ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تاريخ النشر: الإثنين 17 أكتوبر
2011 د.خالص جلبي الاتحاد يغلي العالم العربي اليوم كمرجل ولكن هل
سيصل إلى الحرية؟ دعونا نتفاءل
ولنستعد للأسوأ ولنقرأ صفحات التاريخ؟
فقد تحررت فيتنام من أميركا بتكلفة
ثلاثة ملايين قتيل ونيف، ولكن الهند
تحررت أيضاً من بريطانيا على يد غاندي
بأعداد لا تذكر. وهكذا فلكل شعب طريقته
في الخلاص، والفرق بين الجراح النطاسي
والفاشل هو في مقدار نزف المريض في
العملية الجراحية؛ فأما نجا أو مات
وهلك. وفي الحرب الأهلية اللبنانية مات مئة ألف
أو يزيدون ورجعوا إلى ما دون نقطة
الصفر. وتحررت أفغانستان من السوفييت
بمليون ونصف مليون قتيل وسبعة ملايين
ونصف مليون لاجئ ولكنها خرجت من جيب
السوفييت لتدخل جيب الأميركيين. وفي
العالم العربي زلزلت الأرض زلزالها
بانقلابات عسكرية تحت دعوى الحرية
والعدل والتخلص من الاستعمار و"أذنابه"
فلم تحصد الشعوب إلا استبداداً وفقراً
وذلاً، مما فجر الربيع العربي بثورة في
نصف درزن من الحكومات والحبل على
الغارب. وتحررت "البوسنة" شبه تحرر بعد شلال
من الدماء ومقتل مائتي ألف وفرار ثلاثة
ملايين، وفي اتفاقية "دايتون"
اعتبر "علي عزت بيجو فيتش" أن هذا
أفضل ما استطاع الوصول إليه. وإذا كانت
الثورة الإيرانية قد نجحت وتحررت من
قبضة الشاه و"السافاك" بمقتل
ثمانين ألفاً؛ فإن الحرب مع العراق
كلفت نصف مليون ولم تحقق أهدافها. إن الصعود يحتاج إلى طاقة ولكن الهبوط لا
يحتاج قط إلى ذلك. يكفي أن تتركه ليسقط
من تلقاء نفسه. إن غرائز الغابة ترجع
إلى الأرض، وإن الروح صعود إلى الأعلى
من حيث جاءت منه. وفي يوغسلافيا تخلصت صربيا من الطاغية
"ميلوسوفيتش" بدون انقلاب عسكري
وإعدامات ميدانية. ثم أصبح مكتوف
اليدين يحاكم في لاهاي ثم شهق فمات
هناك. وفي رومانيا قطعت رقبة التنين
"تشاوسيسكو" الذي كان يبني قصر
الشعب مزيناً بوابته ب 400 كج من الذهب
الخالص وهو ابن الإسكافي. وفي الثورة الفرنسية قطعت على المقصلة
رؤوس الطبقة الأرستقراطية تترى بدون
رحمة بمن فيهم العلماء مثل "لافوازيية"
أبو الكيمياء الحديثة و"كوندورسييه"
عالم الاجتماع الشهير. واستسلمت اليابان بدون قيد أو شرط بعد أن
ضربت بالسلاح النووي، ولم تحرر نفسها
هي وألمانيا بانقلاب عسكري محمول على
ظهور الدبابات في غبش الفجر أو بحرب
تحرير شعبية. وكلتا الدولتين اليوم
عملاقان اقتصاديان بدون سلاح وجيوش
جرارة. وإذا كانت ألمانيا واليابان قد صعدتا
بدون قوة فقد انهار الاتحاد السوفييتي
صريعاً على الجنب بدون هجوم خارجي مع
كل القوة، وهو يملك ثلاثين ألف رأس
نووي و40 مليون طن من الأسلحة
الكيمياوية بما يمكن أن يدمر الكرة
الأرضية خمس مرات. فكلها دروس من
التاريخ الحديث لمن كان له قلب أو ألقى
السمع وهو شهيد. وفي العالم العربي قد تشتري دولة أسلحة
متطورة بقيمة تزيد عن مليار دولار بما
لا تستطيع استخدامه و صيانته فضلاً عن
تطويره، لتتحول بعد عقد من السنوات "خردة"
لا فائدة منها. ولكن، ترى ماهي الحرية تحديداً وما هو
التحرر؟ إن هذه المشكلة الإنسانية جاء
من أجلها الأنبياء وقام بتفكيكها
الفلاسفة. إن الحرية هي ثلاث حريات:
التخلص من استعمار خارجي. والتخلص من
طاغية داخلي. وقبل هذا الحرية من
الاستعداد للذل في أي شكل. أي التخلص من
القابلية للعبودية. وهي تتدرج من
الأسهل إلى الأصعب. فأسهلها محاربة
العدو الخارجي وأصعبها التخلص من
الديكتاتورية الداخلية، وأعقدها هي
ولادة الإنسان الجديد محرراً من
علاقات القوة غير العادلة. ================= القراءة السورية للفيتو
المزدوج... خيرالله خيرالله الرأي العام 17-10-2011 هل هناك سياسة اسمها الهروب المستمر الى
امام؟ من يتمعن في تصرفات النظام
السوري يكتشف أنه الهروب المستمر إلى
امام يمكن ان يتحوّل سياسة تمارس يوميا
بل في كل ساعة. ولكن هل يمكن لسياسة من
هذا النوع انقاذ النظام، ام المطلوب
التفكير بطريقة مختلفة تصب في انقاذ
سورية لا اكثر ولا اقلّ، أليس من بديل
للهروب الى امام، بديل يقود الى مصالحة
مع الشعب السوري عبر فترة انتقالية
تضمن الانتهاء من النظام بطريقة توفر
على البلد الكثير من المآسي والدم
وتحافظ في الوقت ذاته على وحدته؟ ما نشهده هذه الايام على الصعيد السوري
عبارة عن تعبير، لا اوضح منه، عن عقم
سياسي ليس بعده عقم. يظلّ الخوف كلّ
الخوف متمثّلا في ان تؤدي السياسة
المتبعة الى تفاقم للازمة الداخلية
يهدد مستقبل هذا البلد العربي الذي
يعاني منذ استقلاله من مشكلة عضوية
حقيقية عائدة كونه لم يستطع يوما العيش
كدولة طبيعية في المنطقة. لو لم يكن الامر كذلك، لما كانت سورية
مسرحا للانقلاب العسكري الاوّل، الذي
مهّد لمسلسل الانقلابات البائسة التي
شهدها العالم العربي بعد الحرب
العالمية الثانية. كان الانقلاب الذي
قاده حسني الزعيم في العام 1949 ايذانا
ببدء عملية تخريب للحياة السياسية
السورية من جهة وتحولات سلبية في
المنطقة كلها من جهة اخرى. على سبيل المثال وليس الحصر، لم يعرف
العراق يوما ابيض منذ الانقلاب
العسكري الذي نفّذته مجموعة من الجهلة
في الرابع عشر من يوليو 1958. اسس الجهل
لنظام لا يؤمن الاّ بالدموية، نظام قضى
في البداية على افراد الاسرة الهاشمية
وانتهى، عن طريق «البعث»، بتخريب
النسيج الاجتماعي في بلد مثل العراق
عرف عبر التاريخ بالتعايش الإيجابي
بين القوميات والطوائف والمذاهب
المختلفة بعيدا عن اي نوع من العقد. في العام 1958، هربت سورية الى الوحدة مع
مصر. كانت وحدة مصطنعة لا اساس علميا
لها. كانت شعارات من دون مضمون. في ظلّ
الشعارات، كانت الاجهزة الامنية صاحبة
الكلمة الاولى والاخيرة في سورية.
تخلّص السوريون من الوحدة في العام 1961
ليقعوا في براثن «البعث» في العام 1963.
بدأ «البعث» مدنيا، اقلّه ظاهرا،
وانتهى مجموعة من الاجهزة الامنية
والميليشيات التابعة لها تتحكم بها
عائلة استطاعت توريث السلطة المطلقة
الى احد الابناء وهو امر لم يحدث قبل
ذلك الاّ في كوريا الشمالية عندما خلف
كيم جونغ ايل والده كيم ايل سونغ في
العام 1994! في اقلّ من اسبوعين، مرت سورية بسلسلة من
الاحداث التي تكشف ضعف النظام وعجزه عن
التعاطي مع الواقع. ربما كان بين اهم
تلك الاحداث الفيتو المشترك الروسي-
الصيني في مجلس الامن. لا يعبّرالفيتو
سوى عن قصور لدى الروس والصينيين في
فهم ما يدور داخل هذا البلد من جهة
والخوف من فقدان مواقع معينة لمصلحة
الاميركيين والاوروبيين من جهة اخرى.
لا شكّ ان النظام السوري سيسيء فهم
معنى الفيتو ولن يقرأ الاستدراك
الروسي اللاحق له، تماما مثلما لم
يستوعب معنى القرار 1559 الصادر عن مجلس
الامن في العام 2004 واصرّ على تمديد
ولاية الرئيس اللبناني اميل لحود
وقتذاك. جرّ ذلك الويلات على سورية
ولبنان في الوقت ذاته. وقتذاك، اعتبر
نائب الرئيس السوري السيد فاروق الشرع
ان سورية غير معنية بالقرار 1559، الى ان
انتهى بها الامر الى سحب قواتها من
لبنان تنفيذا للقرار ولكن بعد ارتكاب
جريمة العصر المتمثلة في اغتيال
الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في الرابع
عشر من فبراير 2005. هناك في دمشق من لا
يزال يعتبر ان النظام السوري دفع ثمن
الجريمة بمجرد انسحابه من لبنان
عسكريا... ما قد يكون اهمّ من الفيتو والعجز عن
الاستفادة منه ومن الكلام الصادر عن
الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، في
شأن تنفيذ الاصلاحات او رحيل النظام،
اغتيال المعارض الكردي مشعل تمو في
القامشلي. هل كان اغتيال هذه الشخصية
المهمة تعبيرا عن قراءة خاصة للنظام
السوري للفيتو الروسي- الصيني، اي انه
يوفّر رخصة تسمح بالقتل صادرة عن اعلى
سلطة دولية هي مجلس الامن التابع للامم
المتحدة؟ كان يمكن الاعتقاد ان النظام السوري
سيلتقط انفاسه بعد الفيتو ويعيد النظر
في استراتيجيته والتفكير في مخرج محدد.
يستند المخرج الى فترة انتقالية تنتهي
بتسليم السلطة الى حكومة وحدة وطنية
تتولى الاعلان عن نهاية النظام. لم
يحدث شيء من ذلك. كلّ ما في الامر انه
نجح في تجييش الاكراد ضدّه. فالاكراد
الذين اتخذوا في الشهور السبعة
الاخيرة موقفا متذبذبا من الثورة
الشعبية في سورية، سينضمون جميعا لها
في ضوء اغتيال مشعل تمّو. كانت لدى
الاكراد السوريين في الماضي حسابات
خاصة بهم جعلتهم يترددون في اتخاذ موقف
حاسم من الثورة. مصدر التذبذب والتردد
الكرديين عدم وقوف السوريين العرب
معهم في العام 2004 عندما انتفضوا على
النظام. تبدّلت الامور الآن نتيجة
عملية الهروب المستمرة الى امام التي
تعني بين ما تعني تغطية جريمة باخرى
اكبر منها. مرة اخرى، منذ متى كان الهروب الى امام
سياسة؟ لا شكّ ان الهروب الى امام الذي يشمل، بين
ما يشمل، التعاطي مع اسخف السياسيين
اللبنانيين، بحثا عن غطاء سنّي لنظام
يبحث عن مثل هذا النوع من التغطية،
يمكن ان يكون مفيدا لاولئك الباحثين عن
دور. ولكن بالنسبة الى النظام، يبدو
الامر تعبيرا عن إفلاس ليس بعده افلاس! خيرالله خيرالله كاتب لبناني مقيم في لندن ================= لا عدالة من دون
ديموقراطية ولا ديموقراطية من دون
عدالة المحامي ميشال شماس دمشق المستقبل 17-10-2011 لم يعد يقتصر دور القضاء اليوم على
المعالجات القانونية الصرفة كحل
النزاعات وإيقاع العقاب بمرتكبي
الجرائم أو تقرير البراءة ،بل أصبح له
دور مجتمعي يتمثل بحفظ الاستقرار
والسلم الاجتماعي وامتصاص التوترات
المجتمعية التي يمكن أن تحدث نتيجة عدم
إيجاد حلول جدية للمشاكل الاقتصادية
والاجتماعية ولاسيما مشكلة الفساد
والتضييق على حريات الناس. فلو أخذنا
على سبيل المثال لا الحصر إشكالية
الاستثمارات في سورية فإن القاضي
مطالب من جهة بمراعاة الجانب
الاجتماعي، حيث يتحتم عليه الوقوف
بجانب الطرف الضعيف ألا وهو العامل،
وفي المقابل عليه أن يحرص على ضمان
حقوق المستثمرين، على اعتبار أن لا
تنمية مستديمة في غياب اقتصاد قوي. إن السلطة القضائية المنوط بها وحدها
تحقيق أمر العدالة، لا يمكنها أن تحقق
هذا الهدف إلا إذا ما عقد النظام
القائم مصالحة حقيقية بينه وبين
مواطنيه، وجعل من المواطن أساس كل
التعاقدات الاجتماعية والسياسية،
ومفهوم العدالة لا يخرج عن هذا الإطار
بل يكرسه. يقول الفليسوف الألماني
إيمانويل كانط: (تعتبر العدالة الإنسان
الأساس المحوري لأي تنمية مستديمة
باعتباره كائناً مستقلاً قادراً على
أن يحدد بنفسه القانون الذي يجب أن
يخضع له وفكرة " سلطان الإرادة"
مستبطنة من عمق مفهوم العدالة، غير أنه
لا يمكن للإنسان أن يطمئن إلى جهاز
عدالة إلا إذا كان هذا الجهاز يقرُّ له
فعلياً حق المساواة بين الفقير والغني
صاحب السلطة ومفتقدها، العالم
بالقانون والجاهل به(. وبعبارة أوضح
وأدق أن تحفظ هذا العدالة كرامة
الإنسان باعتبارها تشكل الدافع
الأساسي لتقدم وازدهار العدالة وفق ما
قاله الفيلسوف الفرنسي جوزيف برودون. إن حرية الإنسان وكرامته ومحبته وسلامه
وعدله وتسامحه شكلت محور الرسائل
السماوية، بصفتها أعظم هبة من الله
منحها لجميع بني البشر بصرف النظر عن
دينهم أو جنسهم أو عرقهم، هبة منحها
الله للإنسان ليس باعتباره مسيحياً أو
مسلماً أو يهودياً أو صابئاً أو
هندوسياً أو بوذياً أو وثنياً..إلخ، بل
باعتباره إنساناً. وجاءت المواثيق والعهود والاتفاقيات
الدولية لتكرس أيضاً وأيضاً حرية
الإنسان وكرامته في ممارسة حقوقه
العامة بحرية دون إكراه، فالإعلان
العالمي لحقوق الإنسان نص في ( المادة-
18): ": " لكل شخص حق في حرية الفكر
والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق
حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته
في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد
وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم،
بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو
على حدة". في هذا الزمن وكل الأزمنة يقاس تطور الدول
بمدى سيادة القانون واستقلال قضائها،
على اعتبار ان الدولة في المجتمعات
الحديثة تخضع للقانون، "فلا يمكن أن
تقوم سيادة القانون أو تتحقق إلا حيث
يكون الإقرار بحقوق الإنسان واحترامها
متوافراً على أكمل وجه، وإنه لأمر
جوهري أن يحمي هذه الحقوق نظام قانوني،
حتى لا يكون المرء مضطراً في النهاية
إلى الثورة ضد الطغيان والظلم ."
رئيس مجلس شورى الدولة الفرنسي السابق
رينيه كاسان. في دولة القانون، تقتصر سلطة الدولة على
حماية المواطنين من الممارسة التعسفية
للسلطة. في دولة القانون يتمتع
المواطنون بالحريات المدنية قانونيا
ويمكنهم استخدامها في المحاكم. ولا
يمكن لبلد أن تكون فيه حرية ولا
ديمقراطية بدون أن يكون فيه أولاً دولة
قانون. وأن حقوق الإنسان لا يمكنها أن
تترسخ في دولنا ومجتمعاتنا إلا إذا ما
ضمنا لقضائنا وقضاتنا الحرمة
والفعالية. ================= مع السفير السوري في
مراجعة الاتفاقات نايلة تويني النهار 17-10-2011 عندما يتحدث المدير العام لقوى الامن
الداخلي اللواء اشرف ريفي عن عمليات
خطف في عاليه او في الضاحية الجنوبية
او في مناطق اخرى، فهو يتحدث بمنطق
العارف وبمنطق المسؤول، وهو يدرك
تماما حجم ما يقول ومترتباته، اذ انه
بحسه الامني يدرك جيدا ان سوريا
بأجهزتها الناشطة امنيا وديبلوماسيا (لا
فرق) ستردّ على الاتهام وستعمل على
التضييق عليه اكثر، أملاً في ازاحته.
وهو تحدث في لجنة حقوق الانسان
النيابية امام نواب من "حزب الله"
وقوى 8 آذار من غير ان يساوم، اذ قال ان
السيارة التي خطفت جوزف صادر دخلت
الضاحية الجنوبية حيث لا امكان لقوى
الأمن اللبنانية الشرعية أن تتابع
عملها الاستقصائي. اللواء ريفي في هذا المكان تحديدا مثال،
بل نموذج لمسؤول امني لم يتراجع ولم
يتهيب الموقف عندما تخاذل بعض قوى 14
اذار او انكفأ. وعلى رغم ما عاناه من
تهجم ومحاولات تضييق، ظل يقوم بواجبه
العسكري ويجهر بالحقيقة في زمن تعمية
الحقائق حفاظاً على الرؤوس والمواقع.
واذا كان ضروريا إنصاف الرجل الان
ومستقبلا، فان الملف الاهم هو مضمون ما
تحدث عنه اللواء ريفي. اتهم السفارة السورية بخطف مواطنيها في
لبنان على ايدي امنيين لبنانيين
يعملون في رفقة السفير علي عبدالكريم
علي. واذ رد الاخير نافيا، دعا الى
مراجعة الاتفاقات المعقودة بين
البلدين في ضوء ما سماه التهريب
والتحريض، كما دعا الى تقديم ادلة صارت
في عهدة القضاء الذي نخاله لن يجرؤ على
التحقيق في الملف كما لجنة حقوق
الانسان التي قد لا تعود الى الانعقاد. ان يأتي طلب مراجعة الاتفاقات من السفير
السوري فرصةٌ على لبنان ان يلتقطها،
لانها خطوة ضرورية اليوم او غدا، ومن
الممكن تأجيلها نظراً الى الظروف التي
تمر بها سوريا، لئلا يقال ان لبنان
يستغل الاوضاع المتردية لحكم ال
الاسد، فيمضي مع المجتمع الدولي في
التضييق عليه. لذا يمكن تأجيل الموضوع
الى حين، من دون تفويت الفرصة، انْ مع
النظام الحالي أم مع اي نظام آخر يخلفه. وننتقل الى ما تحدث به السفير علي، اي
التهريب والتحريض. فالتهريب، وخصوصا
تهريب السلاح، مضر بلبنان اكثر منه
بسوريا، لان دمشق وحدها معبر السلاح
غير الشرعي الى لبنان، وهو السلاح الذي
يرتد عليها اليوم ويصدّر الى اراضيها.
التنظيمات المؤيدة للحكم السوري لا
يمكنها استيراد السلاح عبر اسرائيل
ولا عبر البحر، المراقَب منذ القرار
1701. اذا فمن مصلحة لبنان ضبط حدوده لمنع
تصدير فتح الاسلام والسلاح الايراني
اليه، كنموذجين لانتهاك الحدود
والاتفاقات معا. اما التحريض، فحدث عنه ولا حرج، عبر
الاعلام السوري والمسؤولين السوريين
في أعلى المستويات. وهل ينسى الرئيس
السنيورة الاهانات التي اصابته
والتحريض عليه وهو رئيس لحكومة لبنان؟
وهل ينسى النائب وليد جنبلاط كيف تعامل
معه الاعلام السوري عندما انتفض على
وصاية مذلة؟ وهل نفتح ارشيف جبران
تويني لنستمع الى الصفات والنعوت التي
أطلقت عليه؟ وهل نسمع رأي وليد المعلم
في المحكمة التي انما انشئت لتحقق
العدالة؟ اليس كل الكلام السوري
تحريضاً بتحريض؟ من يحاسب؟ لا يقولن احد من المتملقين والعملاء إننا
نستغل الوضع السوري الدقيق، بل الضعيف
(وان يكن السفير علي قال ان سوريا اليوم
اقوى)، فخطابنا لم يتبدل، ولن يتلون،
ولم يكن هدفنا المكاسب من التقرب منه
او العمل لاسقاطه، ما هدفنا اليه دوماً
هو تحقيق الاستقلال والسيادة والحرية
للبناننا. لذا نؤيد دعوة السفير السوري
الى اعادة النظر في الاتفاقات بين
البلدين. ================= معن البياري الدستور 17-10-2011 لافتٌ أَنَّ كثيرين ممن يُناصرون النظام
السوري، بينَنا في الأُردن، حقوقيون
،من أَهل القانون والعاملين في
المحاماة، وبينهم وجوهٌ وازنة في هذا
السلك المرموق، وكان منهم أَعضاءُ
الوفدِ الذي استقبله، قبل أَيام،
الرئيس بشار الأَسد في دمشق، وكان هناك
لإِسنادِ سورية في مواجهةِ «المؤامرة»
التي تتعرَّضُ لها، وترأَسَه وزير
العدل السابق ونقيبُ المحامين القديم
والحقوقيُّ العتيد حسين مجلي. ومما يعنيه هذا الأَمر أَنَّ هؤلاءِ، كما
غيرُهم من مؤيدي نظام الأَسدِ،
يعتنقون روايةَ السلطةِ الحاكمةِ في
دمشق عن عصاباتٍ مسلحةٍ وإِرهابيةٍ هي
التي تقتل العساكر والمدنيين، فيما لا
مسؤوليةَ لرصاص قوى الأَمن وقذائفِ
الجيش في ذلك، وأَنَّ الجاري هناك ليس
ثورةً أَو انتفاضةً شعبية، بل وقائع
مؤامرة خارجيةٍ كبرى تُواجهها سورية،
لجرِّها من ضفَّةِ المقاومة والممانعة
إِلى ضفَّةِ الارتهان للمشروع
الأَميركي والإِسرائيلي في المنطقة.
ولأَنَّ المشتغلين بالقانونِ
وحمايتِه معنيون، قبل غيرِهم ربما،
بالحقائقِ والقبضِ عليها، قبل إِصدارِ
حكمٍ أَو اجتهادٍ في القضايا التي
ينظرونها، فإِنَّ المرءَ يُدهِشه
أَنَّ محبي نظام عائلة الأَسد من هؤلاء
توصلوا إِلى تبرئتهم أَجهزة الأَمن
وميليشياتِ الشَّبيحةِ التابعة
للسلطة والجيش من أَيِّ مسؤولياتٍ
بشأن القتل اليومي الجاري هناك، من دون
أَيِّ جهدٍ أَعملوه للتيقن من ذلك.
وإِذا كان منهم من يستندُ في قناعتِه
بوجودِ تلك العصابات إِلى مروياتِ
الذين يُؤتى بهم إِلى شاشةِ التلفزيون
السوري، فذلك أَدعى إِلى أَرطالٍ
مضاعفةٍ من الدهشة، فلا نظنُّ أَنَّ
أَياً من أَهل القانون والمحاماة
يأْخذُ بمثل هذه الصنفِ من إِطلالاتِ
الشهودِ في أَيِّ قضية. قبل هذا وبعدَه، ثمَّة بديهيّةُ أَنَّ
إِقامةَ العدل والحق وتيسير حريّات
الناس وعدم الجور عليهم من أُولى
المبادئِ التي يتمثلها أَهلِ القانون
في عملهم محامين أو قضاة أو مدّعين.
ولهذا، فإنها مشكلةٌ كبرى أن يتعامى
المتحدَّث عنهم في هذه السطور عن
الاستبداد الظاهر والمديد وزجِّ آلاف
السوريين، ومئاتِ الأُردنيين
والفلسطينيين، في السجون، بتهمٍ غير
مثبتة، وكاريكاتوريةٍ، أَحياناً، من
قبيل إِضعاف نفسيّة الأُمة، ويكون
طيِّباً من أَصحابِنا هؤلاءِ لو
يدلّونا على كيفيّات اختبار هذه
التهمةِ والتثبُّت منها. هذه
البديهيّة أَجدى بأَنْ تكون الهاديةَ
في إِبداءِ حكمٍ على نظام دمشق، قبل
أَنْ يهبَّ مئات آلافِ السوريين في
الثورةِ الراهنة ضده، فما بالُهم، أَو
بالُنا جميعاً، وانتهاكُ الحريّات
واستباحةِ حياة الناس في مدنٍ وقرىً
وبلداتٍ عدّة هناك سلوكٌ يوميٌّ
للسلطةِ في هذا البلد الذي يُفترضُ
أَنْ يعنينا ناسُه قبل حكّامهِ أَياً
كانوا ومن أَيِّ طينةٍ قوميةٍ أَو
وطنيةٍ نسبوها إِلى أَنفسِهم
للاستحواذِ على السلطة، ونظنُّ أَن مشهد القتل والتقتيلِ
واستسهال إِطلاق الرصاص والقذائف،
ومعه المشهدُ المتدحرج لمواجهاتٍ
عسكريةٍ مع منشقين من الجيش، أَولى
بإِنعام النظر فيهما من التنظيرِ
إِياه، عن سورية العروبةِ والمقاومةِ
الأَجدى بحمايتِها من أَيِّ تآمر،
وهذا إِنشاءٌ شديدُ الرداءَةِ في
وقعِهِ على السوريين أَنفسِهم. ويجهر
محبون للنظام، بهذا الكلامَ في ضربٍ من
التشبيحِ، يضمُّ من لا يعتنقُه بين
جماعةِ أَميركا وإِسرائيل. وما يُؤسى
له أنَّ كتاباً وأُدباءَ ومحامين، في
بلادِنا، يُشيعونه، لنرعوي عندما
نسمعُه، ونستسلمَ لوجوبِ القائدِ
الأَسد الضرورة في سورية. ================= عبد الحميد المجالي Almajali.abdalhameed@yahoo.com الرأي الاردنية 17-10-2011 ربما فوجئت اسرائيل بما حدث في سوريا،
لانها لم تتوقع تمردا شعبيا على نظام
يمسك بزمام السلطة منذ اربعين عاما
بتركيبة سلطوية معقدة يستطيع من
خلالها ضمان سيطرته المطلقة. ويتعمد المسؤولون الاسرائيليون ان لا
يتحدثوا كثيرا في العلن عما يجري في
سوريا، لكن صمتهم الجزئي يخفي وراءه
حركة نشطة في دوائر صنع القرار حول
طبيعة الموقف الذي يجب اتخاذه ازاء
الحالة السورية، التي تفرض تحديات
استراتيجية وامنية ربما اعمق مما هو في
حالة مصر او تونس وليبيا. فسوريا دولة
لصيقة باسرائيل، ولا تزال في حالة نزاع
معها، كما انها تتمتع بحساسية دقيقة في
الاقليم. ورغم العداء العلني بين سوريا واسرائيل،
فان النقاش في اسرائيل لم يكن حاسما
بشان تداعيات سقوط النظام السوري او
بقائه، نظرا لان تغيير النظام في سوريا
يحمل معه بالنسبة لاسرائيل كثيرا من
الايجابيات، كما يحمل معه كثيرا من
المخاطر. وبين الايجابيات والمخاطر،
انقسم المحللون في اسرائيل حول ما يجب
ان يكون عليه الموقف الاسرائيلي من
الازمة السورية. فالراي الذي يعارض
اسقاط النظام يقول، ان اسرائيل تعرف
كيف تتعامل مع المسؤولين السوريين
الموجودين في دمشق، ولكنها لا تعرف كيف
ستتعامل مع نظام المستقبل. وفي هذا
الصدد، فان اسئلة عديدة تثقل كاهل
المسؤولين الاسرائيليين ومنها، ما هو
مصير العلاقة مع سوريا المستقبل ان
تغير النظام؟ وما هو شكل وطبيعة النظام
البديل، وماذا سيكون موقفه من
اسرائيل؟ ومن هي الجهة التي سيكون في
حوزتها ترسانات الاسلحة الصاروخية بما
فيها الكيماوية الموجودة حاليا في
سوريا؟وهل ستلتزم هذه الجهة بمعادلات
معينة في استخدامها لا يزال النظام
الحالي متمسكا بها؟ وبالاضافة الى
ذلك، فمن يضمن ان تكون الفوضى المتوقعة
بعد سقوط النظام تصب في مصلحة اسرائيل،
ثم من سيقود العناصر الاساسية في هذه
الفوضى وخاصة من الدول الاقليمية
الناشطة؟. اما الرأي الآخر فانه يؤكد على ان اسقاط
النظام السوري سيؤدي الى كسر حلقة
رئيسية في قوس النفوذ الايراني، كما
سيغلق طرق الامداد العسكري والسياسي
لحزب الله الذي سيصبح محاصرا في محيط
يتحالف فيه سنة سوريا مع سنة لبنان،
فيما ستتشرد حركة حماس بحثا عن عاصمة
اخرى تأوي قيادتها، وكل ذلك سيحقق
مكاسب امنية وسياسية لاسرائيل على
المديين القريب والبعيد. وخلال الشهور الماضية ظل الجدل محتدما
بين اصحاب هذين الرأيين. وخرج هذا
الجدل الى وسائل الاعلام الاسرائيلية
التي ساهمت هي الاخرى في عدم الوصول
الى موقف اسرائيلي حاسم، وهو ما يفسر
ايضا تردد الولايات المتحدة في اتخاذ
موقف واضح وصريح من النظام السوري، على
غرار المواقف التي اتخذتها ازاء
النظامين المصري والليبي، وخاصة حين
تدخلت بقوة لكي تتخذ الجامعة العربية
قرارا يدعو مجلس الامن لاتخاذ قرار
لحماية المدنيين الليبيين،وهو القرار
الذي فتح الباب لتدخل الناتو. حالة الارباك والحيرة ازاء التطورات في
سوريا هي التي تسيطر على صانع القرار
الاسرائيلي، ومما يضاعف من هذه الحالة
هو عدم التحكم في مسار هذه التطورات من
قبل جهة دولية او اقليمية مأمونة.
وبسبب عدم اليقين بشان المستقبل، فان
الاكثر رواجا الان في اسرائيل،هو
تفضيل عدم سقوط النظام، شرط ان يصبح
اكثر ضعفا مما كان عليه. ================= صبحي حديدي 2011-10-16 القدس العربي انقضت الآن خمسة
أسابيع على اعتقال المحللة النفسية
السورية رفاه توفيق ناشد (66 سنة)، بعد
قيام مخابرات القوى الجوية باختطافها
من مطار دمشق وهي تزمع السفر إلى
باريس؛ ثمّ إنكار وجودها لدى أيّ جهاز
أمن أو شرطة، قبل الإقرار بأنها نزيلة
سجن النساء في دوما. القضاء السوري،
وجرياً على مألوف ما يتلقاه من تعليمات
عليا، رفض الإفراج عن ناشد بكفالة
مالية، وأبقى عليها قيد الاحتجاز
ريثما تفرغ السلطات الأمنية من تدبيج
سلسلة الاتهامات المعتادة: التحريض
على التظاهر، إضعاف الشعور القومي،
ثمّ لكي لا تغيب المفارقة عن التلفيق،
وتتأكد المسخرة التسبب في وهن... نفسية
الأمة، بالنظر إلى أنّ علم النفس هو
اختصاص ناشد! والحال أنه لا يُعرف عن هذه السيدة أي
انتماء سياسي، وهي ليست ناشطة في أيّ
تجمّع ثقافي أو أكاديمي له صبغة
معارضة، كما أنها في حدود ما أعلم
شخصياً لم توقّع على أيّ من بيانات
المثقفين السوريين التي طالبت
بالإصلاح، خاصة تلك التي صدرت بعد
توريث بشار الأسد. هذه السيدة انخرطت،
فور تخرّجها من جامعة باريس السابعة،
سنة 1985، في ميدان اختصاصها المهني،
فمارست العلاج النفسي في مدينة حلب،
مسقط رأسها، ثمّ في العاصمة دمشق
بعدئذ، سواء في المشافي الحكومية أو في
عيادتها الخاصة. وهي من روّاد، التحليل
النفسي في سورية، ولها الفضل في تأسيس 'مدرسة
دمشق للتحليل النفسي'، وعقد مؤتمر
مشهود حول علم النفس كان الأوّل من
نوعه في تاريخ سورية الحديث. أمّا 'الجريمة' التي رأى النظام أنّ ناشد
قد ارتكبتها، واستحقت عليها الخطف من
المطار والزجّ في زنزانة واحدة مع
القاتلات ومهربات الحشيش والجانيات
المحترفات، فهي أنها سعت إلى استخدام
علومها من أجل لمّ شمل بنات وأبناء
وطنها، وتشجيعهنّ على تبادل الرأي
والهواجس، وتحريضهنّ على الكلام غير
المباح، وتهدئة مخاوفهنّ... ليس في سياق
مظاهرة أو اجتماع سرّي في منتدى أو
محفل، بل في بقعة هادئة ومكشوفة هي
مركز اليسوعيين في دمشق. وفي أواخر آب (أغسطس)
الماضي، وزّعت وكالة الأنباء الفرنسية
تقريراً عن هذه الجلسات، نشرته عشرات
الصحف العربية والأجنبية، تحت عناوين
مختلفة ولكنها تتفق على الأساس: سوريون
من أديان وطوائف مختلفة يجمعهم أمر
واحد هو الخوف من المستقبل. التقرير أوضح أنّ المشروع يقوم على
اجتماعات أسبوعية، يحضرها في كلّ مرّة
ستة من أصل 50، تُطرح فيها مسائل شتى
بأكبر قدر ممكن من الشفافية، والتخفف
من المحرّم والمسكوت عنه، لا سيما
المخاوف الطائفية والدينية والإثنية،
واحتمالات الحرب الأهلية. كما أشار
التقرير إلى أنّ ناشد تشترك في تنسيق
المشروع مع الأب رامي إلياس، المحلل
النفسي ومسؤول المركز، واقتبسها تقول
التالي: 'المفارقة هي أنّ الجميع
يشعرون بالخوف في سورية. لماذا يستخدم
النظام العنف والقمع؟ لأنه يخاف أن
يفقد السلطة. والناس الذين يتظاهرون،
ألا يشعرون بالخوف؟ بالتأكيد، ومع ذلك
يذهبون' إلى المظاهرات. ثمّ نقرأ ما
يقوله مشارك من الطائفة العلوية (عبّر
عن الهلع على نفسه وأولاده بعد اقتحام
جامع الرفاعي في دمشق)، ومشاركة من
الطائفة الدرزية (قالت إنها لا تخشى من
الانقسامات الطائفية، بقدر خشيتها من
التدخل الأجنبي الذي يمكن أن يقسم
البلد)، وثالث مسيحي (روى أنه كان مع
النظام حتى ازدادت عمليات القتل، فذهب
للتظاهر في دوما، وآواه سكانها الذين
يسميهم النظام 'سلفيين'). فما الذي يمكن أن يوهن عزيمة الأمّة، إذا
اجتمعت شرائح تمثيلية من بناتها
وأبنائها، وخاضوا في نقاشات مثل هذه،
أو انقسموا حول هذا الأمر أو ذاك، بين
مؤيد للانتفاضة وخائف منها مباشرة، أو
من تأثيراتها الخارجية؟ وكيف يمكن
لجلسات كهذه أن تضعف 'الشعور القومي'؟
أليس بعض هذا هو ما تنطح رأس النظام إلى
تحقيقه في ما سُمّي ب'الحوار الوطني'؟
هي أسئلة نافلة، غنيّ عن القول، لأنّ
الأصل في قرار اختطاف ناشد كان تجميد
مبادرتها هذه، فضلاً عن تعطيل
طاقااتها في العلاج السريري المباشر
لمرض كبير عضال اسمه الخوف، مزمن في
سورية منذ 48 سنة، حين فُرضت قوانين
الطوارىء والأحكام العرفية. ممنوع على رفاه ناشد استغلال سيغموند
فرويد وجاك لاكان وجورج باتاي، أو حتى
علماء نفس عرب من أمثال مصطفى صفوان
ومصطفى حجازي وسامي علي، في تدريب
السوريات والسوريين على كسر حواجز
الخوف، وفتح كوى في جدران الصمت،
والإبصار بعيداً إلى أمام، نحو الحرية
والكرامة والديمقراطية والمستقبل
الأفضل. وإذا كانت أجهزة النظام أجهل،
بل أشدّ غباء، من أن تدرك خطورة أبحاث
ناشد السابقة حول المغزى الثقافي
السياسي لشيوع ظواهر الحجاب والنقاب
والتديّن الشعبي، وعلاقات الهوية بين
الذات والآخر (كما جاء في مقالتها
اللامعة 'قول ما لا يُقال'، مثلاً)،
فإنّ الأجهزة ذاتها لا يمكن إلا أن
تستنفر وتستشيط غضباً وحقداً حين تعكف
ناشد على رفد الانتفاضة، وإنْ بطرائق
غير مباشرة، لكنها عميقة الأثر. مثل توفير المضادات الحيوية الكفيلة بقتل
الخوف، وتزويد الأمّة بكلّ المناعة
المطلوبة للوقاية منه، مرّة وإلى
الأبد! ================= رأي القدس 2011-10-16 القدس العربي كشف الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية
العرب الذي انعقد امس في مقر الجامعة
العربية، وبناء على طلب من دول مجلس
التعاون الخليجي، ان مركز الثقل
السياسي، ودائرة صنع القرار العربي قد
انتقل الى هذه الدول، وباتت هي التي
تجلس خلف عجلة القيادة في العمل العربي
المشترك. الهدف من هذا الاجتماع كان بحث الاوضاع في
سورية في ظل تفاقم الازمة الداخلية،
وتصاعد ارقام الضحايا الذين يسقطون
يومياً برصاص قوات الامن والجيش
السورية، ووصولها الى اكثر من ثلاثة
آلاف قتيل، وهو رقم مقلق بكل المقاييس
في رأي الكثيرين، بمن في ذلك الامين
العام للامم المتحدة بان كي مون نفسه. من الواضح ان النظام السوري مصر على المضي
قدماً في استخدام الحلول الامنية
الدموية، وبات غير عابئ بكل الدعوات
التي تطالبه بالبدء فوراً باصلاح
حقيقي يلبي مطالب الشعب المشروعة في
استعادة كرامته وحقن دمائه وتحقيق
التغيير الديمقراطي، ومن الواضح ايضاً
ان الانتفاضة السورية المستمرة طوال
الاشهر السبعة الماضية، ما زالت في
ذروة قوتها، ولم ترهبها الآلة القمعية
الجبارة، مما يعني ان البلاد مقدمة على
أحد خيارين الاول: هو التدخل الخارجي،
والثاني: هو الحرب الاهلية الطائفية. المندوب السوري في الجامعة العربية اعرب
عن خشيته من ان يكون الهدف من تحرك
وزراء الخارجية العرب والدعوة لانعقاد
اجتماعهم الطارئ هو تطبيق لاجندات
غربية، لان الاجتماع تزامن مع التحرك
الامريكي في مجلس الامن الدولي لفرض
عقوبات على سورية، وسواء صحت اتهاماته
او لم تصح، فان الخناق العربي على
الاقل بات يضيق على عنق النظام السوري،
وباتت هناك جبهة عربية تتبلور ضده،
ابرز اركانها دول الخليج العربي وبعض
الدول المتحالفة معها مثل الاردن
والمغرب، مما سيعيد عزلة سورية عربيا
الى جانب عزلتها الدولية المتنامية. واذا صحت الانباء التي تفيد بان اجتماع
وزراء خارجية الدول العربية الطارئ قد
يتمخض عن تشكيل لجنة برئاسة الشيخ حمد
بن جاسم بن جبر رئيس وزراء ووزير
خارجية قطر تذهب الى سورية للقاء
الرئيس بشار الاسد وتطالبه بتطبيق
مبادرة الاصلاح التي حملها اليه
الدكتور نبيل العربي قبل ستة اسابيع
بتكليف من اجتماع سابق لوزراء
الخارجية العرب، وتمهله بضعة اسابيع
وتقترح حواراً بينه وبين المجلس
الوطني السوري الانتقالي، فان هذه 'وصفة'
خطيرة قد تؤدي الى عقوبات وخيمة على
صعيد العلاقات السورية الخليجية على
وجه التحديد. الرئيس السوري بشار الأسد رفض لقاء
الأمين العام للجامعة العربية لانه
يحمل مقترحات بالاصلاح بحجة انه لا
يقبل املاءات خارجية، وكان لافتاً ان
مندوب سورية تحدث بالأمس عن مبادرة
سورية لإصلاح الانظمة العربية وتدعيم
حقوق الانسان والديمقراطية
والانتخابات الحرة فيها. صحيح ان الرئيس السوري تراجع عن موقفه،
واستقبل الأمين العام للجامعة بعد
تلكؤ، ولكنه سيجد ان اي عرض بالحوار مع
المجلس الانتقالي المعارض هو تحد بل
استفزاز له، لانه يعتقد 'وهو مصيب' ان
هناك توجهاً عربياً، وخليجياً بالذات،
للاعتراف بهذا المجلس كممثل شرعي
لسورية على غرار ما حدث لنظيره الليبي،
ومن هنا فانه سيكون من المفاجئ لنا اذا
ما قبل اللقاء مع هذه اللجنة. العلاقات السورية الخليجية تتجه نحو
التصعيد وربما المواجهة السياسية
وربما الامنية ايضاً، وليس صدفة ان هذا
الموقف الخليجي القوي تجاه النظام
السوري الذي يحاول ان يلبس ثوباً
عربياً شرعياً، يتزامن مع اتهامات
امريكية صدرت عن الرئيس باراك اوباما
نفسه، لايران بمحاولة اغتيال السفير
السعودي في واشنطن وتفجير سفارتي
اسرائيل والسعودية في بوينس ايريس
عاصمة الارجنتين. المنطقة العربية قد تكون في حالة انزلاق
متسارعة الى حرب اقليمية بمشاركة
اطراف دولية، وهي حرب ستكون سورية
وايران وحلفاؤهما (حزب الله وحماس) احد
أبرز ميادينها وساحاتها. فمن يتابع الحرب الكلامية الامريكية
الايرانية، والسورية الخليجية،
والدور الاعلامي في تأجيج أوارها،
يخرج بانطباع ان هناك 'شيئاً ما' يطبخ
للمنطقة. الأمر المؤكد ان النظام السوري يقف امام
المرحلة الأكثر حرجاً وخطورة في
تاريخه وخياراته في مواجهة العزلة
والتحريض والتضليل التي تحدث عنها
مندوبه في الجامعة العربية أمس، تبدو 'انتحارية'.
فالخناق يضيق عليه من الأشقاء قبل
الاعداء على الصعيدين السياسي
والدبلوماسي على الأقل. وليس غريباً ان
يكون هذا الخناق مقدمة او تمهيدا لخيار
عسكري اكثر ضراوة وخطورة. ================= الإثنين, 17 أكتوبر 2011 جميل الذيابي الحياة هناك سياسة «ناعمة» وثانية «خشنة» وثالثة
«صامتة» وهناك رابعة وخامسة. هناك
سياسة دفاعية وأخرى هجومية. ولو سئل
العارفون بالديبلوماسية السعودية
ستوصف ب «المتريثة» و»الدفاعية».
السياسة السعودية هادئة وحذرة وتجنح
إلى البطء والانتظار عند اتخاذ القرار
في المواقف السياسية الخارجية. السياسة السعودية لا تحاول التسابق مع
أحد، سواء كانت دولة صغيرة بحجم بعوضة
أو كبيرة بحجم فيل، حتى يخيَّل للمراقب
أن الرياض تسير على حقول ألغام ما
يلزمها الحذر لا التحذير. في المقابل،
هناك سياسة إيرانية استفزازية، تتباهى
بالقوة وتدعم الميليشيات والعناصر
المسلحة وتتحرك في المنطقة لا لبناء
علاقات متكافئة مع دول المنطقة
والجيران بل للمزايدة، مثل تصريح
أحمدي نجاد بعد توليه الرئاسة بأن
بلاده ستمسح إسرائيل من الخريطة، وحتى
اليوم يسمع شعبه وجيرانه بتلك الجعجعة
والشعارات الوهمية، التي لم يتحقق
منها شيء. لم تحرك إيران ساكناً، عندما ضربت
إسرائيل لبنان في صيف 2006 حتى وإن قال
البعض إن إيرانيين شاركوا إلى جانب
عناصر «حزب الله» في القتال. كما أنها
لم ترسل سفينة إغاثية واحدة عندما
أحرقت إسرائيل قطاع غزة، بل إن
الطائرات الإسرائيلية سبق أن ضربت
المنشآت العسكرية السورية الحليفة
الاستراتيجية لطهران، ثم «خرست» طهران
التي كانت تهدد بمسح تل أبيب ولم تطلق
رصاصة واحدة ولم تشجع دمشق على الرد،
لكنها أيدت بشار الأسد على قتل شعبه
والإيعاز لعناصر «حزب الله» بالمشاركة. التحالفات تتغيَّر. المشهد برمته يتطاير.
الأربعاء الماضي في الرياض كان هادئاً
وبداية لعطلة نهاية الأسبوع كالمعتاد،
وفجأة أطلَّ على الشاشات الفضية «خبر
عاجل» يكشف عن محاولة إيرانية لاغتيال
سفير الرياض لدى واشنطن. هناك من صدّق. هناك من شكّك. هناك من تساءل.
هناك من طلب التريث. هناك من صمت حتى
اليوم. بعض مَن شكّك في الرواية
الأميركية تبدو مشكلته في صدور الخبر
عن واشنطن، ومثل هذا لن يشكّك لو بُثَّ
الخبر من فنزويلا أو كوبا. لكن يجب ألا
يتجاهل البعض أن من خرج لإعلان إحباط
محاولة الاغتيال هو وزير العدل
الأميركي لا المتحدث باسم البيت
الأبيض، وهنا فارق بين الاثنين! لماذا
شكك البعض في صدقية الرواية
الأميركية، خصوصاً إذا كانت واشنطن
تملك تسجيلات صوتية وأوراقاً ثبوتية
وحوالة مالية من مسؤول إيراني
واعترافات المواطن (الأميركي –
الإيراني نفسه)، إضافة إلى أدلة أخرى
ستُعرض على أعضاء مجلس الأمن الدائمين
والمؤقتين؟ ليس المطلوب من الكل تصديق الرواية، لكن
يخطئ من يشكّك في الانتهازية
الإيرانية، بحسب أن طرف المعادلة هي
واشنطن وعلاقاتها عدائية مع طهران
ولديها رغبة في الإيقاع بها لتوجيه
ضربة عسكرية لمفاعلاتها النووية. لا يمكن تجاهل ازدواجية المعايير في
السياسة الأميركية، وتمسّكها ببقاء
سيطرتها على المنطقة ومصالحها النفطية
في الخليج، وهو ما يربطه البعض برغبتها
في الضغط على إيران والتعبئة ضدها
عالمياً عبر تدبير هذه المحاولة حتى
تخضع وتخنع لها، وحتى تتماهى طهران
مستقبلاً مع مصالح واشنطن في العراق
ونزع سلاح حزب الله في لبنان، لكن لا
يمكن في المقابل أيضاً تجاهل الرغبة
الإيرانية في كسر شوكة السعودية في
المنطقة واختراق نسيجها الاجتماعي
وتدمير قوتها الاستراتيجية بضرب «أسفين»
في علاقتها مع الولايات المتحدة. خبر محاولة اغتيال السفير الجبير في
البدايات، لذلك بدأت التأويلات
والتفسيرات، وتوزع الضيوف بين مقتنع
بالرواية ومشكّك بها أو طالباً
التروِّي حتى تتضح كل الخيوط والخطوط. حقيقة، كنت من المترددين في بداية الأمر..
وكلما اتصلت بي قناة تلفزيونية تذرّعت
بالأعذار. لكن بقراءة بسيطة لتوتُّر
العلاقات السعودية – الإيرانية، وضغط
الشارع على حليفتها سورية وإفشال
الرياض تدخلها في البحرين وقبله في
اليمن، تجعلني أذهب إلى أن طهران تحركت
نحو تدبير محاولة اغتيال السفير
الجبير لتوتير العلاقة بين الرياض
وواشنطن. لا شك في أن إيران أخطأت بحق المنطقة مرات
وبحق السعودية مرات عدة، وكانت إيران
هجومية وانفعالية ضد السعودية، فيما
ظلَّت الرياض دفاعية أمام مرماها ولم
تحاول التسلل نحو تسجيل أهداف تُحسب
عليها لا لها. بل إن المعلومات تؤكد أن
المملكة حاولت بناء علاقات احترام
وحسن جوار مع إيران، لكنها كانت تصطدم
ب «النزق» الإيراني وتواجه مراوغة
مستمرة ومحاولة فارسية «متعطشة»
للتوسُّع والتمدد على حساب جيرانها من
دول الخليج العربية عبر اللعب على حبل
الطائفية واستغلال الثغرات الداخلية. لكن هل يمكن طرح سؤال؟ لماذا لم تحاول
الولايات المتحدة «حبك» هذه القصة ضد
إيران في السنوات الماضية، على الأقل
خلال رئاسة الجمهوريين «المتعطشين»
للحروب لا في عهد الديموقراطيين،
ولماذا في هذا الوقت بالتحديد بُعيْد
أحداث العوامية وقبيل موسم الحج؟! الأكيد أن غالبية المعلومات المنشورة في
السنوات الثلاث الأخيرة تؤكد بناء
الحرس الثوري الإيراني كتيبة
اغتيالات، تعمل عناصرها بجوازات سفر
ديبلوماسية وأسماء مزوَّرة مهمتها
تنفيذ اغتيالات ضد سياسيين وإعلاميين
في بلدان عربية وأوروبية، ويبدو أن
إيران وقعت في الفخ هذه المرة عبر
تجّار المخدرات وانكشفت خيوط جريمة
تنكرها لكنها تعرف أنها حاولت تدبيرها. أعتقد أن التصعيد الأميركي الأخير
والمواقف الغربية الرسمية المؤيدة له
والتلويح باستصدار قرار من مجلس الأمن
ضد إيران لن تكون مجرد تطارح كلامي أو
ضغط سياسي ولخبطة أوراق، بل ستكون «نفحة»
من حرب ربما لا تستخدم فيها الدبابة
والطائرة، لكنها ستُبقي منطقة الخليج
لسنوات تحت أعراض الالتهابات
والاحتقانات التي تضغط على أعصاب
السياسة والاقتصاد والأمن، وستكون
فواتيرها «مرهقة» لكل الأطراف المعنية
وغير المعنية، وكل ذلك بسبب رعونة
إيران وتصرفات حكومة أحمدي نجاد. ================= المجلس الوطني ووضع
الانتفاضة السورية الإثنين, 17 أكتوبر 2011 سلامة كيلة * الحياة اليوم بات يمكننا أن نتحدث عن معارضتين
تبلورتا في سورية: بعد المؤتمر الذي
عقدته هيئة التنسيق لقوى التغيير
الوطني الديموقراطي في دمشق، والإعلان
عن تشكيل المجلس الوطني في اسطنبول.
واحدة في سورية ولها امتداد في الخارج،
وأخرى في الخارج ولها وجود في سورية.
ولا شك في أن لكل منهما إستراتيجية
تختلف عن الأخرى، على رغم توافقهما في
أساسين مهمين، هما: 1) أن ليس من الممكن «هزيمة» السلطة، فهي
قوية بما يكفي لكي لا تسقط. 2) أنهما لا يثقان، بالتالي، بقوة الشعب
وبإمكانية أن يهزم السلطة. لهذا تبلورت إستراتيجية هيئة التنسيق
لقوى التغيير الوطني الديموقراطي
انطلاقاً من «حتمية» الحوار، حيث إن
الانتقال من الاستبداد إلى
الديموقراطية في وضع ليس من الممكن
تخيّل سقوط السلطة يفرض أن يكون عبر
الحوار. هذا ما كان مطروحاً على الأقل
منذ عام 2000 من قبل هذا الطيف، ولهذا
رحّب ب «خطاب القسم» ونشط من أجل أن
يتحوّل إلى تغيير من دون جدوى، لكن من
دون أن يكلّ. وقد انطلق من أنه يمكن
انتفاضة الشعب أن تدفع السلطة إلى أن
تفهم أن عليها تحقيق هذا التغيير،
ولهذا رُسمت إستراتيجية الانتظار. وفي
هذا المجال تقبع فكرة أن البديل هو
الاندفاع لحرب طائفية أو أهلية يمكن أن
تستجرّ التدخل الإمبريالي. وهي الفكرة
التي يُعتقد بأنها يمكن أن تجعل السلطة
تنهض من أجل الإصلاح عبر الحوار مع
المعارضة. بالتالي فإن هذه الإستراتيجية تقوم على
أن «الحل الوحيد» هو في الحوار وليس في
أي مكان آخر، وأن على قوى المعارضة أن
تظل تكرر ذلك، وتدفع نحوه على أمل أن «تفيق»
السلطة من نومها فتتذكر أن لا خيار
أمامها سوى الحوار من أجل تحقيق هذه
النقلة من الاستبداد إلى الديموقراطية
عبر مرحلة انتقالية تقوم على تعديل
الدستور وكفّ يد الأجهزة الأمنية.
ولسوف تكتشف هذه المعارضة أنها انتظرت
طويلاً من دون جدوى، وأن الواقع قد
تجاوزها وهي على عتبة الانتظار. أو
يحدث ما يحقق إستراتيجيتها! في المقابل، كان هدف تأسيس مجلس وطني هو «الحصول
على الدعم الدولي»، ومن ثم الحصول على
حق تمثيل سورية بديلاً من النظام
القائم. وقد خضع ل «كلام» من جانب دول «غربية»
يشير إلى ضرورة توحيد المعارضة وتشكيل
مجلس يمثلها. ولهذا كان يبدو أن الهدف
هو تكوين تشكيل سياسي ينشط عالمياً من
أجل دعم الانتفاضة، وتمثيلها،
والتحوّل إلى سلطة بديلة معترف بها
رسمياً، وأن تقوم هي بطلب التدخل
الدولي أو الحماية الدولية لا فرق، لأن
طلب الحماية يستجلب حتماً التدخل،
بفعل رفض السلطة ذلك، وبالتالي تصعيد
الضغط إلى حد فرض التدخل. إذاً، نشاط المجلس «دولي»، ويسعى إلى
اعتراف «المجتمع الدولي» به كممثل
شرعي ووحيد للشعب السوري. تتأسس فكرته
على جلب الاعتراف الدولي لاستجلاب
التدخل، الذي يمرّ بطلب الحماية
الدولية. هذا ربما باختصار هو نشاطه،
وهذه هي مهمته. وإذا كان الدكتور برهان
غليون يراوغ في الحديث عن الحماية
الدولية لجهة تمييزها عن التدخل
العسكري الدولي، فإن الأطراف الأساسية
في المجلس تقول ذلك بوضوح، خصوصاً هنا
جماعة الإخوان المسلمين، والأطراف
الليبرالية الأخرى. حيث يتبلور تصور
بأن الانتفاضة لم تعد قادرة على تحقيق
أكثر مما حققته، الأمر الذي يفرض السعي
لجلب الدور الدولي حقناً للدم،
وتخليصاً من نظام دموي. ولا شك في أن الدموية التي يمارسها
النظام، والشعور بالعجز عن هزيمة
السلطة، خصوصاً بعد أن باتت الانتفاضة
تراوح مكانها، أو تتراجع كمياً، يدفع
البعض إلى استجلاب الدعم (أو الحل) من
الخارج. وهذا ما سمح بوجود أفراد
ومجموعات تسوّق لأفكار كانت قد تبلورت
في الخارج منذ البدء، تعتمد في
إستراتيجيتها على التدخل العسكري
الإمبريالي. ولهذا يبدو أن قطاعاً من
المتظاهرين يسير في المسار الذي يدعم
القوى التي تحقق هذه الإستراتيجية،
وتنتشر الشعارات التي تطرحها. وقد أرفق
إعلان المجلس الوطني بحملة دعائية
كبيرة، وباستجلاب دعم كبير، وهو ما فرض
«شطب» معارضة الداخل. لكنه طرح آمالاً
كبيرة في ما يتعلق بانتصار الانتفاضة. فهل يستطيع المجلس تحقيق هذه الآمال؟ ربما ليس من إضافة للمجلس في الداخل، وكل
الحديث عن دوره من جانب المؤيدين له
يدور حول دور «الخارج»، سواء تعلق
الأمر بالحماية الدولية أو بالحظر
الجوي. فالحل ل «مأزق» الانتفاضة هو في
دور خارجي بالتالي. طيب، إذا لم تكن للدول الإمبريالية نية في
التدخل، سواء وخصوصاً لفرض حظر جوي
لأنه يقود إلى الحرب، حيث لن تحلّق
الطائرات للتهويش، فماذا سيكون دور
المجلس؟ ألا يدفع إلى نشوء حالة يأس
لدى كل الذين راهنوا على دور المجلس؟ ما سيكون هو هذا. فما يبدو واضحاً هو أن لا
أميركا ولا أوروبا في وارد التدخل
العسكري، الذي يبدأ بفرض الحظر كما جرى
في ليبيا. والدولة الوحيدة التي يمكنها
التدخل هي تركيا، ولا يبدو أنها في هذا
الوارد الآن، ربما لأن لديها خيارات
أخرى. وبالتالي سنلمس أن هناك سوء فهم
كبيراً للوضع الدولي الراهن. بالتالي ستتلاشى الآمال سريعاً، وربما
يتسرّب الإحباط إلى بعض القطاعات،
لتكون الخطوة هي مراكمة سلبيات على
الانتفاضة بعد كل التشويش الذي أحدثه
دور بعض القوى التي تمارس من الخارج.
هذا التشويش الذي كان يسير في شكل حثيث
لاستجلاب التدخل الإمبريالي، والذي
كان يضعف توسع الانتفاضة بانضمام فئات
اجتماعية جديدة، نتيجة «النفس الطائفي»
والميل لدعم التدخل الإمبريالي. لهذا لا يجوز ربط انتصار الانتفاضة بما هو
خارجي، وهذه خطيئة كبيرة تنبع من عدم
الثقة بالشعب وبقدرته على تحقيق
الانتصار، على رغم أن ما حققته
الانتفاضة يشير إلى تحوّل سيفضي إلى
تحقيق التغيير. فقد أصبحت المسألة ليس
توقف الانتفاضة بل مسألة تفكك السلطة،
التي أصبح واضحاً لها أنها عاجزة عن
هزيمة الشعب. السؤال أصبح فقط: متى يحدث التغيير؟ *كاتب سوري ================= حسين شبكشي الشرق الاوسط 17-10-2011 هناك يقين كبير لدى كل متابع للثورة
السورية أنه حالما قامت مدينة حلب
وشاركت بكل زخمها وثقلها سيكون ذلك
بمثابة إسدال الستار ونهاية معلنة
للنظام السوري، وذلك لما تشكله حلب من
ثقل سياسي واجتماعي مهم بالنسبة
لسوريا. ولكن ما هو «سر» تأخر حلب وترددها في
الانضمام للثورة السورية؟ من المهم
التعرف على إجابة هذا السؤال، ولكن من
بابي علم النفس وعلم الاجتماع
والتاريخ وذلك قبل علم السياسة
والاقتصاد. إبان دراستي الجامعية في الولايات
المتحدة الأميركية كنت في ورشة لإصلاح
سيارتي وأحمل معي صحيفة عربية، ولفت
هذا المشهد رجلا غربي الملامح، كبيرا
في العمر، وقور المظهر، يرتدي فوق رأسه
«البيريه» الفرنسية، وسألني «أنت
عربي؟» أجبته: نعم وأنت؟ فأجاب بافتخار
شديد: «نعم أنا حلبي»، فتذكرت باستغراب
قوله: أنا حلبي، ولم يقل أنا عربي أو
أنا سوري كما هو متوقع، ولكنه أجاب
بالهوية الأهم بالنسبة إليه على ما
يبدو، ولكن هذا الأمر له «إسقاطات»
كثيرة على التاريخ والشخصية الحلبية. فحلب كانت لفترة من الفترات إبان الحكم
العثماني تتمتع «بالاستقلال»، وكانت
تسمى إمارة حلب بشكل رسمي، وبعد
الاستقلال وإعلان الجمهورية العربية
السورية كان للخليط الاجتماعي «الفريد»
من نوعه الموجود في حلب، الأثر على
القرار السياسي العام في سوريا،
فاليهود والمسيحيون والأكراد
والأرمن، وطبعا المسلمون كانوا
متداخلين ومنصهرين ومتساوين بالمزايا
السياسية والاقتصادية، مما كان لا بد
أن ينعكس على الخارطة السورية بشكل
عام، وهو الذي أرسى بشكل جلي أن تنطلق
من حلب أفكار سياسية رائدة في هيئة
أحزاب أو أفراد، مثل حزب الشعب ورشدي
كيخيا وسعد الله الجابري، وكذلك إفراز
رئيس جمهورية فذ مثل ناظم القدسي،
وجهبذ دستوري مثل عبد السلام
الترمانيني، والسياسي المحنك محمد
معروف الدواليبي، مع عدم إغفال رواد
الصناعات والتجارة مثل أسر الزعيم
وبرمدا وميسر والمدرس وكيالي وإنطاكي
وغيرهم، ولا إغفال زعامات قديمة حسبت
على المدينة من عينة عبد الرحمن
الكواكبي وإبراهيم هنانو. ولكن حلب على الرغم من كل هذا التاريخ
والزخم عوقبت وبشدة وقساوة في عهد «البعث»،
وتحديدا في حقبة حافظ الأسد الذي قاطع
المدينة تماما وحرمها من التنمية
كليا، وكانت العقوبة الأشد بسبب حوادث
العنف التي حصلت فيها بالكلية
العسكرية ضد بعض ضباط الطائفة العلوية
في بداية حراك الإخوان المسلمين ضد
النظام، فكانت حلب أول من دفع الفاتورة
من غضب النظام وانتقامه الشرس، وكان
النظام في انتقامه باغتا وخبيثا، فهو
ساهم في «تهجير» اليهود بأكملهم، و«تخويف»
المسيحيين، و«تحريك» الأكراد، كل ذلك
ضد الطبقة البرجوازية المهمة
التقليدية في حلب، فأضعف من
استثماراتهم، وساهم في خروج رؤوس
الأموال إلى خارج البلاد مضعفا
المدينة أكثر. وجاء بشار وحاول عقد حالة صلح مع حلب،
فأدخل عناصر جديدة في المجتمع الحلبي
من رؤوس الأموال «الغريبة» من أهل
العشائر، وهم كما يعلم أهل حلب كانوا
أداة في أيدي النظام «لمآرب أخرى»،
وكذلك ساعد الانفتاح على تركيا بأن
تكون حلب أكبر المستفيدين من هذا
الانفتاح، وكذلك تمكن مفتي سوريا، وهو
مفتي حلب السابق، من تحييد كل الشيوخ
والمساجد من أي حراك ضد الدولة ومشاركة
رجال الأعمال التامة في تأييد النظام،
وهذه التوأمة الجماعية التي استثمرها
نظام الأسد الابن؛ لعلمه أن حلب وثقلها
السكاني والاقتصادي هي «أمل بقاء
النظام»، ولكن حلب تحركت وخرجت عن
السيطرة لأنها أخيرا هي جزء من المجتمع
السوري، وأهلها مصاهرون لحمص وحماه
ودرعا والرستن ودير الزور وسائر المدن
السورية المنكوبة بنيران النظام. حلب عرفت يوما بهويتها في مجالات محصورة،
مثل القدود والفستق والكباب والحجر،
ولكن أهلها اليوم ينتفضون ليشاركوا كل
السوريين في تحرير بلادهم من الظلم؛
لأن حلب الشهباء (المسماة على بقرة
النبي إبراهيم التي حلبها هناك) عرفت
بالنخوة والرجولة عبر التاريخ، وعلى
أهلها اليوم إثبات أن صمتهم كان بركانا
يستعد للانفجار. =========================== محمد بن المختار الشنقيطي المصدر:الجزيرة
نت 16/10/2011 فتحت الثورات العربية ثغرة للعرب لتغيير
الصورة السلبية الراسخة عنهم في العقل
الغربي وفي الإعلام العالمي. وجاءت
دليلا دامغا على أن من يحترم ذاته يفرض
على الآخرين احترامه. وقد جاء حصول
السياسية اليمنية الثائرة توكل كرمان
على جائزة نوبل للسلام هذا العام مؤشرا
على هذه الثمرة المضيئة من ثمرات
الثورات العربية المجيدة. لقد اهتم العرب والمسلمون في العقود
الأخيرة اهتماما بالغا بصورتهم
الشوهاء في الإعلام العالمي. وانبرى
عدد من الأكاديميين والإعلاميين العرب
للكتابة في هذا المجال، فكان في
صدارتهم المفكر الفلسطيني الراحل
إدوارد سعيد الذي فتح ثغرة بكتابه عن
"الاستشراق" في دراسة الصورة
النمطية غير الإنسانية عن العرب
والمسلمين في الثقافة الغربية. وقد
تأثر بمنهج سعيد كُثر من الشرق والغرب،
وترك كتابه أثرا عميقا في الحياة
الأكاديمية الأميركية. وسار على نهج إدوارد سعيد عدد من
الأكاديميين العرب، منهم يوسف يوسف في
دراسته لصورة العرب في الأدب اليهودي،
وسامي مسلم في دراسته لصورة العرب في
الصحافة الألمانية، وحلمي خضر ساري في
دراسته لصورة العرب في الصحافة
البريطانية. كما حاولتْ بعض الحكومات العربية الثرية
التصدي للصور النمطية السلبية الشائعة
عنها في الإعلام الأميركي، لكن بعض هذه
المحاولات كانت بليدة، مثل شراء صفحات
إعلانية من الصحف الأميركية السيارة
بأثمان باهظة، لنشر رسالة دعائية
صريحة لا إيماء فيها ولا إيحاء. وهو ما
يدل على ضعف الكفاءة لدى هذه الحكومات
حتى وإن قصدتْ الخير أحيانا. بيد أن مشكلة هذا النمط من الجهود
الأكاديمية والدعائية على حد سواء هو
أنه ينطلق من تبرئة ضمنية للذات،
وإعفاء لها من المسؤولية، ثم وضع العتب
كله على الغير. وكأن مجرد اقتناع
الأميركيين والأوربيين بأننا بشر يكفي
لحل مشكلاتنا السياسية والاجتماعية
المزمنة، أو أن تغيير الصورة يعني
تغيير الوقائع. والحق أن العكس هو
الصحيح، فالشعوب تغير صورتها في أذهان
الغير بتغيير واقعها. ولست أقلل من قيمة الدراسات حول الصور
النمطية السلبية، أو الجهد المبذول في
السعي لتغييرها، كما لا أقلل من مخاطر
الغفلة عن الجهد الأكاديمي والإعلامي
المنسق في تأبيد هذه الصور السلبية من
طرف مجموعات سياسية ودينية ذات توجهات
صهيونية في الولايات المتحدة وفي
أوروبا. بيد أن الجهد الأكبر في اعتقادي يجب أن
ينصبَّ على تغيير الوقائع، لا على
تغيير الصورة الذهنية. وهذا الذي يبدو
أن الشباب العربي الثائر قد استوعبه
بطريقة أحسن من استيعاب الأكاديميين. تميز الشباب العربي الثائر اليوم
بمثاليته وشجاعته ونظافة يده، وهي قيم
أخلاقية وإنسانية جعلتْ كل البشرية
تطأطئ رأسها احتراما لهذا الشباب. ونقل
الشباب الثائر شعوبنا من الحضيض إلى
نموذج يستلهمه الآخرون. وظهر أثر ذلك حتى في زوايا من العالم كانت
معتمة وعصيَّة على الاختراق أمام
العرب والثقافة العربية. فقد افتخرتْ
حركة "احتلوا وول ستريت"
الأميركية منذ أيام على موقعها
الإلكتروني بالقول "نحن نستخدم
تكتيكات الربيع العربي لتحقيق أهدافنا
ونشجع النضال السلمي للحفاظ على سلامة
المشاركين في الاحتجاجات". وظهرت بعض الشعارات باللغة العربية على
قمصان أعضاء هذه الحركة، منها شعار "لن
نصمت"، كما ظهر شعار "ارحل"
باللغة العربية أيضا في المظاهرات
الاجتماعية ضد الغلاء في إسرائيل. وقد لاحظتُ أيام الثورة المصرية وجود
ثلاثة من معلقي صحيفة نيويورك تايمز
الأميركية في ميدان التحرير بالقاهرة،
وهم توماس فريدمان وروجر كوهن
ونيكولاي كريستوف. والثلاثة يهود معروفون بحبهم لإسرائيل
وقربهم من مزاجها السياسي، مع اختلاف
في مستوى تحاملهم على العرب، فتوماس
فريدمان أسوؤهم في هذا المضمار (وهو
أحبهم إلى بعض الساسة العرب!) بينما
يمتاز الآخران بنزعة إنسانية ترطِّب
من تحيزهما أحيانا. وقد لفت نظري أن الثلاثة تحولوا فجأة من
التحامل على العرب إلى التغني ب"الروح
الإنسانية" التي أظهرها المصريون في
ثورتهم (وهذا تعبير فريدمان نفسه).
والذي تتبع كتابات الثلاثة خلال العقد
الأخير في نفس الصحيفة -كما تتبعتها-
يدرك كم نحن مدينون للشباب العربي
الثائر باسترجاع كرامتنا وصيانة
عِرضنا المستباح. إن حصول امرأة عربية معروفة بالتزامها
السياسي الإسلامي -إذ هي عضو مجلس شورى
التجمع اليمني للإصلاح- على جائزة نوبل
للسلام لهو قفزة هائلة نحو اكتساب
العرب احترام العالم بعد أن فقدْنا هذا
الاحترام عقودا من الزمن، بسبب سوء
صنيع قادتنا المستبدين، وبسبب أمراضنا
الاجتماعية العديدة. وزادت السلفية الفوضوية في العقد الأخير
من سوء هذه الصورة السيئة أصلا، بضعف
الحس الإنساني والحكمة السياسية
لديها، حتى لقد حولتْنا جناةً في نظر
العالم ونحن ضحايا بربرية الحضارة. ولا أزال أتذكر كيف أهدى تنظيمُ القاعدة
للنخبة السياسية الأميركية المتورطة
في تدمير العراق أعظم هدية دعائية،
حينما خرج أفراد منه على الإنترنت وهم
يحملون رأس الرهينة الأميركي نيكولاس
بيرغ وهو يقطر دما بعد بضعة أيام من
انكشاف فضيحة سجن أبي غريب الهمجية،
فنسي عوام الأميركيين همجية سياسييهم
وجنودهم في سجن أبي غريب أمام هذا
الغباء والبلادة الإنسانية. لقد جلب الربيع العربي ثورة أخلاقية في
القيم والمفاهيم أهمها إدخال مفاهيم
النضال السلمي في عمق ثقافتنا، وهو ما
أدى إلى تغيير نظرتنا إلى ذاتنا، ونظرة
الآخرين إلينا. وليس حصول امرأة يمنية على جائزة نوبل
للسلام سوى بداية ثمرات هذه الثورة
الأخلاقية التي ستضعنا في مكاننا
اللائق من خريطة العالم الأخلاقية
والإنسانية. فبينما كان الهم الأهم لأوروبا في
الأعوام الأخيرة هو محاربة الرموز
الإسلامية، من معركة الحجاب في مدارس
فرنسا إلى معركة المنارات في مساجد
سويسرا.. خرج الشباب العربي في ثوراته
المضيئة فأرغم العالم على فتح قلبه لنا
بعد إغلاق، واحترامه لنا بعد ازدراء. إن الانضباط الأخلاقي والنضج السياسي
والحس الإنساني سمات اتسمتْ بها
الثورات العربية، وهذا ما أكسبها
احترام العالم. ومن مظاهر هذه السمات: أولا: انتهاج النهج السلمي في النضال
السياسي، وقبول الثوار دفع الثمن
الغالي من دمائهم، دون جعل المجتمع
العام يدفع ضريبة الثورة انفجارا
دمويا شاملا. ثانيا: القتال بشجاعة حينما تضطر الثورة
إلى القتال، بعد أن تتوجه قوة الدولة
إلى القتل بغير حساب، كما رأينا في
ليبيا، وكما نرى اليوم في سوريا. ثالثا: وضوح البديل الذي تسعى الثورات إلى
تحقيقه، وهو حكم ديمقراطي يسَع الجميع
ويحفظ للجميع حقوقهم وكرامتهم دون
استثناء. رابعا: الإصرار على أن الثورات مسعى
إصلاحي داخلي، وليست تهديدا لمصالح
الآخرين المشروعة، وهذا ما ركزت عليه
توكل كرمان في مقالها المنشور بصحيفة
نيويورك تايمز يوم 18|06|2011. لقد اعتدنا أن تكون الجوائز الغربية حكرا
على من انسلخوا من جلدهم، واتخذوا من
احتقار أمتهم سلَّما إلى المجد الأدبي
والعلمي، وكأن الالتزام بقيم الإسلام
أو الإيمان بوحدة العرب جريمة أخلاقية
تجعل صاحبها غير مؤهل للجوائز الدولية.
بيد أن الشباب العربي الثائر اليوم قد
اقتحم العقبة، وفتح لنا أبواب العالم
الرحبة. وليس تكريم توكل كرمان سوى اعتراف من
دوائر التحيز العتيقة بأن عصرا جديدا
قد انبثق فجره في بلاد العرب، كما
انبثق أول مرة مطلع القرن السابع
الميلادي ففتح أبواب الدنيا مشرعة
أمام أمتنا. لقد بدأت البشرية كلها تنتقل من ثقافة
الإكراه إلى ثقافة الإقناع، ولن يكون
لأمتنا مستقبل دون دخول العصر
الإنساني الجديد بمنطق إنساني وأخلاقي
يبرهن على جدارتها بالقيادة والريادة. ومهما تكن الصعاب التي تواجهها شعوبنا،
ومهما يكن الغبن الذي تتعرض له على
أيدي حكامها وعلى أيدي القوى الدولية
الحالمة ببقاء أوطاننا أسيرة لنزواتها..
فإن التمسك بأخلاقية وإنسانية مسعانا
إلى التحرر يظل أملنا في النجاح وفي
اكتساب احترام العالم على المدى
البعيد. فالميكافلية السياسية على حساب المبادئ
الأخلاقية والإنسانية تتحول مقبرة
لأهلها على المدى البعيد، وما مصارع
الطغاة التي نشهدها اليوم سوى دليل على
ذلك. فقد تحرر هؤلاء من كل الضوابط
الأخلاقية واستباحوا كل الوسائل، لكن
عروشهم تهاوت في النهاية أمام صدور
الشباب العارية وإرادتهم الصلبة في
تحقيق الحرية والكرامة. لست من الرومانسيين الحالمين، ولا أعتقد
أن ظهور غاندي أو مارتن لوثر كينغ
بملامح عربية سيغير العالم، ويقضي على
الاستبداد والفساد والاستعمار، ولست
أنكر حق الشعوب في مقاومة الطغيان
بالقتال إذا فرض الطغاة عليها القتال..
لكن ما أريد التأكيد عليه هنا أن نبل
المقاتل لا يقل أهمية عن شجاعته، وأن
شرعية الوسائل لا تقل شأنا عن شرعية
الغايات. كما أن الحكمة السياسية تقتضي
الرحمة بالمجتمع، والسعي إلى ولوج
دروب التغيير بأقل ثمن ممكن من الدماء
والأموال. وليست السلمية نقيضا للشجاعة، بل قد تكون
هي الشجاعة في أسمى معانيها، خصوصا في
التعاطي مع حكام مفلسين، من أمثال
القذافي والأسد وصالح، اختاروا منهاج
قطَّاع الطرق على منهاج رجال الدولة. تلكم هي الرسالة الأخلاقية والإنسانية
التي قدمتها الثورة العربية للعالم،
وهي رسالة مضيئة فرضتْ على الغرب
المتعالي علينا أن يعترف بالإنسان
العربي كما هو، رجلا أو امرأة، مسلما
أو مسيحيا، إسلاميا أو علمانيا. وأهم
واجب علينا اليوم هو المحافظة على هذا
الكسب الأخلاقي والإنساني بترسيخ
الديمقراطية الحقيقية في أوطاننا،
والاعتراف بحق كل إنسان في هذه الأوطان
بالحرية والعدل والكرامة، دون تمييز
على أساس الدين أو العرق أو الموقع
الاجتماعي. لقد حصلت المناضلة اليمنية توكل كرمان
على جائزة نوبل بجدارة، وهي جائزة ندرك
جوانب التحيز السياسي والثقافي
المحيطة بمنحها غالبا. لكنها كانت هذه
المرة جائزة بنكهة الربيع العربي الذي
قدم الإنسان العربي إلى العالم كما هو،
دون تزويق أو زخرف.. إنها جائزة نوبل
بالحجاب. ======================== ما هي حقيقة مؤامرة
اغتيال السفير السعودي؟ الأحد, 16 أكتوبر 2011 خالد الدخيل الحياة ربما كان نوعاً من المصادفة أن أعلنت
الحكومة الأميركية ما تصفه بمخطط
إيراني لاغتيال السفير السعودي في
واشنطن بعد حوالى أسبوع من أحداث الشغب
التي وقعت في بلدة العوامية شرق
السعودية. وهي الأحداث التي أعلنت
الحكومة السعودية أنها تمت بإيعاز من
دولة خارجية، والمقصود بذلك إيران. إذا
كان الاتهام السعودي يعدُّ سابقة، فإن
إعلان الإدارة الأميركية يمثل مفاجأة
غير متوقعة أربكت التحليل السياسي. منذ
البداية فرض الإعلان الأميركي أكثر من
سؤال. هل صحيح أن إيران متورطة فعلاً
بالتخطيط لاغتيال السفير؟ وما الذي
يمكن أن تجنيه من عمل إرهابي كهذا
ينطوي على مغامرة سياسية تفتقد أوليات
منطق العقل والمصلحة؟ أول من بدأ بطرح تساؤلات التشكيك حول
الرواية الأميركية هو الإعلام
الأميركي، وتحديداً صحيفة ال «نيويورك
تايمز». منطلق التساؤلات ليس السياسة
الإيرانية ودأبها المستمر لبث عدم
الاستقرار في المناطق التي تبحث فيها
عن نفوذ. كما أنه لا يتعلق بصحة رواية
مؤامرة الاغتيال بذاتها، وإنما بما
يبدو في تفاصيلها من أنها لا تتسق
تماماً مع تاريخ العمليات
الاستخباراتية ل «الحرس الثوري»، ولا
مع مهنية هذا الحرس في تخطيط وتنفيذ
عملياته السرية. هذا فضلاً عن أن إيران
تعتمد في تنفيذ عمليات من هذا النوع
على وكلاء جاهزين مثل «حزب الله»
اللبناني. ولذلك كان لجوء إيران، وفق
الرواية، إلى منظمة «لوس زيتاس»
المكسيكية لتولي تنفيذ عملية اغتيال
السفير السعودي، مثار استغراب
الكثيرين ممن يتابعون السياسة
الإيرانية عن كثب. يقول هؤلاء إن لجوء
إيران إلى منظمة تتاجر بالمخدرات يقع
خارج سياق نمط العمل الاستخباراتي
الإيراني، بخاصة مع معرفة إيران أن
تجارة المخدرات في القارة الأميركية
معرضة دائماً لاختراق أجهزة
الاستخبارات الأميركية. كيف يمكن
تصديق أن تستعين إيران لتنفيذ مؤامرة
بهذه الخطورة بمنظمة إجرامية تحت
مراقبة الاستخبارات الأميركية، وأن
يكون مسرح تنفيذ هذه المؤامرة هو
الأراضي الأميركية؟ يضاف إلى ذلك، وفق
ال «نيويورك تايمز»، أن الشخص الذي
يحمل جنسية أميركية إيرانية مزدوجة،
منصور أربابسيار،الذي أوكلت إليه
مسؤولية استئجار منظمة تهريب
المخدرات، لا يمكن الاعتماد عليه
لإدارة عملية إرهابية تمتد خيوطها ما
بين مدينة مكسيكو، وطهران، وواشنطن. هل يعني ذلك أن الاتهام الأميركي لإيران
هو مجرد فبركة إعلامية للاستهلاك
المحلي، كما يقول الإيرانيون؟
المعطيات المتوافرة تقول بعكس ذلك
تماماً. أول ما يلفت الانتباه أن
الإعلان عن المؤامرة لم يصدر عن البيت
الأبيض، أو وزارة الخارجية. جاء
الإعلان من وزارة العدل، وعلى لسان
الوزير نفسه. وهذا يضفي على الأمر
طابعاً قضائياً لا يقل أهمية عن طابعه
السياسي، وذلك انطلاقاً من أن البعد
القضائي للقضية لا يستقيم من دون أن
يكون مستنداً إلى معلومات ومعطيات
تستطيع الصمود أمام التحقيق، وفي قاعة
المحكمة. ثم إن اتجاه الإدارة
الأميركية لخيار عرض تفاصيل المؤامرة
على مجلس الأمن، يدعم فرضية أنها تملك
معلومات لا تتردد في عرضها من على هذا
المنبر الدولي. في هذا السياق، وعدا عن
رفض الاتهام الأميركي لها، لم تقدم
إيران حتى الآن أية معطيات أو معلومات
تشكك في الرواية الأميركية. لماذا اختارت إيران منظمة مخدرات في
المكسيك بدلاً من وكلائها المدربين،
والموثوقين، والجاهزين للعمل، مثل «حزب
الله»؟ تعزز من إلحاح السؤال تفاصيل
الرواية الأميركية عن خيوط المؤامرة.
تقول الرواية إن منصور أربابسيار لم
يتنبه إلى أن الشخص الذي كان يتفاوض
معه لاستئجار المنظمة المكسيكية هو
عميل ل «إف بي آي»، اخترق المنظمة تحت
ستار أنه عميل مخدرات. ما يعني أن خيوط
مؤامرة اغتيال السفير كانت تحت مراقبة
السلطات الأميركية منذ بدايتها، إلى
أن ألقي القبض على منصور في مطار
نيويورك، وهو في طريقه إلى طهران. بناء
على ذلك هناك تسجيلات، ووثائق بأسماء
حقيقية تكشف تفاصيل المؤامرة، وتحدد
أشخاصاً بأسمائهم متورطين في
المؤامرة، وعلى صلة مباشرة ب «الحرس
الثوري» الإيراني. وهذا يعني أننا أمام
قصة حقيقية، وليست من صنع الخيال. يبقى
السؤال المحير: لماذا اختارت إيران هذا
الطريق المحفوف بمخاطر الانكشاف
والفشل؟ لاحظ أن السؤال وما استند إليه
من تحليلات حتى الآن يأتي في إطار
انكشاف المؤامرة وفشلها. ماذا لو لم
يتم كشفها، ونجحت في هدفها؟ ستتغير
عندها المعطيات، ويتغير تبعاً لذلك
التحليل. ولذلك ينبغي تناول استبعاد
إيران وكلاءها المعتمدين في تنفيذ
المؤامرة، واعتمادها على منظمة
مخدرات، في هذا السياق وليس أي سياق
آخر. هنا تبرز تفاصيل مهمة تتعلق بالظروف
الإقليمية في المنطقة، وذات صلة
بالسياسة الإيرانية، وذراعها
الاستخباراتية، وبالتالي بمؤامرة
اغتيال السفير. تدرك إيران أن عناصر من
«حزب الله» هم متهمون من قبل المحكمة
الدولية الخاصة بلبنان باغتيال رئيس
الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
ومن الصعب في هذه الحالة توريط الحزب
في عملية اغتيال أخرى لسفير عربي مسلم،
بأيدٍ عربية مسلمة. هذه مخاطرة كبيرة
بتبعاتها السياسية والقضائية على
الحزب، وعلى إيران. ومن حيث إنهما
حليفان على أساس مذهبي، فإن تورط الحزب
في اغتيال السفير السعودي، إلى جانب
تهمة اغتيال الحريري، يجعل منه ومن
إيران عدوين سافرين للعرب السنّة. وهذا
لا يتفق أبداً مع التكتيك السياسي
لإيران وللحزب في المنطقة. ومن الخطأ
الكبير افتراض أن الحزب سيقبل في ظل
الظروف القائمة تكليفه بمثل هذه
المهمة وهو يواجه المحكمة الدولية،
ويهيمن، ولأول مرة، على حكومة مفروضة
بقوة السلاح في لبنان. أضف إلى ذلك أن
الحزب، ومعه إيران، متهمان على نطاق
واسع في العالم العربي بالمشاركة في
قمع التظاهرات الشعبية السورية، وبقتل
المشاركين فيها من أبناء الشعب السوري.
في مثل هذه الحالة، يكون اختيار منظمة
تتاجر بالمخدرات لتنفيذ عملية
الاغتيال هو أفضل الخيارات الممكنة.
وهو خيار مقصود بذاته، إما من باب
الإضطرار، أو وهو الأرجح، من باب أن
الاقتراب من مصدر الشبهة يوفر تغطية
أفضل، وأقل تكلفة سياسية على من يقف
وراء الجريمة. ومن مؤشرات ذلك الانشغال
حالياً بالتحليل المنطقي، أو ما ينبغي
أن يكون عليه السلوك السياسي
الإيراني، في هذه المؤامرة، بدلاً من
التركيز على ما حصل فعلاً، وعلاقة ذلك
بإكراهات الإطار الإقليمي لهذه
المؤامرة، وكيف أنها فرضت خياراً
مغايراً لما كانت عليه خيارات
الاستخبارات الإيرانية في السابق.
الشيء الذي لم يتضح حتى الآن هو هل كانت
المؤامرة بعلم القيادة السياسية
العليا في إيران؟ أم إنها تعكس
انقساماً داخل الحكومة الإيرانية،
وبالتالي كانت من تخطيط فريق متنفذ في
هذه الحكومة لم يطلع القيادة العليا
على ما كان يخطط له؟ مهما تكن الإجابة،
فهي لن تقلل من مسؤولية قيادة الدولة.
وتصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي،
التي شجب فيها الاتهامات الأميركية قد
تمثل غطاء لفريق داخل الحكومة من دون
آخر. بقي سؤال: ما هو المردود السياسي الذي
يمكن أن تجنيه إيران من اغتيال السفير
السعودي؟ اللافت في الآونة الأخيرة هو
الحضور الإيراني غير المعلن في المشهد
السعودي. وكما أشرت في صدر المقالة
يأتي إعلان واشنطن عن المؤامرة
الإيرانية بعد أسبوع من توجيه الحكومة
السعودية تهمة التدخل الإيراني في
شؤونها الداخلية. يجب أن يؤخذ الاتهام
السعودي لإيران على محمل الجد.
فالسعودية من أقل الدول اندفاعاً نحو
توجيه الاتهامات، وذلك لأنها تعتمد
سياسة خارجية سمتها الأبرز أنها سياسة
دفاعية، وثانياً لأن التدخلات
الإيرانية هي السمة الأبرز لسياسة
طهران كما هو واضح في العراق ولبنان
والبحرين. إعلان واشنطن يؤشر إلى شيئين:
عودة طهران للاقتراب من الصدام مع
السعودية، وأن محاولاتها اختراق
الداخل السعودي لم تنجح حتى الآن.
والأخير إلى جانب أنه يعزى إلى نجاح
المؤسسة الأمنية في حماية الداخل، إلا
إنه يدحض ادعاءات البعض حول علاقة
أبناء الطائفة الشيعية بإيران.
ولمعرفة دوافع التحركات الإيرانية لا
بد من وضعها في إطار الثورات الشعبية
العربية، وبخاصة منها الثورة في
سورية، التي تمثل خطراً استراتيجياً
بالنسبة إلى السياسة الإيرانية في
المنطقة. وإذا صحت معلومات واشنطن عن
المؤامرة فإنه يوحي بأن لدى طهران
معلومات مقلقة عن تطورات الأوضاع في
سورية، وتحديداً عن مستقبل النظام
الحاكم فيها. وبالتالي تكون إيران من
خلال محاولة اغتيال السفير السعودي،
وعلاقتها بأحداث العوامية، ودعمها
النشط للقلاقل في البحرين، تحاول
الضغط في منطقة الخليج العربي، ظناً
منها أن هذا سيخفف الضغط على حليفها
العربي الوحيد، النظام السوري.
وبالتالي فإن إعلان واشنطن عن
المؤامرة، واتجاهها للذهاب إلى مجلس
الأمن، وقبول السعودية الرواية
الأميركية إلى جانب ما لديها من
معلومات، يقلل من احتمال مواجهة
عسكرية، ويعزز الاتجاه نحو مواجهة
سياسية مع طهران على المكشوف، ووضع
الأوراق على الطاولة في شكل مباشر.
فإذا كانت طهران قلقة من احتمال سقوط
النظام السوري، فإن الرياض وواشنطن لا
تشاركانها هذا القلق. وفي الوقت نفسه
لن تسمحا لها بتغطية قلقها هذا بعمليات
سرية هنا، وتدخلات هناك. هل انفتح باب
لتفاهمات إقليمية مع طهران؟ ومن الذي
سيدفع ثمن هذه التفاهمات؟ ================= أشواك اقتصادية في
عنابر الأسد (1-2) سعود القصيبي السياسة 16-10-2011 تخرج علينا بين الفينة والأخرى الحكومة
السورية بتصريحات عن مدى متانة
اقتصادها وقوته وعدم تأثره برياح
الربيع العربي التي وصلتها, وأسفرت عن
فرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية
كنوع من الضغط الدولي ردا على ممارسات
النظام القمعية. الا اننا اعتدنا على
تصريحات جوفاء وخالية من أية مضمون.
فالاقتصاد السوري قبيل الربيع العربي
كان في حالة صعبة رغم التصريحات
الرسمية الوردية, وزادت صعوبته
وتداعياته على اكثر من مفصل بسبب طبيعة
الاصلاحات التي قدمت من قبل النظام
والتي اسفرت بدلا من احداث تقدم او
تطورعن اثارعكسية فأججت الغضب, كما ان
تلك الاصلاحات كرست من جانب آخر غياب
الشفافية عن الكثيرمن البيانات
المالية التي تفضح مدى انهيار وكذب
النظام في تعامله وقراءته لأوضاعه
الاقتصادية . ورغم محاولات النظام السوري في تجميل
اقتصاده بالتصريحات تارة وببعض
البيانات تارة اخرى, إلا أن هناك
الكثير من المؤشرات الاقتصادية
والمعطيات الدالة على وهنه وانحداره
حتى قبل اندلاع ثورة الكرامة, ناهيك عن
تأثيرالثورة المباشرعلى نقص موارد
السياحة والإيرادات النفطية التي تشكل
العمود الفقري لموازنة الحكومة. وبنظرة سريعة للوضع الاقتصادي وتأثيراته
الإجتماعية فقد أكد تقريرالتنمية
البشرية للعام 2010 الصادرعن برنامج
الأمم المتحدة الإنمائي تراجع سورية
إلى المرتبة 111 عالمياً ضمن القائمة
التي شملت 169 دولة قياساً بالترتيب ال¯
107 حسب تقرير الامم المتحدة في ,2009 كما
تراجع الإنفاق على الصحة والتعليم
مقارنة بناتج سورية المحلي الإجمالي,
فقد أتت سورية في المرتبة السابعة
والثامنة عربياً في الانفاق على الصحة
بنسبة 4.9%, بينما لم يتجاوز معدل
الإنفاق على التعليم 1.6% من اجمالي
الناتج المحلي, وكان التقرير السنوي
للتنمية والتي شاركت فيه الحكومة
السورية واعلنه برنامج الأمم المتحدة
الإنمائي أقر بوجود "أكثر من سبعة
ملايين فقير سوري" مما يعني انتشار
حالات فقر مدقع مع استمرارهبوط وتدني
معدلات التعليم والصحة. كما تبلغ نسبة الأمية 9.2% من السكان الذكور
و 17.8% للإناث من اجمالي التعداد
السكاني البالغ 22.5 مليون نسمه. وفي
الوقت الذي قدر فيه المكتب المركزي
للإحصاء السوري عدد العاطلين عن العمل
ب¯ 450 ألفاً, وقالت وزارة الشؤون
الإجتماعية: أن أكثر من مليون و600 ألف
عاطل عن العمل تقدموا لمكاتب التشغيل
التابعة لها, في حين ذهب اتحاد العمال
إلى أن عدد العاطلين يزيد على مليون و382
ألفاً. وهناك تقديرات لعدد من الباحثين
والأكاديميين تشير إلى أن عدد العمال
المسرحين من عملهم وصل منذ بداية العام
ولغاية 20 سبتمبر الماضي إلى أكثر من 76
ألف عامل. وقد بلغ معدل البطالة 8.3 % حسب
الإحصاءات الرسمية واكثر من 20% حسب
المراقبين. في ظل هذه التقاريرالدولية والمؤشرات
التي لا تبقى لنا مجالا لاضافة تعليقات
تكرس من الحالة المتردية لكل مفاصل
الاقتصاد السوري, فان استمرار النظام
الأسدي بنهجه السابق سيعني المزيد من
حالات التردي, وسيعني تدهورا اقتصاديا
بشكل اكبر, وتراجعا خطيرا في مقدرة
المواطن السوري ليحيا حياة كريمة. ومن
هنا فان الامر المهم يكمن في الإسراع
بإسقاط ذلك النظام كما يصر المتظاهرون
منذ 6 اشهر وهو النداء أو الطلب الذي
اصبح محل ترحيب وتأييد الدول الكبري,
وهذا من شأنه احداث نقلة نوعية في
مفاصل الاقتصاد السوري, وظهور واقعه
الفعلي لا التجميلي. وذلك كله سيصب في
النهاية لجهة بناء المواطن السوري
وتعزيز مستقبله, بدلا من استمرار تلك
الاوضاع شبه المأساوية والتي صنعها
النظام بكل الوسائل وللحديث بقية . (
يتبع الجزء الثاني) ================= انشقاق الجيش السوري
والموقف منه؟ غسان المفلح 2011 الأحد 16 أكتوبر ايلاف إلى الطفل الشهيد إبراهيم الشيبان... عندما يصبح الجيش قاتل مأجور للأطفال
والمدنيين، كيف يمكن الحديث عن معايير
أخرى. بداية الشعب السوري كله برمته، يعرف أن من
ينشق عن الجيش أو يرفض الأوامر
العسكرية باطلاق النار على المتظاهرين
مصيره الموت، وسواء انشق بسلاح أم بدون
سلاح. الثورة السورية منذ بدايتها، وحتى
اللحظة، كانت تصر على اللاعنف
واللاطائفية، وهذه ليست منة من أحد، لا
من معارضة ولا من مثقفين، ولا خوفا من
النظام، بل قناعة عميقة لدى هذا الشعب،
حيث كان شعارين لم يتزحزح شعبنا عنهما"
سلمية سلمية" والشعار الثاني"
الشعب السوري واحد". النظام السياسي السوري الأسدي، نظام
مطيِف ومطيَف، وهذه قضية ايضا لم تعد
مثار خلاف، لكن هذا حقل والحقل
التمثيلي للنظام هو جملة مصالح تغطي كل
اطياف الشعب السوري، لهذا يمكننا
القول بشكل مبسط، ان حقل التطييف الذي
تعب عليه مؤسس النظام منذ ما قبل عام 1970
تركز بشكل خاص على هيكيلة قوى الجيش
والأمن، ولم يكن معنيا كثيرا بتطييف
أجهزة الدولة المدنية والحزبية،
المسألة في الجيش لم تعد عددية، بل
اصبحت التركيبة الفعالة لحركية هذه
المؤسسة، هي تركيبة ولائية تعتمد
معيارين ولاءيين" الأول أمني
مخابراتي، والثاني طائفي" وثم مع
تطور سلوك النظام التطييفي تم دمج
المعيارين في معيار واحد، أمني طائفي.
فالضابط مهما كانت درجة ولاءه لقائد
النظام، فيجب عندما يكون في موقع حساس
وآمر، يجب أن يكون منحدرا من أسرة
علوية، ويأتي في السياق التقييم
الأمني لهذا الضابط، وخاصة في مرحلة
السعينيات وحتى منتصف الثمانينيات كان
لايزال في الجيش ضباط منحدرين من
الطائفة العلوية، يخافهم النظام، أو
على الأقل غير موثوق بهم أمنيا، فاصبحت
السيطرة داخل هذه المؤسسة، لها مفعول
رمزي، بحيث أن أي مواطن سوري، يعرف
كمسلمة أن الجيش ذو بنية طائفية، حتى
لو كان هنالك بعض الوحدات العسكرية،
فعليا لاتعبر عن ذلك، لكن هذه لم تعد
تدخل في تقييم المواطن السوري لطائفية
الجيش، والطائفية هنا ليس سلوكا يتحدد
تبعا للعدد، بل يتحدد تبعا لامتلاك قوة
القرار.هرمية بدأ في بناءها منذ عام 1968
بشكل حثيث، على يد وزير الدفاع آنذاك،
والذي اطاح بما تبقى من عسكرية مؤسسية
غير مطيفة. وهذا الأمر كان مثار خلاف
دائم داخل صفوف المعارضة، لأن بعض
الأصدقاء عندما تتحدث عن بنية طائفية
للجيش، وكأنك بذلك تشتم الطائفة
العلوية الكريمة، مما خلق تشويشا
مفاهيميا، حيث بقيت هنالك قوى تراهن
على انشقاق ما داخل الجيش ذو وزن. وهذا
لم يحصل ولن يحصل، وإن حصل فسوف يكون
تبعا لميزان قوى مستجد داخليا وخارجيا.
وهذا احتماله اضعف من الضعيف. الجيش كان ملاذا لأبناء الأرياف، نتيجة
للفقر ونتيجة لغياب فرص العمل
للمتعلمين في الريف السوري، وهذه قضية
عامة، بدأ نظام الأسد تضييق فرصها أمام
ابناء المكونات الأخرى وخاصة بعد عام
1982 تاريخ نهاية الصراع بين النظام
والطليعة المقاتلة وبعث العراق.
فاصبحت كليات الضباط تستوعب أكثرية
واضحة جدا من أبناء الطائفة العلوية
على حساب بقية الطوائف. الآن في سورية
في كوكبة القادة العسكريين والأمنيين،
كم هم عدد المنتمين لخارج الطائفة
العلوية؟ إنهم أقلية وأقلية جدا، حتى
أن رئيس الأركان داوود راجحة رغم أن
ولاءه للنظام بشكل مطلق، لكنه ابدا ليس
صاحب قرار ولأنه مسيحي. تماما كما كان
يتم التعامل مع الجنرال الرستناوي
المتقاعد مصطفى طلاس والذي كان مثار
سخرية أكثرية ضباط الجيش والمخابرات.
وهذا يجعلنا نلتفت إلى عامل آخر، أن
مؤسسة الجيش لاحقا في العقدين
الأخيرين اصبحت أيضا تضم أبناء
الضباط،محدثي النعمة، حيث نادرا
لايوجد ضابط تصحيحي متقاعد إلا وله ولد
ضابط في الجيش. لأنه ليس مصدر رزق وحسب
وسلطة وحسب بل مصدر سرقة اموال الناس. حتى وصلنا إلى نتيجة بسيطة أن أغلب من
كانوا يحكمون مع الأب من ضباط الآن،
يحكم أبناءهم مع الورثة. وكي نختصر
الجيش الآن هو جيش آل الأسد، تماما كما
يقال في شعارهم الأساس" سورية الأسد"
بعد الثورة اتضحت أكثر معالم هذه
الصورة واصبحت حقيقة ملموسة وقاتلة
لأبناء شعبنا، لهذا رغم مرور سبعة أشهر
على القتل، لم نشهد حتى اللحظة انشقاق
وحدة عسكرية واحدة ولو مجرد فصيلة أو
سرية!! بل الانشقاقات كلها فردية.
والسبب ليس عداء للنظام في بعض الاحيان
بل رفضا لاطلاق النار على الناس العزل.
وفي كلا الحالتين من ينشق مصيره
الاعدام. ويكون مصيره أكثر من الاعدام
فيما لو كان ينحدر من الطائفة العلوية. عندما يصوب قناص منظاره إلى وجه طفل ويطلق
النار، او إلى صدر شاب عار الصدر
لايحمل معه سوى أنه حر، يجب البحث جديا
عن التحول العميق الذي طرأ على ثقافة
هذه المؤسسة العسكرية، وعدم دفن رأسنا
بالرمال، المعارضون عموما لهم أسبابهم
في الاستمرار بالحديث عن جيش وطني،
ومفهومة ومفسرة أيضا، لكن أن يتحدثوا
عن جيش وطني، ويرفضون حماية الضباط
والعسكر المنشقين، فهذا أمر مستغرب،
هنالك قضية أخلاقية يجب التعامل معها
بحكمة عالية، ماذا نفعل مع ضابط أو
قناص رفض اطلاق النار على المتظاهرين
وهرب أو انشق وهو يعرف ما ينتظره من
مصير فيما لو وقع بيد هذا الجيش مرة
أخرى، هذا من جهة ومن جهة أخرى في رفضنا
للعنف والاصرار على سلمية الثورة،
وتفوقها الأخلاقي وهذا هو سبب من اسباب
كتابتي لهذا المقال، يجب أن يكون هنالك
هيكل معارض يستوعب هؤلاء المنشقين،
ويؤمن الحماية لهم، ويعفيهم من
استخدام السلاح للدفاع عن حياتهم. إذا
كنا نريد فعلا الحفاظ على مسار الثورة
السلمي. إن التخلي عن هؤلاء أو حتى رفض
استخدامهم للسلاح يجب أن يعاد التفكير
فيه، عبر تأمين مخرج سلمي لحياة هؤلاء
الابطال الذين بانشقاقهم يتحدون الموت.
يجب سحبهم نحو آماكن آمنة. في الداخل أو
في الخارج. أم الحديث فقط عن رفض العنف،
وترك هؤلاء لمصيرهم فهو سيخلق هوة
عنفية، لا نستطيع ادانة أي منشق يستخدم
سلاحه في الدفاع عن حياته، كما يفعل
بعض المعارضين صراحة وكما يفعل آخرين
ضمنا. هنالك قضية أخرى لم يشر لها أحد على حد
علمي، وهي أن الخلفية التي تحدث
الانشقاقات بناء عليها، هي التمييز
الطائفي- الامني الفاقع والمهين داخل
بنى هذا الجيش، إن التمييز فاقع إلى حد
الاحتقار والاحساس بالمهانة
الانسانية والوطنية. إن اثارة هذه القضية لكي تكون على أجندة
عمل المجلس الوطني السوري ================= بشار الأسد، هاوي إشعال
الحرائق، يتحول إطفائياً بقلم بيتر هارلينغ الخبير في مجموعة الازمات
الدولية. عن ("نوفل ابزرفاتور" 6
تشرين الاول 2011) المستقبل - الاحد 16 تشرين الأول
2011 - العدد 4146 في بداية الازمة، جمع النظام السوري بين
عدة مستويات، تأرجحت بين الاصلاح
والقمع، وذلك قبل ان يستقر على الحل
الامني الصرف. ويمكن تلخيص المنطق الذي
يسير عليه الآن كالتالي: اولا، تشويه
حركة الاحتجاج بافتعال حوادث عنيفة
واستغلالها، وبجعل التظاهرات مستحيلة
وقصرها على بلدات بعينها، وطائفة
بعينها: السنية. وبعد ذلك، يتابع تنفيذ
هذه الخطة... متخليا عن العملية
اصلاحية،لأنه لا يحتاج اليها. اخيرا،
يعتمد النظام على رفع ثمن الاحتجاجات
عاليا، يستنزفها وينتظر هلاكها. وما
يثير القلق هو ان يجد النظام نفسه في
ديناميكية حرب اهلية، خصوصا في وسط
البلاد، ما سيسمح له بخلط الاوراق. منذ البداية، لم يكفّ النظام عن وصف ما
يحدث بانتفاضة مسلحة، اسلامية وفئوية،
تماما مثل الحركة التي واجهها في
ثمانينات القرن الماضي ونحج في سحقها؛
وأيضا، لأنه لا يملك جوابا على حركة
احتجاجية تطالب بتغيرات حقيقية.
لطالما اكدت المعارضة ان التظاهرات هي
سلمية ومدنية. في الواقع، كان في هذه
التظاهرات قدر من العنف، قدر ايضا من
الاسلامية والفئوية، وقد حاول النظام
تأجيجها. بالمقابل عمل المتظاهرون على
ابقاء هذه النزعات الاسلامية
والفئوية، تحت السيطرة، وبنجاح مبهر؛
خاصة اذا نظرنا الى الاستفزازات التي
تعرضوا لها. الا ان هناك ثلاثة عوامل لا بد من تسجيلها:
اولا، ظهور أشكال من الدفاع الذاتي في
وجه الجهاز الامني، خصوصا في حمص التي
تحولت الى نقطة تجمع الجنود
المتمرّدين على قيادتهم. الثاني هو
تعمّق الانقسامات الطائفية، سيما في
المناطق الريفية حيث انكسرت العلاقات
بين القرى. واخيرا، توحُّد الاطراف
المختلفة للمعارضة ضمن هيئة واحدة،
وهو توحيد ضروري نظرا لمخاطر الانزلاق. هذه الازمة يمكن ان تدمّر المجتمع
السوري، كما يمكن ان تعيد بعثه من جديد.
والنظام، في اعماقه، ليس بوسعه سوى
المراهنة على الخيار الاول: التدمير.
فاستمراره على قيد الحياة مرهون
بتلاعبه بالمخاوف الطائفية وبدعمه
القوي للأكثر خضوعا له، ووقوف
الغالبية العظمى من الناس موقفا
سلبيا، وباستخدامه العنف الأقصى
لإخضاع الأقل رضوخا؛ سيما المسؤولين
من بين المناضلين الشباب الخلاقين
الذين يلاحقهم النظام بحماسة شديدة،
تنطوي على الكثير من المعاني. جزء لا
بأس به من المجتمع يبقى أسير شياطينه،
مثل حذره الطائفي ولا مبالاته
السياسية؛ ولكنه يكشف ايضا عن امور
مشجِّعة: اشكال التضامن الوطني غير
المسبوقة، والتسيّس السريع لشبابه
الذين يمثلون مستقبلا افضل للبلاد،
واخيراً، استعادة الشعب السوري
لتاريخه، بعدما حجبته الايديولوجيا. المدافعون عن النظام يرون ان سلامهم سوف
يتحقق باللجوء الى الاطفائي الهاوي
إشعال الحرائق، بشار الأسد... والحال ان
هذا الاخير يملك كل الحظوظ للسقوط
بعدما تسبب بأقصى ما يمكن من الأضرار.
ولأجل الحفاظ على أعمق البنى التي تمتع
بها، ضحى النظام بكل ما كان يصنع قوته:
الشعبية النسبية للرئيس، شكل من اشكال
الكرامة القائم على "مقاومة"
الاحتلال الاسرائيلي والامبريالية
الاميركية، واقتصاد يتمتع، بالرغم من
كل شيء، بنوع من الديناميكية. اما
ديبلوماسيته المعروفة عادة بالمرونة،
والتي كانت تسمح له بتجنب عزلة أكبر
مما هو عليه، فقد أخلت المكان لردود
افعال تعبر عن رعب، لا ينجم عنه سوى
المزيد من العدوانية. النظام لم يعد
قائما الا بفضل جهازه الامني، وهو
الجهاز الذي يتدهور اداؤه يوما بعد آخر.
ظاهريا، يُعتبر هذا الجهاز صلباً
متماسكا، ، ولكنه في الواقع بالغ
الهشاشة. ================= آخر حلقات الإرهاب في
سوريا: الاغتيال السياسي المستقبل - الاحد 16 تشرين الأول
2011 - العدد 4146 عمر قدور مع اغتيال المعارض السوري مشعل التمو يوم
"جمعة دعم المجلس الوطني" أخذت
عمليات الاغتيال منحى أكثر خطورة.
فالضحية هذه المرة تحمل من الدلالات ما
لا يغيب عن الأجهزة الأمنية، ولعل
حساسية موقع القتيل هي التي أغرت
باستهدافه أملاً بتحقيق رزمة من
الأهداف في عملية نوعية واحدة. مشعل
التمو هو الناطق باسم تنظيم "تيار
المستقبل" الكردي، وهو أول زعيم
لتنظيم معارض يتعرض للتصفية أثناء
الانتفاضة السورية. وكان قد عُرف
بمعارضته للنظام قبل الانتفاضة
الحالية، فكان مشاركاً في "لجان
إحياء المجتمع المدني" التي أُسست
إبان ما سُمّي بربيع دمشق، وكان
مشاركاً أيضاً في "إعلان دمشق
للتغيير السلمي الديمقراطي"، وتوج
نشاطه أخيراً بانضمامه إلى "المجلس
الوطني" الذي أعلن عنه في استنبول،
ولن يكون من باب المصادفة أن يُقتل في
الجمعة المكرسة لإظهار الدعم الشعبي
للمجلس. قبل اغتيال "التمو" طالت
عمليات الاغتيال شخصيات غير معروفة
على نطاق واسع، والبعض منها لم يُعرف
عنه انخراطه في النشاط السياسي، مع ذلك
لا يمكن وصف تلك العمليات بالعشوائية
بما أنها هدفت إلى الترويع، وعلى الأخص
استهدفت السلم الأهلي الذي لم يتزعزع
إلى الحد المأمول من النظام الأمني.
وفي إحدى المفارقات انقلب خطاب النظام
منذ بداية أزمته من خطاب يفيض عن الوطن
السوري ويدّعي القومية إلى خطاب يركز
على عوامل الفرقة في المجتمع السوري،
مع لهجة تحذير واضحة من تفعيل هذه
العوامل لتأخذ شكل الاقتتال الطائفي،
وهذا ما لم يفلح الضخ الإعلامي فيه حتى
الآن. إن من شأن عمليات الاغتيال التي
حدثت خلال الشهر الأخير أن تكمل رواية
السلطة عن وجود عصابات مسلحة، بعد أن
فشلت الرواية الهزيلة عن وجود
إرهابيين سلفيين يقيمون إمارات
إسلامية في مدن صغيرة، أو حتى في أحياء
من بعض المدن!. لكن نقطة الضعف في هذه
الرواية، وكما في كل مرة، هي أن
العصابات المزعومة لم تنل حتى الآن من
أية شخصية موالية للنظام، ما دفع
الإعلام الرسمي إلى نقل خبر مقتل التمو
بوصفه "معارضاً وطنياً" مقبولاً،
بينما عُرف عن الراحل عدم مهادنته
للنظام وهو الذي كان معتقلاً لسنوات،
وعندما طلق سراحه أثناء الانتفاضة ظل
على معارضته الجذرية للحكم. لم يوفر النظام الأمني أسلوباً للترويع
إلا واتبعه. فمنذ البداية تم استهداف
المتظاهرين السلميين على يد الشبيحة،
وقد بث النشطاء الكثير من الفيديوهات
التي تبين بوضوح تام عمليات قتل
المتظاهرين من قبل رجال الأمن
والشبيحة، ومن المعلوم أن مسيرات
التأييد التي أخرجها النظام لم يتعرض
أفرادها لأي من حوادث العنف؛ رغم ذلك
أصر النظام على اتهام العصابات
الغامضة بقتل المتظاهرين، وكأن غاية
العصابات إرهاب المعارضين فقط والحفاظ
على سلامة أنصار النظام!. هذا النوع من
الكذب المكشوف لا يعدّ غباء وصفاقة
بقدر ما يندرج أيضاً في إطار الإرهاب
الفظ. فقتل النشطاء وإرغام ذويهم على
الظهور على شاشات التلفزيون الرسمي،
أو انتزاع التصاريح الموثقة منهم بأن
أبناءهم قُتلوا على يد عصابات مسلحة،
هو نوع متعمد من القهر الذي يعمد إليه
النظام بغية إيقاف الانتفاضة، أي أن
الإصرار على الكذب لا يبتغي إقناع
الموالين والحلفاء بصدق الرواية
الرسمية كما قد يتبادر إلى الذهن، لأن
الانقسام الحاصل بين خصوم النظام
وحماته لم يعد يتوقف عند هذا النوع من
التفاصيل، ولم يعد يعبأ بالتبعات
الإنسانية أو الأخلاقية للعنف المفرط. لقد بدا مستغرباً خلال الانتفاضة تسريب
ذلك الكمّ من الفيديوهات التي تبرز
تعرض المعتقلين، وحتى جثث القتلى،
للتعذيب والتنكيل من قبل عناصر الأمن
والشبيحة.وقد شاعت أخبار عن قيام بعض
عناصر الأمن بتصوير أعمال التعذيب
للمتاجرة بالفيديوهات، ومع أن هذا
الافتراض صحيح جزئياً، ويؤشر إلى الحد
الذي وصل إليه فساد السلطة، إلا أنه لا
يكفي وحده لتبرير تسريب كافة
الفيديوهات. الفرضية التي اكتسبت
وجاهة هي أن النظام نفسه حرص على نشر
بعض الفيديوهات الفظيعة عن قيامه
بأعمال التعذيب، وإن بدا غريباً أن
يعمد النظام إلى فضح الانتهاكات التي
تدينه فإن تفسير ذلك نجده في الهاجس
الأهم له وهو محاولة إرهاب المنتفضين
وردعهم وإن تطلب الأمر الكشف عن أقصى
ما تصله وحشية النظام الأمني. أمام
معركة الوجود التي يخوضها، فسيكون من
مصلحته أن يسفر عن أعتى أسلحته، بل
سيكون من مصلحته أن يسفر عن وجهه
الحقيقي دون اعتبار للمعركة الأخلاقية
التي توقف النظام عن خوضها لأنها معركة
خسرها منذ البداية. في اغتيال القيادي مشعل التمو تتوضح
الآليات التي يعمل وفقها النظام كلما
أوغل في أزمته. فالنظام الذي حرص طوال
أشهر على عدم استخدام العنف في المناطق
الكردية عمد أخيراً إلى استفزاز
الأكراد السوريين بعملية نوعية. من حيث
الشكل هذه العملية تتعارض مع السياق
المنطقي لمصلحته، لكن المصلحة
الحقيقية للنظام باتت الآن في إشعال
المناطق الكردية، لأن تصعيد زخم
الانتفاضة هناك خاصة إن ترافق مع تطرف
قومي لدى البعض، سيستغله النظام في
إعادة بعث مقولته القديمة عن نوايا
الانفصال لدى الأكراد، وبالتالي
استفزاز الشعور القومي لدى العرب
وتحقيق الغاية المثلى ببث الفرقة بين
مكونات المجتمع السوري. إن قتل ستة
آخرين أثناء تشييع "التمو" يؤكد
أن عملية الاغتيال لا تتوقف عند شخصه
فقط، وفي أحد جوانبها تتجاوز عملية
الاغتيال الحدود السورية لتوجيه رسالة
إلى الجار التركي مفادها أن بوسع
النظام إشعال المناطق الكردية في
سوريا، وبوسعه أيضاً قمعها وضبطها متى
يشاء، وبما أن القضية الكردية تشكل
هاجساً مهماً لدى الأتراك فإن التهديد
بالورقة الكردية قد يؤتي بثماره، وإن
تطلب هذا التضحية بأبناء الشعب السوري
من الأكراد. بالطبع ثمة رسالة موجهة إلى جميع
المعارضين هي أن بوسع السلطة منذ الآن
اغتيال الجميع واتهام "العصابات"
بهذه الجرائم، وأنها ليست مضطرة
دائماً إلى عمليات الاعتقال، خاصة بعد
أن فاضت السجون السورية بآلاف
المعتقلين. في الواقع لا يستبعد
السوريون الاحتمالات الأسوأ، وقد تم
التلويح بها فعلاً. فهناك تخوفات عميقة
من اللجوء إلى تفجيرات كبيرة تطال
الأبرياء. الآن ترد إلى الأذهان تلك
الاتهامات التي وجهت إلى النظام ودأب
على إنكارها، فخبرة النظام الأمني
الداخلية والخارجية تُمتحن يومياً
لتثبت للسوريين أن وجود النظام هو
القيمة التي تعلو على أية قيمة أخرى.
لكن التخوف من الأسوأ يقابله وعي
متزايد بأن الكيان السوري مهدد
بالمعنى الوجودي في حال استمرار
النظام. هذا الوعي ليس مقصوراً على
نخبة ثقافية، فطلاب إحدى المدارس في حي
الميدان الدمشقي العريق، وهو حي لا
يقطنه الأكراد، محوا الاسم القديم
لمدرستهم وكتبوا بدلاً منه: "مدرسة
الشهيد مشعل التمو". ================= المستقبل - الاحد 16 تشرين الأول
2011 - العدد 4146 دلال البزري بخوضها الحرب ضد نظامها الفاشل، تتمّم
الآن سوريا ثورتها الثانية. الاولى
كانت ضد الاستعمار، ضد مشاريعه
ومحمياته. الرصيد الايجابي لهذه
الثورة الاولى بات معروفا: لا استقلال
ناجزا عن الامبريالية، ابنة
الاستعمار، تحقّق، ولا الجولان تحرّر
من الاحتلال الاسرائيلي. على الرغم من
"الممانعة" بكل خطابها وخطبها
وتحالفاتها وشبكاتها، الموحية بالعكس.
انما كل الموضوع كان صراعا على نقاط في
كِباش دموي. المهم الآن ان انظار السوريين شاخصة نحو
عدو آخر: هالنظام، اسقاط نظامهم الامني
الفاشل. ولا نعلم بالضبط التوجهات التي
ستسلكها هذه الثورة الثانية بعد تحقيق
مرماها؛ هل تستأنف ثورتها الاولى؟ ضد
اسرائيل والامبريالية؟ هل تشبك بين
ثوريتها، الاولى والثانية؟ تؤلّف
بينهما؟ ذلك ليس معروفا بالضبط، وإن
صدرت عن اقلام سورية معارضة مواقف لا
تتنكر للثورة الاولى؛ مواقف عامة
صحيح، ولكنها تسجل مبدأ مستقبليا:
تحرير الجولان والاستقلال الوطني بعد
تحقيق حرية الشعب السوري من نظامه، أي
إنجاز الثورة الاولى بشرط تحقيق
الثانية. إنتماء هذه الثورة الثانية الى جيل حقوق
الانسان والديموقراطية، وتركيزها على
المهمة المركزية لهذه الثورة دون
غيرها من المهام، جذب اليها تأييدا
غربيا، وهو حتى الآن معنويا واقتصاديا
وديبلوماسيا. أوج هذا التأييد تمثل
بالجهد الذي بذلته اميركا واوروبا من
اجل اصدار قرار عن مجلس الامن بإدانة
النظام السوري وفرض المزيد من
العقوبات عليه. الفيتو اسقطته الصين
وروسيا؛ وبذلك، عبّر هذان البلَدان عن
استمرار وقوفهما في عقلية الحرب
الباردة، التي لا تفترض غير الصراع ضد
اميركا، رأس الامبريالية الساخن. اي
انهما ما زالا يسيران على هدى الثورات
الاولى، "الممانعة"، المتمحورة
حول العداء للصهيونية والامبريالية.
ومن الطبيعي، في هذه الحالة ان لا
يستجيبا لثورة الشعب السوري الثانية،
الثورة الديموقراطية. في المقْلب الآخر، الأراضي الفلسطينية،
ما زال ابناؤها يخوضون ثورتهم الاولى،
ضد الصهيونية. ما زالوا يتلقون في
يومياتهم وحيواتهم وممتلكاتهم الآثار
المدمرة للاحتلال الاسرائيلي، موضوع
ثورتهم الاولى هذه. صحيح ان
الفلسطينيين استجابوا لرياح الثورة
الثانية، الديموقراطية، ولكن على قياس
قضاياهم، ودرجة سخونتها. شبابهم الذين
تفاعلوا مع "الربيع العربي"
ونزلوا الى الشارع، كانوا يطالبون
القيادات المتخاصمة، "حماس" و"فتح"
بانهاء انقسامها. فيما الديموقراطية
والانتخابات والتداول السياسي
والفساد... كلها مؤجّلة، مبدئيا، حتى
انجاز الثورة الاولى، ضد اسرائيل. فكان
مشروع دولة رفعه محمود عباس الى الامم
المتحدة، من شأنه تمكين الفلسطينيين
من ان تكون لهم دولة، لو نال موافقة
مجلس الامن. لكن الذي أيد محمود عباس
هذه المرة هي روسيا والصين، فيما اعترض
عليه واسقطه الفيتو الاميركي. المهم ان الثورة السورية متصالحة مع
زمنها، فيما الثورة الفلسطينية ما
زالت تجرجر ذيول زمن آخر. ولهذا الوجود
المزدوج ترجمة واضحة على الصعيد
الدولي. او بالاحرى، لو لم تكن الدول
صاحبة الفيتو في مجلس الامن على هذه
الوضعية من الصراعية الثنائية،
العائدة الى زمن الحرب الباردة،
لانتصر الفلسطينيون بثورتهم الاولى،
بتأييد قوي وصريح من الاميركيين،
واقتربت ساعة انتصار الثورة السورية
بتأييد من روسيا والصين. لكن المشلكة الأقل وضوحا تبرز في لبنان:
هل هو في مراحل الثورة الاولى؟ من حيث
قدرة اسرائيل الدائمة على اختراق
اجوائه، على الأقل؟ ومن حيث تحمل
ذاكرته الحديثة لكل اشكال الاعتداء
الاسرائيلي عليه؟ ومستقبلا ربما، من
حيث وضع اسرائيل يدها على الثروات
النفطية الواقعة في مياهه الاقليمية؟
الخ. هل هو اذن في مرحلة الثورة الاولى،
أم انه في طور من اطوار الثورة الثانية
الديموقراطية، التي بدأت بانتفاضة
الارز عام 2005؟ والتي اخرجت الجيش
السوري من لبنان فحسب، من دون ان تتخلص
من سطوته وأذرعه الممتدة الى فريق
لبناني بأسره. فكان طورا... ومنذ ايام
دخلنا طورا جديدا: الخروقات العسكرية
التي يقوم بها الجيش السوري في الاراضي
اللبنانية الحدودية شمالا وبقاعا. إدانة هذه الخروقات صدرت من الرجالات
الذين خاضوا معارك ثورة الارز؛ وقد ردّ
على هذه الادانات رجالات من "الممانعة"،
مؤيدون للنظام السوري. وكانت حجتهم
واحدة: ترفضون وتستنكرون دخول الجيش
السوري الى شمال الاراضي اللبنانية
وبقاعها، وتسكتون عن الخروقات
الاسرائيلية الدائمة لجنوبها؟ طبعا
هذه الردود مغلوطة؛ فمن باب التمسك
بعقلية الثورة الاولى المتهافتة
الترويج لفكرة ان الذين يدينون
الخروقات السورية، لا يبالون بتلك
الصادرة عن الجيش الاسرائيلي. واذا
افترضنا العكس، أي انهم يبالون، فان
ادانة جماعة "الممانعة" للذين
يدينون الخروقات السورية هي بمثابة
القبول باعتداء على اساس حصول اعتداء
اكبر. (كما في المحكمة الدولية: "ولماذا
لا ترون الجرائم الاسرائيلية؟"). بصرف النظر عن قيمة الاستنكارات والردود
عليها، ترتسم منذ الآن المعادلة
الجديدة التي سوف يواجهها لبنان في
الايام القادمة: بين "ثورة" من
الطبيعة "الممانعة"، تعود الى زمن
مضى، أفرغت من ثوريتها ومعناها، وهي ضد
اميركا واسرائيل بتأييد روسي صيني
ايراني، وبين ثورة ثانية جديدة، ضد
نظام حكم لبنان وحكم حياته السياسية
على امتداد عقود. هو الآن، أي النظام
السوري، يطلب منه لبنان اذنا، لا ليصوت
لمصلحة الشعب السوري، فهذا محال، بل
ليمتنع عن التصويت، وهو قرار تسانده
الامبريالية، وترفضه روسيا والصين. هذا هو حال لبنان اليوم: لا هو، مثل
الفلسطينيين، يضع نصب عينيه ثورته
الاولى، ولا هو مثل السوريين يقاتل
ابناءه من اجل تحقيق ثورتهم الثانية.
انه بين الاثنين، بين "ممانعة" لم
تنجز ولم تحقق مرماها، اللهم البقاء
بقوة السلاح والعصبيات المتبادلة،
وبين ثانية داعمة بروحها وقلبها لثورة
السوريين الديموقراطية، قوية
بالعصبيات، صحيح، ولكن ايضا بالتوق
الحقيقي للتخلص من الاستبداد والتوارث
والفساد. بين اولى يريدها الروس وثانية
يؤيدها الاميركيون. بين زمنين أيضا: زمن الحرب الباردة وحروب
التحرير الوطني، وزمن اليوم حيث تختلّ
الزعامة الدولية ويهيمن ربيع عربي
ديموقراطي. الزمن الاول أفسده الوقت،
ولم يفض الا لتقليص حقوق اصحابه. حتى
دويلة فلسطينية بحدود مبتورة لم يحققه
هذا الزمن التحرري الاول. زمنٌ ينقشع
اكثر فاكثر الارتباط العضوي بين
ابطاله وابطال الاستبداد الذين تنتفض
الشعوب العربية بوجه غالبيتهم. اما
الزمن الثاني، فنعيش الآن فصوله
الاولى؛ كأنه يقول، هذا الزمن، ان
الاولوية هي لإبطال الزمن الاول
الفاشل. لبنان يعيش الآن الزمنين، الاول والثاني.
لا هو متأخر عن الركب العربي، ولا هو
متقدم عنه. انه عالق في زمنه الخاص، "خصوصيته"،
التي تعصى على الوصف الدقيق. هل يكون
هذا الانقسام، كما هي عادة لبنان
التاريخية، مصدر وصراعاته الطاحنة
المقبلة؟ أم يفي الوجه الثاني حقه،
ويغرف منه فرصا لاغناء تجربته واعطاء
المعنى لنفسه؟ فهل يجده؟ ================= د. م. سامي الرشيد 16-10-2011 الرأي الاردنية ولد غاندي عام 1869، في مدينة يورباندا
بالهند، وهي مدينة تطل على البحر
العربي، وكانت تخضع للحكم البريطاني،
وكان والده قائداً لها، وقد ورث غاندي
عنه رجاحة العقل والصدق والإخلاص، أما
والدته فقد أثّرت به أكثر لأنها كانت
متدينة جداً- عائلته هندوسية - ومع ذلك
كانت متسامحة مع حقيقة أن الدين
الإسلامي يحتل المنزلة الثانية في
الهند بعد الهندوسية، وكانت تؤمن أنه
طريقة جيدة للتحدث مع الله، وأن كلا
الدينين فرّق بين الصحيح والخطأ،
وكلاهما شجع الناس على الصلاة
والوسطية والسلوك الأفضل. لقد تخرج غاندي من جامعات بريطانيا،
وسافر ليعمل في جنوب أفريقيا، وبدأ
ينظم ثورة بيضاء سلمية ضد التمييز
العنصري هناك، وعاد ليعمل في الهند
وبدأ يتحدث بصوت عالٍ، أن الهند
مستعبدة، فقيرة وجاهلة ولابد من رفع
الظلم عنها بالمقاومة السلمية، وقد
أعلن الإضراب العام ثم أعلن المظاهرات
السلمية حيث لا يؤمن بالعنف، ونظم
مظاهرة لالتقاط الملح من الشاطئ، حيث
كان الملح حقاً للحاكم البريطاني فقط،
وهذه المظاهرة تطالب بإلغاء هذا
القانون، ولكن الجنود البريطانيين
قاموا بإطلاق النار على المدنيين
العزل، وقتل وجرح العديد منهم حتى
يلقنوا الهنود درساً لن ينسوه، ولكن ما
تعلمه الهنود على العكس تماماً. قال غاندي «عندما تطلق حكومة النار على
شعبها الأعزل، فإنها بذلك تفقد حقها في
الحكم»، وعلى الرغم من أنها لا تزال
تحتفظ بالقوة والسلطة، فإن الحكومة
البريطانية فقدت أي تأييد لها مع موت
الهنود بالمذبحة. لقد أعلن غاندي سياسة عدم التعاون مع
البريطانيين وعدم شراء السلع
المستوردة من بريطانيا مما أفقد
الصناعة البريطانية كثيراً من الأموال
وأصبحت محلات العزل رمزاً للقومية
الهندية، واستمر بالمقاومة حتى وافقت
بريطانيا على استقلال الهند ولكن
بتقسيمها إلى الهند وباكستان. لقد أشاد غاندي بالإسلام باعتباره رسالة
محبة وسلام، وديانة للناس أجمعين
ولصالح البشرية بوجه عام، وكانت
عواطفه مع العرب. ولعل من أهم ما يؤكد هذا الموقف المتعاطف
من جانب غاندي للقضايا العربية، رأيه
في القضية الفلسطينية فلقد استنكر
مطالبة اليهود بإنشاء وطن قومي لهم
بالتحالف غير الشرعي بين الصهيونية
والاستعمار العالمي، مؤكداً أن فلسطين
ملك للعرب، كما أن إنجلترا ملك إنجلترا
وبنفس الدرجة. وهذا نص ما قاله في مقاله الذي نشر بمجلة «هاريجان»
بتاريخ 12 نوفمبر عام 1938 «إن عواطفي
كلها مع اليهود، ولكن عطفي عليهم لن
يعميني عن مقتضيات العدالة، فأنا لا
أستسيغ المطالبة بإنشاء وطن قومي
لليهود، ففلسطين ملك للعرب تماماً كما
أن إنجلترا ملك للإنجليز وفرنسا
للفرنسيين، وإذا لم يكن لليهود وطن إلا
فلسطين فكيف بهم إذا أرغموا على ترك
الأماكن الأخرى التي يعيشون فيها في
أنحاء العالم؟ إن فلسطين التي جاء
ذكرها في التوراة ليست في رقعة الأرض
الجغرافية، بل هي في قلوبهم، أما إذا
كان لابد لليهود من أن يتمسكوا بفلسطين
- الأرض الجغرافية - فمن الخطأ كذلك أن
يدخلوها في ظل المدافع البريطانية
وعلى أسنة رماحهم، وليس هناك ما يمكن
أن يقال ضد مقاومة العرب في مواجهة
عقبات لا قبل لهم بها». وقد قال صحفي أمريكي كان قد قابل غاندي في
مناسبات عديدة «خلّف موت غاندي الكثير
من الظلام فلم يكن هناك من حاول مثله أن
يعيش حياة مليئة بالحقيقة والعطف
والعفة والتواضع ومساعدة الآخرين
والسلام في خلال كفاحه الطويل الصعب
والعاطفي والمتواصل ضد الاحتلال
البريطاني لبلاده وضد الشر في أبناء
وطنه وفي وسط كل هذا ظلت يداه نظيفتين
في وسط المعرفة وحارب بدون حقد أو
كراهية لأحد». لقد أضحى غاندي أسطورة القرن العشرين لكل
محبي السلام ولكل المثقفين والمفكرين
ومثلاً أعلى للقيم العليا المفتقدة. ================= عيسى الشعيبي الغد الاردنية 16-10-2011 كم يبدو الزمن بتوقيت دمشق هذا اليوم
مختلفاً عما كان عليه بالأمس، وكم تبدو
المسافة مديدة بين تاريخ ما قبل الخامس
عشر من آذار وما بعده. لكأننا الآن أمام
عصرين، وقبالة صورتين متباينتين لشعب
فاجأ نفسه بنفسه، حين صنع ما بدا أنه
المستحيل بعينه، قارب ضفاف المعجزات،
وفل الحديد بدمه، أطلع الياسمين من قلب
الصخر، وكتب النشيد الأجمل بين أناشيد
هذا الربيع الطويل. ولا يقاس الزمن
الذي دار، أخيراً وبعد لأي شديد، دورته
الكاملة في جمهورية الخوف والإسكات
والإذلال، بما هو عليه إيقاع الساعة في
أي بقعة أخرى على الأرض. فقد توقف
العقربان هناك في حماة قبل نحو ثلاثة
عقود، فيما ظل جرس الإنذار يدق ملء
الأسماع، ينبه الذاكرة ويومئ إلى
الأمثولة القابلة للتكرار غب الطلب،
ويكوي الوعي الجمعي بتلك السابقة التي
بقيت محفورة كالوشم في الوجدان العام
وفي الأفئدة. بهذا المعيار،
فإن ما جرى في عموم الديار السورية على
مدى هذه الأشهر السبعة الفارقات،
يعتبر مجيداً وفق كل المقاربات. حيث
انقضى عهد الخوف من الخوف دفعة واحدة،
وتحطمت صورة النظام مرهوب الجانب في
مرآة الناس، وتغير المشهد السوري
وانجلى عن مضاء شعبي يجل عن كل وصف، عن
عريكة لا تلين، وعن روح لم تنكسر تحت
أشد حملات الترهيب والقتل، والاستباحة
للحرمات والممتلكات والكرامات، بل
وللحق في الحياة. على مدى هذه
الأشهر انكشفت سائر عورات النظام،
سقطت عنه ورقة توت المقاومة وكذبة
الممانعة، وبان على جوهره الطائفي
كحلقة في السلسلة الممتدة على طول
الهلال ذاته، ثم مضى إلى حتفه بعينين
مفتوحتين وهو يستخدم الجيش كآخر ورقة
في جعبته، رافضاً الإصغاء إلى كل
نصيحة، ممعناً في الإنكار وتجاهل
حقائق الواقع، متعالياً على الاتعاظ
بما آل إليه من كان حالهم يماثل حاله. غير أن أشد ما
انطوت عليه هذه الأشهر المجيدة من
متغيرات، ماثل في فقدان النظام القمعي
المتوحش في دمشق للشرعية بكل مسمياتها
وتنويعاتها، بما في ذلك الشرعية
الأخلاقية، ثم دخوله في طور مديد من
العزلة التي أخذت تشتد يوماً بعد آخر،
وتضرب عليه أطواقاً من النبذ
والتهميش، حداً لم يعد فيه مسؤول عربي
يرفع سماعة الهاتف مع أي من أركان
النظام، أو زائر يعتد به يحط في
العاصمة السورية. وإذا كان من
الصحيح أن النظام المنفلت من عقاله ما
يزال متماسكاً إلى اليوم، فإن من
الصحيح أيضاً أن الثورة السورية قد
اجتازت نقطة اللاعودة، وراحت تراكم
عناصر قوتها مع مرور الوقت، وتكسب
مزيداً من الأرض السياسية، وتنبري
لخطابه المتهافت من على كل منبر
ببلاغة، لتسحب المزيد من عناصر شرعيته
المتآكلة، وتبني بالمقابل شرعية
مستمدة من حراك شعبي متعاظم، وتشجيع
عربي في طور الاكتمال، ودعم دولي
بروافع اقتصادية قانونية سياسية
متنامية. وليس من قبيل المبالغة القول، إن ما يبديه
النظام العائلي المافياوي من مظاهر
قوة فائضة، ومن تمترس شديد وراء حلوله
الأمنية العقيمة، هو في واقع الأمر
دلائل ضعف ومظاهر عدم ثقة بالنفس،
تتلحف بالعناد الطفولي وتتدثر
بالمكابرة الزائفة، ببرهان هذه
التطمينات التي يعطيها لنفسه بأن
الأزمة باتت وراء ظهره، وبتحصيل حاصل
هذه التهديدات الرعناء التي يطلقها
المفتي المكلوم بولده ضد أميركا،
ناهيك عن تقولات المعلم بشطب أوروبا عن
الخارطة، وعن عزمه اتخاذ عقوبات مشددة
إزاء كل من سيعترف بالمجلس الوطني
السوري. فهل بعد كل هذا
الذي جرى خلال سبعة أشهر لا مثيل لها في
تاريخ سورية الحديث، من يجادل أن
النظام الجملوكي قد فقد رشده، خسر نفسه
ومسوغات بقائه، وأن الثورة الشعبية
السلمية، التي قدمت كل هذه التضحيات
العظيمة، وأبلت أحسن البلاء في الدفاع
عن الحق في الحرية والديمقراطية
والكرامة الإنسانية، قد شارفت عتبة
انتصار، قد يطول بعض الوقت، إلا أنه
محقق بدون أدنى ريب؟. ================= مشعل تمو الرجل الذي
فقدته سوريا فايز سارة الشرق الاوسط 16-10-2011 غاب مشعل تمو اغتيالا في مشهد مأساوي،
يلخص بعضا من المشهد الدموي الذي تعيشه
سوريا منذ سبعة أشهر هي عمر أوسع حراك
سياسي في تاريخ سوريا الحديث
والمعاصر، كان من نتائجه حتى الآن سقوط
عشرات آلاف الشهداء والمصابين بجروح
وإعاقات، يضافون إلى عشرات آلاف
المعتقلين والسجناء، ومثلهم من
المطلوبين والملاحقين بسبب ما حدث في
الأشهر الماضية. وإذا كان اغتيال مشعل تمو تفصيلا في
فاتورة الحراك السوري، فقد كان تفصيلا
لا يمكن تجاوزه، بالنظر إلى أهمية مسار
الحياة التي عاشها الرجل على مدار عقود
من السنوات، والدور الذي قام به
استنادا إلى منظومة فكرية وسياسية
وأخلاقية، رسمت ملامح حياته ودوره في
فترة هي بين الفترات الأصعب في تاريخ
سوريا. وحملت ولادة مشعل في إحدى قرى القامشلي
عام 1957 لعائلة من السوريين الكرد
دلالاتها الخاصة. فهي من الناحية
الزمنية، تشير إلى تلاحم عميق بين
المتشاركين في إطار الجماعة الوطنية
السورية على نحو ما كانت عليه الحالة
في خمسينات القرن الماضي، التي كان
شعارها السوري الأول «الدين لله
والوطن للجميع» في سياق سياسي هدفه
تأكيد وحدة السوريين جميعا. وكان بين
الدلالات واحدة خاصة، تتعلق باختيار
اسمه الأول الذي اختير من قبل والده
بإصرار وتأكيد للإشارة إلى علاقة
وثيقة بين السوريين ولا سيما بين الكرد
والعرب، الذين ربطتهم مع غيرهم الحياة
بروابطها السياسية والاقتصادية
والاجتماعية؛ ليس في سوريا وحدها،
وإنما على امتداد المنطقة ودولها، وقد
كان لهذه الروابط عمق تاريخي، لا يقل
أهمية عن عمقها الحالي. وسط تلك الروح يمكن رؤية وفهم مسار الحياة
والمواقف التي عاشها مشعل تمو كواحد من
الشخصيات الوطنية السورية؛ إذ انشغل
بهموم بيئته الإنسانية المحلية، فكان
أحد نشطاء السوريين الكرد، قبل أن
يندمج بداية العقد الماضي في سياق حراك
ثقافي سياسي اجتماعي أوسع، مثلته
تجربة لجان إحياء المجتمع المدني في
سوريا، التي ضمت مثقفين ونشطاء من
مختلف مكونات الجماعة الوطنية، جعلت
رابطها الأول هو المواطنة، وهدفها
الأساسي تغيير حياة السوريين في شكلها
ومحتواها، بنقل سوريا من النظام
الأمني الاستبدادي إلى نظام ديمقراطي
تعددي، يوفر العدالة والمساواة
والمشاركة للسوريين جميعا في الحياة
وفي إدارتها. لقد أسهمت تلك التجربة التي كان مشعل تمو
أحد صناعها في إثراء الحياة السورية في
العقد الماضي، ودفعت كثيرين للتفكير
في الشؤون العامة، التي كانت تبدو
وكأنها سلوك من الماضي السحيق، ودفعت
آخرين للمشاركة في أنشطة عامة، ولا
سيما في ميدان المجتمع المدني
ومنظماته، وخصوصا المنظمات المعنية
بحقوق الإنسان والمرأة والطفل ومنظمات
معنية بالتنمية الاقتصادية
والاجتماعية، ولم يمنع من ممارسة ذلك
النشاط الطابع البوليسي للسلطة، وما
يقيمه من موانع وعقبات في وجه الأنشطة
الشعبية والمستقلة على وجه الخصوص. وإذ ذهبت تجربة اللجان في سياق تنشيط
العمل العام، ولا سيما في المجال
الاجتماعي، فإنها لم تتوان في التأثير
على الواقع السياسي، حيث شاركت في
إجراء تبدلات سياسية جوهرية في الحياة
السورية، ولا سيما في ميدان إعادة
الاهتمام إلى السياسية بوصفها فعالية
إنسانية ضرورية لحياة المجتمعات. وفي
هذا السياق، جهدت من أجل انفتاح بين
الجماعات السياسية العربية والكردية
والآشورية، ومهدت لإقامة أول تحالف
وطني واسع في عام 2005، حيث ولد إعلان
دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، الذي
ضم أوسع طيف من الجماعات السياسية
والشخصيات المعارضة تحت هدف تغييري
واضح. لم تكن تجربة مشعل مقتصرة على هذا النسق
الوطني العام، بل إنه سعى إلى تكوين
تيار سياسي في أوساط السوريين الكرد
باسم تيار المستقبل الكردي، يكون
قريبا من النسق الوطني العام على طريق
مشاركة السوريين الكرد الفاعلة باتجاه
دولة لكل مواطنيها، تعطيهم حقوقا
متساوية، وتعيد للمظلومين في عهود
سابقة حقوقهم وما سلب منهم على طريق
تأسيس نظام عادل يحميه الحق والقانون. لقد بدت فترة اعتقال مشعل تمو في عام 2008
استنادا إلى أحكام سياسية غير
قانونية، فترة اختبار لقناعاته
ومواقفه، على الرغم من أن الرجل لم يكن
بحاجة لاختبارات كهذه، بل هو أكبر من
تلك الاختبارات، ولنحو سنوات ثلاث،
كانت فترة اعتقاله ميدانا لممارسة تلك
القناعات، فكان تواضعه وتواصله مع
الآخرين إحدى أبرز ممارساته، بل إن
إصراره على مساعدة الآخرين من ذوي
الحاجة، بدا سلوكا عفويا وإجرائيا في
يوميات سجنه، التي أضافت عمقا في محبته
العظيمة للناس، بغض النظر عن
انتماءاتهم ومناطقهم، ولعل ذلك بين
أبرز العوامل التي جعلت مشعل تمو أحد
شخصيات المعارضة السورية، التي يتجمع
الناس حولها. مشعل تمو، الذي عاش في كنف تلك الحياة وفي
عمق تلك الأفكار، وفي سياق تلك
العلاقات، كان من الطبيعي، أن يعلن فور
خروجه من السجن بعد اندلاع ثورة
السوريين المطالبة بالحرية والكرامة:
الآن وفي ظل الثورة لن أكون إلا سوريا
دون أي تفاصيل أخرى! ========================= الاربعاء 28 أيلول (سبتمبر) 2011 شفاف المستشار محمد سعيد العشماوي لفترة طويلة انقطع المستشار محمد سعيد
العشماوي عن موقعه المفضل، "الشفاف"،
فافتقد "الشفاف" مفكرّاً من
الطراز الأول عزّ نظيره في مصر، وفي
العالم العربي عموماً، يجمع بين عمق
الثقافة الإسلامية، والنظرة الحداثية
الغربية، وأسلوباً في كتابة العربية
يندر من يتمكّن منه اليوم! تحية ل"عشماوي"
مصر العظيم، وتحية ل"أم الدنيا"
التي أسقطت الطغيان وما زال شبّانها
يتلمّسون الطريق نحو مجتمع مدني حداثي
ومتقدم سيجدون بعض معالمه في كتابات
المستشار العشماوي. تقرأ العشماوي فيشرد فكرك إلى طه حسين (صاحب
"مستقبل الثقافة في مصر") أو علي
عبد الرازق (ورائعته "الإسلام وأصول
الحكم") أو إلى ما بين سطور نجيب
محفوظ وغيرهم، إلى أجيال من المفكّرين
نكاد نقول أن مصر "اختصّت" بهم دون
غيرها من بلدان العرب، والعشماوي يضيف
إليهم نكهة القضاء الدقيقة والصارمة. بيار عقل * المجتمع المدني Civic
Society ابتدأ المُستنيرون وصف الحكومة
الإسلامية الصحيحة بأنها حكومة مدنية،
تدليلاً على أنها حكومة غير
ثيوقراطية، لا تستغل الدين في الإدعاء
بأنها تحكم بإسم الله فتضفي على الحكام
قداسةً وعصمة؛ وركوناً إلى أقوال
وأفعال الخليفتين أبي بكر الصديق وعمر
بن الخطاب – شيخاً أهل السنة، من أن
ولايتهما جاءت من الناس، وأن للناس حق
رقابتهما وتقويمهما، وعزلهما إن خانا
أمانة الولاية. ثم خطا المستنيرون خطوة أخرى فوصفوا
المجتمع السليم بأنه مجتمع مدني،
تنتفي عنه أي شمولية ويضع الضوابط التي
تكفل عدم قيام أي اتجاه فاشي فيه،
وخاصة باسم الدين، سواء كان هذا
الإتجاه الثيوقراطي الفاشي لجماعة أو
لحزب أو لمؤسسة. ولفظ "مدني" من الألفاظ التي لها
مقابلات عدة، ولا يقتصر على مقابل واحد.
ففي لغة القانون، فإن المدني يقابل
الجنائي كما يقابل التجاري والأحوال
الشخصية. وفى المجال الحضاري، فإن
المدني (نسبة إلى المدينة) يقابل
القروي (نسبة إلى القرية). وفى التنظيم
الإجتماعي، فإن المدني يقابل العسكري.
وفى الإستعمال المستحدث، فإن المدني
يقابل الثيوقراطي، وهو الإتجاه الذي
يستغل الدين للزعم بأنه يحكم بإسم الله
أو بدعوى الحق الإلهي المقدس، سواء كان
ذلك بالإدعاء خطأ أنه حكم الشرع أم
الوصول إلى نتيجته بحكم الواقع. ويتعين التأكيد أساسا على أن المجتمع
المدني ليس مجتمعاً ينكر الله أو يجحد
الدين أو يرفض الإيمان أو يتنكر
للشريعة ؛ لكنه مجتمع يقوم أصلاً على
الشهادة بوجود الله، وعلى احترام
الدين وعلى تبجيل الإيمان، وعلى توقير
الشريعة ؛ لكنه يختلف عن غيره – مما قد
يسمى سياسة ودعاية بالمجتمع الديني -
في أنه لا يستغل الدين لأغراض دنيوية
ولا يستخدم الشرع لأهداف سياسية، ولا
يزيف الإيمان مهما كانت الأسباب ؛ لكنه
– على ما سلف البيان – يدع ما لله لله
وما للناس للناس، ويفارق أعمال الله عن
أفعال الناس، ولا يخالط بين مشيئة
السماء ومشيئة الحكام. ولهذا المجتمع المدني خصائص تحدده،
وضوابط تمنعه من أي سقوط في المحاذير،
وعناصر تحول بينه وبين الإنحراف إلى
الشمولية أو الفاشية أو الثيوقراطية. ونجمل هذه الخصائص والضوابط والعناصر
فيما يلي: أولاً: التأكيد على أن الحكومة مدنية :
بمعنى أن الحكومة في هذا المجتمع حكومة
تصدر عن الشعب وتحكم بإسم الشعب لصالح
كل الشعب. فالشعب – بمجموعه – هو الذي
ينتخب الحكام وهو الذي يسهم معهم في
الحكم، وهو الذي يراقبهم، وهو الذي
يعزلهم دونما حاجة إلى انقلابات دموية
أو ثورات عنيفة. وأعمال الحكام وأقوالهم هي أعمالهم هم
وأقوالهم هم، يساءلون عنها، ويثابون
إن أحسنوا ويحاسبون أن أخطأوا. أما
فكرة حاكمية الله فهي قولة حق يراد بها
باطل، تحوّل الحكومة من حكومة مدنية
إلى حكومة ثيوقراطية (أي حكومة كهانة
بحكم الشرع De
jure أو بحكم الواقع De
fact). ذلك أن الله يحكم الكون بالقدرة والقوة،
لكن الإنسان يحكم بالإرادة والفعل. والقول بأن الحكم حكم الله – في نطاق
السياسة ومجال الحكم – قول مغالط
متلاعب، يهدف إلى أن يضفى القداسة
والعصمة على الحكام بحيث يكون حكمهم
حكم الله وقولهم قول الله، وبذلك لا
يستطيع أحد أن يحاسبهم أو يسائلهم،
وإلا عُد مارقاً من الدين كافراً بالله
معترضاً على حكمه معرضاً عن أمره
واقفاً ضد مشيئته. ولا يمكن أن تتنكر الحكومة المدنية للدين
أو تتنكب الشريعة. فحقيقة الحال أن كل
حكومة في العالم تستند إلى القيم
الدينية لشريعة الأغلبية من أبناء
شعبها، أو على القيم الدينية عموماً،
بحيث يمكن أن يقال أن الإطار المرجعي
للحكومة المدنية في البلاد الإسلامية
هو قيم الإسلام وأخلاقياته. ثانياً : التشريع حق الشعب : فالشعب هو
الذي يشرع لنفسه من خلال مؤسسات
ديمقراطية صادرة عن جميع الشعب
وغالبيته الحقيقية – بانتخابات صحيحة
لا تخضع لضغوط السلطة أو إرهاب جماعات،
ولا يداخلها تزوير من الإدارة أو تزييف
من جماعة. والإدعاء بأن الله وضع للناس شريعة
تمنعهم من وضع أي تشريع قول مخالط لأن
الأحكام التشريعية في القرآن تقع في
ثمانين آية من مجموع 6000 آية، وأغلبها
من أحكام الزواج والطلاق والمواريث
والوصية، وهى مطبقة في مصر ولا يوجد في
القرآن إلا أربع عقوبات (حدود) مشروطة
بألا تطبق إلا بعد وصول المجتمع إلى
العدالة الإجتماعية والسياسية
والإقتصادية والقضائية، حتى لا تطبق
العقوبات الشرعية لأهداف غير شرعية أو
في ظروف تتنافى مع قصد المشرع وتتجافى
مع روح التشريع. والتشريع في القرآن تناولَ الكليات وبعض
الجزئيات، وترك للأمة حق التشريع في
التفصيلات وفيما يجد من مسائل. وقد
شرعت الأمة لنفسها من خلال الفقه في كل
المسائل المدنية والتجارية، كما شرعت
نظام الوقف الأهلي، وألغت نظام الرق
والتسري بالجواري (وزواج المتعة الذي
تراه الشيعة أصلا في الدين). ويعنى تشريع الأمة لنفسها ألا يكون هناك
مجلس من علماء الدين أو غيرهم للإجتهاد
أو لغيره، لأن مثل هذا المجلس سوف يكون
وصاية مفروضة على المجلس التشريعي
الحقيقي، واستلابا لولاية الأمة تحت
نظام هو ولاية الفقيه الشيعي، أو نظام
أقرب إلى ذلك. فالذي يملك التشريع يملك
الإجتهاد، أو على الأقل يختار من بين
اجتهادات المجتهدين أو يستعين
بالعلماء والمتخصصين، دون أن يكون
هناك مجلس خاص يضم بعض العلماء أو
غيرهم فيكون هو الحاكم الفعلي والمشرع
الحقيقي. ثالثاً: الفصل بين الدين والسياسة: فالعمل
السياسي ليس عملاً دينياً، لكنه فعل
بشرى يحتمل الخطأ والصواب، ويمكن نقضه
أو نقده أو العدول عنه. وإذا كان ثمة
رأى على أن الإسهام في العمل العام
والإيجابية في الحياة من الوصايا
الدينية ومن واجبات المؤمن، فإن تطبيق
الإسهام وما يصدر عنه، ومباشرة
الإيجابية وما يخرج منها، عمل بشرى بكل
المعايير وليس عملاً دينياً بحال.
والقول بغير ذلك يؤدى إلى أن تتحول
الخلافات السياسية إلى حروب دينية،
فضلاً عن أنه يقوض المذهب السني لحساب
المذهب الشيعي الذي يرى أن الإمامة
واتخاذ إمام (وما يتبع ذلك من عمل سياسي)
هو ركن سادس من أركان الإسلام. رابعاً: إعتبار المواطنة أساس الحقوق
والواجبات : فصلة المواطن – أبناء
الوطن الواحد – بالوطن وببعضهم البعض
تقوم على أساس فكرة المواطنة. أي
الإنتماء إلى الوطن، دون تفريق بين
المواطنين بسبب العقيدة أو اللون أو
الجنس أو ما إلى ذلك. فحقوق الناس والتزاماتهم داخل الوطن
تتأسس على مبدأ المواطنة التي تحدد هذه
الإلتزامات وتلك الحقوق في الدستور
والقوانين، دون أن تتأثر هذه أو تلك
بغير ما ينص عليه القانون ؛ وبطبيعة
الحال دون أن تتعارض مع الشرائع
السماوية. خامساً: تقدير العقل وحرية الفكر: ذلك أن
قوام الإنسان عقل وضمير. وسلامة العقل
وحرية الفكر أمر لازم لنقاء الضمير
وسلامة محتواه. وإذا لم يكن الإنسان
مُعملاً عقله، حراً في تفكيره، فسوف
ينتهي إلى فساد في الضمير، يتجلى في
الإنحراف إلى التعصب والتطرف والتمسك
بالشكليات والركون إلى الهامشيات،
وفراغ النفس من أي قيم حقيقية أو مثل
صحيحة، والنزوع إلى التواكل وإسقاط
الإرادة، والإتجاه إلى التقليد الأعمى
والإتباع غير البصير. وحرية الفكر مهما كانت أمر لابد منه، بلا
أي حجر أو فرض أو توجيه. والذي يزعم أن
حرية الفكر قد تؤدى إلى حرية الكفر
يتكلم بالمنطق الفاشي والأسلوب
الشمولي الذي لا يرغب في أي حرية فكرية
ويخشى أي حركة عقلية. فالقرآن الكريم
يدعو إلى حرية الفكر. ومن روح معانية
يبدو أن الحجر على هذه الحرية إساءة
لقيم الدين وإنكار لأصل الشريعة.
فالعقل مدار المساءلة، وهو أساس
الإيمان ؛ وبغير العقل لا يكون ثمة محل
للمساءلة ولا مجال للثواب والعقاب،
ولا مكان للنمو والتقدم. إن أخطاء حرية الفكر مهما كانت لا تقارن
بأخطار الحجر على الفكر وسلب العقل.
وإن التاريخ ليثبت أن العقل الصحيح وصل
إلى الإيمان السديد، وأن الفكر الحر
أوجد الإنسان الرشيد. سادساً: العدالة الإجتماعية والسياسية
والإقتصادية والقضائية: فالمجتمع
المدني يهدف ويعمل على تحقيق العدالة
بكافة جوانبها، في أساليب ونماذج
توازن بين الفرد والمجتمع، فلا يغتال
المجتمع الفرد ولا يفتأت الفرد على
المجتمع. وغاية ذلك الوصول إلى إطلاق
كل الطاقات الإنسانية، وإيجاد نظم
رشيدة لتأمينات الحياة والبطالة
والإعاشة والصحة والتقاعد، بحيث يؤدى
إكتفاء الفرد إلى كفاية الجماعة،
وتعمل كفاية الجماعة على إكتفاء الفرد. تلك أهم صفات المجتمع المدني، وهى المحك
بين الإتجاه المستنير والإتجاه غير
المستنير. فالإستنارة الحقة، غير
المدّعاة، أو المتخذة تَقيّة، أو
المتبعة كتكتيك مؤقت، هي التي تدعو إلى
المجتمع المدني حقيقة، بكل عناصره
وخصائصه وضوابطه. القاهرة ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |