعني ان الوضع السوري يسير على درب طويل اسمه "يا قاتل يا مقتول"!

==============

العلاقات اللبنانية - السورية مع النظام أم مع المجلس الوطني؟ .. عنوان خلافي جديد بين قوى الاكثرية والمعارضة

هيام القصيفي

النهار

5-10-2011

انشغلت الاوساط السياسية اللبنانية في الاسابيع القليلة الماضية بمتابعة الاحداث السورية، انطلاقا من انعكاس التصريحات المتتالية حول خطر انهيار النظام السوري على وجود الاقليات في المنطقة، وتلمّس مدى التأثيرات التي تلحقها العقوبات الدولية على الوضعين الاقتصادي والمصرفي في لبنان.

وبين الامرين يحاول المراقبون السياسيون استشفاف تداعيات التطورات السورية على العلاقة اللبنانية - السورية مستقبلا، بما يتعدى النظام القائم حاليا. وهذا في ذاته ملف شائك، نظرا الى طبيعة العلاقات الشائكة بين البلدين، والتي بدأت تتأثر نتيجة الانقسام اللبناني حيال الحدث السوري ووقوف فريق لبناني مع النظام وفريق آخر مع الشعب السوري وحريته.

وهنا تكمن حساسية ما قيل عن دخول قوى لبنانية ميدانيا على خط الازمة المفتوحة، او ما اثير عن وضع الاقليات اذا سقط نظام الرئيس بشار الاسد، او حتى على صعيد النقاشات المفتوحة بين بيروت التي يفد بعض المعارضين السوريين اليها، وباريس واوروبا عموما حيث تتجمع غالبية المعارضين السوريين، حول مستقبل العلاقات بين الشعبين وبين المجموعات اللبنانية والسورية المعارضة. وينقل آتون من سوريا انطباعات عن المآخذ التي يسجلها المعارضون على قوى لبنانية روحية وسياسية في اسلوب تعاملها مع الازمة السورية احداثا وتطلعات. كما تحفل المدونات السورية بتعليقات تتفاوت حدتها حول اسلوب تعامل القوى اللبنانية مع الحدث السوري، في وقت تكثر الاتصالات الديبلوماسية الغربية مع السلطات الرسمية اللبنانية، لتأكيد حياد لبنان حيال المعارضين السوريين الذين يتوافدون اليه ومنع المس بهم تحت اي ذريعة. وقد اتى تشكيل المجلس الوطني السوري ليضيف الى المفكرة اللبنانية عنوانا جديدا من عناوين الاختلاف الداخلي على قاعدة انه لا يمكن النظام اللبناني بطبيعة الحال ان يعترف بهذا المجلس، في ظل الظروف التي يعيشها. في حين ان ثمة صلات تربط اعضاء في المجلس الوطني، ولا سيما منهم الاكاديميون، بلبنانيين وهي صلات سابقة للتطورات السورية. ويختصر الوزير السابق كريم بقرادوني رؤيته للاشكالية حول تشكيل المجلس بالقول ان المجلس الوطني "مشكلة سورية داخلية، ولا يحق للبنان ان يتدخل في الشؤون السورية الداخلية، ولا مصلحة لاحد بالرهان عليه"، مؤكدا ان "النظام السوري يتقدم ويتماسك وسيظهر انه من الآن وحتى نهاية السنة انه قطع دائرة الخطر".

ورغم ان بعض معارضي النظام السوري في لبنان رحبوا بتشكيل المجلس الجديد ككتلة "المستقبل" النيابية، الا ان الخطوات الرسمية لم تؤشر بعد الى احتمالات اكثر تقدما. ويقول بقرادوني: "تيار المستقبل وحده سيعترف بالمجلس بطلب سعودي - اميركي، فهو مشروع تركي - اميركي. لكن اتوقع ان تعترف به قلة من الدول العربية، رغم ان عددا منها مسرور به. لكن الوضع السوري يختلف عن الوضع الليبي وتاليا لا يمكن ان يحصد المجلس الوطني السوري اعترافا كبيرا به".

ويؤكد ان "لبنان لن يعترف حكما به، لان ما بين البلدين علاقات مميزة من الطائف الى الاتفاقات والمواثيق، ولا يستطيع من الجهة القانونية او السياسية ان يعترف به. وتركيبة الدولة من رئيس الجمهورية الى الحكومة لا تسمح بأي اتصال مع المعارضة السورية، التي لن يكون لها موطئ قدم في لبنان".

