ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تاريخ النشر: الجمعة 14 أكتوبر
2011 د. عادل الصفتي الاتحاد
شجب المجتمع الدولي، وله لحق في ذلك
بالطبع، وحشية النظام السوري
واستجابته البالغة العنف لمحاولات
التعبير السلمي عن الطموحات الشعبية
لتحقيق الإصلاحات الديمقراطية،
والحريات الأساسية. وفي يوم الاثنين
الماضي نشر مكتب حقوق الإنسان التابع
للأمم المتحدة تقريراً جاء فيه أن
المواجهات بين القوات الحكومية
والمحتجين المطالبين بالديمقراطية في
سوريا، قد أسفرت عن مقتل 2900 شخص حتى
الآن؛ كما خلص تقرير لمنظمة العفو
الدولية إلى أن "انتهاكات حقوق
الإنسان التي ارتكبت في سوريا ضد
المدنيين تصل إلى مرتبة الجرائم ضد
الإنسانية"، وأوصى التقرير مجلس
الأمن الدولي بإحالة ملف الأوضاع
السائدة في سوريا إلى المحكمة
الجنائية الدولية. إن الحملة الأمنية القاسية ضد المحتجين،
والنتائج الدموية التي ترتبت عليها،
تحوّل ما بدأ في صورة مطالب شعبية
بالإصلاح الديمقراطي، على غرار الثورة
المصرية، إلى صراع مسلح على غرار ما
يحدث في ليبيا. والحقيقة أن المقارنة مع الوضع في ليبيا
تجعلنا نقف على العديد من الحقائق
الدالة: فالمواجهات الدموية في سوريا،
مثلها في ذلك مثل نظيرتها في ليبيا، قد
تتطور وتتحول إلى حرب أهلية. وإذا ما
قامت الحرب الأهلية في سوريا، على أسس
عرقية وطائفية، فإنها قد تحمل في
طياتها إمكانية إشعال حريق صراعات
عرقية وطائفية أخرى في المنطقة،
وإحداث المزيد من عدم الاستقرار في
منطقة مضطربة في الأصل. وعلى رغم أن
التمرد في ليبيا لم ينظر إليه على أنه
يشكل تهديداً للمصالح الأميركية، إلا
أن الأحداث في سوريا يمكن أن توثر على
المصالح الحيوية للولايات المتحدة في
المنطقة. والاهتمام الذي ينبغي أن يفوق ما عداه في
هذا السياق، من وجهة نظر أميركية، هو
العمل على الحيلولة دون تطور الصراعات
المحلية، وتفاقمها، وتحولها إلى تهديد
المصالح الأميركية التقليدية في الشرق
الأوسط، أي قدرتها على الوصول إلى
منابع النفط في المنطقة، والحفاظ على
توازن القوى العسكرية الإقليمي في
صالح إسرائيل. فمن أجل الدفاع عن هذه المصالح، وضمان
استمرارها، دخلت الولايات المتحدة في
حربين مع العراق. ولم تقف الولايات
المتحدة عند هذا الحد بل بادرت -للمفارقة-
باستهداف النظام السوري من قبل،
ووضعته على رأس قائمة الدول المستهدفة
بتغيير النظم عقب احتلال العراق
وإطاحة نظام صدام، وذلك بغية القضاء
على أي تهديد للتفوق العسكري
لإسرائيل، وضمان الحصة الأميركية من
كعكة النفوذ في المنطقة. وعلى رغم الفارق الهائل في القوة
والإمكانيات بين حلف "الناتو"
وبين ليبيا، إلا أن الأمر تطلب من
الحلف توجيه الآلاف من الضربات
الجوية، لإخضاع الدفاعات الليبية،
وتمهيد الطريق للمعارضة للاستيلاء على
السلطة. ولكن سوريا ليست ليبيا أيضاً؛ فحتى لو تم
التدخل في سوريا لأسباب إنسانية فإنه
سيصعب للغاية على واشنطن - سواء
محليّاً أو دوليّاً- إيجاد الدعم
لتنفيذ حملة لضرب سوريا جوّاً على غرار
ما حدث في ليبيا. ومن ضمن الأسباب
الوجيهة التي يمكن تقديمها لتبرير
معارضة التدخل في سوريا أن ذلك التدخل
لو حدث فإنه سيصعب حصره في النطاق
المحلي، إذا من الممكن جدّاً أن يمتد
إلى النطاق الإقليمي. وهناك سبب آخر
مهم هو رد فعل إسرائيل التي يمكن أن
تخضع لإغراء التدخل في سوريا، من أجل
ضم المزيد من الأراضي. ومن بين الأسباب الأخرى التي تجعل الخيار
العسكري ضد سوريا خياراً غير عملي،
غياب أي قيادة واضحة للحركة المطالبة
بالديمقراطية، أو للمعارضة بشكل عام.
فتلك الحركة والمعارضة لا تفتآن
تعلنان أنهما ملتزمتان بقضية التغيير،
ولكن الحقيقة هي أنهما غير قادرتين على
إنجازه. ففي ليبيا على سبيل المثال
استخدمت الولايات المتحدة بعض الدول
في تسليح الثوار، أما في سوريا فالقضية
لا تنحصر في تسليح المتمردين أو عدم
تسليحهم، وإنما تتمثل المشكلة في
تعريف المتمردين أنفسهم.. أي مَن هم على
وجه التحديد؟ وهل يتمتعون بأي قدر من
الفعالية كقوة سياسية؟ وهل هم قادرون
على الحشد الشعبي من أجل دعم برامج
الإصلاح الديمقراطي، والإحياء
الاقتصادي؟ فالمعارضة السورية المتشظية لم تتمكن سوى
الأسبوع الماضي فقط من تأسيس مجلس وطني
عريض القاعدة ملتزم بهدف الإطاحة
بحكومة الأسد. وواشنطن قلقة على نحو
خاص من احتمال نشوب حرب أهلية بين
الطوائف والعرقيات السورية (كالمسلمين
السنة والعلويين والدروز والمسيحيين)،
والتأثير المتوقع لذلك على المنطقة. ولكن واشنطن قد تكرر في سياق تدخلها في
سوريا التجربة سيئة الحظ التي مارستها
في العراق ألا وهي الاهتمام المبالغ
فيه بتغير النظام، وإطاحة صدام
بالقوة، دون أن تطور استراتيجيات
كافية لتلافي السلبيات في "عراق ما
بعد صدام"، وأولها الانزلاق في
هاوية الفوضى والعنف. وفي الوقت الراهن تناقش إدارة أوباما
الكيفية التي سيمكن بها تحقيق تغيير
النظام في سوريا من دون اللجوء إلى
خيار التدخل العسكري. ومن الواضح في
هذا الشأن أن واشنطن قد اختارت
استراتيجية تقوم على تكثيف الضغط،
ومضاعفة العقوبات الاقتصادية على
النظام، على أمل أن يؤدي ذلك إلى
إسقاطه في نهاية المطاف. والمفارقة هنا هي أن قانون الأحزاب
السياسية الجديد الذي صدق عليه
البرلمان السوري في أغسطس الماضي، كان
من الممكن أن يضع نهاية لنظام الحزب
الواحد الذي اعتمده البعثيون بعد أن
سيطروا على الحكم في سوريا عقب انقلاب
عسكري عام 1963، ولكن نظام الحكم في
سوريا لم يستفد من تلك الفرصة مثبتاً
بذلك أن الأنظمة السلطوية لا يمكن أن
تصلح نفسها. =============== لا حسم في سوريا وجمود...
في انتظار مصر سركيس نعوم النهار 14-10-2011 اثارت تركيا "حزب العدالة والتنمية"
الاسلامي الحاكم آمالاً كبيرة في نفوس
غالبية الشعب السوري التي انتفضت على
نظام آل الاسد. لا بل قوّت ثقتها بنفسها
وبقدرتها على تحقيق التغيير رغم كل
القمع. ولم تكن هذه الغالبية تخدع
نفسها عندما اعتبرت ان تركيا المذكورة
يمكن ان تساعد على الوصول الى الاهداف
المرجوة. ذلك انها اعتمدت في موقفها
المراهن على تركيا على امرين. الاول،
العلاقة القريبة من التحالف التي قامت
بين الجارتين سوريا وتركيا، والتي
تُرجمت في سرعة اتفاقات تجارية
واقتصادية وتعاون امني والغاء تأشيرات
الدخول. كما تُرجِمت علاقة صداقة حميمة
بين المسؤولين الكبار في البلدين. ومن
شأن الامر الاول هذا مساعدة الغالبية
الشعبية في سوريا والنظام على التوصل
الى صيغة اصلاحية مرضية، وتجنيب سوريا
الثورة والقمع وربما لاحقاً الفتنة
المذهبية فالحرب الاهلية. اما الامر
الثاني، فهو المساعدة اللوجستية
والامنية والسياسية والاقتصادية
والاجتماعية وحتى العسكرية التي
تستطيع ان تقدمها ال"تركيا"
المذكورة اعلاه الى غالبية الشعب
السوري لتمكينه من تحقيق التغيير
بنفسه في حال امتناع النظام عن القيام
به. وما شجعها على التوقع الايجابي هذا
كون تركيا قوة اقليمية كبرى اقتصادياً
وعسكرياً وديموغرافياً، وكونها عضواً
في حلف شمال الاطلسي وحليفاً لاميركا
والغرب عموماً، وكونها صديقاً للعرب
وربما ملاذاً لهم، وخصوصاً بعدما
شعروا بتهديد ايران الاسلامية لهم
وادركوا عجزهم عن مواجهته. طبعاً اصيبت الغالبية الشعبية في سوريا
بشيء من الإحباط جراء عدم صحة رهاناتها
التركية بسبب التردد والبعض يقول "التذبذب"
في مواقف حكومة "حزب العدالة
والتنمية" الاسلامي. فهي مرة تنتقد
نظام الاسد وتوبّخه وتتوعّده. ومرة
تحاول "تطبيقه" للقيام بالاصلاح.
ومرة تمهله اسبوعين للاصلاح. ومرة تقطع
الاتصال به. ومرة تدعو الى سقوطه. كل
ذلك أثار في عقول السوريين والعرب
سؤالاً واحداً مهماً هو الآتي: ما هو
الموقف الفعلي التركي "الاسلامي"
من الثورة السورية؟ او بالاحرى ماذا
ستفعل مع نظام الاسد الذي يقمع في
رأيها شعبه؟ يقول متابعون اتراك وغربيون لتركيا "حزب
العدالة والتنمية" الاسلامي،
جواباً عن السؤالين المطروحين اعلاه،
ان تركيا انتقلت نهائياً الى المعسكر
المعادي لبشار الاسد ونظامه. وان
المسؤولين الكبار في انقرة بدأوا منذ
منتصف الصيف الماضي يتحدثون عن
فقدانهم اي امل فيهما. فضلاً عن أن
الحكومة التركية بدأت استضافة
المعارضين السوريين على اراضيها
ورعاية محاولاتهم تنظيم انفسهم بغية
الاستمرار في الثورة. الى ذلك بدأ كبار
الحكومة يعتبرون ان سقوط النظام
السوري لن يمكن تجنّبه. وفي اواخر
ايلول الماضي رجّح رئيس الحكومة
اردوغان ان يدمّر النظام السوري نفسه
اذا توحّد شعب سوريا واستمر في
المواجهة. لكن رغم ذلك كله، يتابع
هؤلاء، تبدو الخيارات السورية امام
تركيا محدودة. فهي تستطيع ان تفرض على
نظام سوريا عقوبات "ناعمة"، وهذا
ما ابلغه اردوغان لرئيس اميركا اوباما
في نيويورك. وتستطيع ان تتخذ خطوات
اخرى غير ناجعة عملياً. كما انها
ستستمر في حملاتها على الاسد. ولكن في
ما عدا ذلك لن تستطيع تركيا ان تقوم
بشيء عملي في غياب توافق دولي واضح على
تنفيذ مشروع معيّن في سوريا. وهذا يعني
ان التدخّل العسكري التركي في سوريا
مستبعد. إلا طبعاً اذا كانت مُسهِّلاً
وشريكاً في تحالف دولي يتحرّك ضد الاسد
لا مُقرِّراً. تبعاً لذلك ماذا يمكن ان يحصل في سوريا؟ المصادر الديبلوماسية العربية والاجنبية
تعتقد ان الوضع الحالي في سوريا
سيستمر، اي لن يستطيع فريقا الصراع
حسمه. كما انه قد يصاب بشيء من الجمود
في انتظار انتقال مصر من المرحلة
الانتقالية عبر الانتخابات التشريعية
ثم الرئاسية. اما لماذا مصر؟ فلأن هناك
تشابهاً بينها وبين سوريا ولا سيما
لجهة كون الجهة الأكثر تأثيراً في ثورة
كل منهما هي الاسلاميين وخصوصاً "الاخوان
المسلمين". فاذا تصرّفت هذه الجهة
بعد "الفوز" باعتدال في مصر وعلى
نحو يريح المصريين على تنوعهم اولاً،
ويحترم معاهدات مصر مع الخارج ثانياً،
ويمتنع عن تشجيع الارهاب بل يشترك في
مكافحته ثالثاً، فان الباب الغربي
والعربي قد يفتح امام "اخوان"
سوريا والذين مثلهم. ويبدأ التحرّك
الخارجي الفعلي لمساندة ثورة غالبية
الشعب فيها. =============== مشهد دام: هذه جريمة الأب
والابن! محمد أبو رمان الغد الاردنية 14-10-2011 لم يكن معتز الشعار (ابن ال22 عاماً)، طالب
الحقوق بجامعة دمشق، من جماعة الإخوان
المسلمين ولا من الحزبيين المتمرسين،
ولا مهتماً –في الأصل- بالسياسة
وشؤونها. فهو من أسرةٍ رضيت الحياة
أسيرة الخوف من السياسة وشراء راحة
البال، والقبول بأسوأ أنواع القمع
السياسي، كغيرها من ملايين الأسر
السورية والعربية. إلاّ أنّ الأقدار رسمت له ولعائلته
ووالده طريقاً أخرى، لم تكن في الحسبان.
ففي شهر نيسان (أبريل) الماضي، كان مع
والده في زيارة اجتماعية، قبل أن
تدركهم الصلاة في جامع الرفاعي بدمشق.
وعندما خرجا معاً من المسجد شاهدا
مظاهرة سلمية تطالب بالحرية. نظر معتز
لوالده فقال له " يا والدي لماذا لا
نقف معهم قليلاً، فنكثّر سوادهم حتى لا
يستفرد بهم الأمن ويتعرّضوا لقمع
همجي؟". حاول الأب إقناع معتز بأنّه
لا جدوى من ذلك، وأنّ "الكف لا تقاوم
المخرز"، وأنّ الطرف الآخر مجرم
يمكن أن يقوم بأي شيء. إلاّ أنّ الوالد رضخ عند إصرار معتز على
المشاركة والشعور بالكرامة
الإنسانية، فهو شعور جامح لدى الشاب،
لم يستطع الأب بالرغم من عواطف الأبوة
الجيّاشة والخوف الشديد على هذا
الشاب، الذي دفع له دم قلبه حتى بلغ هذا
العمر، إلاّ أن يوافق بقلق وحذر، حتى
انكبت الشرطة وأعوانها بالضرب الشديد
والقمع بالحبال والهراوات على رؤوس
المتظاهرين. لكن الجمعة مرّت بسلام،
وعاد الأب والابن إلى منزلهما. في الجمعة التالية، أدركتهما الصلاة عند
مسجد الحسن في حي الميدان في دمشق،
وأصرّ معتز على الوقوف مع الناس، برغم
المخاطر ورضخ الأب، ومرّت الجمعة كذلك
بسلام. هذه فقط علاقة الشاب بالثورة السورية،
إلى أن جاءت الجمعة الثالثة في الثاني
والعشرين من نيسان (أبريل)، إذ قطعت
مسيرة الطريق إلى منزلهما في داريا
بالقرب من دمشق، فأصرّ معتز على والده
للنزول من السيارة والوقوف مع
المتظاهرين إلى أن يفتح الطريق، و"تكثير
سوادهم"، لعلّ ذلك يمنع الأمن من
استهدافهم، ووافق الأب على مضض، أمام
جسارة مطالب الشاب وقوة حججه وبدهيتها. ومع بدء هجوم الأمن على المتظاهرين الذين
يطالبون بالإفراج عن المعتقلين، كان
نصيب معتز، فوراً، رصاصات في الصدر.
حاول الأب المصدوم والمكلوم أن ينقذ
ابنه في أنفاسه الأخيرة، وهو ينزف 15
دقيقة في الشارع، فكان نصيبه سياطاً
وهراوات مزقت ظهره وعلى رأسه، فحمل
ابنه إلى المستشفى بيديه حتى فارق
الروح هناك! لم تسلم الأسرة بعد ذلك،
فاعتقلت قوى الأمن أشقاء معتز (الإرهابي
والمجرم!)، وربما قائد عصابة مسلحة في
رواية الأمن السوري، أحدهم في الصف
التاسع والثاني في الصف الحادي عشر. هذه ليست فنتازيا أو رواية محبوكة من
الخيال، بل قصة واقعية يرويها الأب
بنفسه إلى جوار جثمان ابنه الشهيد http://www.youtube.com/watch?v=FCBloE6VJlU بالنسبة لنظام الممانعة العظيم وأوليائه
هنا وهناك، فإنّ الأب قتل ابنه عندما
سمح له بالشعور للحظة بأنّه إنسان له
كرامة وفيه إحساس بشيء يسمّى إنسانية،
لا يملك أن يسكت على الظلم أو ضرب الناس
بالشوارع، فقط لأنّهم يطالبون بحقوقهم
وحريتهم والإفراج عن المعتقلين، فالأب
–كما في حديثه- حاول مقاومة هذا الشعور
الطاغي لدى الشاب، لكنه فشل، هذه جريمة
كل من الأب والابن والأسرة التي دفعت
هذا الثمن الغالي. يا الله! كم هنالك من القصص والروايات
التي ستظهر حجم التضحية والصبر لدى أهل
الشام، حماهم الله. =============== سمر يزبك 2011-10-13 القدس العربي إزاحة الستار بطرف أصابعه لن تكلفه
شيئاً، والساعة السادسة صباحاً، توقيت
كامل للطمأنينة. ألصق جبينه بالزجاج، وجال على الشارع
بنظرة طويلة. ما يزال الوقت مناسباً
لكتابة عدة صفحات هذا النهار، قبل أن
يتوجه إلى عمله كأي موظف نشيط. كانت
غرفته تطل على تقاطع يفصل المدينة عن
مفارق عدة ضواحي. دقق في أكياس الرمل
المصفوفة فوق بعضها على الجهة
المقابلة من الرصيف، حيث نام على جانب
هذه الأكياس جندي متعب الملامح، وإلى
الجانب الاخر اصطفت عدة كراسي، تبدو من
تحت الكرسي الثالث قدما جندي نائم.