 في المقابل، ثمة شريحة من اللبنانيين تنظر الى الاحداث السورية على انها منعطف جديد يحمل الكثير من المتغيرات التي تترك آثارها على لبنان، ولا سيما مع حسم الولايات المتحدة خيارها بتغيير النظام السوري. ويلفت استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاميركية الدكتور هلال خشان الى "تداخل الوضعين السوري واللبناني. الجيش السوري دخل لبنان عام 1976 لأن سوريا اعتبرت ان ما يجري في لبنان يؤثر عليها. وللاسف فان الوضع الحالي في سوريا اذا اتجه الى حرب اهلية فستكون له تداعيات خطيرة اذا اشتدت وطأته على لبنان".

واذا كان محسوما ان "تستمر الحكومة الحالية في نهجها المعتاد في التعاطي مع النظام السوري الحالي، على اساس ان العلاقات الرسمية قائمة حاليا بين الانظمة العربية"، يقول خشان "الا ان تشكيل المجلس سيكون له تأثيره على المستوى الشعبي في لبنان المنقسم على نفسه اساسا، وكل فريق سينحاز الى الفريق السوري الذي يؤيده".

وتكمن المشكلة الراهنة في حال تبنى المجتمع الدولي الاعتراف بالمجلس الوطني السوري، وما سيكون عليه موقف لبنان في ضوء الانقسام الحالي بين المعارضة والاكثرية. وبحسب هلال فان "احدا لن يلوم لبنان او يتوقع منه ان يأخذ موقفا قويا تجاه النظام السوري. النظام اللبناني تنقصه السيادة ولا احد يتوقع ان يتخذ موقفا في حال تبلور موقف دولي قوي تجاه المجلس الوطني. فالعالم سيغفر للبنان في حال تقاعسه عن اتخاذ موقف ايجابي في الانتفاضة السورية".

=================

محطة أخيرة : اسئلة المعارضة السورية

ساطع نور الدين

السفير

5-10-2011

بديهي، أهم ما في المجلس الوطني السوري الذي أعلن في اسطنبول الاحد الماضي، أنه صار أمرا واقعا وعنوانا رئيسيا للمعارضة السورية. وهو انجاز مهم قد يكون الاول من نوعه في تاريخ سوريا، الذي لم يعرف الكثير من الائتلافات السياسية الناجحة، سواء على مستوى الحكم او المعارضة، بل عرف الكثير من الانقلابات العسكرية والاضطرابات الامنية التي تختزلها كلها الازمة الراهنة، وتكتسب منها زخما اضافيا.

لكن ما بعد هذه البداهة ثمة اسئلة تطرح على المعارضين السوريين الذين انجزوا المهمة الاسهل وهي الاعلان عن وجودهم وتفريغ خطاب النظام من محتواه عن المؤامرة الخارجية، وباتوا امام تحدي تقديم البديل الذي يستبعد هذا الخطاب من الذاكرة السورية باقل كلفة ممكنة على الاجتماع السوري الذي يكتشف هذه الايام مخاطر اللعب على تنوعه الطائفي وتعدده السياسي.

في البدء، لا بد من تسجيل حقيقة هي ان اكثر من نصف المنضوين في المجلس والموقعين على وثائقه، كانوا حتى الاسبوع الماضي يميلون، بدرجات متفاوتة من الحماسة، الى الحوار مع النظام والعمل على اصلاحه من الداخل. قيام المجلس يحسم هذا الجدل بشكل نهائي، لكنه لا يلغي الاحتمال البعيد، وهو ان يبدي النظام قدرا من الفطنة فيقرر مثلا ان يرحب بالتشكيل الجديد المعارض ويدعوه الى البحث في تقاسم السلطة، بدلا من ان يكمل حملته الامنية الحالية على اعضاء المجلس وعائلاتهم واقاربهم واصدقائهم على نحو ما يفعل الان.

لكن استبعاد هذا الاحتمال من جانب النظام المغلق على خياره الامني، يشكل قيمة مضافة الى المجلس الوطني بتشكيلته الشديدة الواقعية، التي اسقطت الكثير من الاوهام حول اسلامية الانتفاضة السورية. فاذا بالتيار الليبرالي واليساري وحتى القومي يتقدم على الاسلاميين الذين سعوا طوال الاشهر السبعة الماضية الى تصدر الخارج ومصادرة الداخل، لكنهم اضطروا في النهاية، وربما بسبب انقساماتهم الداخلية، الى التواضع والتسليم بمرتبتهم الثالثة او الرابعة في الحياة السياسية السورية، والى الحد من طموحات بعض قياداتهم وجنوحها نحو احد التطرفين اللذين يشقان الحركة الاسلامية السورية، ويفسحان المجال بين الحين والاخر لظهور مشايخ لا يستحقون اكثر من الاقامة في المصحات العقلية.

صار هناك جسم مركزي معارض، لا يختصر جميع المعارضات السورية، لكنه اكتسب من المحتجين على تشكيلته الاخيرة مصداقية اضافية لا شك فيها، تعزز من شعبيته في الداخل وتؤهله للدور الحيوي والملح، وهو ترجمة بيانه التأسيسي بما يوفر مخرجا من الحرب الاهلية التي تلوح في الافق السوري، يتقاطع بالضرورة مع دور الجيش الذي سقط سهوا في اسطنبول، لاسباب لا يمكن لاحد ان يجهلها، والذي كان وسيبقى الضامن للوحدة الوطنية السورية المهددة.

اما الجدل حول طلب الحماية الدولية والتدخل الخارجي، فهو من نافل القول والفعل الذي لا تملكه المعارضة، حتى ولو حظيت باعتراف جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة... لانه لا يعتمد الا على سلوك النظام وحده وعلى منسوب الدم السوري المسفوك من الان فصاعدا.

==============   

التحام الثورات

تاريخ النشر: الأربعاء 05 أكتوبر 2011

د.خالص جلبي

الاتحاد

بتاريخ 30 سبتمبر، والخريف يدخل إلى مفاصل السلطة في بعض البلاد العربية، برزت ظاهرة جديدة في ربيع ثورات العالم العربي، بإطلاق شعار واحد في اليمن وسوريا معاً، والأرض تلتهب بنار الثورة في البلدين، والقبور تفتح أفواهها الجائعة لمزيد من ضحايا "البلاطجة" و"الشبيحة". هذه المرة حصل تبادل في الخبرات والشعارات بين الثورات العربية، كما حصل يوم الجمعة في نهاية سبتمبر: "جمعة النصرة لشامنا ويمننا". فهل نحن أمام ظاهرة رفع نفس الشعار للجمعات المقبلات في صنعاء وحمص؟ أهو تحالف حيوي بين "الجملوكيات"، يقابله تحالف بين شباب الثورة في الشام واليمن؟ ثم من أين انبجس هذا الشعار الذي ألهم المشاعر في البلدين؟ أصله من حديث شريف يتضمن القول: "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا". ومن الأحاديث المروية حول اليمن أيضاً وصف جميل لأهلها: أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً، الإيمان يمان والحكمة يمانية". وفي الخليج يُعرف اليمنيون بطيبة أخلاقهم وإتقانهم للمهن وحبهم للتجارة ووداعتهم، ما يذكّر بصفات أهل الشام أيضاً.

ويبدو أن هناك على مستوى العالم العربي حالياً تبادل للخبرات في الثورة، بدءاً من تونس وحتى اليمن، فالبوعزيزي لم يكن ليدرك طبيعة القوى التي أطلقها مع حرقه لنفسه! لقد أحرق مفاصل نصف درزن من الأنظمة في حريق هائل، فيما تتوقع مجلة "دير شبيجل" القادمَ على نحو أشد عمقاً.

ليس هذا فقط، فنجاح الثورة السلمية في اليمن سيغير عقلية الإنسان العربي حول الآليات السلمية للتغيير. كما أن نجاح الثورة السلمية في سوريا قد ينقل شرارة الحريق إلى بعض الجوار، ومنه الخوف الإيراني من التغيير السوري.

لقد قتل في ثورة مصر 800 شخص، وعدد نفوس مصر ثمانين مليوناً، أما عدد من قتلوا في سوريا حتى الآن ففاق ثلاثة آلاف، وهو عدد مرشح للزيادة، بينما لا يتجاوز عدد السوريين عشرين مليوناً، وهذا يعني أن مخاض سوريا أعسر من مصر بكثير، كما يعني أنه ربما لن يخلو بيت من قتيل أو مقعد أو جريح أو مصاب. إنها ضربة الميلينيوم، أي الحدث الذي لا يقع إلا مرة واحدة كل ألف سنة. وسوريا شأنها شأن اليمن لم تنل استقلالها فعلياً، لكنهما اليوم مقدمتان على الاستقلال والحرية الفعليين.

كثيراً ما أردد أن الاحتلال الأجنبي والاستعمار الداخلي مثل التهاب الجلد الأحمر؛ مؤلم ونابض وواضح وسريع البداية والنهاية وسهل المعالجة، وأحياناً يُشفى بوضع الثلج عليه. وهي رحلة الخلاص من المحتل الخارجي. أما الاستبداد الداخلي فهو سرطان حقيقي، بطيء التدرج والانتشار، غير مؤلم وغير واضح، وحين يتم القبض عليه وكشفه يكاد يقترب العلاج من الاستحالة، وعمليته نازفة ودموية جداً. وذلك تقريباً ما نراه في اليمن وسوريا حالياً، لذا وجب التعاضد بين الاثنتين. والله يقول: "سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون". وسوريا واليمن ستَغلبان بإذن القوي القهار.

==============

مبادرة ربع الساعة الأخير: «دول جوار سوريا.. زائد»

عريب الرنتاوي

الدستور

5-10-2011

سوريا تنزلق إلى أسوأ ما ورد في «كوابيسنا» من سيناريوهات...هذا ما تشي به تطورات الأزمة بفصولها المختلفة.

النظام ماضٍ في «خياره الأمني – العسكري»... لا خيارات أخرى تلوح في الأفق...كل ما يقال عن «مبادرات إصلاحية» لا يستحق الحبر الذي يكتب فيه... آلة القتل لا تتوقف، والقصص التي تروى من مواقع الاشتباك الساخنة، تقشعرّ لها الأبدان...لم يبق أمام السوريين، قطاعٌ واسعٌ من منهم على أقل، سوى «امتشاق السلاح»، هكذا تقول أطياف متزايدة من المعارضة...لم نعد نسمع كثيراً شعار «سلمية ... سلمية»، فأمام هذا القتل المنهجي المنظم، يبدو ترديد مثل هذه الهتافات، ضرباً من البلاهة.

المعارضة بدورها ماضية إلى «الخيار العسكري»...والانشقاقات في صفوف الجيش إلى اتساع وتسارع...وسوف تتسع أكثر فأكثر، إن توفرت للمنشقين «ملاذات آمنة»...وهذه على ما يبدو، في طريقها لأن ترى النور قريباً...»الاغتيالات النوعية» على خلفية مذهبية، بدءاً من حمص وجوارها، تثير الذعر وترتعد لها الفرائص.

النظام في حالة اشتباك مع العالم بأسره تقريباً... لا يصغي لأحد، حتى لأقرب مقربيه... حتى الذين كانوا حتى الأمس القريب ناطقين باسمه على مختلف الشاشات والصفحات، بدأوا يضيقون ذرعا بضيق أفق نخبه السياسية والأمنية على حد سواء...لقد خرجوا بمبادرات ومؤتمرات، علّهم يحجزون لأنفسهم بوساطتها، مقاعد في «سوريا ما بعد الأسد».

لغة «التطيّف» و»التمذّهب» مرعبة إلى حد كبير...»نحن» و»هم»...القلق المبثوث في أوصال الأقليات يشي بشيء من «السيناريو العراقي...سوريا سائرة على ما تقول التقديرات، نحو مزيج من سيناريوهين: ليبي وعراقي، كان الله في عون السوريين، وحمى الله سوريا.

المعارضة نجحت في «لملمة» شتات شرائح مهمة من فصائلها وقواها في مؤتمر اسطنبول الأخير...لا أقول أنها نجحت في توحيد صفوفها، فثمة مسافة ما زالت تفصل قطاعات منها عن المجلس الوطني المشكل حديثاً...لم تعد لغة اللجوء إلى السلاح، مُستهجنة... لم يعد الحديث عن استدعاء تدخل دولي صادم، خصوصاً حين يغلّف بدثار إنساني ويعلل بحماية المدنيين.

«الملاذات الآمنة» في طريقها للتشكل والظهور...بعضها تحت مسمى «مخيمات اللاجئين» ...وبعضها الآخر على شكل شريط محمي داخل الأراضي السورية، مسيّج بمناطق حظر طيران وربما بمناطق محذور على الدروع دخولها وقذائف المدفعية أن تصل إليها...في هذه الملاذات، قد يعاد انتاج «سيناريو بنغازي»...ومنها ستنطلق شرارات المواجهة الدامية بين جديد ينشأ وقديم يأبى الإنحلال.

والتغيير في سوريا، لن يكون أبداً نزهة قصيرة، وستكون كلفته عالية...وقد تدفع سوريا الدولة والكيانة والهوية والوحدة الجغرافية والديموغرافية أثمانه الباهظة....التغيير في سوريا قد يفضي إلى تغيير في خراط المشرق العربي...ألم يتنبأ مؤتمر هرتسليا في أحد سيناريوهاته الأكثر تشاؤماً، بارتفاع عدد الدول الأعضاء في الجامعة العربية إلى ثلاثين دولة؟!.

يتكئ البعض، خصوصاً من الراقصين على ألم السوريين ودمائهم، إلى هذه السيناريوهات المتشائمة لتبرير انحيازاتهم الانتهازية للنظام...ينسى هؤلاء أو بالحرى، يتناسون، أن المسؤول الأول والأخير، عن هذه المآلات الكارثية للأزمة السورية، هو النظام نفسه، الذي اغمض عينيه وأصم أذنية، عن رؤية ما يجري وسماع ما يتعين سماعه من نداءات الشارع ونصائح الأصدقاء الغيارى على مستقبل سوريا ودورها ووحدة أرضها وشعبها.

لسنا نبالغ في تصوير ملامح «السيناريو الأسوأ» الذي ينتظر سوريا...هو سيىء بما يكفي، ولا يحتاج لأية مبالغات أو إضافات...وأخالنا سنصاب بالمزيد من الصدمات عندما تضعف قبضة النظام، حين نرى كم هي عميقة ومتجذرة انقسامات هذا المجتمع و»هوياته الفرعية» المصطرعة...ألم يصدمنا «عراق ما بعد صدام حسين»...ألم يُسلّم «نظام البعث» البلاد خراباً صفصفاً، لا أحزاب ولا مجتمع مدني ولا نقابات، بل عشائر وطوائف ومساجد وحسينيات و»حرب المائة عام» بين العرب والأكراد...ما الذي يدعونا للاعتقاد بأن سوريا المتخففة من هراوة الأمن و»جبروت الحزب القائد»، سوف تكون أفضل حالاً.

من السخف الحديث عن «خريطة طرق» للخروج من الأزمة السورية بأقل قدر من الأضرار والخسائر...لكن أمام هول ما ينتظرنا، وضخامة ما قد يترتب عليه من تداعيات إقليمية شاملة...سنبقى نبحث عن بصيص أمل، وإن بدوافع «رغائبية» لا تريد أن ترى «الشام» وقد ودّعت إرثها ودورها وتاريخها ومكانتها ووحدتها وروحها...وفي هذا السياق، فإننا ندعو من بيده الحل والربط، في سوريا وجوارها، إلى التنادي لإطلاق مبادرة «دول جوار سوريا»...على غرار «دول جوار العراق»، ولكن بصورة استباقية هذه المرة، وليس لاحتواء تداعيات انهيار العراق كما حدث من قبل...نريد للأردن أن يكون مبادراً على هذا الصعيد، ونتوجه إلى الطيب رجب أردوغان، صاحب المبادرة الأولى لأن يطلق المبادرة الثانية، ونريد لمصر والسعودية وإيران، أن تكون حاضرة على المائدة، شركاء لا شهودا...نريد لهؤلاء أن يبلغوا إلى السوريين جميعاً، للنظام والمعارضة: هذا هو طريق الخلاص فاتّبعوه، وإلا فاليواجه من يدير ظهره ويستنكف، غضب الجوار وحصاره ومقاطعته.

لا يتعاملنّ أحد مع سوريا ك»رجل المشرق المريض»، ولا يتخذنّ أحدٌ مواقف وسياسات من منطلق «تسوية الحساب» أو بحثاً عن ربح آني زائل...إن كتب على سوريا أن تسير في ركاب ليبيا أو العراق، فلا أحد سينجو من تداعيات هذا الزلزال...ستتطاير شراراته لتطال المشرق والعراق والخليج وتركيا وصولاً لإيران...لا رابح من وراء تفكيك سوريا إلا إسرائيل...لا رابح من تفكك الدولة والجيش والشعب، إلا دولة جميع أبنائها اليهود، التي سيكون بمقدورها في حالة كهذه، أن تسوق شعارها العنصري هذا، بكثير من «الأريحية» و»السلاسة».

لا نريد للدول الاستعمارية، القديمة والجديدة، أن تعالج الأزمة السورية...ويخطئ من يظن أنهم زاهدون في التدخل في بلد لا رائحة نفّاة لنفطه الثقيل، فانحيازهم «الغريزي» لمتطلبات «نظرية الأمن الإسرائيلية»، كافٍ لجرهم تباعاً إلى سواحلنا وشواطئنا....لا أمل في الجامعة العربية لتقوم بدور إنقاذي كفؤ وفعّال...وليست هناك دولة أو حتى «محور» قادر بمفردها أو بمفرده، على معالجة الأزمة....لذا وجدنا ونجد أن مبادرة «دول جوار سوريا + مصر وإيران والسعودية»، وحدها الإطار الكفيل بوقف انزلاق سوريا إلى مستنقع العنف والقتل والحرب الأهلية والفوضى.

ربما يراهن على حلول في علم الغيب، من نمط «انقلاب من داخل النظام، سنيّاً كان أم علوياً...ألم نراهن على شيء مماثل في ليبيا واليمن...ما الذي حصل؟...لم يحصل شيء من هذا...فالحكام الذين امتطوا الدبابات للوصول إلى القصر الجمهوري، عرفوا كيف يغلقون بإحكام، طريق الدبابات إلى القصر الجمهوري، لقد خلقوا جيوشاً وأجهزة أمنية وميليشيات، يتربص أحدها بالآخر...بهم ومعهم، ولّى إلى الأبد، عصر «البيان رقم 1»...ألم تكن أنظمة هؤلاء هي آخر الانقلابات العسكرية؟..نحن نتمنى أن تتدخل الجيوش لنزع فتيل الكارثة وإطفاء نار الحرب الأهلية المتّقدة تحت الرماد...ولكن من قال أن كل ما يتمنى المرؤ يدركه...ألم تأت الرياح بما لا تشتهي سفننا في غير عاصمة من عواصم ربيع العرب ؟!

لا بديل عن مبادرة «دول جوار سوريا زائد»...لا بديل عن تحرك سريع في ربع الساعة الأخير، لمنع وقوع أسوأ كوابيسنا...لاستباق «الزلزال» الذي سيعمق «الفالق» المذهبي والقومي والطائفي في المنطقة، ويحيله إلى جرفٍ قاريّ.

==============

لماذا الإصرار على "سلمية الثورة"؟

محمد أبو رمان

الغد الاردنية

5-10-2011

ما تزال مدينة الرستن، في محافظة حمص، تتعرّض لحرب إبادة ومجازر بشعة، بعد قصف بالطائرات العسكرية واجتياح بالدبابات وضرب بالمدفعية، وهو ما لم يقم به النظام السوري دفاعاً عن الجولان المحتل!

مجزرة الرستن تأتي بعد سلسلة من المجازر في حماة واللاذقية ودرعا وإدلب وجسر الشغور وريف دمشق ودير الزور والقامشلي، وبعد أن مارس النظام أقصى درجات الفجور من اعتقال النساء واغتصابهن والتنكيل بالمعتقلين وقتلهم تحت التعذيب، وما لا يخطر على بال أعتى النظم الفاشية والنازية التي عرفها التاريخ.

بالضرورة، فإنّ هذا التمادي الإجرامي مع تواطؤ دولي أصبح مفضوحاً، ودور أميركي وعربي مشبوه بالالتفاف على الربيع الديمقراطي العربي، في سورية واليمن، فإنّ الثورة السلمية تكون قد وصلت إلى طريق مسدود، طالما أنّ القوة المسلّحة وآلة القتل والإجرام بيد النظام يوجهها ويستعملها كيفما يشاء.

ومع الإحساس بمقدار الألم والحزن وحجم التضحية الإنسانية التاريخية لهذا الشعب البطل المصابر، والشعور بالمرارة من الخذلان العربي والدولي، إلاّ أنّ الانجرار تحت وطأة هذه الظروف إلى سيناريو "عسكرة الثورة" (بعد نجاح الثورة الليبية بالتخلص من القذافي) يتطلب تفكيراً واقعياً وعميقاً، في ضوء موازين القوى الحالية، والأخذ بعين الاعتبار اختلاف المصالح الدولية والإقليمية بين الحالتين السورية والليبية.

ما تزال القوة العسكرية بيد النظام، ولديه جهاز أمني أشبه بالأخطبوط يعمل منذ عقود في تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية، بينما أغلبية الشعب السوري قرّرت الابتعاد عن السياسة منذ زمن طويل، ما يعني أنّ الدخول إلى صدام مسلّح لن يكون مضمون النتائج والعواقب، بل ربما هو ما يريده النظام ويستدرج الثوار إليه لتبرير مزيد من الإجرام والقتل، كما فعل بحماة قبل عقود من الزمن.

إلى الآن، سرّ نجاح الثورة السورية وقوتها في إصرارها على السلمية، وهي السمة التي يريد النظام وأعوانه أن يدحضوها، من خلال دعاية المجموعات الإرهابية والمسلحة، التي تشتغل عليها الماكنة الإعلامية الرسمية، وهي ذريعتها الوحيدة (داخلياً وخارجياً) لارتكاب المجازر الحالية.

بالطبع، فإنّ هذه الدعاية كاذبة وملفقة، فكيف إذا تحول العمل الثوري نحو العسكرة؟!

هذا لا يعني رفض "عسكرة الثورة" من حيث المبدأ، لكنها وجهة نظر بأنّ العسكرة حالياً لن تأتي إلا بما يخدم النظام وفق موازين القوى الحالية والمواقف الإقليمية. لكن إذا تغيرت هذه الموازين، وحدثت تحولات إقليمية تسمح بدعم لوجستي للثورة السورية (إقليمياً)، وجزء من ذلك مرتبط بنجاح المعارضة بتشكيل مظلة سياسية واضحة تمنح رسائل لمرحلة "ما بعد الأسد"، فعند ذلك لكل حادث حديث.

بالضرورة، فإنّ ارتفاع نسبة العناصر المنشقة عن الجيش السوري وتشكيل الجيش السوري الحر والضباط الأحرار، كل ذلك سينعكس على وجود "جيوب" لمواجهة الجيش السوري، بخاصة أنّ هنالك ملاحقة وتنكيل بالمنشقين وعائلاتهم واعتداء همجي على أقربائهم.

إلاّ أنّنا عند هذه النقطة تحديداً بحاجة للتمييز بين الثورة المدنية السلمية الواضحة والناصعة أمام العالم، وبين العناصر المنشقة داخل الجيش (وهي اليوم بالمئات إن لم يكن بالآلاف) التي تدافع عن نفسها وعن المدنيين، وهذا ما لا تتحمل "الثورة السلمية" تبعاته ومسؤوليته بل النظام نفسه، لأنّ هؤلاء في الأصل جنوده، الذين رفضوا الخضوع لأمر إبادة المدنيين، وهو تمييز ضروري لحماية عنوان الثورة وتجنيبها عواقب أكثر قسوة لو حدث الخلط.

==============

مأزق المعارضة السورية

التاريخ: 05 أكتوبر 2011

عمر العمر

البيان

تشكيل المجلس الوطني السوري خطوة واسعة على طريق توحيد المعارضة واصطفافها وراء غايات محددة. البون لايزال شاسعاً أمام بلوغ إنجاز تطلعات المعارضة وأحلامها الوطنية. على قدر بلورة طموحات المجلس كما ينص بيانه التأسيسي تتعقد الأزمة السورية.

الإنجاز الفعلي يتجسد في اصطفاف أطياف عدة من الشعب السوري تحت المظلة السياسية الجديدة. العقدة الكبرى تتمثل في قطع المجلس الشك باليقين إزاء احتمال المعايشة بين المعارضة والنظام. البيان يذهب أبعد من ذلك إذ يحدد تطلعات الشعب في إسقاط النظام بكل أركانه بما في ذلك رأس النظام.

هكذا يدمر البيان أي فرص محتملة لبناء جسور الحوار بين النظام والمعارضة. إذاً المجلس يتبنى خياراً وحيداً غايته إحلال نظام سوري جديد. البيان التأسيسي لا يترك أمام النظام خياراً غير التصعيد ضد أشكال مظاهر وتشكيلات المعارضة. ربما لا يكون هذا هو الخيار العقلاني الملائم. لكن إنتاج الحلول من قبل النظام منذ بدء الانتفاضة الشعبية لم يذهب في اتجاه مغاير.

كما يحاصر المجلس الوطني النظام في زاوية ضيقة يضع في المقابل جماهير الانتفاضة تحت أثقال إضافية من أشكال العنف المحتملة. التحدي الحقيقي الناجم عن بيان المجلس الوطني يتمحور حول كيفية نجاح المعارضة في الحفاظ على سلمية الانتفاضة الشعبية وهي تواجه المزيد من العنف.

البيان لا يعين على كبح التوغل في الدم والتوحش في القمع بالدبابات والطائرات. على نقيض ذلك يستفز المجلس المسؤولين الرافضين الإقرار بوجود أزمة سياسية والاعتراف بتشكيلات معارضة تنادي بحقوق مشروعة يشكل التجاوب معها تحقيق تقدم للشعب والوطن. القراءة الرسمية للأحداث المتصاعدة طوال أكثر من خمسة شهور لم تتجاوز بعد رؤية عصابات إجرامية تهدد الاستقرار والأمن العام.

البيان يشعل حماسة المتظاهرين. إذ يرون فيه تحقيق أمنية وطنية. لكنه يؤجج في الوقت نفسه غضب السلطة. إذ يقرؤون فيه مروقاً يستوجب الغلظة.

ربما يكون الحديث عن انزلاق سوريا نحو هاوية حرب أهلية ضرباً من المبالغة. غير أن الكلام عن اتساع نطاق العنف وتصعيد ممارساته لا يجافي الواقع. سوريا ليست دائرة مغلقة. بل مساحة استراتيجية تتقاطع عليها طموحات وأطماع قوى عدة.

عمليات الاستثمار في الأزمة السورية مفتوحة على كل الاحتمالات من الشرق والغرب. هذا وضع يضاعف التحديات أمام المجلس الوطني. فهو مطالب ببناء مصدات ضد كل الاستثمارات المعروفة وغير المعروفة. على قدر مطالبته بالحفاظ على سلمية الانتفاضة الجماهيرية.

من هذه الزاوية يمكن الرهان على وعي السوريين ضد الانزلاق إلى حرب أهلية. لكن ليس من اليسير ترجيح حفاظ المجلس على سلمية الانتفاضة. هكذا يمكن القول ببساطة إن سوريا تتوغل في بركة الدم وترزح تحت الركام. العنف ضد المتظاهرين ليس عشوائياً بل يأتي من داخل غرف للعمليات.

بغية إنقاذ الداخل السوري من طاحونة عنف أكثر شراسة يصبح الخارج جبهة العمل الفاعل للمجلس الوطني. مع كل تقدم يحققه المجلس على هذه الجبهة يحدث انفراجاً حول الانتفاضة في الشارع. هناك تباطؤ في تجاوب الخارج مع ارتفاع الغليان السوري.

 النظام يشعر بالأزمة الداخلية بدليل محاولاته تنفيس تلك الأزمة عبر حلول عدة. العقوبات الخارجية لم تشكل عبئاً على عاتق النظام. بل ربما يجد غطاء خارجياً في محاولاته الانفرادية للخروج من الأزمة. وعي السوريين يتجلى في رفض التدخل الخارجي. المطالبة بالحماية الدولية يفتح مسرباً لتدخل غير حميد ومن ثم لا أحد يمكنه الجزم بالقدرة على احتوائه. المجلس المعارض يمشي على حد السكين.

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

 

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