وراء الأكياس كان هناك جندي يقف
باستقامة، يراقب الشارع ويتلفت من
حوله، انتبه إلى شعور بالخفة كان يبدو
على وجه الجندي، هل هو جندي أم رجل أمن؟
يتساءل، لم يعد يفرق بينهم! وهو يجول
بعينيه، كان الجندي الأسمر يضع خوذة
حديدة على رأسه، ويبرز أنفه المقوس،
أطال النظر فيه ودقق، ليتأكد انه لن
يشكل خطراً عليه، فعادت الطمأنينة
ثانية إليه. نظر في الأفق، السماء
كحلية فاتحة، لكن ثمة نجوم، هذا يريحه
أيضاً! ارتخت أصابعه، وترك النافذة
والشارع، وجلس على كرسيه وراء منضدة
بلاستيكية ذات لون أزرق، هو الآن جاهز
ليبدأ، لا مشكلة لديه، بعد ساعتين
سيغلق باب غرفته، ثم يحيي صاحب
البقالية المجاور لغرفته ويسأله عن
آخر الأخبار، ويقول له كما يفعل كل
صباح: لاحول ولا قوة إلا بالله، ثم يتجه
إلى عمله، ويتظاهر بعدم متابعة
الأخبار، وبين كل ساعة وأخرى، سيركض من
غرفة الموظفين، وهو يتعرق، ثم يعود وقد
انفرجت أساريره، وسيقول لزملائه:
الإسهال اللعين! هو موظف محترم، لا
يتدخل فيما لا يعنيه، يذهب كل يوم إلى
وزارة الثقافة، قدم العديد من
التقارير المرضية مؤخراً، وحصل على
إجازات طويلة، والآن عليه أن ينتزع
القصاصات التي تتكدس تحت فراشه
الإسفنجي الذي يحتل نصف مساحة الغرفة. انتزع القصاصة الصفراء التي دون عليها
الحادثة التي سيضيفها إلى روايته. كان
يدون أحداث الأيام الأخيرة من الفيس
بوك، ومواقع الانترنت والتلفزيون، ومن
لقاءاته بالناس والأصدقاء ومشاهداته
في شوارع العاصمة التي كانت تتمتع
بهدوء نسبي لا تحظى به المدن الأخرى.
القصاصة صغيرة، كتبها بخط ناعم،
ليبتلعها في حال حدثت صدفة، واقتحم
رجال الأمن غرفته، هو متأكد أنهم لن
يفعلوا، فهو يحمل قبعة الإخفاء
اللازمة للتنكر، لكن للضرورة أحكام،
يقول لنفسه، وهو يقترب بعينيه من
القصاصة ويعيد قراءة الحادثة، يضعها
جانباً، ويفتح الملف المخصص لكتابة
نصه الأخير، سيكتب رواية واقعية هذه
المرة، سيُكذّب نظرية الفن؛ الواقع
أكثر خيالية وقسوة من المحتمل، بل أكثر
وحشية من المتخيل! يضع قصاصة صغيرة
جديدة، ويكتب عليها: تمزيق القصاصة بعد
الإنتهاء من الحكاية. ينظر في شاشة
الكمبيوتر، يضغط على أحد الملفات، يزم
عينيه، ثم يفتحهما أمام بياض احتل
الشاشة، كانت الصفحات فارغة، في وسط
الصفحة البيضاء عنوان عريض: 'كتاب
الأمهات'، وتحته مباشرة عنوان أقل
حجماً، 'رواية'، ثم يبدأ الكتابة: 'الأم التي راحت تركض في الشارع، كانت
شفتاها ترتجفان، تتحركان وكأنها تحدث
شخصاً ما، لكن صوتاً لا يخرج منهما،
وهي تلوح بيدها لسيارة أجرة، ركبتاها
انقصفتا، لم يعد يجدي بعد الآن الوقوف،
ركضت في الشارع تصرخ، فاردة ذراعيها في
الهواء: سيارة أجرة يا ناس.. سيارة أجرة
يا هوووو.. ينظر الناس إليها بخوف وفضول. كانت تلهث،
وأحاطوها بدائرة صغيرة، بالكاد نطقت
بجملة: الأمن عند مدرسة الأولاد،..
الأمن اجو ياخدوهن.. سيارة يا ناس.. ابني
بالمدرسة. أوقف الرجال سيارة أجرة، ورمت نفسها بها،
كان قلبها يدق بسرعة، في لحظة ما
عاودتها تلك المشاعر، عندما كان يخرج
من رحمها. لحظة خاطفة، وشعرت بثقل ضربة
موجعة أسفل ظهرها. كانت تتنفس بصعوبة
وترجو السائق الإسراع للوصول إلى
المدرسة. توقف السير، ثم جاءت الضربة
الثانية أسفل الظهر، فانتفضت الأم
وتلمست أسفل بطنها، غريب أن تعود إلى
تلك اللحظات، هل هي إشارة أن مكروها
أصاب ابنها؟ رفعت يديها إلى السماء،
وقالت: يا رب.. يا رب، عيونها محمرة وتغص
ببكاء صامت. السائق ينظر في عيني
المرأة ويحاول الإسراع. نزل من السيارة
وصرخ بأعلى صوته، لكن أصوات زعيق خرجت
من كل مكان في نفس اللحظة، عاد في ثوان. ضربة أخرى، نعم إنها ضربة الموت، هكذا هي
الولادة، في لحظة يتركز العالم كله
أسفل الظهر، يتلاشى الجسد، يصبح مجرد
مادة سابحة في العدم، ذرات الألم سابحة
في التبدد، لا يمكن التفكير في تلك
اللحظات بمعنى الألم، الألم لا معنى له
في لحظات الولادة، مجرد مزحة سخيفة،
يكون ثقل الكون مربوطاً بأسفل الظهر،
حيث يجاهد كائن للاندفاع خارجاً، وحيث
يمكن أن يتساوى الموت مع الحياة، لا
فرق بينهما. تنتفض المرأة. الألم يشتد، تجزع، فتفتح
السيارة، وتركض في الشارع،. تركض بلا
هداية، تركض وكأنها تستعد للطيران،
كانت تمسك هاتفها المحمول في يدها، منذ
قليل كان صوته يقول لها، أن تأتي إلى
المدرسة لأن رجال الأمن اقتحموا
المدرسة، وكانت غالبية الأمهات قد
جعلن أولادهن يحملون أجهزة الهواتف
النقالة للاطمئنان عليهم، فالجيش
وأجهزة الأمن ينتشرون في المدينة،
والطلاب تظاهروا ورفعوا شعارات: 'لا
دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس'،
وأهالي المدينة يحملون أرواحهم ويمشون
بها، والآن الأمن في المدارس لاعتقال
الطلاب الذين شاركوا في التظاهرات. ابنها في الرابعة عشرة من عمره، اتصل بها
بعد ساعة من بدء الدوام المدرسي، وقال
ما قاله، وأضاف: إن رجال الأمن لديهم
قائمة بأسماء الطلاب المطلوبين. ما تزال تركض، واختفت آلام أسفل الظهر،
كانت تفكر فقط أن ترى باب المدرسة، لم
تكن خائفة، تريد أن تمسك بجسد ابنها،
وتلفه بجسدها وتركض به، لن تخاف من
رجال الأمن، ستدخل إلى المدرسة مهما
حدث. دخلت في شارع جانبي، وركضت بسرعة
أكبر، كانت تلهث، وصارت عينا الولد
تحتلان حجم الكون كله، عيناه
الضاحكتان المشاغبتان بالحياة، تركض
إليهما، تراهما، عيناها لم ترى
الأشياء من حولها لولا الصراخ، انتبهت
أن هناك الكثير من الأمهات والأهالي
الذين يركضون بنفس الاتجاه، نساء يسرن
نائمات في حلم، يهرولن، عيونهن مفتوحة
على الفزع، بعض أغطية رؤوسهن على
أكتافهن، شعورهن منكوشة ومتروكة بلا
مبالاة، وكان الشارع يغص أكثر فأكثر
بالناس. يرن جرس الهاتف، تنظر الرقم،
هذا ابنها، ترتجف أصابعها، وتتيبس،
لكنها تستطيع أن تقول: آلو. يأتي صوته
من الجهة الأخرى في نفس اللحظة التي
ولعت فيها أصوات إطلاق نار كثيف من
داخل المدرسة، تركض وتصرخ: 'آلو آلو آلو
آلو...' صراخ أمهات من حولها وبكاء،
ورجال الأمن يقفون سداً أمام باب
المدرسة، والأهالي يشكلون حاجزاً
أمامها، يأتي صوته: 'ماما لا تجي تركيني
موت لوحدي ما بدي يصير لك شي'. يختفي
الصوت، تخرُّ وتشهق، ثم تجر ركبتيها
على الأرض وتمشي، أنهضها رجل، وأمسكت
بيدها الثانية امرأة. نار خرجت من
صدرها. نار دفعت بجسدها إلى الأمام،
كانت تشق صفوف الناس، تنحني بين
الأقدام، تنزلق بين الفراغات القليلة،
ينظر من حولها إلى أم بدأت تزحف على
ركبتيها متجاوزة البشر للوصول إلى باب
المدرسة. كانت عيون الأمهات ممتلئة
بالدمع، ووحدها هذه المدينة تعرف كيف
تتحول العيون إلى لون أحمر وتنتفخ.
وحدها المدينة التي عرفت البكاء والدم
والصراخ منذ عشرات السنين، عندما تم
قصفها وقتل أبنائها. وقفت على رجليها وصارت وجهاً لوجه أمام
الحاجز الأمني، كان رجال الأمن يطلبون
من الأهالي التراجع، لكن أصوات الرصاص
التي تخرج من بناء المدرسة تجعل
الاهالي غير مكترثين بحياتهم، يخرج
بعض الطلاب، وجوههم مدماة، فيهرع
الأهالي إليهم. كان رجال الأمن يحملون
الأسلحة ويوجهونها مباشرة إلى صدور
الأمهات، ويطلبون عدم الاقتراب، لكن
كل ذلك لم يمنع الأمهات من تجاوزهم
ودخول المدرسة، استطعن دخول المدرسة،
وكانت أصوات إطلاق النار ما تزال،
وصياح وصراخ، قالت إحدى النساء: 'الطلاب
يهربون من المدرسة، والأمن يطلق النار
عليهم.. إنهم يقتلونهم'. اشتعلت نار في
صدرها، وجربت الاتصال بابنها، بحثت
عنه داخل المدرسة، حالة من الفوضى
والزحام، ورجال الأمن ينتشرون بين
الصفوف الدراسية، وبعض الأهالي يحملون
أطفالهم، ودماء تغطي وجوههم وثيابهم.
لم تتلق جواباً من ابنها، اتجهت إلى
صفه، كان فارغاً، لكن الباحة المدرسية
تغص برجال الأمن، وبعض الأطفال
المقيدين، وأطفال يحاولون تسلق سور
المدرسة، والنار تٌطلق عليهم. نزلت
الباحة، فجأة ظهر ابنها، كان الدم
يغطيه من رأسه، ولكنه يقف أمامها، نظرت
إليه، فتحت عينها على اتساعهما ولم
تصرخ، كان ينظر إليها بغرابة، لمحت
فراغاً في نظراته، وقبل أن يرتمي في
حضنها، قال: 'ماما لا تخافي هادا مو دمي'،
صمت قليلاً ثم تابع: 'هادا دم رفيقي
قوصوه جنبي'. سحبته من يده، وبصمت خرجت به وسط الجموع.
لم تنظر خلفها، كانت النار تعلو وتعلو،
ولم تستطع أن تشعر بالفرح، لرؤية ابنها
حياً. أصوات التكبير ما تزال تُسمع،
الآن انتبهت أن أصوات التكبير تترافق
مع أصوات إطلاق النار، وكانت تحدق في
ابنها الذي كان يلوح من بعيد لأصدقائه
الذين اعتقلتهم أجهزة الأمن المدججة
بالسلاح، كانوا 24 طالباً معتقلاً،
وكان المكان يبدو مثل جبهة حرب، يخرج
منها الأهالي مع أطفالهم الجرحى و
ينتظرون خبراً عن اعتقالهم في السجن،
قال لها: 'ماما خفت يقوصوكي إنتي كمان'. فردت بهدوء: 'أمك شاطرة، أمك فوق راسك
حبيبي'. ثم ربتت على رأسه، وضمته. شمت
رائحة دماء طازجة، تفوح من خصلات شعره.
نظرت بقوة في عينيه، فقال لها: 'هادا دم
رفيقي'. توقف عن الكتابة، وتراجع إلى الوراء،
انتهت حكاية اليوم. قال بصوت عال. نظر
في الجملة الأخيرة، وكانت عيناه
مغرورقتين بالدموع ثم مزق القصاصة،
وحولها إلى نتف صغيرة، وألقاها بسلة
مهملات تحت الطاولة، نظر في ساعته،
كانت قبل السابعة، قرر أن الوقت مناسب
ليخفي اثار ما كتبه. لمَّ القصاصات
ثانية، وأعادها الى كيس بلاستيكي،
وفتح غطاء الفراش، وحشرها بينه وبين
الإسفنج، ثم أغلق السحاب ورمى اللحاف
فوقها. كان يفكر أنهم لن يفتشوا في
الأوراق وأن المداهمات الأمنية التي
تقوم بها الأجهزة ورجال الشبيحة ستبحث
في الكمبيوتر فقط، لذلك نقل الملف إلى '
يو إس بي' وحذفه من سطح المكتب، ثم وضع
ال ( يو إس بي) نفسه، في شق مدور داخل
الإسمنت ، يعلق فوقه صورة للرئيس. نظر
إلى الصورة بعد أن تنفس بعمق: 'الجن
الأزرق لن يخمن ما تحت الصورة!'. خرت ركبتاه، شعر بنعاس ثقيل، ثم تهاوى على
الفراش الإسفنجي، سيغفو لدقائق عدة،
فكر بعنوان الفصل التالي لكتابه،
وتذكر آخر ما وثقه من حكايات الأمهات
على القصاصات، وقرر أن العنوان الجديد
سيكون: 'حمص، زينب التي قتلت مرتين' تكور حول نفسه حتى لامست ركبتاه صدره،
وترك نفسه للنعاس. =============== المجلس الوطني السوري:
حذارِ من وليد غير خديج! صبحي حديدي 2011-10-13 القدس العربي حتى يعتنق المجلس الوطني السوري، الذي
أُعلن عن ولادته من اسطنبول، يوم 2
تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، سياسة
أخرى غير تلك التي نصّ عليها بيان
التأسيس، ويكون لكلّ حادث حديث آخر
بالتالي؛ فإنّ تظاهرات 'جمعة المجلس
الوطني'، التي شهدتها عشرات القرى
والبلدات والمدن السورية الأسبوع
الماضي، كانت بمثابة تصويت على تلك
السياسة في المقام الأوّل، فضلاً عن
تأييد هذا المجلس تحديداً، سواء من حيث
فكرته الإئتلافية والتحالفية، أو لجهة
توازن تركيبته بين الداخل والخارج،
وعلى صعيد الأطياف السياسية
والحساسيات العقائدية والفكرية. وليس
بلا مسوّغ كاف أن يتذكر المرء، هنا،
وبين الفينة الضرورية والأخرى، ظروف
الولادات العسيرة التي قادت إلى نشوء
هذه الصيغة المجالسية، وكم اقتضت من
شدّ وجذب ومؤتمرات وملتقيات
واجتماعات، وعمليات إجهاض شاقة، لم
تخل من مظاهر الحمل الكاذب أيضاً! وإذا جاز السجال بأنّ هذه الصيغة الراهنة
هي الأنجح حتى الآن، الموفقة أكثر من
سواها، الجديرة بصفاتها هذه أن تحظى
بالدعم والمساندة، وتوفير كلّ الشروط
التي تكفل تلبية ما عُلّق عليها من
آمال ومهامّ ومسؤوليات؛ فذلك لأنّ أحد
أبرز الأسباب الجوهرية التي أتاحت
نجاح الصيغة كان انتصار مبدأ التوافق
داخل المجلس، وليس مبدأ التذويب أو
الانصهار في كتلة واحدة. ولعلّه لم يعد
سرّاً أنّ جولات التفاوض المعقدة،
التي سبقت الإعلان عن ولادة المجلس،
والتي كان رياض الترك الشخصية الأبرز
في المعارضة الديمقراطية الوطنية،
الأمين الأوّل الأسبق ل'حزب الشعب
الديمقراطي'، والقيادي في 'إعلان دمشق'
قد شارك فيها أو صاغ منطلقاتها البدئية
والمبدئية، استهدفت بلوغ هذه النتيجة
الحاسمة: اعتبار القوى المكوّنة
للمجلس مستقلة في تحالفها، وليست
مندمجة تحت أية صبغة؛ وأنها، بعد
الاتفاق على الخطوط العريضة التي نصّ
عليها بيان التأسيس، تعمل بالتوافق
على تلك الخطوط وليس بالامتثال لرأي
الكتلة العددية، بالنظر إلى أنّ تكوين
المجلس، من حيث أعضاء الداخل كما
الخارج، اعتمد خيار التعيين والتسمية،
ولم ينهض على أي مبدأ تمثيلي انتخابي. وبمعزل عن تركيبة الجمعية العمومية
للمجلس (والمحاصصة بشأنها تعطي
الأغلبية للداخل، التنسيقيات وأحزاب 'إعلان
دمشق' والمستقلين...)، حيث تظلّ النسب
قابلة للتعديل بالنظر إلى إبقاء العدد
مفتوحاً بين 230 320؛ فإنّ تركيبة الأمانة
العامة للمجلس (29 عضواً) هي التي تستوجب
مبدأ التوافق، بدل اعتماد قاعدة اتخاذ
القرار بالأغلبية، البسيطة منها أو
حتى معدّل الثلثين. هذه، في نهاية
المطاف، ليست لجنة مركزية لحزب سياسي
توافق أعضاؤه على التكتيك
والستراتيجية والسياسة والفكر،
وانتخبوا قيادة تمثّل إرادتهم في
الحلّ والترحال، على نحو يشبه التفويض
الحزبي المطلق. وما دامت التركيبة، على
صعيد الاسم المحدد وليس الإنابة
التمثيلية أو الانتماء الحزبي أو
التوزّع بين داخل وخارج فحسب، قامت
أساساً على مبدأ التعيين وليس
الانتخاب؛ فما الذي يمنحها الحقّ في
ادعاء التجانس عند اتخاذ أي قرار لم
يحسم الأمر فيه بيانُ التأسيس ذاته؟ وهذه، في الاعتبار الأوّل، حساسيات
يسارية وقومية وليبرالية وإسلامية
وعلمانية وإثنية... قد تختلف، ومن
الطبيعي أن تفعل، حول مسائل شتى؛ جمع
شملها، مع ذلك، أنها توافقت على هذه
الخلاصة الثمينة، الكبرى: 'تعبئة جميع
فئات الشعب السوري، وتوفير كل أنواع
الدعم اللازم من أجل تقدم الثورة،
وتحقيق آمال وتطلعات شعبنا بإسقاط
النظام القائم بكل أركانه ورموزه بما
فيه رأس النظام. وبناء نظام ديمقراطي
تعددي في إطار دولة مدنية تساوي بين
مواطنيها جميعاً، دون تمييز على أساس
القومية أو الجنس أو المعتقد الديني أو
السياسي'. بيد أنّ اتفاق جميع القوى على
هذه الخلاصة جاء نتيجة التوافق العريض
على مطلب تكتيكي وستراتيجي في آن (أوحى
به الحراك الشعبي، وطلبه، واعتبره سقف
وحدة المعارضة وغايتها)، وليس نتيجة
ترجيح هذا الرأي أو ذاك، لهذه المجموعة
السياسية أو تلك، انحناءً أمام أية
أغلبية تحققت داخل المجلس أو هيئاته،
أياً كانت. فما الذي يمكن أن يحدث، على سبيل المثال،
عندما تُطرح مجدداً مسألة التدخل
العسكري الخارجي في أحد اجتماعات
الأمانة العامة، وذلك رغم أنّ البيان
التأسيسي حسم الموقف منها بوضوح كاف (يقول
النصّ: 'يعمل المجلس الوطني مع جميع
الهيئات والحكومات العربية
والإقليمية والدولية وفق مبدأ
الاحترام المتبادل وصون المصالح
الوطنية السورية العليا. ويرفض أي تدخل
خارجي يمس بالسيادة الوطنية')؟ هذه
ليست فرضية ضعيفة الاحتمال، لأنّ بعض
القوى داخل المجلس، وعدداً غير قليل من
الأعضاء المستقلين، لا تمانع في طلب
التدخل الخارجي، بل ترحب به، ولا تعدم
استخدام هذا القناع أو ذاك لتجميل
وجوهه القبيحة. وبذلك فإنّ التوصّل إلى
قرار بهذا الخصوص، وهو بالطبع إجراء
يرقى إلى مستوى الارتداد عن النصّ
السابق، التأسيسي والتوافقي، لا يمكن
أن يتمّ عبر التصويت البسيط، بصرف
النظر عن طبيعة ما سيحيط به من تكتلات
وتجاذبات. هذه الحال ينبغي أن تسود، أيضاً، في
اجتماعات اللجنة التنفيذية (سبعة
أعضاء، قد يُنتظر توسيعهم إلى ثمانية)،
سواء تلك التي تخصّ تسيير الأعمال
اليومية لمهامّ اللجنة، أو تلك التي
تتطلب العودة إلى الأمانة العامة،
وربما الجمعية العمومية للمجلس.
والحال أنّ هذه اللجنة التنفيذية
معنية، أكثر من هيئات المجلس الأخرى،
بتعديل ميزان صورتها الديمقراطية، وهو
ميزان يبدو خاسراً حتى الساعة، في ناظر
الرأي العام السوري، مثل العربي
والعالمي، بعد سلسلة العثرات التي
أعقبت إعلان اسطنبول. لم يكن مستحباً،
في المثال الأول، أن يؤكد برهان غليون،
في حواره مع أحمد منصور على 'الجزيرة'،
أنه الرئيس القادم للمجلس، وأنه
المرشح الوحيد، وذلك رغم جدارته
بمسؤولية الرئاسة الأولى، التي ستكون
دورية في كلّ حال. فما نفع الإيحاء بأنّ 'انتخاب' الرئيس سوف
يتمّ خلال اجتماعات قادمة ستشهدها
العاصمة المصرية، القاهرة، إذا كان
الأمر قد تمّ الاتفاق عليه مسبقاً؛
خاصة وأنه جرى مراراً تقديم غليون بهذه
الصفة في لقاءات عربية ودولية علنية؟
ألم يكن من الأفضل مصارحة الناس، خاصة
في هذه الإطلالة الإعلامية الأولى
للرئيس العتيد، بأنّ التوافق كان سيد
اللعبة، وأنّ الأمر مداورة في كلّ حال،
فضلاً عن ضرورة تبيان السبب/ الأسباب
في أنّ الرئاسة عُقدت للخارج وليس
الداخل، كما كان مرجحاً، وكما كان
غليون نفسه قد أعلن في بيان شخصي سابق؟
ولست أخفي هنا، ضمن يقين شخصي صرف
بالطبع، أنني كنت أفضّل أن يعهد المجلس
بالرئاسة الأولى إلى شخصية من الداخل،
مثل السيدة فداء حوراني (تكريماً
للمرأة السورية، والعربية، ولمدينة
حماة المجيدة، ولأسرة سياسية كريمة...)،
أو رياض سيف (احتفاء برمزيته الإنسانية
والبرلمانية، وموقعه الراهن في
المعارضة)، ولا أستثني رياض الترك إلا
لأنّ الرجل أكثر انخراطاً في العمل
النضالي والقاعدي اليومي من أن يتفرّغ
لأي موقع رئاسي. علينا، بعد سرد كلّ هذه الاعتبارات، أن
نمنح المجلس كلّ الوقت اللازم، وقبله
الكثير من التأييد والدعم والمساندة،
لتمهيد الأرض أمام استكمال مختلف
مؤسساته، على نحو آمن وسلس وسليم، في
الجوانب السياسية والتنظيمية
والقانونية، على اختلاف تعقيداتها
ومشكلاتها. ويبهج، كما يستحقّ التحية،
أنّ عدداً من أعضاء اللجنة التنفيذية
يمارس مهمة مطلوبة جداً، ومستحبة
للغاية، هي الانفتاح على المعارضة
السورية التي لم تعلن انضمامها إلى
المجلس، أو هي انضمت لتوّها إلى سواه (مجلس
الإنقاذ، المجلس المؤقت، هيئة التنسيق...)،
سواء في مستوى القوى والأحزاب، أو على
صعيد الأفراد أيضاً. ننتظر، بصفة خاصة،
اقتناع شخصيات من أمثال ميشيل كيلو
وعارف دليلة وحسين العودات وعبد
المجيد منجونة وفايز سارة وسواهم،
بأنّ المجلس الوطني السوري هو حاضنة
المعارضة الأفضل في المرحلة الراهنة،
ما دامت مظانهم ضدّه ليست جوهرية؛ كما
ننتظر من تجمعات، مثل 'هيئة التنسيق
الوطني للتغيير الديمقراطي'، ومن حسن
عبد العظيم شخصياً، تجاوز حساسيات
الماضي القريب، والانضمام إلى المجلس
من منطلق مبدأ التوافق ذاته، ما دام
شعار إسقاط النظام هو القيمة العليا
التي لا خلاف عليها، وما دام رفض
التدخل الخارجي مسألة لا لبس فيها. وفي المقابل، للمرء المبتهج بانفتاح
المجلس الوطني السوري على أطياف
المعارضة السورية، كافة، أن يستهجن
لجوء بعض أعضاء المجلس إلى رياضة نشاز،
بالغة الضرر والأذى، هي نقض بعض مبادىء
بيان التأسيس بذريعة التعبير عن رأي
شخصي. نسمع، مثلاً، مَنْ يرحّب بالتدخل
الخارجي تحت مسميات لا تنتهي في
النتيجة إلا إلى استدراج التدخل
الخارجي العسكري؛ ولكننا، رغم تأكيد
القائل بأنه يعبّر عن رأي شخصي، نقرأ
على الشاشة صفته القيادية في المجلس
الوطني السوري (وليس موقعه القيادي في
حزبه أو جماعته!)، وكأنها مقامه الأوّل
والأسبق! كذلك، وكما 'ضاعت الطاسة' على
السوريين في التمييز بين أسماء
المؤتمرات وما تمخّض عنها من هيئات
ومجالس وقيادات، اختلط الحابل بالنابل
في تمييز ألقاب السادة أعضاء المجلس:
هذا 'منسّق عام للمجلس'، لا نعرف ماذا
ينسّق، ومع مَنْ؛ وهذه 'ناطقة محلية
باسم المجلس'، لا نعرف محلّها من
الإعراب المجالسي؛ وذاك 'عضو' يكتفي
بهذه الصفة المتواضعة، ولكن تصريحاته
توحي بأنه الرئيس الدوري الآتي؛ وتلك
مجرّد 'متحدثة'، تجعلنا في حيرة حول
الفارق بينها والأخت الناطقة المحلية! ذلك كله لا يطمس الحقيقة الكبرى،
والأهمّ، التي تشير إلى أنّ المجلس
الوطني السوري هو أفضل صيغة توصلت
المعارضة السورية إلى بلوغها، وإلى
التوافق عليها ضمن نطاق هو الأعرض حتى
الساعة، رغم أنه ليس الأكمل عدداً
وقوى، وليس الأمثل في الأداء
الديمقراطي. وإذا شاءت أقدار هذا
الوليد أن لا يولد خديجاً منذ الساعة
الأولى، فذلك لأنّ الإنتفاضة السورية
ولدت راشدة منذ البرهة الأولى، وتعمدت
على الفور بدماء السوريين، فاشتدّ
عودها دونما أطوار انتقالية، وتصاعدت،
وتطامنت، وارتقت... حتى صار محالاً على
مَنْ يريد تمثيلها في المحافل الدولية
ألا يولد ناضجاً، متعالياً على العرضي
الزائل، متواضعاً أمام الأزلي الخالد،
وجديراً بأمثولات درعا ودوما وبانياس
وحماة وحمص ودير الزور والقامشلي،
ولائقاً بأسماء محمود الجوابرة وحمزة
الخطيب وغياث مطر. الرحم كان عملاقاً، فحذارِ أن يعجز
المتطوعون إلى تمثيله عن وضعه نصب
أعينهم، في كلّ صغيرة وكبيرة، وخاصة في
المسائل التي لا مساومة حولها؛ وإلا
فإنّ القامة الشامخة لن تنتهي إلى حجب
ظلال هؤلاء على الأرض فحسب، إذْ ثمة
مصائر أدهى وأمرّ، وأبعد اثراً في نفوس
البشر، إسوة بحوليات التاريخ! ' كاتب وباحث سوري يقيم في باريس =============== الجمعة, 14 أكتوبر 2011 حسّان القالش * الحياة تمثّل الانتفاضة في سورية علاجاً
بالصّدمة لمعظم الانحرافات التي أصابت
الشخصية السورية وأبرزها: الطائفيّة.
فليس من الصعب ملاحظة حالات الحيرة
والتّذبذب واختلال التوازن في ما
يتعلق بالطائفية. ذاك أن إجماعاً
لفظياً على نفيها كتهمة أو شبهة، يوحّد
معظم السوريين، معارضين وموالين.
بينما لا يتردّدون في ممارسة خطاب
وتفكير طائفيّين في كثير من الأحيان. هذا التّذبذب، بين الاندراج في الطائفية،
وقبولها، وبين التبرّؤ منها ورفضها،
يجد جذوره في علاقة السوريين مع تاريخ
بلادهم وجغرافيتها، من حيث تأثيرهما
على نشأة الأجيال السورية التي واكبت
الكيان المعاصر لبلادهم. فالنّزعة
التوحيديّة ظهرت في وجدان السوريين
الأوائل، المتأثرين لفقدان كيانهم
الحديث أجزاء متفرّقة منه في لحظة
تأسيسه. ومن ثمّ تجذّرت هذه النزعة في
مرحلة الصعود الأيديولوجيّ ما بعد
الاستقلال، من قوميّ سوري وعروبيّ
وأممي. هذه النزعة أثّرت في طبيعة
السوريين، على ما نظنّ، ذاك أنها جعلت
السياسي يتفوّق على الاجتماعي في
تفكيرهم، وفي تصريف شؤون دولتهم. كما
أنها ساهمت في غلبة «كتبة السياسة» على
«كتبَة التاريخ». وهذا كان نتيجة
أوّلية لإهمال المجتمع والتعالي عن
دراسته وتشريحه. ومن ثمّ، مع البعث،
كانت الرغبة في تذويب السوريين في
مجتمع سياسي أيديولوجي، تتوحّد فيه
المجتمعات السورية الصغرى قسراً
وقهراً، بدل أن تأخذ الدولة - الأمة
مجراها الطبيعي، وتخلق لنفسها مجتمعها
الكبير، الذي ستتفاعل فيه مكوّنات
المجتمعات الصغرى، الطائفية والإثنية.
مجتمع سوري كبير، ذات هويّة وطنيّة
جامعة، تنتج من تلاقي الهويّات
السوريّة الصغرى. والحال أن هذا الفشل في إتمام عمليّة بناء
المجتمع الكبير، وعدم تحقّقه في أدنى
شروطه، مُضافاً إليه التربية البعثيّة
التي تحكّمت ليس في تشكّل الوعي الوطني
فقط، بل الوعي التاريخي والاجتماعي
لأجيال متعددة من السوريّين، قد أدّيا
إلى إبقاء السوريين على طائفيتهم في
مناطق عميقة من وجدانهم. الأمر الذي
يدل عليه ذاك الكم الهائل من التحريض
الطائفي الذي تمارسه أجهزة السلطة
الدعائية والإعلامية، ودعوة
المعارضين الملحّة لتجنّب الطائفيّة.
بيد أن هذه الطائفية، في حالتها
الطبيعية (وهي كذلك في العموم)، أمر
مفهوم، على اعتبار وعينا الطائفي
كمشرقييّن. لكن العنصرية الطائفيّة هي
ما يخيف في هذه الأيام. ذاك أن الطائفية
هي الوعي الأوّلي للهوية ما قبل
الوطنية، الذي ينتظر النضوج بدوره. علينا اليوم، ألاّ نقمع هذه الطائفيّة،
وألاّ نكبتها إلى عقود لاحقة أخرى. بل
أن نفهمها ونعالجها، ونستأصل سمومها
من جذورها. علينا ألاّ نشتغل بالسياسة
فقط، بل أن نعمل على دراسة مجتمعاتنا
أيضاً. وهذا ما سيقوّي الانتفاضة
ويقدّم صورة عن سورية جديدة، سورية
تتعافى من شرور السياسة والأيديولوجيا
وإهمال المجتمع. * صحافي وكاتب سوري =============== حول الدفاع عن النظام
السوري من لبنان الجمعة, 14 أكتوبر 2011 وليد شقير الحياة تزداد التعقيدات الكامنة والظاهرة في
لبنان، والتحديات المطروحة على القوى
السياسية فيه وعلى الحكومة، بشكل ينذر
بانتهاء صلاحية المعادلة السياسية
التي جاءت بالحكومة الحالية والتي
أرست غالبية جديدة، بعد إطاحة زعيم «تيار
المستقبل» سعد الحريري من رئاسة
الحكومة، في كانون الثاني (يناير)
الماضي. فهذه المعادلة، حين أنتجت حكومة الرئيس
نجيب ميقاتي، فهمها البعض على أنها
تعبير صادق عن ميزان القوى الفعلي على
الأرض بحكم القوة التي يتمتع بها «حزب
الله» وحلفاء سورية في الحياة
السياسية اللبنانية والتي لا يمكن
احتسابها خارج إطار تأثير السلاح
وفائض القوة الذي يتمتع به الحزب ودمشق
والذي يمتد الى مؤسسات فاعلة، لا سيما
الأمنية منها. والبعض الآخر فهم هذه
المعادلة على أنها وسيلة للحؤول دون
انفجار الوضع السياسي والأمني في
البلاد نتيجة الخلاف على المحكمة
الدولية الخاصة بلبنان واتهامها
أفراداً من «حزب الله» بالتورط في
جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري
ونتيجة الخلاف على الخيارات الإقليمية
للبنان وانقسام الطبقة السياسية فيه
وبالتالي الصراع على السلطة، أي إنها
معادلة تسمح بهدنة يمكن العمل على
إطالتها قدر الإمكان لتجنب الانفجار
ريثما تتيح الظروف الخارجية المحيطة
بالبلد إيجاد الضوابط الإقليمية التي
تحول دون هذا الانفجار. وهو الفهم الذي
اعتمده ميقاتي مبرراً لنفسه القبول
بمنصب رئاسة الحكومة، لعله يوفر على
البلد التصعيد المحتمل. جميع الأطراف المعنيين بهذه المعادلة،
سواء كان فهمهم لها أنها انعكاس لميزان
القوى، أم أنها موقتة من أجل توفير أي
انفجار على البلد، داهمهم الربيع
العربي، لا سيما انتقال عدواه الى
سورية. وفي حين بدا أن على لبنان أن يتأقلم مع
أحداث الربيع العربي وتطوراته
والتغييرات التي تنجم عنه للإفادة
منها حيث يستطيع، وتحييد نفسه عنها حيث
لا تسمح له محدودية قدراته بمماشاتها،
ظهر في شكل تدريجي ميل الى اتجاه يقوم
على معاكسة الربيع العربي ومجافاته.
فبعد أن كان هناك شبه إجماع على أن منشأ
الانتفاضات العربية هو الشعوب نفسها،
بات هناك من يغلّب نظرية المؤامرة
الخارجية التي تقف وراء تطوراته. وإذا
كان من أثر لهذا الافتراق في التعاطي
مع الثورات، فهو تعميق الانقسام
اللبناني الراهن، حتى داخل أطراف
المعادلة التي أنتجت الحكومة الحالية.
وما يزيد من وطأة هذا الانقسام حول تلك
المعادلة على الوضع السياسي اللبناني
أن القيادة السورية عادت الى اعتماد
قاعدة قديمة، هي أن الإمساك بالسلطة في
لبنان وإدارة شؤونه هي وسيلة أساسية
للدفاع عن النظام في سورية. وإذا كان
لهذه القاعدة ما كان يبررها في السابق،
وهو أن الهجمة على سورية كانت من
الخارج بعد احتلال أميركا العراق
وتفاعلات اغتيال الحريري على الصعيدين
الإقليمي والدولي، ولأن دولاً سعت الى
استخدام لبنان من أجل إضعاف النظام
السوري وفرض شروط عليه، فإن هذه
القاعدة غير صالحة الآن في ظل غلبة
العامل الداخلي السوري على عملية
تهديد النظام قياساً الى العامل
الخارجي. فهي كانت صالحة في السابق لأن
الداخل السوري بغالبيته، كان مسانداً
للنظام في وجه التهديد الخارجي الذي
كان لبنان أحد أبوابه المفترضة.
والعودة الى اعتماد قاعدة الدفاع عن
النظام في لبنان توحي بفرضية خيالية
وغير واقعية، هي أن هناك في لبنان من
يستطيع العمل على تهديد النظام، وهو
أمر لا يقتنع به أي عاقل في وقت يقف بعض
الخارج الذي تفوق قوته ونفوذه إمكانات
لبنان مثل إيران والعراق وروسيا
والصين وغيرها، الى جانب النظام... ضد
الداخل السوري. لا تقف أضرار العودة الى اعتماد قاعدة
الدفاع عن النظام من لبنان عند حدود
التوهم بأن المعركة تخاض بهذا الشكل،
بل تتعداها الى تهديد المعادلة
السياسية اللبنانية الراهنة. فهذا
التوهم يقود الى تصرفات قديمة تزداد كل
يوم: فلتان على الحدود، فلتان أمني في
بعض المناطق حيث تجري عمليات خطف،
فلتان من قبل بعض الأجهزة الأمنية
وفلتان على الصعيد السياسي بحيث يجري
الضغط على الحكومة من أطراف هم أعضاء
فيها لإبلاغ رئيسها بالقدرة على
افتعال المشاكل له، كما حصل في شأن
المطالب العمالية الأخيرة. إنها ممارسات تتعدى فهم البعض بأن
المعادلة السياسية الراهنة هي انعكاس
لغلبة فريق في ميزان القوى، أو أنها
معادلة هدفها تفادي الانفجار. إنها
تصرفات تنسف المعادلة القائمة لأنها
تعيد لبنان الى الفوضى. =============== لبنان: سوريا تتراجع
وإيران تتقدم أمير طاهري الشرق الاوسط 14-10-2011 بينما يقوم الرئيس بشار الأسد بقتل
مواطنين من أجل البقاء في سدة الحكم
داخل دمشق، ربما يفقد نظام حكمه سيطرة
تمكنت سوريا من بسطها على لبنان منذ
السبعينات من القرن الماضي. ومع تراجع
النفوذ السوري في لبنان، يتزايد
النفوذ الإيراني هناك بشكل واضح. وتوجد العديد من الأسباب التي تقف وراء
تراجع النفوذ السوري في لبنان. وبداية،
هناك تصور يتنامى يوما بعد آخر بأن
سوريا غارقة في مشاكل داخلية مما
يجعلها غير قادرة على إقحام نفسها في
الشأن اللبناني لبعض الوقت. كما هناك
تراجع في قدرة سوريا على التحلي
بالسخاء مع «حلفائها» داخل لبنان. وفي الواقع، فإن النظام الحاكم في دمشق لم
يكن لديه أصدقاء حقيقيون في يوم ما
داخل لبنان، بل إن من كونوا معه صداقة
فعلوا ذلك بدافع الخوف أو الطمع. وتأكد
عامل الخوف من خلال ما يزيد على 100
عملية اغتيال سياسية، من بينها
عمليتان استهدفتا رئيسين وأخرى
استهدفت رئيس وزراء، وعمليات استهدفت
العشرات من البرلمانيين. وجاء عامل
الطمع من خلال منح شخصيات موالية
لسوريا حصة في أنشطة كسب غير مشروعة
تديرها دمشق في لبنان. ولكن في الوقت الحالي نجد أن الخوف من
سوريا أقل وطأة من ذي قبل، فيما يستحوذ
حزب الله اللبناني على أنشطة الكسب غير
المشروعة. ومن العلامات على التغير
الزيادة في عدد اللبنانيين البارزين
الذين يتصلون بالسفارة الإيرانية في
بيروت.. بيروقراطيون يبحثون عن ترقية
ودبلوماسيون يأملون في مركز مثمر في
الخارج ورجال أعمال يتطلعون إلى عقود
مدركين أن الحصول على موافقة من طهران
يمكن أن تحقق ذلك. وتقوم إيران، باستخدام حزب الله والكتلة
المارونية التي يقودها الجنرال السابق
ميشيل عون كستار، بتحريك مخالبها في
جميع مستويات الإدارة اللبنانية. وقد
تمت تعيينات الجنرال جان قهوجي كقائد
للجيش والجنرال عباس إبراهيم كرئيس
للاستخبارات وعلي حسن خليل كوزير
للصحة بموافقة من طهران، مثلما حدث مع
تعيين عدنان سيد حسين كرئيس للجامعة.
وتتحرك شخصيات موالية لإيران في مراكز
مهمة بالخدمة المدنية. ويحظى هذا الأمر بأهمية كبيرة فيما تعد
الخدمة الخريطة الانتخابية الجديدة
للبلاد. وتكمن الفكرة في القيام بإعادة
توزيع الدوائر الانتخابية لضمان
أغلبية واضحة لحزب الله وحلفائه
العونيين في البرلمان المقبل المقرر
انتخابه في 2012. وعلى ضوء قيام البرلمان
باختيار رئيس الوزراء والرئيس، فإن
السيطرة عليه ستمكن حزب الله من تنفيذ
انقلاب دستوري وتأسيس نظام موال
لإيران. يزعم زعيم حزب الله حسن نصر الله أن
مجموعته لا تنوي تأسيس نظام «إسلامي»
على النمط الإيراني. بيد أنه أكد علنا
على ولائه ل«المرشد الأعلى» الإيراني
علي خامنئي ك«زعيم وأستاذ لنا». وعلى
ضوء تقديره الشديد لذاته، ربما لا يدرك
نصر الله أن أساتذته الإيرانيين
يعتبرونه أزيد قليلا على مخلب في لعبة
القوة «العالمية» الخاصة بهم. ولكنه
يعرف أن طهران لن تتهاون مع أقل انحراف
عن استراتيجيتها للهيمنة الإقليمية. وفي كلمة حديثة في طهران، تحدث رئيس
الأركان الجنرال حسن فيروز آبادي عن «مراكز
عسكرية متقدمة» لإيران في لبنان.
ويتضمن ذلك الكثير من جنوب لبنان وشمال
وادي البقاع وغرب بيروت وأجزاء من جبل
لبنان، ولا سيما جبيل. وليس مصادفة أن
الرئيس ميشيل سليمان والبطريرك
الماروني بشارة الراعي يتحدران من
جبيل. وتعكف إيران حاليا على ربط هذه المناطق
معا بنظام اتصالات مواز يتحكم فيه في
النهاية الجنرال فيروز آبادي في طهران.
وتوجد علامات أخرى على تنامي الدور
الإيراني في لبنان، فخلال الأسبوع
الماضي منعت الحكومة اللبنانية فيلما
إيرانيا كان متعاطفا مع المعارضة
المناوئة للملالي في إيران. ولم تتوان
وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إيرنا)
في التباهي بأن الفيلم منع «بعد تدخل
السفير الإيراني في بيروت». وجاء بعد ذلك إعلان الرئيس سليمان أن
لبنان قدم طلبا رسميا لإيران لتدريب
وتسليح الجيش اللبناني. وقال سليمان ل«إيرنا»
إن لبنان «لم يعد يعول على الحصول على
سلاح من الولايات المتحدة» ويعتبر
إيران «حليفنا الأقوى». وقد أعلنت بيروت وطهران أيضا عن إلغاء
التأشيرات، وقبل بدء الاضطرابات
الحالية، كان أكثر من مليون إيراني
يزورون سوريا كل عام، وقام البعض منهم
بإضافة لبنان في مسار رحلتهم. وفيما
تعتبر سوريا حاليا مقصدا خطرا، تزعم
طهران أن الكثير من السياح الإيرانيين
ربما يتحولون إلى لبنان كمقصد بديل.
ولكن، ليس مسموحا لجميع الإيرانيين
بمغادرة البلاد. وبما أن حزب الله يسيطر بالفعل على المطار
في بيروت، فإن إلغاء التأشيرات قد يمكن
الجمهورية الإسلامية من إرسال أفراد
سياسيين واقتصاديين وعسكريين إلى
لبنان بأعداد أكثر وأريحية أكبر. ولا يعني ذلك كله أن سوريا ابتعدت تماما
عن لبنان، فما زال لسوريا بعض الحلفاء
البارزين من بينهم رئيس الوزراء نجيب
ميقاتي، وهو رجل أعمال ثري له علاقات
بعائلة الأسد. كما أن رئيس البرلمان
نبيه بري، وهو شيعي، حليف لسوريا منذ
أمد، وهو معارض لتنامي النفوذ
الإيراني في لبنان. بيد أنه لا يمكن
لميقاتي أو بري القيام بالكثير
لرعاتهم السوريين في وقت يواجه فيه
نظام الأسد نفسه انتفاضة شعبية قوية. وعليه، فإنه في الوقت الحالي، يبدو لبنان
في طريقه لأن يصبح كيانا تابعا
للجمهورية الإسلامية. ويتمثل التحذير
الوحيد في احتمالية تعرض نظام الخميني
في طهران لنفس الضغوط التي هزت النظام
البعثي في دمشق. =============== يوسف الغزو الرأي الاردنية 14-10-2011 يخلط الكثيرون بين مفهوم الحماية
الدولية، وحلف الناتو. وهم ينظرون إلى
هذه الحماية على أنها تدخل أطلسي سافر
لفرض أجندات غربية معينة في المناطق
المستهدفة. والحقيقة هي أن هذا الخلط يعود إلى أن حلف
الناتو هو القوة الرئيسية الأولى في
العالم والقادرة على تنفيذ قرار
الحماية الصادر حكماً عن مجلس الأمن
الدولي.فاختلطت الأمور بين مفهوم
التدخل الأطلسي والتدخل الدولي. وخلال
عملية التنفيذ الميداني للحماية يفسر
أي خروج عن نص القرار بأنه تجاوز من
الحلف للترخيص الصادر عن مجلس الأمن
ويغدو هذا الأمر مثار شد وجذب عبر
الأجندات الدولية المتقاطعة. دعونا نتخيل العالم كله أسرة واحدة،
أفرادها هم الدول الأعضاء فيها.صحيح أن
هذا التخيل قد لا يطابق الواقع أحيانا
ولكنه هكذا ينبغي أن يكون. إذ أن مسمى (الأسرة
الدولية) كثيرا ما يتردد في الأخبار.
فحينما يقع ظلم ما على دولة أو كيان أو
مجموعة داخل الدولة أو الكيان، فأن
الشريحة المظلومة تهدد باللجوء إلى
الأسرة الدولية. إذن فإن مفهوم الأسرة
في تشكيلة العالم المعاصر هو مفهوم
قائم ومعترف به. وعليه فإن التعامل
العقلاني مع هذا المفهوم هو الوسيلة
الوحيدة لتوضيح الأمور ووضع النقاط
على الحروف. فالحماية الدولية إذن هي- أو هكذا ينبغي
أن تكون- الاستجابة لصرخة وقع على
صاحبها أو أصحابها الحيف والظلم من أي
مصدر كان، فتهب الأسرة كلها والممثلة
دولياً بالأمم المتحدة ويجتمع مجلسها
الممثل دولياً بمجلس الأمن لمناقشة
الأمر. والهدف واحد وهو رفع الظلم وفرض
الحماية للمستغيث.قد يختلف المجلس
وكثيرا ما يختلف في آلية التعاون مع
المشكلة، وقد تعمل المصالح الذاتية
للقوة المنفذة على تجاوز التصريح
وصولاً إلى بعض مصالحها. إلاّ أن
الحماية الدولية تظل هي الوسيلة التي
يلجأ إليه الطرف الضعيف المظلوم كي
يرفع الظلم عنه، وتظل هذه هي الآلية
الوحيدة الممكنة للتدخل في إطار
الأسرة الدولية. أما الربط بين التدخل الدولي والتدخل
الأطلسي فإنه يعود إلى أن ذلك الحلف
ربما كان القوة الوحيدة في العالم
القادرة على وضع قرار مجلس الأمن موضع
التنفيذ. ومن هنا فأن المناداة
بالحماية الدولية تبدو أحيانا وكأنها
مشوبة ببعض الاتهامات بالتجاوز والعمل
خارج بنود القرار الدولي. وعليه فإن
القرار الدولي الصادر بموجب الفصل
السابع والذي يجيز فرض الحماية
الدولية بالقوة أو فرض الحظر الجوي أو
البحري بالقوة كذلك، يجب أن يكون
واضحاً ومفصلا ومغطياً لكل الثغرات
التي تنشأ إثناء التنفيذ. فالحماية
الدولية الحقيقية والصحيحة والنابعة
من مفهوم الأسرة الدولية هي واجب قبل
كل شيء وليس منّه وعلى هذا الواجب أن
يؤدى من خلال النوايا الحسنة وليس
بنوايا خبيثة مصلحية مضمرة تقوم على
المصالح الضيقة سواء أكانت تلك
المصالح اقتصادية أو سياسية أو
إستراتيجية. كما أن تعطيل هذه الحماية
كذلك لأجل هذه المصلحة أو تلك هو إساءة
للأسرة الدولية كلها وميثاقها الأممي
العتيد. ========================== محمد عارف الاتحاد تاريخ النشر: الخميس 13 أكتوبر
2011 هذه قصة تفوق بالخيال النكات المشهورة عن
سكان مدينة حمص السورية، وتحطّم القلب
كأوضاعهم الحالية. بطل القصة مبدع من
أصل حمصي غيّر العالم، وهذه ليست نكتة
على "الحماصنة " كما يسميهم
السوريون. إنه ستيف جوبز، رئيس شركة
"أبل" الذي توفي الأسبوع الماضي،
وبكى لفقده العالم كله؛ من بكين، حيث
تقاطرت على حوانيت "أبل" صفوف
المعزين حاملين الزهور والشموع،
ولافتات تقول "أثريتَ حياتنا،
وغيّرت العالم... نحن نحبك"، وحتى "وادي
السليكون" في كاليفورنيا، عاصمة
صناعة الكومبيوتر العالمية التي ارتدت
شارات الحداد، مروراً بالعواصم حول
الكرة الأرضية، بما في ذلك طهران، وهذه
أيضاً ليست نكتة على "الحماصنة".
فالنقاش اندلع بين مواقع التواصل
الاجتماعي الإيرانية حول ما إذا كان
يحق لجوبز دخول الجنة. ومعظم الآراء
كانت بالإيجاب، حتى الموقع الموالي
للنظام "تنباك" استشهد بقول
خامنيئي: "الفلاح الروحي يأتي بعمل
الخير، وليس بالصلاة، والله يبارك من
يساعد الآخرين". والخير الذي صنعه جوبز يتحدى الخيال.
آلاته المبتكرة "آي بود" و"آي
فون" و"آي باد"، حققت حلم عصر
المعلومات والاتصالات في جوال يقوم
بوظائف الهاتف، والكومبيوتر،
والراديو، والتلفزيون، والإنترنت،
والآلة الكاتبة، والفوتوغرافية،
وبوصلة فضائية لتحديد المواقع على
الكرة الأرضية، وتفعل كل ذلك بلمسة
أنامل على الشاشة، وتتصفح عليها صحف
صادرة حول العالم، وبمختلف اللغات،
وتقرأ فيها الكتاب الذي تختاره من مئات
الكتب الإلكترونية المحفوظة داخله، أو
من مكتبات إلكترونية عبر العالم، "وهي
أكثر من ذلك قليلاً"، كما اعتاد جوبز
القول؛ إنها آلة إنتاج وتحرير
المقالات والصحف والكتب، ونشرها عبر
الإنترنت، ورسم لوحات ملونة، وتأليف
مقطوعات موسيقية وعزفها، وصنع أشرطة
فيديو بالكامل، من التصوير والإخراج
حتى المونتاج والتوزيع. ويثير الدهشة تعامله البسيط مع أعقد جهاز
أبدعه العقل البشري، والذي يقول عنه:
"الكومبيوتر بالنسبة لي أبدع آلة
أوجدناها، إنها تعادل الدراجة
الهوائية لعقولنا". وهل غير مبدعٍ
سوري يختار "أبل"، وتعني "تفاحة"،
اسماً لشركة صناعة الكومبيوتر، وكانت
الأسماء أرقام أو حروف ترمز للصناعة
مثل "آي بي إم"، أو "مايكروسوفت"؟
و"الجمال هو الجانب الثوري لمنتجات
"أبل" الآسرة بالمنحنيات
الأنثوية لسطوحها، والتي يعتبر النقاد
إطلاق اسم مكائن عليها كالقول عن
تماثيل مايكل أنجلو منحوتات صخرية.
وجمال ثورة "أبل"، حسب الفيلسوف
البريطاني جوليان باغيني، أنها "غيرت
طريقة حياتنا، وكيفية تعاملنا مع
التكنولوجيا، وطرق سماعنا للموسيقى،
واتصالاتنا، وتفكيرنا بالفن،
والتصميم، والاختراع، والكثير الكثير
من ذلك، وأهم شيء أنها غيرت طريقة
تفكير منتقدي وأنصار الرأسمالية على
حد سواء". ويناهض جوبز نزعة التقشف الرأسمالية وقت
الأزمات، "فالعلاج ليس عن طريق
تقليص النفقات، بل الإبداع هو الطريق
الذي يأخذنا خارج المأزق الراهن".
وقد أبدع بالخروج من مأزق تصويت مجلس
إدارة "أبل" على عزله، وكان قد
اختار له مديراً تنفيذياً كي يتفرغ هو
للإبداع! وسيقول آنذاك: "أنا الشخص
الوحيد الذي خسر ربع مليار دولار في
عام واحد... هذا يبني الشخصية تماماً".
وانطلق في مسيرته المبدعة لتأسيس شركة
"بكسار" التي أحدثت الثورة
الحالية في صناعة الأفلام السينمائية
بواسطة الكومبيوتر، وعاد لرئاسة "أبل"
عندما اشتراها. "إذا عشتَ كل يوم كأنه يومك الأخير
فستبلغه بالتأكيد يوماً". تلك هي
حكمة حياته التي بدأها جنيناً معروضاً
للتبني وهو ما يزال في رحم أمه.
والمفارقة أن تدعوه "ستانفورد"،
وهي من أرقى الجامعات الأميركية،
لإلقاء كلمة حفل التخرج عام 2005، وهو
الذي لم يتخرج من جامعة، وأن يكون
عنوان الكلمة "عليك أن تجد ما تحب"،
وقد كان الشرط الوحيد لأمه الطالبة
الجامعية الفقيرة التي لم تعقد زواجها
من أبيه، أن تؤمن له الأسرة المتبنية
الدراسة الجامعية. وبعد 17 عاماً اكتشف
أن أسرة العامل التي تبنته وضعت تحويشة
العمر على دراسته الجامعية، فانسحب من
الجامعة وشغل نفسه بدرس فن الخط
اليدوي، الذي استخدمه بعد عشر سنوات في
تصميم خطوط حروف كومبيوتر "ماكنتوش"
واستنسخته عنه "ويندوز". هل ورث حب
الخط عن الجينات العربية لأبيه؟.. سؤال
يثير الآن نقاشات ساخنة في الإنترنت،
رغم أنه توفي ولم يتصل بأبيه الحقيقي
عبد الفتاح الجندلي، أو يذكر اسمه ولو
مرة واحدة. والتناقض كبير بين رسائل إنترنت تعتبر
تصرف الأب نموذجاً لسلوك "العربي
المسلم الذي لا يأبه للأبوة"،
ورسائل تستهجن سلوكه "المخالف
لتقاليد العرب الذين يقدسون الأبوة"!
ويصعب في أمور عائلية كهذه إصدار
أحكام، إلاّ أن تغيير الأب اسمه إلى
جون، وتحوله من العمل أستاذاً جامعياً
في علم السياسة إلى إدارة كازينو قمار
في ريو بولاية نيفادا، قد يشير إلى
مأزق جيل قديم من المهاجرين العرب
أرادوا تدمير جميع علاقاتهم بأصولهم.
وكيف يمكن تجزئة الروح الكلية
للإنسان، أو اجتثاث أجزاء منها دون
إتلاف كينونته الإنسانية؟ وتبقى النكتة عن الحماصنة والكومبيوتر،
وكنتُ رويتها خلال حديثي في مؤتمر "الجمعية
السورية للمعلوماتية" التي عقدت في
قاعة الأسد بدمشق ربيع عام 1997. كان
موضوع الحديث تجربة عملي في أول صحيفة
عربية يتم إنتاجها الكامل
بالكومبيوتر، وهي "الحياة"
اللندنية التي استخدم في إنتاجها
كومبيوتر وبرامج "أبل" أشرف على
تعريبها الدكتور المهندس علي الأعسم،
مدير شركة "ديوان" آنذاك. وفكرت أن
أخفف المحاضرة التقنية بنكتة عن جهاز
كومبيوتر لاختبار الصدق تربطه فتاة
حسناء بأسلاك إلى رأس وصدر الشخص
المستجوَب، وتسأله فيم يفكر؟... وكما هو
متوقع، حسب النكتة، كذب الجميع عندما
قالوا في حضرة الجمال الشامي المدوّخ
إنهم يفكرون بالكومبيوتر ومستقبل
سوريا العظيم. وما أن قال الحمصي،
عندما جاء دوره، "أنا أفكر" حتى
قاطعه الكومبيوتر "تكذب"! ضجّ
الحضور بالضحك، واعتذرتُ بأني أكذب
إذا ادّعيت التفكير بغير البهجة
بزيارة سوريا لأول مرة في حياتي. بعد
انتهاء الجلسة قال لي الدكتور بشار
الأسد، رئيس "الجمعية السورية
للمعلوماتية" آنذاك، أن لا تكون
الزيارة الأخيرة. وقد كانت الأخيرة
للأسف. ولا أجد في هذه الأيام الصعبة
غير كلمات الحمصي ستيف جوبز وهو يواجه
الموت بسرطان البنكرياس: "يؤسفني أن
أكون حزيناً هكذا، إلا أنه صحيح تماماً.
وقتكم محدد، لذا لا تضيعوه في عيش حياة
آخرين. لا تقعوا في فخ عقائد جامدة،
أعني العيش حسب نتائج تفكير ناس آخرين.
لا تدعوا ضوضاء آراء غيركم تكتم صوتكم
الداخلي. وأهم شيء؛ امتلكوا الشجاعة
لتتبعوا قلبكم وحدسكم. إنهما بشكل ما
يعرفان ما ترغبون به حقاً. كل شيء آخر
أمر ثانوي". مستشار في العلوم والتكنولوجيا ================= آخر تحديث:الخميس ,13/10/2011 خافيير سولانا الخليج في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول قامت في
مدينة اسطنبول حركات المعارضة السورية
المتباينة بإطلاق مبادرة تشكيل “المجلس
الوطني السوري” . وكانت هذه هي الخطوة
الأكثر أهمية التي اتخذتها حتى الآن
القوى المفتتة التي ظلت تحاول منذ شهر
مايو/ أيار قيادة انتفاضة سلمية ضد
نظام الرئيس بشار الأسد . والواقع أن
تشكيل المجلس كان سبباً في تعزيز
معنويات هؤلاء الذين طالبوا بتمثيل
أقوى وأكثر وحدة . ولكن بعد يومين فقط من تأسيسه عاني المجلس
الوليد من أول انتكاسة كبرى . فقد تقدمت
فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا
والبرتغال، بالتعاون مع الولايات
المتحدة، بمشروع قرار إلى مجلس الأمن
التابع للأمم المتحدة يقضي بإدانة
القمع في سوريا ويضع حداً لاستخدام
القوة ضد المدنيين . كان مشروع القرار عبارة عن نسخة ملطفة من
نص سابق اقتُرِح في يونيو/ حزيران
الماضي . فقد احتوى هذا النص على
مصطلحات غير واضحة مثل “تدابير محددة”
أو “خيارات أخرى” . ولقد أكد المشروع
على سيادة واستقلال سوريا وسلامة
أراضيها، كما شدد على ضرورة حل الأزمة
الحالية سلمياً، من خلال عملية سياسية
شاملة، ودعا إلى إقامة حوار وطني
بقيادة مختلف القوى الوطنية . كما دعا
مشروع القرار إلى تحديد فترة ثلاثين
يوماً لدراسة الخيارات، بدلاً من خمسة
عشر يوماً في مشروع القرار السابق . وكان الهدف من ذلك واضحا: كسب التأييد
الروسي، وبالتالي امتناع الصين عن
التصويت . بيد أن روسيا والصين
استخدمتا حق النقض ضد الاقتراح على أية
حال، ولم يصوت لمصلحة مشروع القرار في
مجلس الأمن سوى تسع دول أعضاء، في حين
امتنعت البرازيل والهند وجنوب إفريقيا
ولبنان عن التصويت . من الواضح أن ثلاث عواقب ضمنية رئيسة سوف
تترتب على هذا التصويت في مجلس الأمن .
أولاً، سوف يتزايد العنف . فمنذ اندلاع
الاحتجاجات في مارس/ آذار الماضي بلغ
عدد الوفيات طبقاً لبعض التقديرات 2700
شخص، فضلاً عن نزوح أكثر من 10000 شخص إلى
تركيا، وإلقاء القبض على آلاف آخرين .
ويبدو أن حكومة الأسد لا تترد في إطلاق
النار على المدنيين، أو وضع المدن تحت
الحصار، أو قطع التيار الكهربائي
والمياه . وقبل بضعة أيام تحدثت
التقارير عن انشقاق نحو عشرة آلاف جندي
سوري، وانضمام عدة مئات منهم إلى
الحركات المنافسة، مثل “الجيش السوري
الحر” و”حركة الضباط الأحرار” . وما
لم يتم تفعيل شكل ما من أشكال الحماية
الدولية، فإن الحركة التي بدأت سلمية
باتت الآن على وشك الدخول في مرحلة
جديدة وخطرة . ثانياً، لن يخلو الأمر من عواقب وخيمة على
الأمن الإقليمي . ذلك أن سوريا تمثل
مفصلاً استراتيجياً في الشرق الأوسط .
فهي الدولة الأكثر عداءً ل”إسرائيل”،
وهو ما يتجلى في المقام الأول في دعمها
لحماس وإيران وحزب الله . فضلاً عن ذلك
فإن الفوضى في سوريا من شأنها أن تهدد
الاستقرار في لبنان وأن تبدل النفوذ
الجغرافي السياسي لإيران في المنطقة .
أما العراق الذي تحكمه قوى سياسية
شيعية فإنه يراقب عن كثب تطور الأحداث
في سوريا، كما تفعل تركيا التي كانت
حتى وقت قريب تعد سوريا حجر زاوية
لسياستها الإقليمية . وأخيراً، كشف التصويت في مجلس الأمن عن
انقسام واضح داخل المجتمع الدولي . فمن
بين مجموعة البرازيل وروسيا والهند
والصين وجنوب إفريقيا التي تصادف
وجودها جميعاً بين أعضاء مجلس الأمن
حالياً صوتت دولتان فقط وامتنعت
البقية عن التصويت (إلى جانب لبنان،
لأسباب واضحة) . الجدير بالذكر أن هذه
الدول الخمس صوتت جميعها في ما يتصل
بقرار التدخل العسكري في ليبيا لمصلحة
الإطاحة بالعقيد معمر القذافي . ولكن
هذه ليست الحال بالنسبة لسوريا، حيث لم
تتفق أي منها مع المواقف التي دعمها
الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة . والواقع أن تشكيل مجلس الأمن لن يختلف
كثيراً إذا تم التوصل إلى توزيع “مثالي”
للدول . وعلى هذا فإن عدم التوصل إلى
اتفاق بشأن سوريا من شأنه أن يرغمنا
على التأمل في الصعوبات التي سنواجهها
في إدارة الأمن العالمي في المستقبل . بطبيعة الحال، لا وجود لنموذج “المقاس
الواحد الذي يناسب الجميع” في التدخل،
ولكن هذا لا يبرر التهرب من “مسؤوليتنا
عن الحماية”، وهو المفهوم الحساس الذي
أقره الأمين العام السابق للأمم
المتحدة كوفي أنان وتبنته جميع الدول
الأعضاء في الأمم المتحدة في عام ،2005
والواقع أن تأييد القرار كان ليضعف
موقف الأسد، كما كان ليكشفه كزعيم
معزول عن حليفيه التقليديين، روسيا
والصين . كما كان ليظهر تأييد القرار
إجماع كافة أطراف المجتمع الدولي على
رفض القمع والالتزام بحماية الشعب
السوري (ولو أن مشروع القرار لم يشر إلى
التدخل العسكري) . إن العقوبات التي تبنتها الولايات
المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد نظام
الأسد ليست كافية . ولكن ما لم يتم
اتخاذ تدابير إضافية عبر مجلس الأمن
لكي تكتسب مشروعيتها منه فإن الخيارات
الأخرى محدودة للغاية . ففي الأعوام الأخيرة، وبينما أمنت بلدان
مثل الصين والهند والبرازيل لنفسها
مكاناً لائقاً على الساحة الدولية،
أفسحت مجموعة الدول السبع الكبرى
الطريق أمام مجموعة العشرين . وعلى نحو
مماثل، عَكَس تبني الإصلاحات الطموحة
لصندوق النقد الدولي في عام 2010
التغيرات التي طرأت على التوزيع
العالمي للقوة . ولكن هذا التغير في الحكم العالمي لا
ينبغي له أن يقتصر على رسم السياسات
الاقتصادية . فقد جلبت العولمة فوائد
عديدة في الإجمال، ولكنها اشتملت
أيضاً على جوانب أقل ودية، كتلك التي
تتصل بالأمن العالمي . فعلى الرغم من
الترابط المتنامي في ما بيننا، فإن
مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم
يتمكن من التوصل إلى الإجماع الكافي
لحل المسائل الملحة مثل مشكلة سوريا . لم يزعم أحد قط أن الطريق إلى الحكم
العالمي الأفضل قد يكون مباشراً أو
بسيطاً أو مفروشاً بالورود . ولكن لا
ينبغي لنا أبداً أن نسلك طرقاً ملتفة:
وفي غياب الهياكل الفعّالة للسلطة
والالتزام الأصيل من جانب كافة
الأطراف، لا يبدو المستقبل واعداً
بالاستقرار العالمي والرخاء . ================= معارضة الداخل تخسر
الشارع السوري والحراك الشعبي زين الشامي الرأي العام 13-10-2011 لم يكن مستغربا أن يلتف السوريون
وتنسيقيات الداخل التي تمسك زمام
التحركات الاحتجاجية حول المجلس
الوطني السوري الذي أعلن عن تشكيله في
اسطنبول أخيرا، وذلك لسبب بسيط هو أن
المجلس واكب مطالب الشارع المنتفض
وتبنى شعاره الأساسي المتمثل في إسقاط
النظام وتأمين الحماية الدولية
للمتظاهرين السوريين، وهذين هما
المطلبين اللذين بقيت معارضة الداخل
التقليدية متلكأة ومتوجسة من تبنيهما
خوفا من بطش النظام أو ربما خوفا من
تهمة رسمية بأنها تعمل وفقا «لأجندة
خارجية». إن خروج تظاهرات فورية في مختلف المناطق
السورية مؤيدة للمجلس الوطني، ثم
تسمية أحد أيام الجمع بيوم «جمعة
المجلس الوطني يمثلني» من قبل موقع
الثورة السورية على صفحة الفيسبوك،
ربما يعطي كل ذلك اشارة واضحة عن
اتجاهات الرأي العام اليوم وما كان
ينتظره الشارع من المعارضة السورية
سواء أكانت تعمل في الداخل أو الخارج. لقد أكد المعارض البارز برهان غليون بكل
صراحة حين تلاوته نص البيان التأسيسي
لتشكيل المجلس في الثاني من اكتوبر في
اسطنبول، أن المجلس يشكل «إطارا موحدا
للمعارضة السورية ويشكل العنوان
الرئيس للثورة السورية ويمثلها في
الداخل والخارج، ويوفر الدعم اللازم
بتحقيق تطلعات شعبنا بإسقاط النظام
القائم بكل أركانه بما فيه رأس النظام». ان هذا التأكيد على مطلب إسقاط النظام بكل
أركانه بما فيه رأس النظام، هو المطلب
الذي يلتف حوله كل المشاركين في حركة
الاحتجاجات المندلعة منذ نحو سبعة
أشهر، وقد وصلوا اليه بعد أشهر من
القمع والقتل وصل الى اعلى مستوياته
منذ وصول الرئيس بشار الأسد إلى الحكم
عام 2000، وبعد قتل الآلاف من المحتجين
وسجن ونزوح عشرات الآلاف من السوريين. هذه الحقيقة المتمثلة بعدم ثقة السوريين
في نظام «حزب البعث» والرئيس بشار
الأسد المسؤول عن كل ضحية سقطت على
أيدي القوات الامنية وقوات الجيش
السوري، لم تلتقطها رموز المعارضة
الداخلية التقليدية، لا بل راح العديد
منهم يؤكد أن مطلب اسقاط النظام «لا
يمثل اولوية»! مثل المحامي حسن عبد
العظيم، المنسق العام لهيئة التنسيق
الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في
سورية الذي أعرب عن أمله في تصريحات
لوكالة «أنباء موسكو» بأن تواصل روسيا
«تصديها لأي مشروع أممي يسهل التدخل
العسكري الأجنبي في الشأن السوري»
ومؤكدا اختلاف رؤية طرفي المعارضة في
الداخل والخارج لوسائل إحداث التغيير
في سورية. فحسب رأيه تطالب هيئة
التنسيق الوطنية لقوى التغيير
الديموقراطي «وهي واحدة من حركات
المعارضة الناشطة داخل البلاد»
بالتمسك بأربعة لاءات في أي مشروع
سياسي مستقبلي، هي «لا للاستبداد ولا
للتدخل العسكري ولا لتسليح الانتفاضة
ولا لإثارة النعرات الطائفية والدينية
والمذهبية» فيما تكتفي المعارضة في
الخارج، حسب عبد العظيم، «بالتركيز
على شعار إسقاط النظام» وأردف منتقدا
المعارضة السورية ممثلة بالمجلس
الوطني «يريدون إدخالنا كملحقين باسم
توحيد المعارضة ثم يستغل ذلك لتوجيه
ضربة عسكرية لسورية، وهو أمر مرفوض».
غير ان اهم ما قاله عبد العظيم هو ان
هيئة التنسيق التي يمثلها «لا تعتبر
هدف اسقاط النظام أولوية بالنسبة لها». ولا يختلف عنه الناشط لؤي حسين عضو هيئة
التنسيق الذي قال خلال مقابلة مع صحيفة
«بلدنا» لصاحبها مجد سليمان ابن ضابط
الاستخبارات الاسبق بهجت سليمان! انه
يرفض ان يسمي الحراك الداخلي «بالثورة»،
فالثورة حسب ما قاله «لديها قوام مختلف.
هي حركة احتجاجية... ومحورها الرئيس هو
مسألة الحريات»، وحاول حسين خلال تلك
المقابلة ان يجامل النظام السوري حين
سئل عن رأيه بمطلب اسقاط النظام فأجاب:
«لا أفضل استخدام عبارة إسقاط النظام،
بل إزالة النظام». وأردف: «إسقاط
النظامه هتافات شارع وليس مقولة
سياسية، فإذا كان القصد منها هو إطاحة
السلطة الحالية، فأنا بالتأكيد ضدها،
لأن هذا سيؤدي الى انهيار النظام
السياسي وبالتالي انهيار مؤسسات
الدولة، وهو ما ستكون له نتائج كارثية».! ولعل الأهم من ذلك كله ان بعض رموز معارضة
الداخل غالبا ما يستخدمون خطابا
تخوينيا ازاء معارضة الخارج التي ليس
لديها أي حساسية في تبني مطلب الحماية
الدولية للمدنيين في ظل عجز المجتمع
الدولي وربما عدم رغبته اتخاذ خطوات
عسكرية فعلية لحماية السوريين كتلك
التي اتخذت في ليبيا وساهمت لاحقا في
اسقاط النظام هناك. لا بل ان الاهم هو
ان هذا المطلب اصبح مطلبا اساسيا
واولية بالنسبة للناشطين الذين
يواجهون الموت والاعتقال والبطش كل
يوم، وهو الأمر الذي لم تعط معارضة
الداخل اي اجابة شافية لكيفية التعامل
معه او حله من دون تدخل خارجي. ان مشكلة المعارضة السورية التقليدية في
الداخل انها دائما تخسر بسبب عدم
قدرتها على اللحاق بحركة الشارع،
وبسبب انها تتماهى وتشبه النظام
وخطابه السياسي لدرجة كبيرة، فهي
والنظام السوري اليوم يشتركان في
ثلاثة شعارات «لا للتدخل الخارجي، لا
للطائفية، لا للعنف». طبعا هناك فرق
كبير حين يرفع الجلاد هذه الشعارات
وحين تتبنى الضحية التي رأسها تحت
المقصلة الشعار نفسه. ================= حلمي الأسمر الدستور 13-10-2011 بدا الاعلام السوري الرسمي وكأنه سجل
انتصارا في قصة "الشهيدة" الحية
زينب الحصني، فقد بث التلفزيون السوري
منذ فترة مشاهد لزينب الحصني التي قال
أن بعض الوسائل الإعلامية "زعم"
أنها قتلت على أيدي عناصر الأمن
السوري، وظهرت الفتاة العشرينية على
الشاشة لتقول "إنها هربت من أهلها
وليس رجال الأمن، وأنها لم تعتقل
بحياتها ولم يداهم أحد بيتها"،
وقالت ايضا أنها "صدمت حين سمعت من
وسائل الاعلام بأنها سجنت وقطعت على
أيدي عناصر الأمن في السجن"، وإنها
"ما إن شاهدت وسمعت ما يتم تداوله
على بعض وسائل الإعلام عن إقدام قوات
الأمن على قتلها والتمثيل بجثتها،
قررت أن تذهب لأقرب قسم للشرطة، ولكن
أقرباءها الذين مكثت عندهم خلال فترة
اختفائها قاموا بمنعها من خلال بث
شائعات عن الشرطة باعتقالها وتعذيبها
ثم قتلها". وحول سبب كشفها للحقيقة
قالت أنها "أرادت أن تبقى على قيد
الحياة وفكرت بأطفال سيكونون بدون
هوية عندما تتزوج، لذلك قدمت إلى أحد
أقسام الشرطة لتقول أنني على قيد
الحياة! وكانت قصة زينب الحصني، على مدى عدة أيام،
مادة إعلامية خصبة ولافتة للنظر في
أكثر من تلفزيون، حيث قيل أن الحصني
اختطفت من قبل أفراد أمن سوريين بلباس
مدني في 27 تموز/ يوليو الماضي، للضغط
على شقيقها الناشط محمد لتسليم نفسه،
حتى جرى الحديث عن "قتل زينب بعد
تعذيبها، والعثور على جثتها، مقطوعة
الرأس والذراعين، وقد أزيل جلدها... طبعا هذا الخبر ورد عبر أكثر من مصدر،
وفيه انه تم استدعاء والد زينب، وتم
تسليمه جثة ابنته المشوهة، مع شهادة
وفاة رسمية باسم زينب، مع التوقيع على
أوراق تثبت أن القاتل هو العصابات
المسلحة، كما هي العادة في مثل هذه
الأحوال! قصة زينب أربكت الثوار ووسائل الإعلام،
وبدا أن في الأمر سرا لم يستدل عليه
أحد، والحقيقة كما وصلتني من الداخل
السوري، وعبر مصدر أستطيع أن أقول أنه
مطلع، أن الأمن "لعب" اللعبة على
نحو بدا أنها متقنة، حيث اعتقل زينب
فعلا، واحتفظ بها عنده، فيما كان يبحث
عن أخيها، لكنه لم يقتلها، وسلم اهلها
جثة مشوهة لا يعرف أحد لمن تعود، وقال
المشفى أنها لزينب، ومن ثم شاع خبر
مقتلها على نحو بشع، وبعد ذلك أخرج
زينب للملأ ليكذب خبر وفاتهان وليثبت
للعالم -كما توهم- أنه بريء من دم زينب،
وليستعمل هذه القصة البائسة للتشكيك
في آلاف القصص التي تنشر عبر أفلام
حية، عن جرائمه البشعة، فكانت طبعا
محاولة يائسة لم تحقق الهدف، وإن أربكت
البعض، ووفرت مادة لأنصار النظام
للتشدق ب"كذب وافتراء" وسائل
الإعلام على النظام!! الجانب الأكثر إثارة في الموضوع تنبهت
إليه الكاتبة السورية بشرى سعيد، وهو
أن هناك جثة لفتاة قتلت فعلا بطريقة
بشعة، سواء كان اسمها زينب أو سلمى، لا
يهم، وأن لها أهلا وأسرة فجعوا بها،
وتسوق هنا قصة العامل التي يذكرها
الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك،
ولكثرة ولعه بها، في أكثر من كتاب
ومقال له. وتتحدث القصة عن عامل مشتبه
بأمر سرقته في مكان عمله، ولهذا يتم
تفتيشه وتفتيش عربته الحديدية التي
يدفعها يومياً أثناء مغادرته المعمل.
لكن الحراس لم يستطيعوا أن يجدوا أي
شيء رغم دقة تفتيشهم له ولعربته.
فالعربة فارغة دائماً. ما لا يعرفه
الحراس أو لا يستطيعون اكتشافه هو أن
العامل يسرق يومياً وأمام أنظارهم
الشيء الذي يفتشونه، أي العربة
الحديدية. وتقول الكاتبة: لم يستطع
الحراس أن يروا الحقيقة الواضحة أمام
أعينهم. وهذا ما حدث مع الكثير من الذين
تكلموا عن قصة زينب بعد ظهورها حين لم
يروا الحقيقة التي كانت سبباً في بروز
قصة زينب أصلاً: الجثة المشوهة!. ================= سورية: ما بعد تغول دولة
الاستبداد العربية د. بشير موسى نافع 2011-10-12 القدس العربي عرف مشرق بلاد
العرب، كما مغربها، حلقات متفاوتة من
العنف الأهلي طوال القرن الماضي،
العنف الذي كانت الدولة الحديثة طرفه
الرئيسي. خاضت دولة عبد العزيز، على
سبيل المثال، معارك متفرقة وحاسمة ضد
قوات 'الإخوان' الراديكالية طوال
السنوات الأخيرة لعقد العشرينات من
القرن الماضي. وخاضت الدولة العراقية
الحديثة معارك متتالية ضد الآشوريين
المسلحين، وضد الحركات الكردية
الانفصالية، منذ ثلاثينات القرن
العشرين وحتى ما قبل سقوط الدولة
العراقية أمام الغزو الأجنبي في 2003.
ولم ينج الأردن من الصدام العنيف
والمسلح بين الدولة والمنظمات
الفدائية الفلسطينية في سنوات 1968 - 1971،
راح ضحيته عدة آلاف من الجانبين ومن
الأهالي. وحتى مصر، التي يقال دائماً
أنها الأقل عنفاً في المجال العربي،
شهدت هي الأخرى موجة صدام بالغ العنف
والوحشية بين الدولة ومعارضيها من
الإسلاميين المسلحين خلال عقد
التسعينات. ولكن ما تعيشه سورية اليوم
هو حالة لا مثيل لها من عنف الدولة
العربية الحديثة ووحشيتها، عنف مؤسسي
ومنظم وعن سابق تصميم وتصور، عنف لا
يستند لقانون ولا شبهة قانون، عنف
انتحاري، يضع مصير الوطن والشعب في
معادلة صفرية قاطعة أمام مصير النظام
الحاكم. تنزع الدولة الحديثة في أصلها إلى
السيطرة والتحكم المركزي، بغض النظر
عن نظام حكمها وأسس شرعيتها السياسية،
ديمقراطية كانت أو استبدادية، دينية
كانت أو مدنية. ولدت الدولة الحديثة في
سياق من التحولات الكبرى في التاريخ
الإنساني، طالت أدوات الحرب
وتكتيكاتها، وسائل الاتصال والإدارة
والتشريع، تطور أنظمة تجارة وتصنيع
وإنتاج، وبروز طبقات وانحدار أخرى.
ولأن أوروبا، وأوروبا الغربية على وجه
الخصوص، هي أول من عرف هذه التطورات
التحولية، كانت الدولة الحديثة في
منشأها أوروبية بامتياز. ولدت الدولة
الحديثة عندما لم يعد باستطاعة
الإمارات الإقطاعية، وقلاعها، الصمود
أمام المدفعية الحديثة والاستخدام
الفعال للبارود في صناعة السلاح
الفتاك، ولا أمام حاجة الأمم الملحة
لتوحيد السوق؛ وولدت عندما فقد الإطار
الإمبراطوري الأوروبي الجامع شرعية
ومبرر وجوده، وأصبح من الضروري
الاعتراف بحدود الأمم والدول لتجنب
المزيد من الحروب البشعة التي كادت أن
تتسبب في فناء المجتمعات الأوروبية؛
وولدت عندما أصبح من الضروري حشد طاقات
الأمم وإمكاناتها للتنافس على الفوز
بمستعمرات وأسواق وطرق تجارة؛ وولدت
عندما لم يعد ممكناً الإبقاء على
التشريعات التمييزية، سيما بين أتباع
الطوائف الدينية المختلفة، والحفاظ
على استقرار الأمم والمجتمعات في
الوقت نفسه؛ وولدت عندما لم يعد ممكناً
لجهاز الدولة تعظيم موارده بدون تقديم
تنازلات ملموسة لمن يفترض بهم توفير
هذه الموارد. وبالرغم من أن كل محاولات تعريف الدولة
الحديثة تبدو قاصرة وجزئية (كان نيتشه
هو الذي قال أن كل شيء له تاريخ لا يمكن
تعريفه)، فقد كانت المركزة (إن صح
الاشتقاق) هي السمة الرئيسية لهذه
الدولة؛ مركزة التشريع والتعليم
والقرار السياسي الاقتصادي. في الدولة
الحديثة، وضعت نهاية لحرية القضاة
والمحاكم والشرعيات التي استندوا
إليها، وأصبحت الدولة مصدر الشرعية
والمؤسسة التمثيلية المركزية (البرلمان،
أوما شابهه) مصدر التشريع؛ فرضت الدولة
سيطرتها على الأسواق وحركة التجارة
الداخلية والخارجية، وأطيح بالسيطرات
الإقطاعية واستقلال المدن، ثم
بالإدارات الذاتية للشركات
الإمبريالية الكبرى؛ ولأن شرعية
الدولة الحديثة ارتبطت في صورة وثيقة
بالفكرة القومية، كان لابد أن تتحكم
الدولة بمؤسسة التعليم، التي أصبحت
بدورها عاملاً بالغ الحيوية في تطور
الصناعة وسوق العمل والنظام المالي
الحديث. وليست المركزة صنواً للتحكم والسيطرة
وحسب، بل كانت مستحيلة التحقق بدونهما
أيضاً. مركزية الحكم والسياسة، أم
المركزيات جميعاً، ومن ثم مركزية
الإدارة والاقتصاد والتعليم، ومركزية
بناء الأمة وكينونتها، تطلبت قدراً
كبيراً ومتزايداً من امتلاك أدوات
العنف، سواء الجيش المركزي، جيش
الدولة، أو أجهزة الأمن والتحكم
الأخرى. بدون مؤسسات عنف بالغة الكفاءة
لم يكن ممكناً الحفاظ على حدود الدولة
الأمة، ولا على أمن عملية الإنتاج
والتجارة، ولا على خضوع الأمة
التعليمي والقانوني لقرارات الحكم
المركزي؛ ناهيك عن خوض غمار التنافس
العالمي (الذي رافق ولادة الدولة
الحديثة) من أجل تعظيم معدلات الاكتفاء
والازدهار والقوة. الحقيقة، أن كل
الدول الحديثة ولدت في لحظة من انفجار
العنف، الانفجار والتشظي الإمبراطوري
أو العنف الأهلي أو التحرري؛ وقد زرعت
النزعة لامتلاك أدوات العنف والسيطرة
والتحكم بالتالي في المركب الوراثي
الأولي للدولة الحديثة. بهذا المعنى،
لم يعد ثمة من الممكن تصور وجود دولة
حديثة بدون مؤسسات تحكم وسيطرة تمتلك
أدوات عنف، تعلو في قدراتها عن أية
أدوات عنف يمكن للفرد أو الجماعات
الأهلية حيازتها. وقد أدركت المجتمعات الحديثة من البداية
هذه الطبيعة الفتاكة للدولة، التي
كانت قد أنتجتها وأصبحت من ثم أسيرة
لوجودها واستمرارها. ويمكن القول أن
العقل السياسي الحديث منذ الثورة
الفرنسية، على الأقل، وأن العمل
والنضال السياسيين، كان في جوهره
تجلياً لمحاولة الإنسان الحديث كبح
جماح الدولة وعقلنة نزعتها العضوية
للسيطرة والتحكم. من توسيع نطاق
المؤهلين للتصويت، إعطاء المرأة
حقوقها السياسية، ولادة وتطور فكرة
الدستور، الجدل الهائل والمستمر حول
الحريات وحدودها، ولادة وتنوع
الجماعات والهيئات المدنية،
والتشريعات الوطنية أو الدولية التي
تستهدف حماية الإنسان وتعزيز حقوقه،
هي جميعها تعبيرات عن هذا السعي
المستمر من أجل وضع حدود لوحش الدولة
الحديثة واندفاعه باتجاه مزيد من
التحكم والسيطرة. في خضم هذا النضال
الإنساني الملحمي، اندلعت ثورات، وبذل
مناضلون أرواحهم، في الدول الغربية
التي شهدت ولادة الدولة الحديثة، وفي
أنحاء أخرى من العالم، بعدما أصبحت
مؤسسة الدولة الحديثة النموذج السائد
للدولة والعلاقات الدولية. لم تمض هذه
المسيرة الإنسانية في اتجاه واحد، بل
عانت الكثير من العثرات والمآسي
والهزائم، من الصعود النازي والفاشي،
الهيمنة الشيوعية، إلى انتشار دولة
الانقلابات العسكرية. ما عاشه المجال العربي منذ بداية حقبة
الاستقلال العربي، بعد الحرب العالمية
الثانية، هو مثال صارخ على هذا التعثر،
على إخفاق المجتمع الإنساني وضع حد
لمؤسسة الدولة الحديثة وآليات السيطرة
والتحكم التي نشرتها. والحقيقة أن هذا
الإخفاق لم ينجم في جوهره عن خلل بنيوي
في المجتمعات العربية. صحيح أن
المجتمعات العربية، الإسلامية في
ميراثها، عانت صدمة المواجهة مع
الحداثة الغربية في صورة تفوق ما عانته
المجتمعات الإنسانية الأخرى، وأن
مؤسسة الدولة الحديثة فرضت فرضاً،
وبقوة السلاح واختلال ميزان القوى،
على المجتمعات العربية، ولم تكن نتاج
تطور تاريخي طبيعي، وأن المجتمعات
العربية لم تحسم خياراتها مطلقاً بين
الدولة الوطنية القطرية، والدولة
العربية القومية، أو ما يسمى أحياناً
بالدولة الإسلامية. ولكن الصحيح أيضاً
أن مؤسسة الدولة الحديثة في تجليها
العربي كانت في أغلب الحالات انعكاساً
لموازين ومصالح وحاجات دولية، سواء في
في مرحلة الحرب الباردة أو بعدها. في
هذه المنطقة بالغة الحيوية لتوازنات
ومتطلبات القوى الدولية، ارتبطت مصالح
هذه القوى بالدولة العربية وأنظمة
حكمها أكثر بكثير مما ارتبطت بالشعوب
والمجتمعات العربية. بيد أن سيطرة الدولة العربية وتحكمها لم
يستند إلى الدعم الخارجي وحسب، بل وإلى
خبرة الحكم ذاتها وإلى جملة من
التطورات الموضوعية، التقنية وغير
التقنية، التي طوعت من أجل خدمة أهداف
السيطرة والتحكم. أفادت الدولة
العربية في البداية من كونها دولة
ريعية أو تحت ريعية، غير ذات حاجة ملحة
للموارد الضريبية، من أجل تعزيز
مقدرات السيطرة والتحكم؛ وسرعان ما
تبنت الدولة التقدم الكبير في وسائل
الإحصاء والتسجيل والرقابة، في طرق
التعليم المركزي والدعاية والإعلان،
وفي تقسيم قوى المجتمع واللعب على
مخاوفها المتبادلة والمصطنعة، من أجل
تحقيق المزيد من السيطرة والتحكم. وفي
حال أخفقت هذه جميعاً، أو فرض عليها
مواجهة التحدي الشعبي، لم تتردد
الدولة العربية في اللجوء إلى آلات
القمع المطلقة، الممثلة في سلاح أجهزة
الأمن وقوات الجيش. ومنذ نهاية القرن
العشرين، كان تغول الدولة العربية قد
وصل مستوى لم تعرفه سوى قلة من
الكيانات السياسية الأخرى عبر العالم،
بما في ذلك دول مثل تشيلي العسكرية،
ألبانيا وكوريا الشيوعيتين، أو جنوب
إفريقيا العنصرية. تماهت أنظمة الحكم
العربية تماهياً شبه كامل وشبه شامل مع
مؤسسة الدولة، بحيث لم تعد هناك مسافة
تذكر بين الدولة كمؤسسة اجتماعية
مستقلة وبين انظمة حكم ذات طابع أو
مرتكزات فئوية ضيقة، أو طائفية، أو
قبلية وأسرية؛ وكرس القطاع الأكبر من
موارد الدولة لصالح منظمات أمن النظام
وأدوات القمع المختلفة؛ وتقدمت الفئات
الحاكمة سريعاً، بعد تبني أنماط مشوهة
من الاقتصاد الليبرالي والنيو-
ليبرالي، لامتلاك ناصيتي السلطة
والثروة معاً. ما تشهده سورية اليوم هو طور ما بعد تغول
الدولة؛ طور الاضمحلال الحثيث لمؤسسة
الدولة ومقدراتها السياسية حتى في
نموذجها العربي المتأخر، حيث هيمنت
أنظمة الحكم على مؤسسة الدولة. عندما
يتم التخلي عن مجالس التشريع
المركزية، حتى تلك الواقعة تحت سيطرة
نظام الحكم؛ وتستبيح الدولة دم شعبها
بهذا المستوى والانتشار والتصميم الذي
تعيشه سورية منذ آذار/مارس الماضي؛
ويقوم النظام بانتهاك منهجي لحرمات
المجتمع القيمية والدينية؛ وتتخلى
الدولة/ نظام الحكم كلية عن واجباتها
في حماية مواطنيها، لتصبح الدولة
المصدر الأكبر لخوف المواطنين
وفقدانهم الأمن؛ ويلجأ الحاكم إلى
عصابات مسلحة، غير ذات صلة بأدنى
مستويات مؤسستي الجيش والأمن تنظيماً
وانضباطاً، لإيقاع الهزيمة بشعبه؛
وعندما تعتمد طرائق العصابات
الإجرامية من الاغتيال والاختطاف
لإعادة توكيد سيطرة وتحكم الدولة/ نظام
الحكم، تفقد الدولة الحديثة كل مبرر
لوجودها. ليست سورية في طريقها إلى الحرب الأهلية،
هي بالفعل في خضم هكذا حرب. فالصراع
الدائر حول مستقبل سورية، حول حرية
الشعب السوري وكرامته، لم يعد يدور بين
نظام حكم نجح في إخضاع الدولة كلية
لأهدافه، كما هي دولة الاستبداد
العربية المتغولة، وجماهير الشعب
السوري الثائرة. هذا صراع بين الشعب
وفئة إجرامية تلبست بلباس نظام الحكم
والدولة. ' كاتب وباحث عربي في التاريخ
الحديث ================= الخميس, 13 أكتوبر 2011 عبدالوهاب بدرخان * الحياة بعد جمعة «المجلس يمثلني» والشرعية التي
منحتها «تنسيقيات الثورة» للمجلس
الوطني السوري، قد تكون ارتسمت
الذريعة التي انتظرها النظام للانتقال
الى لعب أوراقه الاقليمية والسعي الى
التوتير تصديراً لأزمته في الخارج
واستدراجاً للقوى الدولية كي توقف ما
يعتقد ويقول إنها «مؤامرة» تديرها هذه
القوى ضدّه. شكل اغتيال المعارض الكردي مشعل تمّو
ايذاناً باستهداف جميع أعضاء المجلس
الوطني. وكشفت ردود فعل النظام، بما
فيها تهديد وليد المعلم بإجراءات
صارمة ضد الدول التي تعترف بالمجلس، أن
المعارضة استطاعت أخيراً أن توفر
للمجتمع الدولي اطاراً يمكن الاستناد
اليه والعمل معه سواء في مجال «تأمين
الحماية للمدنيين» أو لتقديم المساعدة
في جهوده من أجل تفكيك النظام تمهيداً
لإسقاطه. ليس في ذلك أي «مؤامرة» وانما تطوّر طبيعي
لانتفاضة بدأت في الداخل ولا تزال في
الداخل وكان لأخطاء النظام (وقد اعترف
بها) الدور الأكبر في تأجيجها. لا أحد
في المجلس أو خارجه يعتقد أن المهمة
سهلة، لكن السلطة ذهبت بعيداً وتستعد
للذهاب أبعد في استخدام العنف
اللاانساني وكان لا بدّ من الردّ عليها
إن لم يكن لردعها فأقلّه لموازنة
غلوّها. مرّة جديدة اغتنم الرئيس السوري لقاء مع
زوار من الخارج ليكرر ان لدى النظام
خطة لاصلاحات سياسية. قال ذلك منذ
منتصف نيسان (ابريل)، بعد مرور شهر على
الانتفاضة في محاضرته شبه الأكاديمية
لأعضاء الحكومة الجديدة، ثم في خطاب
الجامعة بنهاية حزيران (يونيو) لإعلان
إجراء «حوار وطني»، وكان آخر من سمعوا
منه عن «الاصلاحات» على التوالي
الامين العام للجامعة العربية فالموفد
الروسي فوفد البرازيل والهند وجنوب
افريقيا (أعضاء في مجلس الأمن) ثم
أخيراً وفد الدول الخمس الأميركية
اللاتينية فضلاً عن السياسيين
اللبنانيين الذين استدعوا الى دمشق...
ومع ذلك لم يرَ أحد أثراً لأي اصلاحات.
أصبح معروفاً أن أولوية النظام كسر
الانتفاضة واخمادها نهائياً ليرى
بعدئذ بأي اصلاحات يبدأ. وعلى رغم أن
حلفاء وأصدقاء، ومعارضين في الداخل
منهم حسن عبد العظيم في تصريح قبل
أيام، ذكّروه بأولوية وقف القتل وسحب
الجيش والأمن وميليشيات «الشبيحة» من
الشارع، إلا أنه منذ اليوم الأول يخشى
التظاهرات السلمية ويعتبرها أكثر
عدوانية من «العصابات المسلحة»، ولعله
رأى أخيراً في ظهور أسلحة مع أفراد
تطوراً «مريحاً» يدعم رواية «العصابات»
التي لم تجد من يصدّقها مثلها مثل
رواية «الاصلاحات». من الواضح أن النظام السوري استطاع حتى
الآن أن يستقوي بعدم وجود اطار ك «المجلس
الوطني» يمثل المعارضة، لذلك سيسعى
بكل الوسائل وبالأخص الاغتيالات
لتقويض هذا المجلس ونشاطه. لكنه، قبل
ذلك، حصل على دعم حيوي من خلال تعذّر
الاجماع داخل الجامعة العربية على
اعتماد اجراءات ضدّه، إسوة بما حصل مع
ليبيا، علماً أنه لم يُطرح عربياً أي
توجه لتسهيل تدخل دولي عسكري أو غير
عسكري. لكن مع وجود المجلس الوطني،
واحتمال اعتراف دول عربية به، يمكن
اختبار الجامعة في مسألة محددة هي
حماية المدنيين، واذا تخاذلت فإنها
ستعرّض شرعيتها لمجازفة تاريخية، اذ
تحمي نظاماً بات موصوماً عالمياً بعار
قتله شعبه. وكان اللاقرار واللاموقف
العربيان شكّلا قاعدة ل «الممانعة»
الروسية – الصينية، بالاضافة طبعاً
الى خسائر موسكو وبكين من سقوط نظام
القذافي. وهكذا أعطى «الفيتو» المزدوج
نظام دمشق دفعة استقواء أنعشته في
عزلته الدولية. أصبح موقناً بأن «صموده»
هو الذي يمكن روسيا والصين من التأسيس
ل «نظام دولي جديد» قائم على أنقاض
نظام قديم هيمنت عليه سياسات الغرب. أي
أنه لم يعد يواجه محتجّين بسطاء عزّلاً
في حمص وحماة وادلب وريف العاصمة لا
يكلّفونه أكثر من بضع رصاصات تطلق على
رؤوسهم وانما يتحدّى الولايات المتحدة
واوروبا اللتين نسجتا «المؤامرة» عليه
بسبب سياسته الممانعة والداعمة
للمقاومة، كما يقول. على قاعدة هذا الاستقواء المتجدد،
والتغطية الدولية التي تؤمنها دولتان
كبريان ومجموعة دول الاقتصادات
الناشئة والدول النيو-يسارية في
اميركا اللاتينية، واللاموقف العربي،
أصبح في امكان النظام السوري أن ينتقل
الى المرحلة التالية من أزمته، وكأنه
اجتاز الأولى بنجاح، بدليل أنه جرى
تعطيل مجلس الأمن الدولي تحديداً
بعدما أهرق كل هذا الدم وارتكب كل هذه
الفظاعات من دون أن تصاب «آلة القتل»
بأي أضرار جسيمة أو معطِّلة. الى
التصعيد، اذاً، للانتهاء من هذه
الانتفاضة، بالقتل كما دائماً،
ودائماً بالحديث عن اصلاحات آتية. يعتقد النظام أنه استطاع أن يقضي على «أداة
المؤامرة»، أي على الشعب، بعدما نشر
قواه في طول البلاد وعرضها لتكون جاهزة
للقتل. وبالتالي فما عليه الآن سوى أن
يستدير الى رأس «المؤامرة» ليجهز عليه.
الى الاقليم، اذاً، فثمة بعض الأوراق
التي لم يستخدمها بعد، ثمة الحلف مع
ايران الذي آن أوان تفعيله وترسانة «حزب
الله» في لبنان التي لم تكدّس أسلحتها
وصواريخها من أجل ايران فحسب بل أيضاً
لخدمة سورية النظام. وفجأة تخرج
التسريبات من طهران عما قاله الرئيس
السوري لوزير الخارجية التركي في
لقائهما الأخير، اذ هدد بإشعال
المنطقة بهجوم ثلاثي على اسرائيل.
وجاءت الصيغة مشابهة تماماً للتهديد
الذي أسمعه للراحل رفيق الحريري في
لقائهما الأخير قبل ستة شهور من
الاغتيال المدوّي. ثم يصدر، بالتزامن،
تهديد ايراني بالردّ على أي عقوبات أو
تحركات تركية ب «تأزيم» ثلاثي أيضاً
تشارك فيه سورية وايران والعراق، ما
يعني ضمناً اشعال المسألة الكردية.
ويترافق ذلك مع سعي ايراني الى تحريك
البيئة الشيعية في دول الخليج اذا
استشعرت طهران أنها على وشك أن تخسر
دعامتها الاستراتيجية الكبرى في سورية. بمعزل عن احتمالات الاقدام على هذه
التهديدات – خلال ست ساعات! - اذا كان
هدفها فعلاً تأمين حد أدنى من
استراتيجية البقاء للنظام السوري،
كذلك بمعزل عن استجابات ايران و «حزب
الله» اللذين قد يفضلان ادارة
خسارتهما على نحو مختلف، تشي تهديدات
كهذه ببلوغ النظام حالاً شمشونية لا
تتناسب مع الثقة البالغة التي يظهرها،
فهو يهدد ليحمل الأطراف الاقليمية
والدولية على المسارعة الى انقاذه قبل
أن يغرق. لكن فاته أنها كانت، بل لعلها
لا تزال، راغبة جميعاً في مساعدته لو
أوقف القتل والترهيب وطرح اصلاحات
حقيقية وباشر قيادة عملية الاصلاح،
وأساساً كانت هذه الشروط لمصلحته
أولاً قبل أن تكون لمساندة الشعب في
انتفاضته. ولا يقول الروس حالياً شيئاً
آخر، إلا أنهم زادوا اشتراط عدم التدخل
لكنهم يريدونه أن يبادر الى أي شيء
لئلا يبدون سلبيين فقط، خصوصاً أنهم
والصينيين ضمنوا لتوّهم خسارة الشعب
السوري الذي لن ينسى دعمهم إراقة دمه. لعل دمشق وطهران أرادتا بهذه التهديدات
ابلاغ من يلزم الى أي حدّ يمكن أن تمضيا
لضمان بقاء النظام، ولا شيء يضمن ذلك
حقاً، لكنهما أكدتا في الوقت نفسه الى
أي حد بات هذا النظام عاجزاً عن
التعامل مع الوضع الداخلي. فأي دولة
هذه التي تُغرق جيشها وأمنها في حرب
داخلية ضد شعبها ثم تخطط لتوريطه في
حرب خارجية تريد أن تخرج منها منتصرة
وظافرة بهذا النظام نفسه على رأسها؟ * كاتب وصحافي لبناني ================= نشر : 12/10/2011 ياسر أبو هلالة الغد الاردنية لم ينم الأوروبيون ليلتين؛ ليلة شطبهم
وليد المعلم من الخريطة، وليلة
تصريحات مفتي الجمهورية أحمد حسون
التي هدد فيها باستشهاديين سيضربون في
حال القيام بعمل عدواني ضد سورية. في النظام السوري لا تؤخذ الأمور هزلا، مع
أن التصريحين من قبيل المضحك المبكي.
فلا أحد في النظام الشمولي "يصرح على
كيفه". كل شيء يعبر عن فكر القائد
الأوحد الذي يُسجد له. وهو يوصل رسائل
من خلال مسؤوليه أو من خلال وسائل
إعلامه، وخصوصا الخاصة منها مثل "دنيا"
والمواقع الإلكترونية، فهي ليست أكثر
من فروع أمنية بمسميات إعلامية. السؤال: لماذا يسرق المفتي الذي كان يقوم
بجهود استشهادية في ترويج الإسلام
المعتدل جدا أمام الغربيين خطاب "القاعدة"
بنسخته العام 2002 متغافلا عن كون "القاعدة"
تغيرت خطابا وأداء في غضون الربيع
العربي؟ المفتي لا يفتينا لماذا تغيب "القاعدة"
عن المشهد السوري رغم الانهيار الأمني
الشامل. على بشاعة جرائم النظام، لم
نشهد تفجيرا مروعا على غرار ما شهدته
عواصم غربية وعربية خلال الشهور
المنصرمة من عمر الثورة السورية؟ تلك
المسيرات المؤيدة لبشار لماذا لا تفجر
فيها كبسولة ألعاب نارية؟ في عمان فجرت
"القاعدة" عرسا، وفي الصومال فجرت
حفل تخرج في كلية الطب، هل هو النجاح
الأمني الاستثنائي على مستوى العالم؟ يعرف المفتي أن "القاعدة" تغيرت
والنظام السوري لم يتغير. في الخطاب
الأخير لابن لادن، تبن للحراك السلمي
باعتباره أداة التغيير الأمضى. وفي
الممارسة تغيرت "القاعدة"، وهو ما
يمكن رصده في الواقع، سواء في اليمن أم
سورية وحتى العراق. في المقابل لم يتخل
النظام السوري عن سيرته الدموية حتى في
اغتيال ابن المفتي، فالنظام قد يكون
اغتاله أصالة أو وكالة. السلطة تريد أن تقول للمفتي الذي أظهر
تعاطفا علنيا مع أهل درعا في بداية
الثورة أن لا مجال للعب معنا، ستخسر كل
عائلتك؛ أو أنه حرك إحدى المجموعات
المخترقة، وما أكثرها! لتشويه الثورة
وتأليب المفتي عليها. في الحالين أذعن
المفتي وتقمص شخصية الجلاد ونطق
بلسانه. الطريف في شخصية المفتي الغارق ب"السلمية"
والاعتدال لدرجة مسفة، أنه اشترط حصول
العدوان قبل العمليات الاستشهادية.
وشطب من ذاكرة الشعب السوري أن الأحكام
العرفية فرضت بسبب العدوان القائم في
الجولان، فلماذا لم يتحرك
الاستشهاديون خلال العقود الأربعة
المنصرمة؟ العدوان هو تدخل المجتمع الدولي لحماية
الشعب السوري، أما وجود مليون نازح
مشرد من الجولان فهذا ليس عدوانا. في
أميركا وأوروبا لو تحرك المليون نازح
باتجاه قراهم المحتلة لن يعتبروا
إرهابيين. حتى لو قاتلوا المحتل
الإسرائيلي لا يعتبرون إرهابيين.
ولماذا يذهبون لأوروبا وقراهم على
مرمى حجر؟ عندما اغتالت إسرائيل المستشار العسكري
لبشار الأسد اللواء محمد سليمان،
واغتالت عماد مغنية وقصفت المشروع
النووي في دير الزور، ألم تكن معتدية
وتستحق أن يرسل لها استشهاديون؟ من
أربعة عقود والشعب السوري بانتظار
الرد بالتوقيت المناسب. وبحسب ماركس
يعيد التاريخ نفسه مرتين، مرة على شكل
مأساة ومرة على شكل ملهاة، والتهديدات
التي أطلقها المفتي لم نسمعها أول مرة..
هذه المرة ملهاة. ================= الأسد وتهديداته..
السعيد من اتعظ بغيره!! صالح القلاب الشرق الاوسط 13-10-2011 ربما أن بعض الذين عاشوا تلك الفترة من
بدايات ثمانينات القرن الماضي، 1983، ما
زالوا يذكرون أن اغتيال المعارض
الفلبيني العنيد بنينو أكينو، الذي
كان عائدا من الخارج إثر لجوء استمر
لأعوام طويلة، بعد نزوله من الطائرة
مباشرة في مطار مانيلا كان بداية نهاية
حكم فرديناند ماركوس الذي ما لبث أن
حمل حقائبه وولى هاربا وبقي يتنقل بين
دول العالم ورفضت حتى الولايات
المتحدة، مع أنه كان أكبر عملائها في
تلك المنطقة، استقباله وتأمين علاجه
في أحد مستشفياتها لأن مرض السرطان كان
قد بدأ يدمر جسده. بل أيام شاهد العالم كله، على شاشات
الفضائيات العربية والعالمية، جسد
المعارض السوري (الكردي) مشعل تمو
ممددا في منزل كان يختبئ فيه في مدينة
القامشلي والدم ينزف من زاوية فمه،
والمؤكد أن بعض الذين شاهدوا ذلك
المنظر المرعب، من الذين عاشوا أحداث
بدايات ثمانينات القرن الماضي، قد
رأوا في مخيلاتهم فورا صورة الرئيس
السوري بشار الأسد وهو يحمل حقائبه
وينتقل من مطار إلى مطار آخر وأبواب
الدول كلها تغلق في وجهه، كما حدث مع
فرديناند ماركوس، حتى بما في ذلك روسيا
ميدفيديف وبوتين التي نصبت نفسها
ومعها الصين محامي الشيطان وبقيت تعطل
أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي
لمساندة الثورة الشعبية السورية.
وأيضا فإن من تابع تهديدات كبار
المسؤولين السوريين وعنترياتهم،
وآخرها وليس أخيرها قول مفتي
الجمهورية السورية أحمد بدر الدين
حسون: «مع انطلاقة أول قذيفة على سوريا
أو لبنان فإن كل أبنائهما وبناتهما
سينطلقون ليكونوا استشهاديين على أرض
أوروبا وفلسطين.. أقولها لأوروبا
وأقولها لأميركا سنعد استشهاديين هم
الآن عندكم إن قصفتم سوريا أو قصفتم
لبنان»، لا بد أن يتذكر تهديدات صدام
حسين وتهديدات القذافي قبل أن ينتهيا
تلك النهاية المأساوية التي ستكون
نهاية بشار الأسد لا محالة إن هو بقي
يسبح ضد التيار ويتشبث بالحكم ويرفض
الاستجابة لمطالب شعبه. كان النظام السوري قد سرب معلومات جرى
نفيها لاحقا تتحدث عن أن بشار الأسد قد
أرسل إلى عمان أحد كبار معاونيه
الأمنيين آصف شوكت بتهديد بأن
الصواريخ السورية لن توفر أي مدينة من
المدن الأردنية إذا بدر عن الأردن أي
تعاطف مع المعارضة وإذا قدم أي تسهيلات
لأي عمل يستهدف سوريا، وكذلك فإن
المفترض أن الكل يعرف أن دمشق هي التي
تقف وراء النبأ الذي بثته وكالة أنباء
«فارس» الإيرانية ونسبته إلى «مسؤول
عربي كبير» والذي جاء فيه أن بشار
الأسد أبلغ وزير الخارجية التركي أحمد
داود أوغلو في زيارته الأخيرة لدمشق: «بأن
قوى عظمى كبيرة تدرك كل الإدراك أنه مع
أول صاروخ يسقط فوق دمشق لأي سبب كان
فإنه بعد ست ساعات من سقوط هذا الصاروخ
سيشتعل الشرق الأوسط وستسقط أنظمته». وحسب وكالة أنباء «فارس»، نقلا عن وكالة
غير معروفة اسمها «النخيل»، فإن
الرئيس بشار الأسد قد قال لوزير
الخارجية التركي خلال لقائه به في هذه
الزيارة الآنفة الذكر: «أريدك أن تنقل
هذه الرسالة بحرفيتها.. أنه إذا حصل أي
جنون تجاه دمشق فأنا لا أحتاج إلى أكثر
من ست ساعات لنقل مئات الصواريخ إلى
هضاب الجولان لإطلاقها على تل أبيب وفي
الوقت نفسه فإننا سنطلب من حزب الله
اللبناني فتح قوة نارية على إسرائيل لا
تتوقعها كل أجهزة الاستخبارات.. كل هذا
في الساعات الثلاث الأولى من الساعات
الست، أما في الساعات الثلاث الأخرى
فإن إيران ستتولى ضرب بوارج أميركية
ضخمة راسية في مياه الخليج فيما سيتحرك
الشيعة الخليجيون لضرب أهداف غربية
كبرى وقتل أميركيين وأوروبيين حول
العالم وهم، أي الشيعة، سيتحولون إلى
مجموعات فدائية انتحارية وسيخطفون
طائرات شرق أوسطية». كان على أركان النظام السوري قبل أن
يلجأوا إلى كل هذا التهديد والوعيد أن
يتذكروا أن صدام حسين كان قد هدد
الأميركيين والدول المتحالفة معهم
عشية غزو عام 2003 الذي أسقط نظامه بأن
مصالحهم في العالم كله ستتحول إلى
أهداف لبؤر نائمة ستتحرك مع أول طلقة
تطلق على العراق، ولكن عندما أخذت
القوات الغازية تجتاح العراق فإن أي
شيء لم يحدث، باستثناء عملية تفجير
صغيرة وقعت في أحد شوارع «أثينا»
الخلفية لم تسفر عن أية خسائر تذكر، لا
بالنسبة للمصالح الأميركية ولا
بالنسبة للمصالح اليونانية. كل الذين ذهبوا إلى العراق وهزوا قبضاتهم
وهددوا وتوعدوا بعدما قبضوا «كوبونات»
النفط لم يظهر منهم أي إنسان عندما
وقعت الواقعة، وهكذا فإن صدام حسين
الذي كان قد صدَّق كل ما كان يسمعه من
هؤلاء قد انتهى لأن تم القبض عليه في
تلك الحفرة الحقيرة التي قبض عليه
الأميركيون فيها وهو في تلك الحالة
المأساوية التي شاهدها العراقيون
وشاهدها العالم بأسره. وأيضا فإنه على أركان النظام السوري قبل
أن يلجأوا إلى كل هذا التهويل وإلى كل
هذه «الجعجعات» الفارغة أن يتذكروا أن
«الأخ قائد الثورة» معمر القذافي كان
قد توعد الثائرين عليه وكان توعد دول
حلف شمال الأطلسي بأن معه «الملايين»
وأنه ملك ملوك أفريقيا، وأن الشعوب
الأفريقية كلها ستزحف إلى جماهيريته
للقتال دفاعا عنه وعنها، وأن شعوب
أميركا اللاتينية ومعها كل «ثوار
العالم» سوف تحول الكرة الأرضية إلى
كتلة نارية ملتهبة وسوف تحرق الأرض من
تحت أقدام الأميركيين وتدمر مصالحهم
في كل مكان. لكن عندما بدأت الحقائق تتجسد على أرض
ليبيا وجد القذافي نفسه وحيدا ووجد أن
المرتزقة الأفارقة المساكين الذين تم
استقدامهم من الدول الأفريقية
المجاورة قد سارعوا إلى تسليم أنفسهم
للثائرين الزاحفين على المدن الليبية،
وأنه حتى كبار من تبقى من مساعديه قد
تخلوا عنه وفر بعضهم إلى الخارج، بينما
سارع بعضهم الآخر إلى الذهاب هرولة إلى
رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد
الجليل لقراءة سورة التوبة أمامه
وإعلان الولاء للعهد الجديد. ولهذا فإنه على الرئيس بشار الأسد أن يقرأ
التاريخ القريب، الذي لم يجف الحبر
الذي كتب به بعد، قراءة جيدة، وأن عليه
ألا يصدق كل ما يسمعه من مساعديه ومن
الذين ما زالوا يعتقدون أن كل هذا الذي
يجري في سوريا هو مجرد كبوة عابرة،
وكذلك فإن عليه أن يدرك أن الدول
مصالح، وأن إيران ستتخلى عنه وعن نظامه
إن هي استطاعت تأمين بعض مصالحها في
المنطقة، وهذا ينطبق أيضا على روسيا
وعلى الصين وعلى نوري المالكي الذي
تخلى عن اتهاماته السابقة لدمشق بأنها
وراء كل الإرهاب والعنف الذي ضرب
العراق وانحاز بتوجيهات وأوامر الولي
الفقيه السيد علي خامنئي إلى الحكومة
السورية. يجب أن يدرك الرئيس بشار الأسد، حتى لا
ينتهي إلى المصير الذي انتهى إليه صدام
حسين والذي انتهى إليه معمر القذافي،
أنه سيجد نفسه وحيدا ذات يوم قريب إن هو
بقي يتعلق بحبال الهواء ويصر على عدم
الاعتراف بالواقع، وإن هو بقي يعيش
أوهام أن السماء ستنطبق على الأرض إن
اقتربت الأخطار منه ومن نظامه، ولهذا
فإن الأفضل له أن يستجيب لرغبات شعبه
وأن يغادر طوعا قبل أن يحصل معه ما حصل
مع فرديناند ماركوس وشاه إيران ومع
صاحب شعار: «يا محلى النصر بعون الله»،
ومع الأخ قائد الثورة ملك ملوك أفريقيا
ما غيره!! ====================== الوثيقة المنسية (وثيقة
كامبل تبرمان) منير درويش نقلاً عن التيار القومي العربي
13/10/2011 لا ندري عدد السياسيين العرب الذين
اطلعوا على وثيقة كامبل أو أدركوا
مخاطرها في التأسيس للدور الاستعماري
والهيمنة الغربية على وطننا العربي
والدول الإسلامية منذ ما يزيد عن مئة
عام وحتى الآن . الوثيقة عبارة عن رسالة صاغها اللورد
هنري كامبل رئيس وزراء بريطانيا بين
عامي (1905 – 1908). وبعث بها إلى الجامعات
البريطانية والفرنسية لدراستها، وقد
أصدرتها هذه الجامعات عام 1907 تحت اسم (وثيقة
كامبل). وهي تتضمن خطة غربية (بريطانية)
تتيح للحضارة الغربية استمرار السيطرة
على العالم. وقد بقيت الوثيقة حبيسة
الأرشيف البريطاني، ولم يفرج عنها سوى
لمدة أسبوعين فقط ثم أعيد سحبها من
جديد ؛ خوفاً من آثارها المحتملة على
العلاقات البريطانية مع العالم ، لكن
كثيرا من المراكز البحثية والمواقع
اقتنصتها وعمّمتها. ترى الوثيقة : إن من واجب بريطانيا تقسيم
العالم إلى ثلاث مساحات ليسهل التعامل
معه. المساحة الأولى : هي المساحة الغربية التي
تنتمي إليها والتي عليها أن تبقي زمام
السيطرة على العالم بيدها. المساحة الثانية : هي المساحة الصفراء (
ربما كانت نسبة للعرق الأصفر) التي لا
ترى آنذاك أنها تنافس الحضارة الغربية
أو تتناقض معها ، بل يمكن غزوها
ثقافياً نظراً لهشاشة ثقافتها (حسب
الوثيقة) مع التعامل التجاري معها. المساحة الثالثة : المساحة الخضراء ،
وتدعي الوثيقة " أن اللون الأخضر هو
لون (الشر) في الثقافة الغربية . هذه
المساحة التي تحتوي على منظومة قيمية
ودينية منافسة للمنظومة الغربية
المسيحية التي صارعتها في مناطق كثيرة
وأخرجتها من بعضها ". وتؤكد الوثيقة على " أن من واجب الحضارة
الغربية أخذ الاحتياطات والإجراءات
لمنع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة
الثقافية أو إحدى دولها لأنها مهددة
للنظام القيمي الغربي، ولا بد من
التعامل معها وفق الإجراءات التالية : 1 - حرمان دولها من المعرفة والتقنية
وضبطها في حدود معينة . 2 – إيجاد أو تعزيز مشاكل حدودية متعلقة
بهذه الدول . 3 – تكوين أو دعم الأقليات بحيث لا يستقيم
النسيج الاجتماعي لهذه الدول، ويظل
مرهوناً بالمحيط الخارجي . إن المتابع للسياسة البريطانية ومجمل
السياسات الغربية فيما يتعلق بالوطن
العربي وبعض الدول الإسلامية منذ ذلك
التاريخ يجد أن هذه الوثيقة أسست لوعد
بلفور عام 1917 بمنح وطن قومي لليهود في
فلسطين، وأقامت دولة إسرائيل في قلب
الوطن العربي كجزء من منع وحدته وتقدمه
. كما أسست لاتفاقية سايكس – بيكو
بتقسيم الوطن العربي إلى مناطق نفوذ
بين بريطانيا وفرنسا وفرض الانتداب
والاحتلال عليها كما منحت إيطاليا حق
استعمار ليبيا ، وهي التي ساهمت
بفعالية في مقاومة نجاح أي مشروع نهضوي
عربي أو إسلامي . لقد تشكلت السياسة الأمريكية تجاه العرب
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية
على المبادئ الأساسية لهذه الوثيقة مع
الفارق بإحلال السيطرة الأمريكية محل
السيطرة الأوربية والاستعمار القديم
بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وهي التي دعت أيضاً صموئيل هنتنغتون
إلى عرض نظريته حول صراع الحضارات كنوع
من الصراع الديني بعد انتهاء الصراع مع
الاتحاد السوفييتي وكتلته الاشتراكية
.. هذه النظرية التي تبنتها الإدارات
الأمريكية المتعاقبة وخاصة إدارة جورج
بوش الابن.. لو توقفنا عند بنود الوثيقة نجد أن
السياسة الغربية عملت على مدى مئة عام
على تحقيق مضمون بنود هذه الوثيقة . فعلى صعيد المعرفة والتقنية ، بقي الوطن
العربي يعاني من ضعف هذه التقنية بعد
أن ساهمت شعوبه مساهمة فعالة في
الحضارة العالمية وزودتها بكم هائل من
المعارف والعلوم، صحيح أن شعوبنا
تتحمل مسؤولية التقصير إلا أن السياسة
الغربية كان لها دور رائد في هذا
المجال . ففي الوقت الذي سمحت فيه
لإسرائيل بامتلاك كل أنواع التقنية
وساعدتها في ذلك كما ساعدتها على
امتلاك السلاح النووي وهي الدولة
الوحيدة التي سمحت لها بذلك في نفس
الوقت واجهت مشروع عبد الناصر النهضوي
فيما يتعلق بوحدة العرب ونهضتهم كما
واجهت مشاريع التنمية التي توفر لمصر
بنية تحتية للتقدم حتى وجهت لها ضربة
موجعة في هزيمة حزيران عام 1967. كما
واجهت جميع المشاريع العلمية التي
حاول العراق امتلاكها إما بتخريب
المراكز العلمية وضربها كما فعلت
إسرائيل بضرب المفاعل النووي العراقي
في بدايته أو بتهديد العلماء وخطفهم
وقتلهم أو بإغراء بعضهم لهجر وطنه
واستمرت في ذلك حتى احتلاله عام 2003. وهي
ترفض على نحو قاطع محاولة إيران امتلاك
الطاقة النووية بحجة الخوف من تحولها
نحو السلاح النووي وكذلك تفعل مع سورية
التي توجه إليها الأنظار كي لا تبدأ
بأي مشروع يؤسس لامتلاكها الطاقة
النووية حتى لأبسط الخدمات . وسعت عن طريق السماسرة والوسطاء إلى
تجميد مؤسسة الإنتاج الحربي العربي
مقابل تزويد الدول المساهمة بالأسلحة
الجاهزة بأسعار خيالية . 2- شكلت اتفاقية سيكس – بيكو بين بريطانيا
وفرنسا الموقف الأشد استعمارية تجاه
الوطن العربي وقسمت دوله إلى مناطق
نفوذ واحتلال بينها ، وأجهضت مشروع
إقامة دولة عربية في سورية بعد نجاح
الثورة العربية عام 1916 رغم الوعود التي
كانت قد قطعتها للعرب وقابلتها
باحتلال الدول التي كانت تشكل نواة هذه
الدولة ولم تكتفي بذلك بل عززت التجزئة
ومتنت الحدود وتركت بعضها عرضة
للخلافات بين الدول العربية . أو بينها
وبين دول الجوار . 3 – على صعيد الأقليات ، بذلت السياسات
الغربية جهوداً لتشجيع الانقسامات
داخل المجتمعات العربية والمجتمعات
الإسلامية الأخرى . فشجعت الانقسامات
الطائفية والقومية في العراق لكن ثورة
1920 أثبتت فشل هذه المحاولات عندما واجه
الشعب العراقي بكل فئاته الاحتلال
البريطاني حتى الاستقلال . كما حاولت
فرنسا إبان احتلالها لسورية من إقامة
دويلات طائفية لكن الثورات السورية
التي شملت جميع مكونات الشعب واجهت
الاستعمار وكان رد الفعل الشعبي
التمسك بوحدته الوطنية ودولته الوطنية
الموحدة التي شكلت مركزاً رئيسياً
للدفاع عن المشروع القومي العربي . كما واجهت بقية الدول العربية مثل هذه
المحاولات وكذلك الدول الإسلامية
إيران وتركيا، لكن المحاولات بقيت
قائمة والفشل يلاحقها . نحن هنا لا نعيد كتابة التاريخ لكننا لا
نؤمن بالقول : " إن العربي لا يقرأ
إلا أننا أيضاً لا نتجاهل حقيقة أننا
أهملنا هذه الوثيقة ودورها . لقد أكد
عبد الناصر دوماً إن مواجهتنا
للمشاريع الاستعمارية هي دفاع عن
أنفسنا و شكل الدعم الذي قدمه الشعب
العربي في كل أقطاره لثورة الجزائر عام
1954، ومقاومة الأحلاف المشاريع
الاستعمارية الأساس لمواجهة بنود هذه
الوثيقة في محاولة أيضاً للدفاع عن
النفس لكنه بالمقابل كان يجب أن تدرس
هذه الوثيقة في كتب التاريخ كما درس
وعد بلفور واتفاقية سيكس – بيكو
وغيرها من المشاريع ، لأن دراستها لا
تجعلنا نفهم السياسة الأوربية تجاه
وطننا بل موقف السياسة الأمريكية في
هذه المنطقة وأهدافها منذ أن دخلت
كلاعب أساسي في السياسة الدولية وحتى
الآن . =============== جمعة مباركة د.محمد أحمد جميعان السبيل عدد 11/ 10/ 2011 كل جمعة تمرّ على الأمة هذه الأيام لها
طعم مختلف، ونكهة عبقة مميزة، لها بوح
لم نشهده من قبل على مدى أجيال عبرت،
وشهد كنا نحلم به ونتغنى له، وإذ به
حقيقة ماثلة أمام عيوننا وبين
ظهرانينا. قيل عنه ربيع ولكنه أكبر من ذلك، وقيل عنه
ثورة ولكنه أعظم من ذلك، إنّها باختصار
إرادة أمة تحمّلت وصبرت وتجسّدت في
توافق غير مبرمج في عمق العقل الباطن
وقواه الشبابية الشعبية. بعيدا عن
دكاكين المعارضات الديكورية المصطنعة
وعنعناتها الممجوجة، تحركت قواه وثارت
لتطيح بالظلم والظالمين ولتقطع دابر
الفاسدين وناهبي الأوطان وأذنابهم.. جمعة تحاكي جمعة، وجمعة تخاطب جمعة،
صعودا نحو تحقيق الهدف، ونزولا نحو
هاوية الظالم والفاسد والمستبد، من
جمعة البشرى إلى جمعة الحسم وما بينهما
من جمع التذكير والعتب والغضب، ولكنها
تذهب أدراج الرياح على حائط التجبر
والتكبّر والنهب، ليكون القدر في
انتظار التحرر والسقوط، ليرتفع معه
كابوس الظلم والطغيان.. جمعة الثوار الذين آمنوا بربهم، وازدادوا
إيمانا مع عمق أقدامهم واستعدادهم
للتضحية، في مشهد نبذوا فيه الزعامة
والعنتريات، وآثروا فيه طعم الحرية
والتواضع وتحقيق مرضاة الله وعزة
الأوطان.. نعم في كل جمعة ننتظر الجديد الذي يعيد
للأمة مجدها وعزّتها.. جمعة مباركة مكللة بالنصر دائما. ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |